المقالات في الصحف المحلية
|
![]()
المقالات في الصحف المحلية
|
الشيطان يكمن في تفاصيل المصالحة
حديث القدس – القدس
"حماس" ... وقوانين اللعبة السياسية في ظل البراغماتية !
يونس العموري – القدس
الخلاف الأمريكي الإسرائيلي .. إلى أين؟
فيصل أبو خضرا – القدس
أزمة حكومة "الوفاق"
راسم عبيدات– القدس
الديمقراطية الناعمة...
خيري منصور– القدس
تحديات أمام الرئيس السيسي
مأمون فندي– القدس
أطراف النهار - مذاق "المرات الأولى"
حسن البطل - الأيام
أزمةُ رواتب موظّفي "حماس" إنذارٌ مبكرٌ
هاني المصري - الأيام
مصر تحلّق بالعروبة عالياً!
رجب ابو سرية - الأيام
الرابحون والخاسرون في سورية
مهند عبد الحميد - الأيام
نبيّ الصمت
زياد خدّاش - الأيام
تسلم الأيادي..!!
حسن خضر - الأيام
تغريدة الصباح - هل تساوى الماء والخشب؟
أحمد دحبور – الحياة الجديدة
حياتنا – دول خاوية
حافظ البرغوثي – الحياة الجديدة
مدارات - حياة متجددة
عدلي صادق – الحياة الجديدة
ومضة - اطلبوا النصر ولو في الصين!
د. صبري صيدم – الحياة الجديدة
حواديت - همجية السجان وانسانية الأسير
د. أسامه الفرا – الحياة الجديدة
جيفارا غزة في ذكراه
عيسى عبد الحفيظ – الحياة الجديدة
الشيطان يكمن في تفاصيل المصالحة
حديث القدس – القدس
هناك قول مشهور وصحيح يؤكد ان الشيطان يكمن في التفاصيل لدى اية قضية عامة او اتفاق شامل، وهذا القول ينطبق على عشرات القضايا العالقة بين غزة والضفة او بين السلطة وحماس في ما يتعلق باتفاق المصالحة. فالكل يؤكد ان لا رجعة عن هذا الاتفاق مهما تكن المصاعب ولكن في التفاصيل هناك عقبات جدية لا بد من معالجتها بالتفهم والحوار وروح العمل المشترك.
في هذه الايام تثور قضية نحو خمسين الف موظف في غزة ممن كانوا يتلقون رواتبهم من سلطة حماس، واليوم وبعد تشكيل حكومة التوافق توقفت هذه الرواتب واحتج الموظفون واغلقوا البنوك منذ اربعة أيام وعطلوا عملها كما عطلوا آلات سحب النقود في كل المناطق. حماس تقول ان هؤلاء اصبحوا من مسؤولية حكومة د. رامي الحمد الله الجديدة، والرئيس ابو مازن يقول في مقابلة مع فضائية مصرية: من كان يدفع لهم فليدفع لهم الآن ايضا، وهكذا إتسعت المشكلة ولا بد من ايجاد حل منطقي وسريع لها، وان كان هؤلاء ممن عينتهم حماس ووظفتهم، فانهم في البداية والنهاية يظلون مواطنين ولهم عائلاتهم وعليهم التزاماتهم، وعلى الكل من السلطة في رام الله وحماس في غزة العمل معا للبحث عن مخرج، ولا بد من التأكيد ان حكومة د. الحمد الله تتحمل المسؤولية الاكبر بهذا الخصوص لانها تمثل اليوم الضفة وغزة معا.
وما ينطبق على هذه القضية قد يتبلور في قضايا اخرى كثيرة متى وصلت المصالحة الى مواضيع الاجهزة الامنية والعاملين فيها وبقية المؤسسات الاخرى او تفاصيل العملية الانتخابية والترشحات والناخبين وغير ذلك، وما لم تتم معالجة القضية الحالية بروح المواطنة والمسؤولية وحلها بشكل دائم فان تحقيق المصالحة سيواجه مصاعب لا حصر لها.
نحن ندرك الازمة الاقتصادية التي تواجهها السلطة وندرك ان هؤلاء الموظفين المطالبين برواتبهم، يقابلهم مؤسسات بالضفة تعاني ضائقة وتتراكم ديونها على السلطة وهي مهددة بالاغلاق .. والحل لا يكون بالتجاهل او التهرب من المسؤولية، ولا بد من البحث عن مصادر تمويل عربية في الاساس وقد اغرقتنا بعض هذه الدول العربية بالوعود كما اغرقتنا القمم العربية بالالتزامات المالية التي ظلت كلها حبرا على ورق وكلاما في الهواء، ولعل صرخة هؤلاء الموظفين وصرخة المؤسسات المهددة بالاغلاق تصل الى مسامع اصحاب الوعود، ومن مسؤوليتنا إعلاء الصوت والوصول الى كل مراكز صنع القرار.
"حماس" ... وقوانين اللعبة السياسية في ظل البراغماتية !
يونس العموري – القدس
ما بين الكلام الممنوع وذاك المُعلن وممارسة فن صناعة الكلام تكمن الكثير من الحقائق، وما بين الفعل وردة الفعل والمبادرة للفعل تكمن الكثير من الدلالات، وما بين صناعة الممكن سياسيا وممارسة القناعات الفكرية تكبر المسافات. وان تكون في قمة الهرم السلطوي شيء وان تمارس الفعل المبني على الأسس الأيديولوجية والتي من المفترض بها ان تشكل القاعدة الأساسية لتداعيات الفعل السياسي وبالتالي ممارسة الحكم، شيء اخر. ورسم خارطة الطريق التي يجب السير بها وسط كل التناقضات المعاشة لا شك انه امر معقد، يتطلب الكثير من الحنكة والدهاء وهو ما قد يتناقض وصياغة المواقف المبدئية، والعبور الى سدة الحكم السياسي في ظل موازين القوى السائدة على المستوى الإقليمي وبالتالي الدولي مما يحتم على الحاكم القبول بقوانين اللعبة واصولها، وبالتالي لا مناص من اللعب السياسي وفقا لقواعد هذه اللعبة، الا ما يجب ان يكون من تحدي لقوانين هذا المنطق المعوج اصلا الذي يحكم دهاليز فن صناعة القرارات، والتأثير فيها لتُطوع وفقا لمسار الفعل الشعبي الجماهيري ومتطلباته او على الأقل وفقا لممارسة القناعات المبنية على قاعدة الإيمان المطلق بحتمية الصواب بمعايير العدالة وحق الشعوب في تقرير المصير.
لكن الخضوع لمنطق المساومة حتى يتم تحقيق بعض المكاسب التي من الممكن تسميتها بالتنظيمية الضيقة فهذا ما لا يستوي وحقائق المنطق العام ذاته. من هنا فإن المتابع للوقائع الفلسطينية ومسار الرسم البياني للمواقف السياسية التي تعكس حقائق الموقف يلاحظ ان ثمة تخبط في هذا الآداء نتيجة غياب الإستراتجية السياسية الفلسطينية المتفق عليها او على الأقل المتوافق عليها، والتي تشكل حالة إجماعية ولو بالشكل النسبي لمتطلبات الواقع الفلسطيني وهو الأمر الملموس والواضح في هذه الأيام، الأمر الذي ينعكس بشكل حدي على الأداء السياسي العام وبالتالي ينزع عنصر التأثير بمسار العملية السياسية برمتها، وهو الملاحظ بالظرف الراهن.
وهنا تكمن الإشكالية الكبرى بالتعاطي العملي وتطورات العملية التسووية من قبل الجانب الفلسطيني سواء أكان الرسمي او ذاك المُؤثر بصناعة المواقف السياسية، وفي هذا السياق لابد من تقدير الموقف حاليا حيث الهرولة الواضحة المعالم من قبل حركة حماس نحو الدخول الى نادي اللعبة السياسية بكل اشكالها ومحاورها وتداعياتها وذلك من خلال التهدئة تارة غير المسبوقة في اتون الصراع بالشكل والمضمون، ومحاولة العبور الى نادي التسوية السياسية تارة اخرى، وهذا يعود الى شعور حماس بضرورة تلبية احتياجات رعاة اعادة ترتيب المنطقة وفقا لقواعد هؤلاء الرعاة الامر الذي يعني القبول من حيث المبدأ بالعناوين الكبيرة للمسار السياسي الراهن والمتمثل بمغادرة محور المقاومة والممانعة في المنطقة وان كان هذا المحور قد اصابه الكثير من الشرذمة والتراجع وهو ما يبدو جليا وواضحا بالمشهد السياسي العام.
من الواضح ان حركة "حماس" تعبر الآن مرحلة اعتقد انها حاسمة بتاريخها وبالتالي لها الكثير من التداعيات والإرهاصات على مختلف المستويات والصعد ولعل ابرز هذه التداعيات تتجسد بتصدع الموقف الداخلي لحماس فلم يعد هناك رأي واحدا موحدا بالأطر الحمساوية يعكس موقف سياسي واحد اتجاه مختلف مجريات العملية السياسية وهو على الأقل ما ابرزته ردود الفعل الانفعالية حتى اللحظات الاخيرة على حكومة التوافق الوطني وافتعال الكثير من الاشكاليات الامر الذي كاد وما زال يهدد اركان هذه الحكومة. هذه الحكومة التي حملت الكثير من العناوين ( حكومة التوافق ، حكومة المستقلين وحكومة التكنوقراط، وحكومة الرئيس) وبالمعنى السياسي فقد عبرت هذه الحكومة عن التزامها بكافة المواثيق والمعاهدات الموقعة مما يعني ان هذه الحكومة تعبر ايضا عمن اخرجها الى النور وهو ما لا تستطيع التنكر له حماس بالظرف الراهن او النأي بنفسها عنها. بالتالي ظهر حجم التباين عند قيادات الصف الأول في حماس، الامر الذي خلق سجالا سياسيا ومواقف متباينة ومختلفة وقد تكون ايضا متناقضة. ففي ظل التهدئة والحرص عليها وحمايتها وتشكيل الحكومة والموافقة على اطروحاتها السياسية تكبر المسافات ما بين الفكرة المبدئية وبراغماتية المصلحة التنظيمية لحماس، من هنا نستطيع القول ان حماس قد غادرت ثوابتها واصبحت حركة براغماتية تتطلع الى العبور الى نادي افعال يالسياسية من خلال الملاعب ذات التأثير في المحاور الاقليمية المرتبطة بالسياسات الدولة الامر الذي يعني انها قد باتت حركة لها منطلقات مراعاة قواعد وقوانين السياسات الدولية وبالتالي تجد حماس نفسها مبتعدة بشكل او بأخر عن قانون الفعل المقاوم بالمعنى الكلاسيكي كعقيدة حاكمة وضابطة لمنهجها.
ان التطورات السياسية الجارية على الساحة الفلسطينة بالظرف الراهن والمتغيرات الحاصلة على المشهد الاقليمي قد اظهرت حجم التباينات والخلافات وتصدع المواقف داخل حركة حماس واسهمت بتمظهر حدادية الخلافات التي قد تأخذ الطابع الشخصي بين قيادات حماس تارة وقد تنعكس وتتمظهر على شكل تيارات لها اجتهاداتها وبالتالي رؤيتها المتناقضة مع الرؤية على الاقل الرسمية لحماس حتى اللحظة الراهنة.
وحيث ان البيت الفلسطيني الرسمي ما زال مهلهلا وبالتالي فان هذا العنوان اصبح عرضة للشرذمة وبات لا يعبر عن الذات الجمعية الجماعية للمُراد فلسطينيا، الامر الذي اصبح فيه عدم وضوح رؤية فعلية بحقيقة الموقف الفلسطيني علمُعبر عنه من خلال المؤسسة الفلسطينية الرسمية حيث صار السجال والسجال المضاد والاجتهاد والاجتهاد المضاد هو المبعر عن الموقف السياسي الفلسطيني في ظل الخربشة والضياع للموقف الفلسطيني المؤسساتي الرسمي.
من هنا وبناء على ما تقدم اعتقد أن "حماس" تمتلك الحق بإعلان موقفها السياسي بإعتبارها جزءا من فصائل العمل الوطني الفلسطيني بعيدا عن وقائع الصراع الداخلي، لكنها لا تمتلك الحق باحتكارها للرؤية السياسية من خلال التهديد بفعل الاختطاف للجغرافية بمنطق القوة ولا التحدث عن الموقف السياسي الوطني بشكل عام على اعتبار ان هذا الأمر بحاجة الى جهة تمثيلية حقيقية لجماهير الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده وهو المعبر عنه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي لابد من تعزيز مؤسساتها واعادة بناءها وفقا للمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وحتى يتسنى لها التعبير الفعلي عن الأطروحة السياسية الفلسطينية عموما مما يعني ضرورة إستيعاب حماس وغير حماس في مؤسسات المنظمة والا فإن البوصلة السياسية العمومية ستكون في مهب الريح مما يعني امكانية التلاعب على التناقضات الداخلية الفلسطينية كما نرى حاليا.
الخلاف الأمريكي الإسرائيلي .. إلى أين؟
فيصل أبو خضرا – القدس
ما من شك بأن الادارة الأمريكة لولاية الرئيس أوباما الثانية حصل بها خلاف مع اسرائيل حول سياسة امريكا بالنسبة لمشاريع ايران النووية. مما أعطى دلالة واضحة لإسرائيل بأن سياسة امريكا مستقلة عما تريده، حيث ان سياسة أوباما تتجنب اي مغامرة عسكرية . طبعا هذا لا يعني ان امريكا ستتخلى عن امن اسرائيل ، ولكن المؤشرات بلا شك تدل على ان امريكا لها نوع من الاستقلال او التحرر من ضغط اللوبي الصهيوني على القرار الامريكي و خصوصا ما قاله أوباما امام ايباك بالنسبة لإيران حيث قال في 4-3- 2012م ( ان من مصلحة اسرائيل والولايات المتحدة حل المسألة ديبلوماسياً ) وهذه بحد ذاتها كانت صفعة قوية للوبي الصهيوني في واشنطن.
اما بالنسبة لقضيتنا فالوضع يختلف نوعا ما ،لان السياسة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية أصعب بكثير من مشكلاتها من العديد من دول العالم ، حيث ان هذه القضية مرتبطة بشكل مباشر بالانتخابات الأمريكية ان كانت الرئاسية او انتخابات الكونغرس و (مجلس الشيوخ). وهذا ما يجعل التردد الامريكي واضحا في تصريحاتها من قبل المسؤولين في الادارة الامريكية ، ومثال على ذلك حين يصرح السيد كيري بان المسؤولية المباشرة حول تعثر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية هي من الجانب الإسرائيلي ، تباشر فورا المتحدثة باسم الخارجية الامريكية بالقول ان السيد كيري يقصد بأن الجانب الفلسطيني أيضاً مسؤول عن تعثر هذه المفاوضات.
من ناحية اخرى اعتاد الرئيس الامريكي سنويا حضور اجتماع اللوبي اليهودي (الايباك ) هو وأعضاء الكونغرس وأعضاء مجلس الشيوخ، وخلافاً لهذه العادة فقد امتنع الرئيس أوباما وكثيرون من اعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ حضور الاجتماع الاخير لهذه المنظمة . وهذا دليل اخر على ان الولايات ليست راضية على سياسات حكومة نتنياهو من سرقة الاراضي الفلسطينية وبناء مزيد من الوحدات الاستيطانية لدرجة الاستخفاف بكل القرارات الدولية بما فيها الادارة الامريكية ، والمنظمات اليهودية او الليبراليين والعلمانيين اليهود في امريكا.
وفي آخر لقاء بين الرئيس أوباما ونتنياهو طلب الرئيس الامريكي من نتنياهو تقديم تنازلات ملموسة على الارض. وبعد عودة نتنياهو الى اسرائيل اعلن وزير الإسكان بناء مزيد من الوحدات السكنية في القدس الشرقية مما جعل الموقف الامريكي في وضع لا يحسد عليه حتى امام حلفاء امريكا.
ومما زاد الطين بلة هو اكتشاف اجهزة الاستخبارات الامريكية استغلال اسرائيل علاقاتها الخاصة مع امريكا بأعمال التجسس الواسعة داخل اراضي الولايات المتحدة مما سبب استياء كبيرًا من اعضاء الكونغرس بمن فيهم المؤيدون للسياسات الاسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية. ولذلك طلبت اجهزة الاستخبارات الامريكية من الكونغرس عدم الموافقة على إعفاء مواطني دولة اسرائيل من دخول الولايات المتحدة بدون تأشيرات مسبقة. واستياء امريكا من قيام اسرائيل بإهانة العرب الذين يحملون الجنسية الامريكية لدى وصولهم الى مطار اللد.
طبعا هذا لا يعني بأن امريكا تخلت عن دعم اسرائيل بكل انواع الاسلحة لتأمين حدودها المعترف بها دوليا والتي وقعتها اسرائيل مع الرئيس السابق ريغان. لكن تمادي حكومة نتنياهو وتحديها الصارخ تجاه مصالح امريكا الدولية وخصوصا وعودها المتكررة منذ عهد الرئيس بوش الاب بإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي جعل من امريكا دولة تحت رحمة اللوبي اليهودي في واشنطن. اي ان اسرائيل تخطت كل الخطوط الحمراء بالنسبة لمصالح امريكا المالية والعسكرية، كما انه علينا ان لا ننسى بأن إفلاس امريكا في آخر عهد بوش الابن كان بسبب الحروب التي شنتها على ما يسمى الارهاب في العراق وافغانستان وجميع المنظمات الارهابية في العالم بالنيابة عن اسرائيل . كما ان تصريح الرئيس أوباما في ولايته الثانية بقوله ان استقرار منطقة الشرق الاوسط هو حل قضية ايران النووية حلا سلمياً اذا امكن ، وحل القضية الفلسطينية.
بعد انهيار حكم الاخوان في مصر حصل نوع من الإرتباك الامريكي الاسرائيلي نحو هذا التغير المفاجئ الذي قلب ما كانت تخطط له السياسة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، وخصوصا بعد دعم ومباركة السعودية وباقي دول الخليج لما قام به الجيش المصري و بتأييد قوي من قبل الشعب المصري لإسقاط النظام الاخواني. وهذه النقلة في حكم مصر سرعت وتيرة المصالحة الفلسطينية مما أغضب حكومة اسرائيل بشكل واضح ،عكس الموقف الامريكي الذي تريث في ردة الفعل التي صرحت بكل وضوح بأنها لن تتعامل مع حماس الا اذا اعترفت باسرائيل ونبذ العنف. وما من شك بأن حكمة قادة حماس فاجأت العالم كله . وخصوصا الشعب الفلسطيني الذي عانى كثيراً من هذه الفرقة البغيضة والاتفاق على حكومة وحدة وطنية مؤلفة من وزراء مستقلين تكنوقراط أولوياتها اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
هذه الخطوة الذكية من حماس وفتح جعلت واشنطن والدول الاوروبية مؤيدة لهذه الوزارة خصوصاً بعد ان طمأن الرئيس عباس هذه الدول بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي المسؤولة عن المفاوضات السلمية وليس اي فصيل من الفصائل الفلسطينية مما أعطى شرعية دولية لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
لذلك ، وعلى غير عادة وبدون مراجعة الحكومة الاسرائيلية او اللوبي اليهودي اعلنت الحكومة الامريكية باستمرار دعمها المالي والاقتصادي لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.
والآن على «حماس» مسؤولية وطنية بدعم هذه الحكومة وعدم إعطاء اي مبرر يحول دون دعم الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس.
أزمة حكومة "الوفاق"
راسم عبيدات– القدس
حكومة إتفاق الإطار المسماة بحكومة "التوافق" او الوفاق الوطني، جاءت ولادتها قسرا ونتاجا لأزمة عصفت بقيادتي الحكومتين، حكومة غزة المقاله، وحكومة رام الله، وأتت ولادة تلك الحكومة، ليس تعبيرا عن قناعة وتغليب للمصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الحزبية والفئوية والأجندات الخاصة، بل حتى في ولادتها المشوهة عانت الكثير، حيث كانت المناصب والوظائف والرواتب و"المحاصصة" في صلب مفاوضات تشكيلها، فحماس التي وجدت نفسها في ضائقة مالية كبيرة، تصاعدها يشكل خطرا على إمارتها وحكومتها، ويفاقم من حدة الإحتجاجات الشعبية ضدها، بعد غياب الحاضنة العربية التي سهلت لها تجارة الإنفاق وغض الطرف عن ممارساتها وسلوكها بسقوط حكومة الإخوان ومرسي، وقيام النظام المصري الجديد، نظام السيسي الحالي، بتشديد الخناق والحصار عليها من خلال تدمير واغلاق اغلب الأنفاق مصدر دخلها وتجارتها وثرائها، وبما يؤمن لها الدخل اللازم للصرف على حكومتها واجهزتها وموظفيها، وكذلك بسبب المواقف السياسية التي اتخذتها حيال الأزمة السورية تحديداً وكذلك النظام الجديد في مصر، أفقد تلك الحركة مصداقيتها، حيث الانتقال في المواقف السياسية، والإنتقال بالتحالفات من النقيض للنقيض، مما حدا بايران الى وقف تغطية رواتب موظفيها، ناهيك عن خذلان المعسكر الذي تحالفت معه وارتمت في احضانه لها - (المعسكر الخليجي والتركي) - فلم يقدم لها سوى الوعود والخيبات لا مال ولا سلاح ولا موقف سياسي، بل ان السعودية احد الداعمين لتلك الجماعة على خلفية الموقف من النظام المصري الجديد، قدمت مشروع قرار لإعتبار حركة الإخوان المسلمين على مستوى مجلس التعاون الخليجي كحركة "إرهابية" .
وهذا بالطبع يطال «حماس» كونها من رحم تلك الجماعة وإمتداد لها، ولذلك رأت ان الحل لكل ذلك هو التوجه للمصالحة، لكي تستطيع الإستمرار في السيطرة على الحكم في قطاع غزة، ولكي تحمل مسؤولية رواتب موظفيها ال(40000) لحكومة التوافق،ولكي تخفف من وطأة الضغط الواقع عليها عربياً وإقليمياً ودولياً، وبما يمكنها من حرية الحركة السياسية في الخارج وفي الضفة الغربية.
وبالمقابل فان السلطة لها أسبابها في المصالحة، فهي عادت للمفاوضات مع حكومة الإحتلال لمدة تسعة شهور ولم تستطع ان تحقق فيها شيئاً من الأهداف التي كانت تتوقع تحقيقها من خلال تلك المفاوضات، مما فاقم من ازمتها ومكانتها وهيبتها وحضورها بين الجماهير، بل وجدت نفسها مطالبة بالتفاوض من اجل التفاوض، فالإحتلال ماض في مشاريعه الاستيطانية وفرض الحقائق والوقائع على الأرض من طرف واحد،وحتى دفعات الأسرى من معتقلي ما قبل اوسلو (104) لم يجر الإلتزام بإطلاق سراحهم، حيث رفض الإحتلال إطلاق سراح الدفعة الرابعة وتلاعب في الثالثة زمنياً وأسماء، وأيضاً فرض على السلطة مقابل كل دفعة اسرى يطلق سراحها معادلة جديدة (أسرى مقابل إستيطان)، مئات الوحدات الإستيطانية يجري إقرارها ونشر المناقصات والعطاءات لها، ولذلك دفعتها هذه الأزمة والمعضلة، من اجل التوجه للمصالحة.
المصالحة جاءت بالإكراه وتحت الضغط والضرورة،ولكل طرف أسبابه وأجنداته، و «حماس» بدت بانها قدمت تنازلات كبيرة من اجل تلك المصالحة، لطبيعة الظروف المحيطة والمتغيرات العربية والإقليمية التي فرضت عليها ذلك، ولذلك قبلت ان تخرج من الحكومة، ولكن مع الإستمرار في الحكم، فهي صاحبة اليد الطولى في السيطرة على القطاع امنياً وسياسيا ودبلوماسياً، فحتى وزير الداخلية والذي هو رئيس الوزراء أيضاً، ليس له أية سيطرة على الأجهزة الأمنية، وبالتالي تلك الأجهزة تاخذ تعليماتها واوامرها من «حماس» وليس من مسؤول حكومة التوافق ووزير داخليتها.يضاف لذلك بأن تلك الحكومة لا تحمل برنامجاً سياسياً متوافقاً عليه، فحتى لو قال الرئيس أبا مازن هذه الحكومة حكومتي وبرنامجها برنامجي، فالتناقضات والصراعات والخلافات كبيرة وهي قابلة للإنفجار في كل مطب وقضية.
لم يمض على تشكيل حكومة "التوافق" فترة قصيرة، حتى إنفجرت الإلغام في تلك الحكومة، فالسلطة صرفت رواتب موظفيها في القطاع، ولم تصرف رواتب موظفي حكومة «حماس» بعد الإنقسام حزيران (2007) وهذا دفع موظفي حركة حماس وبأوامر من قادتهم الى التظاهر وإغلاق البنوك وخلق فوضى عارمة، دفعت البنوك الى الإغلاق، وكذلك خلقت حالة من الإحتكاك والإشتباك مع الموظفين الذين يريدون الحصول على رواتبهم من موظفي سلطة رام الله، وهذه المعضلة من شأنها دفع الأمور نحو تعميق الأزمة الداخلية والمجتمعية.
وكان رد الرئيس على ما حدث في قطاع غزة، بأنه يتوجب على حماس دفع رواتب هؤلاء الموظفين، والسلطة او حكومة التوافق غير ملزمة بالدفع، فهي تدفع (58)% من ميزانيتها لقطاع غزة، وكذلك القول بأن معبر رفح لن يفتح قبل ان ينتشر عليه الحرس الرئاسي، وتنفيذ ما اتفق عليه في القاهرة بشأن المعبر، مما يعني عودة الى تأزم الوضع.
الحكومة الجديدة ستكون غير قادرة على تأمين رواتب عشرات الآلاف الموظفين التابعين لحماس بالاضافة لرواتب موظفيها، وخصوصاً انه في الفترة التي سبقت تشكيل حكومة الوفاق، جرى توظيف وترقية اعداد كبيرة من الموظفين في القطاع، وهذا يجعل حكومة الدكتور رامي الحمد الله ،حكومة تسول ولن تستطيع تحقيق الأهداف المناطة بها،من إعمار ورفع للحصار عن قطاع غزة، والتحضير للإنتخابات، والتي لا تعرف اذا ما ستكون رئاسية وتشريعية للسلطة، أم انتخابات لدولة تحت الإحتلال؟
الأطراف التي التزمت بالدفع كقطر وبموافقة أمريكية، لن تقوم بالدفع كشؤون اجتماعية او جمعية خيرية او من منطلق واجب قومي او وطني،بل الدفع تم بموافقة امريكية ولأهداف سياسية، أي الدفع له شروطه، وكيري وزير الخارجية الأمريكي كان واضحاً في هذا الجانب،عندما قال بان امريكا ستعترف بحكومة التوافق، ولكن ستقوم بالمراقبة لعملها،أي بمعنى ان الأموال التي قدمت للحكومة اذا صرف جزء منها على الأسرى او الشهداء، فهذا يعني وقف الدعم عن هذه الحكومة وسحب الإعتراف بها، ولذلك خلت حكومة الحمد الله من وزارة شؤون الأسرى،كمطلب امريكي- اوروبي غربي نيابة عن اسرائيل.
ولذلك ما جرى حتى اللحظة الراهنة،لا يشير بان قطار المصالحة وطي صفحة الإنقسام قد أقلع،فهناك الكثير الكثير من المعضلات بحاجة للحل،وما جرى ليس أكثر من إتفاق إطار،وليس بحكومة توافق وطني.
الديمقراطية الناعمة...
خيري منصور– القدس
تعددت أسماء وتصنيفات الديمقراطية بدءاً من المتوحشة وذات الأنياب، مروراً بالديمقراطية الأليفة، وأخيراً الديمقراطية الناعمة، وهذه الأسماء أو الصفات ليست مترادفات، لأن لكل منها سياقه التاريخي والثقافي، والعبارة التي تنسب إلى ونستون تشرشل، وهي أن الديمقراطية شر لا بد منه على غرار ما قاله الخطيب الروماني شيشرون عن الزواج تصلح مدخلاً لقراءات عدة حول أنماط الديمقراطية..
هذه الكلمة السحرية التي لم تترجم حتى الآن، منذ خمسة وعشرين قرناً عن اليونانية، لكن عصرنا أضاف إلى هذه الديمقراطيات المتدرجة من المتوحش إلى الأليف والناعم ديمقراطيات من طراز عجيب، مفصلة على قياس عرق أو جنس، ومنها ما قاله يوري أفنيري عن ديمقراطية الدولة العبرية، فهي حكر على اليهود فقط..
لهذا فهي تعلن القطيعة الجذرية عن المفهوم التاريخي للديمقراطيات .
وما يسمى الديمقراطية الناعمة يذكرنا بما أصبح يتكرر في هذه الأيام عن القوة الناعمة، التي تتجسد فيها الفنون والآداب والمنجزات الحضارية . وصاحب هذا المصطلح هو الأمريكي جوزيف ناي، لكن المصطلح أصبح أكثر شهرة من الرجل الذي اشتقه.
ولا تأتي الديمقراطية الناعمة في المراحل الأولى والتجريبية للديمقراطية، إنها حصيلة تراكم وخبرات تجعل من الممارسات الديمقراطية ما هو أقرب إلى المألوف اليومي بسبب السلاسة ووجود عقد اجتماعي هو بمثابة القاسم المشترك الأعظم بين أفراد المجتمع وشرائحه .
والمفارقة هي أن ما ارتكب حتى الآن من الجرائم باسم الديمقراطية ينافس ما ارتكب من جرائم باسم الحرية، وهذه عبارة أفرزتها الثورة الفرنسية عندما لاحظ المؤرخون أنها بدأت تأكل أبناءها .
ولن يصل العالم العربي وما يماثله في العالم الثالث إلى الديمقراطية الناعمة بين ليلة وضحاها أو لمجرد صدور قرارات رسمية، فحرق المراحل على هذا الصعيد ليس متاحاً كما هو الحال في التصنيع والتطور التكنولوجي، لأن هذه المسألة ترتبط عضوياً بموروثات وثقافات وأعراف وأنماط تفكير وتربويات .
لهذا فالخشونة التي تقترن ببواكير التجارب الديمقراطية يجب أن لا تثير دهشتنا لأن المجتمعات التي تطرق هذا الباب الصعب تعيش صراعاً بين ماضيها وحاضرها وبين عاداتها الذهنية الموروثة وبين حداثتها . وباختصار تحتاج إلى مران أولاً، ثم إلى تأهيل تربوي كي تصبح سلسة، وغير مشوبة بالعنف المتبادل والدم .
تحديات أمام الرئيس السيسي
مأمون فندي– القدس
شهدت مصر حفل تنصيب وقورا لرئيسها الجديد عبد الفتاح السيسي، رئيس مطالب بالتغيير في توجهات مصر الداخلية والخارجية، لديه رصيد داخلي كبير لإحداث هذا التغيير ودعم عربي غير مسبوق، فهل يستطيع أن يجسر الفجوة بين توقعات المصريين العالية وما لديه من أدوات وإمكانات لإحداث هذا التغيير؟ وهل هناك معوقات تنتظره؟ وما هي أفضل السبل للتعامل معها؟
بداية، يأتي عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر تلبية لنداء شعبي، وتجلى هذا النداء في خروج عفوي في 30 (حزيران) 2013، ثم ظهر مرة أخرى في صورته القانونية في انتخابات الرئاسة، إذ حصل السيسي على أكثر من 23 مليون صوت من أصوات المصريين، أي ضعف ما حصل عليه رئيس الإخوان محمد مرسي وأكثر من مجموع ما حصل عليه مرسي ومنافسه أحمد شفيق مجتمعين. هذا الدعم الشعبي يمثل الرصيد السياسي للسيسي لإحداث تغيير في مسار الدولة المصرية إذا توفرت لديه الإرادة. وهو عنصر مهم من عناصر التغيير في مصر. العنصر الثاني هو أن الرئيس السيسي يتمتع بدعم مؤسسات الدولة جميعها؛ القضاء والأمن والبيروقراطية المصرية، وهذا العنصر الثاني هو الذي أسقط رئيس الإخوان الذي رفضت مؤسسات الدولة أن تتعاون معه فسقط.
فعلى عكس حالة الرفض مع مرسي، تبدو مؤسسات الدولة طيعة للسيسي. أما العنصر الداعم الثالث للرئيس الجديد فهو القوات المسلحة المصرية، وهي المؤسسة الوحيدة القوية والفاعلة في المجتمع المصري الآن. تاريخيا في مصر الرئيس الذي يتخلى عنه الجيش تدريجيا يفقد قدرته على الحكم ويسقط كما حدث في حالة مبارك. السيسي لديه دعم قوي من الجيش ولديه احترام شديد داخل صفوفه. كل هذا الدعم والشعبية الطاغية تمثل بالنسبة للرئيس رأس مال سياسيا لم يكن موجودا إلا لجمال عبد الناصر من قبله.
السؤال هنا في أي من التغييرات يريد أن ينفق الرئيس الجديد جزءا من رأسماله السياسي؟ وهل سيعيد التجربة الناصرية ويبدد هذا الرصيد من الدعم في مغامرات غير محسوبة العواقب؟
إضافة إلى الدعم الداخلي الذي يحظى به رئيس مصر الجديد لإحداث التغيير فهو يحظى أيضا بدعم عربي تجلى في أبهى صورة في بيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي جاء مقرونا بالعمل لا مجرد عبارات تهنئة، حيث دعا الملك عبد الله إلى مؤتمر اقتصادي لدعم مصر للخروج من النفق.. بيان مدعوم خليجيا كما بدا واضحا من اجتماع الملك عبد الله مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. لغة البيان أيضا حددت ملامح ما يتوقعه الملك من أشقاء مصر وأصدقائها، حيث قال إن من لا يدعم مصر الآن لا يتوقع دعما وقت الشدائد والمحن. حدد الملك أن من يقف مع مصر اليوم يقف مع السعودية ومن يقف ضدها فهو ضد المملكة. لغة واضحة لا لبس فيها. وكلام الملك ليس بجديد؛ فهو امتداد لمواقف المملكة العربية السعودية التاريخية تجاه مصر.
والموقف السعودي الإماراتي الداعم لمصر بكل هذه القوة كتبت عنه في السابق على أنه يهدف لبناء مثلث استراتيجي جديد في المنطقة يمثل نواة عمل عربي جاد مدعوم بدول خليجية أخرى محترمة مثل الكويت والبحرين وعمان، وكذلك يحظى بدعم الأردن. وتبقى دولة واحدة تريد تقويض الاستقرار في مصر ولكن أدواتها ووزنها كدولة لا يسمحان لها إلا بإثارة زوابع الغبار. المهم هو أن بيان الملك عبد الله هو الذراع الثانية للدعم الداخلي الذي يتمتع به الرئيس الجديد من أجل إحداث تغيير حاد في مصر. الملك عبد الله يريد لمصر العروبة والإسلام أن تتبوأ موقع الصدارة في أمتها، وهو بذلك يفتح أمام الرئيس صفحة جديدة للتغيير داخليا وإقليميا.
الداخل المصري وكذلك الداعم الإقليمي ممثلا في السعودية والإمارات والكويت والبحرين والأردن، لا يقبلان فشل تجربة السيسي؛ لأن في فشل السيسي فشلا للأمن الإقليمي وفشل الدولة المصرية ذاتها، ومن هنا أقول إن تحديات الرئيس المصري الجديد كبيرة بل وخطيرة، فلو فشلت التجربة المصرية الجديدة لا قدر الله فالنتائج على المستوى الإقليمي في منتهى الصعوبة، وقد تنعكس آثارها على دول الخليج ذاتها.
ترى ما هي إمكانية التغيير الإيجابي في مصر السيسي؟ للإجابة عن السؤال لا بد من الإجابة عن سؤال آخر أهم وأكبر هو: هل انتهى المشهد الإخواني في مصر وفي الإقليم؟ هناك إجابتان عن هذا السؤال؛ الإجابة الإخوانية التركية التي تقول بأن هناك موجة ثالثة للثورة عنيفة سيكون الإخوان أداتها وحاضنة نشطائها. أما الإجابة الثانية فهي إجابة السيسي المرشح الرئاسي في لقائه مع الإعلاميين الذي قال فيه لا بد من التحسب لخطورة موجة ثالثة ولهذا جمع الإعلاميين كي يوجههم ويقول لهم إن مصر لا تحتمل عبثا من هذا النوع. ما يعقد المشهد أكثر هو أن مصر يمكن تقسيمها إلى جماعات فيما يخص الإجابة عن سؤال هل انتهى المشهد؟
هناك مجموعة يمكن تسميتها بجماعة «خلاص» وهي مجموعات من نظام مبارك ومتشددي ثورة 30 يونيو مصحوبين بمطبلاتية الإعلام ويمكن أن نصفها بلغة الجيش بجماعة «كما كنت» أو إعادة مصر إلى ما قبل 25 يناير (كانون الثاني) 2011. سيطرة هذه الجماعة لو اعتمد عليها الرئيس الجديد يمكن أن تنتج ما يحذر منه، أي تنتج «يناير» جديدة.
هناك جماعات ترى أن خروج مصر من النفق يتطلب تجديد النخبة حول الرئيس، وهناك فريق يقول بفكرة الطريق الثالث.
أنا شخصيا أقول بأن الحل يكمن في إعادة توجيه أي غضب شعبي أو موجه ثالثة بعيدا عن السياسة وتحويل مجراها إلى موجة تغيير اجتماعي وثقافي وأخلاقي يهدف إلى إعادة هيكلة الشخصية المصرية وبناء شخصية مصرية جديدة.
وهذا في رأيي هو الطريق الثالث الذي يمكن مصر من طرح تصورات جديدة لعلاقاتها الدولية وإعادة ترتيب أوراقها الداخلية بما يحقق مبادئ الحرية والكرامة الإنسانية للشعب المصري ومعه يتحقق الاستقرار الإقليمي. أمام رئيس مصر الجديد تحديات كبرى وفرص أكبر لنقل مصر إلى مستوى أفضل. البداية هي كلمة السر: التغيير. كلمة من دونها لا ينفتح قلب مصر لأحد.
نتمنى للرئيس الجديد النجاح، فكما أسلفت الفشل ليس خيارا مصريا اليوم.
أطراف النهار - مذاق "المرات الأولى"
حسن البطل - الأيام
لا أحد يستعيد رهبة ونشوة خطواته الأولى التي تنقله من رضيع زاحف في مرحلة الحبو، إلى طفل يتلعثم في النطق.. وفي نقل خطواته.
ربما يستعيد الأسير المزمن لحظة الحرية، أو المنفي مديد النفي، شيئاً من مشاعر الرهبة والنشوة..، أو المهاجر إلى بلد جديد.. أو، بالذات، العائد إلى ارض البلاد للمرة الأولى، بعد أربعين عاماً ويزيد من التيه والنفي. ذلك "النشيش" الذي يشبه - لا يشبه عناق صهير كتلة حديد، حمراء مستعرة، للماء يقولون: هذه العملية هي "سقي الحديد" وأما "سقي الروح" فيغير معادلة النفس تغييراً كيميائياً، إذا غيّر سقي الحديد فيزيائية المعدن. لأسباب أفهمها ولا أشرحها أغرق، هذه الأيام، في تفاصيل استعادية، مثل الدهشة المخبولة، نوعاً ما، عندما ذهبت إلى قلم اقتراع لانتخاب رئيس أعرفه، ونواب قرأت عنهم، سألت عنهم، شاورت شباب البلد في مزاياهم وخصالهم.. وكفاءاتهم.
لسبب ما، أذكر حسرة أبي العام 1958، عندما سألته، لماذا لا يحق لك انتخاب جمال عبد الناصر مرشحاً لرئاسة الجمهورية العربية المتحدة. زفر، وقال: "البلاد مش بلادنا" حارب في البلاد، مات في المنفى.. ولم يذهب إلى قلم اقتراع!
ذات مرة، في السابعة على ما أظن أبكيت أبي، فجأة نترت كف يده التي تحتضن كف يدي، وفجأة سألته: "ليش تركتم فلسطين؟ مش عيب عليكم"! استدار بوجهه إلى غير جهتي برهة، ثم التفت إليّ رأيت دمعتين وهاجتين في حدقتي عينيه. "يا ولدي.. لما تكبر بتعرف"!
في السابعة من عمره أبكاني ولدي، كما أبكيت أبي، لحظة وصوله بيتي، تسمّر أمام "خارطة أوسلو" في المطبخ ثم انفجر سؤاله الذي اختزنه من الهبوط في مطار عمان، قادماً من لندن، وحده برعاية المضيفة، عبور الجسر. توالي الأعلام الفلسطينية والإسرائيلية من أريحا إلى رام الله. قال: "بابا وين فلسطين"؟ وكان جوابي، بالضبط، هو جواب أبي: "لما تكبر تعرف".. والاولاد يكبرون بسرعة! من الاستعادات الحميمة رصد الفوارق بين جدران مخيمات لبنان و"منطقة الجامعة العربية" ببيروت الغربية، وجدران مخيمات فلسطين وشوارع مدنها.. تغيرات طفيفة - غير طفيفة في مفردات ولغة نعي الشهداء. الفوضى هي اياها.. وأما الفارق فهو علامات كودية باللون الأسود، وحروف رمزية، وشيء يشبه رسمة حساب الجذر.
لن تجدها، الان، الاّ في الشوارع القصية في المدينة، وعلى مداخل البيوت في القرى.
"التعداد العام للسكان" مع حرفي "ت.س" مرفقة بأرقام متسلسلة، لم تنتخب احداً من قبل (خارج الفصيل والاتحادات الشعبية)، لم يعدّك او يحصك احد، خارج رقم بطاقة "الاونروا" يا له من تحول من عدد إلى معدود، والتحول من الدال الى المدلول (وبالعكس).
لم تعد لاجئاً.. ولم تغد مواطناً! سيقال، الحياة تجربة في تجارب، او مجموع "المرات الاولى".. وكانت هناك مرة اولى غير بطاقة تعريف عضوية الفصيل، المؤتمر العام للحركة، عضوية اتحاد الكتاب والصحافيين.. وبطاقة هوية مؤقتة للاجئين الفلسطينيين! المكان القديم كله، من حافة النهر إلى حافة البحر مزدحم بالمرات الأولى.. ربما يشهق الحديد الساخن شهقة الوصال في عناق الماء، ربما تشهق الروح شهقة الحياة في عناق المكان.
تتذكر، مثلاً، القبلات الاولى في كل قصة حبّ، لكنك تتذكر اكثر تقبيل حفنة تراب في طيرة حيفا.. في ارض امك وابيك.
للقهوة طعمها الاول الذي تذوقته في الثالثة عشرة، عندما تذوقته في مقهى بينه وبين ميناء حيفا شارع فقط.
لنكهة وجبة السمك الاولى في قلعة عكا.. وتلك النظرة من ترشيحا الى معلوت شمالاً تلقي السلام على تلك النظرة الاولى من كفر شوبا جنوب لبنان، الى ما وراء افق "الخط الأخضر" جنوباً كم مرة طرقوا عبارة "كل الطرق تؤدي الى روما" حتى لم يعد لها من مذاق، .. عاد لاذعاً جداً: كل طرق فلسطين تؤدي الى غزة، أو تؤدي الى رام الله، التصريح الصارم بعبرية ركيكة الترجمة العربية، يقول: يسمح له بالذهاب "لاجتماعات السلطة الفلسطينية" ولكنك تصل ترشيحا شمالاً، وتصل بئر السبع جنوباً. كان الجنود متسامحين في كل الطرق، وصاروا خلاف ذلك في الطريق اليومية من سردا الى رام الله، في اول زمن العودة.
سألني صديق في غزة: "هل تشرب القهوة في القدس؟ ".. فوصلت باب العمود للمرة الاولى، المسجد للمرة الاولى، رام الله للمرة الاولى، باقة الغربية، حيفا، طيرة حيفا.. وترشيحا! عليك ان تجرب، ايضاً، المرات الاولى التي تتكرر ولا تتكرر منذ عامين، بدءاً من رائحة الغاز الأولى إلى رائحة الدولة الأولى.
أزمةُ رواتب موظّفي "حماس" إنذارٌ مبكرٌ
هاني المصري - الأيام
إذا كانت المصالحة تعني أن يبقى الوضع الذي كان سائدًا إبان الانقسام تحت غطاء من حكومة وفاق وطني؛ فإنها ستقود إلى أي شيء باستثناء وحدة وطنيّة حقيقيّة.
وإذا كانت المصالحة شكلًا من أشكال العودة وإعادة إنتاج الوضع الذي كان قبل الانقسام وعنوانه الأساسي "اتفاق أوسلو" والتزاماته المجحفة فلا داعي لكل هذا العناء، لأن هذا الواقع هو الذي أوصلنا إلى الكارثة التي أحد عناوينها الانقسام، ولكن ثماره الرئيسيّة تعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان وتقطيع الأوصال والحصار والجدار وتهميش القضيّة.
كل ما سبق يفرض نفسه بعد أزمة رواتب موظفي "حماس" التي تفجرت في وجة حكومة الحمد الله بعد أقل من أسبوع على تشكيلها، وأدت إلى تطور خطير ظهر من خلال غزوة البنوك، التي تهدد إذا استمرت بأسوأ العواقب.
نصّ "اتفاق القاهرة" في عبارات غامضة على تشكيل لجنة إداريّة قانونيّة لتحسم موضوع الموظفين. وتضاربت الأنباء حول تفسيرها وما تمّ الاتفاق عليه عشيّة وأثناء وغداة "إعلان مخيم الشاطئ". ففي حين قال الرئيس والمتحدثون باسم الحكومة و"فتح" أن هذا الموضوع لم يحسم ورهن ما تقرره اللجنة، وبعضهم ذهب إلى حد أن الحكومة لن تدفع رواتب موظفي "حماس" لا الآن ولا في المستقبل، بينما صرّح أحمد مجدلاني بأن هذا الأمر ستحسمه الحكومة التي ستشكل بعد إجراء الانتخابات. أما "حماس" فقال المتحدثون باسمها إن الحكومة مسؤولة عن دفع رواتب جميع الموظفين بلا استثناء، لأنها من المفترض أن تكون حكومة وفاق وطني وليس استمرارا لحكومة الحمد الله السابقة.
إن مسألة بأهميّة رواتب عشرات الآلاف من الموظفين لا يمكن أن تبقى معلّقة، بل كان من المفترض حسمها قبل تشكيل الحكومة، لأنها مسألة سياسيّة وإنسانيّة متفجرة ولا تقبل التأجيل، وكان على الحكومة ورئيسها المطالبة بحسمه وغيره من قضايا جوهريّة قبل قبولهم المشاركة في الحكومة.
لو كانت "حماس" تستطيع دفع الرواتب لموظفيها لما أقدمت على المصالحة بالشروط التي رأيناها، ولما وافقت على تشكيل حكومة يمكن أن يطلق عليها بلا تردد "حكومة الرئيس"، ويكاد لا يوجد فيها وزير واحد مقرّب من "حماس".
رواتب موظفي حكومة "حماس" موضوع مهم، وكان من الملح سابقًا حسمه والآن ملح أكثر في ظل أن موازنة السلطة تعاني من عجر كبير وأن تسديد رواتب موظفي "حماس" يمكن أن يؤدي إلى وقف تحويل المساعدات الأوروبيّة والأميركيّة إلى السلطة، وربما وقف الاعتراف بالحكومة بحجة أن هؤلاء الموظفين ينتمون في غالبيتهم إلى تنظيم مصنف "إرهابي"، حتى لو صدقت الأنباء بأن قطر وعدت بسداد الرواتب لمدة عام كامل وإلى حين إجراء الانتخابات، فإن الآليات التي سيتم فيها صرف الرواتب معقدة وتنطوي على مخاطر، حتى على البنوك التي ستتعاطى مع هذه القضيّة، خشية من وقف التعامل المالي معها من المؤسسات الدوليّة، الأمر الذي يلحق بها خسائر فادحة.
المسألة بحاجة إلى قرار سياسي على أعلى المستويات والاستعداد للتحدي من أجل المصلحة الوطنيّة، شرط أن تلتزم "حماس" بتوريد كل الأموال التي جمعتها من الضرائب والجمارك والرسوم إلى موازنة السلطة.
لا تقتصر ألغام اتفاق المصالحة على ما سبق، بل تشمل أيضًا عدم ولاية الحكومة على الأمن، لأن هذا الملف جرى الاتفاق على تأجيله إلى ما بعد الانتخابات القادمة بالرغم من أن تطبيق ما هو وارد في "اتفاق القاهرة" حول الأمن، خصوصًا بتشكيل لجنة أمنيّة عليا وجعل الأجهزة الأمنيّة مهنيّة بعيدًا عن الحزبيّة؛ كان ولا يزال أمرًا ضروريًا وممكنًا الشروع في تطبيقه، ولو على مراحل، من خلال البدء بتوحيد الشرطة، وهذا الهدف يمكن تحقيقه، إذا توفرت الإرادة، خلال ثلاثة أشهر.
من دون كل ذلك رأينا الحكومة كيف بدت عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئًا إزاء منع البنوك في غزة من العمل، ولا إزاء حل مشكلة رواتب موظفي "حماس" ودمجهم بالموظفين الآخرين، وزاد الطين بلة أن الحكومة بدت مثل "الغايب فيله" حين دعت الموظفين المستنكفين وليسوا الملتزمين بالشرعيّة، وعلى لسان الحمد الله، إلى العودة إلى عملهم فورًا، إلى أن تمّ تدارك الأمر قبل حدوث فوضى عارمة ناجمة عما يمكن أن يحدث من تنافس حامي الوطيس على الأماكن والمراكز والوظائف بين عشرات آلاف الموظفين الذين على رأس عملهم، وبين عشرات الآلاف الذين يريدون العودة إلى العمل بعد قرار استدعائهم.
إضافة إلى الموظفين والبرنامج السياسي والأجهزة الأمنيّة وتأجيل ملف المنظمة عمليًا بالرغم من أنه الأهم والمدخل الحقيقي لإنهاء الانقسام، هناك ألغام أخرى مثل عدم الاتفاق على آليّة عمل "معبر رفح"، ومن سيرابط هناك الحرس الرئاسي على أساس "اتفاقيّة المعبر" العام 2005، أو شرطة "حماس"، أو حل وسط يؤكد إذا ما تم تطبيقه بأن ما يجرى إدارة للانقسام وليس إنهاءه؟
لغم آخر يعترض الحكومة يتمثل بعودة المجلس التشريعي إلى العمل، بحيث إذا قام بدور فاعل في منح الثقة للحكومة والمراقبة على عملها سيعرّضها لوقف التعامل الأميركي معها، لأن القانون الأميركي ينص على عدم منح مساعدات لأي حكومة تشارك فيها أو تؤثر عليها جهات "إرهابيّة". وإذا وجدت "حماس" نفسها قد خرجت من مولِد المصالحة بلا حمّص فيمكن أن تهدم المعبد على من فيه، فهي تنازلت كثيرًا لأنها في ضائقة شديدة، ولتجاوز احتمال إسقاطها بالقوة بعد المتغيرات الإقليميّة، خصوصًا في مصر بعد تنصيب السيسي رئيسًا، أو نتيجة انفجار شعبي على خلفيّة تردي الحياة في غزة تحت حكم "حماس" على كل المستويات، وفي ظل الحصار وإغلاق الأنفاق.
"حماس" دفعت مقدمًا من أجل المصالحة لتدارك ما هو قادم، ولكي تقبض فورًا اتفاقًا ببقاء سيطرتها الفعليّة على غزة من خلال عدم المساس بأجهزتها الأمنيّة، ولاحقًا من خلال إلقاء عبء الحكومة عن كاهلها، وفتح معبر رفح، ونافذة في علاقاتها مع مصر تسمح لها بحريّة الحركة إلى مصر وعبرها ذهابًا وإيابًا، وانتهاء بإحياء المجلس التشريعي الذي تتمتع فيه بالأغلبيّة.
إذا وجدت "حماس" أنها لن تحقق ما سبق وأن المطروح ليس التعامل معها كشريك حتى وإن بدون تكافؤ، وإنما التعامل مع المصالحة كطريق لإخراجها من السلطة، سواء من الطريق الذي دخلت منه وهو صناديق الاقتراع، أو من خلال تجريدها من عناصر القوة التي تملكها الواحدة بعد الأخرى؛ عندها ستجد نفسها في وضع لا يوجد فيه ما تخسره، وقد تختار العودة إلى الحكومة، أو تنشيط ورقة المقاومة التي ما كفت "حماس" عن التكرار أنها تخلت عن الحكومة من أجل المقاومة.
ما سبق يشكل تحذيرًا من أن تكون المصالحة شكلًا من أشكال استمرار الصراع والحسم الداخلي، بالضبط مثلما يراد من عقد الانتخابات القادمة أن تكون ميدانًا للتنافس الداخلي وليس أداة في يد جبهة وطنيّة متحدة في مواجهة الاحتلال، على أسس شراكة حقيقيّة، وليس على أساس منح شرعيّة جديدة لاتفاق أوسلو والتزاماته التي لم تقربنا من إنهاء الاحتلال، بل أدت بالمحصلة إلى تعميق الاحتلال وإلى الانقسام، ليس بين "فتح" و"حماس"، وإنما بين أفراد وتجمعات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده. فلا يوجد للفلسطينيين اليوم مشروع وطني واحد ولا مؤسسة جامعة واحدة ولا برنامج قواسم مشتركة يمكّن من تنظيم التنافس في سياق الكفاح ضد المشروع الاستعماري الاستيطاني الاحتلالي العنصري.
تأسيسًا على ما سبق، لا بديل ولا أهميّة حقيقيّة لأي خطوة من دون تجديد وتغيير وإصلاح الرؤى والبرامج والإستراتيجيّات والمؤسسات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه، والاتفاق على "ركائز المصلحة الوطنيّة العليا" التي تجعل مختلف القوى تغلِّب المصلحة الوطنية على أي ارتباطات وتدخلات أخرى، وبلورة إستراتيجيّات تحدد القواسم المشتركة وتنظّم التعدديّة والتنافس في إطار حركة تحرر وطني تناضل من أجل تقرير المصير والحريّة والعودة والاستقلال.
السؤال: هل تقدر القوى الراهنة على تحقيق ذلك، أم نحن بحاجة إلى قوى جديدة أو تغييرات جوهرية لما هو موجود؟
مصر تحلّق بالعروبة عالياً!
رجب ابو سرية - الأيام
حضور نحو تسعين وفدا عربيا ودوليا مراسم تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا لجمهورية مصر العربية، يجيء بمثابة محاولة من الدولة المصرية، لإعادة الاعتبار لمكانة مصر الإقليمية والدولية، التي كانت قد تضررت، بل وحتى تراجعت خلال العقود الماضية، وخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، لدرجة أن تبدو الدولة التي تعتبر واحدة من أهم الدول العربية الاثنتين والعشرين، وواحدة من أهم دول إفريقيا الـ 53، كدولة تتحكم في مصيرها ومستقبلها دولة مثل قطر، التي بالكاد يصل عدد مواطنيها إلى نحو نصف بالمئة من عدد سكان مصر، ولا تبلغ مساحتها أكثر من واحد بالمئة من مساحة مصر!.
ثم مع بدء ممارسة الرئيس المصري الجديد مسؤولياته الدستورية يكون فصل انتقالي آخر قد انتهى من فصول الدراما السياسية المصرية، المتتابعة فصولها منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويكون المصريون قد دخلوا مرحلة إعادة الاستقرار من جهة، ومن جهة ثانية عهد الثورة الجمهورية الثانية، آملين بنظام اكثر عدالة، وبأحوال معيشية أفضل، مع أن التحدي من أجل تشييد النظام الديمقراطي، وأقله، أو بمعنى آخر أوضح معالمه، يتمثل بقطع الطريق على إعادة نظام حكم الفرد، وتقييد الرئيس بالدستور، حتى يكون أقرب في ممارسته صلاحياته بالرئيس الأميركي، أو الرئيس الفرنسي!.
في حقيقة الأمر، لم يكتف الواقع المصري بأن فجر ثورة 25 يناير، التي نجحت سريعا في قطع الطريق على نظام التوريث (توريث جمال مبارك)، حين تدخل الجيش المصري، وفي إسقاط رأس النظام، بفرض التنحي على حسني مبارك، ولا حتى بالسير حثيثا على طريق الانتخابات العامة والرئاسية، الحرة والنزيهة، والتي شهدت تنافسا ديمقراطيا حقيقيا، حين تنافس عدد من المرشحين، فرض جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، بين المرشحين احمد شفيق ومحمد مرسي، ثم أعلن عن فوز مرشح الإخوان بشكل مثير للشك والارتياب، ومن ثم بتنصيبه رئيسا، حيث مكث في الحكم عاما واحدا.
احتاج المصريون إلى ثورة ثانية، بعد نجاح ثورة أولى في إسقاط حكم الفرد، ثم إلى ثورة ثانية لإسقاط حكم الجماعة، ثم إلى رئيس شعبي، فاز من الجولة الأولى، نظرا إلى عدم خوض المعركة الانتخابية إلا من قبل مرشح آخر، هو القائد الشعبي الجريء حمدين صباحي، وبذا، تكون مصر قد تركت وراءها، جل المؤامرات، ومعظم المحاولات لشل قدرة الدولة، أو عزل البلاد، أو منع تقدمها وتطورها، لصالح مشاريع إقليمية أو مخططات دولية، تستخدم أدوات محلية صغيرة ومريضة لتنفيذ أهدافها.
ولأن مكانة مصر لا تكتمل بمجرد ترتيب أوضاعها الداخلية، رغم أهمية هذا الأمر، ذلك أن مكانة مصر تتطلب أوضاعا عربية قوية وداعمة للقوة المصرية، وليس أوضاعا عربية تكون عبئا عليها، لذا فمن الأهمية بمكان أن يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي عهده، وقد وجد الملف الفلسطيني الداخلي في حال أفضل، وقد تحققت المصالحة الداخلية، على طريق إنهاء الانقسام، ليتفرغ الفلسطينيون لمقارعة الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل والأشكال، السياسية والميدانية، وحتى يكون بمقدور مصر أن تعود كفاعل أو حتى كوسيط داعم للطرف الفلسطيني، بعد أن انشغلت بأوضاعها الداخلية ثلاث سنوات، سمحت لجون كيري أن يتفرد برعاية المفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية، دون أن يحقق شيئا، ومن المهم أيضا، أن تهدأ وان تستقر الأوضاع على الحدود الغربية، في ليبيا، كذلك أن يعود الخليج موحدا داخليا، باحتواء "طموحات" قطر الإقليمية، التي كانت سببا في زرع الشقاق في أفضل نموذج للتضامن العربي بين عدد من دوله، حتى يكون بمقدور مصر أن تعيد الاعتبار للمركز الإقليمي العربي، القائم على أساس التحالف مع السعودية، لمواجهة طموحات الدول الإقليمية: إسرائيل، تركيا، وإيران، على حساب العرب.
وإذا كان مهما أيضا أن يجد العرب طريقة لإعادة العراق للحضن العربي، بعد أن ذهبت بعيدا نحو إيران، فإن التاريخ أثبت أن مكانة مصر الإقليمية، لا تتحقق إلا مع سورية، وأن طائر الفينيق العربي، لا يحلق إلا عبر جناحين، هما: مصر وسورية وبينهما فلسطين، كان هذا هو حال قطز والظاهر بيبرس حين واجها التتار في عين جالوت بفلسطين، وكان هذا ما فعله صلاح الدين، الذي لم يجد طريقا لهزيمة الصليبيين وتحرير فلسطين والقدس، إلا بوحدة مصر وسورية، ومن ثم خوض معركة حطين.
لكن الحال في سورية ما زال يراوح مكانه، وما زال السوريون، بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء انتفاضتهم لتغيير النظام، يخوضون حربا داخلية، دمرت البلاد، وشتتت الشعب، الذي صار "نصفه" بين لاجئ لخارج البلاد، ونازح فيها!.
ورغم أن استحقاق الانتخابات الرئاسية السورية كان يمكن أن يكون فرصة لوضع حد للحرب، وإعادة توحيد البلاد والشعب، إلا أن بشار الأسد أختار أن يمضي بالحرب قدما، بترشحه مجددا، في انتخابات لا يستطيع نصف الشعب المشاركة فيها، ومجرد خوضه لها يعني تكريس حالة الحرب القائمة، ورغم أن نتيجة التصويت لبشار، كانت أقل من المرتين السابقتين، كما أنها جاءت هذه المرة في سياق انتخابي، حيث ترشح أمامه منافسان، ولم تكن كما المرتين السابقتين كاستفتاء فقط، إلا أنه يبدو أن أمام السوريين، أن يحققوا منجزات الشعب المصري، كلها دفعة واحدة.
لم ينجح السوريون في قطع الطريق على توريث بشار كخلف لحافظ العام 2000، ثم لم ينجحوا في إسقاط رأس النظام في آذار العام 2011، وما زالت الجماعات الدينية المتطرفة تقاتل فيما يتم إخراجه من مناطق من قبضة النظام، والسوريون بذلك يعيشون بين نيران عديدة، نيران اللجوء والنزوح، نار النظام، نار "داعش" والنصرة، وحتى نيران مجهولة وربما صديقة، فحتى المعارضة المقبولة، مرهونة بقوة عسكر الجيش الحر، وبذا فإن الانتخابات الرئاسية السورية على النقيض تماما من الانتخابات المصرية جاءت لتكرس الانقسام والحرب الداخلية، لا لتحقق الوفاق والاستقرار، ولا لتقوي من مكانة سورية، بل لتجعلها رهينة أكثر بيد القوى الإقليمية، بما في ذلك النظام نفسه والذي صارت رقبته بيد "حزب الله" وإيران، أكثر من أي وقت مضى. لذا فإن طائر الفينيق العربي، الذي يحلق بجناحه المصري عاليا، الآن، سيضطر إلى انتظار جناحه السوري، حتى يكون بمقدوره أن يحمل العالم العربي بأسره، إلى آفاق الحرية والعدالة، والكرامة الإنسانية.
الرابحون والخاسرون في سورية
مهند عبد الحميد - الأيام
فتحت صناديق الاقتراع "لانتخاب" الرئيس، بينما تنهمر القذائف وتنفجر البراميل ويتواصل نزف الدماء ويسقط الضحايا الذين تجاوز عددهم 160 ألف قتيل وضعفهم من الجرحى، بينما يتشرد أكثر من 8 ملايين مواطن ومواطنة داخل وخارج سورية تفتح صناديق الاقتراع، بينما لا يجد عشرات آلاف التلاميذ والطلبة مدارس وأجواء آمنة لمتابعة تحصيلهم العلمي تفتح صناديق الاقتراع، بينما يحتجز اكثر من 200 ألف مواطن ومواطنة في معسكرات الاعتقال والتعذيب تفتح صناديق الاقتراع.
بينما ينقسم الشعب السوري ولما يتفق بعد على استعادة وحدته على أسس وطنية وديمقراطية تفتح صناديق الاقتراع.
لنفترض أن النظام حسم الصراع بشكل نهائي وهزم المعارضين على اختلاف الوانهم مرة واحدة، فإنه بحاجة الى مرحلة انتقالية لتجاوز الآثار الرهيبة للحرب ولتهيئة المواطنين للدخول في مرحلة جديدة.
خلافا لذلك هرول النظام وحلفاؤه إلى الانتخابات لتمديد حكم الرئيس الذي مضى عليه في الحكم 14 عاما ليضيف لها 7 أعوام أخرى تحت عنوان اكتساب الشرعية عبر صناديق الاقتراع وكأن شيئا لم يكن.
لكنها "ديمقراطية" بالقتل والإرغام والتشريد قل صنوها في تاريخ الشعوب المعاصرة، ورغم ذلك فإنها "ديمقراطية" مقبولة لدى فئات متزايدة من النخب التي احتفت بها وبجلتها لأنها تعرض في مواجهة الغرب وإسرائيل والرجعية والظلامية التكفيرية.
انتخابات الرئاسة في سورية أحدثت شروخا بين القوى والاتجاهات والفئات الشعبية السورية والعربية، الاتجاه الجدير بالتوقف عند مواقفه، هو الاتجاه الذي يجيز الاستبداد وقمع الشعوب وقهرها إذا تبنى النظام المستبد سياسات ضد الغرب وإسرائيل ووكلائهما المحليين.
وكأن مناهضة الحلف غير المقدس شكل بلا مضمون تحرري.
هذا الاتجاه يقوم الآن بعد 47 عاما بشطب اهم دروس هزيمة حزيران 67 الذي قال وقتئذ: إن سبب الهزيمة المخزية هو القمع والاستبداد وعدم إشراك الشعوب في الدفاع عن الاوطان وتقرير مصيرها بدءا بحرية التعبير والتنظيم والاعتراض والمساءلة.
وبشطب درس آخر يقول: لم يعد مقبولا استخدام الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي ورفع راية القضية الفلسطينية للتغطية على ممارسة الاستبداد وإعلان الاحكام العرفية التي تسمح للأنظمة بسحق أية معارضة.
كم هو مثبط للهمم وللحلم تراجع النخب السياسية عن تلك الدروس بإعلان الولاء للنظام وعدم المس ببنيته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.
بل بإذابة الاستبداد في الوعي الفردي والجمعي الذي يحول دون الاضطلاع بمهمة بناء نظام اجتماعي سياسي يعزز الدولة ويمارس الإصلاح الدائم لها ويستأصل عناصر الطغيان والاستبداد بما يتوافق مع شروط تطور المجتمع.
ماذا تقول النخب السياسية والثقافية المتحمسة للنظام السوري في تركيبته وفي التحولات التي قادها بمحض إرادته قبل اشتعال الحريق وتداعياته كالتدخل الخارجي.
تقول الارقام إن 70% من الاقتصاد السوري يمتلكه القطاع الخاص اخذا بشروط البنك الدولي، و30% من هذه النسبة تمتلكها العائلة الحاكمة (الأسد ومخلوف وشركة الشام القابضة التي تضم 100 رجل اعمال).
وقد أدت الخصخصة إلى تراجع الصناعة بمستوى كبير وانهيار الزراعة وتشرد مليون مزارع في منطقة الجزيرة، في حين تراوحت نسبة البطالة بين 30 - 33% وقد أعيد تمركز الاقتصاد في ما هو ريعي (خدمات سياحة وعقارات واستيراد).
وبلغ الحد الادنى للاجور 11 الف ليرة سورية اي ما يعادل 220 دولارا في الشهر وهذا الحد يلبي ثلث الاحتياج الضروري للعيش في سورية. ووفقا لذلك فإن أغلبية الشعب تعيش في حالة فقر مقابل أقلية تحتكر الثروة.
ماذا سيفعل السواد الاعظم بمواقف الممانعة السياسية المترافقة مع تبعية اقتصادية؟ هل يقبلون الاستغلال والنهب والقمع الذي يمارسه النظام مقابل خطاب ممانع وتأييد المقاومة اللبنانية في مرحلة احتلال جنوب لبنان.
علما بأن الاحتلال الاسرائيلي انتهى وكان من المفترض ان تنتقل المقاومة الى مهمات الانتقال من نظام طائفي جشع الى نظام وطني ديمقراطي لكن تلك المقاومة كرست الطائفية وتحولت الى مهمات اقليمية لأنها مقاومة طائفية بالأساس، واستمرت في رفع شعار مقاومة اسرائيل والتثبيت على فترة الاحتلال السابقة والاستعداد لصد عدوان اسرائيلي محتمل منذ 8 أعوام وهو ما يوحي بأن حزب الله تحول الى نظام ممانعة (لا حرب ولا سلم) وهذا مطلب إسرائيلي كما تقول وثائق خبراء هرتسليا.
شعب يجوع ويعاني ويقمع وعليه الاذعان الى ما لا نهاية لان نظامه المستبد ممانع سياسيا وتابع اقتصاديا ويدعم مقاومة لا تقاوم بل تنتظر صد عدوان غير منظور؟ لم يقبل الشعب السوري البقاء ضمن هذه المعادلة المدمرة لحياته وانفجرت ثورته السلمية بأهداف مشروعة وقابلة للتحقيق بالمعنى الافتراضي.
لكنها تعرضت لشتى انواع التدخل والتآمر بهدف إجهاضها وقطع الطريق على احتمال نجاحها وكانت الحلقة الاخيرة انتخابات الرئاسة التي جاءت بصورة بيعة منظمة.
من هم الرابحون ومن هم الخاسرون في هذه المرحلة من الصراع التي جاءت امتدادا لثلاث سنوات من الحرب الاهلية الطاحنة والمدمرة.
الخاسر الاول هو الشعب السوري والجزء الحي والمستقل من المعارضة الثورية والديمقراطية. خسر الشعب الجولة الاخيرة بفعل، أولا : تخاذل المعارضة المستأنسة التي عولت على التدخل الخارجي لحسم الصراع، وتماهت مع القوى الاصولية وفصائل الاسلام السياسي، ودول البترو دولار التي رعت ودعمت ثورة مضادة بالمفهوم الاجتماعي، وورطت الثورة في عمل عسكري منعزل عن النضال الديمقراطي وتعاملت مع العسكرة والحسم العسكري كبديل لدور الشعب في الثورة، والاهم ان المعارضة لم تقدم نواة نظام بديل له اجندة وطنية واجتماعية واقتصادية، بل قدمت نموذجا يمزج الدولة الدينية باقتصاد ليبرالي تابع.
لقد سرقت المعارضة الثورة وتمثيل الشعب المناهض للنظام ووضعتهما بتصرف الاجندات الخارجية واصبحت مقيدة بها.
وبفعل ثانيا: انحياز غالبية النخب السياسية والثقافية العربية للنظام او سكوت البعض على جرائمه وانتهاكاته الفادحة. وبفعل، ثالثا: ارتهان المنظمات العالمية المعنية بحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها لمواقف النظام الدولي الذي صمت على ابشع الجرائم واكتفى بمواقف لفظية شكلت غطاء لاستمرارها ومفاقمتها.
وبفعل رابعا: الموقف الأميركي والأوروبي الذي جمع بين تأييد المعارضة المستأنسة - ساهم في عزلها وحرقها سياسيا - وقبول بقاء النظام المغلف بمعارضته والتشهير به – ساهم في حشد التأييد للنظام- .
لا شك ربح النظام هذه الجولة وربح معه حلفاؤه الذين دافعوا عنه بقوة، لكن الربح الملطخ بدماء الشعب ليس ربحا ولن يدوم بعد وضع النقاط على الحروف.
نبيّ الصمت
زياد خدّاش - الأيام
تحرجني عيونه في الطريق، عيونه الوادعة، المقاتلة، الطفلة، الحزينة، وفيما بعد يطاردني صدى خطواته في نفس الطريق، أغمغم له بمرحبا، بحنان كنعاني كبير يبتسم، بلا كلام، فتسقط من فمي كتب الفلسفة والشعر، وتذوب من خجلها في يدي الأخرى (مخابز المدينة) ثم أشتم الشعر والخبز والمدينة، هارباً (مثل طالب فاشل ومتسرب من مدرسة،) الى عجوز قربي تبيع (يقطينا) بلديا، أو الى حديث سخيف مع صديق ابتكرته لتوي في الشارع، لماذا تحبنا الى هذا المستوى من الغفران يا عبد الرزاق؟ لماذا لا تغضب منا؟، لا تلومنا؟، لا تشتمنا؟، ألهذا الحد نحن جميلون ونستحق ما تفعل من أجلنا؟. يقتلني صمته، لا يقول (عبد الرزاق فراج) ابن مخيمي الجلزون أي شيء لأي أحد، هو فقط يبتسم للطريق والذكريات والمارة والأصدقاء، ويمضي الى دورة اعتقال جديدة، لا يفصح هذا المناضل، عن غضب أو بطولة أو يأس أو ألم، هو فقط يقول لنا وللبلاد: (أهلا) قوية وقريبة وعنيدة وغامضة مثل معدته التي تقاتل الآن السجّان والطبيب القاتل والطعام معاً.
عبد الرزاق فراّج: افرج عن غضبك، اصرخ فينا، كل ماء الكون لعينيك، يا نبيّ الصمت في لحظتنا الثرثارة.
تسلم الأيادي..!!
حسن خضر - الأيام
حسم الجيش الصراع في مصر وعليها بالانحياز إلى الشعب مرتين في سنوات قليلة. الأولى في الثورة التي أطاحت بمبارك، والثانية في الثورة التي أطاحت بالإخوان. وقد برهن في المرتين على حقيقته باعتباره حامياً للشعب، وحصناً من حصون الوطنية، وسنداً رئيساً للدولة المصرية.
الصراع في مصر بين قوى داخلية تتبنى قناعات مختلفة بشأن كيفية إدارة شؤون البلاد والعباد. والصراع عليها بين قوى في الإقليم والعالم تعرف أن الاستيلاء على مصر، أو إيجاد موطئ قدم فيها، يعني الفوز بجائزة ذات قيمة استراتيجية عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وثقافية هي الأهم في العالم العربي. وفي الحالتين حدث تشابك مؤقت، أو دائم، بين مصالح قوى في الداخل والخارج، لكن الجيش كان خارج لعبة الاستقطاب الداخلي والخارجي.
هذه مداخل رئيسة لفهم التحوّلات في مصر، بما فيها الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي مكّنت رجلاً خرج من صفوف الجيش من الوصول إلى سدة الحكم في القاهرة، بعد الاحتكام إلى إرادة الناخبين في صناديق الاقتراع.
في الصحافتين الغربية، والعربية، وما يماثلها من مؤسسات أكاديمية وبحثية، تجد كلاماً كثيراً عن إمبراطورية الجيش الاقتصادية، وعن انحياز الجيش إلى مصالحه لا إلى مصالح الشعب. وهذا كلام فارغ. فالجيش لم يكن في سدة الحكم في عهدي السادات ومبارك. استُبعد من موقع الصدارة الذي حققه في العهد الناصري، وتسارعت وتيرة الاستبعاد بعد حرب أكتوبر. وفي العهد المباركي، كانت النخبة الحاكمة تتكوّن من تكتلات مالية وأمنية لم يكن الجيش من بينها، على الرغم من مكانته الرمزية في النظام السياسي.
لذلك، يبدو الكثير مما يُقال عن علاقة الجيش بالسياسة في مصر تكراراً لفرضيات، وعموميات لا تصمد في اختبار الحقيقة. وهذا ما دلل عليه الباحث المصري حازم قنديل في كتاب مدهش وممتع صدر بالإنكليزية مؤخراً، ولكنه يبدو وسط فوضى التحليل والتأويل كصوت صارخ في البرية.
فلا أحد من كتّاب التحليلات، بما في ذلك أوساط أكاديمية تزعم الحياد والموضوعية، ينفق ما يكفي من الوقت للعثور على حقيقته الخاصة، بدلا من ترديد السائد والمألوف، الذي يقوم مقام اللازمة في كل محاولة للكتابة عن الصراع في مصر وعليها.
وأسوأ ما في الأمر أن أصواتاً مصرية وعربية لا يمكن التشكيك في قناعاتها الليبرالية، والديمقراطية، غالباً ما تظل أسيرة تعميمات وفرضيات شائعة، فتصب الماء في طاحونة قوى لا يعنيها من أمر الليبرالية، أو الديمقراطية، شيء، وإذا أضفنا إلى ذلك منصات التواصل الاجتماعية، التي لا يتمتع 99 بالمائة من منتجيها ومستهلكيها في مصر والعالم العربي بالمؤهلات الضرورية للإفتاء في ما اختلف عليه الناس، اكتملت الصورة.
من المفهوم، والصحيح، والصحي، إبداء التحفظات، ولكن من غير المفهوم، ولا الصحيح، والصحي، الخروج باستنتاجات سريعة من نوع أن مصر، بعد ثورتين، أصبحت دولة يحكمها العسكر. وفي المقابل يمكن طرح فرضية مضادة مفادها: أن مصر المباركية، (التي لم تكن دولة يحكمها العسكر)، لن تعود، وأن مصر الإخوانية، لن تعود، وهذا يصدق على مصر الناصرية، والساداتية.
الجديد يتخلّق الآن، قد يحمل ملامح متفاوتة من العهود الناصرية، والساداتية، والمباركية (وليس صحيحاً أن كل تلك العهود كانت سلبية تماماً تستحق هي وميراثها الدفن) لكنه سيجد ملامحه الخاصة في وقت ليس ببعيد.
ومن الضروري إدراك حقيقة أن ما يتخلّق الآن، يحدث في ظل تحديات أمنية، واقتصادية، وسياسية غير مسبوقة. فهناك حرب مكشوفة يشنها الإخوان، وتركيا، وقطر، على مصر. ولهؤلاء إمكانيات مالية، وإعلامية، وميليشياوية، لا يمكن الاستهانة بها. والأسوأ من هذا كله أن لا ضوابط وطنية أو أخلاقية تحكم سلوك المهاجمين. وهذا يفرض على الدولة المصرية تدابير لم تكن لتحتاجها في ظروف أكثر أمناً واستقراراً.
وبالقدر نفسه يفرض المأزق الاقتصادي تدابير لم تكن لتكون ضرورية في ظل ظروف أكثر أمناً واستقراراً، وهذا يحدث نتيجة الوقوع رهينة الأمر الواقع الذي لا يمنح أحداً رفاهية وضع برامج استراتيجية بعيدة المدى، بل يُحرّض على ضرورة تحقيق إنجازات سريعة وملموسة، لأسباب سياسية وأمنية مفهومة ومعلومة.
الإنجازات الأهم، بالمعنى الاقتصادي، لا تكون في الواقع سريعة، ولا تصبح ملموسة قبل مرور عقد أو أكثر من الزمن. فلا إنجاز دون إعادة النظر في مناهج التعليم، ودون تأهيل البنية التحتية، وضخ الحياة في الشرايين المتصلبة لقطاعات الصحة، والإسكان، والمواصلات، وإعادة هيكلة وتأهيل بيروقراطية الدولة. ومع هذا قبله، وفوقه، وبعده، قبل تحديد الهوية الاقتصادية للدولة المصرية الجديدة، التي يظل نجاحها مشروطاً بالانحياز إلى مصالح القطاع الأكبر من المواطنين المصريين.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بالسياسة، وهي الضلع الثالث في مثلث الأمن والاقتصاد والسياسة، فإن نجاح واستقرار الدولة والنظام مشروط بتبني وتحقيق الشعارات الرئيسة لثورة الخامس والعشرين من يناير: الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.
عهد جديد، صحيح، ومستقبل ينفتح على احتمالات كثيرة، صحيح أيضاً، ولكنه في الحالتين يوحي بقدر أكبر من التفاؤل عمّا كان عليه الحال قبل عام مضى. ولعل في هذا، وحده، ما يبرر القول الآن: تسلم الأيادي.
تغريدة الصباح - هل تساوى الماء والخشب؟
أحمد دحبور – الحياة الجديدة
لأمر ما، يملأ الشهيد أبو اياد ذاكرتي فجأة، فأكاد أراه واسمعه وهو يعلق على المشهد السياسي العربي يومذاك، ولن أنسى في هذا المجال تنهيدته وهو يقول: لقد تساوى الماء والخشب، فهؤلاء مثل أولئك، وعلى الفلسطيني المعتر أن يمشي بين خيوط المطر آملا، أو محاولا، ألا يتبلل.. وكان يستثني من عناصر ذلك المشهد الصعب حالة الرئيس جمال عبد الناصر الذي كلت يداه من الدق على أبواب المصير العربي ولكن الظروف الدولية لم تطاوعه تماما..
كان أبو اياد يتأمل ظاهرة الملك العربي المقرر، سواء أكان اسمه ملكا أم رئيسا، ولعله كان، رحمه الله، يتفهم حالات بعض الملوك، وأنهم تلقنوا السياسة وحذقوها، فيما كان بعض الثورجيين يملكون رقاب العباد والبلاد باسم الثورة والتغيير، وهم بلا خبرة أو ثقافة أو مؤهلات، وأذكر، للأمانة، أني قرأت على مسامعه يوما مقطعا للشاعر الصديق علي كنعان، يقول:
.. وكنا رهن جبار، على علاته، واحد
فصرنا رهن جبارين،
لا قيم ولا أسماء
فاهتز الشهيد أبو اياد طربا، وطلب مني ان أعيد عليه ذلك المقطع، وقام بتدوينه في دفتر كان أمامه، وراح يردد: لا قيم ولا أسماء.. وأذكر أني رويت فيما بعد هذه الواقعة لأبي رؤيا، الشاعر السوري الصديق علي كنعان، فقال: ان سعادتي بهذه الحادثة البسيطة تفوق سعادة هذا القائد الفلسطيني بشعري المتواضع..
ولم يكن شعره متواضعا، بل هو تواضع الموهوب الواثق بمشروعه الفني..
لأمر ما، حفلت ذاكرتي بهذه الواقعة البسيطة الدالة، وظل في نفسي منها زفرة القائد الشهيد في تعليقه على الرؤساء والملوك وقادة الثورات الموسمية: لقد تساوى الماء والخشب، وليس هذا الكلام بابا للنديب والشكوى، لكنها شقشقة لسان يستدعيها واقع الحال...
ولقد كان ممكنا لبعض هؤلاء الحكام أن يتميز منهم فريق على فريق، مع أن المثل العربي الماكر يقول: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان، ولقد أهين الحاكم العربي بمسلسل هزائمنا المعاصرة، وباخفاق تجارب الحكم في غير موقع من وطننا العربي الكبير، واذا كان شرف الوثبة ان ترضي العلا، على حد تعبير الشاعر عمر ابي ريشة، فإن شرف الوثبة لم ينله كثير من هؤلاء، حتى لأفهم، ولو بأثر رجعي، صرخة الشاعر الفلسطيني المخذول من قومه: يا وحدنا.. ومن يدري.
فربما لم يكن الشهيد الشاعر كمال ناصر يدري انه يخاطب التاريخ العربي المعاصر كله، بصرخته الشعرية الدرامية تلك: يا وحدنا.. وكان صدى «يا وحدنا» هو ما تدل عليه تلك العبارة: لقد تساوى الماء والخشب، ومع ذلك ما زال في الرمق الكثير من العناد..
وقد يبدو في هذه الجملة الأليمة العفوية، بعض التبسيط أو التعميم، وقد يقول قائل: ليس الحكام العرب جميعا خشبا مسندة حتى لا يميز فيهم بين الماء والخشب، وهذا الاحتراز وجيه بلا شك، ولكن العبرة في الخواتيم.. والأمل أن يلوح في هذه الصحراء شيء كالواحة حتى نفرد بابا للأمل، فعسى ولعل...
هل يعقل أن حالة الانسداد السياسي التي يعانيها عرب هذه الأيام، لا تجد لها كوة ضوء خارج الخطابات الاقليمية ومزاعم الانتصارات الوهمية؟ لقد وجه لنا العدو ضربة في الصميم عام 1967، ومنينا بهزيمة مروعة أبى تفاؤل عبد الناصر إلا أن يعتبرها مجرد نكسة، وأخذ يعيد ترتيب المعطيات والتجهيز لحرب أكتوبر التي شاء حظ العرب العاثر ألا يكون عبد الناصر موجودا أيامها، فانتصرنا نصف نصر، وضرسنا بحصرم الخيبة..
حتى إذا اتسعت ظاهرة المقاومة، أنبل ظاهرة في التاريخ العربي الحديث على حد تعبير عبد الناصر نفسه، فوجئنا بالمجازر والأفخاخ والاستقطابات، فتدحرجنا إلى أول السطر، و لم يبق لنا إلا المزيد من العناد، وانه لعنيد هذا الشعب الذي لا يستسلم لهزيمة الأمر الواقع، ولكن مع ذلك يظل المشهد هو ذلك المشهد، وكأن أقدارنا تحكمنا بالوقوف عند الجمعة الحزينة والحنين إلى قيامة وفصح بين لعل وعسى...
أليس من حق الفلسطينيين الذين ظهر عيد الفصح أول ما ظهر، عندهم وبينهم، أن يتولوا مهمة انتاج هذا العيد غير المستحيل؟ لكن الواقع العربي غير مشغول كثيرا بما هو من حق هذا الطرف أو ذاك، والاستحقاق المطلوب يقول: أليس من الواجب؟
انه واجب الأمة كلها، من محيط إلى خليج، أن تعمل على انتاج العيد بكل ما استطاعت، من قوة وأمل، وأولى علامات العمل على ذلك، أن نعمل حتى لا يتساوى الماء والخشب، فهل نفعل شيئا؟ أم يتساوى الماء والخشب في هذا العجز المستدام؟
وعذرا لهذه النبرة المتشائمة لغير ما مناسبة...
حياتنا – دول خاوية
حافظ البرغوثي – الحياة الجديدة
في مطار دلهي لاحظت وجود عراقيين من كردستان واليمن.. بعضهم لا يعرف تعبئة استمارة الدخول.. ما الذي أتى بكم إلى هنا؟ قالوا نأتي للعلاج. وفي المانيا وبريطانيا وفرنسا وتركيا تجد عرباً يذهبون للعلاج. بعد عقود من النفط والشفط والحديث عن ارتفاع الدخل القومي والنمو الاقتصادي نجد أن الدولة العربية الحديثة لم تستطع تقديم العلاج لمرضاها.. فما الذي كانت تفعله الأنظمة طيلة هذه العقود غير السلب والنهب والقمع والطاعة؟
محزن جداً أن تقرأ أن نصف الشعب اليمني يعاني من الجوع.. وأن نصف الشعب السوري إما مهجر في الخارج أو في بلده.. وأن الشعب العراقي لا يجد كهرباء وماء ومدارس وهي كلها عناصر أساسية للحياة والتقدم وكانت متوفرة أيام صدام حسين ثم حررها الأميركيون منه فدمروا البنية التحتية ويسقط سنوياً ألف قتيل عراقي وربما خسر العراق حتى الآن قرابة المليون ونصف المليون من الأنفس خلال العقدين الأخيرين.
عندنا ربما دفعت السلطة حتى الآن قرابة ملياري دولار للعلاج الخارجي سواء في مستشفيات إسرائيلية أو أردنية أو مصرية أو أوروبية وهذه المبالغ كافية لبناء أحدث المستشفيات وإن بدأت في السنوات الأخيرة التقليل من التحدويلات إلى المستشفيات الإسرائيلية إلا في حالات خاصة استحداث بديل فلسطيني في رام الله أو القدس المحتلة مع أن كثيراً من الأطباء في إسرائيل هم فلسطينيون.
الدولة العربية المعاصرة لم توفر سوى سجون ومعتقلات لمواطنيها وقصور ومنتجعات للحكام.
في سنوات الستينيات عندما قام عبد الله السلال بانقلابه وأسقط النظام الامامي في اليمن أجريت له عملية "باسور" ولما سأل الأطباء عما يفعلونه بجهاز كهربائي في مؤخرته قيل له "إننا نعالج الباسور" فقال ضاحكاً لقد وصلت الكهرباء إلى مؤخرتي قبل أن تصل إلى بلدي.
مدارات - حياة متجددة
عدلي صادق – الحياة الجديدة
مع بدء عمل صديقي الشاعر محمود أبو الهيجاء، كرئيس لتحرير صحيفتنا، قُرئت على الفور بصمته، وعُرفت حماسته. فالبصمة والحماسة ضروريتان لكل مطبوعة، ويستدل واحدنا على الحماسة عندما يهز رئيس التحرير قلمه ويكتب. أما البصمة، فقد سبقت صاحبها في الوصول الى موضع الود في قلب محسوبكم، عندما قرأ واستمع الى "مغناة أريحا" التي كتبها محمود أبو الهيجاء لمناسبة افتتاح مهرجان "أريحا عشرة آلاف سنة" ووضع لحنها الفنان سمير مخّول. فقد تكثفت في سطور المغناة، وأذيبت، روح الفلسطيني اللاجئ الماكث في قلب المشهد، يستلهم من مسافة الزمن الشاسعة، وما فيها من تقلبات العهود ومواقع القوة والجبروت وعلائم حضارة تدل على أصحابها الماكثين على هذه الأرض؛ ما يعيننا على اقتناص الأمل وتعميق الذكرى والتشبث بالوطن وبقضية شعبنا العادلة الخالدة، التي لا تمحوها جحافل المتطرفين الظلاميين ولا يمحوها مئة مليون نتنياهو.
كان صديقي حافظ البرغوثي، يقدم في كل يوم، جرعة أمل مع سخرية من كل المرارات. وحملت الصحيفة بصمته هو الآخر. عاد حافظ لإطلالته، وعُدت الى الصفحة الأخيرة التي زهدتُ فيها عن رغبة في مساحة مريحة. ما تبقى لنا، الآن، هو عملية ترميم لمنظومة التوزيع وآلياتها، مع مطبعة جديدة بدل تلك المُجهدة، التي انتهى عمرها الافتراضي ولا تزال تسابق الزمن لكي تصل مع كل فجر، الى لحظة الدوران والانتاج. وإنني على يقين، بأن هذه الصحيفة الوطنية، لن تبرح مكانتها كمطبوعة تقدرها النخبة، لما تتضمنه من آراء وأسماء ذات إحساس لافت بمسؤولية الكلمة وبالمستوى الرفيع للنص. في هذا المقام، يُذكر بكل الامتنان، جميع الساهرين على "الحياة الجديدة" من محررين ومخرجين وفنيي "غرافيك" ومدققين ومراسلين. فهؤلاء، من بشار برماوي الى نور البرغوثي الأصغر سناً، تغلبوا بمستواهم الرفيع، على مصاعب انتاج صحيفتهم، وأنشأوا بخبرتهم مدرسة للصحافة الفلسطينية، من خلال مناقبية مقدّرة، لم تكن في حاجة الى "دلال" مالي ووظيفي. فقد اكتفى الشباب بقناعتهم بالرسالة التي يؤدونها، وهذ الاقتناع هو خير زادٍ للعاملين في الصحافة.
في هذا السياق، تُستعاد مآثر الشباب الأوائل، وصحافيي الجريدة في غزة، الذين تحلوا بروح الصبر والانتماء لمطبوعتهم الوطنية. ولا أنسى دور أخي منير أبو رزق، الذي كان يتهلل فرحاً كلما وُلد قلم وظهر نَص. فقد كان أنموذج التطبيق العملي لرأي قديم لي، وهو أن من لا يفرح لولادة كاتب جديد وظهور قلم بارع، لن يكون كاتباً جيداً ولا صحفياً مؤثراً. فبهذه الروح التي سكنت قلوب فريق "الحياة الجديدة" صمدت الجريدة أمام كل الصعاب، وتآلف العاملون وتحابوا، وهذه هي ضمانة الحياة المتجددة، المفعمة بالحيوية، وهي شرط الاستمرار في العمل، بثقة واقتدار وتناغم!
ومضة - اطلبوا النصر ولو في الصين!
د. صبري صيدم – الحياة الجديدة
قبل أيام قليلة نلت شرف زيارة جمهورية الصين الشعبية في زيارة تقاطعت بمحض الصدفة مع الذكرى الخمسين لزيارة قامت بها اول مجموعة فدائية إلى هذا البلد بغرض لقاء القائد العظيم ماوتسي تونغ الذي أحب بدوره لقاء الفدائيين الشباب المقاتلين من اجل الخلاص من المحتل الصهيوني. زيارة الفدائيين وبينهم أبو صبري وأبو جهاد حملت درجة كبيرة من الأهمية بانتقالهم من مصانع السلاح والتكنولوجيا إلى حقول القطن واللقاءات الرسمية ومدارس إعداد الكوادر والمواقع الصينية العريقة إذ أثرت هذه الجولة في نفوس الفدائيين الشباب فسمعنا البعض يقول: "الصين بلد كبير بجغرافيته ومكانته عظيم بإمكانياته وثورته ولا عجب بأن يحتل موقعاً مرموقاً بين الأمم إن هو استمر في نهجه وسياساته الاستراتيجية والصناعية".
اليوم تتربع الصين على عرش البشرية ليس فقط بكمها البشري وحضورها الثقافي بل أيضاً بقدراتها الاقتصادية والعسكرية الضخمة وحضورها التكنولوجي النوعي لدرجة سمحت للصين بالتفكير بإعادة إحياء طريق الحرير القديم الرابط بين الصين ودول غرب آسيا وشمال إفريقيا.
كيف لا وقد استحوذت الصين اليوم على 50% من اقتصاديات بعض الدول الواقعة على مسار ذلك الطريق؟ كيف لا وقد بدأت بعض تلك الدول أيضاً وجرّاء كثافة تبادلها التجاري مع الصين بإنشاء أكاديميات لتعليم اللغة والثقافة الصينية؟
الصين منظومة عجيبة من الكثافة البشرية والحراك الاقتصادي والتطور التقني والحضور العسكري. لذا لا عجب بأن تتوج يوماً كأعجوبة من عجائب الدنيا.
فكيف لبلد أن تدير حياة مليار ونصف المليار من سكانها وتستنهض عجلة التصنيع والنمو الاقتصادي والتطور التقني والنمو التجاري والازدهار المعرفي في مجالات التسليح والفضاء والانشاءات وعلوم الأرض وموارد الطاقة؟
الصين معجزة من معجزات الأرض وعليه لن يصعب عليها إحياء طريق الحرير وطريق التكنولوجيا وحتى طريق الازدهار البشري.
ومع هذا وذاك فإن علاقاتنا بهذا البلد الجبار لا بد وأن تتطور. بل ما الذي يمنعنا فلسطينياً من إيكال عمليات التطوير لقطاعات كاملة للصين؟ قطاعات: التعليم والصحة والتصنيع والتطوير التقني وتشغيل الشباب والتنمية الزراعية والطاقة البديلة وإدارة الموارد؟ لماذ لا تتولى الصين مسؤولية كهذه ونحن ننتمي لأمة دعاها نبيها الكريم محمد إلى طلب العلم ولو في الصين التي كانت بعيدة جداً عن أرض العرب ومنابت الإسلام.
لا بد وأن نفكر ملياً في أعجوبة الصين ليس تغنيّاً وإنما تقاطعاً مع شعورنا الدائم كفلسطينيين بالدين المستحق لهذه الدولة التي دعمت شعلة الثورة الفلسطينية المعاصرة وحمت نارها وبقيت على عهدها في الوفاء لقضيتنا.
الصين ليست بلداً طارئاً بل طفرة آدمية غريبة لا بد من الاستفادة منها برفع شعار فلسطيني جديد: اطلبوا النصر ولو في الصين!
حواديت - همجية السجان وانسانية الأسير
د. أسامه الفرا – الحياة الجديدة
تملكت الصحفي الذي يعمل لاحدى وكالات الأنباء الغربية موجات من الاستهجان الممزوجة بالغضب، أخذ يقلب ما التقطته عدسته من صور لاستشهاد طفل في منطقة القرارة آواخر انتفاضة الحجارة، ذهب الصحفي الى منزل الطفل ليسجل بالصورة تفاصيل الوداع الأخير، حاول أن يلتقط كل التعابير الانسانية للأم وهي تودع ابنها الشهيد، وهي تحصنه وتمسح خديه بدموعها وتطبع قبلتها الأخيرة على جبينه، وكيف طوقت بذراعيها براءة الطفولة في محاولة يائسة لمنع المشيعين من انتزاعه منها، ثم يصل الصحفي للصور التي التقطها أثناء تشييع الطفل الشهيد والتي في مجملها تفتقر للمشاعر التي امتلأت بها سابقتها، هو بفطنته الصحفية يرى أن قيمة الصورة بما تحمله من مشاعر واحاسيس انسانية يفهمها الكل ويتفاعل معها.
تذكرت حديث الصحفي وأنا أستمع لأسير محرر وهو يلقي كلمته في الوقفة التضامنية مع الأسير رامي عنبر في الذكرى الثالثة عشرة لاعتقاله، تناول فيها تلك اللحظات التي كان عليه أن يخبر زميله رامي بنبأ موت أبيه، ما أصعبها من لحظات حين يحول الاعتقال دون القاء الأسير نظرة الوداع على والده، وما اصعب أن تتجرع بمفردك الحزن دون أن تجد من يهون عليك ذلك، وتزداد الأمور قساوة حين تمتلئ زنزانة الأسير بألف سؤال وسؤال دون أن يجد اجابة لأي منها، لم نحاول أن نرصد هذه الأمور التي قد تبدو للبعض ثانوية، لكنها هي القادرة على توضيح المساحة الفاصلة بين همجية السجان وانسانية الأسير.
ان المعركة التي يخوضها أسرانا البواسل، بأمعائهم الخاوية في وجه جبروت وطغيان السجان، تتطلب منا ألا نقف موقف المتفرج ولا المعلق الذي يحفظ عن ظهر قلب بعض الجمل ليرددها في كل شاردة وواردة، دون أن يتمكن ولو للحظة واحدة تحميل الكلام بالقليل من المشاعر الانسانية، نحن بحاجة لأن يستمع العالم الى أم الأسير وابيه وزوجته وابنائه، هم من يمتلكون بحديثهم الصورة التي غالباً ما تسقط من بين مفردات الخطابة التي تستحوذ على اهتمام الخطيب لدينا بالمقام الأول.
هذه الصور لسنا بحاجة لأن نضعها في أرشيف ذاكرتنا فقط، بل هي اللغة الأكثر تأثيراً على الرأي العام الاقليمي والدولي، خاصة وأنه آن الأوان لأن نحمل قضية الأسرى الى المحافل والمنظمات الدولية، ومعنا قرار الأمم المتحدة الذي اعترف بفلسطين دولة، ويعطي أسرانا صفة "أسرى دولة" تنطبق عليهم اتفاقيات جنيف، فان كان الأسرى بحاجة الى الالتفاف الشعبي خلف قضيتهم لما يشكله من مؤازرة لهم وتمتين لعزيمتهم، فانهم بحاجة الى تحرك من المجتمع الدولي يكسر به صمته الطويل ازاء قضية انسانية قبل اي شيء آخر.
ألن يكون مفيداً أن نسخر القليل من الوقت ضمن برنامج زيارة قادة وزعماء العالم لنا لرواية اسرة أسير والاستماع منها مباشرة حول معاناتها المختلطة بمعاناة الأسرى؟ دولة الاحتلال تحرص على تنظيم زيارة لقادة العالم الى متحف المحرقة، والأجدر بنا نحن أن نجعل من الأسرى عنواناً يتوقف زعماء العالم عنده ليستمعوا الى حكاية الشهداء الأحياء.
جيفارا غزة في ذكراه
عيسى عبد الحفيظ – الحياة الجديدة
في ليلة من ليالي شهر آذار عام 1973، حاصرت قوة كبيرة من الجيش الاسرائيلي منزل الدكتور المناضل رشاد مسمار في غزة وتحديدا في حي الرمال، وبدأوا حملة تفتيش واسعة ودقيقة استمرت عدة ساعات وحتى انبلاج الفجر حتى تمكنوا من اكتشاف المخبأ الذي تحصن فيه جيفارا غزة فحدث الاشتباك الذي سقط على أثره البطل محمد الاسود الملقب (جيفارا غزة) واثنان من رفاقه.
محمد الأسود ابن حيفا، سليل الكرمل، الذي ذاق مرارة اللجوء على أثر النكبة، ونشأ في غزة هاشم لاجئا محروما من أبسط مقومات الحياة، لكن نسغ الصنوبر في الكرمل كان يسري رصاصا سائلا يغلي في عروقه لاتمام المشوار الذي سيقود يوما ما الى مسقط الرأس في حيفا.
لم يستطع محمد الاسود هضم ما جرى عام 1967، فترك مقاعد الدراسة في القاهرة وقد أتم عامين حاملا معه روح التحدي والتصدي والرفض للهزيمة التي كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اول الرافضين لها، والذي رفع شعار ازالة آثار العدوان، لكن القدر لم يمهله لينجز الهدف لكنه عمل وبكل جهد ممكن وباصرار عنيد على تحقيق ذلك ووضع اللبنات الاساسية له، بل ورسخ كل امكانيات مصر الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية التي أعاد بناءها من جديد، وزرع فيها روح الرفض للهزيمة.
محمد الاسود (جيفارا غزة)، دوخ الاحتلال على مدار سنوات طويلة، شاب مندفع بحساب دقيق، مغامر من الدرجة الاولى مع يقظة تامة. لا يترك شيئا للصدف، القائد العسكري لقطاع غزة، خصال القائد الواثق من نفسه ومن مسيرته وسلوكه ونظافة يده، شجاع لا يهاب الموت، مروءة عالية وكرم عربي أصيل، وسمو أخلاق، وقوة شخصية مع درجة عالية من التواضع. كل ما سبق جعل منه شبه أسطورة وصلت حكايته الى كل بيت في القطاع بل وفي فلسطين، والاهم من كل ذلك الارباك والحيرة والتخبط الذي تركه داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية وفي دوائر مخابراتها. كان الامساك به حياً أو ميتاً حلماً يراود كل المسؤولين في المخابرات والمؤسسة العسكرية الاسرائيلية، وعندما تحقق لهم ذلك، وبعد التأكد من جثمانه نصبوا حلقة الرقص على جثته وجثث رفاقه الذين سقطوا بعد معركة حامية استعملت فيها القنابل اليدوية واستمرت وقتاً طويلاً بعد وقت أطول من التفتيش الدقيق، فقد كان وكره كوكر الذئب الجريح، لا أبواب ولا نوافذ. يربض نهاراً ويخرج ليلاً، الليل الذي يخشاه الاحتلال فينزوي في ثكناته العسكرية تحت الحراسة المشددة في الوقت الذي كان فيه جيفارا غزة يتجول أينما يريد، ويقابل من يريد، الى درجة المشاركة في الأفراح والاتراح.
محمد الاسود (جيفارا غزة) ظاهرة فلسطينية تعكس التصميم والارادة على تجاوز كل المحن مهما كان الثمن، فهو ابن حيفا المهاجر اللاجئ الفلسطيني الذي لا يعترف به أحد في ذلك الوقت أدرك مبكراً أنه بدون وطن لا يساوي شيئا، ليس أكثر من رقم لدى وكالة الغوث الدولية، لذا لم يكن أمامه الا الانخراط في صفوف المقاومة فاختار حركة القوميين العرب التي كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احدى مفرزاتها بقيادة الدكتور الراحل جورج حبش مؤسس الحركة منذ البدايات والذي أطلق عليه الشهيد ياسر عرفات لقب (ضمير فلسطين) وكان يستحق هذا اللقب عن جدارة فقد عاش ومات من أجل فلسطين. ابن اللد الطبيب خريج الجامعة الامريكية في بيروت والذي كان باستطاعته ان يعيش في رغد وبحبوحة لكنه اختار طريقه طريق النضال، ولم تأخذه الحياة ومباهجها فتعرض لكل أشكال العسف والتعذيب والنفي من الجفر الى السجون، لكنه لم ييأس وبقي قابضاً على الجمر، جمر العودة الى اللد. وخلفه الشهيد ابو علي مصطفى ابن عرابة القائد المتفاني والمتواضع الى حد يشعرك بالخجل وأنت أمام هذه القامة الثورية العملاقة التي لم تتساهل مع الخونة حتى انه كان يحكم عليهم بحفر قبورهم بأيديهم..!
وعندما ارتفعت حدة الخلافات مع الشقيقة سوريا، تم نقل معظم مكاتب الجبهة الشعبية الى الجزائر، ولم يكن هذا سهلاً على تنظيم يعتمد كلياً على التواصل مع الجماهير الفلسطينية، لكن استقلالية القرار الفلسطيني كانت أكثر أهمية.
عاد ابو علي مصطفى الى الوطن مشترطاً ألا يخضع لأي تحقيق على المعابر وهكذا كان. مارس دوره القيادي متمتعاً باحترام واضح من الجميع حتى من الذين يخالفونه بالرأي.
شخصيته وقورة متزنة تفرض احترامها أينما حلت. اخلاق عالية ونظافة يد مشهودة، وتقدير سام لكل المناضلين بغض النظر الى أي تنظيم ينتمون.
صاروخان في وقت واحد حولا ابو علي مصطفى الى اسطورة ستبقى خالدة في تلافيف الذاكرة الفلسطينية، وهجوم مدجج بكل الاسلحة حول محمد الاسود (جيفارا فلسطين) الى اسطورة اخرى تتناقلها الاجيال، وتسردها النسوة على الاطفال قبل النوم، ليحلم كل منهم بأنه سيصبح جيفارا بعد بلوغه، يرفض الاحتلال، ويقاوم الظلم، ويستمر في قراءة سير الابطال الذين سقطوا من اجل ان نحيا نحن، ومن اجل ان تتجسد فلسطين على الخارطة حقيقة أزلية لا تسقط من الذاكرة مهما طالت السنون.