المقالات في الصحف المحلية
|
![]()
المقالات في الصحف المحلية
|
من التعليم نبدأ
بقلم: حديث القدس – القدس
في عيد العنصرة : آمال الكنيسة في القدس وسائر المشرق وآلامها
بقلم: الأب د. بيتر مدروس - القدس
حكومة التوافق الوطني: مواقف وأولويات
بقلم: عزام شعث – القدس
[النكسة] وتداعياتها
بقلم: يونس السيد – القدس
كي نبقى احياء على قيد الأمل
بقلم: محمد الخطيب – القدس
"غير فتّاكة؟ ديناصور عاشب؛ "فتاكة" ديناصور لاحم!
بقلم: حسن البطل – الايام
لغم الرواتب ينفجر في وجه حكومة غير مسؤولة !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
فشل الرهان الإسرائيلي
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
ماذا لو أدركت "حماس" مبكراً ..!
بقلم: أكرم عطا الله – الايام
إلى خالد نزال : حياة ناقصة في حزن كامل
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
نكبة مستمرة وتجلياتها: أرب كيلاني، لستِ وحدك
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي – الايام
تغريدة الصباح – ع هدير البوسطة
بقلم: حنان باكير – الحياة
حياتنا - نزهة المشتاق في حفر الأنفاق
بقلم: حافظ البرغوثي - الحياة
مدارات - لكي لا نعود الى الوراء
بقلم: عدلي صادق – الحياة
من التعليم نبدأ
بقلم: حديث القدس – القدس
ابتدأت امس، امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" في الضفة وغزة بمشاركة اكثر من 85 الف طالب وطالبة والأغلبية من الطالبات حيث بلغت نسبتهن نحو 53٪ من إجمالي المتقدمين للامتحان.
وامتحان التوجيهي يشكل أكبر مرحلة تعليم وهي نقطة مفصلية في مستقبل الطالب او الطالبة الأكاديمي وعلى ضوئها يتحدد توجه هؤلاء الشباب، فإما النجاح بتفوق والالتحاق بالجامعات او النجاح المتوسط والبحث عن كليات او جامعات بشروط خاصة، اما الذين يرسبون فإنهم نسبة كبيرة ويبدأون البحث عن أعمال وأشغال مختلفة اذا توفرت او انهم ينضمون الى آلاف الشباب من الراسبين سابقا او العاطلين عن العمل الذين تزدحم بهم بلادنا.
ويتفق معظم الخبراء والدارسين على ان اي تغيير في مستقبل اي بلد يعتمد في الأساس على التعليم بشرط ان يتماشى مع احتياجات المجتمع والبلد وان يكون عصريا يشجع الابداع والتفكير وينمي القدرات التي تساهم في خدمة الوطن والناس لا ان يكون مجرد حشو للمعلومات وزيادة أعداد العاطلين عن العمل سواء بعد التوجيهي أو بعد الدراسة الجامعية.
وقضية التعليم هذه في بلادنا بحاجة الى دراسات متعمقة وتطوير للمناهج وتأهيل للمدارس والمعلمين ورفع قدراتهم وتأمين حياة كريمة لهم ولعائلاتهم، كما أنها بحاجة أشد الى تطبيق وتغيير حقيقي واسع لا مجرد تقديم الأفكار والنظريات والوقوف عند ذلك. وقد صدق الذين قالوا اننا من التعليم نبدأ، مع تمنياتنا لكل أبنائنا وبناتنا بالنجاح وتوفر فرص التعليم والعمل لهم.
السيسي رئيسا والتحديات كبيرة
يتم اليوم في القاهرة بحضور عربي ودولي واسع، تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر بعد ان حصل على أغلبية ساحقة في الانتخابات ضد منافسه حمدين صباحي. ولقد كان الفريق وزير الدفاع السابق، الرجل القوي الذي حسم الخلافات بين الاخوان المسلمين الذين كانوا يحكمون وبين معارضيهم الذين تظاهروا بالملايين وملأوا الشوارع مطالبين بالتغيير، ومن المفارقات ان الرئيس السابق محمد مرسي هو الذي جاء بالفريق السيسي وزيرا للدفاع وكان هو الذي خلع مرسي وألقى به في السجن.
وأمام الرئيس السيسي تحديات في غاية الأهمية والخطورة في ما يتعلق بمستقبل مصر وتطورها واستعادة دورها الاقليمي والدولي وفي ما يتعلق بالأوضاع في كثير من المناطق والدول المجاورة، وسوف يذكره التاريخ بأنه كان الشخص الذي كسر شوكة الاخوان المسلمين ليس في مصر فقط وإنما في المنطقة كلها وربما العالم بأسره.
مصر تواجه مرحلة عنف وإرهاب غير مسبوقة، وتواجه أوضاعا اقتصادية سيئة وترتفع فيها نسبة الفقر والبطالة كثيرا وتزدحم مناطقها بالعشوائيات والأحياء المغرقة بالبؤس والحاجة ... وهذه كلها قضايا بحاجة الى متابعة وتغيير وهي كلها قضايا في منتهى الأهمية والصعوبة. كما ان الرئيس السيسي يواجه انقساما داخليا على المستوى السياسي ومعارضة ليس من الاخوان فقط ولكن من فئات أخرى شبابية وغير إخوانية، وهذا كله يتطلب معالجة قوية.
ولقد صدق الرئيس المؤقت عدلي منصور حين نصح السيسي بحسن اختيار معاونيه وفرقاء العمل معه لأن المهام أمامه كثيرة وصعبة ومعقدة.
اننا نتمنى الخير والاستقرار لمصر التي كانت دائما كما هي اليوم، الداعم القوي لشعبنا وقضيتنا، لأن أمنها وتطورها واستعادة دورها فيه تعزيز لصمودنا واستعادة حقوقنا.
في عيد العنصرة : آمال الكنيسة في القدس وسائر المشرق وآلامها
بقلم: الأب د. بيتر مدروس - القدس
"حلّ اليوم الخمسون" وهو اليوم التالي لعيد سبعة الأسابيع العبريّ. كان ذلك سنة 30 للحساب الميلاديّ، حيث اجتمع الرسل والتلاميذ في العلّية "في دار غُلّقت أبوابها خوفًا" من قوم موسى. في مطلع القرن العشرين نشأت في مدينة لوس أنجليس في كاليفورنيا حركات تقول أنّ روح القدس يحلّ على أعضائها. واختلف هنا ليس فقط الزمان والمكان، بل ما تمّت بعض الشروط الأساسيّة لحلول روح القدس، أي إكرام سيّدتنا مريم العذراء أمّ المسيح والكنيسة ، والخلافة الرسوليّة التي انقطعت عند جماعات كثيرة. والجدير بالذّكر أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة لا تنبذ الكلام بألسنة – مع شروط للفهم والتفسير – وبالفعل قبلت هذا الأسلوب في العبادة منذ سنة 1949، ولكنّها تصرّ على إكرام العذراء دائمة البتوليّة مريم والخلافة الرسوليّة والإشراف الكنسيّ ، لئلاّ تكثر الانشقاقات وتعمّ الفوضى.
عيد العنصرة هو يوم ميلاد الكنيسة!
وما أدرى الكثيرين ما الكنيسة! يتخيّلون – وليسوا على صواب – أنّها "رجال الدين" مع أنّ الشعب هو قاعدة الكنيسة ومصدرها. وكما كان يحلو لرسول الأمم بولس أن يردّد لتلميذه ، ابنه الروحاني تيموثاوس (2 تيم 2 : 8) : "أذكر يسوع المسيح: إنه قام من بين الأموات " ، هكذا يُسعدنا أن نردّد للمسيحيين ، الأباعد والأقارب :"أذكروا الكنيسة ! هي عمود الحقّ وركنه ، هي بيت الله الحيّ" (عن تيموثاوس الأولى 3 : 15) ،هي "عروس المسيح " (أفسس 5).
نعم ، ينسى العديد من الناس الكنيسة "التي افتداها السيّد بدمه" أو يتجاهلونها. ولا عجب، فلا تدريس لتاريخ الكنيسة في أقطار عديدة في التعليم المسيحيّ ، فما عاد خلق منّا كثير يميّز بين الأصيل والدّخيل!
وشُوّهت كتب التاريخ المدرسي والجامعيّ والموسوعات المغرضة أو غير المطّلعة نقاطًا عدّة من تاريخ الكنيسة البشريّ. ولئلاّ يعود المرء إلى هذه الفكرة التي غالبًا ما عُبّر عنها من هذا المنبر الأغرّ ، ينتقل المرء بحزن إلى واقع أليم، وهو عدم إكبار للكنيسة وعدم احترام لرهبناتها وإكليروسها، حتّى عند الذين يكسبون منها أرزاقهم. وربّما نسي عدد منهم فضل الكنيسة في تأسيس معاهد وجامعات ومستشفيات ومؤسسات وجمعيات خيريّة وسواها، إذ لا يرون منذ بضعة عقود سوى علمانيين يُديرون دفّة تلك المؤسسات. وفي حين يشكو بعض العاملين في مؤسساتنا من "كبرياء" او "قساوة" عند بعض رجال الدّين أو الرهبنة القائمين على تلك المؤسسات ، يجد المرء أنّ الكنيسة الكاثوليكية في بلادنا "تبالغ" في التواضع وإنكار الذات ، إذا جاز التّعبير ، ولا تُطالب باحترامها في مؤسساتها.
صحيح أنّ "عرفان الجميل ليس من شيم البشر" كما كان يقول القدّيس يوحنا بوسكو مؤسس الرهبنات السالزيانية ، وأحسب أنّ نصًّا قرآنيًّا يُعلن أن قلّيل بين العباد الشّكور!
لا نطلب من البشر – خصوصًا من العاملين معنا، ولا سيّما في قطاعات السّياحة والمؤسسات التربوية والمستشفيات وسواها – لا نطلب شكرًا ، إذ "لا شكر على واجب" بل القدر الأدنى من الاحترام. ومَن اعتقد من "المسيحيين" أنّ مؤسساتنا فاسدة "شيطانيّة" (كما تزعم بعض الحركات الأجنبيّة التي لا أعمال خيريّة عندها) ، فلا يلطّخنّ بمؤسساتنا يديه وليحافظ على نقاوته عند سوانا.
ومطلوب منّا أيضًا أن نحترم الناس ونُحسن معاملتهم. فهذا واجب محبّة وإكبار حثّنا عليه السيّد المسيح ورسول الأمم الإناء المختار بولس : "تنافسوا في إكرام بعضكم لبعض"!
خاتمة
نشأت الكنيسة في القدس، وها هي صغيرة متواضعة كما في أقطار كثيرة من شرقنا العزيز ، تضمد جراح نكبتها ونكستها. حفظها الله وحفظ بلادنا وشعوبنا من الفتنة. وخلّصنا من الادّعاء ونكران الجميل والكبرياء لأّن "الله يُقاوم المتكبّرين ويُعطي المتواضعين نعمة"!
حكومة التوافق الوطني: مواقف وأولويات
بقلم: عزام شعث – القدس
طوت الفصائل الفلسطينية أولى صفحات الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة والمستمر منذ منتصف حزيران 2007؛ بتشكيلها حكومة التوافق الوطني وأدائها اليمن الدستورية أمام الرئيس محمود عباس. لقد اكتسبت الحكومة الفلسطينية أهميتها من المشاورات الداخلية المعمقة التي أجرتها القوى والفصائل الفلسطينية، خصوصاً حركتي "فتح" و"حماس"، منذ توقيع اتفاق الشاطئ في 23 نيسان 2014، كما اكتسبت الحكومة أهميتها من الترحيب الواسع محلياً (القوى والفصائل والمؤسسات المجتمعية)، إقليمياً (جامعة الدول العربية، مصر.. غيرها من الدول العربية) ودولياً (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا، روسيا، فرنسا، بريطانيا.. وغيرها من الدول).
في مقابل ذلك، وكما هو متوقع؛ عبرت الحكومة الإسرائيلية عن استيائها الشديد إزاء تشكيل الحكومة الفلسطينية ، وقرر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر عدم إجراء أي مفاوضات معها. الأكثر من ذلك أن حكومة إسرائيل استبقت القرار الفلسطيني بالتوافق على موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأعلنت أنها لن تسمح بمشاركة فصائل فلسطينية (إرهابية) في هذه الانتخابات، وواصلت تحريضها ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وبدأت حملة لمنع اعتراف المجتمع الدولي بحكومة التوافق الفلسطينية، غير أن تلك الضغوط والمساعي الإسرائيلية لم تحقق مبتغاها.
كان ذلك واضحاً من الترحيب الواسع بحكومة التوافق منذ الساعات الأولى للإعلان عنها، وكان الأمر أكثر وضوحاً بإعلان الإدارة الأمريكية أنها سوف تتعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة وأنها ستدعمها اقتصادياً، ودعوتها- أي الولايات المتحدة- إسرائيل للتريث في شأن قطع أو تجميد العلاقات مع حكومة الرئيس عباس التي تتبنى برنامجه السياسي، أو اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب.
وما إن أخفقت الحكومة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها وتطلعاتها لجهة توفير المقاطعة الدولية لحكومة التوافق الوطني؛ حتى اتجهت لفرض العقوبات ضدها في اتجاهين أولهما، وقف التعامل مع الحكومة الفلسطينية، وبدأت أولى إجراءاتها بمنع وصول الوزراء الأربعة المكلفين من قطاع غزة إلى رام الله، عبر معبر بيت حانون لأداء اليمين الدستورية، ومنع وزراء الحكومة جميعهم من التنقل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي بذلك تكرس وتعمق سياسة الفصل في محاولة منها للإيحاء بأن اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" لن يقود إلى إزالة معوقات التواصل بين الضفة وغزة.
وثانيهما، اقدام الحكومة الإسرائيلية ومصادقتها على مواصلة بناء وتشييد آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة. تريد إسرائيل من وراء ذلك التأكيد على أنها لم تعد تكترث بالمطالب الدولية الداعية إلى وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا بالشرط الفلسطيني الداعي إلى وقف الاستيطان كمقدمة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية.
تمكن الرئيس عباس، بحكمة واقتدار، من إزالة أية مخاوف قد تنتاب المجتمع الدولي من التقارب الحاصل بين حركتي "فتح" و"حماس"، وما تبعه من تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، فهو من ناحية لم يغفل أن الانتخابات التشريعية في العام 2006، وما نتج عنها من وصول حركة "حماس" إلى الحكم أدت إلى المقاطعة الدولية وتشديد الحصار على قطاع غزة، الأمر الذي دفعه إلى الإعلان، أكثر من مرة، عن أن حكومة التوافق الوطني هي حكومته وتلتزم التزاما تاماً ببرنامجه السياسي- أي برنامج منظمة التحرير- وأن مهمتها تنصب أساساً في إزالة أثار الانقسام والتحضير للانتخابات العامة في غضون الشهور الستة التالية لتشكيلها، كما أن الرئيس أجاد اختيار رئيس وأعضاء الحكومة من التكنوقراط "الخبراء- الفنيين"، دون أن يكون أيٍ منهم عضواً بارزاً في أي من التنظيمات الفلسطينية.
إن الانقسام الفلسطيني، وعلى مدار سنواته السبع، أحدث شرخاً في بنية النظام السياسي، فهو من ناحية عمّق النزاع حول السلطة التشريعية وأدى إلى وقف دورها الرقابي والتشريعي، ومن ناحيةٍ ثانية أدى إلى انهيار السلطة القضائية بحيث أضحى لقطاع غزة نظاما قضائيا في مقابل نظام قضائي قائم في الضفة الغربية، ومن ناحيةٍ ثالثة أدى إلى انشقاق المجال السياسي إلى حكومتين تسيطر إحداهما على قطاع غزة والأخرى تسيطر على الضفة الغربية. كما ألقى الانقسام بظلاله الثقيلة على عملية التحول الديمقراطي، بما في ذلك تعطيل إجراء الانتخابات العامة والمحلية، فخلت الأجواء الفلسطينية (باستثناء المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس عباس بتاريخ 23 تشرين الأول 2009، والقاضي بالدعوة لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية يوم 24 كانون الثاني 2010) من أية بوادر إيجابية أو استعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وفقًا للجداول الزمنية المحددة قانونًا، أو حتى الاتفاق على مواعيد جديدة لإجرائها.
إن التغيرات الراهنة في بنية النظام السياسي الفلسطيني تلقي أعباءً إضافية على كاهل القيادة الفلسطينية وحكومة التوافق الوطني، فهي تتطلب جهداً خاصاً واستثنائياً من أجل إعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني، وتعميق وتعزيز الأساس الديمقراطي، بما يضمن تحقيق الشراكة الفلسطينية الحقيقية، وتعميق التعددية بكل أشكالها، وتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة، وضمان الحقوق والحريات العامة والفردية، وسيادة القانون، واعتماد الانتخابات بشكل دوري على كافة المستويات وفي جميع القطاعات.
كما أن مهمة استعادة الوحدة الوطنية، بمعناها الشامل، توجب البحث في مسألة إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أسسٍ وطنية وشراكة حقيقية قائمة على المصلحة الوطنية، وما يقتضيه ذلك من إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني وإعادة صياغة وتطوير وثائق الإجماع الوطني في ضوء الخبرات السابقة والحقائق المستجدة.
[النكسة] وتداعياتها
بقلم: يونس السيد – القدس
شكلت "نكسة" حزيران عام 1967 لحظة فارقة في الذاكرة الجمعية للفلسطينيين والعرب، ليس في كونها حملت هزيمة ثقيلة أضيفت الى نكبة فلسطين عام 1948 فحسب، بل بسبب تداعياتها الكارثية على الواقع العربي والجوار الإقليمي برمته . وهي بهذا المعنى، أخت النكبة أو ابنة عمها، وربما تكون أكثر خطورة من حيث المضمون والنتائج التي أفرزتها، على الرغم من التعريف "المخفف" الذي حملته لتفريقها عن النكبة .
فمنذ ذلك التاريخ، شهدت المنطقة سلسلة من الأزمات والصراعات والحروب، جرت خلالها أحداث جسيمة وسالت فيها انهار من الدماء، أدت في المحصلة إلى تعميق الانقسام والتشرذم في الواقع العربي، وفتحت الباب على مصراعيه أمام التدخلات الخارجية التي لا نزال نحصد نتائجها حتى الآن .
وباستثناء الحقبة بين عامي 1967 و1970 التي شهدت محاولات جادة قادها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لمحو آثار الهزيمة، تمثلت في العمل على استعادة التضامن العربي، وإعادة بناء الجيش المصري، ما مكّنه من خوض حرب الاستنزاف التي شكلت مدخلاً لحرب تشرين 1973 فإن النتائج التي أفرزتها تلك الحرب، على الرغم من الانتصار العسكري الذي تحقق، جاءت أكثر خطورة على الواقع العربي . إذ سرعان ما تم إخراج مصر من ساحة الصراع، وتعطيل دورها العربي والاقليمي من خلال تكبيلها باتفاقية "كامب ديفيد"، وتوقف التضامن العربي الذي بلغ مرحلة متقدمة آنذاك باستخدام سلاح البترول، ليستبدل بذلك كله سلسلةً من الحروب والصراعات الداخلية على مدار السنوات اللاحقة .
ففي عام 1975 اندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية، ثم الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 الى الاجتياح الإسرائيلي للبنان وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 ثم غزو النظام العراقي للكويت عام 1990 واندلاع حرب الخليج الأولى وانعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 الى توقيع اتفاقية "أوسلو" عام 1993 و"وادي عربة" عام 1994 ثم اندلاع حرب الخليج الثانية والاحتلال الأمريكي - البريطاني للعراق عام 2003 الى سلسلة الحروب الإسرائيلية على لبنان والضفة الغربية وغزة في اكثر من محطة زمنية خلال العقد الماضي، وصولاً إلى ما يسمى "ثورات الربيع العربي" في السنوات الأخيرة، وما تشهده المنطقة من صراعات وأزمات أمنية وسياسية تنذر بحروب أهلية وبتغييرات في كيانات بعض الدول وحدودها وأنظمتها الحاكمة .
وفي كل هذه المحطات، التي لا تنفصل قطعاً عن مجرى الصراع العربي - الاسرائيلي، نجد بصمات التدخل الخارجي والجانب الاسرائيلي الذي ظل، طوال الوقت، يسعى، ليس الى فرض الاستسلام على الفلسطينيين والعرب فحسب، بل إلى تكريس الهزيمة وثقافتها في داخلهم، للإبقاء على محاولاته في فرض الهيمنة والنفوذ والسيطرة على المنطقة وشعوبها ونهب خيراتها وثرواتها .
لا يمكن في هذه العجالة، الإحاطة بكل تداعيات "النكسة"، ولا الدروس التي ينبغي استلهامها، لكن لا مفرّ من وقفة تأمل، على الأقل، من أجل تصحيح الخلل، الذي يبدأ باستعادة الذات أولاً، والتضامن العربي ثانياً، وحشد الطاقات لتحرير الأراضي المحتلة، ثم الانطلاق نحو آفاق الحرية والتقدم والالتحاق بركب الحضارة العالمية، حتى لا تبقى المنطقة مشرعة على كل الاحتمالات .
كي نبقى احياء على قيد الأمل
بقلم: محمد الخطيب – القدس
أشيعوا الدفء في وطننا فقد قتلنا برد الغربة !!نحن غرباء في وطننا ، فحين ينفي الوطن الحق والحرية والعدالة والألفة والمحبة يكون الكل منفيا في وطنه ، فإشاعة الدفء في ارجاء الوطن ، تتمثل بصدق المواجهة وعمق الانتماء والتجذر ومصداقية القول والادلاء بالتصريحات المقدور على تنفيذها وملاصقة الرأي الجماهيري وتلبية طموحاته الانية " المرحلية " والمستقبلية " الاستراتيجية " ، وازالة الغشاوة عن كل ما يتخذ من قرارات ليكون شفافا يمكن من خلاله استشراف المستقبل ، حتى نتمكن من مشاهدة القادم من خلال قراءة الواقع.
ان طمس معالم الفردية ، تكمن في تلاحمنا ماديا ووجدانيا لنشكل نهرا دافقا بدلا من ان نكون قطرات يسهل تبخرها ، فإطلاق العنان للمبادرات الواعدة وعدم كبح جماح المستنبطين والمستنتجين والمفكرين . ونبذ سياسة كم الافواه وترسيخ الامن والامان بإلغاء التسيب والتحلل والانفلات والفوضى والركون الى قوة الفردية وممارسة السلطة استنادا الى القانون بالارتكاز على الاسس العملية والحياة المحيطة كمقدمة عملية تنفيذية لإحداث وايجاد الامان ، وهذا بمجمله يبعث على الدفء في الوطن وكذلك اضعاف السطوة العشائرية والشللية وترسيخ الدستور واستحداث القوانين الملائمة للوضع الفلسطيني واستيعاب الكفاءات وليس الركائز الجمعية ، فلقد اضعفت الدولة الاسلامية نفوذ القبلية من خلال توطين اقليات اثنية غير عربية داخل المدن الاسلامية كما حدث مع الاقليات الايرانية الاصل من " الاساورة " يعني فرسان السلطان ، او المجموعات الهندية الاصل والمعروفة باسم " الزط ، السيابجة ، الاندغار " التي وطنت في مدينة البصرة ، والمجموعة الاثنية " الاحامرة " في القاهرة .
وعلى نفس النهج ، يمكن ان يتم استيعاب شبابنا من اقليات " عائلات صغيرة " وتقليص عدد ابناء العائلات الكبرى وتطبيق القانون على الاقوياء قبل الضعفاء ، يضاف الى ذلك ، احترام الاخر واشراكه في صناعة القرار تكريسا للتعددية والتي لم تكن اوروبا تعرفها الا من خلال احتكاكها بالدولة العثمانية التي طبقت نظام " الملل " فأفسحت لكل آخر مكانا ومكانة حتى امّنت وحمت كافة التمايزات التي حفلت بها البلدان الداخلة في نطاق الامبراطورية ، وبهذا استطاعت ان توائم ما بين حاجة الوطن والمواطن كون المواءمة بين ما يحتاجانه وما بين القدرة على التلبية والتنفيذ ، تبرز عظمة القيادة . فقد سئل السياسي البريطاني " لولايد جورج " عن سبب نجاحه وصموده فقال : " انني اوائم بين ما اضعه في الصنارة وبين نوع السمك " .
وهنا لابد من التساؤل : لماذا هذا الصخب الذي اثير وما زال حول خلافات "فتح" مع "حماس" حول ثلاث قضايا كما رشح اعلاميا والتي لا نعرف متى ستتوقف خاصة بعد التأجيل عن الاعلان عن الحكومة اكثر من مرة .
واللافت للنظر في هذه القضية ، هو ان الحركتين تبرزان من خلال خلافهما ، حرصهما على خدمة القضية ولحمة الوطن واثبات ديمومة حركة النهوض الوطني ومنظمة التحرير ودورها القيادي وكأنهما في مبارزة اثبات الولاء !
وفي تقديري ان هذا الخلاف قد اتاح استخلاص المشكلة الحقيقية والمتمثلة في قضية سباق محموم يروج له منذ امد بعيد ، وهذه القضية تتمثل بمن سيكون قائد السفينة .
قضية مختزلة في سؤال ، لسنا بحاجة لخلاف كي نجيب عليه بقدر ما نحن بحاجة لعمل وطني يعطينا اجابة شافية .
ولعلي ارى بوضوح ، ان ميدان العمل رحب وهو بحاجة فقط لفرسان اسبارطيون وليس لولاة امارات انشقت او تفكر بالانشقاق عن الباب العالي .
المهم في الامر ان قطار المصالحة قد جاء محملا بكثير من الامور التي لسنا بحاجة لسماعها كونها لا تتناغم مع متطلبات الشعب الفلسطيني ولا متطلبات القضية الوطنية خاصة ونحن ما زلنا نئن تحت وطأة ضربات الاحتلال .
ففي الوقت الذي نعكف فيه على تشييد صرح سلطوي يلتهم الاحتلال ما تبقى من الوطن ، والى حين ان نفرغ من عملية التشييد ، ففي تقديري انه لن يعد هناك ما يكفي لتشييد دويلة .
انا اؤمن بتسليم الرايات طواعية جيلا اثر جيل وانكر استلامها غيلة ، فعلينا ان نكد ونتعب ونروي الارض بدمنا وعرقنا ونستمر هكذا الى ان تمضي بنا سني العمر لنصل الى مرحلة افساح المجال امام غيرنا لمواصلة المسير وحمل الراية فهذا امر بديهي ، ولكن ان يصل بنا غيرنا الى الاهرام والتشييخ مقدمة لعزلنا تحت شعار تواصل الاجيال ، فهذا هو الاغتيال بعينه ، لذا وبما اننا نعيش هاجس الدولة ، علما بأننا نمارسها وجدانيا ، فحري بنا ان نسعى الى تعميق الديمقراطية مطابقة لواقع الوجدانية المعاش عملا وقولا ، فالديمقراطية بمعناها السياسي هي الاستجابة لرغبة الاغلبية وانصياع الاقلية ولهذا يتوجب على كل من يقود سفينتها ان يدرك تماما ان الشعب هو صانع القيادة، فالشعوب القادرة على صنع قادتها قادرة على عزلهم وبديمقراطية ايضا .
واني لأهيب بكم هنا ، ان لا تقتلوا الديمقراطية الحقة بالديمقراطية الزائفة ، الامر الذي يحضرني معه ما كتبه الشاعر الكبير الراحل نزار قباني في صحيفة المستقبل اللبنانية في تشرين الثاني 1982 في مقال له بعنوان :" دفن الديمقراطية في الوطن العربي " حيث قال :" نحن الاغنام العربية الموقعة بحوافرها ادناه بعد التوكل على الله وكتابة وصيتنا والتأمين على رؤوسنا ضد القطع لدى شركة " اميركن لايف انشورانس " ، قررنا ان نكتب في شؤوننا الغنمية الى سيدنا السلطان وزوجته قمر الزمان ، نرجو قبل كل شيء ان تسامحونا على رداءة خطنا وضعفنا في قواعد اللغة العربية فنحن كما سبق ان قلنا في اول هذا الاستدعاء – نكتب بحوافرنا – لأنكم صادرتم كل دفاتر الكتابة وكل اقلام الحبر السائل والجاف الموجودة في السوق واعتبرتموها من المواد الكمالية كالعطور والمشدات ، ثم نرجو ان تغفروا لنا ضعفنا في الصرف والنحو والاملاء لثلاثة اسباب :-
اولا : لأن غلاء الاقساط المدرسية لا يسمح لنا بالذهاب الى المدرسة لاستكمال تعليمنا .
ثانيا : لأننا نكدح ليل نهار لـتأمين علفنا اليومي .
ثالثا وهو السبب الاهم : لأن الفصاحة ليست مطلوبة في الوقت الحاضر لأن كل فصيح " القول لي : مدمر للمشروع " حتى يثبت براءته .
ختاما : ان الغالبية العظمى من ابناء شعبنا تريد المصالحة واستعادة اللحمة دون النظر الى تقديس ما ليس مقدسا والى اشخاص قد يكونوا سرابا في عملية البناء ، وان اي عمل عكس ذلك من أي جهة كانت حسب تقديري ، هو تدمير للمشروع وبذلك فهو مطلوب من المدمر ان يثبت براءته.
"غير فتّاكة؟ ديناصور عاشب؛ "فتاكة" ديناصور لاحم!
بقلم: حسن البطل – الايام
تطوّر خطير؟ أو تطور ذو مغزى؟ ستكشف الأيام ومجريات الحرب في سورية وعليها معنى إعلان سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي الأميركي، انتقال دعم أميركا للمعارضة السورية من تزويدها بسلاح "غير فتّاك" إلى "سلاح فتّاك".
هل هذا التطور إعلان رسمي عن معلومات صحافية سابقة تحدثت، في نيسان الماضي، عن تزويد جناح المعارضة السورية، غير الإسلامية، بصواريخ مضادة للدروع من طراز تاو TOW، أو تزويده بصواريخ ستينغر المحمولة فردياً والمضادة للطائرات كما ذكرت "واشنطن بوست" في أيار الماضي؟.
كانت الولايات المتحدة بدأت تدخلها اللوجستي بتدريب المعارضة السورية "العلمانية" المقربة إليها بشكل خبراء أو "مستشارين" في دولة مجاورة لسورية غير عربية، وربما في دولة عربية مجاورة.
الأسئلة السياسية، غير العسكرية، على هذا التطور هي: هل وقّتت واشنطن هذا التطور رداً على انتخابات سورية رئاسية أسفرت عن فوز بشار الأسد؟ أم رداً على تقدم ميداني لقوات النظام وحلفاؤها؟ أم مسعى لحسم ميزان القوى بين "الجيش الحر" ومنافسيه من "داعش" و "النصرة"؟
.. أم نضيف إلى مجموعة هذه الأسباب سببا أميركيا ودوليا هو الرد على انتقادات لإدارة أوباما تصفه بالحائر ـ الخائر، وخاصة في الكونغرس من جانب الحزب الجمهوري وبعض الحزب الديمقراطي.
.. أم نضيف، أيضاً، أنها نقلة في رقعة الشطرنج الروسية ـ الأميركية، بعد تحدّي فلاديمير بوتين للغرب في أوكرانيا وإعلانه، صراحة، بعد ضم القرم وتوسيع نفوذه في شرق أوكرانيا، أنه لن يسمح للحلف الاطلسي أن يضم إليه حكومة موالية للغرب في غرب البلاد.
في بداية الصراع السوري، كسبت أميركا نقلة في رقعة الشطرنج هذه، عندما هدّدت بالتدخل، مباشرة، بعد قصة استخدام الأسلحة الكيماوية من طرف النظام (والمعارضة؟) امّا بقصف جوي مباشر على غرار ضرب صربيا، أو بفرض "منطقة حظر طيران" كما فعلت في مرحلة من مراحل الحروب العراقية.
إذا كانت أسباب هذا التطور، الخطير أو ذي المغزى، أميركية صرفة، أي رداً على اتهامات سياسية لأوباما بالانسحاب الاستراتيجي من حروب التورط في أفغانستان والعراق، وعلى الانتخابات النصفية لكونغرس صيف هذا العام؛ فإن واشنطن غادرت أسلوب "الحرب بالوكالة" إلى أسلوب "الحرب بالأصالة".
هل يشمل هذا نموذج التدخل الأميركي الجوي في اليمن وباكستان بقصف مواقع المعارضة الأصولية الإسلامية بطائرات بلا طيار، أم يمتد لاحقاً إلى قصف قوات النظام السوري.. والصدام مع موسكو وإيران؟
لنتذكر أن التورط الأميركي في فيتنام بدأ بـ "مستشارين" وانتهى بتدخل مباشر في "حرب آسيوية" أخرى كانت أقسى وأبهظ حروب أميركا الإقليمية بعد الحرب العالمية الثانية، بذريعة صدّ سياسة تساقط "أحجار الدومينو" في أقصى شرق آسيا، كما قال هنري كيسنجر.
كررت أميركا غلطة فيتنام في أفغانستان، عن طريق دعم المناوئين للنظام الموالي لموسكو (بابراك كارمال) بصواريخ ستينغر م/ط، لكنها لاقت الجزاء استخدام المعارضة المنتصرة على التدخل السوفياتي هذا السلاح ضد قواتها، بعد انتصار حركة "طالبان". التورط الأميركي في حروب العراق كان مشابهاً تقريباً.
انسحبت جيوش أميركا من العراق تاركة إياه في فوضى عارمة، وحليفاً للنظام الإيراني، أيضاً، وهذه سنة مقررة للانسحاب من أفغانستان مع "تمرد" الرئيس حامد قرضاي على الولايات المتحدة، وتقربه من أجنحة طالبانية.. واستمر التورط الأميركي في اليمن قبل وبعد تغيير النظام بالقصف الجوي.
الولايات المتحدة توجه "رسالة" إلى إيران وروسيا بأنها لن تسمح بانتصار محور يضمهما مع العراق وسورية وحزب الله، كما لن تسمح دول هذا "المحور"، بدورها بهزيمة النظام السوري.. ستكون هذه "حرباً عالمية".
كان هناك، حتى قبل هذا "الربيع العربي" من توقّع صراعاً استراتيجياً بين محوري "دول الممانعة" مدعومة من موسكو والعالم الغربي بما فيه إسرائيل، المترددة بين خيار انتصار معارضة إسلامية أصولية، وخيار انتصار النظام... ولكن ليس انتصار معارضة على غرار "الجيش الحر".. وهي، ببساطة، مع استمرار الصراع السوري حتى تدمير سورية، بعد تدمير العراق وفوضى مصر!
ذريعة أميركا في حروبها وسياساتها الخارجية هي "دعم الديمقراطية"، وسياسة إسرائيل هي "مقاومة الإرهاب" بشقيه المسلح والسياسي، كما في موقفها من إيران ومن حكومة الوفاق الفلسطينية والانتخابات المترتبة عليها.
أميركا ترى في السلطة الفلسطينية صديقاً محتملاً، خلاف إسرائيل، لكنها ترى في سورية نظاماً مناوئاً وغير ديمقراطي.. لكن من المثير جداً نشوء خلاف استراتيجي بين أميركا وإسرائيل، حتى بعد تفشيل إسرائيل مهمة كيري.
تخلت أميركا عن دور "ديناصور" في الصراع السوري (وليس الفلسطيني ـ الإسرائيلي)، وباشرت دور "ديناصور لاحم" وبهذا أسعدت إسرائيل لأنها تفضل أن تحارب الولايات المتحدة بالوكالة عنها في تدمير العراق ثم تدمير سورية، على أمل فشل الحوار مع إيران حول تطورها النووي، وأن ينفّذ أوباما وعده: "لن نسمح بإيران نووية".. ويقصف إيران موفّراً على إسرائيل هذه المغامرة.
لغم الرواتب ينفجر في وجه حكومة غير مسؤولة !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
ما أن انفجر أول لغم في جسم حكومة التوافق ووجهها، متمثلا في "رواتب الموظفين" حتى حمّل البعض مسؤولية هذا التفجير لحركة حماس، مع إبداء الدهشة على ما جرى من إغلاق للبنوك ووقف صرف الرواتب والمواجهات بين المحتشدين أمام الصرّاف الآلي، بيد أن مراجعة سريعة لتجربة سنوات سبع قضاها قطاع غزة تحت سيطرة حماس، توفر كل الأسباب، حتى تنعدم أي دهشة لما جرى، وعلى العكس من ذلك، فإن حكومة الوفاق هذه، والتي لم ينجم عنها، أي رد فعل يوازي ما حدث، هو ما يثير الدهشة حقاً، وكأن هذه الحكومة تعيش في قارة أخرى. تصريح رئيس الحكومة حول عودة "المستنكفين"، ليس هو ما يثير الدهشة فحسب، بل إن "قراره" بعودة الموظفين خلال 24 ساعة، يشير إلى أن الحمد الله لا يعرف شيئاً على الإطلاق عن مسألة الموظفين ومدى تعقيدها وملابساتها، حتى لو تجاوزنا مسألة الرواتب. تصريح الحمد الله هذا يعكس في أحسن الحالات، عدم الاهتمام بما جرى ويجري في قطاع غزة تحديداً، وهو ـ التصريح ـ يعبر عن عدم مسؤولية المسؤول "التنفيذي" الأول لدى دولة فلسطين، رد الفعل البارد من قبل حكومة الحمد الله التوافقية، سيشجع حركة حماس في المستقبل على التعامل مع كافة الملفات على هذه الطريقة، وكان يجدر بالحمد الله وأركان حكومته الرشيدة التعامل بوضوح تام مع هذا الملف الشائك، بعد الإلمام بكافة تفاصيله قبل إصدار التصريحات وفقاعات المواقف التي لا تؤدي إلى حل.
من هنا، فإننا نرى أن ما جرى تتحمله أساساً حكومة الحمد الله، لكن ذلك لا يشكل براءة لحركة حماس، إلاّ باعتبار أن ما جرى، ما هو إلاّ ترجمة لسياسة اتبعتها هذه الحركة، وستتبعها في المستقبل إزاء كافة الملفات من خلال سياسة "وضع اليد" في ظل ارتباك حكومة الحمد الله وعدم اطلاعها على مجريات الأمور من الناحية الواقعية على هذا الجزء المنسي والمتناسى من الوطن الافتراضي!
لحوالي عام كامل، لم يتمكن موظفو حركة حماس من تسلم رواتبهم كاملة، بل "على الدفتر" من خلال دفعات ما تزال قاصرة، ولم يتحرك أحد من هؤلاء "للانتفاض" ضد "حكومة الشرعية" لكن وجدنا أنهم، اندفعوا بشكل منظم ومنسق وتحت رعاية الشرطة، للانتفاض في وجه "الأشقاء" الموظفين الرسميين، "وعلى قلب رجل واحد" نجحوا في تحقيق الهدف غير المعلن، يتجاوز مسألة الرواتب، إلى فرض اليد على كافة الملفات اللاحقة.
وشاهدنا عبر وسائل الإعلام، مسألة تسلم وتسليم بعض الوزارات في قطاع غزة، في احتفال أو مهرجان حافل، ولكن من دون التقيد بجوهر عملية التسلم والتسليم والتي يجب أن تنطوي على "بروتوكول" يشمل التقارير الإدارية والمالية، حفظاً وصوناً لحقوق الوزارة الراحلة والوزارة القادمة والأهم، حقوق المواطنين، ومن بين ما يتضمنه هذا البروتوكول، إضافة إلى الممتلكات، هناك الهيكلية الوظيفية والنواحي الإدارية والمالية، فالأمر ليس احتفالا، بقدر ما هو انتقال للمسؤولية يعبر عنه ببروتوكول موثق ومحفوظ ومدقق، ولا يكفي أن يجلس الوزير الجديد على مقعد الوزير السابق، ولو تم الأمر وفقاً لأحكام ومقتضيات التسلم والتسليم، لأمكن فعلاً، إيجاد مناخات أكثر تفاؤلاً بحكومة التوافق، ذلك أن الالتزام بهذا البروتوكول من شأنه أن يجيب على الأسئلة الغامضة، مثل السؤال حول ما إذا كانت الحكومة في قطاع غزة، تورد أموال وعائدات الضرائب وما شابه إلى وزارة المالية أم لا، وهل انتقلت الميزانيات والموازنات من الحكومة السابقة إلى الحكومة الجديدة أم لا، ولا نريد أن نسأل في هذا السياق، كيف تم التعامل خلال السنوات السبع الماضية مع المسألة المالية في قطاع غزة وأوجه الصرف وأوجه الجباية والعائدات؟!
كل ما فعلته حكومة الحمد الله، أنها حاولت أن تتعاطى مع مسألة الرواتب بهدوء نتيجة لعدم معرفتها بنصوص اتفاق المصالحة، وأنقذها نسبياً، ما وزعه الأخ عزام الأحمد على وسائل الإعلام فيما يتعلق بهذه المسألة، لكن ذلك، ليس كافياً في ظل الغياب الموضوعي والمعرفي لمعظم وزراء حكومة الحمد الله، لطبيعة الأوضاع في قطاع غزة، والتعامل مع القضايا المتشابكة والمعقدة بدرجة عالية من اللامبالاة التي تفصح عن عدم المسؤولية.
ويدور الحديث حالياً حول ما قيل عن أن قطر ستعالج مسألة موظفي حركة حماس، لكن قطر لم تقل شيئاً حول هذا الأمر، وكل ما سمعناه تصريحات من قبل حركة حماس حول ذلك، مع أن مصادر حكومة الحمد الله تشير إلى أن هناك مبلغ خمسين مليون دولار، يتوجب على قطر دفعها في إطار التزاماتها في القمم العربية، وان المبلغ إذا ما تم تحويله، ليس له علاقة برواتب موظفي حركة حماس.
وفي كل الحالات والمعالجات، لا يجب قطع راتب أي موظف، بما في ذلك رواتب موظفي حركة حماس، فهم، أيضاً، ضحية من ضحايا الانقسام والتوافق.. على حد سواء!!
فشل الرهان الإسرائيلي
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
لم تستجب الولايات المتحدة وأوروبا لسياسة نتنياهو ومطالبته لهما بمقاطعة حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية، وفشل في دفعهما لاتخاذ إجراءات ضد الحكومة باعتبارها حكومة فتح وحماس، وبدلاً من استجابتهما لتحريض نتنياهو أعلنت واشنطن والمجموعة الأوروبية، عن عزمها التعاون مع حكومة رامي الحمد الله، ودعمها وتقديم المساعدات لها، وفق ما هو مقرر مع الحكومة السابقة.
وتتضح الصورة بشكل جلي، على أن المواصفات الإسرائيلية للحكومة الفلسطينية الجديدة، ليست متطابقة مع الواقع، لا في رموزها من الوزراء، ولا في سياستها، ولا في برنامجها، وبذلك يكون الرئيس محمود عباس وحكومته قد سجلا هدفاً جديداً في مرمى حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلية، وهزيمتها، بأدوات دبلوماسية وسياسية، على طريق مراكمة النقاط، بسبب عدم قدرة الجانب الفلسطيني على حسم الصراع لصالحه، نظراً لضعفه، أمام التفوق الإسرائيلي في أغلبية العوامل، باستثناء ما يملكه الفلسطيني من عاملين :
أولهما: عدالة قضيته مجسدة بقرارات الأمم المتحدة المنصفة لصالحه، بدءاً من قرار التقسيم 181، وقرار حق عودة اللاجئين واستعادة ممتلكاتهم 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وحل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515 .
وثانيهما : حكمته وسعة أفقه، في إدارة الصراع، ما وفر له إمكانية هزيمة السياسة الإسرائيلية في أكثر من موقع، وخاصة في الاتحاد البرلمان الدولي، وفي عضوية اليونسكو، ولدى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
برنامج حكومة الرئيس الفلسطيني، ونقاطه الأربع التي أعلنها أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير يوم 27 / نيسان / 2014، 1- الاعتراف بإسرائيل، 2- نبذ العنف والإرهاب، 3- الالتزام بالاتفاقات الموقعة، 4 – استمرار خيار المفاوضات تحت الرعاية الأميركية، قطع الطريق على تل أبيب، في كسب الرهان على مقاطعة الحكومة الفلسطينية وعزلها دولياً، وليس وهذا وحسب، بل وفر البرنامج للممولين الأميركيين والأوروبيين لإعلان مواصلة دعمهم السياسي والمالي لحكومة الحمد الله، طالما هي متمسكة بالبرنامج المعلن للرئيس أبو مازن، وتسير في هديه وعلى خطاه .
لقد سعى نتنياهو، ومعه الأحزاب الثلاثة المشاركة في حكومته، حزب الليكود الذي يرأسه، وحزب افيغدور ليبرمان وزير الخارجية البيت اليهودي، وحزب المستوطنين برئاسة نفتالي بينيت وزير الاقتصاد، سعوا، إلى فرض العزلة الدولية على حكومة الوفاق الوطني، ولكنهم بدلاً من أن ينجحوا في ذلك، أوقعوا أنفسهم في ورطتين أولهما مع حزبين مشاركين في حكومته وهما حزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد وزير المالية، وحزب "الحركة" برئاسة تسيبي لفني وزيرة العدل، ومعها زميلها عمير بيرتس وزير البيئة.
فقد أعلن لبيد عن حاجة حكومته " لدراسة الحكومة الفلسطينية، ورؤية اتجاهها" وأن هذا ليس وقت الهيجان ودعا إلى " فحص الأمور باتزان "ونصح زملاءه في حكومة نتنياهو "بعدم السماح لحركة حماس، بأن تشعل النار ضدنا، بسبب تصريح إعلامي"، وقد شاركه، عمير بيرتس الرأي وحذر "من أن مقاطعة إسرائيل للحكومة الفلسطينية، سيخدم حماس" وقال "ينبغي التصرف بضبط النفس، وفحص ما هي سياسة هذه الحكومة، وطالما اعترفت الحكومة الفلسطينية بإسرائيل، والتزمت بالاتفاقيات الموقعة، فيجب فحص إجراء الحوار معها، بدلاً من سد الأبواب بوجهها".
هذا على المستوى الداخلي، أما الورطة الثانية التي أوقعت حكومة نتنياهو نفسها فيها فهي على المستوى الدولي، حينما فشلت بشكل فاقع في التحريض على حكومة الرئيس أبو مازن، وأخفقت في فرض العزلة الدولية عليها، وخاصة لدى أقرب الداعمين الدوليين الولايات المتحدة وأوروبا.
قد لا يكون الموقف الإسرائيلي لدى حكومة نتنياهو موحداً نحو كيفية التعامل مع الحكومة الفلسطينية، ولن يصل إلى مستوى فض الائتلاف بين مكوناتها الحزبية، ولكن عدم وحدة الموقف الإسرائيلي يشكل مكسباً معنوياً للرئيس الفلسطيني في صراعه السياسي والدبلوماسي مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، إضافة إلى أن الموقفين الأميركي والأوروبي، لن يصل إلى حد القطيعة مع حكومة نتنياهو، ولكنه سيضيف فجوة جديدة على مسار التفاهم، وتضارب المصالح، واختلاف الرؤى بين تل أبيب وحلفائها الأميركيين والأوروبيين.
ماذا لو أدركت "حماس" مبكراً ..!
بقلم: أكرم عطا الله – الايام
ماذا لو طلبت حركة حماس قبل أكثر من ثماني سنوات أي بعد انتخابات 2006 من حركة فتح أن تسمي وفدا للتباحث معها حول حكومة تكنوقراط ؟ وهو ما فعلته متأخرا ومن موقع الأضعف، ماذا لو اجتمعت قيادة الحركة بعد الفوز وأجرت قراءة للظرف الفلسطيني والواقع الإقليمي والدولي وقررت التنازل عن تشكيل الحكومة ولكن التحكم بها من خلال المجلس التشريعي ومن موقع القوي ؟ لقد طلبت حماس الاستشارة فنصحها البعض ألا تغامر بقيادة السلطة التنفيذية وأبرزهم أستاذ السياسة وخبيرها لعقود طويلة الكاتب محمد حسنين هيكل لكن وهج السلطة كان أكبر من كل النصائح.
لو لم تفعلها "حماس" حينها لأعفتنا أن نكون فئران تجارب في مختبر تتعلم فيه السياسة حتى تصل للنتيجة التي قالها الكثيرون في تلك الفترة والتي احتاجت كل تلك السنوات الثقيلة حتى تعرف أن مسألة السياسة أعقد كثيرا من استسهال الحكم، ولكنها أصرت مأخوذة بنشوة الصندوق الذي أفقد العقول اتزانها ومنعها من إجراء الحسابات الهادئة لتلقي بكل نصائح العقل جانبا وتذهب إلى مغامرة لم تحسب عواقبها إلا بعد كل هذه السنوات.
ماذا لو أدركت حماس مبكرا أن النظام السياسي الفلسطيني متعدد الشرعيات وأن شرعية منظمة التحرير تعلو على شرعية السلطة ؟ وماذا لو أدركت أن نظام السلطة الفلسطينية يعطي للرئيس سلطة أعلى من الحكومة ؟ لعرفت حينها أنها حصلت فقط على جزء من الشرعية الفلسطينية ولتصرفت بغير ذلك، وماذا لو أدركت حينها أن الشرعية حتى تكتمل يجب أن يكون لها امتداد إقليمي دولي.
ماذا لو لم تغامر حماس بالسيطرة بالقوة المسلحة على قطاع غزة ؟ وأبقت على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة السيد إسماعيل هنية المدعومة من كل الفصائل الفلسطينية ومن الشعب الفلسطيني والتي كانت تدير الضفة الغربية والقطاع والقدس لكنا على الأقل قد أجرينا الانتخابات مرتين ولما بقي الرئيس يحكم تسع سنوات ونصف السنة ولما بقي أعضاء التشريعي ثماني سنوات ونصف السنة ربما كنا نؤسس لثقافة الانتخابات وتداول السلطة ولكنها حرمتنا من ذلك.
ماذا لو التقطت حماس اللحظة التاريخية للمصالحة قبل سنوات حين كان حكمها أكثر استقرارا ورواتب موظفيها أكثر انتظاما إلى الحد الذي أعلن نائب رئيس وزرائها ذات مرة استعداده لتغطية أزمة حكومة رام الله ؟ فأواخر 2010 عاد وفدها للحوار عن المعبر لأن رام الله تعتقل أنصار حماس، وفي العام 2011 كانت الثورة المصرية قد أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك وهذا أضعف خصمها اللدود في الساحة الفلسطينية "حركة فتح "كان يمكن أن تكون أقوى لو تمت المصالحة وهذا ما التقطه رجلها الذكي خالد مشعل، ولكن كان لغزة موقف آخر أوصلها لهذه النتيجة، وفي العام 2013 كان رجل الإخوان المسلمين في سدة الحكم في القاهرة كان يمكن أن تكون أيضا اللحظة التاريخية الأنسب لحركة حماس لكنها لم تلتقطها عملا بمقولة أحد أبرز القادة التاريخيين في القرن الماضي "بالأمس مبكرا وغدا متأخرا" فقد ذهبت حماس بعد غد بكثير متأخرة جدا بعد أن فقدت كل أوراقها.
فقد كانت موازنتها على شفا الافلاس عاجزة لأشهر عن تسديد رواتب موظفيها الذين أصبحوا عبئا تسارع الخطى للتخلص منه، وهي عبء على حلفائها وتحديدا قطر وتركيا، فقطر التي يتخذ الخليج إجراءات ضدها بسبب دعم الإخوان وحماس، وتركيا التي أصبح استمرار الحصار على غزة عثرة أمام طريقها لتل أبيب تريد مصالحة ترفع الحصار، والإقليم أصبح معاديا أكثر لها وخصوصا القاهرة.
كان من الطبيعي أن يكون الشكل الذي خرجت فيه المصالحة يعكس كل تلك التوازنات، فالسياسة أولا هي ممكنات قوة وليست حسن نوايا، وهذا ما كان واضحا في الأيام الأخيرة لمفاوضات تشكيل الحكومة ويوم إعلانها حين حسم رئيس وفد فتح ساعة الإعلان عنها، بينما كانت حماس تؤكد التأجيل وما نتج عن تداعيات التطبيق وأزمة رواتب موظفيها وملاحقتهم لموظفي السلطة وإغلاق البنوك في مشهد مسيء لحركة حماس بالرغم من أحقية مطلبهم، لكن التعبير عنه أضاف لحماس خصوما جددا حين كان تسلسل اقتصاد غزة الهش يتوقف على تلك الرواتب ليبدأ دورة حياته الجديدة، فقد كان مشهد الصراع أمام البنوك يعكس بؤس الحالة وفي ذروة الأزمة لم ينتبه الموظفون أنهم ينتقلون بسلاسة من حكومة الممانعة إلى حكومة الاعتراف بإسرائيل وباتفاقيات أوسلو وأنهم سيتحولون إلى الذراع التنفيذية لتلك السياسة.
انسحبت حماس من واجهة الحكم في قطاع غزة وكان الانسحاب سريعا ومرتبكا حال حتى دون إخراجه بما يليق بحركة فازت بالأغلبية في آخر انتخابات تشريعية، وقدمت ما يكفي من الشهداء والعمليات الجديرة بالاحترام بحيث بدا أنها فقدت كل شيء، صحيح أن زلزال الإقليم الأخير الذي كانت القاهرة مركزه جعل الأرض تهتز تحتها وأفقدها توازنها، لكن أساس الأزمة بدأ في الصراع بين ثبات الأيدلوجيا ومرونة السياسة والذي أدى إلى ارتباك الخيارات مبكرا ولم يتدخل مفكرو الحركة لاستيلاد تجربة قادرة على التنقل بمرونة بين الأيدلوجيا والسياسة أو فض الاشتباك بينهما.
ومن تداعيات الأيدلوجيا أنها قسمت المجتمع ما بين أخيار وأشرار وأن أبناء الحركة هم الأخيار وصفوة المجتمع، وأن باقي المجتمع في درجة أدنى وقد عبرت مقولات "الحركة الربانية "و"الحكومة الربانية" عن هذا التصنيف الذي يحمل قدرا كبيرا من التعالي على شركاء الدم والمصير وأبناء الوطن الواحد وترجمت هذا إلى سلوك سواء في إغلاق المؤسسات الأخرى أو ملاحقة حريات الناس وحتى نمط لباسهم في عملية تنميط قسرية لمجتمع أساسه وسمته الأبرز التعدد الديني والسياسي والاجتماعي والإنساني كمجتمع زراعي قروي حيث لكل قرية ثوبها الخاص ومختارها الخاص ونظام حكمها الخاص.
لو أدركت حماس مبكرا أنها قوة فلسطينية كباقي القوى تخطئ وتصيب وأن أفرادها كذلك وأن للسياسة عثراتها وأن الظروف أحيانا أكبر من الآمال وأن تعقيداتها ودهاليزها تحتاج إلى قدر من الخبرة والدهاء وأنها تحتاج إلى حسابات هائلة لم تكن وصلت وأوصلتنا معها إلى هذا الطريق .. هي دعوة للمراجعة صحيح أن انسحاب حماس هو بداية مراجعة على النمط التونسي الذي تجاوز أزمته باقتدار، لكن من المهم إعادة التفكير بكل شيء فهي جزء من النظام السياسي الفلسطيني الذي يشكل وجودها خلاله لكن بتواضع اكبر أحد أشكال التعددية التي يحتاجها أي نظام ديمقراطي نتمناه ..!
إلى خالد نزال : حياة ناقصة في حزن كامل
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
على وقع خطوات حزيران الهمجية، يأتي صوت من بعيد، مطالبا بنص لا يشبه غيره، تنصهر فيه المشاعر في حرارة الواقع، خلطة سحرية تذيب المتناقضات بين حدود السياسة والوجدان.
نص يليق بالشهداء وأسئلة المستقبل الغامض بغرابته، نص يملك نبرة عالية ترتفع على صوت صهيل الجراح المفتوحة، ويتعالى على فيض الألم تحت سماء الوطن، متجاهلاً شوق وحنين المظلومين إلى حزن أقل وحياة تشبه الحياة.
سأتجاوب مع الصوت القادم من خلف حدود الحياة، وأكتشف خلال تفقد مفرداتي فجواتها وتقادمها، بعضها لم يعد يستطيع التعبير عن نبرة الكبرياء، ولا عن تلاطم الموج للقضية وتقاذفها، وبعضها الآخر، فَقَدَ صلاحيته في حضرة الأسرى والشهداء، والبعض الأخير لحقه الوهن والشيخوخة.
فأقرر شراء مليارات الكلمات، التي لا أعرفها، من أجل استكمال مخطوطة رثاء الشهيد، وتلبية الشغف لمعرفة فصول القصة الكاملة لحزن كامل وحياة ناقصة.
وقبل أن أضع مخطوطتي الثامنة والعشرين، أعود لمراجعة بياناتي المعلقة على جدارية الغياب، أتقوقع داخلها وأتأمل في غمغمات ذاكرتي لأكتشف الحقائق الواضحة التي لم تتضح في ذهني الشارد منذ البداية، لكنها اتضحت تدريجيا بمرور السنوات وتقلبات المناخ.
سأستخلص من جدارية الشهداء، انه لم يعد بإمكان أحد التقاط الأنفاس بغيابكم، وبأننا نعيش في عالم مجنون، والضياع الاتجاه غير مسبوق، والإمساك بناصية الحدث غير مقدور عليه، لأننا دون منهجكم، انتقلنا من حالة تزاحم التضحيات إلى فراغها ومن ثم إلى إفلاسها.
من الجدارية أعرف، أني قد هيأتك ووضعتك في صورة انغلاق الأفق أمام أهدافكم، وبأن مجلداتكم لا تتقاطع مع مجلداتنا.
أما الآن، فقد أصبح الواقع عصيا على فهمي لأنقله لك كما اعتدت أن أفعل. فنحن يا خالد، لا نتأثر جميعا بالواقع حولنا، ولم نعد نتشابه في القدرة على عيش تفاصيله، بل إن بعضنا ينجح في تجاهله وتجاوزه، ويستطيع الغرق في تفاصيل أخرى مختلفة، وكأننا نعيش في جغرافيات متباعدة، يفصلها عن بعض الجغرافيا والحدود.
نحن لا نحزن على نفس الأمور، ولا نفرح لنفس الانجازات، محاطون بالغرابة المشهدية.
جميعنا "يتمسمر" خلف نفس الكلمات، لكن ردود أفعالنا تذهب نحو نتائج واتجاهات مختلفة.
وستستغرب ان همست لك بخجل، اننا نعجز عن حمل علم واحد لوطن واحد، رغم الدماء التي سالت من أجله.
جميعنا نشهد ذات الأشرطة المصورة المعروضة في سوق الاحتلال، وتتطاير فوق رؤوسنا ذات القذائف، ويصوب على مستقبلنا ذات الرصاصات، وواجبنا أن ندافع عن تلك الحياة والمستقبل الواحد، لكن بعضنا يضحي من أجلها ذاهباً في تضحياته نحو قمة التلاشي، والبعض الآخر غارق في الخروج عن المعقول والحقيقة.
بعد مقدمتي المختصرة، أجد أني لا يمكن أن أخط نصاً مميزاً كما أراد الصوت القادم من بعيد، ولا أتمكن من جمع الخلطة السحرية للنضال، فأنا أعيش في حياة ناقصة وحزن كامل، وأشعر بأني وكلما اقتربت منه.. وكلما مرّ يوم يفصلني عنه، تصبح علاقتي به أكثر شفافية، وكلما تسربت حلقة من حلقات حياتي، تتآكل الحقيقة وتظهر أمامي عارية أكثر، وأكتشف أن أحلامي غريبة وغامضة وعسيرة الهضم، ولا تفسير لها في معاجم التفسير.
وكلما تماهت الفواصل بين لقاء الروحين، أثق بأننا كنا فرائس لأوهامنا، وتتبدد توقعاتي حول وفاقي مع حياة تشكو من الضياع.
في بياني الثامن والعشرين، أعلن على الملأ بأن قلبي ما زال عامرا بالذكريات، وكل شيء داخلي وحولي يشيخ إلا وحدتي..فهي تزداد نضارة وتألقا.
لكني تعلمت أن اكون أنا، وبأن ما لم أقدر عليه في الواقع يتكفله الخيال، فأنا حزينة جدا وحياتي منقوصة، وأعلن بأني سأبقى أرثيك إلى آخر قطرة من الحبر الأبيض، وسأرثي أكثر من ما زال حياً ومضطراً لمواصلتها وسط عصر متقلِّب وصعب، وسأبقى أوثق بقايا الصور المهشَّمة، فليس من السهل الافلات من صور جمعتنا معا بوعي مكثف.
سأكتشف بعد ثمانية وعشرين عاما، طغيان واستبداد المشاعر، وبأنها لا تتوقف عن النمو، وبأن حواسا جديدة قد نبتت في فضائي تختلف عن الحواس الأخرى، ربما كانت مزيجا من الحواس المعروفة وأخرى مختلفة بداهتها، تبعث بي طاقة غريبة تستدعي التأملات والخيالات، تعوضني وحدتي وتبعد الملل عن حياتي، حاسة تجمع حواس قصّاص الأثر ومؤشرات قياس الخطر، حاسة تقتات على زاد الذاكرة وكِسرات من الصور.
في عامك الثامن والعشرين، ثمة تشابه بينه وبين الأعوام التي سبقته، لذلك، سأجدد نذوري والتزاماتي المعهودة، وسأستمر في تعبئة إبرتي بخيوطي الملونة لأستخدمها في تطريز بياناتي الحزيرانية، أروي فيها سيرة الفقد والافتقاد، وأشكو فيها من حياة ناقصة تطفو فوق حزن كامل.
نكبة مستمرة وتجلياتها: أرب كيلاني، لستِ وحدك
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي – الايام
هل هناك علاقة بين ذكرى النكبة الثانية/ النكسة، وبين الفكر الظلامي؟
هل هناك علاقة بين نكبتنا المستمرة، وبين الفكر الأحادي الذي يسود العالم العربي؟
أتوجد علاقة بين النكبة وتجلياتها الفكرية؟
وإذا عكسنا السؤال: هل توجد علاقة بين الفكر التنويري، وبين الحرية؟
أتوجد علاقة بين النهضة وتجلياتها الفكرية؟
وما الذي نجني حين يعم الظلام، ويسود العقل الواحد، والفكر الواحد، وفاعلية نصف الشعب الواحد، غير الفكر الإرهابي، والهزائم المتتالية.
وما الذي نحصد حين يسود العقل والمنطق، وتسود لغة الحوار، ونعتمد مبدأ المشاركة والتعددية، غير الحرية الفردية والحرية الجماعية.
*****
"تم فصلي من منطلق التكفير فقط؛ فلم يكن بيني وبين نائب المدير أو المدير أي خلاف مطلقا قبل ذلك. بالنسبة لمجلس الإدارة فقد قالوا إنه بالرغم من تفانيك في أداء مهنتك، وبالرغم من إدارتك المميزة والرائعة للحصص؛ إلاّ أننا في موقف صعب، فأنت بالنسبة لأهالي الطلبة الآن كافرة، ولا نستطيع أن نعيدك للتدريس. علماً بأن الأهالي تواصل بعضهم معي، وعبروا عن استيائهم مما حدث". أرب كيلاني/ رام الله
*****
تفاعلت قضية المدرِّسة التي فصلت، بسبب تدريسها نظرية داروين، ولم تتراجع إدارة المدرسة عن قرار الفصل، وتجاهلت النداءات العديدة التي طالبتها بذلك؛ الأمر الذي تطلب تداعي مجموعة من النشطاء والمهتمين/ات بالشأن العام لتوقيع عريضة، بعنوان: "لا للتكفير والإرهاب الفردي".
تدعو العريضة إلى إجراء تحقيق مهني وقانوني مع المعلمة، من قبل أطراف محايدة، وفي مناخ من الحرية والشفافية.
*****
"لكل إنسان الحق بالدفاع عن نفسه أمام محكمة عادلة" يسار الخماش/ نابلس
*****
"لم أتوقف عن التفكير والانزعاج العميق منذ أن استلمت "العريضة للتوقيع" في منتصف اليوم.
ماذا يحدث لفكرنا وإلى أين نحن سائرون؟ من غير المعقول بأن مدرسة تدعي الفكر التقدمي، كمدرسة "المستقبل"، تحاول أن تقذف مجتمعنا تسعين سنة إلى ظلمة التاريخ! تذكرت وأنا أعلم نظرية النشوء في جامعة كاثوليكية المهزلة المميتة التي حدثت خلال عشرة أيام في العام 1925 بما سمي آنذاك "بمحكمة القرود" (monkey trial)، أي محاكمة جون سكوبس في مدينة ديتون في ولاية تنسي في الولايات المتحدة الأميركية.
كان سكوبس مدرسا في علم الأحياء في المدرسة الثانوية، واتهم بأنه درس بطريقة غير قانونية نظرية داروين.
يجب أن نرفض بكل طريقة من الطرق هذا الإرهاب الفكري أينما كان!". د. خليل نخلة
*****
"هذه القضية إشارة أخرى إلى التيه والانحدار الذي بلغه الشعب الفلسطيني، منذ أن ضلَّ طريقه، وفقد بوصلته، بتغييب المشروع الوطني التحرري، وأعتقد أن مواجهة مثل هذه الظواهر الغريبة على مجتمعنا وحضارتنا العربية – الإسلامية، لا تكون بالتعامل مع كل مشكلة على انفراد، وإنما عبر العمل الجاد ببلورة مشروع حضاري نهضوي تحرري شامل، وما لم تتم مواجهة الواقع الوطني الفلسطيني المأزوم؛ سنجد أنفسنا أمام آلاف القضايا التي تجزئ الشعب، وتستدرجه إلى صراعات مدمرة تستنزف الذات.
لا أعتقد أن الحل يكمن في توقيع عريضة، أو حتى بإرجاع المدرِّسة إلى المدرسة، وإنما بمطالبة السلطة على أعلى المستويات بالقيام بمسؤولياتها، ومطالبة وزارة التربية والتعليم خصوصا باعتبارها المرجع لتحديد موقف فاصل لا يحتمل ازدواجية المعايير، فلها أن تسحب الترخيص من مدرسة المستقبل وغيرها، إذا كانت تلك المدارس تعمل وفق مناهج مخالفة للقوانين المعمول بها في فلسطين، أو أن تفصل إدارات المدارس التي تخالف القوانين في تعاملها مع الكادر التعليمي، أما تجاهل الموضوع، وترك الأمر لكل من تخوِّل له نفسه التحدث وكأنه يمتلك تفويضاً إلهياً بالحكم على البشر، والتحريض عليهم، وتعريض حياتهم للخطر؛ فهو فعل يرقى إلى مستوى التواطؤ، الذي يجب أن يخضع للمساءلة، خصوصاً وأننا لا نرى غيرة مماثلة على المقدسات التي تنتهك يوميا وتدمَّر وتهوَّد". د. غانية ملحيس
*****
"التنوير ضروري في بلد يعاني من احتلال ويقاومه، فالمجتمع الذي يبذل الغالي والرخيص ويقدم دماء أبنائه يوميًا عن طيب خاطر، وبكرم شديد يحسد عليه؛ يجب عليه أن يتحرر من الجهل والإقصاء والظلامية، وأن ينشر العلم على أوسع نطاق. أستنكر سلوك الإدارة، وأدعم وأساند المدرسة، وأخيرا تحيات كثيرة من مصر، التي ستظل تقاوم حتى تنتصر".
نجيب جويلي/ مصر
*****
"سياسة التكفير المنتشرة في وطننا العربي هي حرب على التقدم والفكر الحر. وبهذه الطريقة انتشروا في مصر والعراق وسوريا وأغلبية الدول". عبير حسني الخفش/ الأردن
*****
"حذار من هذا الفكر المتطرف، ولابد أن يكون لدى السلطة دور مؤسسي، يتصدى لهذا الفكر الذي يجد طريقة إلى المدارس والجامعات، ولنتعلم من تجارب مصر وسوريا".
آمال الأغا/ القاهرة
"أضم صوتي لصوت كل الرافضين لمبدأ التكفير والإرهاب الفكري، ولن يصطلح لنا حال إلاّ بعد أن نتخلص من سطوة من يحتكرون الدين كأنهم ولاة الله على الأرض، ويستغلون الدين لتحقيق مآربهم، والدين منهم براء". مازن الصالح/الأردن
*****
"نعتبر عدم بث الحقائق العلمية الثابتة منذ أكثر من مائتي عام من قبل وزارات التعليم والمؤسسة الدينية هو جهل وخوف وتصرف مثل النعامة التي تدس رأسها في الرمل. إن الحقائق العلمية الثابتة تتعارض فقط مع المفهوم الديني الأحادي لأهل الحل والربط، الذين يريدونه سيفاً للسلطان فقط؛ وليس لزيادة الإيمان والفهم ونشر مفهوم الإنسانية".
نبيل بشناق/ برلين
*****
"إذا كانت هذه الثقافة والفكر التي يحملها المسؤولون التربويون في المدارس والوزارة، فالنتيجة مزيد من الانغلاق والجهل والتخلف والسطحية والكبت للأجيال الناشئة".
عيد صادر/ القدس
*****
إلى مدارس المستقبل،
ما هو النظام التربوي الذي نريد؟
هل نريد نظاماً تربوياً واجتماعياً يحاصر الطفل في المدرسة؛ وينتج جيلاً اتكالياً ضعيفاً خائفاً منغلقاً، يرتبط بالقبيلة والطائفة؟
أم نريد نظاماً تربوياً واجتماعياً، يفتح آفاق الطفل على العالم الرحب، وعلى التفكير العلمي، وينتج جيلاً يعمل العقل، وينبذ القبلية والطائفية، ويناضل بشراسة من أجل نيل حريته وحرية وطنه؟
تغريدة الصباح – ع هدير البوسطة
بقلم: حنان باكير – الحياة
في كل مرة أعود فيها الى بيروت، أشغف بمراقبة التغييرات التي تطرأ على الناس والمكان. فأن تكون شاهدا على تبدّل الأمكنة وحتى الأعراف الاجتماعية أمر يثيرني. وفي حالة الحروب تكون التغييرات أسرع وتيرة، وبنقلات نوعية.
عدت ذات مرة الى بيروت. كانت " البوسطات"، قد عادت الى العمل! وما زالت تحتفظ بموديلاتها وألوانها، التي تعتّقت مثل زجاجات النبيذ. ولا ندري اين اختفت لأكثر من عقدين من الزمن. لا شيء يثير الدهشة، ولكن المدهش أنها، أي البوسطات بدأت مشاهدتها في شارع الحمراء ومنطقة رأس بيروت الراقيتين، رغم انها لم تكن تحلم أن تطأ دواليبها تلك المناطق، في زمن عزّها وأمجادها، عندما كانت جديدة ومتألقة!
في منطقة كراكاس، فجأة توقفت.. ركنت سيارتي وقلت لصديقتي: يالله نركب البوسطة، من باب الحشرية والفضول، إذ بدا لنا وكأن موقف البوسطات كان قريبا من تلك المنطقة. صعدنا أول بوسطة مرّت بنا، دون أن ندري وجهتها ما دام الأمر للمتعة والفضول.
مع أوّل درجة صعدتها، داهمتني رغبة بالتراجع.. لكنه العناد الذي دفعني لشراء تذكرتين! بوسطة كانت قد وصلت أرذل عمرها، وتجبر على ممارسة عملها وكأنها في ريعان شبابها! الركاب ولمحدودية عددهم تفرقوا على المقاعد. القاذورات " الزبالة" من زجاجات وعلب المشروبات، المحارم الورقية، عيدان البوظة، قشر الموز.... قد انتشرت في أرض البوسطة، رغم ان السائق كتب : " هذا الباص لكم.. فحافظوا على نظافته"!
كان دخان السجائر يشبه ضباب مدينة لندن، وعليك أن تهشّه لتبعده عن أنفك ووجهك، بعد أن فرض الركاب عليك مشاركتهم في التدخين، دون استئذان منك! رغم ان إعلانا يقول إن التدخين ممنوع!! سألت صديقتي: ألا يوجد مراقب يضبط ما يجري في البوسطة؟ أجابتني: يفترض أن هناك مراقب للتذاكر وتقع عليه مسؤولية ضبط الأوضاع " الأمنية".
توقف السائق فجأة، وصعد رجل سرعان ما بدأ بالتدقيق في تذاكر الركاب، واضح انه المفتش!! كان يقرأ التذكرة بيد، وباليد الأخرى سيجارته تنفث الدخان وتعبق في المكان! خذلني "ابن الحرام"، ولم يدعني أشمت بالمدخنين!
أنهى رجل زجاجة العصير وقذف بها من النافذة! وأنا أرقب الركاب واحدا واحدا.. ونسيت الحكمة التي تعلّمناها صغارا، بأن " من راقب الناس مات همّا"! لكن جاره أي الراكب المجاور له، كان أكثر ذوقا.. اذ فرغ من شرب تنكة البيبسي كولا، ووضعها تحت مقعده.. لتبدأ معها الدحرجة أماما وخلفا، حسب صعود الطريق او نزولها، مصحوبة بقرقعة ناعمة، مقارنة بـ " جعير" البوسطة وليس هديرها! الهدير كان في زمن زياد الرحباني!
صعدت امرأة، تحمل أكياسا عدّة. مسحت البوسطة بنظرات سريعة، واختارت المقعد بجانب السائق: العوافي، قالت للسائق وجلست.. لم يكن باديا عليها أن معرفة تربطها بالسائق. انشغلت بمتابعة الركاب، ولم أدر كيف توطدت علاقة المرأة بالسائق، حتى أنها بدأت تخرج بعض الفاكهة تمسحها بيدها او بطرف فستانها وتشاركه الأكل! صحب ذلك طيران قشرة موز من النافذة !
كان هدير البوسطة.. يصمّ الآذان، سيما عندما تكون الطريق " طلوع".. فترتفع معها أصوات المتحدّثين، حتى تبدو أقرب الى الصراخ !!
نزلنا من البوسطة.. تابعتها وهي تبتعد.. كتب على قفاها... عين الحاسد تبلى بالعمى!!
هذه ليست فانتازيا كتابية أو متخيّلة.. فقد انتهت رحلتي بحبّتي بنادول.
حياتنا - نزهة المشتاق في حفر الأنفاق
بقلم: حافظ البرغوثي - الحياة
إذا كان تشكيل الحكومة أخذ كل هذا الوقت من الشد والجذب والتشاور فما الذي سيحدث عند مواجهة المعضلات الكبرى اللاحقة؟ كتوفير المال وفتح معبر رفح ومواجهة الخطوات الاسرائيلية المتوقعة ضد السلطة الوطنية، ومنع الانهيار في الموقف السياسي الفلسطيني على الساحة الدولية بعد نجاحنا في حشر حكومة اليمين الاسرائيلي في الزاوية؟
عندما شكلت حركة حماس حكومتها بعد الانتخابات تحملت الرئاسة اعباء المقاطعة المالية الدولية وصارت توفر المال في صندوق وتحوله الى الحكومة آنذاك وتحملت أعباء مواقف وتصريحات حكومة حماس التي تصطدم بالسياق السياسي الدولي آنذاك، ويبدو اننا الآن وإن شكلنا حكومة كفاءات سنواجه تحديات مشابهة لا أظن أن بعض قيادات حماس في وارد دراستها والوقوف عندها او مواجهتها, لأنها غير راغبة في تحمل مسؤوليات المرحلة. ولعل التصريحات العنترية الموجهة للسلطة والعودة الى شعار سلاح المقاومة وجيوشها دليل على رغبة في إفراغ المصالحة من مضمونها لتقتصر على دفع رواتب متأخرة واقناع مصر بفتح المعبر. فما دامت الرئاسة هي رأس الحربة فيجب اطلاق يدها في العمل السياسي حتى تستطيع دفع عجلة الحياة الفلسطينية الى الأمام وسط ألغام السياسة الدولية، ولا داعي للتشنج من بعض قيادات حماس او محاولة اظهار انفسهم كحرس قديم للانقسام لا يريد النزول عن شجرة الخطيئة هذه.
ما نريد الوصول اليه هو ان تكون المصالحة صادقة وقابلة للحياة وليست مجرد مغامرة فرصية مؤقتة تنتهي عندما تزول أسبابها. بالنسبة لحركة حماس فالحكومة المرتقبة ليست دائمة بل انتقالية مؤقتة ولها مهام محددة في اتفاق المصالحة، لا سياسة فيها وليس حسم أمور داخلية شاملة بل مجرد تصريف اعمال وإعداد المناخ الملائم لاجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني ولعل الدفع بموظفي حماس وعناصرها نحو البنوك وتحميل الحكومة مسؤوليتهم لهو نفق تحفره بعض قيادات حماس لزعزعة اسس المصالحة التي اوضحت هذه المسألة وايجاد حلول لها خلال أربعة اشهر, اذ يبدو ايضا من عناد بعض قيادات حماس حول بعض الوزراء الذين اراد الرئيس استمرارهم في عملهم وكأنهم ينظرون للحكومة وكأنها حكومة دائمة وان سلاح التوافق سيفشل دفع العجلة الى الامام ليبقى الوضع على ما هو عليه بحيث يستطيع الحرس القديم للانقسام في حماس الانسحاب من المصالحة في أية لحظة يراها مناسبة طالما انه وان وافق على اقالة الحكومة المقالة فإنه سيواصل التحكم في القرار. وهذه لا تسمى مصالحة بل نزهة المشتاق في تعويض الأنفاق. المطلوب من بعض حماس الكف عن حفر أنفاق للتهرب السياسي من المصالحة او اظهارها وكأنها مغامرة والشاطر هو من يحقق مكاسب لصالحه منها. بل الشاطر هو من يحقق المصلحة الوطنية والمصالحة معا.
مدارات - لكي لا نعود الى الوراء
بقلم: عدلي صادق – الحياة
بعض تصريحات الحمساويين، التي تعلل أو تفسر الفعل الغليظ الذي شهدته واجهات البنوك العاملة في قطاع غزة؛ ليست منطقية، ولا أحسب أن الفوعة التي حدثت، لمنع الموظفين من تقاضي رواتبهم، هي من بنات أفكار الدائرة الحمساوية الشريكة في عملية التأسيس لمصالحة دائمة. وهنا ننوّه، الى أن الاغتراف من قاموس مفردات الخصومة، عند تبرير فعل يخالف المنطق والأعراف والقانون؛ من شأنه تسميم المناخ. فقد آن الأوان، لهؤلاء الذين يعللون، أن يتذكروا بعض العناوين، في مقدمها أنهم ليسوا في الموقع الذي يؤهلهم لأن يزجروا أحداً أو يحق لهم فيه تصنيف الآخرين، وأن مسؤولية الكلمة تقتضيهم العودة الى محددات إعلان المصالحة وما يتعلق منه بحل إشكالية موظفي "حماس"، وأن الخيار عندما يكون وطنياً، ينبغي أن يثبت كل طرف، أن الأغراض القريبة لا سيما ما يتعلق منها بمسألة الربح والخسارة بمعناهما المداي والسلطوي، ليست هي هدفه الأسمى. فهناك في "فتح" من يقولون إن "حماس" ذهبت الى هذه الخطوة، لكي تؤمّن رواتب موظفيها، وتفتح المعبر، وتحل الإشكال مع مصر، وأنها تريد أن تأخذ هذا كله، دون أن تخف قبضتها الأمنية على الناس، ودون أن يتغير الوضع جوهرياً على الأرض في غزة. وبالمنطق لا عيب في أن تتوخى "حماس" تأمين لقمة خبز موظفيها، ولا في أن تنحو الى علاقات أفضل مع مصر، وبالطبع من واجبها أن تساعد على فتح "المعبر". لكن هذه المتطلبات الثلاثة ليست في يد الطرف الآخر، وإنما من واجب قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية المساعدة على تحقيقها. غير أن المشكلة في الموضوع المالي، ذات حيثيات قانونية وإدارية فضلاً عن الحيثيات المالية، وتلك تتعلق بإحداثيات الوظائف والدرجات، وبالوفر المالي وبمنطق التعيين نفسه، وهذا كله لطالما انتقدناه في سلطتنا خلال السنوات الأولى من وجودها. ولا يصح اختزال الفارق بين من يتلقون رواتبهم ولا يعملون، ومن يعملون في وزارات وأجهزة تديرها "حماس"؛ بأن الأولين قاعدين والآخرين على رأس عملهم. فمن بين الأولين، من طردوا من مواقع عملهم، ومنهم من فقد موقعه وأُحل محازب لـ "حماس" بدلاً منه، ومنهم جنود وضباط لم تكن "حماس" تستوعبهم أصلاً في أجهزتها، ومنهم من لا ذنب له، لأن المستوى السياسي الذي يصرف له راتبه وهو يلتزم معه سياسياً، طلب منه التوقف عن العمل، وهذا المستوى السياسي ذهب الآن، الى مصالحة لأسباب موضوعية. ذلك علماً بأن راتب الموظف الذي طُلب منه التوقف عن العمل، هو الحد الأدنى من كلفة حياة أسرة فلسطينية، وكان انقلاب "حماس" في غزة، واستمرارها في السيطرة على المنطقة، سبباً في تعطل النمو الإداري الطبيعي الذي يستوعب في كل سنة عاطلين عن العمل، وسبباً في تعطل التنمية والدورة الاقتصاية الطبيعية، التي تؤهل سوق العمل لاستيعاب عاملين في القطاع الخاص. فقد كان الاعتماد على الأنفاق، مصدراً رئيساً للدخل بالنسبة لحكومة غزة، وقد نشأ اقتصاد ريعي، وتركزت المداخيل كلها في دائرة الجماعة الحاكمة، وارتفعت معدلات الضرائب وتوسعت أفقياً، وأُرهق الناس.
إن كانت الغاية هي الوصول بفلسطين الى وضعية الكيانية، وأن يصبح لزاماً على هذه الكيانية أن تساوي بين المواطنين؛ فإن المتطلب الأول هو إصلاح دستوري وقانوني، عنوانه الآن هو ألا تكون هناك قوة إكراه داخل الكيانية السياسية الوطنية، غير قوة الإكراه الشرعية التي ينعقد عليها الإجماع. فهذه تحكتر الحق في الإكراه نيابة عن الناس ولمصلحتها وبالقانون. وأي بلد، توجد فيه قوة إكراه أخرى، ولو في زاوية من أطرافه، ستكون سبباً في فشل الدولة وفي إهانة الكيانية وأسسها الدستورية والقانونية. هذه، اليوم، هي معضلة اليمن، وخازوق لبنان، ووجع باكستان، ومحنة ليبيا، وورم العراق، ومأساة نيجيريا التي تُؤخذ فيها الدولة الى مشاهد بؤسها، كلما اقترفت "بوكو حرام" جرماً أو اختطافاً، باسم شرع الله ودين المسلمين.
في غزة، هناك قوة مسلحة في مقدورها ممارسة الإكراه وقتما شاءت، وربما هي تقيد خيارات حمساويين. نحن لا نطالب بتفكيكها دون قيد أو شرط، خشية أن تغلب نسبة الواحد في المليون، فيتأكد لنا أن هذه القوة هي ضمانة تحرير القدس ومن ثمَ الذهاب الى غرناطة لاستعادتها. نطالب بمجرد تحييدها تماماً وتحديد طبيعة دورها.
موظفو "حماس" هم أولاً وأخيراً أبناؤنا، لكن الطرف الآخر لا يمتلك القدرة، حتى لو أراد، على تأمين رواتب هؤلاء، لأن المصالحة شىء آخر غير الصراف الآلي والمعبر، والمسألة تحتاج الى مراجعة شاملة على قاعدة العدالة والمنطق. وما حدث عند واجهات البنوك يسيء لحركة "حماس" ويُحيله الى مخزون الذاكرة الذي لن يُنسى، وهذا ما لا نريده. ولو أردنا أن نتحدث بمنطق من يختصرون في تعليلاتهم المسألة بأن هناك حكومة وهي ملزمة، لقلنا إننا نطمح الى قانون يحكمنا، وعندما ننعم بهذا القانون، هناك الكثير من الحقوق الضائعة للناس، دماً ومالاً وممتلكات. فلنتقدم في خيار المصالحة، بخطى متدرجة ورشيدة، لكي يأخذ كل ذي حق حقة، أما العنتريات عند واجهات البنوك، فإنها تُعيدنا الى الوراء!