منعطف القرار الخليجي تجاه قطر
|
مركز المزماة للدراسات والبحوث
بقلم: د. عماد الدين الجبوري
8 مارس 2014
بعد القمة الخليجية المصغرة التي انعقدت في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، بين العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، بغية تفادي الخلاف المتعلق بالأمن الداخلي لدول "مجلس التعاون الخليجي" من جهة، وما يتصل بالوضع السياسي الراهن في مصر من جهة أخرى، ومن الواضح أن قطر لم تفِ بالتزامها تجاه "مقررات تم التوافق عليها سابقاً"، حسب بيان الدول الثلاث: السعودية والبحرين والإمارات؛ لذا قررت سحب سفرائها من الدوحة يوم الأربعاء الموافق 5 آذار/مارس 2014.
ومن بين النقاط التي يشير إليها البيان، أن الدول الثلاث قد اتخذت هذا القرار بعد أن فشلت جهودها في إقناع قطر بالالتزام بمبادئ ميثاق "مجلس التعاون الخليجي"، كما وأنها "اضطرت للبدء في اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها، وذلك بسحب سفرائها من قطر"، علاوة على أن هذه الدول الثلاث بذلت "جهوداً كبيرة" مع قطر للاتفاق على "الالتزام بمبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم دعم كل مَنْ يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد سواء عن طريق الدعم الأمني المباشر، أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي".
ولم يفت البيان أن يؤكد حرص الدول الثلاث "على مصالح كافة شعوب دول المجلس بما في ذلك الشعب القطري الشقيق الذي تعده جزءاً لا يتجزأ من بقية دول شعوب المجلس، وتأمل في أن تسارع دولة قطر إلى اتخاذ الخطوات الفورية للاستجابة لِما سبق الاتفاق عليه، ولحماية مسيرة المجلس من أي تصدع، والذي تعقد عليه شعوبها آمالاً كبيرة".
الواقع، منذ الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في 3-7-2013، وعزل الإخوان المسلمين عن صناعة القرار السياسي في مصر، فإن بعض الأنظمة الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت أيدت بشدة السلطات الجديدة وقدمت لها دعماً مالياً كبيراً، بل إن الإمارات أقرت حظراً على "جماعة الإخوان المسلمين"، بعد أن كشفت محاولة انقلاب يعدون لها، أما السعودية فتعمل على تطبيق قرارات اتخذتها قبل فترة لمعاقبة المنتمين لأحزاب وتيارات إسلامية من بينها تلك المحسوبة على "الإخوان المسلمين".
أما موقف قطر، فإنه يتجه نحو إيواء القيادات الإخوانية، ودعم جماعاتهم بالمال والإعلام، مما يشكل اضطراباً وخللاً ينعكس سلباً على دول "مجلس التعاون الخليجي" داخلياً وخارجياً، وفي نفس المسار يتضادد الموقف القطري حيال سوريا، إذ تواصل قطر تشجيعها ودعمها للإخوان المسلمين، وتمنحهم "قناة الجزيرة" منبراً ليروجوا أفكارهم.
هذا ويتطرق البيان إلى سبب رئيسي آخر، وهو أن الخلافات مع قطر تتصل أيضاً في بنود الاتفاقية الأمنية المشتركة، واتفاقية الوحدة بين الدول الخليجية، لتحويله إلى "اتحاد" بدلاً من "مجلس تعاون"، إذ أن قطر لم توقع لحد الآن على هذه الاتفاقية، مما يُعتبر خروجاً منها على أصول الاتفاق، مما يدفع بهذه الدول الثلاث إلى الضغط على قطر لتبرم الاتفاقية، وذلك عبر التهديد بإقصائها عن المشهد الخليجي العام.
ومن الجدير بالذكر أنه في الاجتماع المطول الذي انعقد في مقر الأمانة العامة يوم الثلاثاء المصادف في 4-3-2014، كان الوجوم بادياً على وجه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ونظيره القطري الشيخ خالد العطية، في حين غادر وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد آل خليفة الاجتماع مبكراً.
ويذهب الخبير في العلاقات الدولية الدكتور سعيد اللاوندي في تحليله إلى القول: "إن قرار سحب سفراء الإمارات والسعودية والبحرين من قطر، يُعد بداية لعدد من الإجراءات التي ستتخذها الدول العربية تجاه الدوحة خلال المرحلة المقبلة، واعتبارها دولة تدعم الإرهاب"، ويضيف في تصريح خاص إلى "موقع 24" أن: "قطر تدعم وتمول جماعة الإخوان المسلمين، التي ثبت من خلال ممارستها الفاشية داخل الدولة المصرية أنها جماعة إرهابية، وهذا ما دفع رئيس الحكومة السابق الدكتور حازم الببلاوي، لإصدار قرار بحظر نشاط الإخوان في مصر، واعتبارها جماعة إرهابية".
ويؤكد اللاوندي أن "مساندة قطر للجماعة، يعني أنها ترعى الإرهاب، وبالتالي أصبحت تمثل مصدر خطر وتهديد للأمن القومي الخليجي، ومع إصرارها على احتواء القيادات الإخوانية الهاربة، ورفضها لقرارات مجلس التعاون الخليجي بطردهم وتسليمهم للحكومة المصرية، قررت دول السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من هناك". ويرى أن قطر دولة تتحدث باسم الولايات المتحدة الأمريكية، وتنفذ مخططاتها في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنها تدعم المعارضة داخل الدول العربية، بهدف تقسيمها، فتمد إخوان ليبيا بالسلاح، وتدعم المعارضة بالسلاح والأموال، وحسب توقعاته فقد تقوم الدول العربية بإصدار إجراءات قوية ضد قطر خلال الفترة المقبلة، مثل تجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، وأن سحب السفراء بداية وليس نهاية.
في الواقع، إن تفاقم الأزمة السياسية بين دول المجلس وقطر تعود إلى أبعد من الشهور الثلاث المنصرمة، وتحديداً تبدأ من مرحلة ما سُمّيت "الربيع العربي" قبل ثلاث سنوات، إذ أظهرت قطر حيال تلك الثورات العربية اهتماماً واسعاً ودعماً كبيراً بالمال والإعلام، وهكذا تَدخُل مباشر من دولة عربية صغيرة بالقدر الذي يمثل خروجاً عن المألوف في طبيعة السياسة الخليجية المتسمة بالحذر والتأني تجاه المتغيرات السياسية العربية والدولية، فإنه يثير الريبة والشكوك عن قدرة ومقدرة الحجم القطري في حقول ذلك "الربيع العربي".
وبما أن قطر تواصل دعم وتأييد "الإخوان المسلمين"، رغم وقوع القطيعة السياسية مع ثلاث دول خليجية، وما سيترتب على ذلك من حتمية التبعات القادمة ضد النهج السياسي القطري المؤذي لأمن دول المجلس، لذا فعلى نظام قطر أن يتحلى بالحكمة ويتخلى عن موقفه الحالي، وللأسباب التالية:
أولاً: ظنت قطر أن المستقبل السياسي سيكون لصالح التيارات الدينية المتمثلة بالإسلام السياسي، وخصوصاً "الإخوان المسلمين" في مصر، وسينعكس بالإيجاب على دور قطر في المحيط العربي، بيد أن السنوات الثلاث الماضية أثبتت تباعد الخطاب الديني السياسي عن عموم الجماهير، وأن الخلل يكمن في التنظير المتأسلم المفروض على الواقع.
ثانياً: أن استمرار الدعم القطري للحركة الإخوانية، وإيواء قياداتهم الذين اختاروا المجابهات التصادمية مع السلطة المصرية، بدلاً من مراجعة أخطائهم وأسباب فشلهم، يعني أن قطر تجازف بمستقبلية سياستها القومية نحو المجهول.
ثالثاً: إذا وظف النظام القطري المال والإعلام في دعم وإسناد مشروعه السياسي الخارجي عبر التيارات الدينية في "الربيع العربي"، فإن هكذا مشروع لا يمكن أن يحقق أهدافه بمعزل عن دول "مجلس التعاون الخليجي، أو على الأقل على حساب منظومتها السياسية والأمنية.
رابعاً: من المنطقي أن لا تتحرك قطر على هذا المستوى العالي في الثورات العربية من تلقاء نفسها، بل إن الدور الغربي عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية خصوصاً، سيلقي بظلاله الثقيلة على العالم العربي، وبالتالي فإنه جر تلك الثورات نحو الانحرافات لتصل إلى الفشل الحاصل فيها، وهذا الفشل سيصيب قطر آجلاً وليس عاجلاً، وما سحب السفراء الخليجيين الثلاث إلا دالة سريعة.
خامساً: قد يجوز ما حقتته قطر من نجاح في الثروة المالية والوسيلة الإعلامية، أن دفع طموحها الذاتي بأن تخطط لنفسها دوراً يمجدها ويخلدها تاريخياً، بيد أن هذا التخطيط من الممكن نجاحه في الجوانب العلمية والرياضية والأدبية الخ، باستثناء التفكير بالقيادة السياسية عربياً، لأن هكذا نهج يتطلب مقومات تضرب جذورها في أطناب التاريخ من نواحي نسمة البلد وسعته الجغرافية وعمق تأثيره الحضاري على الإنسانية.
هذا وفي حال عدم اكتراث النظام القطري بما يجري له من رفض في منظومته الخليجية، ومواصلة التزاماته بتنفيذ مشروعه السياسي في المحيط العربي، فإنه سيشكل تهديداً واضحاً للمشروع الخليجي برمته؛ وما سيترتب على دول المجلس من اتخاذ قرارات أكثر شدة وحزماً تجاه عضوية قطر، علاوة على تبعات ذلك في المحيط القومي أيضاً، والذي قد يصل إلى تجريم قطر بالإرهاب، أو غيرها من التوقعات التي أشار إليها سعيد اللاوندي سلفاً.
من الغريب حقاً أن يتمسك النظام السياسي القطري بقوة في دعمه إلى أحزاب وحركات ما يسمى بالإسلام السياسي، في حين أن التجارب المعاصرة أثبتت فشل المتأسلمين السياسيين في قيادتهم للسلطة، بل إن انتهاء دور الإخوان في مصر، وتراجعهم في تونس وليبيا، يعني أن وجودهم السياسي يعاني الانحسار، وبذا كيف لقطر أن تربط نفسها كدولة ونظام في مشروع سياسي خاسر؟ ولماذا الإصرار بالدوام على هذا النهج الذي نتج عنه فوضى ودمار؟ وماذا جنت قطر سابقاً، لتستفيد منه لاحقاً؟
إن بعض أصابع الاتهام تتجه نحو النظام السياسي القطري بأنه ينفذ مخططاً أمريكياً على الساحة العربية، فما جاءت به الولايات المتحدة الأمريكية بفكرة "الفوضى الخلاقة" داخل المنطقة العربية، لكي تعيد تركيبة هذا البلد أو ذاك بحسب مصالحها السياسية وأغراضها الاستراتيجية ليس إلا، وبعض الأصابع الأخرى تتهم قطر بأنها تتحرك وفقاً لمشروعها السياسي الخاص بها، ولذلك في 18-10-2013 وصف جيرمي شابيرو مستشار وزيرة الخارجية الأمريكية هلاري كلينتون دور قطر في منطقة الشرق بأنه يعمل ضد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تدعم حركة الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وسوريا، كما وتستخدم ثروتها المالية الهائلة لعرقلة بعض المشاريع السياسية الأمريكية خاصة في ليبيا وسوريا والعراق بدعمها للمتطرفين الإسلاميين، فهي تسعى أن يكون لها مكانة في المنطقة من خلال لعب دور في القضايا الإقليمية الكبرى.
إن رؤية النظام القطري في هذا الخصوص تتضارب مع رؤية الأنظمة السياسية الخليجية، فالمنظومة الخليجية تميل عادة نحو السياسة الهادئة والمسالمة حيال المتغيرات الإقليمية والدولية، وعليه فإن سياسة قطر الحالية تُعتبر مارقة بكل معنى الكلمة، ومع ذلك فإن مروقها أو مشروعها السياسي يخدم بشكل مباشر أو غير مباشر المشروع الأمريكي في المنطقة العربية.
وإذا أخذنا بالمنطق الجدلي واعتبرنا أن إصرار النظام السياسي القطري على السعي لعودة الإخوان أو غيرهم من جوقة المتأسلمين السياسيين إلى السلطة، ومن خلال السلطة سيتم الابتداء بالنهج المطلوب واقعياً للشعب وللوطن، فإن هكذا تغيير سوف يطال بصورة أو بأخرى الأنظمة السياسية في الخليج العربي، وبالتالي لا محالة سينال قطر شيء من هذا التغيير غير المألوف سياسياً، أما إذا حسب النظام القطري بأنه في منأى عن عجلة التغيير الذي سعى مثابراً في تفعيلها ودفعها، بدعوى أنه المتحكم بحركتها أصلاً؛ فهذا وهم، والوهم واقعه الخيال، والخيال غير الواقع الحقيقي.
وإذا استمرينا بالمنطق الجدلي، ومثلما قلنا أن النظام السياسي القطري يأمل بإمكانية عودة الإخوان المسلمين أو غيرهم إلى السلطة، ولهذا يصر في مواجهته لدول المجلس وبعض الأنظمة العربية، فإن عدم تحقيق هذه الإمكانية، ومع التقادم الزمني، سيتولد عنه إحباط وقنوط يزيد أكثر من تواري الإسلام السياسي في المجتمع العربي بشكل عام، فإنه سيرتد أيضاً سلباً على سياسة قطر الخارجية في المحيط العربي، ويصل مشروعها نحو حتفه، فتدفن معه خسارة الأموال وجهد الإعلام، وتتأخر عن المواكبة الواجبة في قراءة المعطيات والمتغيرات بالطريقة الصحيحة.