"حزب الله" يستعد لشن هجوم في جنوب شرق آسيا

واشنطن إنستتيوت - ماثيو ليفيت

ترجمة مركز الإعلام

"لا تأتي الاكتشافات الجديدة حول عملية صنع القنابل التي يقوم بها "حزب الله" في تايلاند كمفاجأة نظراً لتاريخ الجماعة الطويل الأمد في تنفيذ عمليات إرهابية في جنوب شرق آسيا."

في الأسبوع الماضي، اعتقلت الشرطة التايلاندية في مطار بانكوك عتريس حسين المشتبه بأنه عميل سري لـ "حزب الله"، في الوقت الذي هرب فيه مشتبه آخر. وفي مكان آخر من العاصمة، ضبطت السلطات مخبأً كبيراً للمتفجرات الكيميائية مكوّناً من نترات الأمونيوم وسماد اليوريا، مما دفع الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إصدار إنذارات طوارئ حذرا فيها مواطنيهما في تلك البلاد من احتمال قيام هجوم إرهابي وشيك. ووفقاً للسلطات المحلية، أشارت الاستخبارات الأولية عن احتمال حدوث هجوم خلال عطلة نهاية الأسبوع في تايلاند، لكن السلطات تعتقد الآن أن بعض أو جميع المتفجرات كان يقصد شحنها إلى خارج البلاد. وفي الوقت نفسه، تستمر سفارة الولايات المتحدة في بانكوك في تحذير المواطنين الأمريكيين من تهديد "حقيقي وموثوق" حول قيام هجوم إرهابي في العاصمة.

وعلى الرغم من أن الأنباء قد تفيد بوجود ما يشبه مؤامرة خط (أي مؤامرة من كتاب أو مسرحية أو فيلم) كُتبت خصيصاً لهوليوود، إلا أن حقيقة نشاط "حزب الله" في جنوب شرق آسيا يجب أن لا تأتي كمفاجأة. وفي الواقع، تشابه هذه الحالة بصورة كبيرة العديد من مؤامرات "حزب الله" السابقة في تايلاند وأماكن أخرى في المنطقة. فعتريس حسين هو ليس العميل السري الأول لحزب الله الذي يتم القبض عليه في مطار جنوب شرق آسيا، ولا هو الأول المرتبط بمخابئ أسلحة وعمليات إرهابية في تايلاند. فعمليات "حزب الله" في تلك البلاد تعود على الأقل إلى نيسان/أبريل 1988، عندما اختطف أعضاء من الجماعة طائرة ركاب كويتية كانت تغادر من بانكوك. إن عملية اكتشاف المتفجرات الكيميائية تُذكرنا بقيام الجماعة باستخدام قنبلة صُنعت من نفس المواد الكيميائية في مؤامرة استهدفت مقر السفارة الإسرائيلية في بانكوك عام 1994.

نيسان/أبريل 1988: اختطاف طائرة الخطوط الجوية الكويتية رقم 422

في 5 نيسان/أبريل 1988، استولى أعضاء من "حزب الله" على طائرة "الخطوط الجوية الكويتية" في رحلتها رقم 422 من بانكوك إلى الكويت والتي كانت تقل 112 راكباً. وبعد أن أجبروا الطائرة على الهبوط في مدينة مشهد في إيران، سعى الخاطفون إلى الإفراج عن سبعة عشر إرهابياً شيعياً مسجوناً، بما في ذلك عملاء سريين من "حزب الدعوة" العراقي و"حزب الله" اللبناني كانوا قد سُجنوا لدورهم في التفجيرات الشبه متزامنة التي وقعت في السفارتين الأمريكية والفرنسية وعدة مواقع أخرى في الكويت في كانون الأول/ديسمبر 1983. وطوال فترة الاختطاف التي دامت خمسة عشر يوماً، قتل مسلحون من "حزب الله" راكبين قبل إطلاق سراح باقي الركاب في النهاية.

وعند تقييم ما إذا كان "حزب الله" قد وقف وراء اغتيال ثلاثة دبلوماسيين سعوديين في بانكوك عام 1990، لاحظت "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية أن اختطاف الطائرة في رحلتها رقم 422 قد أكد قدرة "حزب الله" على العمل هناك. وقد ذكر تقييم "للوكالة" أنه "من الممكن أن تكون "منظمة الجهاد الإسلامي"، وهي وحدة تابعة لحزب الله برئاسة عماد مغنية، نفذت تلك الاغتيالات. ويرتبط مغنية بعلاقات وثيقة مع طهران، كما أن "منظمة الجهاد الإسلامي" قد أثبتت قدرتها العملياتية في تايلاند بتدبيرها عملية اختطاف الطائرة KU422 من بانكوك عام 1988."

آذار/مارس 1994: استهداف السفارة الإسرائيلية

في 11 آذار/مارس 1994، وصل مهاجم انتحاري تابع لحزب الله على بعد نحو 240 متر من السفارة الإسرائيلية في بانكوك وهو يقود عربة محملة بمتفجرات كان يهدف إقحامها داخل السفارة. ومع ذلك، فأثناء خروجه من مرآب للسيارات تحت الأرض، اصطدم بسيارة أجرة من نوع دراجة نارية، فأُصيب بالذعر وفر من مكان الحادث. وعندما قامت الشرطة بتفتيش

السيارة وجدت خزان مياه ملئ بحوالي 1000 كغم من السماد وحاويتين من النفط وبطارية ومتفجرات من نوع "سي 4" ومفتاحي تغيير يدويين يقعان تحت مقعد السائق ومربوطان بأسلاك لتفجير القنبلة الهائلة.

وعند إزالة المتفجرات من خزان المياه، اكتشفت الشرطة أيضاً جثة هامدة. واستطاعت مالكة الشاحنة الصغيرة التعرف على الرجل المقتول كأحد السائقين الذين يعملون لديها، واعترفت أنها وافقت على استئجار السيارة لشخص فضل عدم تقديم الوثائق اللازمة طالما ساق العربة أحد موظفيها. وقد تم خنق الموظف سئ الحظ وأُقحم في الاسطوانة المملوءة بالمتفجرات. ولو كانت القنبلة قد انفجرت كما خُطط لها، لما كان الانفجار قد أبقى أي دليل عن موته. وبعد مرور أربعة أشهر، قاد عميل انتحاري لحزب الله شاحنة ملغومة مماثلة نحو مبنى مركز الطائفة اليهودية "آميا" في بوينس آيرس. ولكن لم يتم اكتشاف تورط الجماعة في مؤامرة السفارة في بانكوك إلا بعد خمس سنوات.

تشرين الثاني/نوفمبر 1999: اعتقال عميل سري لحزب الله في المطار

عندما نزل پاندو يوذاويناتا من طائرة "الخطوط الجوية الفلبينية" رقم 126 في رحلتها من مدينة زامبوانغا إلى مانيلا في تشرين الثاني/نوفمبر 1999، فتش مسئولو الجمارك المزودون بكلاب شم المخدرات حقائبه وألقوا القبض عليه بتهمة حيازة المخدرات. وفي الواقع، كان اشتباه الأندونيسيين معروفاً سلفاً لمسئولي مكافحة الإرهاب. وفي غضون أسابيع من اعتقاله، أبلغت "مديرية الاستخبارات الفلبينية" رئيس الشرطة الوطنية أن پاندو كان هدفاً في "عملية سرية" من قبل المديرية و"نظراؤها الإسرائيليون". وأكد مسئولو مكافحة الإرهاب الإسرائيليون أن عملية مشتركة قد أدت إلى الوصول إلى عدد من أعضاء الخلية في جميع أنحاء تايلاند، والذين عندما تم جلبهم للاستجواب في تشرين الأول/أكتوبر 1999، قدموا معلومات أساسية كشفت عن تفاصيل لم تكن معروفة سابقاً حول پاندو وشبكته الإرهابية، ودور "حزب الله" في المؤامرة الفاشلة لتفجير السفارة الإسرائيلية في بانكوك عام 1994.

واكتشف المحققون، أن پاندو هو الذي استأجر الشاحنة الصغيرة لتلك المؤامرة باستعماله هوية مزورة، بالتنسيق مع قادة بارزين في "حزب الله" في لبنان، وأشرف على جواز سفر الشبكة وجهود المشتريات الأخرى في المنطقة. وعلاوة على ذلك، ووفقاً لتقرير من قبل المخابرات الإسرائيلية، كشفت التحقيقات مع أعضاء الخلية التايلاندية أن "حزب الله" كان يخطط لشن هجمات أخرى تستهدف المصالح الإسرائيلية والأمريكية في جنوب شرق آسيا وأوروبا على حد سواء.

وعند القيام بعملية تفتيش كاملة لحقيبة پاندو التي تم تسجيلها مع المضيف في المطار، كشفت تلك الأمتعة أيضاً عن مستندات تحتوي على أسماء وأرقام هواتف لمختلف عملاء الاستخبارات الإيرانية وحزب الله، فضلاً عن خمسة جوازات سفر فلبينية بأسماء أشخاص مختلفين وصورة من جواز سفر سادس ومعلومات شخصية عن خمسة أشخاص إضافيين. وفي نهاية المطاف، وجد المحققون أن إحدى مجالات اختصاص پاندو كان شراء جوازات سفر مزورة لعملاء "حزب الله"، وأنه كان قد سافر إلى الفلبين مرتين على الأقل في الأسابيع التي سبقت اعتقاله، حيث كان غرضه هذا الهدف الواضح. إن الضرورة الملحة للقيام بتلك الزيارات كانت لأسباب تنفيذية: فوفقاً للسلطات المحلية، كان الغرض هو أن يستخدم "حزب الله" جوازات السفر "للقيام بهجوم إرهابي وشيك في بلاد لم يتم تحديدها بعد في الشرق الأوسط". وبعد وقت قصير من الإعلان عن ذلك الاكتشاف، وجدت السلطات أنه كانت لپاندو أيضاً مخابئ أسلحة تابعة لحزب الله في كل من بانكوك ومانيلا.

"حزب الله" في جنوب شرق آسيا

أثناء الوقت المتاح بين رحلاته إلى لبنان وإيران لغرض القيام بتدريب إضافي، أمضى پاندو الجزء الأكبر من وقته، بدءاً من التفجير الفاشل عام 1994 وحتى اعتقاله عام 1999، بتنفيذ مهمات صغيرة لحزب الله. فوفقاً للمحققين الفلبينيين، شملت تلك المهمات "شراء أسلحة في اندونيسيا وجوازات سفر في مناطق أخرى من جنوب شرق آسيا والقيام بأعمال تغطية على أهداف إرهابية وتجنيد أعضاء." وخلصت السلطات الفلبينية إلى أنه على الرغم من أن پاندو كان يعيش في ماليزيا في ذلك الحين، إلا أنه كان يشارك أيضاً في تخزين الأسلحة في كل من تايلاند والفلبين، "يفترض أنها كانت من أجل التحضير للقيام بمهمات مستقبلية".

في عام 1996، أرسل "حزب الله" أحد عملائه الذين شاركوا في مؤامرة التفجير في بانكوك عام 1994 إلى تايلاند وبلدان أخرى في المنطقة من أجل الإعداد "للهجمات الخمسة الطارئة". إن هذه الصيغة المبهمة - ربما تصف هجمات لا يتم تنفيذها إلا في ظل قيام بعض الطوارئ المحددة - تناسب طريقة عمل قائمة لحزب الله من ناحية التغطية على أهداف والإعداد لعمليات جاهزة يمكن القيام بها عندما يتم إعطاء أمراً لتنفيذها.

وفي الواقع، تشير تقارير استخباراتية إلى أن عملاء "حزب الله" كانوا ناشطين في المنطقة خلال معظم سنوات التسعينات من القرن الماضي، بما في ذلك في تايلاند والفلبين وسنغافورة وماليزيا واستراليا، وحتى بورما. ووفقاً للسلطات الفلبينية، شملت الأهداف المحتملة للجماعة السفارتين الأمريكية والإسرائيلية وشركات إسرائيلية ومعابد يهودية وطوائف يهودية ومواقع سياحية يرتادها أمريكيون وإسرائيليون ومكاتب للخطوط الجوية "لشركة إلعال" الإسرائيلية وجنود أمريكيون وإسرائيليون وسفن تجارية تبحر عبر مضيق سنغافورة ومضيق ملقا.

وقد استمر نشاط "حزب الله" في المنطقة في الألفية الجديدة، ولكن بصورة تماثل النهج الذي تتبعه الجماعة بعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر من ناحية التركيز على أمور الإسناد والتموين والإمدادات أكثر من تركيزها على العمليات وذلك من أجل البقاء بعيداً عن مرمى الحرب العالمية على الإرهاب. وحتى خلال هذه الفترة، شارك "حزب الله" في بعض النشاطات العملياتية، ولا سيما عمليات التسلل إلى إسرائيل من قبل عملاء من أوروبا، وفي إحدى الحالات من جنوب شرق آسيا. وانتهت الفجوة العملياتية بصورة كاملة بعد اغتيال مغنية في شباط/فبراير 2008، حيث كان قد استمر بمنصب قائد عمليات الجماعة في الخارج.

لذا، ينبغي أن لا يكون مفاجئاً اليوم أن تكون لحزب الله القدرة على شن هجمات والانخراط في أنشطة الدعم اللوجستي في تايلاند وأماكن أخرى في المنطقة. وإذا ما دعت الحاجة، فإن الجماعة على استعداد إما للقيام بعمليات طوارئ أثناء تحركها أو شراء ونقل المتفجرات أو غيرها من المواد. وحيث تصادف الذكرى السنوية لاغتيال مغنية بعد أسابيع قليلة فقط، وُضعت السلطات الأمريكية والإسرائيلية في حالة تأهب قصوى لمواجهة تلك الأنواع من المؤامرات التي ورد في الإعلام أنها قد أُحبطت في أماكن بعيدة مثل تايلاند وبلغاريا وتركيا. وقد أثبت "حزب الله" لأول مرة قدرته على العمل في تايلاند قبل أكثر من عقدين من الزمن، وحافظ عليها منذ ذلك الحين. وبقي أن نرى فيما إذا كانت عملية الاعتقال التي تمت في الأسبوع الماضي، مثلها مثل اعتقال پاندو في عام 1999، ستساعد السلطات على الكشف عن خلية "حزب الله" المحلية التي من المؤكد تقريباً أن عتريس حسين وشريكه الهارب كانا يشرفان عليها.


إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً