المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (325)
|
المقالات في الصحف المحلية
|
إنهاء الانقسام بالأفعال وليس بالتصريحات والأقوال
بقلم: حديث القدس – القدس
نهاية حل الدولتين
بقلم: محمد ايوب - القدس
عندما تنغلق أبواب السياسة:تفتح نوافذ الإقتصاد!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
التلويح بخيار حل السلطة لن يكون مجرد قفزة في الهواء
بقلم: رائد دحبور – القدس
صافرة ابو السعدي
بقلم: عيسى قراقع – القدس
حُمّى حل السلطة
بقلم: نبيل عمرو – القدس
الحال بالحال تذكّر؛ "الأقدام السوداء" و"فتيان التلال"!
بقلم: حسن البطل – الايام
أوكرانيا .. والمسألة اليهودية !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
أزمة "الإخوان المسلمين" وخشبة "حماس"
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
المجلس المركزي وسؤال المأزق الوطني الأساس
بقلم: علي جرادات – الايام
سمكرة وبوية
توفيق وصفي – الايام
تغريدة الصباح - هذا المثقف لهذه المناسبة..
بقلم: أحمد دحبور – الحياة
هل اقتربنا من خراب مالطا؟
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
احذروا السقوط في شرك «التلموديين» !
بقلم: موفق مطر – الحياة
الاسلام والغرب ضرورة تدوير الزوايا (3)
بقلم: هاني فحص – الحياة
دولة الجمال
بقلم: رياض مصاروة – الحياة
إنهاء الانقسام بالأفعال وليس بالتصريحات والأقوال
بقلم: حديث القدس – القدس
هناك تقارير حول اتفاق على تشكيل حكومة "توافق" بين حركتي فتح وحماس، وتفاهم بشأن تفعيل "الإطار القيادي لمنظمة التحرير". وهذا كله يندرج في نطاق جهود إنهاء الانقسام بين جناحي الوطن الفلسطيني، وعبر الجولات المكوكية التي تقوم بها الوفود بين الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عدة أسابيع.
ونظرا لكثرة هذه التقارير المتفائلة وتكرار ترديدها في وسائل الإعلام من جهة، ثم تحولها إلىفقاقيع هواء سرعان ما تتلاشى بعد أيام وربما ساعات من الإعلان عنها من الجهة الثانية، فإن المواطن الفلسطيني العادي أصبح لا يلتفت إلى هكذا تقارير، ويتعامل معها على أنها مجرد كلام في كلام وزوابع متلاحقة في الفنجان.
ويشعر الفلسطينيون أن الانقسام تحول بسبب مرور الزمن عليه إلى ظاهرة راسخة، وانبنت عليه مصالح فئوية وحتى شخصية أحيانا، وبالتالي فإن إنهاء الانقسام وإن كان من المفروض أن يكون قرارا فلسطينيا بامتياز، فإن قوى إقليمية ودولية منتفعة من هذا الانقسام تمارس ضغوطها على الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين للحد من أي تحرك جاد لتوحيد الوطن.
اسرائيل مثلا تتخذ من الانقسام ذريعة، وهي أصلا ليست بحاجة لأي ذريعة لتجميد أي مبادرة تستهدف إنهاء الاحتلال. وهي تدعي أن أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية لن يكون ناجعا حسب زعمها، لأن حماس تسيطر على قطاع غزة ، وهي تعارض أي تسوية سلمية تستند إلى حدود 1967.
وهذا الادعاء الاسرائيلي باطل من أساسه، فهناك اتفاق بين الحركتين على تخويل صلاحيات التفاوض لمنظمة الحرير الفلسطينية التي يرأسها أبو مازن. وهذا ما نص عليه التفاهم الأخير بين الحركتين في أيار 2013 في القاهرة.
وتنسى اسرائيل والقوى الدولية المساندة لها أن القرار هو بيد الشعب الفلسطيني الذي رفض الانقسام منذ لحظاته الأولى، وكان وقوع هذا الحدث المأساوي صادما للفلسطينيين الذين كانوا متفائلين عام 2007 بأن تصمد حكومة الوحدة الوطنية، وأن تظل غزة تحت راية السلطة الفلسطينية الواحدة- كائنا ما كان الفصيل أو الحزب الذي يفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية.
وما يريده أبناء الشعب الفلسطيني الآن هو إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة مهما كان اسمها أو توصيفها فهي حكومة الانتماء لفلسطين وللشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. لأن كلا من فتح وحماس هي أداة لتحقيق تطلعات الشعب كله بكل فصائله وقواه السياسية والمذهبية، والانتماء لفلسطين والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية هو الأصل وهو الغاية. أما الانتماء لأإيفصيل فهو وسيلة لتحقيق تلك الغاية، المتمثلة في المصلحة العليا للشعب الفلسطيني كله.
ولن يكون لأي تصريح أو بيان حول إنهاء الانقسام مصداقية إلا إذا تبلور على أرض الواقع وتجسد في أطر سياسية وأمنية موحدة، وارتفع الانتماء لفلسطين والشعب والقضية على كل الاعتبارات الفئوية والفصائلية والشخصية، وعاد الجميع إخوة متضامنين متحدين تحت راية الوطن الواحد ولخدمة الأهداف الوطنية المنشودة في إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة الكاملة على أرضها ومياهها وأجوائها ومواردها الطبيعية وقرارها السياسي.
نهاية حل الدولتين
بقلم: محمد ايوب - القدس
يبدو أن الجهود البطولية التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإنقاذ عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية على وشك أن تنتهي بالفشل. وعلى الرغم من أن التوصل إلى تسوية حقيقية كان دوماً أضغاث أحلام، فإن خيبة الأمل الأخيرة هذه تجعل الولايات المتحدة عاجزة عن الحفاظ حتى على وهم "عملية السلام" التي كانت كلها مجرد عملية فقط من دون سلام. بيد أن هذا قد لا يكون أمراً سيئاً للغاية.
الواقع أن المفاوضات تبوء بالفشل لأسباب عديدة، بدءا باستمرار الاستعمار الإسرائيلي للأراضي المحتلة في العام 1967 على الرغم من معارضة المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة. بل ان إسرائيل عَجَّلَت بوتيرة بناء المستوطنات منذ بدأت أحدث جولة من المحادثات، في حين صَعَّدَت مطالبها، وخاصة في ما يتعلق بتمركز القوات الإسرائيلية في وادي الأردن. ومن الواضح أن الإفراج عن بضع عشرات من السجناء الفلسطينيين ليس بديلاً لتنازلات حقيقية بشأن هذه القضايا الخلافية.
ما يزيد الطين بلة أن الولايات المتحدة امتنعت بشكل متواصل عن استخدام نفوذها الكبير لإجبار إسرائيل على تغيير مسارها، نظراً للقوة السياسية التي يتمتع بها اللوبي المؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وخاصة لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك). ومن اللافت للنظر أن كيري عَيَّن مارتن إنديك -وهو مواطن أسترالي بريطاني المولد بدأ حياته السياسية في الولايات المتحدة بالعمل لدى أيباك في أوائل ثمانينيات القرن العشرين- مديراً لتسهيل المفاوضات.
هناك عقبة أخرى تحول دون التوصل إلى اتفاق سلام، والتي تتمثل في الانقسام بين غزة التي تسيطر عليها حركة حماس والضفة الغربية التي تسيطر عليها منظمة فتح. وتمتد جذور هذا الانقسام أيضاً إلى التعنت الأميركي والإسرائيلي -وعلى وجه التحديد رفضهما القبول بفوز حماس في انتخابات العام 2006 والاعتراف بها ممثلة شرعية لفلسطين. وقد شجعت هذه السياسة حركة فتح على عدم التنازل عن السلطة لحماس في الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى توليد الانقسام في فلسطين المحتلة.
بيد أن هذا الانقسام لم يكن يشكل عقبة كبيرة في أحدث جولة من المفاوضات، لأن حماس تنحت جانباً، فلم تشارك ولم تسع إلى القيام بدور المفسد. ولعل هذا القرار كان نابعاً من افتراض مفاده أن المحادثات سوف تنهار لا محالة، وهذا من شأنه بالتالي أن يضعف مكانة السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح. وأياً كان الأمر، فلا أحد يستطيع أن يعزو الانقسام بين الفلسطينيين إلى فشل المحادثات هذه المرة.
يعيدنا هذا إلى الاستعمار الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية، والذي يستبعد إمكانية تفعيل حل الدولتين. أضف إلى هذا إصرار اليمين الإسرائيلي على استحالة تقديم أي تنازلات في القضايا المتعلقة بالأراضي أو القدس أو حق العودة للفلسطينيين. ومن والواضح أن كيري لم يحظ حقاً بأي فرصة.
لعل الإشارة الأكثر وضوحاً لعناد إسرائيل وتصلبها جاءت على لسان وزير اقتصادها نافتالي بينيت في تموز (يوليو) الماضي، عندما أعلن: "لقد وصلت فكرة وجوب إنشاء دولة فلسطينية داخل أراضي إسرائيل إلى طريق مسدود. إن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لأرض إسرائيل هو البناء ثم البناء ثم البناء (المستوطنات اليهودية)".
من عجيب المفارقات هنا أن أي مراقب فلسطيني فَطِن قد يشعر بالارتياح إزاء فشل أميركا في منع إسرائيل من توسيع مستوطناتها (وبالتالي ضم حصة متزايدة من الأراضي الفلسطينية فعليا)، لأن فشلها هذا ينهي التمثيلية الهزلية التي قامت عليها عملية السلام حتى الآن. وتتلخص النتيجة الأكثر ترجيحاً الآن في إقامة دولة منفردة موحدة داخل حدود الانتداب البريطاني على فلسطين في العام 1922، بما في ذلك كل إسرائيل القائمة في الوقت الحاضر والأراضي المحتلة.
بعبارة أخرى، تتجه إسرائيل وفلسطين بخطى ثابتة لا هوادة فيها نحو إقامة دولة ثنائية القومية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وسوف تستند مثل هذه الدولة إلى واحد من مبدأين متضادين: المساواة في الحقوق لجميع سكانها، أو شكل ما من أشكال الفصل العنصري الذي يتسم بالسيطرة اليهودية والتبعية الفلسطينية.
المشكلة بالنسبة للفلسطينيين هي أن الإسرائيليين اليهود سوف يتمتعون بنفوذ أكبر في إدارة عملية تنمية هذه الدولة الموحدة، ومن غير المرجح أن يختاروا المساواة من تلقاء أنفسهم. ذلك أن منح جميع المواطنين الحقوق السياسية والمدنية المتساوية يعني الانتقاص من الطابع اليهودي القسري للبلاد، والنكوص على الأهداف والإنجازات الصهيونية، وهي النتيجة التي لن تكون مقبولة لدى أغلب السكان اليهود في إسرائيل. ولن يكون احتفاظ هذه الدولة باسم "إسرائيل" كافياً للتخفيف من هذه المقاومة.
سوف يستجيب المجتمع الدولي لقيام دولة فصل عنصري على الأرجح بازدراء إسرائيل ونبذها، بصرف النظر عن الاحتجاجات الأميركية. وعلاوة على ذلك، من المحتم أن يمتد الصراع داخل مثل هذه الدولة إلى خارج حدودها، وربما يشعل شرارة نزاع إقليمي عظيم. وهذا من شأنه أن يفرض عواقب خطيرة على الولايات المتحدة وغيرها من أنصار إسرائيل المخلصين في الغرب، الذين تدفعهم مصالح استراتيجية واقتصادية كبرى في المنطقة.
هكذا، يكون الوقت قد حان لكي تعيد الولايات المتحدة النظر في سياستها تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وبدلاً من ملاحقة سراب حل الدولتين، ينبغي لها أن تستخدم نفوذها في المنطقة لتمهيد الطريق لنشوء دولة ديمقراطية ثنائية القومية تضمن المساواة السياسية والمدنية الكاملة لجميع سكانها. وقد لا يكون هذا حلاً مثالياً لأي من أطراف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكنه أفضل كثيراً من البديل: دولة الفصل العنصري التي من المرجح أن تزيد من زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وأن تؤدي إلى حلقة مفرغة لا نهاية لها من الصراع في المنطقة.
محمد ايوب -بنجالور - أستاذ شرف مميز للعلاقات الدولية في جامعة ولاية متشيغان، ومؤلف كتاب "هل سينفجر الشرق الأوسط؟
عندما تنغلق أبواب السياسة:تفتح نوافذ الإقتصاد!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
يحج عدد كبير من كبار اقتصاديي العالم الى واشنطن يوم الخميس لتناول طعام العشاء على مائدة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري .. عشرة من كبار الإقتصاديين من أكثر من عشرين دولة سيحضرون هذا العشاء بينهم كبار رجال المال والاقتصاد الفلسطيني، سيلتقون في واشنطن مع عدد من اقتصاديي أمريكا والغرب، واقتصاديين اسرائيليين بارزين بالطبع، بهدف تشجيع الاستثمار في أراضي السلطة الفلسطينية، هذه السلطة المهددة بالتفكك والحل..
وتقول بعض الأنباء أن أحد اهداف هذا اللقاء، والحث على الاستثمار المكثف في الأراضي الفلسطينية ، هو تقريب الهوة بين مستوى المعيشة في فلسطين ومستوى المعيشة في اسرائيل! حيث الفارق بين مستوى الدخل بينهما هو الآن حوالي 1: 7، اي أننا نتحدث عن اسرائيل التي يزيد متوسط الدخل الفردي السنوي فيها عن 22 الف دولار، بينما يتجاوز الدخل الفلسطيني مستوى ثلاثة آلاف دولار بقليل.
مع وصول المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، بوساطة أمريكية بالطبع، الى طريق مسدود، تأتي هذه الدعوة من وزير الخارجية الأمريكية لهذه المجموعة الكبيرة من الإقتصاديين العالميين، ونحن نعرف أن الكثير من هؤلاء الاقتصاديين أمريكيون يهود، وهو ما يشير الى أن الحل الاقتصادي قد يكون أيسر من الحل السياسي، وأن لغة المال تعادل ، إن لم تتفوق على لغة السياسة! وهذا يدل أيضا على أن وزير الخارجية الأمريكية، يريد أن يفتح نافذة الاستثمار والاقتصاد، كخطوة إنقاذية لإنغلاق باب المفاوضات، فقد يكون هذا الحل الإقتصادي هو المنقذ لجون كيري ، بدلا من أن يعلن سريعا عن فشل المفاوضات، أو فشله الشخصي كوسيط خبير، في حل الأزمات، وهو ما لا يريده.
إن الاقتصاد السياسي، أو الحل الاقتصادي للأزمات السياسية هو نظرية سابقة دعا اليها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووضعها ضمن برنامجه الانتخابي، منذ أكثر من عشر سنوات .. وأساسها أن تحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادي سينسيهم امور النضال، وامور الانشغال بالسياسة والانتفاضات .. وسيجعلهم الانغماس في حياة أكثر ترفا من حياة البؤس التي يعيشونها، أكثر هدوءا وأكثر استسلاما ...
جاء دور الرباعية الدولية، ودور توني بلير بالذات، قبل سنوات قاربت على الخمس، بنظرية أخرى هي نظرية تخفيف معاناة الفلسطينيين من الحواجز العسكرية ومن حرية تنقل الأفراد والبضائع، كجزء مكمل من سياسة دولية لتخفيف العنف لدى الفلسطينيين، هذا العنف الذي يعتقدون أن أساسه هو الاحباط من الوضع الحالي، وأمور الإذلال الذي يعيشه المواطن الفلسطيني كل يوم على المعابر وحواجز التفتيش الاسرائيلية الثابتة منها أو الطيارة ..
لقد تم دعم المشاريع التشغيلية، هذه المشاريع التي خلقت فرص عمل دائمة أو مؤقتة لآلاف الفلسطينيين، حدّت من مشكلة البطالة وخففت من نسبتها المرتفعة جدا .. لكن هذه السياسة لم تؤت أكلها بالكامل، وذلك لأن تمويل المشاريع التشغيلية في الضفة الغربية، تم ربطه الى حد ما بتقدم المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، حيث تم إغلاق حنفية التمويل لهذه المشاريع، متوازيا مع ضغوط اسرائيلية وممارسة فعلية في عدم انتظام اسرائيل في تحويل الضرائب التي تجبيها نيابة عن الفلسطينيين اليهم، واستخدام هذا السلاح المالي كوسيلة للضغط على الفلسطينيين للحصول منهم على تنازلات تفاوضية أكثر، أو لإرغامهم على قبول الفتات الذي تعرضة اسرائيل عليهم لانهاء الصراع ، وهذا ما خلق العجز الفلسطيني حتى عن تمويل الميزانية الجارية، وليس توفير ميزانيات اضافية للخطة التنموية الهادفة الى اقامة مشاريع تشغيلية وانتاجية تهدف في نهايتها الى الوصول بالواردات الفلسطينية الى حد الاكتفاء الذاتي، أو على الأقل ان تغطي واردات السلطة مصاريفها التشغيلية.
وتأتي اليوم مرحلة اضافية في نفس السياسة، وذلك بدعوة وزير الخارجية الأمريكية لهذا اللقاء بين الاقتصاديين من الدول الغنية في الشرق الأوسط، وفي الغرب، الى عشاء عمل، عشاء هدفه تحفيز الاقتصاديين على لعب دور أهم في حل مشكلة الصراع الفلسطيني الأسرائيلي، بعد ان تم تقليصه من صراع عربي اسرائيلي الى صراع فلسطيني اسرائيلي، وذلك باشغال العالم العربي بالربيع المزعوم، الذي بات خريفا تساقطت فيه كل اوراق التضامن العربي، وتفسخت جذوعه أيضا.
من المؤكد أن تشجيع الاستثمار، وانشاء صندوق استثماري منظم في الأراضي الفلسطينية، هو خطوة ممتازة في تفعيل واستقلالية الإقتصاد الفلسطيني، والحد من نسبة البطالة التي لا زالت مرتفعة في الضفة الغربية، وأكثر ارتفاعا في قطاع غزة. الدعوة الامريكية، وهذا الحشد المتوقع للمستثمرين في عشاء عمل وزير الخارجية الأمريكية هو خطوة تفعيلية للإقتصاد الفلسطيني الضعيف، والتابع للإقتصاد الاسرائيلي حاليا ..
الاسئلة المطروحة الآن هي:
1- هل الحل الاقتصادي والاستثماري هو البديل لحل سياسي يعيد الحقوق، او حتى بعضها للشعب الفلسطيني ؟
2- هل الحل الإقتصادي سيشمل قطاع غزة اضافة الى الضفة الغربية، ام أنه سيكون مقصورا على الضفة الغربية فقط في ظل وجود سلطتين، ووجود قانونين مختلفين ساريين في الضفة وفي القطاع، وفي ظل وجود حكومة حماس في غزة التي تصنفها الادارة الأمريكية على انها «ارهابية»؟
3- ما هو وضع القدس العربية في هذا المشروع الاقتصادي ؟ هل هي منسية كالعادة؟! وذلك لإتاحة الفرصة لدمج القدس العربية فعليا مع اسرائيل والاقتصاد الاسرائيلي،
4- هل يمكن للتطوير والاستثمار أن يستثني القدس العربية في المجال السياحي على أقل تقدير، حيث ان القدس الشرقية والبلدة القديمة من القدس هي المعلم السياحي الاساس في المنطقة؟
5- هل سيكون ضمن خطة الاستثمار توفير اماكن سكن وعمل للأزواج الشابة والداخلين الى سوق العمل في القدس العربية سنويا؟ ام أن الخطة ستخلق فرص عمل للمقدسيين العرب في الضفة الغربية فقط ، تمهيدا لأن يكون مركز حياتهم هو الضفة وليس القدس، وهذا ما يساعد اسرائيل في تنفيذ خططها لتفريغ القدس العربية من سكانها العرب !
أخيرا .. ألله أسأل السلامة لهذا الوطن واستمرار عروبة القدس!
التلويح بخيار حل السلطة لن يكون مجرد قفزة في الهواء
بقلم: رائد دحبور – القدس
نشرت وكالة "فرانس بريس" يوم السبت الماضي 19/04/2014 تصريحاً صحفياً لمسؤول فلسطيني كبير، رفض الكشف عن اسمه قال فيه: انَّ الجانب الفلسطيني أبلغ المبعوث الأمريكي " مارتن إنديك " أنَّ هناك خيارات عديدة لدى الفلسطينيين في حال فشلت المفاوضات، وأصبح من المتعذِّر تطبيق حل الدولتين، بسبب الموقف الإسرائيلي، ومن هذه الخيارات ، خيار حل السلطة الفلسطينية، وإعادة أمر إدارة الضفة الغربية الى الجانب الإسرائيلي مرَّة أخرى".
هذا التصريح يحمل دلالات مهمَّة، أولها أنَّ هذا الخيار أصبح مطروحاً على طاولة النقاش رسمياً مع الجانب الأمريكي على الأقل، وهو ما يعني أنَّ هذا الخيار، أصبح رسمياً على أجندة القيادة الفلسطينية، بعد أن كان الرئيس محمود عبَّاس قد ألمح الى نفس الأمر في أكثر من مناسبة قبل هذا التصريح، وهو ما يؤشِّر الى إمكانية استخدام هذا الخيار، كورقة ضغط يملكها الجانب الفلسطيني من بين أوراق الضغط القليلة التي يملكها في التعامل مع مسار المفاوضات المتعثِّر، وواقعياً وليس نظرياً يُمثِّلُ هذا الخيار تحدياً جديَّاً للموقف الإسرائيلي، الذي يرفض حتى الآن الإقرار بشكل رسمي ونهائي وواضح بأنَّ الحل الواقعي والممكن يتمثَّل فقط بحل الدولتين مما سيضع حداً للصراع العربي الإسرائيلي المزمن، ويفضي الى نتيجة منطقية ومرضية لمسار المفاوضات ، ستحظى بدعم الأغلب الأعَم من أبناء الشعب الفلسطيني، وتوفر للجميع مخرجاً منطقياً من المأزق التاريخي الذي وصلت إليه وقائع ومجريات القضية الفلسطينية.
فما هي الأهمية النظرية والعمليَّة والواقعية لتبني مثل هذا الخيار من جانب القيادة الفلسطينية ؟ وهل مثَّلت مسألة إدارة الضفة الغربية وقطاع غزَّة في السَّابق معضلة إدارية واقتصادية وأمنية وأخلاقية بالنسبة لإسرائيل ؟.
يمكننا الإجابة عن السؤال الأول ضمن السياق القانوني، وضمن السياق الواقعي في آنٍ معاً، عند تناول مسألة الإدارة الإسرائيلية لمنطقتي الضفة الغربية وقطاع غزَّة بعد حرب عام 1967وإحالتها لاحقاً الى سلطة إداريَّة وطنيَّة بموجب اتفاقٍ ثنائي إسرائيلي فلسطيني شهدت عليه أطراف دولية، وحظي بمباركة مؤسسات الأمم المتحدة، وصولاً الى بداية مرحلة تشكيل السلطة الفلسطينية أواخر عام 1994 وما ترتب على ذلك من نتائج على مستوى الإدارة الوطنيَّة للشأن الفلسطيني سياسياً على المستوى الخارجي، والإدارة الذاتية للشؤون السياسية والمعيشية اليوميَّة الداخلية، وعلى مستوى التمويل الشامل لأنشطة السلطة الفلسطينية ومصادر ذلك التمويل، وعلى مستوى إدارة الموارد والنفقات والتشغيل فيما يخص المجتمع الفلسطيني، وعلاقة المجتمع الإقليمي والدولي بكل ذلك، وموقع كل ذلك من القانون الدولي والبيئة الدولية وتعاطيها مع حقوق الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية على أساس الاعتراف والإقرار بحقوقه السياسية والوطنية الى غير رجعة الى الوراء. وبالنّظر الى حجم الفراغ الإداري والقانوني والمالي والسياسي الذي سوف ينشأ في حال غياب مؤسسات السلطة القائمة حالياً.
وعلى ضوء كل ما تقدَّم، فإنَّ الإجابة على السؤال الأول هي: نعم، يوجد هناك أهمية نظرية وواقعية وعملية وقانونية كبيرة للتلويح باللجوء الى ذلك الخيار .
ودون الإغراق بالتفاصيل التاريخية كثيراً، يمكننا الإجابة بنعم، عن السؤال الثَّاني المتعلَّق بالمعضلة التي ستواجه إسرائيل في حال اضطرارها لإعادة العمل بإدارة الحكم العسكري الإسرائيلي ؛ فقد مثَّلت مسألة إدارة الضفة الغربية وقطاع غزّة معضلة مُعقَّدة لمختلف الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت منذ عام 1967 ، وإن بدا الأمر ظاهرياً على غير ذلك الوجه، وليس من السهل على إسرائيل الآن أن تعيد عقارب الساعة الى الوراء، وان تبدأ من جديد في صياغة نظريات ورؤىً ووسائل وآليات إدارية واقتصادية جديدة تجاه مسألة العودة الى إدارة شؤون السكَّان والمواطنين الفلسطينيين بشكل شامل على المستويات المعيشية والخدمية والإقتصادية والإدارية والأمنية، بعد جملة المتغيرات التي حصلت على الصعيد المحلِّي والإقليمي والدولي وحتَّى الإسرائيلي الدَّاخلي، فيما يخص مسألة القبول بواقع وبصيغة الإحتلال، كما كانت قائمة قبل مرحلة إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، وما حظيت به من وضع قانوني دولي تجاوز مسألة كونها مجرَّد سلطة حكم إداري ذاتي محلِّي، أمرها يخص الإدارة العامَّة والرسمية الإسرائيلية وحدها، وما يعكس ذلك من أهميَّة قانونية ومكانة دوليَّة لموضوع حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وبناء دولته الخاصَّة به !!.
للتدليل على ذلك يمكننا الإشارة وباختصار، الى ما تضمَّنتهُ أحد المنشورات الإسرائيلية المهمَّة التي تناولت تاريخ ومجريات ونتائج الإدارة والحكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربيَّة ولقطاع غزَّة طوال قرابة ثلاثين عاماً، وهذا المنشور هو: كتاب " الطُّعم في المصيدة...السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزَّة 1967-1997" لمؤلِّفه، شلومو غازيت، وهو أحد أهم الذين عملوا، ولفترة طويلة، في إدارة الحكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزّة بعد حرب عام 67 مباشرة، وأوَّل" منسق لشؤون الحكومة في المناطق " كما اصطلح على تسميته آنذاك، .
و" شلومو غازيت " كان قد عيَّنه وزير الدفاع الأسبق " موشيه ديَّان " في هذا المنصب، بعد أن تم استحداثه مباشرة بعد حرب حزيران عام 1967، لإدارة شؤون الحكم العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء، بحيث يكون هذا المنصب هو الآلية وهو حلقة الوصل الإدارية التي تدير بها الحكومة الإسرائيلية شؤون المناطق المحتلة إدارياً ومعيشياً وخدماتياً وأمنياً، وذلك عبر وزارة الدِّفاع وقادة المناطق والحُكَّام العسكريين.
يعرضُ " شلومو غازيت " في كتابه المنشور عام 2000 تحت اسم " الطُّعم في المصيدة " جملة من التفاصيل، المستندة الى الوثائق والى الوقائع، التي واكبت تعيينه في هذا المنصب وإشغاله له لسنوات عديدة، وحتَّى بعد مغادرته إيَّاه، إذْ يُؤكِّدُ على عمق الصعوبات التي واجهت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في سبيل تحقيق إدارة فعَّالة وشاملة لشؤون المناطق المحتلَّة، على المستويات الأمنية والسياسية والإقتصادية والإدارية والأخلاقية، ففي حين مَثَّل احتلال الضفة الغربية وغزة ميِّزة إستراتيجية وسياسية لإسرائيل فإنَّه في الوقت نفسه مثَّل عبئاً أمنياً وإداريِّاً وماليَّاً وأخلاقيا على المستوى الواقعي والميداني المحَلِّي، وعلى مستوى السياسة الخارجية الإسرائيلية وتعاطي المجتمع الدولي مع واقع ذلك الاحتلال ونتائجه.
وقد كانت مسألة إدامة الإحتلال وإدارته ومحاولة استثماره سياسياً تصطدم بواقع رفض الفلسطينيين للتعايش معه بكونه احتلالاً حاول أن يقدم نفسه بشكل ليبرالي بحيث يجمع بين الإدارة المدنية الفعَّالة لشؤون السكَّان المعيشية واليوميَّة، في جوانب الصحة والتعليم والزراعة والصناعة، والإدارة المحلية، عبر وسائل الحكم العسكري التقليديَّة والمباشرة، بما يحقق الأهداف الشاملة والإستراتيجية من وراء الإحتلال المباشر، بحيث كانت تلك الآليات والوسائل والأهداف تصطدم دوماً بتطلعات الشعب الفلسطيني وآماله وأهدافه الوطنية، ويسجل " شلومو غازيت " في كتابه عدة مراحل ومحطَّات من الأخطاء والإخفاقات في جوانب الأمن والإدارة وتمويل أنشطة الحكم العسكري، وكذلك في السياسة العامَّة، مما أفضى الى عدة هبَّات وانتفاضات جماهيرية، توِّجت بانتفاضة أواخر عام 1987، ويعزو أسباب ذلك وبدرجة أساسية الى إشكالية الجمع بين الإحتلال والإدارة الفعَّالة لشؤون مجتمع يرفض الإحتلال إبتداءً، والى جدلية التناقض القائم بين هدف إدامة الإحتلال وهدف تحقيق التعايش والسلام.
ويشير في أكثر من موضع الى أنَّ أهم الأسباب التي أدَّت في النهاية الى القبول التدريجي لتطلعات الشعب الفلسطيني السياسية والوطنية، بعد ان كان يتم رفض الإعتراف بها أو نقاشها من جانب القيادات والأحزاب الإسرائيلية على مدى سنوات عديدة منذ بداية الإحتلال، كان يرجع في جانبٍ أساسي منه الى الإدراك التدريجي والعملي لعمق مأزق إدامة الإحتلال، وإدارته بشكل فعَّال، بما يحقق أهداف إسرائيل السياسية والأمنية منه بشكلٍ مطلق، وبدون أن يسبب لها معضلات وتحدِّيات إستراتيجية، على المستوى الأمني والإقتصادي والإداري وعلى مستوى السياسة الخارجية.
ويقدِّم "شلومو غازيت " عددا من الأمثلة فيما يتعلق بتمويل انشطة الحكومة في المناطق المحتلة وبكيفية التعامل مع عبء إدارة الأوضاع المعيشية ومسؤولية توفير الخدمات للسكَّان وعلاقة ذلك بالضرورات الأمنية أو بالبعد الأمني لإدارة أوضاع السكان في الضفة الغربية وغزّة، وكيف انَّ هذه المسألة شكَّلت ومنذ البداية أهم التحديات التي واجهت وزارة الدفاع الإسرائيلية، وكيف كانت تمثل أحد محاور الخلاف والجدل مع وزارة المالية منذ السنة الأولى للإحتلال، فيما يخص توفير ميزانية إدارة شؤون المناطق المحتلة.
فيقول في الجزء العاشر وتحت عنوان ، ميزانية الأعمال في المناطق:" إندلع منذ وضع أول ميزانية سنوية في المناطق نقاش شديد بين وزارة الدفاع ووزارة المالية حول حجمها. وتطلَّعت وزارة المالية الى تخفيض النفقات ورفضت إقرار ميزانيات تشذ عن الدخل الطبيعي للمناطق. وصرَّحت وزارة الدفاع أنَّها تحتاجُ الى الميزانيات لرفع مستوى حياة السكان، وحسب هذه الرؤية فإنَّ زيادة حجم الميزانية هو أمر سياسي وأمني مهم، ورغم عدم استجابة الميزانية المقررة على مدار السنوات لطلبات وزارة الدفاع، فقد تمت زيادة الميزانية المخصصة للمناطق من عام 1967 حتى عام 1980 من دخل حقول النفط في سيناء. وبعد الإنسحاب من حقول النفط عام 1980عانت ميزانية المناطق من النقص، الأمر الذي تطلَّبَ من الحكم العسكري البحث عن طرق أخرى لزيادة الميزانية، ومنها تعميق الجباية في المناطق، وإعادة الأموال التي تجبى في إسرائيل ومصدرها المناطق، مثل: 1:خصومات التأمين الوطني للعامل العربي في إسرائيل. لأنَّ العامل الفلسطيني لم يكن مواطناً إسرائيلياً وبالتالي لا يحق له التمتع بحقوق التأمين الوطني، فقد تقرر تجميع الخصومات من العمَّال العرب ووضعها في صندوقٍ خاص يستخدم للنشاطات التي تخدم مجموع السكَّان الفلسطينيين في المناطق .
2: تحويل ضريبة الدَّخل للعمَّال الفلسطينيين لتمويل النشاطات في المناطق.
3: إعادة الضَّرائب التي تُجبى من الغاز والنِّفط الى المناطق لخدمة نفس الهدف. 4: إعادة ضريبة الشراء وضريبة القيمة المضافة التي دفعها سكَّان المناطق في صفقات تجاريَّة مع إسرائيل.
وتبيَّن من الفحص الذي أجرته الإدارة المدنية في الضفة الغربية أنَّ نسبة ضريبة الدخل في الضفة الغربية للفرد ارتفعت من 5% الى 10%، وللمتزوج وله ثلاثة اولاد من 11% الى 25% أي نفس الوضع الساري في إسرائيل، وعلاوة على ذلك، فقد أُجبِرت الفئات الضعيفة إقتصاديَّاً في الضفة الغربية على دفع الضريبة، بينما أعفيت منها نفس الفئة في إسرائيل .
وفي الوقت الذي كانت فيه الظروف الإقتصادية والإجتماعيَّة في المناطق تبرر زيادة الميزانيَّة السنوية ، خاصَّة ميزانية التطوير، جاءت التقليصات لتشكِّل ضربة كبيرة للإدارة المدنيَّة الإسرائيليَّة في المناطق.
وكان تراجع الوضع الإقتصادي في المناطق أحد أهم الأسباب التي ادَّت الى اندلاع الإنتفاضة في أواخر عام 1987. وساهم في اندلاعها انخفاض مستوى المعيشة في المناطق، والمستوى المتدني للخدمات، والجهود المتزايدة لسلطات ضريبة الدَّخل الإسرائيلية لتحصيلها من السُّكَّان المحليين، ويضاف الى ذلك مشاعر الإحباط السياسي". الى هنا الإقتباس من أقوال " شلومو غازيت.
كما أنَّه يشير في مواضع أخرى من الكتاب الى انَّ سياسة " موشيه ديَّان " في الضفة الغربية وغزة إعتمدت منذ البداية على ثلاثة أمور اساسية هي:
أولاً: عدم الظهور، أي الحكم عن بعد، وتقليل إحتكاك قوَّات الجيش الى أبعد الحدود مع المواطنين في أماكن سكناهم. وهذا ما تمَّ التراجع عنه لاحقاً.
ثانياً: سياسة الجسور المفتوحة مع العالم العربي، اي إتاحة تواصل المواطنين في الضفة الغربية وغزَّة مع محيطهم العربي، عبر الجسور مع الأردن وعبر معبر رفح مع مصر. وذلك كي تبدو السياسة الإسرائيلية أكثر ليبرالية، ولتوفير نوع من حرية الحركة والسفر والتواصل بين المواطنين والبلدان العربية، مما سيخفف من الضغوط الدولية، والإنتقادات لإسرائيل وبما يوفِّر فرصة ،ولو على غير المستوى الرسمي، لإنشاء نوع من التواصل والتطبيع بين البلدان العربية وإدارة الحكم العسكري.
ثالثاً: إنعاش الحياة المعيشية للسكَّان، وتوفير الموارد المالية وإنشاء البُنى التحتيَّة، والسّماح بإدخال الأموال من الخارج، تحت الرَّقابة لتحقيق ذلك الغرض. بما يحقق هدف إيجاد قيادة فلسطينية معتدلة تقبل التعايش مع واقع الحكم العسكري الإسرائيلي، وتوفير الدعم الشعبي لها على حساب التأييد لمنظمة التحرير الفلسطينية.
لكنَّه يشير انَّ هذه السياسات تم تجاهل أهمية مراعاتها فيما بعد، وتمّ التراجع عن بعضها، بسبب ضرورات إدامة وتواصل الإحتلال وما خلَّفه ذلك من آثارٍ سياسية وأمنية، وبسبب الواقع الإستيطاني الذي نشأ فيما بعد، وبسبب المقاومة الفلسطينية، والتظاهرات في أكثر من مناسبة وعلى مدى سنوات الإحتلال. وكذلك بسبب تولِّي وزراء دفاع لم يحرصوا على تطبيق سياسات متوازنة، وأيضاً بسبب صعود القوى اليمينية داخل إسرائيل التي جعلت من الإستيطان في الضفة الغربية وغزة أحد اهم أولوياتها.
إنَّ الإستنتاج الإجمالي الذي يمكننا استخلاصه مما قدَّمه كتاب "شلومو غازيت "، والذي يمكننا تقديمه في هذه المناسبة بالذَّات، وكذلك الإستنتاج الذي يستند الى جملة من المراجع والوثائق والوقائع والتي تؤكِّدُها السياقات التاريخيَّة والواقعيَّة لتاريخ الحكم العسكري وسياساته في الضفة الغربية وغزَّة، هو: صعوبة عودة أوضاع الضفة الغربية وقطاع غزَّة الى ما كانت عليه قبل تشكيل السلطة الفلسطينية، وإدارتها بشكل مباشر عبر إدارة حكم عسكري جديد دون أن تتحمَّل إسرائيل في سبيل ذلك أعباءً إدارية واقتصاديَّة وأمنية وأخلاقية إضافيَّة، ودون ان تواجه صعوباتٍ كبيرة وتحدِّياتٍ معقَّدة أكثر من السَّابق، مع ما يحمله ذلك من مخاطر، ومن أوضاعٍ جديدة مفتوحة على كل الإحتمالات.
وإن بدا في الظاهر ونظريَّاً أنَّ ذلك ممكن في حال استعداد إسرائيل لتحمُّل نتائج ذلك مرحليَّاً، فإنَّ نظرة عميقة للمسألة وضمن السياق التاريخي والمنهجي والواقعي والعملي والمستقبلي سواءً القريب أم البعيد، وكذلك فإنَّ نظرة عميقة للمرحلة الرَّاهنة ومقتضياتها، ستضع إسرائيل أمام سؤال تاريخي وإستراتيجي كبير، يخُصَّها قبل ان يخُصّ غيرها في المنطقة فيما يتعلَّق بمسألة مستقبل السلطة الفلسطينية، والمخاطر التي من الممكن أن تنشأ بفعل انهيارها أو اتخاذ قرار فلسطيني بحلَّها، وكذلك حجم الفراغ السياسي والإداري والقانوني والأمني الذي سوف ينشأ من جرَّاء ذلك، وممَّا سيضع إسرائيل أمام معضلة مواجهة العالم على المستوى السياسي والأخلاقي حيث لن تجد مسوِّغات لتصرُّفاتها ولسلوكها كما كان ذلك قائماً مع بداية احتلالها عام 1967، ومما سيضعها كذلك أمام معضلة إعادة عقارب السَّاعة الى الوراء فيما يتعلَّق بسياساتها الأمنية والإقتصاديَّة الشاملة، بحيث تتم العودة الى مرحلة من المفترض أنه قد تجاوزها الزَّمن وتجاوزتها الوقائع.
وليس من المحتمل أن تتجاهل إسرائيل كل هذه الحقائق والمعطيات، التي هي تدركها أكثر من غيرها، وتجازف بمواجهة تحديات ستكُلِّفها كثيراً في الوقت الذي من الممكن لها فيه تجنُّبها !!.
صافرة ابو السعدي
بقلم: عيسى قراقع – القدس
في دوار المنارة برام الله، يقف ابو السعدي والشمس عمودية تصب أشعتها الحامية فوق رأسه، وقد تدلت ثلاث صافرات من رقبته والرابعة في فمه، يداه تتحركان يمينا وشمالا، خلفا واماما، يحرك المركبات المزدحمة وينظم سيرها، يمنع الاكتظاظ والتزاحم، وجميع السائقين يلتزمون بتعليمات صافرة ابو السعدي.
إنه أول شرطي فلسطيني متطوع وغير رسمي، وقف في وسط مدينة رام الله ينظم المركبات بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1995، وقبل إنشاء جهاز الشرطة الفلسطيني وبناء الأجهزة والمؤسسات، كأنه أراد أن يقول : أن ارض الصراع دانت أخيرا لنا، ونحن قادرون على بعث روح الحياة في المكان الذي دعسته دبابات الاحتلال.
صافرة ابو السعدي أجابت على أسئلتنا العميقة حول الحضور والغياب، نفخ بأنفاسه في الغياب، ليرى الحضور واضحا واضحا، ويرى نفسه حرا وهو يردد مقولته المشهورة: تبدأ الدول بوجود الشرطي، بصوت صافرتي التي تعلن بأننا هنا، وكنا هنا، وسنبقى هنا.
رأيته يوم الأسير الفلسطيني يرقص في ساحة مدينة البيرة خلال إيقاد شعلة الحرية ، ولكني لم أر صافرة في فمه، ولما سألته قال لي: صوتي ضاع في العتمة، ولم تستطع صافرتي أن يصل صوتها إلى أولادي في الزنازين، كل شيء مغلق، علي أن ارقص حتى لا يعتقد الاحتلال أني شبح تجمد في الصدمات.
صافرة ابو السعدي دوّت فوق حاجز قلنديا العسكري وفوق رؤوس المستوطنات المتربعة فوق أراضينا في كل مكان، ودوت فوق رأس الشهيد في تلك الجنازة ، عندما خرج الشهيد من تحت ركام البيت المدمر علنا مستجيبا لصافرة ابو السعدي وهي تغني للحياة القادمة.
صافرة ابو السعدي تتباطأ وهي تعد أسماء خمسة آلاف أسير فلسطيني يقبعون في السجون، وتتوقف قليلا عند أسرى مرضى مشلولين ومصابين بالسرطان، ينفخ ابو السعدي في أجسادهم لينتظروا أكثر قبل أن تصل الأكفان.
صافرة ابو السعدي تصرخ أمام بوابة سجن عوفر يوم 29/3/2014، لم تفتح تلك البوابة ويفرج عن الدفعة الرابعة، ظلت الصافرة تصرخ وتصرخ إلى أن سقط ابو السعدي مصابا بقنبلة صوت احتلالية، وظل يصفر.
هذا اللاجئ الذي يأتي من قريته ترمسعيا يوميا على قدميه ليشاركنا في كل الفعاليات، يتقدم أمامنا، يلقى علينا أبيات من الشعر، يهز جسده بغضب، ترتجف يداه وهو يحملق في صورة مروان البرغوثي واحمد سعدات وفؤاد الشوبكي وكريم يونس ولينا جربوني، يخرج الصافرة من جيبه ويلطمنا جميعا ونحن صامتين.
صافرة ابو السعدي الآن تحذرنا من جنون الواقع الذي يريده المحتلون قائلا : الكرامة أهم من المال، الحرية أهم من بطاقات أل vip، عزة النفس أهم من موكب صاخب لأي مسؤول ، هل تفهمون، يسألنا ويصفر في وجوهنا منقلبا على الحاضرين المصابين بالدهشة منذ سنين، ويتطلع إلى صورة الرئيس ابو مازن وهو يوقع على الانضمام للمعاهدات والاتفاقيات الدولية بروح عنيدة.
ابو السعدي يبلغ من العمر 70 عاما، أضلاعه الناشفات تشبه أضلاع حجارة قريته ديربان التي احتلت عدم النكبة، وكوفيته المبعثرة على وجهه تدل انه لا زال منكوبا وساخطا، وان صافرته تلقى بكل أحلامه هناك بعيدا خلف السياج.
صافرة ابو السعدي التي استقبلت السلطة الفلسطينية لتكون نواة الدولة الفلسطينية المستقلة تعاتبنا وهي تسألنا: كيف يكون لنا دولة ولا زال هناك المئات من الأخطاء الطبية يموت بسببها المرضى، وكيف يكون لنا دولة ولا يوجد مسلخ شرعي لذبح اللحوم التي قد تكون فاسدة، وكيف يكون لنا دولة ومازال البعض يعشق المظاهر والشكليات، ولا يتطلع تحدت قدميه ليرى كم فقيرا يرتمون على الأرصفة، وكيف يكون لنا دولة وصوت نحيب يعلو في هذه الحارة وتلك، عندما يسقط شهيدا أو يعتقل طفلا أو تجرف شجرة،وكيف يكون لنا دولة وظاهرة قتل النساء تتصاعد كل يوم أمام سيف القبيلة.
صافرة ابو السعدي هي كلام ذاكرة، لسان الناس البسيطين المغلوبين الساكتين المتأملين طلوع الفجر أو مغيب الشمس دون خوف من ليل أو مداهمة.
هي حالنا عندما نفعل ما نقول ، نتألم حين نتألم، ونفرح حين نفرح، ونغضب حين نغضب، دون عكازة من مسؤول أو رضى من خبير في التنمية أو البنك الدولي أو سمسار يقضي وقته سائحا في تل ابيب.
صافرة ابو السعدي اختنقت عندما رأى قوات الاحتلال تلقى بالمياه العادمة ذات الرائحة الكريهة جدا على سكان مخيم عايدة عقابا لهم على استمرار رمي الحجارة على الجنود.
صافرة ابو السعدي ترى المخيم المكتظ يعوم في المياه القذرة، لا أحد جاء لينظف الشوارع، ولا احد أنقذ نهى قطامش من الموت وهي تختنق، وسمعت الصافرة تنادي: أيها اللاجئون، النكبة عادت ولكن بشكل بشع، يا أهل المخيم لم تعودوا لاجئين فقط بل مكبا للقاذورات.
صافرة ابو السعدي قالت لي مواسية:
كلما أتعبني ابن شعبي
أحببته من داخل قلبي
حُمّى حل السلطة
بقلم: نبيل عمرو – القدس
على مدى الايام القليلة الماضية، أُصبنا بنوبة حمى أدت ببعضنا الى الهلوسة وفقدان التركيز، وقد زالت هذه الحمى ويبدو اننا تعافينا منها ولو بصورة مؤقتة.
عنوان هذه الحمى هو " حل السلطة" والشفاء منها تم من خلال تأكيدات فلسطينية ودولية باستحالة التفكير في هذا الامر، نظراً لما تمثله السلطة الوطنية حتى لو كانت في اقصى درجات الضعف لكل الاطراف التي اسستها وراهنت عليها، وبوسعنا القول ان السلطة الوطنية الفلسطينية التي انبثقت من تربة اوسلو، ولدت كما لو انها شركة مساهمة، فلسطينية اسرائيلية اقليمية عالمية، وحين حصل هذا التوافق الذي ادى الى ولادة السلطة، فقد كان لكل مساهم فيها طلبات ورهانات، واذا كان سهلاً تأسيس شركة اسمها السلطة، فقد كان صراع الاجندات المحتمل من خلال استثمارها ينذر باحتمالات نحن الان نعيش في قلبها، ودعونا بعد ان زالت حمى التهديد بحل السلطة، ان ندقق في رهانات الشركاء، ولنبدأ بالشريك الفلسطيني، لقد صوت الفلسطينيون بنسبة 88% لياسر عرفات رئيسا لها ، وبنسبة موازية تقريبا صوتوا للمجلس التشريعي ، الذي هو برلمانها ، ومع ان الارض التي اقيم عليها المشروع بادئ الامر كانت اقل من 1% من اراضي الدولة الفلسطينية الموعودة، الا ان الوعد كان اكبر بكثير من هذه النسبة، أي انه كان بحجم طموح الفلسطينيين في اقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس.
لقد فرد الراحل الكبير ياسر عرفات كوفيته الثورية على المشروع الواعد، وكان بما عرف عنه من دهاء، قد أمّن نفسه بقرارات من المجالس الوطنية الفلسطينية تجيز اقامة سلطة وطنية على أي جزء مهما صغر يتم تحريره من الاحتلال، او بتعبير ادق يتم جلاء الاحتلال عنه، اذاً كان رهان الفلسطينيين على السلطة كخطوة عملية باتجاه الدولة فانه رهان مشروع لا يضر به تواضع الخطوة الاولى.
اما الاسرائيليون، الذين شاركونا اوسلو والشهور الاولى للمشروع المشترك، فقد كانت لهم اكثر من اجندة، المعلن منها صعب ، والمضمر منها خطر، الا ان جوهر الامر بالنسبة لاسرائيل كان الامن ثم الامن ثم الامن، وهنا طرحوا نظرية الكأس التي يجب ان تظل ممتلئة بالماء، الماء هو توفر الامن، فان توفر من خلال قيام الفلسطينيين بملء الكأس فسيبحثون في الخطوات التالية، وان نقص الكأس نصفه او ربعه او حتى بضعة مليمترات فالجيش الاسرائيلي هو الذي سيملأ الباقي، اما الاجندة المضمرة الذي راح ضحيتها صاحب الاجندة المعلنة اسحق رابين، فقد كانت ترى في السلطة عبئا ينبغي مضاعفته على اصحابها كي لا تتحول يوما الى دولة ، واسفر صراع الاجندات الاسرائيلية حولها عن ما نراه الان من كوارث متوالدة ، جعلت السلام المنشود كما لو انه من رابع المستحيلات، وربطتنا والعالم بأسره في دوامة الطلبات الصغيرة التي تبدو في كثير من الحالات كما لو انها مستحيلة .
وفوق الاجندتين الفلسطينية والاسرائيلية، المعلن منهما والمستتر، نشأ مجلس ادارة للشركة، ضم العالم بأسره مختصرا باللجنة الرباعية التي تقودها وتتحكم في مسارها الولايات المتحدة، وداخل هذه الشبكة من القوى والاجندات والمؤثرات تعيش السلطة الوطنية، وتستمد عناصر بقائها واذا كان من المستحيل على أي طرف ان يفرض اجندته المطلقة حول مصيرها، فبذات القدر من الاستحالة لا يستطيع طرف بمفرده ان يأخذ قرار حلها.
لهذا ما كان هنالك أي جدوى من الحديث الذي انتشر كالحمى حول حلّها، لأن احدا لن يصدق ان من يتحدث عن الحل، سينفذ عمليا ما يتحدث به ، ذلك ان الاكثر واقعية وجدوى، هو اعمال العقل، في التعاطي مع شبكة الاعتبارات والقوى، التي تعيش السلطة في قلبها ضمن افق تقويتها قدر الامكان وازالة الشوائب القاتلة من جسدها المنهك والعمل بهمة ودأب وتخطيط سليم، لاعادتها الى المسار الطبيعي والتاريخي لها كمحطة نحو اقامة الدولة .
اخيرا.. لقد فجعت بخبر نشر بالامس يقول... ان دائرة المفاوضات عندنا وضعت سيناريوهات لحل السلطة، مع ان الناس ينتظرون سيناريوهات لجعلها جديرة بان تتحول ولو بعد حين الى دولة.
الحال بالحال تذكّر؛ "الأقدام السوداء" و"فتيان التلال"!
بقلم: حسن البطل – الايام
يلهون على رمال شواطئ الاستجمام البحرية، برمي أطباق بلاستيكية. الرامي المحترف يرمي ويعود إليه الطبق. هذه لعبة مطوّرة عن سلاح صيد أسترالي بدائي "معقوف" بطريقة هندسية دقيقة، يسمى "بوميرانج": سلاح مرتد!
لعلّ ما يجري في الضفة وإسرائيل يشبه قليلاً أن ترمي إسرائيل "بوميرانج" الاستيطان اليهودي ليرتد على دولة إسرائيل وجيشها وأجهزة أمنها.
لنبتعد عن ألعاب اللهو وأسلحة الصيد البدائية إلى مقاربة ما بين "تمرّد" المستوطنين الفرنسيين في الجزائر (المستعمرين ـ الكولون) على باريس ـ الجنرال شارل دي ـ غول، حول انفصال الجزائر عن فرنسا، وبوادر "تمرّد" المستوطنين اليهود.
المعمّرون الفرنسيون في الجزائر مارسوا عنفاً ضد المواطنين الجزائريين، خاصة إبّان حرب الاستقلال الوطني، وشكّلوا مجموعات إرهابية "سرّيّة" تحت اسم "الأقدام السوداء ـ لي بات نوار"، وقاتلت هذه ضد الجزائريين، ثم ضد إعلان مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، شارل دي ـ غول، حق الجزائريين بانفصال الجزائر عن فرنسا، بعد إجراء استفتاء!
إلى عصابات "لي ـ بات نوار" انضم جزء من الجيش الفرنسي في الجزائر، بقيادة الجنرال سالان، وحاولوا القيام بانقلاب عسكري في فرنسا ذاتها، ما دفع الجنرال دي ـ غول إلى زيارة القوات الفرنسية في ألمانيا، لمجابهة الانقلاب بالقوة.. مع خطر انقسام الجيش الفرنسي كما حصل بعد الاحتلال النازي، وممالأته من المارشال فيليب بيتان، رغم أنه كان "بطل" موقعة فردان الفاصلة 1916 ضد الجيش الألماني.
بدون طول سيرة، شكّل الجنرال دي ـ غول جيوشاً من المستعمرات لـ "فرنسا الحرّة" حاربت مع الحلفاء، ثم حُكم على "الخائن ـ البطل" بيتان بالإعدام، ثم استبدله المنتصر دي ـ غول بالسجن مدى الحياة.
صحيح، أن الجزائر وفرنسا (المواطنون الثائرون والمعمّرون ـ الكولون) قصة تختلف عن قصة إسرائيل والفلسطينيين، لكن هناك وجه شبه بين "تمرّد" المعمّرين وبوادر "تمرّد" المستوطنين المزدوج: ضد جيرانهم الفلسطينيين؛ ومن ثم ضد الجيش الإسرائيلي الذي مكّنهم ويحميهم.. أي بين عصابات "الأقدام السوداء" وقطعان المستوطنين وإرهابهم تحت شعار "تدفيع الثمن".
في سبعينات القرن المنصرم، شكّل غلاة المستوطنين اليهود و"التنظيم السرّي اليهودي" وتمّ تفكيكه بعد تورطه في محاولة اغتيال رؤساء بلديات فلسطينيين منتخبين. لكن قويت شوكة الاستيطان اليهودي كثيراً عمّا كان في سبعينات القرن المنصرم، وبخاصة بعد "فتيان التلال" حسب نداء شارون "اصعدوا كل تلّة"، وأيضاً فإن استقلال فلسطين مطروح بقوة أكبر مما كان في تلك المرحلة.
الآن، "فتيان التلال" هم إطار لعمل مجموعات شبابية استيطانية ترفع شعار "تدفيع الثمن" أي ممارسة تعديات على الفلسطينيين وأملاكهم ومزروعاتهم وبيوت عباداتهم، مع "مناوشات" ضد الجيش الذي يحميهم، كما حصل في مستوطنة "يتسهار".
كما في "بوميرانج" فقد امتد أسلوب "تدفيع الثمن" وعبر "الخط الأخضر" إلى المدن والقرى العربية في إسرائيل، ومؤخراً إلى مدينة أم الفحم في المثلث، باعتداء على المسجد (ليبرمان لا يريدها في إسرائيل؟).
من المبكر الحديث عن "حرب اليهود" ودورها في خراب الهيكل الأول والثاني، لكن جذور تمرّد المعمّرين في الجزائر تعود إلى ادعاءات : الجزائر امتداد لفرنسا تحت البحر؟ وأمّا جذور تمرّد عصابات "تدفيع الثمن" فهي تعود إلى امتداد تاريخي يهودي مزعوم في أرض فلسطين، يرقى إلى 4000 سنة (حسب ادعاء نتنياهو!).
يقول البعض في إسرائيل إن الصهاينة أسّسوا دولة إسرائيل، وأن المستوطنين يؤسّسون "دولة يهودا" ما وراء "الخط الأخضر".. وبعد زعيم فتيان التلال زئيف حفير "زمبيش" الذي أقام بؤرة غير شرعية في "غوش عتصيون" اعترفت بها إسرائيل في عزّ المفاوضات، صار لحزب المستوطنين وزير وضابط سابق في القوات المختارة، هو نفتالي بينيت.
بينيت يهدّد بفرط الحكومة إن "جمّدت" الاستيطان، أو أطلقت سراح النبضة الرابعة لأسرى ما قبل أوسلو.. ويدعو لإلغاء أوسلو و"حل السلطة"!
كان موشي دايان قد حذّر إسرائيل من احتمال صيرورة الأراضي المحتلة جمرة في كفّ يدها، وغيره يحذّر من الآن "تمرّد" بعض غلاة المستوطنين حتى على الجيش الذي يسلّحهم ويحميهم.. ولم تبن بعد "حرب اليهود" حسب تعبير غولدا مائير!
أسلوب "تدفيع الثمن" في فلسطين وإسرائيل يوصف بأن أتباعه "خارج القانون" أو يوصف، أيضاً، بممارسة "الإرهاب".. ولكن فقط عندما يهينون قائد اللواء الإسرائيلي، ويخرّبون ممتلكات الجيش، وليس عندما يدعم سلاح الجيش سلاح المستوطنين في التعدّيات على المواطنين الفلسطينيين؟
هناك تشابه بين "الكولون" في الجزائر، والاستيطان في الضفة، لكن من المبكر الحديث عن تشابه في مصير المستعمرين الفرنسيين في الجزائر، ومصير المستوطنين في فلسطين.. لكن المسألة أخطر على فلسطين وإسرائيل من مجرد وصف المتطرفين اليهود بـ "أعشاب ضارّة".. إنهم حشرات سامّة في الأكل.
هناك شيء يمكن أن يزعزع الترابط الإسرائيلي بين : الجغرافيا، الديموغرافيا... والأمن (بقرة الأمن المقدّسة).
أوكرانيا .. والمسألة اليهودية !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
تحاول الحركة الصهيونية، تحويل الأزمة في أوكرانيا، وكأنها "مسألة يهودية" لجهة إثارة المخاوف من أن يهود أوكرانيا البالغ عددهم حوالي مئتي ألف، يواجهون أخطاراً جسيمة على حياتهم وأملاكهم، وأن الحل الوحيد يكمن في هجرة هؤلاء إلى دولة اللبن والعسل وأرض الميعاد "إسرائيل"، وقد استغلت الدولة العبرية بعض الأحداث الهامشية، وما تم توزيعه أحياناً من منشورات أو كتابات على الجدران، لتأكيد هذا الوهم، لدفع يهود أوكرانيا إما إلى الهجرة إلى إسرائيل، أو الحصول على ضمانات دولية مؤكدة بعدم تعرضهم ومصالحهم للأخطار، يهود أوكرانيا، وهم في الأصل وبطبيعة المواطنة، من المفترض أنهم أوكرانيون، إلاّ أن سلوكياتهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية، تجعلهم حتى لو أرادوا ـ خارج القدرة على أن يكونوا مواطنين عاديين ولاؤهم للوطن الذي يفترض أنه وطنهم، يرغب اليهود أينما حلّوا وسكنوا في أوطانهم أو في خارجها تمييز أنفسهم، كما أن المجتمعات بدورها تميزهم، كونهم لا يرغبون ـ اليهود ـ في التعايش الطبيعي كمواطنين، لذلك، وعندما رفع المواطنون الأوكرانيون المحتشدون في ميدان الاستقلال بالعاصمة كييف، لافتات كتب عليها "أوكرانيا للأوكرانيين" شعر يهود أوكرانيا أنهم المقصودون بهذه الشعارات، ما يشير إلى عقدة "الغيتو" لدى يهود اوكرانيا، كما هو الحال في معظم البلدان والدول، مع أنهم من الناحية النظرية ومبدأ المواطنة، من المفترض أنهم أوكرانيون وليسوا غير ذلك، مع أن ديانتهم تختلف مع الديانات المحيطة.
معظم يهود اوكرانيا يتخوفون من الآتي ومستقبل اوكرانيا، ولكن ليس خشية من الأخطار التي قد تحدق بهم باعتبارهم يهوداً، ولكن لأن أوكرانيا ستواجه أوضاعاً اقتصادية ومالية بالغة الصعوبة، الأمر الذي سيؤثر مباشرة على أوضاع هؤلاء المالية، باعتبار أن يهود أوكرانيا، هم في الغالب من المستثمرين الكبار في الميدان التجاري والاقتصادي، وإذا ما ألمّت بالبلاد ضائقة اقتصادية فإن هذه الاستثمارات المالية، ستتأثّر بالضرورة سلباً على مصالحهم، خاصة وأن هناك تحليلات اقتصادية تشير إلى أن الدعم المالي الذي ربما تقدم عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، سيذهب في نهاية الأمر إلى "الاتحاد الروسي" سواءً لسداد القروض المتراكمة أو لاستمرار إمداد البلاد بالغاز والمحروقات من روسيا، وهناك فترة سنوات غير قليلة حتى تستعيد أوكرانيا وضعها الاقتصادي الطبيعي، هذا في حال التوصل إلى توافقات دولية وإقليمية من شأنها أن تستنهض الاقتصاد الأوكراني.
إلاّ أن وضع يهود أوكرانيا يختلف نسبياً في مناطق شرق وجنوب البلاد، حيث الأغلبية من أصل روسي، ذلك أن بعض الرأسماليين اليهود ممن عاشوا في كنف الاتحاد الروسي، قد هربوا مع أموالهم إلى تلك المناطق وهم مطاردون من قبل الاتحاد الروسي باعتبارهم يشكلون "مافيا" وباعتبارهم مطلوبين للعدالة الروسية باعتبارهم مجرمين، هؤلاء يخشون على حياتهم، ليس باعتبارهم يهوداً بل كونهم مطلوبين للعدالة الروسية، إلاّ أنهم يستغلون موجة الأزمات في تلك المناطق، للإشارة إلى أن هناك مطاردة متعمدة لهم بوصفهم يهوداً، وأن الشعارات التي ترفع في تلك المناطق تلاحقهم لهذا الاعتبار، في حين أن الأمر يرتبط باعتبارهم مطلوبين للعدالة كونهم من المافيا الروسية سابقاً، والمافيا الأوكرانية حالياً.
لكن من الصحيح، أيضاً، أن قيادات يهودية ونشطاء يهود، كان لهم دور مؤثر، في التظاهرات في ميدان الاستقلال بالعاصمة ضد روسيا، بل يُقال إن الرأسماليين اليهود هم الذين موّلوا هذه التظاهرات، وهذا يتنافى مع فهم اليهود لعبارة "اوكرانيا للاوكرانيين" باعتبارهم المقصودين بهذه العبارة.
حاخامات اليهود في أوكرانيا وإسرائيل، وكذلك قادة المهاجرين اليهود الذين هاجروا من أوكرانيا إلى إسرائيل في السنوات الماضية، كل هؤلاء وبدعم من حكومة نتنياهو، يحاولون إضفاء "المسألة اليهودية" باعتبارها إحدى عناصر الأزمة الأوكرانية، ولدفع المزيد من يهود أوكرانيا للهجرة إلى إسرائيل رغم أنه كان بإمكانهم ذلك قبل هذه الأزمة، تضخيم "الحالة النازية" وانتشار "اللاسامية" الهدف منه قبل كل شيء دفع اليهود للهجرة إلى إسرائيل، مع أنه ووفقاً لبعض المقابلات التي أجرتها وسائل الإعلام، فإن يهود أوكرانيا حتى الآن، يفكرون بالهجرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا، وعلى الأخص كبار التجار والمموّلين وأصحاب البنوك، إسرائيل تريد هؤلاء قبل الآخرين لكي يهاجروا إليها.
ومع تداعيات الأزمة في أوكرانيا، فمن الواضح مجدداً، أن إسرائيل هي المستفيدة تقريباً من كل الأزمات التي تحدث في كل مكان من العالم الوسيع، وبخبرات وتجارب الحركة الصهيونية، فإن الدولة العبرية من أكثر القوى، القادرة على استثمار الصعوبات والأزمات لصالحها، أينما كانت هذه الصعوبات والأزمات والحروب، فهي ليست دولة حرب دائمة بامتياز، لكنها الشريك الخفيّ في كل الحروب والأزمات، وما يحدث حول المسألة اليهودية في أوكرانيا، هو دليل آخر على ذلك!!
أزمة "الإخوان المسلمين" وخشبة "حماس"
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
تفاقمت أزمة حركة "الإخوان المسلمين" التي بدأت بعد سقوط نظام الرئيس محمد مرسي في مصر، بعد أن أعلنت عنها السعودية حركة إرهابية وضمت اسمها إلى قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة في بيان صدر عن الداخلية السعودية في 7 آذار الماضي، وهذه كانت ضربة كبيرة وقاسية للحركة وانعكست سلباً على شرعية وجود الحركة في دول الخليج العربي نظراً لأهمية دور السعودية المحوري والمؤثر فيها. مع العلم أن علاقة "الإخوان" بالسعودية بدأت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وقد استخدمتهم السعودية في نزاعها معه. ثم لعبت السعودية دوراً بعد ذلك في المصالحة بين الرئيس أنور السادات والجماعة. ويبدو أن القرار السعودي جاء في ظرف حساس للغاية بالنسبة للمملكة وخاصة بعد فشل الجماعات الإسلامية التي تدعمها في سورية وخسارتها معارك في مدن وبلدات سورية مهمة، وبعد توتر العلاقة مع قطر التي تشكل الداعم الأكبر لحركة " الإخوان "، والإعلان عن حظر الحركة في قسم منه موجه لقطر كذلك. وهناك من يعتقدون أيضاً أنه بسبب خشية المملكة من انتقال عدوى الربيع العربي إليها بعد عودة الشباب السعوديين من سورية بعد مشاركتهم في القتال وتحولهم إلى إسلاميين متشددين يشكلون خطراً على استقرار المملكة كما حدث في الكثير من البلدان العربية. ولهذا كان الحظر يشمل تنظيمات أخرى ويمنع المواطنين السعوديين من المشاركة في القتال خارج بلدهم.
ويمكن اعتبار الموقف السعودي الأقوى بعد موقف السلطات المصرية التي تعاملت بحزم مع "الإخوان" وجعلت منهم جماعة إرهابية محظورة واعتقلت قياداتهم بعد الإطاحة بحكمهم، إذ إن السعودية بالإضافة إلى كل من الإمارات والكويت قد سحبت سفراءها من قطر في سابقة لم تشهدها العلاقات في دول مجلس التعاون الخليجي من قبل، وهددت قطر بحصار خانق إذا استمرت في تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وكان واضحاً أن السعوديين والإماراتيين متضايقون جداً من تدخل قطر في شؤون مصر كذلك ومن دعمها لحركة "الإخوان" وتحويلها قناة الجزيرة إلى منبر لهم لمهاجمة مصر والتحريض على سلطاتها الحاكمة وعلى المشير السابق عبد الفتاح السياسي المدعوم من هاتين الدولتين.
وإصرار السعودية على موقفها من قطر و"الإخوان" و دعم الإمارات والكويت وإلى حد ما البحرين لها، فرض على القطريين الانصياع للرأي الغالب في مجلس التعاون والقبول بشروط السعودية وحليفاتها والتوقيع على ما سمي "اتفاق الرياض" الذي توج اجتماعاً لوزراء خارجية دول مجلس التعاون في يوم الخميس الماضي (17/4/2014)، والذي تضمن حسب صحيفة "رأي اليوم" اللندنية موافقة قطر على وقف إجراءات تجنيس القيادات الإسلامية الخليجية الهاربة والملاحقة بأحكام قضائية، ووقف دعم قطر لحركة "الإخوان المسلمين" سواء بالمال أو الإعلام أو توفير المأوى لقياداتهم، ووقف دعم المؤسسات الحقوقية والإعلامية وما تفرع عنها من صحف ومجلات ومحطات تلفزة والتي تعمل لصالح الإخوان وضد مصر، وهذا يشمل قنوات "الجزيرة" وإغلاق المراكز البحثية التي تستضيف الدوحة فروعاً لها والمتهمة بالتجسس والتحريض على أنظمة الحكم في الخليج.
تطبيق هذه البنود من شأنه أن يقلم أظافر حركة "الإخوان" ويحد كثيراً من قوتها ونفوذها ويضعفها بصورة كبيرة، وبعد إغلاق السلطات المصرية الأبواب في وجه المقر ومنبع الحركة الرئيس في القاهرة. وهذا بالإضافة إلى إغلاق بوابة غزة على حركة "حماس" المتهمة بمساعدة "الإخوان" في ارتكاب أعمال العنف في مصر بما في ذلك تدريبهم ومدهم بالسلاح والرجال، وذلك حسب ما تقول السلطات المصرية أنه أدلة دامغة ووثائق موجودة لديها بناء على اعتراف معتقلين، سيؤثر سلباً على "حماس " أيضاً وسيضعف موقفها ويضاعف أزمتها المالية والسياسية.
هذا الوضع الجديد سيفرض على حركة "الإخوان المسلمين " مراجعة مواقفها خصوصاً في مصر، وعلى الأغلب سيحدث هذا بعد الانتخابات الرئاسية في مصر ونجاح السلطات في تطبيق "خارطة الطريق". ولكن وضع "حماس" مختلف لأن مسؤوليتها كبيرة فهي تحكم قطاع غزة ولديها عدد كبير من الموظفين المدنيين والأمنيين الذين يحتاجون إلى رواتب بالإضافة إلى مصاريف أخرى تتطلبها سلطتها، التي باتت تعاني أزمة بسبب اغلاق الأنفاق التي كانت تشكل مورداً مهماً للمال للحركة. وهي قد لا تستطيع أن تتحمل الوضع القائم المرشح لأن يكون أكثر صعوبة مع استمرار الوقت. ولهذا لابد أن تقوم "حماس" هي الأخرى بالبحث عن وسائل لإنقاذ نفسها من مأزق متفاقم، وخشبة الإنقاذ المثلى هي الوحدة الوطنية التي تشكل ملاذاً يحميها من أزمات أشد قادمة لا محالة إذا بقيت الأمور على ما هي عليه أو أصبحت أسوأ.
وإذا صحت الأنباء عن تعديل "حماس" لموقفها من المصالحة أي تخليها عن تطبيق بنود اتفاق القاهرة دفعة واحدة وليس بالتسلسل - كما ينص على ذلك الاتفاق – فهذا سيكون تطوراً على درجة كبيرة من الأهمية ليس فقط لـ"حماس " التي تكون قد سعت لإنقاذ نفسها من ورطة لا أحد يعلم إلى أين تقودها، بل كذلك للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية التي هي بأمس الحاجة لهذه الوحدة التي تعزز موقفنا ضد الاحتلال وسياساته المعادية لحقوق شعبنا. وفي الواقع التفاصيل المتعلقة بالوحدة ليست مهمة بقدر توفر النوايا والإرادة الجادة والواعية لهذا المطلب الشعبي والوطني الملح، فهل تكون هذه المرة مختلفة ويكبر ويرتقي الجميع إلى مستوى الواجب الذي تتطلبه المرحلة؟!
المجلس المركزي وسؤال المأزق الوطني الأساس
بقلم: علي جرادات – الايام
منظمة التحرير الفلسطينية تبقى الإطار الوطني الجامع، ذلك رغم مظاهر الشلل والتعطيل والاستخدام والترهل والتفكك والتجويف التي ما انفكت تفتك بمؤسساتها ودوائرها وممثلياتها واتحاداتها وطرائق صنع قرارها منذ انتقال مركز القرار الوطني إلى السلطة الفلسطينية المنقسمة سياسةً وجغرافيا وأمناً وإدارةً وأجندة، والمقيدة بشروط "أوسلو" والتزاماته السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن لماذا تبقى المنظمة، رغم كل ذلك، الإطار الوطني الجامع؟ بإيجاز شديد لأنها الشخصية الفلسطينية القانونية المعترف بها، عربياً وإقليمياً ودولياً، كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، فيما واقعها الذي لا يسر، إنما يوجب تفعيل النضال لإصلاحها وإعادة بنائها وليس التسليم بواقعها الذي يسر كثيرين، أولهم إسرائيل التي عملت، ولا تزال، على ألا يكون لشعبنا إطار سياسي جامع يجسد وحدته ويحفظها ويعبر عنها. والسؤال لماذا هذا الكلام الذي لا جديد فيه؟
صار يقيناً، ويجب على الجميع الاعتراف، أن الشعب الفلسطيني يعيش مأزقاً معقداً متعدد الأوجه والأبعاد، يحتاج الخروج منه اتخاذ قرارات مصيرية، سواء لجهة تغيير خيار إدارة الصراع مع الاحتلال بعد وصول نهج المفاوضات مرجعيةً ورعايةً وشروطاً والتزامات ونتائجَ إلى طريق مسدود، أو لجهة ضرورة إنهاء الانقسام الوطني الداخلي الذي تحول إلى ديناميكية تفكيكية لوحدة الشعب والثقافة والطاقات والإمكانات والجهود والمرجعيات السياسية وأدوات الفعل الوطنية، أو لجهة استحقاقات تجديد شرعية المرجعيات الوطنية، أو لجهة تحديد أسلوب المقاومة الرئيس تبعاً لحاجات المرحلة الراهنة وتعقيداتها بعد إقرار الحق في ممارسة أشكالها وأساليبها كافة. والمجلس المركزي الذي سينعقد مطلع الأسبوع القادم هو صاحب صلاحية الإجابة، (نيابة عن المجلس الوطني)، على سؤال المأزق الوطني وتحديد أولويات الشعب الفلسطيني التي بغير القبض على حلقتها المركزية: توحيد الإرادة الوطنية، يتعذر القبض على باقي حلقات سلسلتها، ما يعني أن على المجلس المركزي معالجة النهج الانقسامي الذي لم يفضِ إلا إلى تعميق لمأزق إدارة الصراع مع الاحتلال وتغليب الفئوية السياسية على الهوية الوطنية، ولن يفضي استمراره إلا إلى المزيد من الأزمات، وإطالة أمد غياب الرؤية السياسية الوطنية، وتعميق انحرافات خطاب وممارسات عدم الانضباط لحقيقة أن التناقض الأساس هو بين الهوية الوطنية والمشروع الصهيوني، وبين أهداف الحرية والاستقلال والعودة وسياسات الاحتلال واستباحاته الشاملة الدائمة المتصاعدة.
فحكومة المستوطنين التي يقودها نتنياهو، ككل حكومات إسرائيل منذ "مؤتمر مدريد" و"اتفاق أوسلو"، لا تبحث عن "حل وسط" يجمد الصراع ويغير أشكاله لأجل يطول أو يقصر، بل إن كل ما تسعى إليه هو إبقاء التفاوض غطاء لمواصلة مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها وسرقة المياه والتنكيل بشعبنا وممارسة الضغوط لفرض شروط جديدة كالاعتراف بإسرائيل "دولة لليهود" الذي يفتح باب شطب حق العودة، والتطهير العرقي لفلسطينيي 48، والتسليم بشرعية وقائع الاستيطان والتهويد في الضفة وقلبها القدس، بل وتشترط إطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى المتفق عليها بفرض إملاءات في قضايا كبرى مثل استقطاع منطقة الأغوار، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الثلاث أو الأربع الكبرى، وتحويل جدار الفصل والتوسع، بما التهم من أراض، إلى حدود سياسية معترف بها. ولا غرابة، إذ ألم يتوعد شامير غداة "مؤتمر مدريد للسلام"، 1991، بالقول "سأفاوض الفلسطينيين بلا نتيجة مدة عشرين عاماً"؟! ثم ألم يعلن رابين غداة بدء تطبيق "اتفاق أوسلو"، 1993، أن "لا مواعيد مقدسة"؟! ثم ألم يقل باراك في العام 2004: "إسرائيل إما أن تبقى دولة يهودية أو أن تصبح كومة نووية"؟! هذا فيما كان المرحوم حيدر عبد الشافي تنبأ بذلك كله بعد الجولة الثامنة للمفاوضات بالقول: ما دامت قاعدة المفاوضات هي "الأرض مقابل السلام فإن "علينا اشتراط استمرارها بتوقف إسرائيل عن مواصلة إجراءات مصادرة الأرض والاستيطان والتهويد". وها هو المجلس المركزي الذي أقر نيابة عن المجلس الوطني اتفاق أوسلو دون التنبه أو التشديد على اشتراط التفاوض بوقف الاستيطان، يقف بعد نحو ربع قرن من الزمان أمام السؤال ذاته: هل نستمر في التفاوض مع استمرار الاستيطان؟ ما يعني أن "المجلس" إنما يقف أمام استحقاق مراجعة سياسية شاملة لنتائج مرحلة من المفاوضات، وليس لنتائج آخر جولاتها التي تنتهي في 29 نيسان الجاري، بل يقف أمام استحقاق مراجعة سياسية لنتائج نهج الانخراط في مشروع التسوية الأميركي الذي اختطه السادات بعد حرب العام 1973، وجرى تعميمه لاحقاً على جبهات الصراع العربي الصهيوني، وجوهره القضية الفلسطينية. لماذا؟
كل مطلع على الأبحاث التي تناولت مشاريع تسوية الصراع العربي الصهيوني يلحظ التالي:
في الفترة الممتدة بين النكبة، 1948، والهزيمة، 1967، ظل القرار الدولي 194 القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، المحور الأساس لمشاريع البحث عن "تسوية" لهذا الصراع. هذا بينما حل في الفترة الممتدة بين الهزيمة وحرب 1973 قرار مجلس الأمن 242 محل القرار 194 كمحور لمشاريع التسوية. وبإبرام السادات لصفقة كامب ديفيد، 1978، انفتح الباب واسعاً أمام مشروع التسوية الأميركي القائم على التفاوض الثنائي المباشر تحت الرعاية الأميركية لاسترداد "دول الطوق" لأراضيها وفقاً للقرار 242 مقابل الاعتراف بإسرائيل دولة آمنة إلى جانب "حكم ذاتي فلسطيني" "يتطور" إلى "دولة" عبر التفاوض بين إسرائيل ووفد دولة أو دول عربية يضم ممثلين عن فلسطينيي الضفة وغزة. وبرفض منظمة التحرير الفلسطينية كجزء من "جبهة الصمود والتصدي" العربية لصفقة السادات تعطل مسار المشروع الأميركي- الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية باسم تسويتها، لكن قادة إسرائيل، بدعم أميركي، لم يستسلموا، بل اتكؤوا على خلل ميزان القوى الإستراتيجي الذي أحدثته صفقة إخراج مصر من الصراع، وأعلنوا قرار ضم الجولان، وشنوا، (وهنا الأهم)، عدوانيْ 1978 و1981 على لبنان تمهيداً لحربهم الأوسع عليه في العام 1982. وبالنتيجة زاد ميزان القوى اختلالاً على اختلال حيث تم إبعاد قوات المقاومة الفلسطينية، بعد صمود أسطوري، عن الحدود العربية الوحيدة المتاح للفلسطينيين القتال عبرها.
لكن، ولما كان تجدد المقاومة الفلسطينية حاجة يمليها استمرار الاحتلال الاستيطاني الاحلالي، بما يرتكبه من تطهير عرقي مخطط، وجرائم حرب موصوفة، تعكس غطرسة سياسية منقطعة النظير، فقد كان من الطبيعي اندلاع انتفاضة، (1987-1993)، كمبادرة شعبية هجومية غير مسبوقة أحدثت تعديلاً نسبياً في ميزان القوى كان بمقدوره مع تقدم الانتفاضة وتطويرها استقدام "حماية دولية مؤقتة" لفلسطينيي 67 تمهد، تقدم الأمر أو تأخر، لانتزاع الدولة أحد أهداف البرنامج المرحلي (الدولة والعودة وتقرير المصير)، من دون مقابلة أو مقايضة بين هذه الأهداف، لكن الاستثمار السياسي المتسرع للانتفاضة لتحقيق هذا الهدف قبل انقضاء سنتها الأولى، 1988، ومن بوابة الاعتراف بقرار 242، حمَّل تعديل ميزان القوى الحاصل أكثر مما يحتمل، وأعطى إسرائيل وحليفها الأميركي الإستراتيجي فرصة استعادة زمام المبادرة لإجهاض الانجازات الميدانية للانتفاضة مثلما أجهضت الانتصار الميداني لحرب أكتوبر 1973، إنما بصورة أسوأ، أي من دون انسحابها من كامل أراضي الضفة وغزة. وزاد الأمر سوءاً على سوء أن الولايات المتحدة حليف إسرائيل الإستراتيجي والمتحولة لتوها إلى شرطي العالم المطاع بعد انهيار القطب السوفييتي، والعدوان الثلاثيني على العراق، 1991، نجحت في احتكار رعاية مفاوضات مدريد وأوسلو لمدة نحو ربع قرن من الزمان لم تفضِ إلا إلى ما سيقف أمامه المجلس المركزي من مأزق يصعب تصور الخروج منه من دون استعادة الربط بين التكتيكي والمرحلي، وبين المرحلي والإستراتيجي، ومن دون تخليص ملف القضية الفلسطينية من قبضة الولايات المتحدة، وإعادته إلى إطار هيئة الأمم ومرجعية قراراتها كافة، والمطالبة بإلزام إسرائيل بتنفيذها لا التفاوض عليها، دون أن ننسى أن الولايات المتحدة لم تعد سيد العالم بلا منازع، وأن ما لنا من أصدقاء في العالم، وفي مجلس الأمن خصوصاً، لا يستطيعون مساعدتنا ما دمنا نقبل باحتكار الولايات المتحدة حليف إسرائيل لملف قضيتنا. قصارى القول: هذا هو المأزق الوطني بشقيه الخارجي والداخلي، وهو ما على المجلس المركزي البحث عن مدخل الخروج منه بناء على نتائج مرحلة وليس جولة من المفاوضات، فهل يفعل؟
سمكرة وبوية
توفيق وصفي – الايام
تَغلب على أهل غزة القَدَرية عند مواجهة الأزمات واللحظات المصيرية، ويعتقد كثيرون منهم أنه لولا ذلك لما صمدوا وعاشوا وتكاثروا، بالرغم من تكالب الظروف عليهم، من العدو المُحاصِر والشقيق المُكابر والصديق المُستَغِل، ويبتكرون أدعية ومعادلات ورؤى يظنون أنها قد تقيهم الأسوأ.
من رفح إلى بيت حانون كل شيء ساكن، ما يشي بأن ثمة ما سيبدد هذا السكون الأقرب إلى مقبرة، تنتظر قيامة أو المزيد من القبور، فلا حركة في مراكز المدن ولا في الفروع، ولا بيع ولا شراء في الأسواق ولا الأزقة، التي انتقل إليها معظم ما يباع ويستهلك فوق آلاف العربات والتكاتك، والجميع يريد أن يمضي النهار، ورزق الغد على رب العباد.
يقتلون أنفسهم بالمقارنة بين الماضي والحاضر، بين زمن الاحتلال وزمن السلطة "الأولى" وزمن سلطة "حماس"، باستعادة مشاهد من حياتهم في كل زمن، وقيم وأخلاق كل زمن، بوجوه تضحك من الغيظ وتبكي من القهر في آن، والمأساة أنهم لا يبلغون في أي مرة حافة الأمل في تبدل الأحوال، فالزمن الأول لا يعود إلا بإذن سيد الأزمان جل جلاله، وما يرتسم أمامهم من مرارة وخراب يحبط آمالهم ويقذف بها إلى سلة المحذوفات.
يطرأ طارئ يعنيهم من قريب أو بعيد فيستعينون ببقايا إيمانهم وأملهم بالله للتفاؤل خيراً، مع كثير من التشكك والحذر الذي أورثته حقبة من الخيبات، ويغرقون في البحث والتحليل، فيعودون إلى متابعة نشرات الأخبار وبرامج الحوارات، بعد أن أقسموا مراراً بألا يفعلوا، لأنهم باختصار شديد مخنوقون، لم يمر عليهم كما يقول الغني منهم والفقير أسوأ من هذه الأيام، دفعت بكثيرين منهم إلى بيع بيوتهم وأراضيهم لتسديد ديونهم ودفع بلاءات الزمن الأسود غير المسبوق.
وبالرغم من "شطارة" الغزيين في تدبير أمور حياتهم بين قضبان سجنهم بوسائل ترقيعية فإنهم يدركون أن هذا كله "تسكيج" أو "تشبيص"، وأنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح، وإلا فالمزيد من الأزمات بانتظارهم هم والطالع من الأجيال الناشئة، كون البناء على خراب دماراً تاماً.
هكذا ينظرون إلى ما يدور على أرض غزة هذه الأيام، وأعني لقاءات المصالحة التي سمعوا أنها الفرصة الأخيرة، وإلا فإنهم أمام خيارات غامضة يعجزون عن تخيلها، كالحديث عن إعلان غزة إقليماً متمرداً حال الفشل في إنهاء الانقسام، أو وقف المساعدات عن السلطة ووقف المفاوضات حال النجاح في تطبيق اتفاق المصالحة، ويرون أن الأمر يتطلب حلاً جذرياً يتجاوز الترقيع، ولو تطلب الأمر التخلص من الهياكل الصدئة، مهما اجتهد الصانع في "سمكرتها" وتغطيتها بالدهان، وهو يقسم بالله وكتابه أن هذا الهيكل "أجانس"، لسان حالهم "وجع ساعة، ولا وجع كل ساعة"!
تغريدة الصباح - هذا المثقف لهذه المناسبة..
بقلم: أحمد دحبور – الحياة
ما إن تلقيت نبأ رحيل الكاتب العالمي غارسيا ماركيز، حتى قفز إلى ذهني اسم صديقي العزيز جدا صالح العلماني. فنحن من أبناء مخيم واحد جمع طفولتنا معا، ذلكم هو مخيم الثكنة الخاص باللاجئين الفلسطينيين في حمص، وكان صالح قد عاد الى المخيم غير محبط من اسبانيا، مع أنه حاول أن يدرس فيها طب العيون، الا ان مزاجه الأدبي أوقف ذلك المشروع، والطريف أن أهله البسطاء الطيبين لم يلوموه على تركه الدراسة، وتركوا الأمور تمشي في مقاديرها متكلين على الله، ولم يكونوا يعلمون أنه جلب من اسبانيا ما هو أهم بكثير من شهادة الطب، اذ لم تمر بضع سنوات حتى أصبح أشهر مثقف عربي من المتعاملين مع اللغة الاسبانية.
ولعلنا نذكر معا، أنا وصالح، تلك المصادفة الطيبة التي فتحت له هذا الباب، فقد كنت في احدى زياراتي إلى موسكو يوم تعرفت على شاعر شاب - يومذاك - من تشيلي، اسمه عمر لارا، وقد جند السوفييت ثقلا اعلاميا للتركيز على هذا الشاعر، فكان من نصيبي نسخة باللغة الاسبانية من احدى مجموعاته الشعرية، فحملت النسخة الى صديقي وابن مخيمي صالح، سائلا أن يعطيني ولو فكرة عن هذا الشاعر الذي صرصعونا به في موسكو. وكانت المفاجأة المذهلة أنه بعد ثمان وأربعين ساعة فقط، أتاني صالح بمجموعة عمر لارا وقد نقلها إلى العربية بمستوى متميز من نصاعة اللغة وتلقائية الصياغة، ولم أكن كسولا، فقد أخذت ما ترجمه صالح وأرسلته إلى شاعرنا الكبير محمود الذي كان يحرر مجلة «شؤون فلسطينية».
ذهل محمود درويش بالمفاجأة، فرد علي برسالة مقتضبة يقول فيها: من صالح علماني هذا؟ أرجو أن تسارع إلى تأميمه!! واطلب منه أن يبعث إلي بشيء مما ينقله عن الاسبانية.
وأن يأتي تشجيع بهذا الحجم من شاعر مثل محمود درويش، كان أمرا مثيرا للغبطة والفرح لدى صالح الذي سرعان ما نقل إلى العربية مجموعة شعرية للاسباني الكبير رافائيل ألبرتي الذي أعطاني السوفييت، بوصفي أحد الضيوف، نسخة من كتابه فأعطيتها بدوري لصديقي صالح، فقام بدوره بترجمتها فورا إلى العربية، وأصبح في المكتبة العربية اسم كاتب جديد يترجم عن الاسبانية، اسمه صالح عمر العلماني..
غني عن القول ان ترجمات أبي عمر، قد لفتت أنظار عدد من الناشرين العرب، وتدفقت عليه الطلبات حتى أصبح الاسم الأبرز لدى العرب في مجال تعريب الأدب الاسباني..
ولا أزال أذكر ذهول الكاتب الكبير المرحوم سعيد حورانية، وأنا أطلعه على نص نقله صالح من أدب لوركا، وكان بعنوان «شؤم الفراشة» حتى أنه أشار إلى ذلك في محاضرة له ألقاها على منبر المركز الثقافي العربي في دمشق، مع أن أي قريب من عالم المرحوم سعيد حورانية، يعرف كم كان هذا الكاتب المتطلب ضنينا في الاشادة بالأسماء الجديدة..
وكما هو متوقع مني، أنا المتباهي بمعرفة صالح وصداقته، رحت ألح عليه أن يترجم رائعة ماركيز «مئة عام من العزلة»، الا أن صالحا تحفظ قائلا إن القارئ العربي لا يزال يذكر ويشكر ترجمة د. سامي الجندي لتلك الرواية مع أنه عربها نقلا عن الفرنسية لا الاسبانية، ولكن صالحا يأمل أن يعيد تعريبها ذات يوم، ولو بعد بضع سنين.
وها هو ذا صالح يحقق أملي قبل أمله، فأفاجأ، منذ أيام، بصدور «مئة عام من العزلة» وقد نقلها صالح، بلغته الرشيقة البهية، إلى اللغة العربية.. يا الله، كأن حظي مع صديق العمر صالح علماني، ان نواصل الحوار حتى بعد المسافة الجغرافية التي تفصل ما بيننا هذه الأيام، ودعوني أعترف بأن شيئا من النرجسية قد هيأ لي أن هذه الترجمة، انما تمت - بمعنى ما - من أجلي أنا، ولكن ليس لهذا السبب أشكر صديقي أبا عمر، بل أشكره لأنه هو: الصديق الصدوق أبو عمر، فأحييه وأحيي لهذه المناسبة رفيقة عمره أم عمر، نادية وأغبطها على وقوفها إلى جانب سفير اللغة الاسبانية لدى العرب، أخي الحبيب، صالح علماني واسمه للمناسبة: علماني بفتح العين واللام لا كما يغيظني بعض الأصدقاء الذي ينطقونه بكسر العين وتسكين اللام، حتى أنه استسلم لهذا الالحاح وأصبح يرضى باسمه حسب ذلك النطق. وفي كل خير.
ويبقى، بعد كل شيء، ان نطلب الرحمة لأديب كولومبيا والعالم غابريل غارسيا ماركيز الذي كان رحيله المباغت مناسبة لكتابة هذه الخاطرة.
هل اقتربنا من خراب مالطا؟
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
كثيراً ما استدل الناس في مجتمعنا وفي حديثهم عن دمارٍ شامل باستعمال مصطلح شعبي يشير إلى خراب مالطا. وخراب مالطا هذا يعود لحقبة تاريخية عاشها العالم العربي في العصر الروماني كان فيها خراب الجزيرة الأوسطية أمراً مستحيلاً يتعدى حدود الخيال.
واليوم يعود المصطلح للظهور في ظلٍ حديثٍ جدي عن حل السلطة الوطنية أمام استعصاء عملية السلام وإصرار الاحتلال الصهيوني على وأدها.
فليس من المستغرب أن يقرر المجلس المركزي في اجتماعه المقبل أن يصوت لصالح قرارٍ شرطي بحل السلطة خلال أجلٍ محدد.
لكن الفارق ما بين مراتٍ كثيرة جرى فيها الحديث عن حل السلطة مقارنة بهذه المرة أن الموضوع لم يعد تكتيكاً ولا حتى مناورة تفاوضية بل خطوة حتمية أستوجب حدوثها في حال استمرار إسرائيل في إجهاض مساعي السلام واغتيال الأرض العربية بمستوطناتها وتعطيل حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة.
إسرائيل التي امتهنت المراوغة والوعيد ومعها كل من آزرها وكل اللذين حرروا رسائل ضماناتٍ لا قيمة لها سيجدون أنفسهم أمام مطلبٍ فلسطينيٍ شعبي بالدولة الواحدة ثنائية القومية. فلا معادلة الوطن البديل ستنجح ولا حتى معادلة إرغام الجوار على إدارة ما تبقى من المناطق الفلسطينية. فلا مصر ولا الأردن ولأسبابهما وظروفهما سيقبلون بهذا الحال ولا حتى الفلسطينيين الذين لن يرضخوا لحلٍ تصديري من هذا النوع.
لقد قبل الفلسطينيون ذات يومٍ وبتردد كبير فكرة إنشاء سلطة تحت احتلال على أمل أن تكون تلك السابقة القانونية جسراً انتقالياً نحو الدولة وليس قدراً إجبارياً دائماً. كما أنهم تعايشوا مع عملية سلامٍ مضنية وعقيمة على أمل التحرر والخلاص لا أن تتحول تلك السلطة وحسب الكثيرين إلى مؤسسة للخدمات البلدية واليومية على حساب مشروع الدولة.
لذا فإن خراب مالطا يقترب شيئاً فشيئاً مع استمرار إسرائيل بمراوغاتها اليومية وحرب الاستهبال التي تمارسها والتي تحولت للمزاودة السياسية بين هواة الحكومة فيها والمتصارعين حزبياً والممتهنين لسياسة تسجيل النقاط على حساب الفلسطينيين.
لكن حل السلطة لن يكون بحد ذاته "خراباً لمالطا" وإنما كارثة فقدان التوازن التي ستعيشها المنطقة بعد كوارث ما يسمى الربيع العربي ودمار السلطة الفلسطينية سيكونان مجتمعين خراباً مستداماً لمالطا. فاضطراب العواصم لا يعني أن عاصمة الاحتلال ستبقى محمية من نيران الإقليم بل ستكتوي لا محالة بنيران اليائسين الذين لن يبقى أمامهم ما يخسرونه.
لذلك فليستمر أطفال السياسة في إسرائيل من بينيت إلى ليبرمان في تهديدهم ووعيدهم وسنرى أي منقلبٍ سينقلبون عندما لن يفصل ما بين اليائسين وما بين أبراج المحتل العاجية سوى خطوة واحدة.
فليصفق العالم اليوم لإسرائيل في نهبها للأرض العربية وإدارتها الظهر للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ولنرى أي منقلبٍ سينقلبون عندما يحين خراب مالطا.. فمن يضحك آخراً سيضحك أبداً..
احذروا السقوط في شرك «التلموديين» !
بقلم: موفق مطر – الحياة
نسي الذين هاجموا وزير الأوقاف الدكتور محمود الهباش في اليومين الماضيين، ان دولة فلسطين قد اصبحت متعاقدا ساميا في اتفاقية جنيف، وان انضمامها لخمس عشرة معاهدة دولية يعني التزامها بالمبادئ الأساسية الكافلة لحقوق الانسان وقيمته وكرامته، وبمكافحة التمييز بين انسان وآخر، فكيف يصفقون ويؤيدون توجهات القيادة على مسار القانون الدولي وتعزيز مكانة فلسطين كدولة تنطبق عليها الاتفاقيات والمعاهدات الحامية لمصالح وحقوق شعبنا، وبنفس الوقت يطلبون من وزير في حكومة السلطة الوطنية الاتجاه بمنحى تمييزي، لا يمكن تفسيره الا باعتباره توجهات عنصرية لأصحاب القرار في السلطة الفلسطينية، خاصة ان سلطات الاحتلال تتصيد هفوات بعضنا المدفوعة بمفاهيم خاطئة تم توريثها عن قصد او يتم ترويجها بعناية بقصد الاساءة الى الصورة الحضارية المدنية للشعب الفلسطيني.
ما قاله الدكتور محمود الهباش انتصار لدم وكرامة الانسان عموما، وللفلسطيني خصوصا، فالرجل قال حرفيا: «نرفض كل اعمال العنف سواء كانت موجهة لفلسطينيين أو اسرائيليين» ثم اردف موجها كلامه للاسرائيليين يذكرهم بمبدأ المساواة والعدالة بين افراد امة الانسان من حيث القيمة والكرامة فقال: «الدم الفلسطيني مثل الدم الاسرائيلي هو دم انساني غال، ولا احد يريد لأحد ان يقتل» .. ونعتقد أن الحاصلين على علامة متوسط في اللغة العربية يعرفون ان الضمير (هو) يعود على (الدم الفلسطيني) أي ان الدم الفلسطيني دم انساني غال، وليس الدم الاسرائيلي وحده كما يعتبره غلاة المتطرفين الاسرائيليين، فالوزير خاطب الجمهور الاسرائيلي عبر وسائل اعلام اسرائيلية، فأين المشكلة في تأكيد مسؤول فلسطيني على قيمة الدم الانساني الفلسطيني (الغالي)، وبعث رسالة واضحة للمسؤولين والجمهور في اسرائيل، بعدم جواز اعلاء قيمة الدم الاسرائيلي على دم الفلسطيني، فهذا منهج تمييز عنصري، فقيمة الدم الانساني واحدة من حيث المبدأ بغض النظر عن العرق واللون والدين والجنس.
يجب الحذر من السقوط في مربع التمييز، او الاستعلاء بما يتناقض مع مكارم الأخلاق الانسانية، ومبادئ نضالنا الوطني، فنحن أكثر الشعوب تضررا من منهجية التمييز والاستعلاء، ولا يجوز الانجرار وراء أغراض ونزعات شخصية، او عناوين صحفية مثيرة، فندفع ثمن انفعالات لا محسوبة، فالعناوين التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي او ببعض وسائل الاعلام (المغرضة) وبعضها الموجهة بدافع الثأر الشخصي من الدكتور الهباش، حفلت بعناوين يمكن ان تشكل كنزا لا ينضب للعرائض التي ترفعها سلطات حكومة دولة الاحتلال للمنظمات الدولية تحت عناوين التحريض والتمييز والكراهية والعدائية...رغم قناعتنا بالدافع الوطني للبعض الآخر الذي اكتفى بقراءة العناوين، ولم يقرأ كلام الوزير بعمق.
نعتقد بعقلانية وحكمة الفلسطيني الوطني، ونعتقد أن واحدا منا لا يريد وضع نفسه بمرتبة أعلى من القيمة المشتركة للانسان في العالم، فنحن نعيب على المتطرفين الاسرائيليين التلموديين، الاحتلاليين الاستيطانيين العنصريين، أخذهم منطق الحياة بغطرسة وتمييز، حتى اجازوا قتل وسلب ونهب ارض الأغيار، فهل يقبل فلسطيني وطني على نفسه السقوط في شرك التلموديين.
الاسلام والغرب ضرورة تدوير الزوايا (3)
بقلم: هاني فحص – الحياة
ان الاسلام او المسلمين، وتحت ضغط الظروف الداخلية والخارجية، وبسبب الانسدادات المتعددة والمتراكمة على صعيد الدولة والمجتمع، يعرضون انفسهم او يتعرضون لما يمكن دعوته تظهيراً للخلاف او دفعاً للاختلاف الى مستوى الخلاف القابل لأن يتحول الى صراع فتاك بين الجماعات المذهبية وداخل المذهب الواحد، بحيث اصبح الجسم الاسلامي في حالة تموضع مخيف لتنوعاته التي كان من المفترض ان تنتظم على حال من وحدة المتعدد، ما يدعو اهل الاعتدال والرؤية والتقوى والمعرفة، الى استدراك المخاطر واعادة التعدد الطبيعي الى سياق الوحدة.
قد تمكننا هذه النظرة من تحقيق رغبة مشروعة في رؤية او جعل العلاقة بين الاسلام والغرب اقرب الى المنهجية، او بعيدة عن المعرفة الناقصة والفرضيات الذهنية الصرف، والتي تغري بالقطيعة التامة، وهي مستحيلة كما هو التماهي مستحيل، ولا بد من مسلك وسطي يحدد احتمالات ومواقع الاتصال والانفصال معاً، على ان لا نقع ثانية في التعميم والاطلاق. فالاتصال والانفصال نسبيان وتاريخيان، بمعنى ان هناك مواقع انفصال قد تصبح قابلة للاتصال وكذا العكس، وهذا يلزمنا ويلزم الغرب بتجديد معرفة كل منا بالآخر، والا وقعنا في اهمال المتغيرات، ما يشكل اعتداء على الثوابت، بينما التحدي المعرفي والعملي الحقيقي، هو الحفاظ على الوصلة المتحركة سعة وضيقا بين الثابت والمتغير حفظاً لكل منهما بالآخر.
اننا لا نستطيع ان ننكر ان هناك تداخلات عميقة، شكلت مفاصل حضارية مشتركة بيننا وبين الغرب، بصرف النظر عن ظروفها بداية ونهاية، ولعل تجربتنا في الاندلس احدى تجلياتها العظمى، وقد كانت تكفيرا حضاريا حقيقيا عن خطيئة الفتح الذي لم يكن يشكل ضرورة اسلامية بقدر ما كان استجابة لرغبات سلطوية والذي لا يقع في سياق الرؤية النبوية والحضارية للدعوة الاسلامية بل أملته مطامع وطموحات كان من الصعب على العلماء المسلمين الموضوعيين والذين لا يفكرون بناء على طلب السلطات فقط قبولها أو الرضا بنتائجها المدمرة للاسلام والمسلمين والآخرين ، وقد كانت هذه التجربة الرائدة ثمرة اختيار المسلمين للايمان الكبير والتوحيد الابراهيمي جامعاً، في ورشة علمية واجتماعية وعمرانية معروفة، ولم نعدم التنعم المحدود بمثل هذه الثمرة على مرارتها في الحروب الصليبية التي مهدت من خلال تأثيرات المسلمين على الغربيين، لعصر الانوار في أوروبا، وانفجار اشكاليات الكنيسة والمجتمع والدولة... وحتى العهود الاستعمارية المباشرة خصوصا منذ اواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وغير المباشرة في اعقاب الاستقلالات التي كانت بحاجة الى استكمال، ورغم السلبيات العظمى والفادحة، لم تخل من بعض التأثيرات الايجابية لفكرة بناء الدولة والمؤسسات والقانون وفصل السلطات. ومن المؤسف ان قلة منا توفرت على قراءة هذه المشاهد والوقائع قراءة هادئة وهادفة، بينما تكررت قراءتها الصحيحة والسقيمة في الغرب، بغاية الافادة منها في اتجاهين متعاكسين، اتجاه اعتبرها دالة على امكانية بناء علاقة شراكة عادلة ولو نسبياً، وعلى اساس حقوق الانسان، واتجاه اعتبرها دالة على ضرورة القطيعة تمهيداً للاستحواذ والهيمنة علينا، وقد يعني ذلك كله اننا مضطرون الى الميل الى الشراكة الثقافية او الحضارية، بشروط منصفة اهمها شرط التأهل الذاتي لدينا، على ان هذه الشراكة الممكنة او الواجبة يمكن ان تكون من اهم الشروط والمؤهلات التي تساعدنا على الخلاص من سلبيات التغريب او التغرب، بالمعنى الالتحاقي او الاستلحاقي، اي الاستعماري المتجدد علينا وعلى قابلية فينا ورغبة من المستعمر. فهل في امكاننا ان نتوقع ونعمل لنشهد حالة من التفاعل والتواصل بين العالم الاسلامي والغرب مع ان الظروف الراهنة لا تشير بوضوح الى ذلك على الرغم من الخطاب اليومي الذي نسمعه في تأييد حركات الشعوب ضد أنظمتها الاستبدادية التي بقيت وتبقى مقبولة ومحمية من الغرب الى أن يبلغ ضعفها وجورها وتخلفها مداه وتنهض الشعوب ضدها ولا يبقى بامكان أحد أن يحافظ على استمراريتها.. فتتجه الأنظار الى القوى الشعبية العفوية المصرة على الربط المنهجي بين الخبز والحرية وربما كانت هذه الأنظار تتأمل عميقاً في المعطيات التي تمكن الغرب ثانية من تنشيط حركة انتاج الاستبداد على قاعدة الديموقراطية ومن داخلها كما حدث خلال العملية الاستعمارية التي لم تنس المصطلحات الديموقراطية أثناء تأسيسها للاستبداد تحت ظلها الديمقراطي والمركزي.
دولة الجمال
بقلم: رياض مصاروة – الحياة
قد تبدو فكرة "دولة الجمال" مثالية ويوتوبية، تتناقض مع كل الفكر الما بعد حداثي، في هذا العصر الذي مازال في فكره ميتافيزيقيا، ولا يتعامل مع الوجود الانساني، بل نسي سؤال الوجود كما يقول هايديجر، ويتعامل فقط مع الموجود، دون أن يسأل عن معنى الوجود، ويتعامل مع الأشياء نفعيا ولا يأبه لكينونة الانسان.
ولا شك أن هذا العالم الما بعد حداثي ينتج مفكرين ومثقفين، يروجون له بوعي مصلحي، أو بوعي توصل الى استسلام يقول ان هذا العالم مصيره العدمية، دون أن يطرحوا حتى البدائل اليوتوبية كحلم. والمدافعون عن هذا العالم بوعي من هؤلاء المفكرين أضحوا موظفين تقنيين، يجترون ما توصل اليه عالم الحداثة منذ ديكارت وكانط وهيجل، ويتجاوزونه أحيانا بمفاهيم ما بعد حداثية، ويسخرون مفهوم العقل المطلق الهيجلي بتشكيلات شتى وبمصطلحات لغوية لا تمت الى الوجود بأي صلة، وهؤلاء يجولون في العالم العربي من شرقه الى مغربه، ومن شماله الى جنوبه، يثرثرون على شاشات الفضائيات، ويعودون الى فيلاتهم هادئين البال والجيوب، وفي الوقت نفسه قلقين حتى الاكتئاب من الكذب على النفس أولا، ومن الكذب على قطاعات كبيرة من هذه الأمة التي تسأل: الى أين تتجه هذه الأمة؟
وأنا، المثقف الفقير، رياض مصاروة، قررت أن أحلم فكريا، وأن أمارس لعبة الخيال والتخييل، دون اللجوء الى عظماء الفلاسفة من أفلاطون وأرسطو حتى نيتشه الذي أغلق دائرة الميتافيزيقا وأعلن عن موت الله. والحلم بطبيعته، أي حلم اليقظة، يرخي العنان للتخييل الى أقصى الحدود، وهو حق غير مراقب، سمته الأساسية الحرية المطلقة، أي قررت أن أكون مفكرا للحظات فقط في الحلم، لا أخدم أي سلطة، ولا أخدم أي فكر يحاول أن يضع نفسه في الصفوف الأمامية السائرة نحو العدمية. ولكنني في الوقت نفسه وعلي أن أعترف، أنني رميت بروحي في المتاهات الهيديجرية ،نسبة الى المفكر الألماني مارتين هايديجر، الذي أشغل العالم، واشغل مفكري العالم في الشرق والغرب بسؤال الوجود، وبالسؤال عن معنى الوجود، الذي لم يجد الجواب النهائي لاشكالية معناه...
وما يعنيني، أنا الفلسطيني، الذي اختار "الفلسطينية"، هوية له، واختارها أيضا وجودا، هو محاولة التوصل الى معنى الوجود الفلسطيني، ومنذ البداية لن أحاول أن ألبس هذا المعنى رداء فلسفيا، ورداء عقليا حسابيا، وانما سأحاول أن أنطلق من "فكرة حلمية" تعطي للوجود الفلسطيني معنى ليس ميتافيزيقيا، وانما معنى وجوديا، يؤسس لتاريخ وجودي جديد يقذف به الى الزمن المتوقع، الى المستقبلي،حلمي هو: "دولة فلسطين، دولة الجمال". لن أسميها دولة حدودية من النهر الى الخط الأخضر، ولن أسميها دولة على حدود ال67، ولن أسميها دولة على كل التراب الفلسطيني، أترك هذه التسميات للقادة السياسيين.
أعطوني تلة من تلال فلسطين لأؤسس عليها دولة الجمال، أسكن فيها مع أقراني الفنانين والمثقفين والمفكرين، الذين سيحاولون الانصات لنداء الوجود، بل سندعها تسكن فينا، لنتكلم الى العالم فقط بلغة الوجود الانساني، وسنعلم العالم ما معنى الانصات لنداء الوجود، اليها يحج كل من يريد أن يتعلم الانصات، وهذه الدولة ستكون دولة توسعية، وستحتل مستقبلا كل شبر يحدها، سلاحها الوحيد هو انتاج الجمال والجمالية،دستورها جمالي، وقوانينها جمالية مستمدة من التراث الجمالي الفلسطيني، ورموزها شعراء ومثقفون فلسطينيون أنصتوا لنداء الوجود...انها دولة الانارة التي تدعو الى الانفتاح على الحقيقة الانسانية وماهيتها...في هذه الدولة سننادي الفرح، وسننادي الألم، الفرح الانساني كله والألم الانساني كله، هناك يسكن أيضا الجمال، وهناك تسكن لغته، بل نحن الذين نريد أن نسكن هذه اللغة.
دولة الجمال هذه ستنصت أيضا الى أسرار هذه الأرض،سنزرعها ونفلحها، والفلاح الفلسطيني الذي يوقظ الأرض بخطاه سيكون معلمنا وقائدنا الى أسرار هذه الأرض...وستستضيف المؤتمرات الجمالية لاحياء كل التراث الجمالي الانساني...
مهمة هذه الدولة أن تنقل عدوى الجمال الى الفلسطيني أولا، ومن ثم الى كل العالم، مهمتها أن تعيد الى هذه الأرض مضمونها الأولي، وتعيد الى الأرض رائحتها الأولية.
هذه هي فلسطين التي أحلم بها، ولن أستيقظ من هذا الحلم الا اذا أصبح واقعا، عندها سيبدأ حلم جديد لا أعرف ماهيته حتى الآن...