المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (328)
|
المقالات في الصحف المحلية
|
ü خطاب أبو مازن ... متوازن وحازم
بقلم: حديث القدس – القدس
ü المعادلات الصفرية العربية: هل من مخرج؟
بقلم: شفيق ناظم الغبرا – القدس
ü قرار فلسطيني تاريخي..
بقلم: صالح عوض – القدس
ü التغيير والإصلاح في المحكمة العليا...!
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
ü الباحثة ميسون الوحيدي تنبش ذاكرتي الفلسطينيين والجنوب افريقيين في اصدار نوعي
بقلم: الدكتور حسن عبدالله – القدس
ü الأحد... وكل يوم أحد...المصالحة... بين المراوحة والواقع على الأرض
بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
ü "اتفاق إطار" المصالحة وانكشاف أطرافه !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
ü لنمارس السياسة باحتراف حتى نحاصر إسرائيل ..!
بقلم : أكرم عطا الله – الايام
ü استبعاد النساء عن مشهد المصالحة
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
ü شرط إنهاء الانقسام: الاتفاق على المشروع الوطني
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي – الايام
ü تغريدة الصباح – هل لدينا ثقافة الطفل
بقلم: حنان باكير – الحياة
ü ماضون في خياراتنا
بقلم: عدلي صادق – الحياة
ü التحذيرات الأميركية لإسرائيل.. ماذا بعد؟!
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
ü الوجه الآخر لتهديدات نتنياهو!
بقلم: موفق مطر – الحياة
خطاب أبو مازن ... متوازن وحازم
بقلم: حديث القدس – القدس
على ضوء اتفاق المصالحة والضجة المفتعلة التي تحاول اسرائيل إثارتها، انعقد المجلس المركزي لبحث تطورات الوضع الراهن وما هي الاحتمالات والبدائل المختلفة، وألقى الرئيس أبو مازن خطابا في غاية الأهمية والوضوح تناول فيه كل القضايا بكل الأبعاد والخلفيات، وكان خطابا متوازنا وواقعيا وكان في الوقت نفسه حازما وصريحا.
أكد أبو مازن ان حكومة التوافق الوطني المقترحة ستلتزم بكل الاتفاقات وهي شأن فلسطيني داخلي لا علاقة له بالمفاوضات التي تتولاها رسميا منظمة التحرير، وقال انه ضد العنف وضد الارهاب ايضا وان التفاوض هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأهداف ... ولكن للتفاوض شروطا ومتطلبات وليست مجرد مضيعة للوقت او غطاء للاستيطان وكل الممارسات الاسرائيلية ... وأضاف ان الهدف واضح وهو إقامة دولة فلسطينية في حدود 4 حزيران 1967، واذا التزمت اسرائيل بهذه المرجعية وأوقفت الاستيطان بشكل كامل تماما فان من الممكن تمديد المفاوضات ثلاثة أشهر أخرى أو أكثر.
بهذا لم يترك الرئيس أية ذريعة تتذرع بها اسرائيل للتهرب من عملية السلام سواء تمت المصالحة وحكومة التوافق او لم تتم لأن الموقف في الحالتين واحد وواضح. لكن اسرائيل، كما هو معروف وكما يؤكد الرئيس لا تريد السلام ولا حل الدولتين وهي ترفض وقف الاستيطان والاعتراف بمرجعية حزيران 67 ثم تقول إننا نعطل العملية .. وهذا كلام باطل وقد جربناه خلال أكثر من عشرين عاما من المفاوضات العبثية.
واذا كانت اليد الممدودة للسلام قوية فإن الرد على المواقف الاسرائيلية كان حازما وحاسما بلسان أبو مازن حين قال اكثر من مرة اذا كانوا لا يريدون الالتزام بمتطلبات السلام ويصرون على ممارساتهم المعروفة والمرفوضة، فاننا لن نقبل بذلك وسنقول لهم تعالوا ومارسوا احتلالكم المباشر واستلموا الضفة وغزة وتحملوا مسؤوليات هذا الاحتلال وكانت هذه في تقدير كل المراقبين، إشارة الى ما تردد سابقا من حديث عن احتمالات حل السلطة الوطنية وعدم استمرار الوضع الحالي بالصورة الحالية المرفوضة.
وهذا موقف هام يبدو أنه الأول من نوعه وهو يفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات والتطورات، وهو ليس رسالة الى اسرائيل وحدها ولكنه الى المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة بصورة خاصة وهي التي تسعى لتحقيق السلام القائم على حل الدولتين، وفيه تأكيد على اهتمامنا وسعينا واستعدادنا لتحقيق هذا الحل وإذا عرقلته اسرائيل فإن عليها تحمل المسؤولية.
وجها المعادلة واضحان وموقفنا واضح ويجب محاسبة من يعيق ويضع العقبات أمام حل كهذا.
المعادلات الصفرية العربية: هل من مخرج؟
بقلم: شفيق ناظم الغبرا – القدس
في ظل الصراعات العربية العربية وفي ظل حراكات الشارع السلمية وتلك العنيفة المنتشرة في عدة بقاع يعيش العالم العربي واحدة من أكثر مراحله صخباً وصعوبة.
الربيع العربي مر علينا بانفجارات مدوية، لكنه ما لبث أن دخل حيز الاستمرار بوسائل مختلفة وفي ظل مناخات جديدة متناقضة، فما وقع في 2010-2011 تحول إلى نزاعات واسعة في مناطق وإعادة ترتيب أولويات ومساحات في مناطق أخرى من الوطن العربي. لهذا ليس غريباً أن تبرز مدارس مختلفة في التعامل مع الحالة العربية. بعض المدارس العربية النابعة من قلب السلطة السياسية أو بعض أجنحة معارضاتها استمرت مؤمنة بشدة بالمعادلات الصفرية، فهي تسعى للعودة بالوضع إلى ما كان عليه قبل 2011، أو أنها تسعى لنسف الوضع القائم بشمولية، وهي لهذا تجد نفسها في حالة تناقض مع أفكار عصرية تزداد قوة وانتشاراً: كالحريات وحق التعبير وحرية التواصل الاجتماعي ووجود تنظيمات حزبية وطنية تتنافس بسلمية في قلب المجتمع، ومبادئ التناوب السلمي على السلطة.
المعادلة الصفرية التي تؤمن بها الأنظمة في شقها الأمني والتي تمارسها بعض المعارضات في شقها المتطرف تتحمل المسؤولية الأساسية عن المصاعب التي واجهت الواقع العربي بعد الثورات، بل هي المسؤول الأول عن سقوط بعض التجارب في مستنقع الصراع الأليم كما حصل في سورية منذ أن انطلقت الثورة (بسبب قمعية النظام) وفي ليبيا عندما قرر القذافي تصفية الثورة، أو كما حصل في مصر في مرحلة المجلس العسكري بعد الثورة ثم في مرحلة الرئيس محمد مرسي وأخيراً مرحلة الجيش والمشير عبد الفتاح السيسي.
وتشمل المعادلة الصفرية منطقة الخليج كما هو حال البحرين وبدرجة أقل في الكويت، إضافة إلى انتشار قوانين صارمة في معظم الدول جوهرها عدم تقبل الاختلاف والحد من نشوء مجتمع مدني مستقل يخرج البلاد من معادلاتها الصفرية.
لو دققنا في الوضع العربي لوجدنا أن كبار التجار يخشون الجماهير ومطالبها، وأن كبار الأسر الحاكمة يخشون التعبيرات الشعبية والحزبية بأنواعها بصفتها تمهد لسلب السلطة، كما أن الأنظمة تخشى الحريات، بينما تخشى الجيوش من السياسيين والمعارضين بأنواعهم، وفي نفس الوقت تخشى المعارضات في شقها المسلح أو الأكثر تعصباً من بعضها البعض. الحالة العربية مليئة بالخوف وضعف الثقة، فكل جزء يخشى من الآخر مما يقوي مناخ الاجتثاث في التعامل مع الاختلاف. فحتى الآن لم يطور العرب فكرهم الثقافي والسياسي التاريخي لينتج نظاماً سياسياً إنسانياً رشيداً ينطلق من مبادئ وحقوق رئيسية للإنسان ويؤمن بدولة تحترم المواطن الحر والتداول السياسي العلني في ظل استقلال وطني يستند إلى حرية الشعب والمجتمع عوضاً عن استقلال وطني هش معزول تحميه القوى الدولية وتوازناتها.
لقد مثل الربيع العربي أول نقد للتجربة التاريخية للدولة العربية كما نشأت بعد الحرب العالمية الثانية في كل من الأنظمة الجمهورية أولاً وفي الدول الملكية ثانية، وعلى رغم وضوح الفارق بين الأنظمة الجمهورية ووجود تواصل مختلف في الملكية، إلا أن هذا لا يعفي الملكية أبداً من آليات التطور السياسي الاجتماعي في الحريات ودور الطبقة الوسطى، ومكانة المشاركة الشعبية كمدخل لتنمية المشروع الوطني.
ومن يعاين الحالة السياسية العربية التي تزخر بالتعصب والمعادلات الصفرية سيتساءل فعلاً من أين ستأتي الأفكار الجامعة والرؤى التنموية؟ فهل كان من الحتمي أن ينتهي الأمر بالحبيب بورقيبة المؤسس الأهم للدولة التونسية والذي يعود إليه فضل تطوير الدولة الحديثة في الإقامة الجبرية بعد عزله بانقلاب عام 1987 وحتى وفاته عام 2000؟
وهل كان من الحتمي أن ينتهي الحال بزين العابدين بن علي هارباً من بلاده لأنه جاء بانقلاب؟ هل كان من الحتمي أن ينتهي الرئيس حسني مبارك وأولاده في السجن والمحاكمة (لأنه ورث نظام السادات وسعى لتوريث حكمه لابنه) أو أن ينتهي حكم مرسي المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر في السجن والمحاكمة؟ وهل كان من الحتمي أن ينتهي القذافي وأولاده والذي جاء بانقلاب، أو أن ينتهي حكم صدام وأولاده، الذي جاء بانقلاب بالطريقة البشعة التي انتهت بها الأمور؟ وهل كان من الحتمي أن ينتهي الأسد الابن (الذي ورث حكماً صنعه انقلاب قام به قبله أبوه الرئيس حافظ الأسد) متحملاً مسؤولية مقتل 150 ألف مواطن سوري ثم تدمير سورية؟
لو سئل كل مسؤول وقائد عن سياسات الفساد التي كان بإمكانه أن يمنع حصولها، وحالة المحسوبية التي دمرت البلاد وسياسات منع الحريات وإيقاف بوادر الإصلاح وإقصاء الإصلاحيين واتهامهم في وطنيتهم، ثم ضرب وتحجيم الطبقات الوسطى في ظل نظام ريعي يشجع على الاتكالية والفساد لعجز عن الإجابة. لو سئل كل رئيس إن كان من الحكمة أن يبقى 40 عاماً أو 30 عاماً في الحكم أو لو كان من الحكمة أن يسعى لتوريث حكمه لابنه أو زوجته ماذا سيقول بعد كل ما وقع؟ هل قرأ الكثير من مسؤولي العرب التاريخ الإنساني وتاريخ الشعوب وتاريخ الأمم وأوروبا والحركات السياسية قبل أن يورطوا أنفسهم والأمة في مثل هذه الصراعات الصفرية؟ وهل قرأت المعارضات الجديدة والقديمة تاريخ الفاشية والنازية والحركات الدينية في أوروبا قبل أن تنتج وضعاً يشبه النظام الذي تمارس الثورة عليه؟
عندما ثار الملونون الأميركيون في الغرب الأميركي منذ بداية الخمسينات حتى أواسط سبعينات القرن العشرين عارضهم قطاع كبير من التيارات السياسية على أساس عنصري وعرقي. وبينما ثار من الملونين من قالوا بالحراك السلمي بقيادة مارتن لوثر كينغ خاصة في مرحلة الستينات، برزت في الحركة الملونة الأميركية في أواخر الستينات مدارس أخرى عنيفة وإقصائية عرفت بالقوة السوداء، مثل الفهود السود الذين قاموا بعمليات عسكرية ضد مواقع مدنية وعسكرية في الولايات المتحدة. وقد قامت القوات الأميركية بهجمات مضادة على شققهم ومخابئهم في الولايات المتحدة وفي مدن كبرى مثل مدينة شيكاغو. وفي ظل نفس الحركة السوداء قامت الجماهير السوداء الغاضبة بحرق أحياء كاملة في مدن أميركية كبرى.
لكن الأهم أن هذه الحركة ببعدها السلمي مع مارتن لوثر كينغ وألوف التجمعات الصغرى واللجان العاملة لصالح المساواة والعدالة والحقوق دفعت قادة الولايات المتحدة للاستماع لمنطق التغيير والقبول بحل وسط يخرج الجميع من المعادلة الصفرية. فقد تم عزل المتطرفين في الساحة الشعبية والسوداء من خلال تقديم تنازلات جوهرية ورئيسية لكل الأطراف المتمسكة بالعمل السلمي من إضراب وتظاهر وتجمع ونشر واعتصام وتحزب وتنظيم.
لهذا فان قرارات وقوانين الحقوق المدنية الأميركية الصادرة في أواسط الستينات شكلت بداية لإصلاح النظام السياسي الأميركي وسمحت للملونين بالسير في طريق المساواة والعدالة، لكنها وحدها لم تنقذ أميركا من الصراع الأهلي، بل كان لا بد من تطبيق هذه القوانين بحذافيرها وتحويلها إلى واقع حقيقي. هذا لم يكن ممكناً بلا تنازلات رئيسية مست سلطة البيض المطلقة، وفتحت الباب ليس فقط للملونين بل لجميع الأقليات الأميركية القادمة من العالم الثالث. هذه القوانين الجديدة خلقت مناخاً للاعتدال السياسي.
لقد تخلص الغرب من المعادلة الصفرية من أجل تطوره، فقد كانت آخر المعادلات في الغرب نظام هتلر وموسوليني ونظام فرانكو الإسباني ونظام البرتغال في الستينات بالإضافة إلى النظام السوفياتي في شرق أوروبا. المعادلة الصفرية متشابهة عبر الثقافات والشعوب، فهي معادلة استقواء وغلبة وسيطرة فئوية وطبقية وعائلية وطائفية وقبلية واحتكار حقائق، وهي معادلة لا يمكن أن تنجح بلا تفرقة وعنصرية وفساد تشمل المال والأعمال وأصحاب النفوذ والأجهزة الأمنية والعسكرية. المعادلة الصفرية تمثل أعلى مراحل الاحتكار والتي تنتج شبيها لها في بعض التيارات المعارضة.
آن الأوان للتفكير بصورة مختلفة. الرؤية غير الصفرية لديها أنصار في البلدان العربية، وهي في بداية نموها في بلدان كتونس والمغرب والكويت والبحرين وسورية ومصر وغيرها ولديها قاعدة بين فئات مختلفة في كل الدول العربية بلا استثناء. فكرة الصفقة والمعادلة الجديدة وخلق وضع فيه فرصة لكل الأطراف يتطلب تنازلات من الأطراف الأكثر سيطرة وقوة وتحكماً ونفوذاً. وهذا يعني في الجوهر أن الأطراف الأكثر قوة يجب أن تتأقلم (قبل أن تفقد قوتها) مع معادلة جديدة تحفظ لها نسباً متفاوتة من مكانتها ودورها في عالم عربي يتعطش للعدالة والمساواة والمشاركة والتغيير، للغني والفقير لكن بشرط عدم اضطهاد الفقراء أو النيل من حقوقهم، لتداول السلطة بشرط عدم احتكار السلطة، للعائلات الحاكمة والشعب بشرط ضمان حقوق الشعب والسماح للحياة السياسية بالتطور بحرية، للأغلبيات والأقليات بشرط عدم النيل من حقوق الأقليات وعدم اضطهاد الأغلبيات.
أوطاننا غنية بأفرادها وشعوبها ولديها إمكانيات وآفاق ما زالت في طور الاكتشاف والتعبير. تغير المعادلة الصفرية مدخل رئيسي لتغير واقع يزداد صعوبة وعنفاً.
قرار فلسطيني تاريخي..
بقلم: صالح عوض – القدس
تعود الفلسطينيون أن يصنعوا التميز والحدث الذي يحرك الساكن ويمنح المنطقة كلها أهميتها .. هذا ما حصل في أكثر من محطة تاريخية وهم يختارون لفعلهم طقوسا تجعل منه مشهدا تراجيديا بامتياز..في مخيم الشاطئ وبين حاراته المسماة بأسماء البلدات التي هاجر منها سكانه كان اللقاء الفلسطيني في حارة الحمامية وبجوارهم حارة اليفاوية واللدادوة واسدود والمجادلة..لقاء في مكان يشهد عليه الفلسطينيون من كل المدن الفلسطينية والقرى والبلدات ليكون عبقه فلسطينيا صافيا.
جاء قرارهم تاريخيا لأنه يحرك الساكن ويلغي الروتين المميت الذي ظنه صانعوه و المستفيدون منه أبديا..جاء تاريخيا لأنه فاصل بين مرحلتين واحدة تنتهي بكل مراراتها وثانية تأتي بكل عنفوانها وتفاؤلها.
وهنا لا بد من الاقتراب لتركيب محصلة النتائج في مشهد يكشف لنا خطوات قادمة ضرورية لإحداث التراكم المطلوب في الملحمة الفلسطينية الأسطورية.
فعندما يخير بنيامين نتنياهو السلطة الفلسطينية بين المصالحة مع حماس أو السلام مع إسرائيل نكتشف كم هو عظيم إنجاز ما حصل بين فتح وحماس بالأمس عندما تم الإعلان عن البدء في تشكيل حكومة فلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني..
وعندما يخرج أبناء الشعب الفلسطيني في غزة يحيطون الوفدين المجتمعين في مشهد له دلالته بضرورة الخروج باتفاق لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فإن ذلك يعني بوضوح أن الأمر بلغ ذروته ولا متسع للوقت بعيدا عن العمل المشترك الواحد.
وعندما تعلن الإدارة الأمريكية عزمها على وقف المساعدة الممنوحة للسلطة لمجرد أن حاول الفلسطينيون توحيد صفهم والخروج من فتنة عمياء دفعوا ثمنها كثيرا من سمعتهم وقوة دفعهم..أن هذا يكشف لنا خطورة أية خطوة فلسطينية وأن الفلسطينيين يملكون أن يعيدوا ترتيب المواقف والسياسات نحوهم وحولهم.
ولكن الذي لا بد أن نؤكد عليه هنا أن ما بين نتنياهو واليمين المتطرف ومن يقف خلفه في إسرائيل من جهة ومن الجهة الأخرى الشعب الفلسطيني إنما هو صدام الحياة مع الموت ونزاع الوجود مع النفي..
إنهما يمثلان الإرادة الوطنية في مواجهة الإرادة الاستعمارية. وبينهما يجب أن يتم الاختيار الحاسم وبلا تردد بفحص عميق، فمن هو مع الوطنية الصادقة هو بالضرورة ضد الإرادة الاستعمارية أما من هو مع المصلحة الحزبية الشخصية فهو بالضرورة يتقاطع مع المصلحة الاستعمارية شاء أو لم يشأ.. فجاء قرار الفلسطينيين في هذه المرحلة التاريخية الصعبة بإغلاق ملف الانقسام البغيض والتوجه فورا نحو برنامج عمل مشترك لمصلحة الشعب والقضية بتشكيل حكومة تهيئ للانتخابات وبناء المؤسسات الوطنية من جديد بالكل السياسي الفلسطيني.
لا بد من تأمل الحدث خلال سياق يمارس على الساحة وفي الإقليم منذ فترة ليست قصيرة.. فلقد انتقل الرئيس الفلسطيني من كونه رئيسا للسلطة وقائدا لحركة فتح ورئيسا لمنظمة التحرير، أي بمعنى أنه يترأس المؤسسة الفلسطينية إلى أن يصبح زعيما مقتدرا للشعب الفلسطيني بعد أن أصبح موقفه محل إجماع الضمير والوعي الفلسطينيين.
وتجلى ذلك بإعلانه مواقفه التي لم تخضع إلا لمصلحة الشعب العليا رغم كل الضغوط المضادة.. لقد أنجز الرئيس عباس مشهدا متكاملا مركبا بأبعاد الحقيقة الفلسطينية في هذه المسيرة وذلك من خلال تعارضه الواضح مع السياسة الأمريكية والاسرائيلية في ما يمس المصلحة الوطنية في ظل ظروف قاسية عربية ودولية..
فلقد قال: "لا!" كبيرة في وجه أمريكا عندما ذهب إلى الأمم المتحدة لانتزاع اعتراف دولي بفلسطين دولة تحت الاحتلال.. وقال: "لا!" كبيرة تماما عندما وقع على وثيقة الالتحاق بالمنظمات الدولية.. وقال: "لا!" كبيرة وهو يعلن إنهاء الانقسام وطي صفحته وتقديم كل ما يطمئن حماس بعدم إقصائها من المشهد السياسي.
يتطلع الفلسطينيون الآن إلى إعلان فتح معبر رفح فورا كحق فلسطيني تقره القوانين والأعراف الدولية كما توجبه علاقات الدول المتجاورة، فضلا عن واجبات الأخوة وحقوقها.. وهذا ما تؤكده المصادر المقربة من دائرة الحوار الفلسطيني كما أن كهرباء غزة ستعود قريبا لتضيء ظلام غزة ويتدفق الوقود لتحريك مركبات غزة المتعطلة والتي أنهكها استخدام زيت القلي وذلك كله كأول مهمة مستعجلة من مهمات الحكومة المنتظرة.. كما أن الفلسطينيين يتطلعون الآن إلى بناء مؤسسات منظمة تحرير فلسطينية قوية تصعب على الانشطار والتفسخ والتحرك نحو تكريس الدولة على الأرض بدستور وانتخابات وملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية التي أصبحت فلسطين عضوا كامل العضوية فيها.
إن الضمانة الحقيقية للوحدة الفلسطينية تنبع من إرادة الشعب الواحد ومن حرص الأمة والأحرار والشرفاء في العالم أن تكون أدوات الفلسطينيين في نضالهم متناسقة متكاملة تسير في اتجاه محصلته التحرير والسيادة..وهي بلا شك تنبع أيضا من روح المسئولية التي يتمتع بها القادة الفلسطينيون.
الآن تقترب القدس ببهائها وجمالها وروعتها.. والآن الآن تقترب الأرض المباركة من لحظة الانتصار العظيم.. والآن الآن الآن يكون الفلسطينيون قد خطوا خطوة أكيدة نحو القدس والدولة المستقلة وعودة اللاجئين إلى بيوتهم.. مباركة خطوتكم أيها الفلسطينيون..وها انتم تحركون عقرب الزمان لمرحلة رائعة ولن يجد العرب مهما كبلتهم ظروفهم إلا أن يكونوا معكم بشعوبهم وبأحرارهم لأنكم حررتم أرواحهم من الهزيمة وهم ينتظرون منكم المزيد.. فإلى الأمام.. تولانا الله برحمته.
التغيير والإصلاح في المحكمة العليا...!
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
من منكم يتذكر اسم محمود الرمحي؟ ذلك الطبيب الفلسطيني الذي ما زال يدفع ثمن إيمانه ووهمه بأن العالم سعى، حقيقةً، في العام 2006، من أجل رفعة فلسطين وسلامة أهلها، وما كان عليهم إلّا أن يحسنوا التصرف ويختاروا، كما تختار شعوب العالم المتحضرة، قادتهم وقباطنتهم ليقودوهم إلى بر السلامة وإلى المستقبل الآمن المضمون.
"حرّية بثلاثين كلمة"، كان عنوان تلك الخاطرة، التي نشرتها قبل ثلاثة أعوام، وفيها أخبرتكم كيف قضى ثلاثة من قضاة العدل الإسرائيلي، وقرروا بثلاثين كلمة فقط رَفْض التماس قدمته في حينه باسم محمود، وقرروا أنٌه فلسطيني خطير على أمن وسلامة الجمهور، فهو، ومن خلال موقعه أمين سر المجلس التشريعي الفلسطيني وقياديًا في قائمة "التغيير والاصلاح"، يعمل لمصلحة حركة "حماس" ومن أجل تعزيز مكانتها بين الجمهور الفلسطيني.
لمحمود قصة طويلة تشبه حكايا ابريق الزيت الفلسطيني. بدأ فصلها الحالي، حين قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقاله وعشرات من زملائه مباشرة بعد انتهاء الانتخابات التشريعية التي جرت في محافظات فلسطين المحتلة في العام 2006. قدّمت بحقه لائحة اتهام، وعلى كونه منتخبًا عن قائمة "التغيير والاصلاح"، التي اعتبرتها اسرائيل، بعد نجاحها في الانتخابات ذراعًا لتنظيم "حماس" (على الرغم من قبولها متنافسة شرعية قبل النتائج). حكمت محكمة عسكرية إسرائيلية بسجنه فعليًّا لمدة ثلاثة وثلاثين شهرًا. ثم قامت إسرائيل باعتقاله مجددًا، في تشرين الاول 2010، وأعلنت عنه أسيرًا إداريًا. لم أنجح في معاركي القضائية العديدة، فالمحاكم الإسرائيلية أبقته أسيرًا إداريًا حتى شهر تموز عام 2012.
أفرج عن محمود ليبدأ ترميم حدائق عمره، فعاد إلى أحضان زوجته وأولاده الخمسة وإلى عمله طبيبًا في رام الله. لكنّهم لم يتركوه، فهم يحترفون إجهاض الفرح. جاءوه في ليلة باردة من كانون الأوّل عام 2012، وانتزعوه من حضن الدفء. أصدروا بحقه، مرّةً أخرى، أمر اعتقال إداري لستة أشهر ما زالوا يجدّدونها، والحجة، أنه بقي فلسطينيًا يكره الاحتلال ويحب شعبه ووطنه أكثر.
لا أعرف لماذا عدت مجدّدًا إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية؟ وهي التي لم تنصفني طيلة ثلاثة عقود من عملي أمام قضاتها المتعاقبين. مئات القضايا خضتها أمام معظم هيئاتها، وفي كل مرّة كنت أجتهد وأوظف ما تيسّر لي من حِكَم تاريخ القمع ومشاهد من مسارح العبث. كانوا يسمعونني، أحيانًا على مضض، وأحيانًا بشهية تميّز أبناء حضارة "قبة السماء".
طالما ذكّرتهم، كذلك، بما كتبه بعض زعماء دولة إسرائيل، من أمثال يتسحاك شمير ومئير شمجار وغيرهما، من الذين كانوا "ضحايا" للاعتقالات الإدارية الأولى زمن الاحتلال البريطاني لفلسطين الكبرى، وكيف وصف هؤلاء الضحايا همجية "الإنجليز" للجوئهم إلى هذه الوسيلة ولا انسانيتها ووحشيتها!
لم يسعفني الجد ولا تشبيه حالي بحال "دون كيخوته" الذي حاربت رماحه طواحين الهواء، ولم تسعفني الاستعانة، أحيانًا، بقصص "قراقوشنا" التي أضحكتهم، فأصغوا إليها بلهفة، فقد تعلموا منها، وأبكوني.
سمعوا مني كثيرًا عن حكايا جدتي، وأحبوا ترديدها الموزون لحكمة أيوب: "الصبر يا مبتلي واللي ابتلى يصبر"، فبطبيعة الحال هم أحفاد أيوب وخبراء بفقه الوجع والاصطبار. ولكنهم تفاجأوا ببعض الأشعار التي كنت أختار أن "أطعّم" كلامي بها، وذلك لإدخال بعض المرح، وأحيانًا لأعيد لهم يقظةً، بعد أن كنت أشعر، من طريقة إلقاء رؤوسهم إلى الخلف أو باتجاه الطاولة أو لأحد الجانبين، أنني أفقد إصغاءهم؛ أفلا يكفي أنني سأفقد القضية؟
غالبًا ما وجدتهم يجهلون كيف أقسم شاعر/ إنسان منا ومن الناصرة تحديدًا: "أن يعطي نصف عمره لمن يجعل طفلًا باكيًا يضحك"! ومرّة، هكذا أذكر، دهشوا، حتى أني خفت من أن يغمى على واحد منهم، حين عرفوا أن فلسطينيًا اسمه "أبو سلمى" مات وهو مطمئن: "أن البلابل لما تزل هناك تعيش على أشعارنا"
بعد أن أنهيت مرافعتي، سألني أحدهم، أين تقع "الهناك" التي تغنى بها هذا الشاعر؟ فقلت، أظنني "بقلبه"، فصمت وبدا عليه بعض الحزن، أو ربما كانت تلك علامات قلق.
لماذا عدت اليوم إليهم ولم يقبلوا مني حجّة وذريعة؟
هم دائمًا انتصروا لأسطورة الأمن وغلّبوها على كل دمعة أو وجع أو جرح فلسطيني.
لماذا عدت وأنا أمام إجراء وُلد "مخصيًا" منذ البداية، فكيف له أن ينجب عدلًا وأبناءه؟
المهم، أنني عدت اليوم ولاحظت، لأول مرة، أنني بدوت كبيراً وهم أصغر مني. اليوم شعرت أنهم منتوجات من صناعة إسرائيلية خالصة، عقولهم مصبوغة بالأزرق والأبيض، ولا يحلمون بالزنابق البيضاء ..
وقفت وطمأنتهم أنني لن أطيل عليهم، فقصة هذا الفلسطيني شبيهة بكل قصص الفلسطينيين التي تابعوها كمسلسل، تحافظ فيه الأبطال على أدوار الصدارة، والضحايا فقط هي التي تتبدل.
طلبت على عجالة أن أسمع منهم نصيحة قد تؤدي وتضمن حرية موكلي، فهو لن يحب الاحتلال، ولن ينضم للبيت اليهودي ولا الى مجموعات تدفيع الثمن. وهو عربي فلسطيني مسلم يعتز بهذه الولاءات والهوية ولن يبدّلها، فما العمل؟
بعد دقائق من حيرة، اقترحت عليهم مخرجًا، ونصحتهم بأن يفرجوا عن موكلي بعد هذه الشهور الطويلة، ويمهلوه بضعة أيام، وبعدها يصطاده صاروخ ذكي تقذفه "أباتشية" جميلة، وهكذا سيضمنون، أن لا يبقى خطرًا يهدد أمن وسلامة الجمهور.
أغضبهم اقتراحي بوقاحته. بسرعة وبتلقائية استجرت بـ"شكوى الضفدع" وصحت: "كلامي إن قلته ضائري/ وفي الصمت حتفي فما أصنع"
وأردفت شارحًا الكلام، فتعلموا عن فكاهة العرب وحذاقتهم، وكيف تكون الشكوى إذا سيقت مجازًا، على لسان ضفدع، حكمةً أو نهفةً، فاطمأنوا.. لم أنتظر قرارهم، محمود لم يكن حاضرًا ومحظور على عائلته دخول القدس، تركتهم، فمثلي لم يعد ينتظر المفاجآت.
الباحثة ميسون الوحيدي تنبش ذاكرتي الفلسطينيين والجنوب افريقيين في اصدار نوعي
بقلم: الدكتور حسن عبدالله – القدس
"مقاومة الاحتلال والفصل العنصري"..
.الباحثة ميسون الوحيدي تنبش ذاكرتي الفلسطينيين والجنوب افريقيين في اصدار نوعي
الأصل في أي باحث يجري عملاً بحثياً في ميدان معين، أن يأتي بجديد من خلال الاستنتاجات والتوصيات. وانطلاقاً من هذا نسأل ما الجديد الذي أتت به الباحثة ميسون الوحيدي في دراستها (مقاومة الاحتلال والفصل العنصري في فلسطين وجنوب أفريقيا)؟؟ .
وفي رأيي أن جديدها يتمثل في النقاط الاتية:
أولاً: إختيار الموضوع، حيث بحثت في عنوان مهم ويستحق الدرس والتمحيص والمقارنة، لأن الفلسطينيين ينبغي لهم أن ينفتحوا على تجارب مقاومة أخرى، وهل أجدر من تجربة جنوب أفريقيا لكي نعرف أين نحن من هذه التجربة؟، وأين نتقاطع معها وأين نفترق؟ وما الذي يمكن أن تضيفه للفلسطينيين؟.
ثانياً: حينما استعملت الباحثة أدواتها البحثية، فإنها لم تكتف فقط بأستعمال مفاتيحها لتفتح باب التجربة، بل ولجت الباب ووقفت على التفاصيل غاصت فيها استقراءً واستنباطاً.
ثالثاً: إن القراءة المعمقة للتجربتين الفلسطينية والجنوب أفريقية قد صيغت بلغة نقدية، وهي احدث مواصفات البحث الحديث، لأن المطلوب النظر أبعد من الحالة بمعنى الإحاطة بالتفاصيل وعدم الالتصاق بها، وانما الإنفكاك منها ليكون بمقدور الباحث التحرر من أسر المشهد ومن ثم الانطلاق أبعد من الحالة لمتابعة النتائج والانعكاسات والتداعيات.
رابعاً: نجحت الباحثة في إقصاء الجمل الانشائية ونأت بنفسها عن الوقوع في مصيدة الشعارات واللغة الخطابية، وانحازت الى لغة البحث، وظهرت شخصية الباحث في معظم أجزاء الكتاب، من خلال النقاش وابداء الرأي والاستنتاج، ففي التجربة البحثية هناك نوعان من الباحثين:
الأول- يلتصق بالنصوص ويختار أسلوب التوثيق والاقتباس، واللجوء الى الكتابة الحذرة تحت شعار الأمانة العلمية، والتقيد بما يقوله الأخرون والاكتفاء بأستعراض ارائهم، وهذا البحث يصبح أقرب الى التوثيق أو التأريخ، لأنه يتجنب طرح رؤية ويترك المجال للأحداث كي تعبر عن نفسها، ليتسنى للقارئ الاستنتاج والمقارنة.
الثاني – وهو ما يتبناه البحث الحديث، أي تدخل الباحث في النصوص والاقتباسات ومناقشتها وإبداء الرأي فيها، بحيث يمكن للقارئ أن يتعرف على شخصية الباحث وبصمته في كل فصل بل في كل صفحة وفقرة، والباحثة هنا اختارت أن تبحث، تكتب وتستنتج بقلم شخصيتها.
خامساً: يصنف البحث ضمن الاسلوب البحثي الكيفي، الذي ينطلق من سؤال مركزي، فيما يتم الإجتهاد للاجابة عنه تحليلاً وربطاً ومقارنة بعد تفكيك النصوص بمضمونها ومفرداتها ودلالاتها وايحاءاتها. وبذلك تكون الباحثة قد إنحازت لأسلوب بحثي علمي، ولم تكتب بلغة السياسيين الذين يسجلون اراءَهم واستنتاجاتهم، استناداً الى رؤاهم، فالسياسي غير الاكاديمي يعتقد نفسه مطلقاً ومرجعاً ومنزهاً وبالتالي يكثر من تكرار في رأيي، أعتقد، أجزم،اؤكد، وأحياناً قد يقسم، لكن كل ما يفعله وأن امتد ليغطي عشرات ومئات الصفحات، يظل مقالياً، يشبه مقالات الرأي لغياب المراجع والتوثيق ونَفَس البحث العلمي. الباحثة هنا كانت اكاديمية وتحدثت بلغة المراجع، لا بلغة "الانا" السياسية.
أما الجوانب التي كنت آمل تناولها بنوع من المقارنة المستندة الى المعطيات والتفاصيل فهي في رأيي:
أولاً: أوردت مقارنات في السياق لكنها لم تكن شديدة التركيز، من حيث الجغرافيا، التركيبة السكانية، الثقافة، الاختلاف بين نظامين في التركيب والخلفيات، فاسرائيل والشعب الفلسطيني يتقاتلان في قتال مشروع من قبلنا وغير مشروع من قبلهم وهناك روايتان، روايتنا التاريخية الحقوقية، و روايتهم المركبة المسوقة والمقولبة والمخترعة. ونحن لا نتعرض لاضطهاد وتميز في المعاملة والحقوق فقط، وانما أيضاً نتعرض لحالة استلاب جغرافي وثقافي وتاريخي وحقوقي وأخلاقي، فما نتعرض له أقسى وأكثر تعقيداً، فالاحتلال هنا يقوم على الترحيل والطرد واستبعاد السكان الحقيقيين فيما النظام العنصري في جنوب أفريقيا قام على التمييز العرقي واستعباد السكان على أرضهم.
ثانياً: تبني الغرب للنظام العنصري تصدع سنة بعد سنة، وصولاً الى التنكر لهذا النظام ومقاطعته على المدى المتوسط أو البعيد بإستثناء الولايات المتحدة التي لم تعلن موقفها من النظام العنصري سوى في السنوات الاخيرة، فيما رعت بريطانيا وفرنسا دولة الاحتلال و قدمتا لها المال والسلاح، وسعت المانيا للتكفير عما فعله الاجداد بهبات مالية سخية، لتدخل الولايات المتحدة على الخط بتحالفها الاستراتيجي وتبنيها لدولة الاحتلال، فيما تلوح في الافق بدايات او تباشر تصدع أوروبي في الموقف من الاحتلال مع تلويح جزئي بالمقاطعة، أما الولايات المتحدة فما زالت تضحك على ذقوننا، بعد أن نصبت نفسها وسيطاً مع الإسرائيليين، في حين أنها معنيه استراتيجياً باستدامة الإحتلال، وهي لا ترى سوى أمنه ومستقبله، وبالتالي فانها تضع سداً منيعاً يحول دون تحقيق الفلسطينيين استقلالهم.
ثالثاً:ناضل مانديلاً تحت سقف استراتيجية واضحة، مفادها القضاء على نظام الفصل العنصري واستبداله بدولة ديمقراطية تضمن حقوق الجميع، أما نحن فما زلنا نقبع تحت سقف استراتيجيات متناقضة. ومعلوم أن نجاح أية ثورة لا يتم اذا لم يتوحد الجميع تحت لواء استراتيجية واحدة.
رابعاً: التسليم للعملية التاريخية الطويلة بتفاصيلها، كان احياناً على حساب نقاش وتحليل فلسفة المقاومة الشعبية و التعمق في ثنايا مفاهيمها ومبادئها وتطبيقاتها وتجسيداتها.
خامساً: الانتفاضة الشعبية الكبرى نجحت في سنواتها الخمس الأولى، نتيجة تركيزها على البعد الشعبي واطلاق طاقات الجماهير، و كان في رأيي من المناسب المقارنة بين الانتفاضة الشعبية الكبرى التي انطلقت في العام 87، وانتفاضة الاقصى والاستقلال التي نابت نخبة عن الجماهير الشعبية في القيام بنشاطات محدودة، تم محاصرتها والقضاء عليها، لأنها لم تستند الى بعد شعبي واسع.
سادساً: الجهد المبذول في البحث كبير وتطلب عملاً دؤوباً ودقيقاً في المراجع، وقد تم تتويجه باستنتاجات و رؤية حول المقاومة الشعبية، ولو تم صياغة هذه الرؤية على شكل برنامج مقترح متكامل، وفيه نوع من الاسهاب، لامكن بذلك استثمار الجهد في تحقيق فائدة أكبر.
ما قدمته من استعراض للايجابيات وهي بالطبع أكثر بكثير مما اوردت، وما قدمته من اقتراحات للتطوير، اذا ما نجحت الباحثة يوماً في اصدار طبعته الثانية، لا يعني أنني كتبت بحيادية ناقد يكتفي بالاضاءة على جوانب الكتاب، لأخرج من مربع الحيادية وأقول بموضوعية ان ما قرأت كان عملاً جريئاً من امرأة ملتزمة بقضايا شعبها، تعي دورها، وتدرك أن قلمها يختزن قدرات وطاقات تفجرت على صفحات الكتاب.
لقد كنت فخوراً وأنا أقرأ لباحثة من بلادي تنشقت حد الارتواء عبق زعتر فلسطين وكتبت بمداد دمها و دمعها، بل اقول خاتماً إنها كتبت بمداد أملها، لتضيف الى مكتبتنا عملاً نفتخر ونحتفي به ونباركه بأقلامنا، نتبادل مع الباحثة ميسون الوحيدي حلماً بحلم بل الاصح نتقاسم معها الحلم ذاته، لانه حلمنا جميعا.
الأحد... وكل يوم أحد...المصالحة... بين المراوحة والواقع على الأرض
بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
المتتبع لردود فعل الناس على الإعلان عن اتفاق المصالحة يجد ان الغالبية لا تصدق بأن الاتفاق سيستمر وينفذ وبالتالي فقد جاء ردها مشوبا بخيبة الامل والإحباط والتساؤل.
فإذا كانت المصالحة بهذه البساطة فلماذا انتظرنا سبع سنوات الى ان تحققت وإذا كانت صعبة ومعقدة فلماذا التلاعب بعواطف الناس وإيهامهم بأن الانقسام انتهى.
سبع سنوات من الانقسام افرزت نتائج عملية على الارض لا يمكن تجاهلها. ففي غزة امتنع عشرات الآلاف من الموظفين المحسوبين على رام الله عن العمل وجلسوا في بيوتهم بينما قامت حركة حماس بحشد افرادها ومؤيديها ليحتلوا الوظائف الادارية في مختلف الدوائر الحكومية. وفي غزة تم «تطهير» الاجهزة الامنية من العناصر المحسوبة على فتح وتحولت هذه الاجهزة الى اذرع امنية وعسكرية لحركة حماس هي بمثابة ميليشيات فصيل واحد وليست اجهزة امن للوطن والمواطن تقوم بواجبها بشكل مهني. وفي غزة وقعت مآسي كثيرة واعتداءات وإهانات واعتقالات للمواطنين المناوئين لحركة حماس تركت ندوبا في النسيج الاجتماعي لن تختفي او تبرأ بسهولة وستحتاج الى وقت وعلاج طويل.
وفي الضفة كانت اجهزة الامن هي التي تعطي شهادة حسن السلوك لمن يحتاج الى وظيفة وتحولت هذه الاجهزة الى فلاتر تصفي وتنقي وتسبغ على العاملين في الجهاز الاداري صبغة اقل ما يقال فيها انها خالية من اي اثر او ميل لحركة حماس او الجهاد. وفي الضفة تم تطوير الاجهزة الامنية بحجة بناء اجهزة امنية «مهنية» وانيطت بهذه الاجهزة مهمة اعتقال وملاحقة كل من يشتبه بأن له صلة بحركة حماس بشكل خاص او بأي تنظيم مقاوم بشكل عام.
هل يمكن ان تتخلى حماس عن سيطرتها على الاجهزة الامنية والادارية في قطاع غزة وتستبدل ولو جزءا منها بعناصر من حركة فتح او الفصائل الوطنية الاخرى؟ وهل يمكن ان تتوقف الاجهزة الامنية في الضفة عن ملاحقة عناصر حماس والجهاد وتقوم بالافراج الفوري عن جميع المعتقلين لديها في نفس الوقت الذي تقوم به حماس بهذه الخطوة في القطاع؟.
سبع سنوات من انفراد حماس بقطاع غزة ومن محاولة خلق اجهزة غير مسيسة في الضفة خلقت واقعا جديدا من الصعب جدا الاقتناع بأنه سيتغير بين عشية وضحاها. ومن حق الناس ان تشك وان لا تصدق بسرعة وان تتردد في الاقتناع بأن عهدا جديدا قد بدأ.
ومع ذلك فان المرء يتمنى ان يكون الامر صحيحا وأن المصالحة قد تمت وان الانقسام انتهى. وأقول في نفس الوقت بأننا اذا اردنا ان نصدق ما حدث فإن على الطرفين المتصالحين ان يقوما بخطوات عملية سريعة على الارض تجعل المصالحة تتم من تحت الى فوق، مصالحة مجتمعية ومحاولة لإعادة تقييم وترسيم خارطة بناء السلطة والعلاقة الجذرية بين شطري الوطن بحيث تراعي التطورات والحقائق التي نضجت على الارض وتحاول استيعابها واحتوائها.
هذا على الصعيد الوطني الداخلي، اما على الصعيد الاقليمي والدولي فإن احدا يجب الا يفاجأ سواء برد الفعل الاسرائيلي او الاميركي او الاوروبي او حتى من قبل بعض الجهات العربية ولو بشكل صامت.
فحكومة نتنياهو التي فضلت الاستيطان على المفاوضات ووجدت نفسها امام انتقاد دولي بأنها افشلت المفاوضات وجدت في تحقيق المصالحة فرصة ذهبية لإعادة القاء الكرة في الملعب الفلسطيني والادعاء بأن ابو مازن كشف عن وجهه الحقيقي وأن حديثه عن السلام مجرد خداع ومراوغة وأن برنامجه يلتقي مع برنامج حماس وهو تدمير اسرائيل.
اما الادارة الاميركية فبالرغم من قول الرئيس الاميركي في سيئول قبل يومين بأنه ربما كانت هناك حاجة للتوقف قليلاً والانتظار لحين يقدم الطرفان على فعل شيء ايجابي آخر غير ما فعلاه فإن وزارة الخارجية الاميركية لم تنفض يدها بعد وما زالت تحاول بشكل يائس انقاذ ما يمكن انقاذه بالرغم من ان هناك في واشنطن من يعتقد بأن ما حدث من قبل ابو مازن ونتنياهو جاء في الوقت المناسب لأن هذه الادارة لا تريد ان تقوم بأية خطوة تثير غضب اللوبي اليهودي بأميركا قبيل انتخابات النصف للكونغرس في شهر تشرين ثاني القادم.
ولا شك بأن الأشهر القادمة ستشهد مراوحة في نفس المكان من قبل الادارة الاميركية وربما من قبل حركتي فتح وحماس حيث نشهد تباطؤاً في التنفيذ ومحاولة للحفاظ على شكل المصالحة وليس مضمونها.
وفي جميع الاحوال فإن الادارة الاميركية ستعود لتعزف من جديد اسطوانة مطالبة حركة حماس بتلبية الشروط الثلاثة التي وضعتها الرباعية وتبناها الغرب بشكل عام وهي نبذ العنف والاعتراف بحق اسرائيل في الوجود والاعتراف بكل الاتفاقيات التي سبق توقيعها بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وعلى اية حال، فإنه يجب الا يغيب عن بال أحد بأن ما يجب التركيز عليه هو برنامج حكومة الوحدة الوطنية وليس برنامج حركة حماس، واذا ما ارادوا ان يقوم احد بتبني شروطهم الثلاثة فيمكن ان يتم ذلك من قبل الحكومة التي سيترأسها ابو مازن وليس من قبل اي حركة او حزب يشارك في هذه الحكومة.
واذا ما اصرت اميركا واوروبا على ان تعترف حماس بهذه الشروط فإنه على القيادة الفلسطينية ان تطالب بأن تعترف كل الاحزاب المكونة للائتلاف الاسرائيلي الحاكم برئاسة نتنياهو بحق الشعب الفلسطيني بالاستقلال والسيادة على الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس العربية، وأن هدف المفاوضات الجارية هو تحقيق سلام على اساس حل الدولتين.
ويقيناً ان احزاباً رئيسية في حكومة نتنياهو ترفض الاعتراف بحقنا في اقامة دولتنا بل ويدعو بعضها الى ترحيل الفلسطينيين وضم الضفة الغربية لاسرائيل، ولا يجوز التغاضي مع برامجها وعدم وضعها على المحك للكشف عن حقيقة وجهها وبرامجها التوسعية.
"اتفاق إطار" المصالحة وانكشاف أطرافه !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
في اللحظة الأولى التي تلت الإعلان عن اتفاق المصالحة الجديد في غزة، تحقق الإنجاز الأول، وربما الأهم، لهذا الاتفاق، ذلك أنه نجح في كشف كافة الأطراف التي باتت عارية بعد الإعلان عنه، ولعلّ أول هذه الأطراف إسرائيل التي أكدت من جديد، أن حالة الانقسام الفلسطيني، حتى لو لم تكن من صناعتها، فإنها حافظت عليها ودعمتها ووضعت العراقيل أمام إنهائها، وأن الانقسام هو مصلحة إسرائيلية خالصة، فإسرائيل التي كانت تتهم الرئيس عباس بأنه غير مؤهل لقيادة عملية تفاوضية واعتباره ليس شريكاً كونه لا يسيطر على قطاع غزة بسبب الانقسام، عادت لتتهم عباس كونه فضل المصالحة على المفاوضات، وعندما توفر للرئيس أمر قيادة كل الفلسطينيين من خلال هذه المصالحة، ما يجعله "شريكاً" بعد أن كان الانقسام لا يجعله كذلك من وجهة نظر إسرائيل، عند ذلك، اتهمت إسرائيل عباس بإجراء مصالحة مع "إرهابيين" وهي حركة حماس، مع أن إسرائيل سبق وأن أجرت اتفاقات تهدئة، ثم اتفاق هدنة مع حركة حماس برعاية الرئيس المصري المعزول مرسي، مع الفارق أن المصالحة في الوسط الفلسطيني هي بين "خصوم" بين اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس، من المفترض أنه بين "أعداء"!!
ما دفع الجانبين، إلى الوصول إلى لحظة فارقة وأدت إلى التوقيع على "اتفاق اطار" للمصالحة بات معروفاً على نطاق واسع، لكن يهمنا في هذا السياق الإشارة إلى أن هذا الاتفاق تم التوقيع عليه بين طرفين: منظمة التحرير من جانب وحركة حماس من جانب آخر، وهذه المسألة ليست شكلية إذا ما تمعنا في معانيها، وتوقيت هذا الإعلان حول المصالحة، له أهمية من زاوية أنه تم أثناء العملية التفاوضية وقبل انتهاء أجل جولتها الحالية، أي أن ما كان يطرح سابقاً من أن هذه العملية هي أحد أهم أسباب الفشل في التوصل إلى اتفاق المصالحة، لم يكن طرحاً صادقاً، بل مبرراً لرفض التوصل إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة، أو على الأقل محاولة لتبرير التأجيل والتأويل.
وقد تبين أن أمر المصالحة لم يكن بيد إسرائيل وأميركا، وها هو الرئيس أبو مازن يدير ظهره لهما متوجهاً عبر وفده إلى قطاع غزة، رغم الإدانات والاحتجاجات والتهديدات، عندما نضجت الظروف، ووصلت الأزمة الداخلية لدى طرفي الأزمة ذروتها، لم يكن لإسرائيل أو الولايات المتحدة الاّ أن تشاهدا قدرة الرئيس عباس على أن يتخذ القرارات الصعبة والتنازلات المهمة، ليس لهما بل لصالح ما شعر أنه يخدم القضية الوطنية الفلسطينية، إسرائيل أو أميركا، أو كلتاهما، لم يكونا سبباً في تأخير الإعلان الجديد عن المصالحة، بقدر ما كان الأمر يعود إلى أسباب داخلية فلسطينية بالدرجة الأولى، ولعل سبب ما تعانيه كل من إسرائيل والولايات المتحدة بسبب هذه المصالحة، هو توقتيها، إذ بينما تلفظ المنظومة العربية، مصر ومعظم دول الخليج العربي، جماعة الإخوان المسلمين وتطاردها، في هذا الوقت بالذات، يقوم الرئيس عباس باحتضان هذه الجماعة عبر ممثليها في القطر الفلسطيني، حركة حماس، ليعود الرئيس عباس ليؤكد من جديد، أنه رئيس كان ولم يزل لكل الفلسطينيين، حتى لو كانت هناك خلافات وتباينات داخل البيت الفلسطيني!!
في سبيل التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، تم تجاهل ملفات هامة وخطيرة، لعلّ أبرزها "الملف الأمني"، وبينما كانت حركة حماس تؤكد على أن أي اتفاق يجب أن يتم حول كل الملفات رزمة واحدة.. مع ذلك، فإنها وضعت هذا الملف خارج الرزمة، وموافقة وفد منظمة التحرير على ذلك، ما كان إلاّ لتيسير التوصل إلى مثل هذا الاتفاق الذي يشير إلى حد بعيد "اتفاق اطار" أو "إعلان مبادئ" أو اتفاق على ما تم الاتفاق عليه سابقاً، وهي إشارات تحمل في مضمونها الحذر الشديد حول مدى قدرة أطراف الاتفاق إلى تحويله إلى واقع يتجاوز "إدارة الانقسام" ومن الصعب النظر إلى هذا الاتفاق بوصفه "إدارة المصالحة" على ضوء ما جرى في نهر الانقسام طوال السنوات السبع الماضية، وإذا كان سبب التوصل إلى الاتفاق الأخير يعود بدرجة أساسية إلى تأزّم أوضاع حركتي فتح وحماس، فإن هدف هذا الاتفاق، هو محاولة الخروج من هذه الأزمات، ولعلّ توفير "حراك تصالحي" يفي بهذا الغرض، مع التوصل إلى توافقات هنا وهناك، دون أن يعني ذلك التوصل إلى نهاية حقيقية للانقسام.
وإذا كانت بعض الأطراف، قبل وبعد هذا الاتفاق، تؤكد على أن قاطرة المصالحة قد بدأت في الانطلاق، فإن هذه الأطراف تشير بين وقت وآخر، إلى أن تعطيل مسيرة قطار المصالحة قد يحدث بسبب التدخل الإسرائيلي ـ الأميركي، وكما أسلفنا، فإن ذلك ذريعة واستدراك مسبق، لما قد يحدث، وأكثر من ذلك، إيجاد المبررات الجاهزة لدى أي تعطيل، مع أن ابو مازن، وكما أشرنا أدار ظهره تماما، في سياق المصالحة لكل من إسرائيل وأميركا.
لا يعني ذلك على الإطلاق، انتظار التعطيل والفشل، بل نقول ذلك، لكي نقف جميعاً وراء هذا الاتفاق مهما كانت رؤيتنا له، ودعم كافة الأطراف من أجل تسهيل وصول قطار المصالحة إلى نهايته المرجوة، وحتى لا تصبح مقولة أحد كتّاب الرأي العرب تعقيباً على الاتفاق صائبة عندما قال إن هذا الاتفاق كزواج الفنانين: حفلات صاخبة وطلاق سريع!!
لنمارس السياسة باحتراف حتى نحاصر إسرائيل ..!
بقلم : أكرم عطا الله – الايام
وأنا أحضّر لكتابة هذا المقال كان علي أن أعود لمكتبي باحثاً بين أعداد مجلة "وجهات نظر" القديمة عن حوار نشره الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل في العدد الثاني والعشرين عام 2000 دار بينه وبين الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران بعد توقيع اتفاق أوسلو بأسابيع نهاية عام 93 وهو نقل لما دار بين الرئيس الفرنسي ومهندس اتفاقيات أوسلو من الجانب الإسرائيلي شمعون بيريس بعد توقيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في حديقة البيت الأبيض على اتفاق إعلان المبادئ.
ينقل هيكل ما قاله له الرئيس الفرنسي ميتران مباشرة عن شمعون بيريس الذي كان حينها وزير خارجية إسرائيل عندما سأله ما الذي تقدمونه لعرفات بعد هذه المخاطرة التي أقدم عليها؟ ورد بيريس أنهم لم يفكروا بعد، فقد فضلوا التعامل مع القيادة لأن أي وفد قد يتم تغييره إذا خرج عما رسمته القيادة، وإذا كانت هذه القيادة هي المفاوض فمعنى ذلك أن الذي أمامنا هو من يملك القرار وحينئذٍ يكون الباقي علينا، وحين طلب ميتران مزيداً من الشرح حسب نقل هيكل سمع من بيرس ما معناه "أنهم يحتاجون وقتاً طويلاً كي يأخذوا الفلسطينيين إلى مائدة المفاوضات ثم يعودون بهم عن قرب المائدة ويطرحون عليهم صيغاً واسعة مفتوحة للاجتهادات، ثم يأخذونهم معهم إلى تمارين في الصياغة قد تكون مفيدة في تعليمهم دون أن تكون بالضرورة مؤدية إلى اتفاق معهم، ثم أنهم سوف يعرضون عليهم وسطاء ووساطات يذهبون بأفكار ومقترحات ويتركونهم يذهبون إلى واشنطن ونيويورك ويعودون من واشنطن ونيويورك ثم يكون من هذا الجهد كله أن يؤقلم الطرف الفلسطيني نفسه تدريجياً على كيفية تخفيض سقف توقعاته.
ويستمر هيكل في القول حين لاحظ الرئيس ميتران أنني أسمعه باستغراب اختصر الطريق ليقول بسرعة "اعترف لي بيريس صراحة أن علينا جميعاً أن نعطي الفلسطينيين فرصة لعملية تحضير تؤدي إلى تخفيض سقف توقعاتهم ثم وضعها على بلاطة، كما يكتب هيكل على لسان ميتران الذي قال له كيف أقولها لك، هم يريدون عملية تدويخ قبل الدخول في الكلام الجد".
ربما أن هذا هو أخطر حوار استوقفني قبل حوالي عقد ونصف وأكثرها صراحة حين كنا مشغولين بتفسير الانتفاضة التي كان عمرها أسابيع قليلة، وبعد شهور من عودة وفود التفاوض من قمة كامب ديفيد والتي لم تكن سوى عملية تدويخ كبيرة وتدريب للفلسطينيين على تخفيض سقف توقعاتهم وربما تدريب على الصياغة دون أن تفضي إلى شيء.
من المهم استعادة هذا الحوار ونشره الآن بعد هذه الملهاة التي يمارسها رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو وهو يقوم بعملية التدويخ المرسومة جيداً بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة، والتي احتار الفلسطينيون في الشكل الذي يقدمون فيه أنفسهم للإسرائيليين كي تستمر المفاوضات، وكي يتوصلوا معهم إلى تسوية. فنفس الحكومة التي ملأت العالم ضجيجاً بالتصريحات بأنه لا يمكن صنع السلام مع أبو مازن لأنه لا يمثل كل الفلسطينيين، والآن لا يمكن التفاوض مع أبو مازن لأنه يمثل كل الفلسطينيين بمن فيهم "حماس"، ومرة أثناء الانتفاضة كانت الحجة أنه لا يمكن التفاوض مع الفلسطينيين في ظل العنف، ومرة لا يمكن التفاوض إلا بجمع الأسلحة إذا كنتم تذكرون.
ولا يمكن التفاوض إلا بالاعتراف بالدولة اليهودية، وإذا ما أفلست الحكومة الإسرائيلية واستجاب الفلسطينيون لكل الشروط تتذرع بقصة التحريض والمناهج الدراسية، وبالتأكيد لن تعدم المبرر طالما أن قصة التدويخ دون التوصل إلى حلول هي الإستراتيجية التي اتبعتها إسرائيل منذ أن وقعت اتفاق أوسلو، ولو كانت نوايا إسرائيل غير ذلك لاعتبرت هذه الحكومة هي فرصة التسوية لأنها تشكل أوسع تفويض لأبو مازن للتوصل لاتفاق، فهي حكومة تمثل الضفة وغزة، منظمة التحرير و"حماس"، ولكن الأمر غير ذلك.
ما يفسر غضب إسرائيل بكل وزرائها بمن فيهم تسيبي ليفني ويائير لابيد اللذان أظهرا مرونة في الأسابيع الأخيرة، فقد صادقا على معاقبة السلطة في اجتماع الكابينيت الذي عقد نهاية الأسبوع إلى جانب بينيت وليبرمان، لكن الحكومة الفلسطينية التي جرى الاتفاق حولها تنزع آخر الذرائع الإسرائيلية وتزيد من انكشاف إسرائيل أمام العالم وتضع عصا كبيرة في دولاب التدويخ الذي تريده إسرائيل مستخدمة ما يقع تحت أيديها من مادة للدعاية تبرر فيها تلك اللعبة التي بدأت منذ أكثر من عقدين.
ولأن اتفاق المصالحة إذا ما نفذ فإنه يقضي على المشروع الإسرائيلي الأهم في العقد الأخير والذي خططت له إسرائيل بعناية وأشرف على التحقق في الرسومات الجديدة لخريطة المنطقة في السنوات الأخيرة، وهو مشروع فصل غزة الذي لم تدرك خطورته حركة حماس حين سيطرت على القطاع، فها هو المشروع الإسرائيلي ينهار، هذا أيضا يفسر سر الهستيريا التي اجتاحت القيادة الإسرائيلية، وهي تتلقى صور إعلان اتفاق المصالحة القادمة من غزة، فقد شكلت "حماس" حكومتها العاشرة عام 2006 ولم نسمع هذا الغضب الصاخب آنذاك بهذا المستوى الذي نسمعه حالياً، فحينها كانت المفاوضات متوقفة ومشروع فصل غزة لم يتحقق لكن الآن الأمر مختلف.
وقد كان الكاتب في صحيفة يديعوت أحرونوت ناحوم برنياع أوضح من ذلك عندما كتب يوم الخميس "الأوروبيون سيذوبون رقة لأن أبو مازن سيحدثهم لا باسم الضفة وحدها بل باسم فلسطين كلها، وسيسافر في الطريق السريع نحو الدولة وستتسع المقاطعة على إسرائيل ويتجدد خطر اعتقال ضباط في عواصم العالم" فإذا ما تمكن الفلسطينيون من تذليل العقبات هذه المرة وشكلوا حكومتهم الموحدة والتي يرأسها أبو مازن وبخطاب موحد قادر على إقناع العالم بالسياسة الفلسطينية بعيدا عن الشعارات التي اعتادت أن تتحدث بها حركة حماس والتي تهدي لإسرائيل مادة للتحريض ضد الفلسطينيين، وإذا ما أقنعت الحركة بتلك السياسة يمكن استكمال حشر إسرائيل كما يتوقع برنياع والذي يعتبر من شيوخ الصحافة في إسرائيل.
إسرائيل دولة ماكرة وقد بنت سياستها تجاه الفلسطينيين على نظرية التدويخ التي جسدتها طوال الأعوام الماضية على " نعم ولكن " في مخاطبة العالم وتمكنت من تقديم خطاب مضلل بدا مقنعا للكثيرين مقابل خطاب فلسطيني ساذج يخلو من الدهاء تمكنت خلاله الدولة العبرية من تسجيل نقاط لصالحها أطالت من وقت انكشاف دولة الاحتلال وأطال من معاناة الفلسطينيين، أما آن الأوان للانتقال جميعنا كما الإسرائيليين إلى سياسة ذكية تعتمد على الدهاء في مواجهتها وبنفس أسلوبها في صراعها معنا؟ أما آن الأوان لتقييم التجربة واستخلاص العبر واللعب على حبال السياسة كما محترفي السيرك دون أن نقع ضحية المكر الإسرائيلي والذي استدرجنا كثيرا ووقعنا مرارا في أفخاخه، فقد تشكل حكومة الوحدة فرصة لذلك تمهيدا لوحدة السياسة التي كلفنا غيابها كثيراً، وإذا لم يكن بالإمكان إيجاد حلول هنا على أرض فلسطين فلنذهب لتحقيق انتصارات في عواصم العالم تمهيدا لمحاصرة وعزل دولة الاحتلال، هذا ممكن ويبدأ من قدرة الفلسطينيين على تشكيل الحكومة التي اتفقوا عليها ورسم سياسة أكثر ذكاء. هل تفهم "حماس" ذلك وتكف عن شعاراتها المعلنة والتي سلحت إسرائيل بمادة دسمة للدعاية ضدنا كلنا وضد الحركة ووضعتها على قوائم الإرهاب؟ هناك فرصة لمخاطبة العالم أساسها تفهم "حماس" للعبة الجديدة حتى تترنح إسرائيل لا أن ندوخ نحن أكثر، لقد كتب الصحافي الإسرائيلي شمعون شيفر أن شامير بعد كل فشل محاولة للتسوية كان يتنفس الصعداء قائلا "وأخيرا زال تهديد السلام" هل يفيدنا هذا الدرس بشيء؟
استبعاد النساء عن مشهد المصالحة
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
أثبتت التجربة العملية أن المرأة عندما تقتنع بالفكرة، فإنها تمتلك إرادة استثنائية على تأدية المهام الصعبة، وعلى الاستمرار بها حتى إنجازها مهما صادفها من متاعب وصعاب. هذا ما تثبته، على الأقل، الفرادة التي تحلّت بها النساء في غزة، وثباتهن على تنظيم الوقفة الأسبوعية المطالبة بإنهاء الانقسام منذ إقرارها من قبل هيئات الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في آذار 2012.
على مدار أكثر من عامين، استمرت النساء في وقفتهن الأسبوعية في قطاع غزة بشكل منتظم، معبِّرات عن رفضهن استمرار الانقسام من جهة، والمطالبة بإنهائه على أساس الاتفاقيات الموقعة بين القوى السياسية من جهة أخرى. والهدف من الفعالية إيصال رسائل شتى، من خلال الوقوف في الشارع، إلى أصحاب القرار ومتخذيه، رغم أن جميع القوى السياسية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني قد يئست من جدوى الجهود السياسية لاستعادة الوحدة الداخلية، وبدت كالذي نفض يديه من أمر تغيير المشهد الانقسامي للحد الذي ظهر أنها تكيَّفت مع واقع الانقسام وتعايش مع وجوده وتعامل معه. وبمرور الوقت ومع استمرار تشكيل البنى والمواقف المتوازية، تشكلت فجوات صلبة من الثقة بين المجتمع والقيادات السياسية، وهو ما يفسّر الشكوك والبرود الذي استقبل فيه توقيع الاتفاق الأخير في غزة. لقد بقيت المرأة وحدها في الشارع وحتى اللحظة الأخيرة، صيفاً وشتاءً، في ظروف الشدة كما في ظروف الجُمَع المشمشية متحمِّلة، في الضفة وغزة، جميع أشكال الضغط والقمع للحد الذي وصل إلى استدعاء بعض الناشطات من كلا الجانبين وتعريضهن إلى التحقيق وغيره من أشكال التطاول على الحريات العامة، ولكن لم تمنع المتاعب، إلى التزحزح عن موقفها مثبتة إخلاصها وولاءها لفكرة الوحدة.
ومع ذلك وحين توقيع الاتفاق لم نر أيّ امرأة واحدة في صورة المشهد التصالحي، وكأن الجميع يريدها فقط وقوداً أو أداة للاستخدام في الحرب الإعلامية فقط، وهو الأمر الذي وقع في جميع جلسات الحوار، حيث استبعدت عن لجنة المتابعة لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وأقصيت عن الصورة الحقيقية وحتى الرمزية المعتادة.
إن التوقيع أنتج ولادة طفل خداج، والطفل الخداج لا بد وحتى يتمكن من العيش أن تتوفر له الظروف الملائمة للنمو والحياة، وبحاجة الى إرادة استثنائية لدفع المصالحة الأولية نحو التطور لجعلها حقيقة ثابتة، وهذه المهمة بحاجة إلى مشاركة القوى التي لا تسترشد بمصالحها لاشتقاق مواقفها، ومنها قطاع المرأة، للموضوعية التي تتميز بها وتكوينها الخاص، وقدرتها على تحسس المخاطر المحيطة، وامتلاكها الحس العالي بمحددات الأمن الإنساني واستشعارهن بالأثر الضار الذي يوقعه المساس بالنسيج الاجتماعي وخلخلته للسلم الأهلي.
لا أقدم عملية المصالحة كأحد الشؤون النسوية، فالمصالحة بشكل مباشر شأن سياسي بامتياز، لكن مشاركة المرأة، كحق وواجب، تكسب الحوار ونتائجه أبعاده الديمقراطية في اجراءات حل الصراع والخلاف، كأحد مبادئ العدالة الاجتماعية والوصول للعدالة الانتقالية، حيث يوفر مساحة حوارية شاملة لمشاركة جميع أطياف العمل السياسي والاجتماعي، باعتبار أن الخلاف الفلسطيني لم يكن خلافاً سياسيا فقط، بل خلاف على القضايا الفكرية والاجتماعية، يكمن في ثناياها موقع المرأة ودورها ومكانتها في المجتمع في جميع مناحي الحياة، وقدرة المرأة على إحداث تغيير نوعي، كونها تركز على المهمات الرئيسية، وتغلِّب المصالح الوطنية التحررية، على مصالحها الفئوية.
سبع سنوات مرت على الانقسام استمرت المرأة خلالها في الحراك مقدمةً المبادرات المتنوعة على مختلف الأصعدة، بدءاً من تقديم رؤية المرأة الفلسطينية لمواجهة الانقسام، مروراً بفعاليات جماهيرية كالتظاهر وعقد المؤتمرات وتقديم العرائض والنداءات التي تنادي بالمصالحة، وانتهاء بطاولات الحوار النسوية المتمخضة عنها ورقة موقف يستند إلى تحليل إشكالات التجارب السابقة ومعايير المصلحة الوطنية العليا ومضامين العقد الاجتماعي.
ماذا بعد، الآن وعلى أثر توقيع اتفاق الشاطئ، ما زالت القوى السياسية الفلسطينية، من أقصى يسارها الى أقصى يمينها، تتجاهل القوى النسائية والاجتماعية، وتتنكر لوجهة نظر مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، انطلاقاً من مفهوم خاطئ وتعريف قاصر لأسس الوحدة الوطنية، القائم على أساس وحدة الفصائل السياسية وقادتها، متجاهلا وجهة نظر القوى الاجتماعية، مقصياً احتياجاتها ومتطلباتها، وكأن توافق القوى ينتج بشكل ميكانيكي تحقق وحدة المجتمع وكأن توافقها تحصيل حاصل للتوافق السياسي.
ومن هنا، تكتسب الحوارات النسوية الموازية بين القوى النسائية الأهمية للحوار حول موقع المرأة في النظام السياسي ورؤيتها له، ومن أجل حوار آخر فيما بينها، ولتشكيل مرصد يراقب الأداء ويوثق الانتهاكات المقترفة من أي طرف من الأطراف السياسية للإعلان عنه توخياً لتصويب المسار المؤسَس على المرجعيات المتوافق عليها لجهة الاتفاقات السياسية، والمستند للمرجعيات والمبادئ الاجتماعية.
شرط إنهاء الانقسام: الاتفاق على المشروع الوطني
بقلم: د. فيحاء قاسم عبد الهادي – الايام
تم التوقيع في غزة قبل أيام معدودات، وتحديداً في الثالث والعشرين من نيسان 2014 على الاتفاق الذي تم التوقيع عليه منذ سنوات، في القاهرة، والدوحة؛ لإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد.
"تم التأكيد على الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة، والتفاهمات الملحقة، وإعلان الدوحة، واعتبارها المرجعية عند التنفيذ".
وبعد المراوحة بين التوقيع، ونقضه، مراراً وتكراراً؛ يحق لنا ان نتساءل: حتى ينتهي الانقسام؛ هل يكفي الاتفاق على إجراء مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني، خلال خمسة أسابيع، والاتفاق على تزامن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وعلى مناقشة إجراءات الانتخابات، في لجنة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، في اجتماعها المقبل، والتأكد من عقد اجتماعات منتظمة للجنة، واستئناف عمل لجنة المصالحة المجتمعية ولجانها الفرعية؟!
وإذا كانت هناك أسباب منعت تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام منذ 14 حزيران 2007؛ فهل زالت هذه الأسباب، حتى يمكن أن يُزَفَّ إلى الشعب الفلسطيني "انتهاء مرحلة وسنوات الانقسام الفلسطيني"؟!
وبعيداً عن الجلسات الودية، والابتسامات العريضة، وتبادل التحيات، والعناق، وروح المحبة، التي سادت بين طرفي الانقسام، والوفد المرافق؛ هل تم اتفاق على البرنامج السياسي؟ وهل تم الاتفاق على موقف محدد بشأن استئناف المفاوضات؟ وبشأن مقاومة الاحتلال؟ وهل تم الابتعاد عن تحميل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية تعطيل تنفيذ الاتفاق؟!
وهل صحيح أنه لا يوجد تناقض بين المفاوضات والمصالحة؟!
*****
تخلل موضوع إنهاء الانقسام، جلسات المؤتمر السنوي الثالث للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية/ مسارات، بيوميه، رغم تخصيص جلسة خاصة لمناقشته، في اليوم الثاني للمؤتمر: 5 نيسان 2014؛ تبحث الموضوع بارتباطه بإستراتيجيات مقاومة المشروع الصهيوني الاستعماري العنصري.
كما شكل إنهاء الانقسام حجر الزاوية؛ ضمن كافة الأوراق المطروحة في المؤتمر.
وقد تبيَّن ذلك منذ الجلسة الأولى للمؤتمر، حتى ختامه؛ إذ لا يمكن إنهاء الانقسام دون إعادة تعريف المشروع الوطني والهدف الاستراتيجي، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، كما لا يمكن تفعيل المقاومة الشعبية، ومواجهة السلبيات، وتطوير الإيجابيات، دون وحدة نشطاء المقاومة الشعبية. أما الأسرى فهم أحوج ما يكون لإنهاء الانقسام بينهم، حتى يتصدوا لجلاديهم، وينالوا بعض حقوقهم/ن.
*****
لم يختلف أي من المشاركين والمشاركات في المؤتمر حول ضرورة إنهاء الانقسام. ولم يختلف حول أهميته طرفا الانقسام، حيث تسابقا على الحديث حول أهمية إنهاء الانقسام؛ بل ذهبا إلى أبعد من ذلك، حين أكدا على أن: "الانقسام تدمير للقضية الفلسطينية"، "ضد المصالحة مع إنهاء الانقسام؛ لأن المصالحة موجودة والجريمة الوطنية قائمة".
وإذا كان الانقسام تدمير للقضية الوطنية، وجريمة وطنية؛ فمن يتحمل مسؤولية تدمير القضية الوطنية، ومسؤولية الجريمة الوطنية، منذ حزيران 2007 حتى الآن؟!
*****
كرَّس المؤتمر جلستيه الأولى والثانية، لعرض ونقاش الأوراق، التي تناولت "إعادة تعريف المشروع الوطني والهدف الاستراتيجي"، والذي شكَّل ضرورة لا غنى عنها لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الوطنية؛ لتحقيق الانتصار.
ولم يقتصر نقاش الموضوع على مقدمي الأوراق والمعقبين/ات؛ بل امتد ليشمل مجموعة كبيرة من المفكرين/ات، والأكاديميين/ات، والنشطاء السياسيين، في الوطن وفي الشتات، الذين قدموا تصوراتهم/ن المكتوبة، لمرتكزات الرؤية الجديدة للمشروع الوطني، وللهدف الوطني الاستراتيجي؛ الأمر الذي وسَّع دائرة النقاش، وعمَّقها.
ضمن مداخلته؛ واصل د. نديم روحانا، ما طرحه من أفكار في المؤتمر الأول لمسارات عام 2012؛ حين تحدث عن أهمية انطلاق المشروع الوطني الفلسطيني، من وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة قضيته، ووحدة مصيره، وحين نبَه إلى خطر التقسيم والتجزئة على مصير الشعب الفلسطيني، مبيناً أهمية أن يعود الصراع إلى أصوله، من حيث هو صراع بين حركة تحرر وطني، ومشروع كولونيالي، داعياً إلى استخدامه ليس كتوصيف فحسب؛ بل كتحليل، ومذكراً أنه لم ينته أي مشروع من المشاريع الكولونيالية باقتسام البلاد التي جرى استعمارها بين المستوطنين والسكان الأصليّين.
"إذا تصالح الشعب الفلسطيني مع الصهيونية؛ معنى ذلك انه تصالح مع حركة كولونيالية، تأتي لتقول له: هذا الوطن ليس وطنك".
وعلى هذا الأساس؛ يفكك د. نديم المنظومة الفكرية، التي أوصلت الحركة الوطنية الفلسطينية وقياداتها إلى طريق مسدود، وينتصر لحل الدولة الواحدة، التي يرى فيها تجسيداً للمشروع الفلسطيني الوحدوي، مقابل حل الدولتين، الذي يجسد المشروع الفلسطيني التجزيئي.
ويطرح تساؤلاً مشروعاً حول أفضل وسائل المقاومة، ووسائل النضال، لتحدي المشروع الصهيوني الكولونيالي.
*****
في الجلسة المكرَّسة لبحث "إنهاء الانقسام ضرورة وطنية"؛ وبعد تأكيد طرفي الانقسام، على رغبتهم الجدية بإنهائه، مراراً وتكراراً، وإعلانهم عن ذلك عبر وسائل الإعلام؛ توقع المشاركون/ات أن يستمعوا، إلى لغة تخاطب تعكس هذه الرغبة، وتبحث في أفضل الوسائل لتجسيد هذه الرغبة، في خطوات عملية، على الأرض.
جرى تراشق الاتهامات، المعلنة والمبطنة، واستمعنا إلى الخطاب القديم الجديد، والذي يشعرنا، في كل مرة نستمع إليه؛ بأن الانقسام يزداد عمقاً، وأن شعار "إنهاء الانقسام"، ليس سوى خطاب إعلامي، وشعبوي، يهدف إلى كسب الوقت، وتعميق الانقسام، وتكريس واقع التجزئة والتشرذم القائم.
*****
بعد تراشق الاتهامات بأسابيع قليلة؛ اجتمع وفد منظمة التحرير الفلسطينية، مع وفد حركة حماس، في غزة، ضمن أجواء وصفت بالإيجابية، وعبرت حركة حماس عن الأجواء التي سادت اللقاء، بأنها "مجتمعة على قلب رجل واحد، وأن أياديها ممدودة للوحدة الوطنية بكل روح إيجابية"، كما أن وفد منظمة التحرير، عبر عن الفرحة بلقاء أشقاء "عشنا معهم لسنوات، ونقترب من إنهاء الانقسام"، ودعا إلى "اجتثاث الانقسام البغيض والورم الخبيث من الجسد الفلسطيني".
ولكن الانقسام لن ينتهي بتجاهل أسبابه الحقيقية، ولن ينتهي؛ إذا لم يكن هناك إرادة حقيقية لإنهائه، على أساس النضال المشترك لمواجهة المشروع الصهيوني الكولونيالي، وتحقيق الانتصار.
كما انه لن ينتهي؛ سوى ضمن مفهوم الشراكة السياسية الحقيقية؛ ليس بين طرفي الانقسام فحسب؛ بل بين مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، نساء ورجالاً، داخل الوطن وخارجه، وأينما وجد الفلسطينيون.
تغريدة الصباح – هل لدينا ثقافة الطفل
بقلم: حنان باكير – الحياة
شغل بالي دوما موضوع الطفل في مجتمعاتنا، وما إذا كان لدينا ثقافة خاصة به، أم أن موضوع الأمومة والأبوة هو غريزة حبّ الإنجاب، التي هي في جزء منها أنانية. التعميم مبدأ خاطئ. لذا فأنا لا أنكر تغييرا إيجابيا معقولا ومقبولا، قد طرأ بهذا الشأن، ولكن...
ترافقت وصديقة لي في نزهة برّية في إحدى ضواحي أوسلو.. في طريق عودتنا، التقينا بمجموعة من النسوة، من معارف الصديقة. كان واضحا عودتهن من واجب عزاء، بارتدائهن الملابس السوداء.. لكن حديثهن لم يكن يوحي بحزن أو بتعاطف مع أهل الفقيد.
حيّتهن صديقتي، ووقفت تتبادل معهن أطراف الحديث. قالت إحداهن: وشو عبالها ام محمد! شو محظوظة هالمرأة! حصلت على وظيفة ثابتة في دار المسنين. ثم حصلت على قرض واشترت بيتا جميلا.. و"نقشت" معها، بأن مات طفلها بحادث سيارة! ظننت خللا قد طرأ فجأة على حاسة السمع عندي: سألتها إعادة ما قالته. لا لم أسمع خطأ. عقّبت على كلامها: تقولين انها محظوظة لأنها فقدت طفلها! لعلي فهمت خطأ وشيئا في دماغي أضرب عن أداء وظيفته! نعم هي كذلك.. ابنها لم يتجاوز الثانية عشرة من العمر، يعني هو ما زال طفلا.. وصار عصفورا في الجنة! أن يكون ابنها عصفورا في الجنة خير من ان يتربى في حضنها؟! سألتها بغضب ودهشة، رغم، أني لا اعرفها وهذه هي المرة الاولى التي التقيها.. بكلمات جادة وواثقة أجابتني: نعم.. هو عصفور في الجنة، وغدا سيشفع لها ولزوجها، وفي يوم الحساب، سيقف على باب الجنة، ويرفض الدخول، الاّ برفقة والديه!
تنهّدت امرأة أخرى، وقالت: عندي خمسة أولاد، ليت الموت يأخذ واحدا منهم، ويكون لي شفيعا في الآخرة!! قفزت عيناي من وجهي.. آه لو استطعت أن أكون على سجيّتي، لأعطيتها لكمة على وجهها.. ولكن دون شعور صرخت بوجهها: يا شيطانة.. تريدين التمتع بحياتك وضمان الجنة مع " بغلك"، في الاخرة، على حساب حرمان أحد أطفالك حقه في الحياة؟!
مضى أسبوع، دون أن أستفيق أو أتوازن من صدمة، تلك المحادثة. في جلسة مع بعض الأصدقاء الذين ينتمون للطبقة المثقفة، أخبرتهم تلك الحادثة. علّق أحدهم: إنها بلا شك متخلّفة.. هل يوجد من يتمنى الموت لبذوره وجهّاله؟ الجهّال يعني الأولاد، في بعض اللهجات العربية!
صديقة لابنتي، قالت لنا في معرض حديثها عن زيارتها الى أهلها برفقة ولديها: والداي ضيّقا اخلاقي في هذه الزيارة. أمي، لا همّ لها الاّ: أكلت؟ شبعت؟ اين ذهبت؟ لا تغيبي عن البيت، انتبهي من ولاد الحرام.. ويا ليتها كانت تفعل ذلك عندما كنّا صغارا! في الصبحيات تطلب منّا اللعب خارج البيت.. في وقت كنا بأمسّ الحاجة لها. وعندما كبرنا، أخذت تمارس الدور المطلوب منها ونحن صغار. عكس الغرب تماما.. يهتمون بأطفالهم صغارا، ويعتنون بهم، وعندما يبلغون السادسة عشرة من العمر، يطلقون سراحهم في الحياة، بعد ان يكونوا قد حصنّوهم بالتربية والارشاد.
ماضون في خياراتنا
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لا بد أن يكون الاميركيون، ومعهم الأوروبيون قطعاً، قد سخروا ـ بينهم وبين أنفسهم ـ من ردة فعل مجلس نتنياهو الوزاري المصغّر، عندما تلقف التوطئة المتعلقة بالمصالحة الفلسطينية، لكي يجعلها أم الإحباطات لعملية التسوية. وليست هذه السخرية التي نفترضها، بسبب أن نتنياهو وحكومته في صيغتيها الموسعة والمصغّرة، لم ينطقا بكلمة ـ ناهيك عن خطوة ـ من شأنها أن تساعد حتى على الخداع في شأن التسوية؛ وإنما لكون الأميركيين والأوروبيين، يعرفون أن هذا الرجل، عندما شكّل حكومته، ضم اليها متطرفين لا يعترفون بآدمية العرب قاطبةً، فضلاً عن مجاهرتهم بالرفض المطلق لأي شكل من التسوية حتى ولو ضمنت لهم البقاء في كل الأرض الفلسطينية واستوطنوها!
ردة الفعل الاسرائيلية على الإعلان عن مصالحة فلسطينية وشيكة، تعكس كل سمات العربدة والغرور وجفاء السياسة والتقصّد العنصري للفلسطينيين في وجودهم وفي حياتهم وفي وئامهم واجتماعهم. لذا فإن الأصح والأكرم والأوجب، هو أن تؤخذ ردة الفعل هذه، وسيلة إيضاحية للتعريف بمجموعة من الحقائق، أولها إن إرادة الحياة عند الفلسطينيين، ستقاوم إرادة التتار الجدد، وأنها قررت منازلتها في كل المنابر، وأن على العالم أن يحكم، وأن يدقق للمرة المليون، فيما عندنا وفيما عندهم. فـ "حماس" في خطابها السياسي، تقدم مقاربة تقول إنها مع الدولة الفلسطينية في أراضي 67 وهذا ما تقوله الشرعية الدولية ولا ينكره الأميركيون، وهو ما يدعو اليه الأوروبيون. أما حكومة نتنياهو، في ثناياها المفعمة بلطجة ونكراناً؛ فإنها تخوض حرباً ضد هذه المقاربة، سواء بالقصف أو بإطلاق المستوطنين الهمج، أو بتهويد القدس الشرقية المحتلة عام 67 أو بالجرافات أو بمشروعات البناء الاستيطاني تلو الأخرى. فإن كانت المسألة هي التبرم من حركة ذات خطاب مقاوم، فالأجدر بنتنياهو، وهو سليل حركة ارهابية علّق البريطانيون صور قادتها كمطلوبين بعد أن قتلوا مبعوثين أمميين وفجروا فنادق ومنازل واغتالوا بشراً؛ أن يطرد من حكومته منتمين لأوساط صهيونيين، وصفوا العرب بالثعابين والعقارب، وهذه زواحف حسب التوراة، لا حل وسطاً معها، ولا حلّ لها إلا السحق كما ورد في اللفظ التوراتي الذي يعتمدونه. فمن يرى أن هناك شرعية لفئات تريد سحق الآخر ونفي وجوده؛ لا يحق له الاعتراض على شرعية من يتقبلون مقاربات للتسوية أو للهدنة الطويلة أو للدولة الفلسطينية في حدود 67.
السخرية التي نفترضها، التقطت قطعاً، عنصر الخفة والرعونة، في نطق نتنياهو. كان واضحاً أن الرجل، يستأنس بالقوة الغاشمة ويتوعد ويهدد ويتوجع كذباً. هو يظن أن الطرف الفلسطيني سوف يخشاه. ربما ساعدته على اختيار طريقته في الرد على الإعلان عن توطئة المصالحة؛ قناعاته بأن العالم بات عاجزاً، وأن واشنطن تغطيه سياسياً مهما كان عربيداً. ربما ظن أن الفلسطينيين لن يغامروا باعتماد أي موقف من شأنه إفقادهم سلطتهم على أرضهم، حتى وإن كانت سلطة بلا سيادة لا تدفع خطراً ولا استيطاناً ولا تمتلك طريقاً ولا منفذاً. إن هؤلاء المحتلين، قد أعماهم غرورهم عن رؤية الحقيقة، وهي أنهم لم يتركوا لنا شيئاً نخسره سوى أنفسنا التي لا يمكن أن نخسرها. لم نعد نأمل في شيء طالما هؤلاء بهذه العقلية الخشبية المعاندة لسنن الحياة والتاريخ. رهاننا اليوم على تحسين الشروط المعنوية لوجودنا ولكيفية هذا الوجود على الأرض وفي الآفاق. القوة الغاشمة أعجز من أن تحبط إرادة شعب. وعليهم أن يختاروا، إما أن يجعلونا نتعاطى مع الواقع، مثلما كان الحال في المربع الأول، قوة احتلال وشعب يقاوم بالسبل المتاحة ويناضل من أجل قضيته ولا وسيط ولا سلطة ولا ما يحزنون، ومعه كل محبي الحرية في العالم، وإما أن يرضخوا لإرادة هذا الشعب، ويتعاطوا في السياسة كبشر لا كوحوش مجردة من الحواس.
ماضون في طريق الاجتماع السياسي الفلسطيني، فإن أحسنت القوى الوطنية الأداء، وأظهرت احتقارها لطروحات مجالس نتنياهو المصغّرة الموسعة؛ سوف نحرز تقدماً لضمان أنفسنا وشرفنا وكرامتنا. ليرتفع مستوى الرد على نتنياهو. حين يقول أوقفنا المفاوضات نرد عليه جاءت منك، فأنت غير المؤهل لها. وإن قال عقوبات، نقول له إن ما نخشاه، قاعدون عليه أصلاً. وإن خامرت نفسك رغبة في خنق حياتنا، فإن الكارثة الإنسانية هي التي يليق بك وصحبك، أن تتحملوا تبعاتها مثلما تحمل النازيون تبعات أفران الغاز التي جعلتموها موضوع بكائياتكم قبل أن تنكشف فاشيتكم. نحن هنا باقون على هذه الأرض، وماضون في خياراتنا!
التحذيرات الأميركية لإسرائيل.. ماذا بعد؟!
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
في ظل الشروط والمفارقات الإسرائيلية الحالية، تبقى الجهود المبذولة أميركيا دون كبير جدوى. ومع تبادل الفلسطينيين والاسرائيليين الاتهامات بالمسؤولية عن انهيار المفاوضات والجهود التي يبذلها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، تظهر الخلافات الكبيرة بين واشنطن وتل أبيب. فالمسؤولون الأميركيون دأبوا منذ أشهر على تحذير إسرائيل علنا، بعيدا عن الغرف المغلقة كما كان الأمر سابقا، من أن الولايات المتحدة لن تستطيع حماية إسرائيل من تبعات مواقفها التعجيزية. ولقد اتضح أن الراعي الأميركي لا يملك دورا في التوصل الى "سلام" إذا لم يكن مستعدا لاستخدام النفوذ الكبير الذي يحظى به لإجبار الإسرائيليين على الالتزام بالاتفاقات السابقة والامتثال للقانون الدولي.
وفي العودة إلى المواقف الأميركية، نذكر بالخلاف المستمر بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث لا يثق أحدهما بالآخر ويحمل الأول الثاني مسؤولية أساسية عن إحباط المحاولات الأميركية، (فأوباما) يؤيد "حل الدولتين"، وهو مع وقف "الاستيطان" وإخلاء بعض "المستوطنات" ومنح تسهيلات للفلسطينيين، فيما نتنياهو قومي يميني مناصر للبناء الاستعماري والتهويد أي "للاستيطان" و"الترانسفير"، رافض للحقوق الفلسطينية، متشبث للغاية بإضافة "حقائق جديدة على الأرض" وعلى الوضع الراهن، يسرع البناء في المستعمرات/ "المستوطنات" في الضفة وتهويد القدس. بالمقابل، يتصرف كيري كما لم يتصرف وزير خارجية أميركي، ربما أقل بقليل (من حيث الضغط الواضح) من (جيمس بيكر) وزير الخارجية في عهد الرئيس (جورج بوش) الأب خلال مؤتمر مدريد للسلام.
ورغم أن التحذيرات "الإيجابية" الصادرة عن الإدارات الأميركية لا سابق حديث لها، إلا أن بعدا آخر للمسألة يطرحه الكاتب الأميركي اليهودي والصهيوني (هنري سيغمان)، حيث كتب: "لم تعد الولايات المتحدة صانع السلام الأساسي فحسب بل باتت العقبة الأبرز التي تقف في وجه السلام لأنها تهدد باستمرار باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد كل الجهود الهادفة إلى السماح لمجلس الأمن بمعالجة مسألة قيام دولة فلسطينية أو تبنّي إطار عمل لاتفاق حل الدولتين". ويضيف: "كان يجدر بالولايات المتحدة إبلاغ إسرائيل أن حدودها تقع عند خط عام 1967 المحدد بوضوح في قراري مجلس الأمن رقم 242 و339 وبأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لن يقبلا بالانحراف عن هذا المسار ولن يسمحا إلا بتبادل محدود للأراضي كما تم الاتفاق عليه سابقا". ويختم (سيغمان): "لا يزال ممكناً التوصل إلى حل الدولتين في حال أخبرت واشنطن إسرائيل أنها ستضطر إلى معالجة تبعات الاحتلال وسياسات الاستيطان بمفردها. لكن، نظراً إلى إدمان سياسيينا على التملق وعلى الفوائد الأخرى التي تقدمها لجنة العلاقات العامة الأميركية-الإسرائيلية "آيباك" لدعم سياسات إسرائيل بشكل مطلق، بات الأمر شبيهاً بالمقولة القائلة إن الثلج سيتساقط في تموز".
لا ننكر الجهود غير المسبوقة التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي الهادفة لإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط. ولا ننكر رغبتنا في نجاح عملية التسوية على أسس الشرعية الدولية. ورغم اقتناعنا بأن دورا يجب أن يناط لروسيا والاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية في المفاوضات، إلا أنه ما من بلد آخر غير الولايات المتحدة قادر على التأثير على إسرائيل نتيجة السخاء (المالي والاقتصادي والتكنولوجي) الأميركي المستمر منذ عقود، فضلا عن أن واشنطن هي الحامي الأكبر لإسرائيل من محاولات المجتمع الدولي معاقبتها على خرقها المتكرر للقانون الدولي. والحال كذلك، فإن على الفلسطينيين المضي قدما في المواجهة لتحقيق أهدافهم رغم العقوبات الإسرائيلية، ويا حبذا، لو يكون عبر تبني السلطة الفلسطينية سياسة شاملة ودائمة للتعامل مع الأمم المتحدة ومنظماتها وأجهزتها المختلفة حتى تعود القضية الفلسطينية إلى سابق عهدها كأهم قضية في أروقة الأمم المتحدة بعد أن جعلتها تبعات "الحراكات العربية" وعلى رأسها الأحداث في سوريا، والملف النووي الإيراني، تبدو "معركة جانبية" لا وقت لها الآن في مجلس الأمن الدولي. وإن أدت هذه السياسة الفلسطينية إلى مقارفات إسرائيلية جذرية، فإن ذلك سيعني تفكيك "السلطة" (وما ينجم عنه من تبعات تؤثر سلبا على إسرائيل) وهو أمر أفضل قطعا من استمرار الوضع الراهن.
الوجه الآخر لتهديدات نتنياهو!
بقلم: موفق مطر – الحياة
قد يكونون كبارا أو أقوياء..لكن ليس بالضرورة حكماء أو صادقين، فالادارة الأميركية وحكومة اسرائيل رغم كل ما تتمتعان به من قوة تمنعهما من استخدام الكذب كوسيلة للمناورة، إلا انهما وباعتراضهما على اعلان غزة كل حسب رؤيته ولهجته وباندفاع غير مسبوق وغير مقصود طبعا قد أعطيا الرئيس ابو مازن شهادة صدق حول ما كان يقوله حول رفضه الانصياع لضغوط واشنطن وتل ابيب، وتهديداتهما الجدية فيما اذا وقع اتفاقا مع حماس. فالادارة الأميركية بقدرها وفخامتها، وحكومة نتنياهو بجبروتها وثعلبيتها، فتحتا النار على الرئيس ابو مازن مباشرة فور البث المباشر لـ (اعلان غزة) فسمع قادة حماس الذين كانوا يتهمون الرئيس ابو مازن بالانصياع لضغوط اوباما ونتنياهو، وضعف الارادة والقرار الوطني، سمعوا بآذانهم هذه المرة علنا وبصوت عال ما كانوا يهددون به الرئيس سرا وفي الغرف المغلقة، علما انهم في الحالتين وفي كثير من المرات سمعوا الجواب نفسه من رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية ابو مازن:" الوحدة الوطنية قدرنا، فهؤلاء (حماس) جزء من شعبنا، وغزة جزء من دولة فلسطين، ولن نسمح بقيام دولة فيها ولن نسمح بدولة فلسطينية دون غزة ".
أسعدتني تهديدات نتنياهو للرئيس والقيادة ومنظمة التحرير بسبب (اعلان غزة) رغم قناعتنا بضرورة البرهان على حسن نوايا قيادة حماس، اقله اعلان استقالة حكومة اسماعيل هنية المقالة اصلا منذ سبع سنوات، وإعلان الالتزام بما يقرره الرئيس بخصوص حكومة تصريف اعمال، تقوم بواجباتها حتى موعد تشكيل حكومة التكنوقراط حسب (اعلان غزة) خلال خمسة اسابيع، فخطوة كهذه ستكون دليلا قاطعا على نوايا قيادة حماس بإنهاء الانقسام فعلا، وخطوة للأمام ستؤثر ايجابا في توضيح معالم المرحلة المقبلة، وملامح استراتيجية العمل الوطني، خاصة اذا ما أعلنت حماس مبدأ الانتماء والولاء للوطنية الفلسطينية، وتحررت من الولاء لجماعة الاخوان، فإعلان غزة وحده لن يكون كافيا –وسيبقى حبرا على ورق، ولن يفتح ابواب القاهرة امام حماس – في ظل تأكيد الجميع على رعاية مصر للمصالحة – ما لم يتبع بمراجعة سياسية وفكرية ونظرية، فالوضع الجديد الناشئ بعد اعلان غزة يتطلب وضوحا في الرؤية السياسية لحماس، أو على الأقل عدم عرقلة تحقيق هدف البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وان المقاومة الشعبية السلمية والمفاوضات والمعركة في ميدان القانون الدولي منهجان متوازيان للعمل الوطني في المرحلة المقبلة، ولعلنا نجد في قراءة نائب رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية بنفسه نصا في اعلان غزة يؤكد على قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس خير دليل على تجديد حماس تفويضها لقيادة منظمة التحرير العمل لتحقيق هذا الهدف.
ما نخشاه اخذ البعض تهديدات نتنياهو كيافطة للعمل على اسقاط "اعلان غزة " ثم العودة الى نغمة انصياع الرئيس للضغوط الاميركية!! فتهديدات نتنياهو كما تبدو محرض قوي بهذا الاتجاه.