النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: المقالات في الصحف المحلية 329

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    المقالات في الصحف المحلية 329

    المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (329)


    المقالات في الصحف المحلية

    الاثنين
    28/4/2014







    التضامن مع المعتقلين الإداريين
    بقلم: حديث القدس – القدس
    مقدمات من أجل ثورة عربية حقيقية
    بقلم: كرم الحلو – القدس
    وهكذا ساد دين المسلمين حيث فشل سلاحهم!
    بقلم: محمد جلال عناية – القدس
    كيماوي الأسد مجددا..!
    بقلم: فايز سارة – القدس
    مرحى ... للإتفاق الفلسطيني
    بقلم: سمير الحباشنة – القدس – الايام – الحياة
    يجب انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية
    بقلم: أ.د. ألون بن مئيــر - القدس


    وحدة ـ خلاف ـ وحدة .. أو بالعكس ؟
    بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
    من أولى بركات المصالحة ..
    بقلم: طلال عوكل – الايام
    "الخضر" مخطوفاً وقديساً لإنجلترا
    بقلم: د. خالد الحروب – الايام
    المصالحة: المرحلة الثالثة في بناء الكيانية الفلسطينية
    بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام

    تغريدة الصباح - النّفس السّامية والخادي
    بقلم: محمد علي طه – الحياة
    الحقيقة والمصالحة
    بقلم: عدلي صادق – الحياة
    هاني عياد ابو ابراهيم
    بقلم: محمود ابو الهيجاء – الحياة
    معركة المصداقية
    بقلم: يحيى رباح – الحياة















    التضامن مع المعتقلين الإداريين
    بقلم: حديث القدس – القدس
    الاضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه المعتقلون الإداريون ويدخل اليوم يومه الخامس وسط محاولة سلطات السجون الاسرائيلية التعتيم على هذا الاضراب من خلال عزل المعتقلين الإداريين ومنعهم من الالتقاء بمحاميهم واتخاذ اجراءات مشددة ضدهم في محاولة لإرغامهم على وقف خطواتهم النضالية ، هذا الاضراب يفتح صفحة جديدة أخرى مشرقة في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة ونضالاتها المتواصلة في مواجهة سياسة الاحتلال الاسرائيلي تجاه الأسرى وفي مقدمتها التنكر لحقوقهم باعتبارهم مقاتلي حرية وأسرى حرب حسب القوانين الدولية ، وفي مواجهة سياسة الاعتقال الاداري التي انتهجتها السلطات الاسرائيلية منذ احتلالها غير المشروع للأراضي الفلسطينية عام 1967 وحتى اليوم.
    ومن الواضح ان المطلب الرئيسي لهذا الإضراب هو إلغاء سياسة الاعتقال الإداري، وهي سياسة تعسفية غير قانونية أعطت اسرائيل بموجبها لنفسها الحق في الزج بآلاف الفلسطينيين على مدى عقود طويلة في المعتقلات دون اتهام ودون محاكمة ولفترات قابلة للتجديد الدوري وفق أمزجة قادتها العسكريين وتقارير أجهزة مخابراتها ومما لا شك فيه ان هذه السياسة التعسفية تسببت في مزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني الى جانب احتجاز آلاف الأسرى بعد محاكمتهم أمام محاكم الاحتلال العسكرية.
    ويدرك الجميع ان آلاف الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم المعتقلون الاداريون يعانون من تصعيد اسرائيلي واضح في الاجراءات التعسفية ضدهم وسط شروط معيشية أقل ما يقال فيها أنها غير انسانية ولا تنسجم مع القانون الدولي واتفاقيات جنيف خاصة.
    ولهذا فان التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام ونصرتهم بات ضروريا وسط هذا التصعيد الاسرائيلي الشامل ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه ، واذا كانت سلطات الاحتلال تسعى الى فرض عزلة على الاسرى المضربين بعزلهم عن العالم الخارجي فإن عليها ان تدرك جيدا ان شعبنا بأسره وبكل قواه وفصائله الوطنية يقف صفا واحدا في التضامن مع نضالهم العادل ونصرتهم.
    ومن الواضح ان اعتراف غالبية دول العالم بفلسطين دولة تحت الاحتلال وانضمام فلسطين الى عدد من المعاهدات الدولية وبينها اتفاقيات جنيف والبرتوكولين إنما يفتح أمام فلسطين آفاقا جديدة لنصرة أسراها والدفاع عنهم وهو واجب يقع على كاهل منظمة التحرير والسلطة الوطنية رئاسة وحكومة وعلى وزارة شؤون الأسرى والمحررين في إيصال قضيتهم الى كافة المحافل الدولية ومطالبتها باتخاذ مواقف جادة من شأنها ان تضغط على اسرائيل لوقف إمعانها في انتهاك القانون الدولي ولإلغاء سياسة الاعتقال الاداري والاعتراف بأسرى الحرية كأسرى حرب ومعاملتهم بموجب الاتفاقيات الدولية.
    وأخيرا فإن نضال المعتقلين الاداريين اليوم هو جزء لا يتجزأ من نضال الحركة الوطنية الأسيرة وجزء لا يتجزأ من نضال الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال، ولذلك فإن من الطبيعي ان تتواصل فعاليات التضامن مع الأسرى في مختلف محافظات الوطن وبأشكال مختلفة وبمشاركة كافة الفصائل والقوى الوطنية وكذا المؤسسات الأهلية والحقوقية عدا عن أهالي الأسرى وأبناء شعبنا خاصة وأن قضية الأسرى باتت قضية الكل الوطني وفي مقدمة اهتمامات شعبنا وقيادته، ولهذا نقول إن أسرانا لا يمكن ان يكونوا وحدهم في هذه الظروف الصعبة.

    مقدمات من أجل ثورة عربية حقيقية
    بقلم: كرم الحلو – القدس
    رغم كل التضحيات التي قدمها العرب في تاريخهم الحديث والمعاصر، لم يرقوا الى ما رقى اليه غيرهم من امم العالم المتقدمة إن في الاقتصاد والسياسة او في الفكر والاجتماع. لكأن تضحياتهم ذهبت سدى او تكاد، فجل انظمتهم ومجتمعاتهم متخلفة وعلومهم عاثرة وانسانهم مستلب مقهور.
    وما ذلك في رأينا الا لأن الثورات والانتفاضات العربية لم ترفدها مقدمات ثورية كتلك التي رفدت ثورات الحداثة، اذ هي لم تتصد للاشكاليات التاريخية التي وقفت على الدوام من دون اي تحول ثوري للمجتمعات العربية. ثمة مقدمات ايديولوجية وسياسية واجتماعية واخلاقية لا بد منها لانجاز ثورات عربية حقيقية لم تؤخذ في الاعتبار. ايديولوجياً لم يبلور العرب مفاهيم للدولة والمجتمع والفرد والمواطنة تؤسس لتحول نوعي في الاجتماع والسياسة.
    فالدولة في العالم العربي تعاني من معضلات كبرى مفهومية وتاريخية وتكوينية، ان لجهة الهوية او لجهة الدور والوظيفة والمشروعية. هل هي الدولة السلطانية او هي الدولة الدينية او هي الدولة الليبرالية الحديثة؟ هل هي دولة التجزئة القطرية او هي دولة الطبقة؟ هل هي واقع ثابت ونهائي ام انها مرحلة في الطريق الى ما يتعداها قومياً ام دينياً ام سياسياً؟
    ازاء هذه التصورات الملتبسة بصدد الدولة ثمة تصورات اكثر التباساً بصدد الفرد والمجتمع والمواطنة فهل المجتمع هو تعاقد حر بين افراد احرار ام هو حلبة صراع بين هؤلاء وبين دولة تسلطية قاهرة تنظر اليهم كرعايا لا كمواطنين؟ هل «انتماء الفرد للوطن يستلزم ضمان وطنه له التمتع بالحقوق المدنية» على ما تصور الرائد النهضوي رفاعة الطهطاوي ام ان اولوية الانظمة والعقائد تتقدم على اولوية المواطنية ولو على حساب حقوق المواطن الانسانية والمدنية؟
    الى جانب هذه المقدمات الايديولوجية لم تتصد الدولة العربية للانقسامات الاقلوية الممتدة في الجسم السوسيولوجي العربي ودورها في تهديد بنية الدولة من داخلها، لم تعبأ بما للديموقراطية من دور في وحدة الامة وقوتها، تعاملت بفوقية واستعلاء مع الشعوب، فكان ان تقدمت التسلطية القائمة على العصبية والعنف لتؤجج الصراع بين المجتمع والدولة، وتقودها الى خواء شامل عمم الفقر والامية والانحدار الثقافي والاخلاقي، وقمع عملية التحديث.
    والدولة العربية لم تجابه اشكاليات الفقر والانفجار الديموغرافي وترييف المدن وتخلف المرأة، ما ادى الى انسحاب العقل الريفي واعرافه المتخلفة على العلاقات المدنية والمواطنية.
    والدولة العربية لم تدرك التلازم الضروري بين الحرية والتنمية، فكان ان بقيت التركيبات القبلية المتخلفة تعمل في موازاة الافكار التحديثية، وهي لم تواجه مسألة الفصل بين السياسي والديني، فكان ان اكتسح الديني السياسي، والاصالة الحداثة، والماضوية العصرنة.
    والدولة العربية لم تتعامل جدياً مع الفجوة الطبقية المتمادية بين الفقراء والاغنياء فكان ان بلغت هذه الفجوة حداً يهدد الاستقرار الاجتماعي وينذر بالحرب الاهلية.
    والدولة العربية لم تجابه الفساد الاخلاقي حتى باتت البلدان العربية في اكثرها تحتل مواقع متقدمة في تقارير منظمة الشفافية الدولية عن حالة الفساد في العالم.
    ان تجنب التفكير بهذه الاشكاليات المتمادية والمربكة وعدم التصدي لها بجدية، هو مصدر احباط الثورات العربية وانحدارها الى مآلات بائسة. فلم يكن مفاجأً اندلاع النزاع الطائفي والمذهبي والتعامل الاقصائي مع الآخر في مجتمعات الانتفاضات، ولم يكن مفاجئاً كذلك احساس شرائح واسعة من هذه المجتمعات بالغبن، ومنها الاقليات الطائفية والمذهبية والنساء والمثقفين، كما لم تكن خارج التوقع ضبابية الرؤية المستقبلية للانتفاضات التي بات يخشى على انهيارها وعودة رموز الانظمة البائدة، في ظل فساد اخلاقي مريب. تروي ناشطة بعضاً من مشاهداتها خلال الثورة بقولها في «المرأة العربية» مركز دراسات الوحدة العربية 2014: «سجلنا ما يمكن ان نسميه انفلاتاً اخلاقياً ادى الى ممارسات تمثلت بنهب وسرقة ممتلكات الغير وحرق المؤسسات العمومية ...
    اما الحقيقة الكامنة وراء هذه التعلة، هي الغياب التام للثقافة المدنية، ولأسس العيش والتعايش السلمي داخل مجتمع غاب عنه التنظيم الحقيقي وانعدم فيه مفهوم المواطنة» وتضيف الناشطة: «موكول الى الانظمة القادمة ان ترسي قواعد جديدة لمجتمع مدني مبني على احترام الفرد واشراكه الفعلي في بناء وطنه والسهر على حرمة ممتلكاته».
    من هنا ان الانتفاضات العربية محكومة بمقدمات اساسية وضرورية كي لا تتراجع وتتهاوى كما اكثر الثورات في تاريخنا العربي الحديث والمعاصر. اولى هذه المقدمات تحديد مفهوم الدولة وماهيتها ودورها والانطلاق في الحراك الثوري من رؤية ليبرالية ثابتة تقدم حقوق الانسان وتعترف بالمساواة المدنية والمواطنية من دون مواربة وبصرف النظر عن الانتماءات الاخرى ما قبل الوطنية وما قبل القومية. وثانيتها تأكيد الفصل بين السياسي والديني وانتظام الدولة في السياق المؤسسي الحداثي، النقيض التام للتركيبات القبلية المتخلفة. وثالثتها التصدي لتنمية حقيقية تضيّق التفاوتات الطبقية بين الاغنياء والفقراء وتنزع فتيل الفتنة والحرب الاهلية. ورابعتها مواجهة الهدر والفساد الاخلاقي والانطلاق في العمل السياسي من مبادئ تقدم النزاهة والخير العام على المصالح الضيقة والشخصية. وخامسة هذه المقدمات اعادة نظر جدية وجذرية في واقع المرأة العربية، اعادة تذهب الى الاصول وتطاول الروح والاعراف والقيم والمفاهيم الجائرة والظالمة، تزلزل العقل الابوي وتطيح أسسه التاريخية ومنطقه المتخلف.
    ان الثورة العربية الظافرة هي تلك التي تأخذ في الحسبان كل هذه المقدمات كي لا تولد مبتورة معوقة مهددة بالسقوط من بداياتها.

    وهكذا ساد دين المسلمين حيث فشل سلاحهم!
    بقلم: محمد جلال عناية – القدس
    اذا كان هناك ما يوازي السرعة الفائقة التي فتح فيها ابناء الصحراء العربية معظم العالم المتمدن في القرن الهجري الاول، فهي السرعة التي اضمحلت بها سيطرة احفادهم بين منتصف القرن الثالث ومنتصف القرن الرابع الهجريين.
    فقد تجمعت في يد رجل واحد في بغداد، هو الخليفة، ما يزيد عن ثمانمائة سلطة مهمة، اي اكثر مما تجمع في يد اي رجل آخر على وجه البسيطة، وفي العام 920، تلاشت سلطة خليفته بحيث لم يعد احد يشعر بها حتى بغداد نفسها.
    وفي العام 1258 تحولت بغداد الى انقاض. وبسقوطها زالت سيطرة العرب على الاقطار الاخرى الى الابد، وانطوت صفحة الخلافة الحقيقية.
    كان هجوم المغول (التتار) من بين العوامل الخارجية التي ادت الى هذه الكارثة، ومع ان هذا الهجوم كان مثيرا في حد ذاته، الا انه كان مجرد مساهمة فقط في السقوط النهائي. حتى ان بروز دول ودويلات ضمن الخلافة وفي محيطها كان من اعراض الضعف، وليس هو سبب ذلك الضعف.
    ان هناك ما هو اكثر اهمية من العوامل الخارجية في انحلال الخلافة، وهو العوامل الداخلية، فإن العديد من الفتوحات كانت اسمية، فإن احتمال ضعف القوة المركزية، والانقسام كان واردا على الدوام بسبب هذه الفتوحات المتسرعة، وغير المكتملة، فإن اسلوب الادارة الحكومية لم يكن يؤدي الى الاستقرار والاستمرار. فإن استغلال الناس، والضرائب المرتفعة المفروضة على الشعوب الخاضعة لم تكن عملا استثنائيا وانما سياسة مقررة.
    ان خطوط الانشقاق بين العرب وغير العرب، وبين المسلمين العرب والمسلمين الجدد، وبين المسلمين والذميين بقيت شديدة الوضوح. وكانت مشاعر الانقسام بين عرب الشمال وعرب الجنوب لا تزال تتفاعل، وانه لا الفرس، ولا الاتراك، ولا البربر كانوا متحمسين للاندماج بالعرب الساميين، ولم يكن هناك وعي على اي درجة لنسج علاقة قوية بين هذه العناصر البشرية المختلفة، فقد كان الايرانيون واعين لعظمتهم القومية القديمة، ولم يروضوا انفسهم على الامتزاج بالنظام الجديد. وابقى البربر على مشاعرهم القبلية، وكانوا على استعداد لتقبل اي حركة انشقاقية. وكان الشعب السوري ينظر بفارغ الصبر قدوم بطل اموي ليحررهم من نير العباسيين.
    وضمن العقيدة الاسلامية نفسها كانت هناك قوى تتحرك لا تقل نشاطا وخطرا عن القوى السياسية والعسكرية. فقد برز الشيعة (الفاطميون) والقرامطة والاسماعيلية، والحشاشون، ومن كان على هذه الشاكلة. وان العديد من هذه الجماعات مثل اكثر مما تمثله الطوائف الدينية. فان القرامطة خلخلوا القسم الشرقي من الامبراطورية بضرباتهم. كما ان الفاطميين قد استولوا على القسم الغربي. ولم يعد المسلمون قادرين على جمع انفسهم في كل متماسك كما عجز الخليفة عن ربط منطقة البحر الابيض المتوسط بآسيا الوسطى في وحدة راسخة.
    ثم كانت هناك العوامل الاجتماعية والاخلاقية للتفكيك، فإن دم الفاتحين الاوائل اصبح عبر القرون ممتزجا بدم الخاضعين، مع ما لحق بهذا من ضعف لسيطرتهم وانه مع العطب الذي اصاب المميزات القومية للعرب، فإن قوتهم ومعنوياتهم اصابها الهزال.
    وبالتدريج تحولت امبراطورية الفاتحين الى امبراطورية الخاضعين.
    ان الارتفاع الهائل في عدد الحريم بسبب الاعداد الكبيرة للخصيان، والرقيق من الصبية (الغلمان) والبنات. كل هذا ادى الى انحلال وهبوط مميزات الانوثة في جانب ومميزات الرجولة في جانب اخر. وان العدد غير المحدود من المحظيات، والجيوش الجرارة من الاخوة غير الاشقاء، والاخوات غير الشقيقات، وما تفسده الغيرة والمكائد فيما بينهم من علاقات، وما تفعله الحياة المرفهة الممزوجة بالخمر والطرب، كل هذه وغيرها من المؤثرات المشابهة التي اوهنت حيوية الحياة الاسرية، وانتجت ورثة ضعافا غير مؤهلين لحمل اعباء الحكم والقيام بما تقتضيه مسؤولياته، كما اشتد النزاع بينهم على وراثة الحكم التي تفتقر الى نظام ثابت وضوابط محددة.
    كما لا يمكن تجاهل العوامل الاقتصادية او التهوين من آثارها، فان فرض الضرائب، وفساد حكام الاقاليم لا يشجع على ازدهار الزراعة والصناعة. حيث كان الاغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا، ونمت داخل الدول دويلات كان سادتها يسلبون جهود عبيد الارض، كما ان استنزاف القوى البشرية بالنزاعات الدموية ادى الى هجر كثير من المزارع، وكانت الفيضانات شبه الدورية تؤدي الى غرق المناطق المنخفضة في جنوب العراق، فتتسبب في كثير من المجاعات والنكبات. وان انتشار الاوبئة كالجدري والطاعون وغيرهما كان يؤدي الى هلاك البشر في مناطق واسعة من الامبراطورية. وادى ضعف الاقتصاد الوطني الى ضمور التنمية العلمية وخنق الفكر الخلاق.
    في العام 1253، غادر هولاكو (حفيد جنكيز خان) منغوليا على رأس جيش جرار قاصدا تدمير وهلاك الحشاشين الاسماعيليين، والخلافة العباسية.
    وقبل ان ان يدخل المغول في عملياتهم الكبيرة ازالوا من طريقهم الامارات الصغيرة التي كانت تحاول القيام على انقاض امبراطورية شاهات خوارزم، وبعث هولاكو دعوة الى الخليفة المستعصم للمساهمة في الحملة ضد الحشاشين الاسماعيليين، ولكن المستعصم لم يستجب للدعوة، وبحلول عام 1256 كان القسم الاكبر من مواقع الحشاشين بما فيها قلعة الموت Alamut حصن الحشاشين في جبال البرز شمال غربي بحر قزوين، حيث تم الاستيلاء عليها بسهولة، وتهاوى نظام الحشاشين من شدة الرعب والهلع.
    وفي شهر ايلول من السنة التالية عندما توجه هولاكو الى خراسان بعث بإنذار نهائي الى الخليفة يأمره بالاستسلام وتدمير السور الخارجي لبغداد، فكانت اجابة الخليفة مراوغة.
    في كانون الثاني (يناير) 1258 كان جنود هولاكو منهمكين في عملية تدمير سور بغداد، وسرعان ما فتحوا ثغرة في احد ابراج السور، فذهب الوزير ابن العلقمي مصحوبا بالنساطرة، حيث كانت زوجة هولاكو مسيحية، ولكن هولاكو رفض استقبالهم. كذلك لم تفعل شيئا التحذيرات والحرب النفسية التي وجهت الى هولاكو تحذره بأنه اذا قتل الخليفة فإن العالم بأسره سوف يضطرب، والشمس سوف تختفي، وسيحتبس المطر ويتوقف النبات عن النمو. ولكن هولاكو انصت لنصائح منجميه. وفي العاشر من شباط اندفعت حشود المغول الى داخل بغداد. فهرول الخليفة سيىء الحظ مع ثلاثمائة من رجال الدولة والقضاة للاستسلام دون قيد او شرط، ولكنهم بعد عشرة ايام قتلوا جميعا.
    وتركت بغداد للسلب والنهب والحرائق، وقتل معظم سكانها بمن فيهم اسرة الخليفة. وان الجثث المتعفنة والروائح والابخرة المنبعثة منها اجبرت هولاكو على الانسحاب من المدينة بضعة ايام ولأول مرة في تاريخه اصبح العالم الاسلامي بلا خليفة.
    خلال استعداد هولاكو لمهاجمة شمال سوريا، حيث قتل خمسين الفا من سكان حلب وحماة، وصله خبر وفاة اخيه الخان الاعظم، فترك جيشه خلفه وعاد الى ايران. فتحطم هذا الجيش في موقعة عين جالوت قرب الناصرة في فلسطين عام 1260، على يد الظاهر بيبرس قائد جيش قطز المملوك الذي كان يحكم مصر. وبهزيمة المغول في عين جالوت اغلقت طريق الغرب وجه المغول.
    وقع الاسلام تحت ضغط شديد بين المغول في الشرق والصليبيين في الغرب، فظهر في بداية القرن الثالث عشر وكأن الاسلام قد غاب الى الابد. ولكن كم كان الموقف مختلفا في الجزء الاخير من نفس القرن، فإن آخر صليبي قد ابتلعه البحر، والخان السابع من احفاد هولاكو كان يتقرب من المسيحية، وفي النهاية اعترف بالاسلام دينا للدولة. وهكذا ساد دين المسلمين حيث فشل سلاحهم.

    كيماوي الأسد مجددا..!
    بقلم: فايز سارة – القدس
    تكثفت الدلائل في الشهرين الأخيرين على قيام النظام السوري باستخدام الكيماوي مجددا في أنحاء مختلفة من سوريا وخصوصا في منطقة ريف دمشق، والغوطة على نحو خاص، حيث تدور معارك قوات النظام والميليشيات الطائفية التابعة من مسلحي حزب الله ولواء أبو الفضل العباس ضد قوات المعارضة السورية.
    ورغم أن استخدام الكيماوي مجددا ارتبط باتهام المعارضة لنظام الأسد باستخدامه، فإن الأخير لم ينف استخدام الكيماوي، لكنه اتهم المعارضة بذلك، وهو سلوك طبيعي لنظام اعتاد التلفيق، وفي موضوع الكيماوي ذاته، كان قد اتهم المعارضة باستخدام الكيماوي في المجزرة التي ارتكبها صيف العام الماضي في الغوطة، قبل أن تبين التحقيقات الدولية أكاذيبه، وتؤكد عبر التحقيق، أنه قام بالمجزرة عن سابق إصرار وتصميم، وهو ما دفع المجتمع الدولي للتحرك من أجل نزع السلاح الكيماوي من يد النظام تحت التهديد باستخدام القوه ما لم يستجب للطلب الدولي.
    وكما هو معروف، فإن نتائج المساعي الدولية في نزع الأسنان الكيماوية للنظام كانت محدودة، ولم تتمخض عن نتائج حاسمة. ورغم أنه تم تأمين المنشآت الكيماوية المعروفة، لكن لم يتم إخراج سوى قسم صغير لا يتجاوز 15 في المائة من ترسانة كيماوية هي الأهم والأخطر في العالم، وهو إنجاز محدود بكل المعايير في قضية، تتصل بنظام مراوغ، اعتاد التهرب من أي التزامات، اضطر لإعلان قبولها، وقد تحدثت تقارير ذات مصداقية عالية، عن قيام نظام الأسد بتهريب جزء من ترسانته الكيماوية إلى لبنان، ووضعها هناك في مستودعات حزب الله لتكون احتياطا لهما في معارك لاحقة.
    بل إن بعض التقارير، أكدت أنه حتى لو سلم نظام الأسد كل مخزونه الكيماوي، فإنه لن يمتنع عن إنتاج واستعمال سلاح كيماوي جديد في حربه على السوريين، ولن يمنعه عن ذلك عدم توفر مراكز تقنية لهذه الصناعة القاتلة، لأن بإمكانه إنتاجها بوسائل بدائية وبتكاليف بسيطة، واستخدامها عبر سلاح الجو ولا سيما الحوامات على نحو ما يجري في استخدامه للبراميل المتفجرة، التي يصنعها بمواد ووسائل بدائية وبأقل التكاليف، ويرميها على المناطق المدنية بواسطة الطائرات، فتقتل وتدمر بأكثر الأشكال قسوة.
    وسط هذه الوقائع، ثمة حقيقة مؤكدة، خلاصتها أن ملف كيماوي الأسد ما زال مفتوحا رغم أن كثيرين في العالم ولا سيما في الولايات المتحدة قدروا، أنه تم إغلاق الملف، وأن السلاح الكيماوي للأسد خرج من المعادلة السورية، وقد اضطر الأميركيون وغيرهم مؤخرا إلى الاعتراف بخروقات الأسد في استخدام الكيماوي، وثمة مطالبات متزايدة للتحقيق في ذلك، والنتائج الدالة على استخدام الكيماوي من جانب قوات الأسد تبدو مؤكدة، لأن ثمة وقائع ومعطيات معروفة وثابتة، لن تحتاج لجان التحقيق الدولية إلى جهد ووقت كبيرين للوصول إليها والتأكد من صدقيتها، الأمر الذي سيضع المجتمع الدولي وخصوصا كلا من روسيا والولايات المتحدة أمام حقيقة الخداع الذي مارسه نظام الأسد في موضوع الكيماوي، كما في كل القضايا التي أحاطت بالقضية السورية طوال أكثر من ثلاث سنوات مضت.
    لقد بات على العالم اليوم أكثر من أي وقت مضى اتخاذ مواقف جدية وحاسمة، ليس من الملف الكيماوي لنظام الأسد، وإنما من النظام كله بسياساته وممارساته في ضوء إصراره على مسار الحل الأمني العسكري ورفضه الذهاب إلى حل سياسي أو الدخول في مسار تطبيقي إليه وفق ما تجلى في «جنيف2» باعتراف الأمم المتحدة، وهذا يعني ثلاثة أمور أساسية..
    أولها أن سياسة المراوغة سوف تستمر، والثاني أن ممارساته ضد الشعب السوري مستمرة أيضا، والثالث، أن تلك السياسات والممارسات، ستظل تشكل مصدرا لتهديد الأمن والسلام الدوليين، ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما على الصعيد الأبعد، مما يفرض ضرورة غياب هذا النظام، وذهابه إلى غير رجعة، ومساعدة السوريين لإقامة نظام ديمقراطي، يوفر لهم الحرية والعدالة والمساواة، ويجعل سوريا قوة هدوء وسلام وتعاون في الشرق الأوسط والعالم، كما ينبغي أن تكون.

    مرحى ... للإتفاق الفلسطيني
    بقلم: سمير الحباشنة – القدس
    في خضم المعترك الوعر الذي نمر به كعرب بأزمته المغرقة بالتعقيد- المركبة، العقائدية، السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، والتي تعبر عن نفسها في اغلب أقطارنا وبالذات الاقطار ذات التأثير كما هي مصر والعراق وسوريا وغيرها، والتي أفضت الى حالة ضعف عام في الجسد العربي، وانشغال أقطارنا المأزومة بمعاناتها الداخلية، وسعي نخبها الى الخروج من السياق الاستثنائي الذي يتميز بالانفلات الأمني أو التراجع الاقتصادي أو الانقسام المذهبي أو الطائفي أو العرقي، والتي أدت بالتالي الى تراجع الاهتمام بالقضايا ذات البعد العربي، بل وتراجع مفاهيمنا التقليدية التي تجمعنا كالأمن العربي والمصير الواحد والقضية الفلسطينية، باعتبارها كانت على الدوام العنصر الذي يجمع العرب ويوحد همومهم ويحسسهم بأن الخطر الذي يهددهم جميعا هو خطر واحد..
    وفي خضم التعنت الاسرائيلي والإحساس بالسيطرة المطلقة امام أمة منشغلة بقضاياها الداخلية، بل وإحساسها بأنها القوة التي لا تقهر والأقوى في الاقليم، وبالتالي خروجها على كل القوانين والأعراف الدولية، وتنكرها الكامل للحقوق التاريخية المشروعة للشعب الفلسطيني برفضها الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67 ، وإيغالها في الاستيطان، والتنكر لحق العودة، والاستمرار في بناء جدار الفصل الذي صدرت بحقه قرارات واضحة من المحكمة الدولية، ورفضها الحديث عن حق العودة، بل وضعها لشروط اضافية إفشالا لخطة الوزير الامريكي كيري للسلام، ورهانها على الوقت على اعتبار انه لصالحها وعلى افتراض انه كفيل بتمكينها من فرض الأمر الواقع والاستحواذ على كامل فلسطين، بل وتهديداتها الدائمة لأية امكانية نهوض فلسطيني او عربي ...
    في هذا الخضم المؤلم يأتي اتفاق المصالحة الفلسطيني الذي أعلن في غزة بحضور كافة الفصائل الفلسطينية، والاعلان عن انتهاء مرحلة الانقسام، وإعادة اللحمة للشعب الفلسطيني ومؤسساته، منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وهيئاتها، يأتي هذا الحدث التاريخي ليضيء مصباحا في زمن العتمة الذي يخيم على المحيط العربي والفلسطيني في آن معا، فمرحى لهذا الاتفاق الذي أعتقد انه يشكل حجر زاوية أساسي لانطلاقه فلسطينية قوية تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتدفعها كأولوية في الاهتمامين الدولي والعربي على حد سواء.
    مع التأكيد على ضرورة ألا يقف البحث في تفاصيل تنفيذ هذا الاتفاق حائلا دون تنفيذه، ولنتذكر بأن عمر الانقسام الفلسطيني هو أقل من عقد من الزمن وبالتالي فإن امكانية لملمة الجراح وتوحيد المؤسسات سواء كانت في منظمة التحرير أو السلطة لأمر ممكن اذا ما توفرت الارادة والاستعداد لتنازلات جريئة متبادلة من الجميع..
    ولنتذكر بأن الألمانيتين الغربية والشرقية قد انفصلتا لمدة تزيد عن اربعة عقود، في اطار دولتين متضادتين كل منهما تتبع الى معسكر يختلف جذريا مع المعسكر الآخر، وبينهما جدار برلين الشهير الذي قسم الجسد الألماني الى قسمين، ومع ذلك فحين توفرت اللحظة التاريخية والارادة الشعبية والرسمية اتحدت الألمانيتان وتم اعادة ادماج الشعب الألماني ومؤسساته، وتم هدم جدار الفصل .... حتى أضحت ألمانيا اليوم دولة واحدة وأصبح انقسامها ليس الا صفحة في عهدة التاريخ لا غير...
    وبعد فإننا كعرب وكأردنيين ننظر الى انجاز أشقاء روحنا وشركائنا في المصير الواحد الى ما تم في غزة كإنجاز تاريخي يرتقي الى مستوى التحديات ويظهر الفلسطينيين كشعب وكقوى نشطة بحجم المسئولية الملقاة عليهم، وهم بذلك يمتلكون ارادة الانتصار والاصرار على حياه ملؤها الكرامة والكفاح من أجل الانعتاق ودحر الاحتلال وإظهار الكينونة الفلسطينية الى حيز الوجود كدولة مستقله على ترابها الوطني ، فيحقق الفلسطينيون أشواقهم التي يرنون اليها.. فمرحى للاتفاق وتحية لمن خطوه ...

    يجب انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية
    بقلم: أ.د. ألون بن مئيــر - القدس
    من المسلّم به أنّ كلّ يهودي داخل وخارج إسرائيل يريد أن يرى إسرائيل كدولة نابضة بالحياة: مصدرا ً للقوّة الإقتصاديّة بديمقراطيّة ناجحة ومزدهرة، دولة ً واثقة من نفسها وآمنة، قادرة ً على الدّفاع عن نفسها دولة ً في سلام ٍ مع جيرانها، محترمة ً من قبل المجتمع الدولي، متميّزة ً بإنسانيتها واعتنائها بالآخرين، منارة ً تهتدي بنورها أمم أخرى.
    أجل، بإمكان إسرائيل أن تكون كلّ هذا ونيّف، ويعتقد جميع القادة الإسرائيليّون – بصرف النظر عن اتجاهاتهم السياسيّة – في أعماق قلوبهم بأن البلد الذي انبعث من رماد الإنقراض والإنطفاء ليصبح أمّة ً تمنح ملجأ ً وملاذا ً لكلّ يهودي بحيث لن يعيش بعد اليوم تحت نزوات ورحمة الآخرين. هذا هو السبب الذي خلقت إسرائيل من أجله والهدف من قيامها، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي تحقّق بها إسرائيل مستقبلها.
    واليوم تواجه إسرائيل مفترقا ً مصيريّا ً: فإمّا أن تنهي الإحتلال أو تستمرّ في إخضاع الفلسطينيين وتفوّت عليها بذلك الفرصة التاريخيّة لتصبح دولة حرّة بالفعل .
    يطرح الإنهيار الوشيك لمفاوضات السّلام الإسرائيليّة – الفلسطينيّة السؤال الحرج الآتي: هل ما زال هناك أمل في أن يُحلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في وقت ٍ من الأوقات ؟ لم تتمكّن ستة عقود من الخلاف الدموي الموهن أن تبشّر بقرب اتفاقيّة، فالواقع المتغيّر على الأرض يجعل من إمكانيّة التوصّل لحلّ أكثر إعتاما ً وأكثر بعدا ً ومشحونا ً بالخطر المشئوم. فالإحتلال المستمرّ للأراضي الفلسطينيّة يلتهم تدريجيّا ً مكانة إسرائيل المعنويّة والأخلاقيّة ورفاهيتها الماديّة ويقرّبها أكثر فأكثر من الدّمار الذاتي.
    لا أحد يعرف تاريخ اليهود أفضل من اليهود أنفسهم. لقد كان الإضطهاد والفصل والطرد والموت بأشكال ٍ لا مثيل لها في التاريخ الإنساني نصيب اليهود تقريبا ً في كلّ مكان ٍ يتواجدون فيه. ولكن هذه المحن والبلوات التاريخيّة التي يعجز اللسان عن وصفها لا تمنحهم الترخيص أن ينزلوا بالآخرين الألم والمعاناة والمعاملات المهينة. يجب أن يعطي إدراك المعنى الحقيقي لنزع الإنسانيّة والحطّ من القدر والسخرية والمهانة حافزا ً لمزيد من قيم اليهود الأخلاقيّة والإنسانيّة عن طريق معاملة الفلسطينيين بالرأفة والحنوّ والحساسيّة. وبحتميّة التعايش جنباً إلى جنب والمصير المشترك المحبوك لكلا الشعبين، أي أمل ٍ لهما على المدى القريب والبعيد إن لم يكن بينهما الوئام والسّلام ؟
    كارثة جديدة تتلبّد غيومها السّوداء في الأفق ستطمس حلم اليهود في بناء دولة ٍ حرّة ودائمة كالعديد من الدّول الأخرى، والبديل هو العيش في عزلة ٍ كدولة عسكريّة محاطة بالسياجات والجدران والأعداء، حابسة نفسها في قفص وغارقة في محيط ٍ من الأعداء والإزدراء.
    أجل، يجب على الإحتلال أن ينتهي، ليس فقط بسبب ظلمه المتأصّل لأنه يحتقر الفلسطينيين ويحطّ من قدرهم، بل لما يفعله الإحتلال أيضا ً للإسرائيليين أنفسهم، فهو يخزي ويشوّه سمعة التراث اليهودي ويحوّل اليهود الذين كانوا يوما ً ما مضطهدين ومظلومين إلى جلاّدين لا شفقة لديهم ولا رحمة. لا، ليس هذا هو السبب الذي اقيمت إسرائيل لأجله. فكون اليهود من الناحية التاريخيّة ضحيّة لا يعطيهم الحقّ أو الترخيص في أن يضحوا بالآخرين. يجب على اليهود الذين يعتبرون الحريّة أمرا ً مسلّما ً به ألاّ يناموا أبدا ً وهم يعلمون بأنّ ملايين الفلسطينيين لا يهنأون بالنوم ليلا ً وهم محرومون من أحلام ٍ جميلة ومشغولي البال بما سيجلبه لهم الغد، ليصحوا فقط والأصفاد في أياديهم ومشحونين بالغضب والحقد. هم يريدون ما تريدونه أنتم وتتعلّقون به أيها الإسرائيليّون ! يريدون الكرامة، يريدون الحريّة ويطالبون بحقوق الإنسان التي تتمتّعون بها ولكنكم تنكرون عليهم وبشكل ٍ متعمّد ولا مبرّر له القيم الأساسيّة التي تتمسّكون بها بشدّة.
    وللمستوطنين ومسانديهم أقول: في الوقت الذي تبنون فيه مستوطنات جديدة وتوسّعون مستوطنات قائمة وتغتصبون الأرض الفلسطينيّة شبرا ً شبرا ً تنكرون على الفلسطينيين تطلعاتهم لبناء دولة . فهم يشاهدون يوميّا ً الضمّ الزاحف لأراضيهم، وترهبونهم بما ينتظرهم غدا ً – لا شيء سوى الخوف من الإستيلاء على مزيد ٍ من أراضيهم.
    أنتم تغذّون الفلسطينيين بجرعة ٍ يوميّة من الكراهية والغضب الشديد، ثمّ تلومونهم لأنهم يكرهونكم. فكلّما ضربت مستوطناتكم جذورا ً أعمق في الأرض، تقوّون أنتم عزيمتهم وتصميمهم لاجتثاثكم. هذا هو نهج هذه القصّة المأساويّة، فبدلا ً من بناء جسور ٍ للسّلام تقيمون أنتم صروحا ً من النفور والبغضاء.
    المسئوليّة تقع بالكامل على الحكومة الإسرائيليّة. فنتنياهو الذي يتطلّع بصدق إلى إسرائيل كدولة قويّة نابضة بالحياة ومزدهرة يطبّق سياسات عكس ذلك تماما ً تحرم إسرائيل من مستقبلها الزاهر. إنّه يعيش رافضا ً وغير موافق أبدا ً على دولة فلسطينيّة. هو متعصّب إيديولوجي مدفوع بمبادىء ومفاهيم توراتيّة فقدت كلّ صلة لها بأرض الواقع اليوم. هو يعتقد بأنه قد أُختير بإرادة إلهيّة كي يقود الأمة، ولكنه لا يستطيع أن يفهم بأن الإرادة الإلهية قد وضعت الفلسطينيين بشكل ٍ دائم ولا مفرّ منه جنبا ً إلى جنب مع إسرائيل. إنّه يربط زورا ً وبهتانا ً أمن إسرائيل القوميّ بتعطشه الذي لا يرتوي لمزيد من الأرض الفلسطينيّة ويبقى متشبثا ً بأوهامٍ وأحلام ٍ "عظيمة"، زاحفا ً بشكل ٍ أعمى عبر مجازات مظلمة، جارّا ً إسرائيل بثبات ٍ منقطع النظير نحو الهاوية، قائدا ً بلدا َ وشعبا ً بغباء ٍ إلى ضلال، وهو الذي قد إئتمن على قيادتهما.
    من المفهوم بأن اليهود في أيّ مكان ٍ في العالم مرتبطين إرتباطا ً فريدا ً من نوعه بدولة إسرائيل، لأنّ إسرائيل بالنسبة ليهود العالم تمثّل الملجأ الأخير، الدولة التي تقدّم لهم ملجأ آمنا ً وتقرّر بشكل ٍ مستقلّ مصيرها بنفسها. ولذا يجب على إسرائيل من وجهة نظرهم أن تبقى قويّة وفعّالة لأنهم يرون مصيرهم ومستقبلهم مرتبطا ً ارتباطا ً وثيقا ً بقوّة إسرائيل وثباتها وطيلة عمرها. ولكن على يهود الشتات أن يفهموا أيضا ً بأن احتلال الأرض الفلسطينيّة تدمّر المقدمة المنطقية الوحيدة التي أنشئت الدولة على أساسها، فاستمرار الإحتلال بأي شكل ٍ يقوّض تدريجيّا ً العقيدة الأخلاقيّة والمعنويّة للبلد، وهي العقيدة التي يعتمد بقاؤها عليها.
    أجل، أن يقف هؤلاء بجانب إسرائيل فهو واجب، ولكن مساندة ودعم السياسات المضلّلة على نمط أعمى يقود أعمى لا تستنكر فقط على الفلسطينيين حقوقهم الإنسانيّة، بل تعرّض للخطر وجود الكومنويلث الثالث الذي كان اليهود يتوقون إليه منذ آلاف السنين والذي عليهم ألاّ يفرّطوا به أبدا ً.
    حان الوقت أن تفيقوا أيها الإسرائيليّون للحقيقة المرّة التي تحاولون تجاهلها أو طمسها. فالجوّ الخالي من العنف نسبيّا ً والرّخاء الذي تتمتّعون به اليوم ليس إلاّ سرابا ً. أنتم مخدوعون ببلاغة قادة مضللين يقودونكم بدون قصد بعيدا ً عن الصّراط المستقيم. رضاكم عن هذا الوضع هو أسوأ عدوّ لكم.
    على الإسرائيليين أن يتذكروا بأن المجتمع الدولي بأكمله يعارض بشدّة الإحتلال. لقد تمّ استغلال مخاوف إسرائيل الأمنيّة القوميّة بشكل ٍ مفرط وأصبحت حاجبا ً من الدّخان لإخفاء سياستها التوسعيّة التي أصبح أي شخص ٍ أعمى قادرا ً على الرؤية من خلالها.
    وتبقى أمريكا المنارة الأخيرة لأمل إنقاذ إسرائيل من السير في هذا النهج الإنتحاري. وفي الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة الآن بالتفكير بعمق في خططها المستقبليّة حول العمليّة السلميّة، قد تكون هذه آخر محاولة يقوم بها وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري لإنقاذ عمليّة السّلام.
    من الحكمة أن يتذكّر القادة الإسرائيليّون بأنه إذا ما قررت الولايات المتحدة يوما ً بأن إمكانيّة عقد اتفاقية سلام ستبقى سرابا ً وأمرا ً خادعا ً، قد تترك حينها الإسرائيليين والفلسطينيين لمصيرهم.
    سيلعب الفلسطينيّون من أجل كسب الوقت وسيصبحون أقوى بأعدادهم الكبيرة وإرادتهم الحديديّة، وسياسات إسرائيل المدمّرة ذاتيّا ً ستجعلها أضعف يوما ً بعد يوم، وستبهت قوتها العسكريّة الهائلة أمام ثبات الفلسطينيين وصبرهم الذي لا ينفد، مدركين تماما ً بأن الوقت لصالحهم. ولقد أثبت التاريخ ذلك مرارا ً وتكرارا ً.
    وحدة ـ خلاف ـ وحدة .. أو بالعكس ؟
    بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
    تفكّروا يا أولي الألباب من الفلسطينيين : كيف بدأ الانشقاق في العام 1983 وكيف تلاشى، فقد نفهم كيف بدأ الانقسام في العام 2006، وربما كيف ينتهي؟
    في الانشقاق العسكري رفع المنشقون برامج وشعارات ومطالب راديكالية من جهة اليسار؛ وفي الانقسام رفع الانقساميون برامج وشعارات ومطالب راديكالية، أيضاً.. ولكن من جهة اليمين!
    هل هي مفارقة أو مصادفة أو مطابقة أن تكون مطالب الراديكاليين العسكريين، ومطالب الراديكاليين الإسلاميين متشابهة في الأساس: المقاومة المسلحة طريق وحيد للتحرير الوطني الكامل، رفض البرامج السياسية المرحلية، فك وإعادة تركيب منظمة التحرير (لدى المنشقين الراديكاليين). فك وإعادة تركيب الشعب وثقافته من النضال الوطني والقومي إلى النضال الديني والإسلامي (لدى الانقساميين الراديكاليين).
    الفارق بين زمن الانشقاق وزمن الانقسام أن الأول حصل بين الفصائل والقوات في المنفى، واعتمد الاحتكام للسلاح، واعتبر تمرداً على البرنامج المرحلي ـ برنامج السلطة الوطنية للعام 1974 باتجاه العودة إلى اعتماد برنامج م.ت.ف الوطني والعربي في التحرير الشامل!
    أما الانقسام فقد حصل، أولاً، بين الشعب ذاته، وعبر صناديق الاقتراع، واعتبر تمرداً على اتفاق مبادئ أوسلو، والدولة الوطنية المستقلة.. وأيضاً باتجاه العودة إلى برنامج م.ت.ف في التحرير الشامل ولكن باستبدال البعد القومي بالبعد الإسلامي.
    كانت سورية أساساً وراء الانشقاق العسكري، انطلاقاً من تغليب البعد القومي على البعد الوطني للنضال الفلسطيني.. لكن إسرائيل كانت في أساس شق الحركة الوطنية الفلسطينية لخلق منافس لمنظمة التحرير، بصفتها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني في المعنى السياسي والنضالي، بعد أن فشلت في خلق منافس عبر فكرة "روابط القرى"، وانطلاقاً من عدائها للكيانية الوطنية الفلسطينية.
    ما فشلت إسرائيل فيه، عبر "روابط القرى" في الضفة، نجحت فيه عبر مفاعيل "الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، مستغلة الوضع الجغرافي الخاص للقطاع، ومحاولة إنهاء الإنجاز السياسي الرئيسي لاتفاقية أوسلو، أي الترابط السياسي والقانوني بين منطقتين فلسطينيتين محتلتين تفصل بينهما إسرائيل.
    استمرت ذيول الانشقاق العسكري والفصائلي حول برنامج النقاط العشر للعام 1974 (جبهة الرفض الفصائلية الفلسطينية) ست سنوات من العام 1983 حتى العام 1988 مع انطلاقة الانتفاضة الأولى وتطوير برنامج النقاط العشر إلى برنامج إعلان الدولة المستقلة في المجلس الوطني الفلسطيني ـ قصر الصنوبر 1988.
    في العام ذاته، تشكلت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ببرنامج خاص لأهداف الانتفاضة، ثم ضد إعلان مبادئ أوسلو والاعتراف المتبادل، وضد أخطاء تجربة تحويل الثورة والمنظمة إلى سلطة سياسية.
    بينما نجحت منظمة التحرير في طي صفحة الانشقاق، وعادت أكثرية المنشقين إلى المنظمة، بينما ذبلت أقلية المنشقين وذابت في المشروع القومي السوري قبل أن ينفجر المشروع والبلد.
    لكن الانقسام الذي بدأ عبر صناديق الاقتراع، فإلى الحسم بالسلاح، تطلب سنوات من الحوار، بدأ فيه "المدّ الإسلامي" الديمقراطي من فلسطين عبر الانتخاب، وتلاه مدّ في "الربيع العربي" في الشوارع والميادين، وحروب أهلية وصراع سياسي.. وعودة إلى صناديق الاقتراع، ليصحح خيار الشعب.
    السؤال هو: هل نضجت فصائل المنظمة بعد محنة الانشقاق؟ وهل نضج الشعب بعد محنة الانقسام؟
    سنوات ما بعد أوسلو برهنت للشعب أنه أخطأ عندما انتخب الراديكالية الإسلامية، وأن السلطة والمنظمة وبرنامج الدولة هي التحدي الحقيقي والسياسي للاحتلال الإسرائيلي.
    كان المنشقون ضد ما سموه خطر "الحلول الاستسلامية" وصار الانقساميون ضد ما وصفوه خطر "الحلول الاستسلامية"، وانتهى هؤلاء وأولئك إلى المطالبة بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية.
    الانشقاق والانقسام يقدم حالة مزدوجة فلسطينية خاصة في الحالة العربية، وحالة فلسطينية خاصة في إدارة الصراع السياسي مع إسرائيل، جنباً إلى جنب مع قانون التحالفات والخلافات الوطنية: وحدة ـ خلاف ـ وحدة أو خلاف ـ وحدة ـ خلاف. على الفلسطينيين تقرير مصيرهم فيما بينهم أولاً، ثم تقرير مصيرهم في صراعهم مع إسرائيل.

    من أولى بركات المصالحة ..
    بقلم: طلال عوكل – الايام
    حين يجري الاحتكام إلى مبادئ وقواعد العمل السياسي، وهي في معظمها مبادئ متحركة بقدر تحرك موازين القوى، ومعها تحرك المصالح، والأحداث المرتبطة بها، حين يفعل الفاعلون السياسيون ذلك، يترتب عليهم أن يرفعوا إلى مستويات متقدمة طاقة العقل على العمل وإنتاج الحلول لقضايا، تبدو صعبة، مع مستوى متدنٍ وكسول لعمل العقل.
    في السياسة، لا مجال للأخلاق، ولا مجال للنوايا، أو القيم الأيديولوجية، أو التمنيات والصلوات، والأحلام السياسية تحتكم إلى استراتيجيات تتمتع بقدر عالٍ من الثبات والوضوح، وإلى تكتيكات تتمتع بأقصى درجات الحركة والتغير، والنسبية، والبراغماتية التي قد تنقل القول أو الفعل السياسي، عبر مساحات واسعة من المرونة، وتغير الألوان حتى من الأبيض إلى الأسود، أو العكس من ذلك.
    هذا ليس درساً في السياسة، وإنما هي محاولة لمقاربة المواقف الفلسطينية بين اليوم والأمس، بعيداً عن التوظيفات التي تسعى للتشفي، أو تسقط انتصارات على طرف وهزائم على الطرف الآخر، بمعزل عما يقع على المستويات الوطنية من تراجعات أو إنجازات.
    توقيع اتفاق تنفيذ المصالحة في غزة، جاء في وقت مهم جداً، ارتباطاً بحاجات وضرورات السياسة الفلسطينية، بالرغم من أن أحداً لا يستطيع تجاهل المتغيرات والعوامل الضاغطة التي دفعت الطرفين حماس وفتح، نحو الاستجابة للحظة الضرورة، دون تدخل، أو ضغط أو مساعدة من أي طرف آخر.
    لحظة الضرورة تتلخص في معادلة بسيطة تبدو واضحة رغم أن البعض يحاول إنكارها.
    هذه المعادلة مؤشر على أن الطرفين، لم يجدا أي مخرج للأزمات المتفاقمة التي يعانيان منها، ولا تزال تتفاقم، سوى مخرج المصالحة، كمخرج اجباري.
    ربما كان علينا التنويه بأن قرار الرئيس واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بإرسال وفد المنظمة إلى غزة، ولغرض تحقيق النجاح، وليس للمماحكة، أو الاستعراض، أو التهديد والتوظيف، هذا القرار ينطوي بالنسبة للبعض وفي توقيته، على بعد توظيفي، حيث جاء في سياق الرد على القرار الإسرائيلي بعدم الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، وتعطيل المفاوضات.
    غير أن علينا، أن نصدق هذه المرة، بأن الدوافع والأهداف، كانت حقيقية وصادقة، وجادة، خصوصاً بعد أن استمعنا إلى خطاب الرئيس محمود عباس أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير الذي انعقد يوم السبت وأنهى أعماله يوم أمس الأحد، قبل يومين من انتهاء المهلة المتفق عليها لنهاية المفاوضات الجارية والذي يصادف يوم غد الثلاثاء التاسع والعشرين من الجاري.
    التدقيق في مفردات وما ورد في خطاب الرئيس من موقع أيديولوجي، قيمي أو من مواقع سياسية ثابتة في التزامها برفض كل مجرى التسوية، هذا التدقيق سيصل إلى نتيجة بأن الخطاب انهزامي، استسلامي، يؤسس للتفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية، إن لم يكن بكليتها فببعض أهمها.
    ولكن ثمة انسجاما في خطاب الرئيس، لم يخرج عن طبيعة تفكيره وبرنامجه، وما تراكم منذ أوسلو، من تداعيات، لكنه خطاب يصلح للتدريس في علم التكتيك والسياسة.
    خطاب الرئيس كما نفهم رسائله، موجه للمجتمع الدولي، وعلى نحو خاص موجه للولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، في ضوء المواقف التي صدرت متحفظة أو خجولة، أو تنطوي على مجاملة وتساوق مع الموقف الإسرائيلي الغاضب من اتفاق تنفيذ المصالحة.
    الخطاب ينزع عن كل هذه المواقف، كل الذرائع والمبررات، التي أرادت من مواقع الانحياز للمواقف الإسرائيلية، أو من مواقع التحفظ، أن تخفي حقيقة أن إسرائيل هي الطرف الذي يتحمل وحده المسؤولية عن فشل المفاوضات، وعملية السلام.
    بعض التصريحات الإسرائيلية من موقع مسؤول، وضعت المصالحة والخطاب على أنه يطلق رصاصة الرحمة على عملية السلام، وهذه حقيقة من حيث إن المصالحة والخطاب في سياق المحاولات الأميركية لجمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات، قد أدت إلى فضح المخططات الإسرائيلية، التي تغادر كلياً مربع البحث عن السلام، إلى مربع تصفية القضية الفلسطينية.
    لا ينبغي أن يتطوع أحد من الموالين والمدافعين عن إسرائيل، سوى الداعمين لسياساتها، والمتواطئين معها، أن يتحدث عن إمكانية تحقيق السلام في ظل موازين القوى القائمة، أو عن أن إسرائيل مستعدة للبحث في تحقيق السلام مع الفلسطينيين، ذلك أن مثل هذا الحديث ينطوي على تضليل وكذب، وعلى مساعدة المحتل لكي يواصل احتلاله.
    في ظروف ما قبل توقيع اتفاق تنفيذ المصالحة، كان خطاب الرئيس، سيتعرض، لانتقادات لاذعة، واتهامات قاسية من قبل المعارضة الفلسطينية، غير أن التغيير الذي وقع خلال الأسبوع الماضي في ميدان العلاقات الداخلية الفلسطينية قدم لنا نموذجاً آخر، في سلامة التكتيك السياسي، حيث تتكامل المواقف، لتقدم مشهداً سياسياً فلسطينياً راقياً.
    حركة حماس رحبت بالخطاب، رغم تعبير الناطقين باسمها عن رفضهم للمفاوضات ومطالبتهم بوقفها، وهذا الترحيب كان لافتاً بالمعنى الإيجابي ومفيداً لتعزيز الحملة الفلسطينية لسحب الذرائع الإسرائيلية الأميركية، ومنع الطرفين من إلقاء مسؤولية فشل المفاوضات على الطرف الفلسطيني.
    المهم أن حركة حماس فعلت ذلك، بما يدل على إدراك حكيم لمقتضيات التكتيك السياسي، رغم أن مجاراة ماضي المواقف، كان سيجعلها تعترض بقوة على قول الرئيس إن حكومة التوافق الوطني بما أنها حكومته، فهي تعترف بإسرائيل وتنبذ الإرهاب، وتلتزم بالاتفاقيات والالتزامات المترتبة على منظمة التحرير.
    ولولا لحظة الضرورة لكان هذا القول وحده، ودون أن نمر على ملاحظات أخرى، عاملاً مفجراً لأي اتفاق يتعلق بالمصالحة.
    ماذا ستقول الإدارة الأميركية، وماذا سيقول الموالون لإسرائيل، بعد هذا الموقف الذي يطرحه الرئيس، وهذا الموقف من حركة حماس، وكيف لهم أن يطالبوا الفلسطينيين بما هو أكثر؟! إن إسرائيل في وضع صعب على المستوى الدولي، وستفشل حملاتها الدعائية والإعلامية لإقناع الرأي العام العالمي، بعكس ما هي عليه، تماماً كما فشلت وزارة خارجيتها حين جندت إمكانيات كبيرة لوقف المقاطعة الاقتصادية لبضائع المستوطنات.
    يحتاج الفلسطينيون إلى تحقيق التناغم في المواقف بين السياسة العامة والمعارضة، بما يعزز الحملة الناجحة لتهيئة المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، لمناصرة فلسطين وتعظيم إنجازاتها، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، حين يأتي موسم العمل.
    بقي أن نقول إن العرب أمام الامتحان، إذ عليهم أن يقوموا بتوفير كل ما تتطلبه عملية حماية الموقف الفلسطيني مادياً وسياسياً، وعلى اعتبار أن السياسة الفلسطينية تقف في خط الدفاع الأول عن مصالحهم.

    "الخضر" مخطوفاً وقديساً لإنجلترا
    بقلم: د. خالد الحروب – الايام
    في قلب أسبوع الفصح المقدس الذي يمر بنا الآن ثمة قصة فلسطينية (وغربية) لها مذاق خاص.
    إنها قصة "سيدنا الخضر" أو "مار جرجس" ابن مدينة اللد الفلسطينية والمنتشرة كنائسه في قلب البلاد بدءًا من مسقط رأسه مرورا بالطيبة ثم، أهمها، في قرية الخضر، سميته، غرب بيت لحم.
    في الثالث والعشرين من نيسان كل عام يحتفل العالم المسيحي بعيد القديس "مار جرجس" الذي تحولت رايته مع الزمن إلى علم انجلترا، وبعد أن صار معروفا باسمه الغربي "سانت جورج".
    يرفرف هذا العلم المعروف الآن باسم "علم القديس جورج" في طول المدن الأوروبية وعرضها، وصورته المشهورة وهو يصارع الوحش الكبير ويصرعه وهو على فرسه تحولت إلى أيقونة منحوتة في الوجدان الشعبي على كثرة ما هي منتشرة ومطبوعة في كل مكان.
    في انجلترا وحدها هناك ما يزيد على مائة بلدة وقرية اسمها "سان جورج"، والشيء ذاته في أوروبا كلها.
    على مدى ما يقارب من ألف عام حارب الانجليز تحت راية سان جورج كل حروبهم، ومن أجله مات كثيرون.
    الراية البسيطة التي ظلت مرفوعة في المعابد الفلسطينية منذ القرن الرابع الميلادي وهي تعلي من شأن هذا القديس الذي استشهد شابا دفاعا عن معتقداته، بحسب الرواية المسيحية، أو تعلي من شأن "العبد الصالح" بحسب الرواية الإسلامية، تم اختطافها مع الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر، وترحيلها إلى الغرب، وإعادة إنتاجها إلى راية حروب ودماء بعد أن كانت راية حب وسلام.
    صورة الفارس المحارب التي ضخمتها المخيلة الشعبية الغربية عن "مار جرجس" كان الهدف منها تسويغ الحروب الوحشية التي كانت دوافعها السيطرة والنفوذ والسياسة وتجميع الثروات تحت مبرر تحرير القدس من سيطرة الكفار.
    الإرث الحقيقي لـ "مار جرجس" أو "سيدنا الخضر" في فلسطين والمنطقة هو خليط العيش المشترك والبسيط ومقاومة الشر والوقوف في وجه الاعتداء والمعتدين.
    أعمق ترجمة لذلك الإرث هي تداخل الروايات الدينية والتاريخية حيث جوهر القصة ذاتها، والشخصية نفسها، يتم تقديمها في سردية دينية هنا وسردية هناك: "سيدنا الخضر" هو "مار جرجس"، المسلمون والمسيحيون يقدسون الشخصية ذاتها كل بطريقته.
    على الأرض تجاورت الأديرة والمعابد والجوامع ومقامات الأولياء وتبادل الجميع زيارة المزارات جميعا والتبرك فيها.
    العيش المشترك ظل ديدن الناس حيث انمحت فوارق كثيرة إلى درجة أذهلت الرحالة الأوائل إلى فلسطين في القرون اللاحقة حيث لم يتمكنوا من معرفة المسيحي والمسلم في فلسطين.
    والد "مار جرجس" جاء من تركيا، وأمه فلسطينية من اللد، وهو ولد هناك وبقي في المنطقة إلى أن قُتل.
    عندما سقطت القدس في أيدي الغربيين في القرن الحادي عشر، وتحت تحالف المصالح بين ملوك الغرب وبابوات الكنيسة الطامعين بالثروات أيضا، أعملت جيوشهم السيف في رقاب بشر القدس وبيت لحم والمنطقة كلها، وشهدت المدن الوديعة أنهارا من الدم لم ترها من قبل.
    حزن "سيدنا الخضر" وحزن "مار جرجس" وأنكرا فعلة الدم التي قام بها الغزاة والناهبون.
    لم يتوقف الأمر عند نهب الثروات وبسط السيطرة والجبروت، فقد أراد الغزاة أن يسوغوا فعلتهم بتبرير ديني فأشاعوا أن "مار جرجس" ظهر للجنود الغزاة وهم يقتلون ويذبحون ووقف إلى جوارهم وباركهم.
    انتشرت القصة كالنار في الهشيم، ثم تطورت وزيد عليها مرويات ومبالغات، وأحيل الفوز بالمعارك كله إلى القديس الذي كان يرعى الجيوش.
    تحول "سيدنا الخضر" و"مار جرجس" إلى جنرال كولونيالي يرافق جنودا غزاة، ويبارك لهم سفح الدم وسرقة أموال الناس واغتصاب نسائهم.
    حمل جنود أوروبا راية "مار جرجس" من اللد والطيبة وبيت لحم بعد أن نقعوها بالدم وعادوا بها إلى بلدانهم ورفعوها في كل مكان.
    صار "أمير الشهداء" كما يُعرف في اللاهوت المسيحي بسبب صموده الأسطوري في وجه الامبراطور داديانوس وتحمله العذاب ثم استشهاده، أميرا للحرب والغزو والتوحش.
    وتم اختطاف سيرته وتاريخه وتكفلت المخيلات الشعبية الخصبة بإكمال الصورة الخرافية وإعادة التأهيل الأوروبي للقديس الشرقي.
    وعندما زحفت العقود أكثر نحو حقب الكشوفات الجغرافية وخاصة البحرية كانت راية "سان جورج" تعلو السفن الإسبانية والبرتغالية التي جابت البحار، من شرق الأطلسي نحو الجنوب التفافاً حول رأس الرجاء الصالح، ثم شمالا وإحاطة بالقارة السمراء، وغربا نحو العالم الجديد واكتشاف الأميركيتين.
    "سيدنا الخضر" أو "مار جرجس" وصل أميركا مع كريستوفر كولومبس وبقي هناك مرافقا للأوروبيين البيض يحضهم على طحن السكان الأصليين من الهنود الحمر ويبرر لهم سفح دمهم والتخلص منهم.
    في غزواتهم وتوسيع مناطق نفوذهم الشاسعة عبر المحيطات ثم بلدان الداخل الإفريقي إلى الهند ومرورا بالخليج كانت راية "سان جورج" ترفرف أيضا فوق السفن الحربية البرتغالية.
    تقف السفن قبالة أية مدينة إفريقية ساحلية ثم تنصب مدافعها باتجاه الناس المتجمعين المندهشين من المركب الكبير والهياكل الحديدية المستطيلة التي تحملها، المدافع، ويبحلقون فيها طويلا، وما أن تتجهز وتصير مستعدة لقذف الموت والدمار حتى تنهال عليهم بحمم النار، بينما قادة السفن والجيش يبتسمون تحت راية "سان جورج".
    وفي قرون الاستعمار المباشر وانتقال راية غزو العوالم غير الأوروبية إلى البريطانيين والفرنسيين والطليان انتقلت على تلك الراية صورة القديس الشاب الفارس وهو يطعن التنين برمحه الطويل.
    تحول "سان جورج" إلى قديس الهوية الانجليزية والبريطانية وصار أحد أهم أساطيرها المؤسسة.
    حان الوقت أيها القديس البريء أن تطالب بك مدنك الوادعة: اللد، والطيبة، وبيت لحم، والخضر، والقدس.
    وحان الوقت للقول إن الحرب الأهم التي خضتها كانت ضد ذلك الوحش الذي احتل نبع البلد وحرم الناس من الوصول إلى الماء.
    صاروا يقدمون له أطفالهم بعيدا عن النبع ويذهب كل يوم لتناول طعامه اليومي فيترك النبع للناس ساعة أو ساعتين ليأخذوا ماءهم.
    كان عليهم أن يقدموا فلذات أكبادهم قرباناً للوحش كي يستمروا على قيد الحياة.
    كان سيدنا الخضر أو مار جرجس هو من قرر وضع حد لهذه المأساة، فواجه الوحش وحيدا على فرسه وأخضعه ثم قتله.

    المصالحة: المرحلة الثالثة في بناء الكيانية الفلسطينية
    بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
    لو قدر لهذه المصالحة أن تتم فستكون المرحلة الثالثة من بناء السلطة الوطنية الفلسطينية التي تبلغ عامها العشرين هذا الصيف حين وطأت قدما ياسر عرفات أرض فلسطين في تموز 1994 في تلك اللحظة التاريخية - وانتبهوا جيداً لكلمة "لو" بالبنط العريض.
    لقد شكل وصول ياسر عرفات في ذلك الصيف عام 1994 وتشكل أول حكومة فلسطينية وإدارتها لشؤون حياة الناس حجر الأساس في تطوير الكيانية الفلسطينية.
    صحيح أن إسرائيل كانت تفكر في أن هذه الحكومة ليست أكثر من مجلس بلدي لكن عرفات كان يراها حكومة لا تقل عن أي حكومة في العالم، كان مثل مايكل إنجلو حين رسم لوحته الشهيرة عن الخلق في صحن فناء كاتدرائية بطرس، قال وقتها البابا الذي طلب منه أن يرسم اللوحة: كنت أفكر في لوحة وكان يفكر في معجزة، كان عرفات يفكر في المعجزة الفلسطينية، كانت الدولة هي تلك المعجزة المنتظرة.
    رغم ذلك فإن المعجزة لم تكتمل، لكن تلك السلطة لم تقبل أن تكون مجرد مجلس بلدي بل صارت أقرب شيء للدولة دون أن تكونه.
    المعضلة الأهم التي عانت منها تلك السلطة كانت في غياب شرعية تمثيلها. نعم، فقد قاطعت كل التنظيمات الفلسطينية الكبرى عدا "فتح" صاحبة المشروع، هذه السلطة وناصبتها العداء، وبقليل من مراجعة ونقد الذات يمكن أن تعترف هذه التنظيمات أنها أرادت أن تنتفع من مكاسب السلطة دون أن تتحمل وزرها، وفي كل الأحوال فقد عانت تلك السلطة من أن التنظيمات الكبرى قاطعت مؤسساتها التشريعية والتنفيذية لا سيما على صعيد الوزارات، بجانب النقاش الضبابي حول صلاحية الاتفاق السياسي الذي جاء بها ليكون إطاراً لبناء كيان سياسي مستقل وليس تابعاً.
    وجاءت المرحلة الثانية من بناء السلطة على حساب هذه الشرعية أو هي تجسيد لها وترجمة لأزمتها، فقد قبلت أخيراً جميع الفصائل والتنظيمات باستثناء "الجهاد الإسلامي" التنافس على مقاعد الهيئة التشريعية والتمثيلية للسلطة في انتخابات عام 2006، خاصة ألد أعداء الاتفاق السياسي الذي شكل شهادة ميلاد السلطة، بل إن هؤلاء الأعداء تناسوا كل نقدهم للاتفاق من أجل قطف ثمار الشجرة التي بات واضحاً أنها ليست مشروعاً طارئاً ونظاماً مفروضاً بالقوة، وهي لم تؤسس من أجل أن تزول، بل إنها صارت ثابتا من ثوابت النظام السياسي الفلسطيني.
    ووجدت السلطة نفسها "كعكة" يتم حمل السلاح من أجل اقتسامها، وحدث مباشرة بعد عام من الانتخابات التشريعية الثانية الانقسام، وصارت السلطة سلطتين والحكومة اثنتين والشرطة شرطتين، وبطريقة عجيبة تم الحفاظ على هذا الانقسام دون طلاق كامل، وتدريجياً حدثت عمليات التكييف والتعايش وبعد ذلك إدارة الانقسام بالتراضي رغم أنف الناطقين الإعلاميين وردح بعض الخطباء والساسة.
    خبرات التاريخ مليئة بتلك الشواهد التي تجعل الحروب الأهلية مراحل فاصلة في عمليات تطوير الدول وتحقيق ثبوتها، خاصة في الأقاليم التي لم تشهد حالات "دولانية" قبل ذلك، لذا فلا تتوفر لدي نخبها السياسية خبرات وذكريات مؤسساتية قادرة على تطوير فهم مشترك لكنه الحكم.
    بالطبع في حالتنا كان من المعيب أن يحدث هذا في ظل وقوعنا تحت الاحتلال، لكنه وقع ووقع بقسوة أكبر، وأياً كان الحال، وأياً كانت وجهات نظرنا، فإن ما تم من انقسام كان مرحلة ربما هامة وأساسية في الوصول إلى المرحلة الثالثة من مراحل بناء السلطة وتطوير "دولانيتها"، مرحلة الوحدة والمصالحة.
    بهذا، فإن توقيع اتفاق المصالحة في غزة قبل أيام في حال تم تنفيذه يمكن له أن يشكل الرافعة الثالثة في تاريخ تطوير الكيانية الفلسطينية، يقول قائل: جرب الناس "فتح" وجرب الناس "حماس" والآن سيجربون "فتح" و"حماس" سوية، على اعتبار أن "طرفي الانقسام" (كلمة اليسار المفضلة) هما طرفا المصالحة، ألم تتغيب "الشعبية" و"الجهاد" عن التوقيع! ربما من أجل ذلك. عموماً، فإن مرحلة التكوين الوحدوي تلك ربما الأهم في تاريخ السلطة لو قدر لها أن تتم حيث إن اتفاق أطراف النظام السياسي على مكوناته ووظائفه ومستقبله يشكل دعامة أساسية في تطويره.
    الواضح أن ثمة اتفاقا ولو شكليا على ذلك - ما لم يتم نقضه فجأة، بيد أن الأهم في مثل هذا الاتفاق إذا أفضى إلى اتفاق أشمل حول أهداف النظام السياسي وأدوات نضاله وحل المشكلات العالقة حول مرحلة البناء ومرحلة التحرر ومفهوم سلاح المقاومة وسلاح السلطة، والفرق بين المهنية وبين الولاء الحزبي، أسئلة كثيرة من شأنها أن تهدد استقرار واستمرار عملية الوحدة.
    لاحظوا أن ليس في كل ما أقول أحكام معيارية حول جودة ما سيكون بعد المصالحة، بقدر ما هو تقديم لواقع الحال ولما يمكن للخبرات السابقة أن تخبرنا عنه، حيث إن المصالحة بكل ما تم الاتفاق عليه قد تأتي على حساب الكثير من الحقوق وربما الألم، ولكن حتى تجاوز هذا الألم والتنازل عن بعض تلك الحقوق، هذا بحد ذاته جزء أساسي من عمليات البناء الوطني، فالجسد لا تندمل جروحه بسرعة، ويمكن لك أن تسير وأنت تنزف.
    لكنني ممن ما زلوا يقولون، إن أمراء الانقسام كثر، وإن مصالحهم في المحصلة ستتعارض مع المصالحة التي سيعملون جاهدين وبهدوء وبدون إثارة جلبة وضجيج على إفشالها.
    لقد خلقت المرحلة الماضية مجموعة من هؤلاء الأمراء الذين أثروا مادياً من وراء التغني بالانقسام والحفاظ على الصمود في وجه رياحه العاتية – التي هي من قربتهم الشيطانية، كما أثروا اجتماعياً حيث صاروا أصحاب نفوذ ومواقع، وكذلك سياسياً حيث خلق الانقسام لهم مداخل للتأثير وللوصول إلى مواقع لم تكن موجودة لولا وجود أكثر من مؤسسة وجهاز بفعل حاجة النظام المنقسم لإعادة استنساخ نفسه كما هو الحال، وأياً يكون الحال، فإن أمراء الانقسام هؤلاء يجب أن يتم التعاطي معهم بكثير من الحذر وبقليل من الرحمة.
    وعليه، نحن من نحدد إذا ما كان اتفاق المصالحة سيكون رافعة جديدة في عمر السلطة التي تبلغ عامها العشرين في طريق تحولها لدولة أم مجرد فقاعة إعلامية وابتسامات زائدة.


    تغريدة الصباح - النّفس السّامية والخادي
    بقلم: محمد علي طه – الحياة
    تقول الكاتبة الهنديّة أروند هاتي روي صاحبة الرّواية الشّهيرة "إله الأشياء الصّغيرة" التي تُعتبر من أكثر الرّوايات رواجاً في العالم: "إنّ الكتّاب ينجذبون إلى القصص كما تنجذب النّسور إلى الصّيد"، وهذا ما جذبني مجدّداً إلى سيرة الزّعيم الهنديّ الخالد، الفيلسوف المناضل، موهانداس كرامشاند غاندي (1869-1948) المشهور باسم المهاتما غاندي، وكلمة مهاتما تعني "النّفس السّامية"، الذي قاد العصيان المدنيّ اللاعنفيّ، والثّورة السّلمية للشّعب الهنديّ العظيم للتّحرّر من الاستعمار الانجليزي البغيض، الذي عرفه شعبنا الفلسطينيّ أيضاً وعانى وما زال يعاني من موبقاته ومخلّفاته ومخطّطاته.
    ارتدى المهاتما غاندي "الخادي" وهو لباس قطنيّ مغزول يدويّاً في أثناء حركة الاستقلال الهنديّة وثورته الشّعبيّة السّلميّة تعبيراً جريئاً للاعتماد على الذّات ومقاطعة البضائع والمصنوعات والمنتوجات الانجليزية، وتحوّل "الخادي" إلى شارة لعضويّة حزب المؤتمر الهنديّ، وما زال العديد من السّياسيّين الهنود ومن الغانديّين يرتدون اللباس الشّعبيّ البسيط ذاته احتراماً وإجلالاً للزّعيم الكبير ولثورتهم الباسلة، ودلالة على البساطة وكبح الغرائز.
    انتصر الشّعب الهنديّ بقيادة زعيمه غاندي على بريطانيا العظمى وطردها من درّة التّاج البريطانيّ بمقاومته الشّعبيّة السّلميّة، بالعصيان المدنيّ اللاعنفيّ، بمقاطعة البضائع الانجليزية، وقال المهاتما غاندي: "إنّ اللاعنف هو أعظم قوّة متوفّرة للبشريّة. إنّها أقوى من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الانسان". وأعطى الشّعب الهنديّ للإنسانيّة مثالاً رائعاً وأصبح منارة من منارات حركات التّحرر الوطنيّ في العالم.
    استقلّت الهند عام 1947 واغتال برهماتيّ متعصّب المهاتما غاندي أبرز دعاة السّلام والتّسامح والمحبّة في العصر الحديث عام 1948 عام نكبة شعبنا.
    من البديهيّ أنّه يحقّ للشّعب الذي يعاني من الاحتلال أن يستعمل ما يشاء من وسائل المقاومة لطرد المحتل من أرضه. ومن البديهيّ أيضاً أنّ ثوب الخادي قد انتصر على التّاج البريطانيّ بمقاطعته للمنتوجات الانجليزية.
    قبل أسابيع بثّ التّلفزيون الاسرائيليّ شريطاً موسّعاً مثيراً عن أصناف البضائع الاسرائيليّة التي تملأ رفوف المجمّعات التّجاريّة في غزّة الصّمود. ولا أحد منّا يكشف سرّاً إذا قال إن حال المجمّعات والأسواق والحوانيت في رام الله ونابلس وجنين والخليل وطولكرم وبيت لحم وقلقيليّة وغيرهنّ من المدن الفلسطينيّة لا يختلف عن حال غزّة.!!
    هذه البضائع تموّل الاحتلال والاستيطان، وتبني عمارات وشققاً في المستوطنات، وتشقّ شوارع، وتصادر أرضاً، وتقلع زيتوناً وكروماً، وتشيّد معتقلات وسجوناً.
    النّفس السّامية وأشجار الزّيتون والأرض والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد تدعونا ألا ندخل منتوجات المستوطنات على الأقلّ إلى مطابخنا وبيوتنا. على الأقلّ على الأقلّ يا ناس!!

    الحقيقة والمصالحة
    بقلم: عدلي صادق – الحياة
    سوف تحزن واشنطن وتستنكر، لو أن طرفاً دولياً أيد وشجع على انفصال شرق أوكرانيا لكي يتكامل مع الروس. ذلك علماً بأن مواطني أوكرانيا من ذوي الثقافة الروسية، لم يضمروا شراً للمواطنين من شركائهم في الوطن الأوكراني، ولا يريدون التعدي على حرية الناس وأرضهم وكرامتهم. كل ما في الأمر، أن الأوساط الجديدة الحاكمة في كييف، أول ما شطحت نطحت، إذ قبل أن تلتقط أنفاسها بعد قطع المسافة من الميدان الى القصر؛ أصدرت مراسيم التنكر لثقافة الأقليات ولغتها وخصوصيتها، على النحو الذي جعل الأقلية في الشرق، تتحسس الأعظم الآتي، بعد أن يستريح الحاكمون الجدد الذين وقعوا في غوايات صهيو أميركية أجزلت لهم وعود الرخاء مثلما أجزلت لغيرهم ثم تنكرت لهم أو اعتصرتهم!
    وعندما ساندت أميركا حركات انفصالية عميلة وحثتها على الانفصال، اتكأت دائماً على التنوع الديني والمذهبي، وكانت مصلحة إسرائيل عندها، هي قاعدة القياس. فما هي مصلحة واشنطن في عدم وحدة الكيانية الفلسطينية على الأراضي المحتلة في العام 1967؟ ولماذا كانت ردة فعل الولايات المتحدة على إقصاء "الإخوان" في مصر جارحة لغالبية المصريين، ومتعاطفة مع "الجماعة" وشاجبة لتطور الأوضاع في مصر، ومتباكية على الديمقراطية؟
    إن إسرائيل ومصالحها هي ميزان القياس عند الأميركيين. هم يعرفون أن تجارب الشعوب التي فيها التنوع، أثبتت أن وحدة مكونات المجتمع هي التي تعزز السياسة، وتصنع الموقف الوطني والمفاوض العنيد أو المقاوم بالسبل المتاحة، دفاعاً عن حقوق شعب بأكمله.
    الأميركيون يريدون أن تظل غزة تئن، وكانوا يراهنون على أن تظل تئن، الى أن تستجدي أقراص التسكين لا الشفاء الى الأبد، أي أن تتحول الى كيان صغير منفصل، يساعده "الإخوان" على فتح جغرافيته وتوسيعها، لتنشأ أبشع خارطة لأغرب كيان في العالم. كان الحديث في هذه الوجهة، يدور في الغرف المغلقة، ووُضعت التوطئة له، في الاتصالات والزيارات بين الطرفين "الإخواني" والأميركي، وقد حَسَم الأميركون أمرهم بمساندة "الجماعة" لأن الملف الأعقد في القضية الفلسطينية هو حقوق اللاجئين في أرضهم وممتلكاتهم، ولا حل في رؤيتهم إلا بممتلكات وأراض بديلة، تتوافر من خلال حكم يمتلك الفتوى ويحرك الأحداث لصالحها. وعلى الأرجح لم تكن "حماس" تعلم، وربما معظم مكتب إرشاد "الجماعة" في مصر لا يعلم، لكن الممسكين بالقرار "الإخواني" يعلمون وكان القطريون كانوا الأرجح يعلمون لأن التمويل المفترض سيكون منهم!
    للأسف، نجح "الإخوان" في الاختبار الأميركي قبل أن يحكموا، وهذا ما جعل سفيرة الولايات المتحدة تتحمس للرئيس مرسي. فقد زار فريق من "الجماعة" واشنطن قبل انتخابات الرئاسة، وكان عليهم أن يجيبوا عن أسئلة تمهيدية، وبالفعل أجابوا ووافقوا على ضمان استمرار اتفاقية المناطق الصناعية "كويز" (‏QIZ) التي تفرض على مصر، كشرط للسماح لبضائعها بدخول السوق الأميركية دون جمارك، أن تشتري مصر من اسرائيل 11% من المواد الأولية والمعدات. وفي تلك الاتفاقية، التي تغطي نحو 60% من حجم انتاج المنشآت الصناعية، وتستوعب نحو 64% من العمالة المصرية في الصناعة؛ تلتزم مصر بذلك الحد الأدنى من التعاون مع إسرائيل. كذلك أجاب "الإخوان" بما يُطمئن الأميركيين عن أسئلة التطبيع والعنف والتحالفات وغيرها. لذلك كانوا يريدون مصر مستقرة تحت حكم "الإخوان" لكنهم الآن أداروا البوصلة، ويجافون حق الفلسطينيين في حكم وطني يشمل كل مكونات المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي، بما فيه الحلقة الفلسطينية من "الإخوان" أنفسهم.
    إن الموقف الأميركي من ردة فعل نتنياهو على التوطئة التي سمعناها عن المصالحة الوشيكة، يمثل اختباراً جديداً لواشنطن. ولأن الولايات المتحدة سقطت في كل اختبارات العدالة والصدقية، كلما كان الأمر يتعلق بإسرائيل؛ فإنها اليوم إما أن تظل تتماشى مع الظلامية والجنون وتتمسك بازدواجية المعايير، فتفقد آخر نفوذ لها أو احترام لدى أصدقائها، أو أن تتعامل بالحد الأدنى من المنطق، فترد لنتنياهو بضاعته الفاسدة!



    هاني عياد ابو ابراهيم
    بقلم: محمود ابو الهيجاء – الحياة
    من حقول القطاع الغربي جاء هاني عياد الى الوظيفة بعد العودة الاوسلوية، فتدرج فيها بروح الفدائي البسيط وتفانيه، حتى بات وكيلا مساعدا في وزارة الداخلية، لكنه ظل على الدوام ذلك الفدائي البسيط، بالتفاني ذاته وبالروح ذاتها، التي عطرتها عند هاني عياد على نحو بالغ الوضوح، طيبة ستظل على الدوام عصية على الوصف، ما لم نذهب الى معاجم الاساطير وصياغاتها الملحمية ونلوذ بها، لا ابالغ بذلك ابدا فطيبة ابو ابراهيم، بقدر ما كانت طيبة اصيلة فانها تشكلت كهوية شخصية له، هوية يستحيل تزويرها، مثلما شكلها الفقيد كعنوان يدل عليه بل ان طيبته كانت كمثل راية بوسعك ان تراها من اي مكان كنت فيه.
    كان كافيا ان تذكر اسمه في اي مجلس لتبدأ سيرة الطيبة بالتحدث عن تجلياتها، فتشيع جوا من الرضا والبهجة والشعور بالامان، لأن الدنيا بخير، لطالما فيها طيبون من امثال ابو ابراهيم الذي لم اره يوما بلا ابتسامة، وعرفته منذ سنوات بعيدة، من ايام بغداد، فلم تتبدل ابتسامته، وما تراجعت حتى في احلك الظروف واصعب المواقف، والتي ما ان تراها حتى تشعر بالراحة والطمأنينة. ومن صوته الخفيض، ادركت حسن العبارة التي كتبت ذات يوم عن جماليات الصوت الخفيض قرب المسرة، ففي مثل هذا الصوت، تكمن قوة الطيبة وصدقها وتتجلى طبيعتها كمثل وردة تتضوع بعطر المحبة والحنو بسخاء لا يدانيه سخاء.
    لست راثيا ولا استطيع هذا الرثاء، ما انا إلا باك هنا، وجمرة الفقد تتلوى في قلبي، وعواصف الحزن الضاجة في عيون المودعين لك، اصحابك المحبين ايها الفقيد العزيز، تزيدها اشتعالا. انها اللوعة يا هاني، لوعة الفقد وعزاؤنا ان طيبتك ايقونة ستظل تزين بيوت ذاكرتنا التي لن تنساك ابدا.
    معركة المصداقية
    بقلم: يحيى رباح – الحياة
    اصبح واضحا, ان الرئيس ابو مازن بصفته رأس الشرعية الفلسطينية, يخوض منذ سنوات معركة ضارية مع الاسرائيليين والاميركيين حول المصداقية, وانه منذ نهاية العام 2012 بدأ يتحقق فوز حاسم وثمين في هذه المعركة, فما يقوله في الغرف المغلقة يقوله في اشد المواقع علنية وما يعبر عن قناعاته السياسية والوطنية يؤكد عليه دائما رغم ان بعض المفردات تتعارض مع قواعد اللعبة الديماغوجية التي يحاول اصحابها ان يطلقوا الشعارات الجوفاء التي ترضي المزاج العام حتى وان كانت ضد المصالح الحقيقية.
    في تمام عام 2012, قال الرئيس ابو مازن اننا سنذهب الى مجلس الامن, وان لم ننجح سنذهب الى الجمعية العامة, وهو ما حدث بالفعل, فقد واجهتنا الادارة الاميركية بضغوط هائلة في مجلس الامن وفي يدها في نهاية المطاف السلاح الاقوى, سلاح الفيتو, ولم نتمكن من الحصول على الصوت التاسع, ولكننا حصلنا في الجمعية العمومية على مكسب كبير, وحصلنا بالذهاب الى الامم المتحدة على تكريس لهذه المصداقية، وهكذا كان الحال بالنسبة للمفاوضات الاخيرة التي بدأت منذ تسعة شهور, وصفقة الاسرى والتوقيع على عضوية خمسة عشر اتفاقية ومعاهدة دولية, وهكذذا كانت المصداقية نفسها في وضع نهاية للانقسام البغيض الذي ظلت اسرائيل وحليفتها اميركا تعيرنا به على امتداد السنوات السبع الاخيرة, فقد التأمت المصالحة من جديد في اتفاق 23 نيسان على نفس القواعد التي اعلنها الرئيس ابو مازن منذ اليوم الاول, حكومة وحدة وطنية مستقلة من التكنوقراط, واحتكام الى الشعب في انتخابات رئاسية وتشريعية بعد صياغة نظامنا السياسي وتعيد تجديد شرعية اطاراتنا الوطنية, حكومة وحدة وطنية ببرنامجها السياسي هو نفس برنامج الرئيس, مع التأكيد على ان المفاوضات هي خيارنا الرئيس اذا توفرت لها المرجعيات التي تطالب بها واولها ترسيم الحدود لكي نعرف على ماذا نتفاوض بالضبط.
    المفاجأة التي ليست مفاجئة هو الموقف المتشنج غير المبرر وغير المفهوم الذي اتخذه نتنياهو وائتلافه الحكومي الحالي, حيث تتصاعد لغة التهديد, كما لو ان علاقتنا مع اسرائيل كانت «سمن على عسل» وهذا امر مخادع تماما, فقد وصل الامر الى حد اننا لا يمكن ان نستمر على نفس الحال مهما حصل، استيطان معربد, وتهويد مفلوت, وسلوكيات ارهابية, وضغوط وتهديدات متنوعة, وكأن كل فشل اسرائيلي, وكل عربدة اسرائيلية, وكل تطرف وعنصرية اسرائيلية علينا نحن ان ندفع الثمن, وهذا امر مستحيل موضوعيا.
    وبما ان ادارة الرئيس اوباما, كانت هي الراعية لكل مفاوضات, وهي المتابعة لكل الامور بأدق التفاصيل, من خلال الرئيس اوباما نفسه, ومن خلال وزير خارجيته جون كيري, ومن خلال مبعوثه للسلام مارتن انديك, ومن خلال مسؤولين اميركيين على المستوى الدبلوماسي والامني والعسكري, فان المتوقع كان ان تنحاز الادارة الاميركية للحقيقة التي تقول ان الجانب الفلسطيني ادى ما عليه بكل امانة, واعلن عن خطواته مسبقا, واوضح بصورة نهائية ما يقبل وما لايقبل, وكان ذلك بعلم اميركي وان لم يكن كله بموافقة اميركية, وعندما ياتي نتنياهو ليدعي المفاجأة, فان الادارة الاميركية كان من واجبها ان تؤكد على المصداقية الفلسطينية, وان ترد على الادعاءات الاسرائيلية, ولكن دون مقدمات وجدنا الادارة الاميركية تنحاز للموقف الاسرائيلي, وتروج الكلام الاسرائيلي الزائف، حتى المصالحة التي نسعى اليها منذ سبع سنوات, ويستحثنا عليها الشرق والغرب والعرب والعجم, والتي هي ضرورة لنا وللمنطقة ادعى المنطق الاميركي انها غير ضرورة وغير مفيدة، في غمضة عين ينقلب الموقف الاميركي رأسا على عقب،ويلتحق بالموقف الاسرائيلي, وتتحول الادارة الاميركية من راعي يجب ان يكون محايدا الى طرف منحاز اشد الانحياز كيف سيؤثر ذلك على نمط العلاقات الدولية؟ ومن الاكثر تاثيرا في الآخر في العلاقة الملتبسة بين اسرائيل واميركا, هل اسرائيل هي التي تدفع أميركا الى فقدان المصداقية آن أميركا هي التي تحرض اسرائيل على التطرف والعربدة والعدوان؟

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. المقالات في الصحف المحلية 286
    بواسطة Haneen في المنتدى الصحافة المحلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-12-18, 11:40 AM
  2. المقالات في الصحف المحلية 272
    بواسطة Haneen في المنتدى الصحافة المحلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-12-18, 11:31 AM
  3. المقالات في الصحف المحلية 271
    بواسطة Haneen في المنتدى الصحافة المحلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-12-18, 11:31 AM
  4. المقالات في الصحف المحلية 270
    بواسطة Haneen في المنتدى الصحافة المحلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-12-18, 11:30 AM
  5. المقالات في الصحف المحلية 269
    بواسطة Haneen في المنتدى الصحافة المحلية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-12-18, 11:28 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •