اللاعنفية

محاضرة خاصة ألقتها جوليا باشا نشرت في CNN

الأحد 18 أيلول 2011

ترجمة مركز الإعلام

معلومات عن المحررة: جوليا باشا، مخرجة ومنتجة فيلم وثائقي حائز على جائزة بعنوان "بدرس"، والمديرة الإعلامية في مؤسسة جست فيجين، وهي مؤسسة غير ربحية توثق القصص الفلسطينية والإسرائيلية باتباع استراتيجية اللاعنف لإنهاء الصراع وإحلال السلام. تيد كذلك مؤسسة غير ربحية مكرسة "للأفكارالتي تستحق النشر" حيث تم نشر هذه المحاضرة عبر موقع المؤسسة الألكتروني.

إذا صرفت أيا من وقتك لتتبع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي خلال السنوات القليلة الماضية، فمن المحتمل أن تصلك الكثير من الأنباء السيئة. ولكن ماذا إذا كان هنالك نوع آخر من قصص الفلسطينين والإسرائيلين التي لا تعلم عنها؟

وماذا إذا كانت هناك، وراء سفك الدم والعداوة والتطرف، أمثلة باعثة على الأمل عن قيادة مدنيين فلسطينين وإسرائيلين بطرق فعالة للتحركات اللاعنفية لإنهاء الاحتلال وبناء السلام؟

الحقيقة أن هنالك الكثير من هذه الأمثلة الملهمة الموجودة، إلا أن العالم وبالأخص المنابر الإعلامية التي تغطي الصراع لم تعرهم الانتباه.

وهذا بدوره يسبب إشكالية على صعيدين، الأول أنها تعطي متابعي الصراع الدائر انطباعا كاذبا عن انعدام الأمل، وبأن عدد المتطرفين في كلا الجانبين يفوق عدد الوسط المستعد للعمل باتجاه الحل السلمي. ثانيا، والأكثر أهمية أنها تحرم الأفراد الشجعان والذين أختاروا اتباع مبدأ اللاعنف من الحصول على الانتباه الذي يحتاجونه وذلك من أجل النمو ونشر رسالتهم.

يشكل كلا من العنف واللاعنف نوعين مختلفين من التهديد، فكلاهما يعتمد ويزدهر على حساب رد فعل الجماهير.

فإذا كنا نحن كجمهور عالمي نركز وبشكل منفرد على العنف والتسلط العسكري، فنحن نعزز بذلك الفكرة القائلة بأنهم أكثر أشكال التصرفات فعالية. وفي الناحية الأخرى، إذا ركزنا بشكل أكبر على اللاعنف أو الجهود المجردة من السلاح والسلمية فسنقوي بذلك شرعية وتأثير هؤلاء الذين اختاروا اتباع هذه الوسائل السلمية.

وهذا هو السبب أنه في مؤسسة جست فيجن: تكمن مهمتنا في خلق ونشر الإعلام، بما في ذلك الأفلام الوثائقية التي تحكي عن قصص الفلسطينين والإسرائيلين الذين يعملون بشكل سلمي لحل الصراع وإنهاء الاحتلال. وكما نقوم بتزويد الأشخاص أصحاب الرؤية بما يحتاجونه من خلال نشر مقابلات جديدة معهم عبر موقعنا الألكتروني كل بضعة أيام. نضمن من خلال ذلك توفير هذه المصادر للملايين عبر العالم، حيث نبين بأن هؤلاء الأشخاص الذين يرتقون بحركة

اللاعنف يتوفر لديهم منبرا فاعلا يستطيعون من خلاله المشاركة بانجازاتهم وأفكارهم مع مجتمعاتهم ومع الآخرين حول العالم.

آخر فيلم وثائقي لنا بعنوان "بدرس"، والذي يحكي قصة مسؤول نقابي فلسطيني نجح في توحيد جميع الحركات السياسية مع المناصرين الإسرائيلين من خلال التحرك المجرد من السلاح لحماية قريتة من التدمير إثر مرور جدار الفصل العنصري الإسرائيلي هناك. حيث يعرض الفيلم كيف وخلال عشرة أشهر انضم سكان بدرس إلى مناصريهم لتنظيم الاحتجاجات السلمية وكيف نجحوا في النهاية في إقناع الجيش الإسرائيلي بتغيير مسار الجدار وحماية قريتهم. شاهد هذا الفيلم الوثائقي مئات الآلاف حول العالم، وسيكون متوفرا للجميع في 21 أيلول سبتمبر الذي يصادف اليوم العالمي للسلام حيث سيتم نشرة عبر الإنترنت مجانا.

العديد من الفلسطينين والإسرائلين الذين شاهدوا "بدرس" أصيبوا بحالة من الذهول والأمل. فقد ذهلوا عندعلمهم بحركة الاعنف والتي لم يسبق لهم أن سمعوا بوجودها، إنها موجودة حقا في البلاد! وتولد لديهم أملا بأنه من الممكن أن يشكل هذا الفيلم الوثائقي مثالا يحتذى به، بحيث سيلهم الآخرين في مجتمعاتهم ويحثهم على السير على خطى أهل بدرس.

على الرغم من كونه فيلما وثائقيا واحدا إلا أنه بدأ وبالفعل بتغيير الحديث الدائر عن دور وتأثير حركة اللاعنف على المجتمع الفلسطيني والإسرائيلي.

هنالك العديد من الدروس المستوحاه من بدرس والعشرات من المبادرات اللاعنفية الأخرى والتي نتتبع صداها ونجدها ترتقي عند النظر إلى الأمثلة التاريخية الحديثة. فبالنظر إلى بعض الحركات الاجتماعية الفاعلة خلال العقود القليلة الماضية، سواء كانت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكة والحركة النسوية العالمية أو الربيع العربي الأخير، فجميعها تدل بأن أكبر التغيرات الإيجابية لمجتمعاتنا قد نبعت من مذهب اللاعنفية وليس من الحملات الحكومية المسلحة.

وبالنظر إلى المرحلة الحالية فقد أثبتت هذه الحركات بأنه من الممكن أن تكون الاعتصامات المدنية والاحتجاجات السلمية أكثر حراكا وجذبا، وفي النهاية أكثر فعالية من اتباع القوة المهلكة. ولكن إذا لم يعر أحد انتباها لاستعطاف بائع الخضار اليائس في تونس، فمن باستطاعته التنبوء أين من الممكن أن تكون هذه الحركات اليوم؟

أين اخترنا أن نوجه اهتمامنا بالأمور وخاصة في قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي؟ من الممكن أن يحمي أي قرار أعدادا هائلة من أرواح الفلسطينين والإسرائيلين، ويساعد أخيرا على إنهاء سفك الدم بدلا من الانتظار اللامتناهي حتى ظهور قادة جدد أو تغييرا في الأوضاع. قد آن آوان الاعتراف بأن حل الصراع يتم التلاعب به أمام أعيننا كل يوم. فالأمر متروك لنا لنلاحظه.