المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (129)
المقالات في الصحف المحلية
(129)
|
سوريا في دائرة الخطر
حديث القدس
نعارض المفاوضات من منطلق السعي لتغيير منطلقاتها ومنهجها والياتها استنادا لاعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين
بسام الصالحي
تأملات في المشهد المصري
محمد شومان
ضرب سوريا .... البحث عن سبب
عبد الرحمن ابوعرفة
اوباما جديد ... بفضل بشار
الياس حرفوش
زيارة جاءت في وقتها...
نبيل عمرو
أطراف النهار "بطن حمزة"
حسن البطل
المنطقة على شفير هاوية...
طلال عوكل
الـــواقـــع هـــو الأقـــوى
حمادة فراعنة
الهجوم على سورية : حلقات غامضة وأسئلة مجهولة
عبد المجيد سويلم
طرطشات أريد السلام
د. فتحي أبو مغلي
حياتنا - يا ظهري
حافظ البرغوثي
تغريدة الصباح - جوائز للبيع..
امتياز دياب
غزو متوقع وموت مقيم
عدلي صادق
سوريا ما بين أمن اسرائيل وردع إيران !
موفق مطر
سيناريوهات الضربة الأميركية لسوريا
واصف عريقات
مقالات صحيفة القدس
سوريا في دائرة الخطر
حديث القدس
قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغيل أمس إن قوات بلاده العسكرية في المنطقة على أهبة الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية لأهداف معينة في سوريا وأنها تنتظر الأمر من الرئيس باراك أوباما. وهذا تطور خطير في الأزمة السورية كان الجميع يتمنون أن لا تصل إليه الأمور منذ اندلاع هذه الأزمة قبل عامين ونصف العام.
وما يأمله الفلسطينيون هو أن تنعم سوريا بالاستقرار والأمن في القريب العاجل وأن يتم تجنب المزيد من سفك الدماء في القطر لشقيق سواء بأيدي أبناء هذا البلد العزيز على قلوبنا وقلوب العرب والمسلمين أجمعين وكل ذوي الضمائر الحية في العالم بأسره، أم بأيدي أطراف خارجية.
إن أي تدخل عسكري خارجي سيزيد الأزمة تعقيدا وستزداد الضحايا من المدنيين الأبرياء وغير المدنيين بطبيعة الحال، كما أن مثل هذا التدخل دليل على فشل الجهود العربية والإسلامية في تحقيق حل سياسي يرضي جميع الأطراف ويحقق للشعب السوري ما يتطلع إليه من الإصلاحات الكفيلة بالوصول للحرية والديموقراطية، في ظل وحدة سوريا وسيادتها ومكانتها الإقليمية والدولية.
وفي هذا الصدد فإن استخدام الأسلحة الكيماوية أيا كان مستخدمها هو تصرف مدان يخلو من الإنسانية بكل قيمها ومبادئها الحضرية والأخلاقية، مهما كانت الدوافع التي تقف وراءه. وهو عمل مرفوض من جانب المجتمع الدولي.
لقد اتبع الفلسطينيون، الذين يحملون أعباء قضية عادلة يلتقي حولها العرب والمسلمون الشرفاء، سياسة النأي بالنفس عن كل الصراعات الداخلية في دول الربيع العربي. وأكدوا أنهم يتقبلون الخيارات التي يتبناها كل شعب عربي لنفسه. وما يهمنا بالنسبة لسوريا ومصر واليمن وتونس وليبيا والبحرين وغيرها هو أن تنعم هذه الشعوب بالأمن والحرية والاستقرار في أقرب الآجال، وبأقل التضحيات.
سوريا الشقيقة هي الآن في دائرة الخطر وهذا ما يحز في نفوس العرب أجمعين. وفي الوقت الذي كان من المفروض فيه أن ينعقد مؤتمر جنيف الثاني لوضع حد للكارثة السورية، جاء موضوع الأسلحة الكيماوية ليعقد الأزمة ويعطيها أبعادا خارجية، ويحمل نذر التدخل العسكري الأميركي، وربما الدولي، وهو تطور كان من المفروض أن يحسب السوريون الموالون والمعارضون، والعرب والمسلمون والمجتمع الدولي عامة حسابه قبل وقوعه بزمن طويل وليس أن ينتظروا وقوعه وهم يتفرجون على المسار الدامي لهذه الأزمة، والذي أوصل عدد الضحايا إلى ما يزيد عن مائة ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى.
وفي هذه اللحظات العصيبة فإن الشعب الفلسطيني يتمنى أن تنزاح الغمة عن الشعب السوري الشقيق، وأن يحقق تطلعاته بعيدا عن المزيد من سفك الدماء وعن التدخل الخارجي، وأن تسود بين أبنائه روح الوئام والوفاق والمواطنة المخلصة، القادرة على تسوية الخلافات بين كافة قطاعات هذا الشعب وتياراته وتوجهاته.
نعارض المفاوضات من منطلق السعي لتغيير منطلقاتها ومنهجها والياتها استنادا لاعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين
بسام الصالحي
حتى وقت قريب تشبث الجانب الفلسطيني بشروط او متطلبات اساسية من اجل العودة إلى المفاوضات ، وذلك كتعبير عن محاولة فلسطينية لتغيير قواعد العملية التفاوضية ومنع اعادة انتاجها على الشاكلة السابقة ، وقد تمثلت هذه المتطلبات بتحديد مرجعية المفاوضات استنادا الى حدود عام ١٩٦٧ ، ووقف الاستيطان مع عدم الاعتراف بشرعيته بصورة كاملة ، بالاضافة الى ادراج قضية الاسرى كقضية مركزية في هذا الاطار .
وقد تطور هذا الموقف باتجاه حسم مسألة الحدود رغما عن الموقف الاسرائيلي من خلال التوجه إلى الامم المتحدة وكسب الاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام1967 وعاصمتها القدس الشرقية ،وايضا باتجاه استثمار الارادة السياسية والمعنوية للامم المتحدة ومؤسساتها في رفض الاستيطان وجرائم الحرب الاسرائيلية وفي توسيع حملة الادانة الدولية لهذه الممارسات، ومن اجل تطوير استراتيجية فلسطينية تقوم على الجمع الناجح بين الارادة الشعبية في مقاومة الاحتلال والصمود الوطني من جهة وبين الارادة الدولية التي تقوم على توسيع حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وعلى تعزيز مكانة فلسطين في المؤسسات والمنظمات الدولية وعلى راسها الامم المتحدة من جهة اخرى .
غير ان استئناف المفاوضات دون تحقيق وقف الاستيطان (بل على العكس زيادته و توسيعه )ودون التزام اسرائيل بمرجعية حدود عام 1967 ، مثل انتكاسة بارزة لهذه الوجهة التي تم السير عليها خلال الاعوام الثلاثة الماضية والتي اعطت ثمارها بالتصويت الكبير في الجمعية العامة للامم المتحدة لصالح الاعتراف بدولة فلسطين ،وفي تزايد الاعترافات بدولة فلسطين وتنامي الادانة الدولية للاحتلال والاستيطان الاسرائيلي كما عبر عنه البيان الهام للاتحاد الاوروبي وغيره من المواقف الدولية وكذلك في تنامي حركات التضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاطعة اسرائيل ومستوطناتها .
وفضلا عن تأثير العودة للمفاوضات السلبي على اندفاعة هذه الموجة من التضامن الدولي فان العودة للمفاوضات كما تمت فتحت شهية اسرائيل اكثر واكثر لفرض رؤيتها وشروطها للتسوية السياسية على قاعدة التنكر للقرارات الدولية والاستناد الى الامر الواقع الذي تخلقه يوميا على الارض والى سعيها المنهجي مع الادارة الامريكية لافراغ قرار الاعتراف بدولة فلسطين من اي محتوى عملي او تفاوضي مشروع.
ان هذا الوضع يفرض إلى جانب اهمية وقف هذه المفاوضات والتمسك بمتطلبات استئنافها كما كانت ،اهمية مواجهة الشروط والمضامين المطروحة للتسوية السياسية ذاتها كما تطرحها اسرائيل والولايات المتحدة ، والتي تقوم على التنصل من مرجعية قرارات الامم المتحدة ، والاستناد بدلا عنها إلى معطيات الامر الواقع الذي فرضه الاحتلال والاستيطان ،والهبوط بمعالجة مجمل قضايا المفاوضات حتى عما كان مطروحا من قبل الحكومات الاسرائيلية السابقة منذ كامب ديفيد 2000 وحتى الان .
ان هذا المنحى المنهجي الاسرائيلي الامريكي للهبوط بسقف قضايا المفاوضات يشكل بحد ذاته خطرا لا بد من التصدي له ، فكل سقف جديد يجري التفاهم عليه بين اسرائيل والادارة الامريكية يصبح هو مرجعية التعامل مع ما يسمى قضايا الحل النهائي ، وهو امر يمتد من قضية الامن التي يجري بحثها بين اسرائيل والولايات المتحدة بمعزل عن الجانب الفلسطيني ، الى كافة القضايا الاخرى وفي المركز منها قضيتي الحدود واللاجئين.
ان الموقف الاسرائيلي تجاه الحدود يستند اساسا الًى ضم الاراضي تحت مسمى تبادل الاراضي اكثر مما يستند الى الاقرار بحدود عام ١٩٦٧ كمرجعية للحدود ، وهو يعتمد بصورة عملية على ضم الكتل الاستيطانية وتوسيع هذه الكتل بما يضمن الحاق مستوطنات جديدة بها وهو ما قال عنه جون كيري ضمان. بقاء ٨٥٪ من المستوطنات والكتل مع اسرائيل ، وهو يعني توسيع المفهوم السابق للتبادل كما طرح في كامب ديفيد ٢٠٠٠ ، الامر الذي يفسر التسارع المحموم في الاستيطان وفي خلق تكتلات استيطانية وتوسيع عملية الربط بينها وهو ما يفسر كذلك التفاهمات الاسرائيلية الامريكية حول استمرار البناء الاستيطاني في مناطق معينة هي غالبية المستوطنات باعتبارها ستؤول الى اسرائيل .
ان هذا الامر يعني ان اسرائيل قد اخرجت موضوع المستوطنات فعليا من اطار التفاوض وانها تحصر التفاوض حول الحدود في اطار توسيع نسبة ضم اراض اضافية خارج الكتل الاستيطانية ،وذلك في حدود نسبة مئوية تتراوح بين ٨-١٤٪ ،يرافقها ترتيبات ضم نوعية تقوم على ابقاء منطقة الاغوار بقسمها الاكبر وبعض المرتفعات الغربية وجوار القدس تحت السيطرة الاسرائيلية ،اما في اطار الضم الفعلي او في اطار الترتيبات الامنية بحيث لا تؤول فعليا الى السيادة الفلسطينية ، وهنا يمتزج المفهوم الامني الاسرائيلي بمفهوم الحدود وبواقع الضم الفعلي للقدس والانطلاق من ذلك في معالجة وضعها .
ان التفاهمات الاسرائيلية الامريكية بشان الحدود كما اعلن عنها.كيري بخصوص ضم الكتل والمستوطنات ،وكما مهدت لها رسالة ضمانات بوش لشارون عام ٢٠٠٤ ، تكون قد حسمت موضوع ضم الكتل مسبقا قبل المفاوضات وهذا امر خطر للغاية ، كما انها تسعى لحسم بقية القضايا بنفس الطريقة ، من هنا كان لا بد من رفض الربط بين الحدود وتبادل الاراضي كجزء من مرجعية المفاوضات ،وهو الموقف الاسرائيلي الامريكي والذي طلب كيري دعمه عربيا كاضافة على مبادرة السلام العربية بحيث يصبح مفهوم التبادل جزءا ملازما للحدود كمرجعية متلازمة. وهو ما يختلف تماما عن كونه قضية جزئية يمكن ان تبحث في ظل حسم امر الحدود وبضمنها .
لا يوجد لدينا شك ان المفاوض الفلسطيني سيسعى للتمسك بمعالجة قضية الحدود استنادا الى حدود ١٩٦٧ وهو الامر الطبيعي ولكن لا يمكن اغفال ان الصيغة التي تمت العودة الى المفاوضات على اساسها ، ستضعف موقفه هذا وستضعه تحت ضغوط اضافية جديدة اكبر من تلك التي واجهها قبل العودة للمفاوضات ، ولذلك كان ينبغي استمرار التمسك بمطلب وقف كافة الانشطة الاستيطانية ليس فقط من اجل منع استمرار التوسع الاستيطاني على اهمية ذلك وانما ايضا من اجل رفض التسليم المسبق بضم المستوطنات والكتل الاستيطانية ولمنع الاقرار باية فوارق في الاستيطان كما يتضح في التفاهمات الاسرائيلية الامريكية وانما بوصف كافة الانشطة الاستيطانية غير شرعية ، ولذلك فان قضية وقف الاستيطان هي اكبر بكثير من كونها قضية اجرائية او كقضية في المفاوضات ، بل انها هي لب القضايا وان الادعاء بالفصل بينها وبين الحدود بعد الربط المحكم الذي خلقه الموقف الاسرائيلي- الامريكي بضم الكتل كجزء من تبادل الاراضي وفي ظل مواصلة الاستيطان هو ادعاء غير دقيق ، ومن هنا كان لا بد من استمرار خوض الصراع على وقف الاستيطان بالصيغة الفلسطينية التي عرفته بانه كافة الانشطة الاستيطانية دون استثناء بما فيها في القدس الشرقية ، وفي الحقيقة فقد باتت هذه هي الصيغة التي تضمنها البيان الاوروبي الهام ،والذي مهد لتعميم هذا الموقف على مستويات مختلفة لدى دول العالم .وفي كافة المحافل والمؤسسات الدولية وعلى راسها اجتماع الجمعية العامة للامم المتحدة المقرر في ايلول من هذا العام .
وينبغي التذكير اليوم ايضا ونحن نقترب من ربع قرن على بدء المفاوضات ، بالجملة الشهيرة للدكتور حيدر عبد الشافي ابان مفاوضات مدريد وواشنطن بان ( الاستيطان اولا) هو مفتاح التقدم في المفاوضات ، وان التراجع عن جعل هذه القضية هي محور المعالجة يولد سيلا متزايدا من التراجعات خاصة وانه في المقابل فان النجاح في حسم هذه القضية يعني النجاح في حسم مسالة الحدود ، ويضع قضية المستوطنات في اطار قضية الحدود وليس بوصفها قضية تعلو على قضية الحدود ومستقلة عنها كما تريد اسرائيل ان تفرضها. لكل ذلك فان التمسك بوقف الاستيطان يبقى موقفا صحيحا ويعكس في حال تنفيذه مدى استعداد اسرائيل وامريكا للتقدم في القضايا الاخرى وخاصة قضية الحدود وبصيغة واضحة لا لبس فيها ،حيث ان اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين وفر الفرصة الحقيقية لمنع اسرائيل من استمرار التعامل مع قضية الارض والحدود بوصفها اراض متنازع عليها، ولكنه في نفس الوقت زاد من مساعيها ومعها الادارة الامريكية لافراغ قرار الامم المتحدة من محتواه هذا والتعامل معه وكانه قرار منعدم واعادة استحضار واستئناف العملية التفاوضية على شاكلتها السابقة وحتى من سقف ادنى عما توقفت عنده.
لكل ذلك فان المطلوب ليس فقط التمسك بمرجعية حدود 1967 دون اشتراط ربطها بتبادل الحدود ،ولكن ايضا تغيير منطلقات التفاوض حول ذلك بالاستناد إلى الاضافة التي وفرها قرار اعتراف الامم المتحدة بدولة فلسطين ،بحيث ينطلق التفاوض اساسا من انهاء الاحتلال عن اراضي دولة فلسطين كما اعترفت بها الامم المتحدة ووفقا لحدودها على الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية . ان هذا التغيير في منطلق التفاوض يتعدى حدود التمسك باشتراطات التفاوض التي توافقت عليها مؤسسات منظمة التحرير ،الى مضمون ومنهج المفاوضات ذاتها ، بحيث يصبح محورها الاساسي قضيتين مركزيتين الاولى انهاء الاحتلال بكل مظاهره العسكرية والاستيطانية والمدنية عن اراضي دولة فلسطين المحتلة وهي كامل الاراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية ،وضمان سيادة هذه الدولة بشكل كامل على اراضيها واجوائها ومواردها ،والثانية وهي ضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين وعلى راسها حق العودة وفقا للقرار 194 .
ان هذا التغيير ليس تغييرا شكليا عن منطلق ومنهج المفاوضات الراهن والمستمر منذ اعلان اوسلو وحتى اليوم وهو المنهج القائم على تجزئة القضايا فيما سمي قضايا الحل النهائي ،خاصة وان ذلك يعني في ظل اضعاف مرجعية قرارات الامم المتحدة ورفض اسرائيل الالتزام بها ،ان صيغة الحل والدولة والتسوية ستنطلق من التعامل الجزئي مع كل قضية من قضايا الحل النهائي ،وتركيب خلاصة حلول هذه القضايا كما يتم التوافق عليها او كما يجري بلورتها بين اسرائيل وامريكا على الصيغة الاجمالية للحل ،وهذا المنهج الخطر هو الذي قاد وسيقود إلى تمييع وهبوط في سقف كل هذه القضايا من مثال ما جرى مع موضوع تبادل الاراضي او من مثال ما يجري تجاه قضية اللاجئين حيث باتت وكانها مسالة جمع شمل بعض الاسر الفلسطينية ،وكما هو الحال تجاه موضوع الامن الذي ينتقص من السيادة الفلسطينية او غير ذلك ،بينما ان المصلحة الفلسطينية تتطلب الانطلاق بشكل لا لبس فيه من اقرار والتزام اسرائيل بشكل واضح بمرجعية قرارات الامم المتحدة والتقدم عبر ذلك تجاه بحث ما تسمى قضايا الحل النهائي .
لكل ذلك فان اعادة انتاج المفاوضات على شاكلتها السابقة وبغض النظر عن احتمالية نجاحها المحدودة ،تحمل في طياتها علامات انتكاس تنذر بالهبوط بسقف مضمونها إلى ما هو ادنى ليس فقط من شروط العودة للمفاوضات كما كان متفقا عليها فلسطينيا ،وانما ايضا في مضامين ومرجعيات قضايا المفاوضات التي تنتزعها اسرائيل والولايات المتحدة من وعائها المتمثل في قرارات الامم المتحدة لتجعلها ذات مرجعية جديدة مبنية على الامر الواقع الاحتلالي .
من هنا فان مضمون معارضة المفاوضات من وجهة نظرنا لا ينطلق فقط من المطالبة بوقفها ولكن ايضا من السعي لاعادة حسم مرجعياتها ومنهجها وفقا لقرارات الامم المتحدة ولالية تسمح برعاية حقيقية للامم المتحدة ومجلس الامن عليها ،وهي عملية تتطلب امن اجل تحقيقها استئناف الوجهة التي بوشر بها عند التوجه للامم المتحدة ،ومضمونها القائم على الربط الصحيح بين الارادة الشعبية الفلسطينية والارادة الدولية من اجل ضمان ان اية مفاوضات يجب ان تجري على اساس واضح لا لبس فيه بانهاء الاحتلال الفوري عن اراضي دولة فلسطين وان اية تسوية نهائية يجب ان ترتبط بالحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا للقرار 194 .
لا شك ان هذا التغيير الجوهري يتطلب تغييرا في موازين القوى ويتطلب استعدادات اكثر جدية على كل المستويات مما هو قائم في الواقع الفلسطيني الراهن ،ولكن طريق هذا التغيير حتى لو كان معقدا ومحاطا بتاثيرات وضع اقليمي ودولي متحرك ،وبتعقيدات واقع انقسام مدمر ، وواقع ضغوط اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة ،الا انه في ذات الوقت هو الطريق المضمون لانجاز اهداف التحرر الوطني الفلسطيني في ظل تنامي دور الاجيال الشابة من الفلسطينيين ،وفي ظل اصطدام مشروع اسرائيل لفصل غزة بتطورات الاوضاع في مصر التي تعزز رفض مصر الواضح لاية صيغة لغزة بمعزل عن الدولة الفلسطينية المستقلة، إلى جانب تمسك ابناء غزة وعموم شعبنا برفض الانقسام وبالربط الصريح لمستقبل غزة بالدولة الفلسطينية وبوحدة المستقبل الوطني للشعب الفلسطيني باسره ،فضلا طبعا عن تنامي حالة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني .
هذا الطريق الشاق والمكلف هو طريق اجباري في ظل تنامي التطرف الاسرائيلي وفي ظل اصرار اسرائيل على استكمال تنفيذ مشروعها التوسعي والاستيطاني الاحتلالي الذي حققته منذ عام 1948 ،وهو المشروع الذي باتت ملامحه تتضح يوما بعد يوم في ظل تفاهم كامل مع الادارة الامريكية من اجل اعادة انتاج الاحتلال بصيغة جديدة تقوم على توسيع بعض صلاحيات السلطة الفلسطينية ،في مقابل توسيع الضم والسيطرة على اكبر مساحة من الاراضي الفلسطينية ،وفي ظل تحييد المجتمع الدولي عن لعب أي دور في التدخل لصالح تطبيق قرارات الامم المتحدة ،وبحيث تصبح المعادلة الفعلية في الضفة والقطاع على السواء هي :السلطة مقابل السلام بدل ان كانت الارض مقابل السلام .
تأملات في المشهد المصري
محمد شومان
المشهد المصري معقد ومرتبك، والانقسام الثقافي والسياسي والإعلامي يحدد مواقف كل الأطراف، ويدفعها نحو ممارسات متصاعدة للعنف والكراهية وإقصاء الآخر، من دون إدراك حقيقي لمخاطر الانزلاق إلى فوضى وصراع طويل يستنزف كل الأطراف بما فيها الجيش، ويقلص فرص التحول الديموقراطي واستعادة مصر أمنها الداخلي ووحدتها الوطنية وعافيتها السياسية والاقتصادية.
مشهد مضطرب حافل بالتناقضات، ضاعت فيه الأصوات الداعية لحقن الدماء والحوار بين الحكم الجديد و«الإخوان»، رغم أن كل الأطراف تدعي الرغبة في التهدئة والعمل من اجل المصالحة الوطنية، وارتفعت في المقابل الأصوات المتشددة داخل كل معسكر، والتي ترغب في نفي الآخر، وتنتج خطابات فاشية تعتمد أكاذيب وسرديات بالغة السطحية والغرابة، ما يضاعف من مشاكل القبول بالحوار والتوصل إلى صيغ للعيش المشترك. في هذا السياق يمكن إبداء الملاحظات التالية التي اتعشم أن يشاركني القارئ التفكير فيها:
1- سقوط كثير من القيم الإنسانية والوطنية والتي يفترض أن ترشد الصراع السياسي، ما أدى إلى تراجع صدقية كل الأطراف، حيث اتخذت النخب السياسية والإعلامية ورجال الأعمال مواقف متناقضة، اعتمدت على معايير مزدوجة، واجتهدت في استغلال المشاعر الدينية والوطنية في الشارع المصري، والاتجار بدماء القتلى والمصابين وصورهم. والأمثلة والشواهد كثيرة .. فأنصار مرسي نظموا تظاهرات واعتصامات كثيرة، ونددوا بعنف الشرطة، وطالبوا بمحاكمة الفريق أول عبد الفتاح السيسي لتقصيره في حماية المتظاهرين، بينما كانوا في العام الماضي مع تعظيم دور الشرطة في حماية المنشآت العامة ومنع الاعتصامات التي تعرقل المرور. وطبعاً لم يطالبوا بمحاكمة مرسي لتقصيره في حماية المتظاهرين الذين قتل عدد منهم أمام القصر الرئاسي! في المقابل سكتت جبهة الإنقاذ عن استخدام العنف المفرط في فض الاعتصام، ولم تطالب بحماية المتظاهرين أو تلقي بالمسؤولية على الحكم الجديد، كما كانت تفعل أيام مرسي!
2- إن حسابات الحكم الجديد (تحالف الجيش والأحزاب المدنية وشباب الثورة والفلول) و«الإخوان» لم تكن صحيحة في ما يتعلق بالتشدد في التفاوض، ومحاولة كل منها إرغام الآخر على القبول بأهدافه، وكذلك في توقيت الصدام العنيف بينها وظروفه ونتائجه، علاوة على ردود الأفعال العربية والدولية. ويمكن القول إن حسابات الصدام بين الطرفين كانت كارثية، فالشرطة استخدمت عنفاً مبالغاً فيه، وفشلت في توقع ردود أفعال «الإخوان» وحلفائهم - بخاصة في سيناء - والتي جاءت غير متناسبة مع ادعاءات سلمية الاعتصام والتظاهر، وتورطت في أعمال عنف وإرهاب، ذات نزعة طائفية ضد المسيحيين وكنائسهم. واعتقد أن عنف ردود الأفعال الإخوانية قد ضاعف من الدعم الشعبي للدولة ضد «الإخوان»، كما بدد من تأثير وصدقية المظلومية التي كان قادة «الإخوان» يهدفون إليها، ويروجون لها .
3- تعاني جبهة الحكم الجديد من تناقضات عديدة تدور حول: أخطاء فض اعتصام «الإخوان» وملاحقتهم أمنياً، انسحاب البرادعي وبعض أنصاره، الفشل في توقع ردود الأفعال الخارجية، الاستهانة بقوة «الإخوان» وحلفائهم، فشل الخطة الأمنية في حماية الكنائس، تضخم دور الجيش، بطء أداء الحكومة في تحقيق العدالة الاجتماعية، الخوف من عودة الدولة البوليسية، عودة الفلول، إجراءات تطبيق خريطة الطريق التي أعلنها السيسي وأبرزها تعديل الدستور، وقانون الانتخابات وهل سيكون بالقائمة أم بالدوائر، والأخيرة تصب في مصلحة الفلول و«الإخوان»، بينما تفيد الانتخابات على أساس القائمة القوى الثورية وتدعم الحياة الحزبية.
وبغض النظر عن تفاصيل التناقضات السابقة ومواقف أطراف جبهة الحكم، إلا أنني أخشى من انهيار العملية السياسية في حالتين الأولى: نشوب صراع بين القوى والأحزاب المنتمية لثورة 25 يناير، و«فلول» دولة مبارك، وهو ما سيصب في مصلحة «الإخوان» والأحزاب الإسلاموية، سياسياً وانتخابياً. والثانية: خروج بعض الجماعات الثورية والشبابية من جبهة الحكم، وتحولها إلى المعارضة، وربما تعاونها مع «الإخوان» تحت دعوى حماية ثورة 25 يناير ومقاومة عودة مبارك و»الفلول»، وبالرغم من غرابة هذا السيناريو إلا أنه قابل للتحقق في ظل سيولة واضطراب المشهد السياسي، وزيادة حضور الدولة البوليسية ونجاح «الإخوان» في التوقف عن العنف.
4- فشل مخطط «الإخوان» لإسقاط الحكم الجديد من خلال الحشد والتظاهر الجماهيري الممزوج باستخدام العنف ضد مؤسسات الدولة، ما أدى إلى ظهور خلافات داخلية حول أخطاء «الإخوان» في الحكم، فتحت الباب أمام سيناريوات عديدة للمراجعة الفكرية والسياسية، والخروج على القيادة الحالية التي أثبتت فشلها. في هذا السياق هناك بوادر لانشقاقات عديدة، بخاصة في صفوف الشباب، وهناك أصوات من داخل الجماعة تدعو لوقف العنف والتظاهر وتسعى إلى مصالحة مع الحكم الجديد وحجز مكان في خريطة المستقبل تتيح لـ «الإخوان» تحسين صورتهم وخوض الانتخابات القادمة. في المقابل هناك من يدعو إلى العودة للاحتجاج السلمي ونبذ العنف، والاستمرار في المطالبة بعودة مرسي والدستور! ويبدو أن هذا الاتجاه قد عبر عن نفسه في تظاهرات الأسبوع الماضي التي كانت محدودة وقاصرة على عضوية الجماعة والمتعاطفين معها، وهم في كل الأحوال أقلية محدودة، لذلك لا يمكن لـ «الإخوان» - الأعضاء والمتعاطفين - خلق كتلة جماهيرية سلمية ضاغطة أو مؤثرة في الأحداث، فقد خسروا تعاطف أغلبية المجتمع. أخيراً هناك سيناريو الفوضى داخل الجماعة، نتيجة القبض على القيادات وبالتالي غياب السيطرة والتوجيه، وظهور احتمالات لانخراط بعض الأعضاء في عمليات عنف انتقامية ستعجل بلا شك في إقدام الدولة على حل الجماعة ومواصلة الحل الأمني الإقصائي.
5- إن عنف الدولة و«الإخوان» لن يضع نهاية قريبة للصراع بين الطرفين، وإنما فتح باباً واسعاً وخطيراً لدورات من العنف والثأر التي لا يمكن توقع حدود انتشارها ونتائجها، وبالرغم من أن الدولة قادرة على كسب المعركة ضد العنف والإرهاب إلا أن التكلفة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية ستكون هائلة، كما أن اعتماد الحلول الأمنية لن يحسم الحرب، إلا إذا ترافقت مع خطوتين، الأولى: إجراءات سريعة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والثانية: مصالحة وطنية، من المفيد أن يقوم بها طرف ثالث نزيه، يجتهد في التقريب بين المواقف ويضمن تنفيذ بنود المصالحة. وتهدف الأولى إلى توسع القاعدة الاجتماعية للحكم الجديد في مواجهة «الإخوان»، لكن الأرجح أن تركيبة الحكم الجديد وصعوبة الأوضاع الاقتصادية لا تسمحان بذلك. وتحقق المصالحة الوطنية الاستقرار المنشود من خلال إبداء الطرفين قدراً من المرونة، ووقف العنف والملاحقات الأمنية ومشاركة «الإخوان» في النظام السياسي، وتصدي الدولة بحزم لمحاولات الانتقام من «الإخوان» واجتثاثهم من الحياة السياسية، لأن استمرار وتنامي نزعة الكراهية لهم وشيطنتهم تضاعف من مشكلات تقبلهم في المجتمع والنظام السياسي، والمفارقة أن الدولة التي أطلقت - أو على الأقل باركت - هذه الحملات ستجد نفسها في مواجهة نتائج تلك الحملات إذا قررت استيعاب «الإخوان» والتوصل معهم إلى مصالحة.
6- أظن أن خطاب المصالحة الوطنية يفتقر إلى الرؤية والرغبة والقدرة لدى الطرفين، وبالتالي سيظل بلا معنى، حيث لم يقدم الطرفان - حتى الآن - تنازلات متبادلة ولم يؤكدا رغبتهما في العيش المشترك بدلاً من السعي لإقصاء ونفي الآخر من المعادلة السياسية. غير أن المسؤولية الأكبر تقع على الحكم الذي يجب عليه طرح تصورات محددة لطبيعة دور «الإخوان» وحزب الجماعة في المرحلة القادمة، والعلاقة بين السياسي والدعوي، وكيفية منع استخدام المساجد والكنائس في العمل السياسي. وهل سيتم حل الجماعة كما يطالب البعض أم ستبقى بعد إخضاعها للرقابة الحكومية كغيرها من الجمعيات الأهلية؟ وهل سيطلب منها ومن حزبها إحداث تغييرات في الأفكار والبرامج والهيكل التنظيمي؟
لا بد أن يحدد الحكم مواقفه من هذه الأمور ويطرحها للنقاش العام، عوضاً عن الصياغات العامة والإنشائية التي أطلقتها الحكومة مؤخراً، ولا بد للحكم أن يجيب عن سؤال بالغ الأهمية خاص بتطبيق هذه الاشتراطات العامة على بقية الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وفي مقدمتها حزب «النور» السلفي، أم أنها ستطبق على «الإخوان» فقط نتيجة تورطهم في أعمال عنف وإرهاب؟
7- أهمية قيام تيار ثالث من شخصيات وهيئات لم تتورط في الصراع، علاوة على بعض شباب الثورة، للبحث عن صيغة مناسبة للمصالحة، تقوم على إيقاف العنف وحملات تشويه وشيطنة الآخر في الإعلام، ووقف الحملات الأمنية والدخول في إجراءات للعدالة الانتقالية، والإقرار بحق «الإخوان» والأحزاب الإسلاموية في المشاركة في النظام السياسي، من دون السماح لها بالحديث باسم الإسلام والخلط بين الدين والسياسة واستغلال مشاعر وتدين البسطاء.
والمشكلة هنا أن هذه الصيغة تحرم الأحزاب الإسلاموية من اهم مصادر قوتها وتأثيرها في الشارع، وبالتالي لا بد من بذل جهود كبيرة لإقناعها بشكل طوعي وتشجيعها على المشاركة في خريطة المستقبل التي طرحها السيسي، لأن استبعاد أو عدم مشاركة الأحزاب الإسلاموية يعني مباشرة فشل المرحلة الانتقالية الثانية، وإنتاج نظام سياسي يعتمد على القوى المدنية ويهمش ويستبعد القوى الإسلاموية. أي إنتاج الوجه الآخر لنظام الرئيس محمد مرسي الذي استبعد القوى المدنية واعتمد على «الإخوان» والقوى الإسلاموية.
ضرب سوريا .... البحث عن سبب
عبد الرحمن ابوعرفة
هناك آباء أشقياء، يتلذذون بضرب أبنائهم او أبناء الجيران، لا تتوفر الاسباب دائما لاشباع هذه الرغبة، فاذا ما سقطت كرة القدم في حديقة منزل احدهم، وأصابت إحدى النباتات، فان السبب للضرب يكون قد توفر، مهما كان اللاعب الذي يقع عليه اعتداء الضرب.
هذا هو حال الغرب وسوريا اليوم.. منذ عامين وهم ينتظرون الفرصة لضرب سوريا، الاسباب التي توفرت لم تكن كافية، فسكتوا خانعين، حتى جاء ما أُسمي بالكيماوي، لم يتم الحديث عن الضحايا ولا عن مصيرهم ولا عن علاجهم وإنقاذهم، لم يتم التحدث عن أي شيء إنساني، كل هذا ليس مهما، المهم هو السبب، فها هي الكرة سقطت في الحديقة، ان لم نَضرب اليوم فمن يعرف متى تأتي الفرصة القادمة.
لا يُعرف حتى اللحظة فيما إذا كان المضروب هو مادة كيماوية أو مجرد غاز للأعصاب، لا يُعرف حتى الآن من هو الضارب، نظام الحكم أم معارضيه، لا يُعرف عدد الضحايا هل هم 3000 أو عدة مئات أو أقل أو اكثر، لا يعرف على وجه الدقة عدد المصابين والقتلى ليتبين حجم الجريمة، لم يتم فحص الصور للتأكد أنها فعلا صور قتلى أو مصابين أو مجرد ممثلين في بلد تستعمل به كل الوسائل لتجريم الخصم. هل يستطيع احد أن يؤكد كم جثة دفنت؟ هل تطوع احد لإرسال معونات طبية لإسعاف المصابين مثل ما يتم التطوع لإرسال قاذفات القنابل وحصد مزيد من الأرواح، هل فحص احد قدرة المستشفيات على الاستيعاب لإرسال مزيد من الأسرة والأطباء بدلا من إرسال المزيد من الضحايا الجدد إلى مستشفيات مكتظة؟.
الغموض يكتنف كل شيء، ويتصرف المنتظرون وكأنهم هم الذين أصيبوا بغاز الأعصاب وفقدوا أعصابهم وتركوا تحركاتهم الإرادية واللا إرادية للعمل دون تفكير، دون روية، دون تمحيص، دون تحقيق، وكما شبههم مسؤول روسي يتصرفون "كقرد يحمل قنبلة". الضرب ممكن في أي لحظة إذا كان ذلك ضروريا وهادفا، ولكن بعد التيقن وبعد الادانة، هل اجهزة المخابرات وأقمار التجسس الصناعية والمراقبين الاجانب والجواسيس المحليين عاجزين عن اكتشاف الحقيقة واعلانها، وهم الذين لا يقف حائل بينهم وبين ما يريدون معرفته.
لماذا تكرر الأخطاء؟، لقد ضُربت العراق بناء على ادعاءات كاذبة من قبل أعلى المسؤولين الامريكيين، هل تذكرون تأكيدات "بوش" الابن وشاحنات "كولين باول" المحملة بأسلحة الدمار الشامل الذين عرضهم في مجلس الامن، ولم يتبين اثرهم بعد احتلال العراق؟... لماذا تُضرب سوريا بناء على أكاذيب لم يثبت صحتها؟. وماذا إذا اتضح لاحقا أن المسؤول عن الكيماوي هم أعداء النظام، هل تضرب سورية مرة اخرى ولكن بسبب لاعب آخر. تقول المعارضة السورية أنها تسيطر على ثلثي الاراضي السورية، لماذا يفترض أن الكيماوي يوجد فقط في ثلث الاراضي التي ما زالت تحت سيطرة النظام، الم تعلن المعارضة أنها احتلت مطارات عسكرية وقواعد للمدفعية المضادة للطائرات، وان جُل أسلحتها استولت عليها من ترسانة النظام ومعسكرات الجيش، هل بلغت الاستقامة بالمعارضة أن تَترك مخازن الكيماوي في جزر معزولة تحت سيطرة النظام؟. هل فكر احد، كم سيكون عدد الضحايا عند ضرب سوريا، ومن هم هؤلاء الضحايا، كم من الابرياء منهم... كم من الاطفال منهم، كم مرةً عددهم اكثر من ضحايا غاز الاعصاب او الكيماوي؟
لا دفاعاً عن النظام السوري المُستبد وحتى الغبي، ولكن هل فكر احد أن درجة غباء النظام السوري يمكن أن تصل إلى الحد الذي يلقون به بالكرة دون هدف منتظرين تلقي الضربة. النظام السوري يسعى من نحو عام لاستدعاء لجنة دولية للتحقيق في ما يشاع من استعماله الكيماوي، هل يُعقل انه وبعد وصول هذه اللجنة التي طال انتظارها، يقوم بإهداء الدليل لادانته والتي طالما أمل من وصول اللجنة اثبات العكس. الى كل المنتظرين والمتهيئين لضرب سوريا، ساعدونا لان ندعمكم ونؤيدكم ونقف معكم، اعطونا مبررات واضحة، ولا تتصرفوا بشكل يفوق غباء النظام السوري. لا ترتكبوا الجريمة، التي ستكون اكبر من جريمة الكيماوي حتى لو افترضنا أن النظام السوري هو الفاعل.
إن تصرفتم دون التيقن، لن ينظر الى ذلك باعتباره غباء، بل جريمة مكتملة الاركان تُرتكب مع سبق الإصرار والترًصُد.
اوباما جديد ... بفضل بشار
الياس حرفوش
اذا كان الرئيس بشار الأسد قد «نجح» في شيء خلال مواجهته القائمة مع شعبه ومع معظم المجتمع الدولي، فهو في الانقلاب الذي أحدثه في نسق تفكير ادارة الرئيس باراك اوباما حيال هذه الأزمة وحيال احتمالات التدخل العسكري فيها.
نحن إذن أمام أوباما جديد لم نتعرف عليه لا خلال الولاية الأولى ولا في السنة الأولى من الولاية الثانية. كان أوباما متردداً في توريط قواته في أي عمل عسكري خارج حدود بلده، وهو الذي جاء إلى البيت الأبيض مع وعد بسحب القوات من المناطق التي تورطت فيها في ظل إدارة جورج بوش، وخصوصاً من العراق وأفغانستان. وحتى قبل أيام معدودة كان أوباما يعيد تأكيد موقفه الحذر هذا في رده على استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق. وبكلمات واضحة قال في حديثه الأخير إلى محطة «سي أن أن»: لا تزال الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي يتوقع الناس أن يفعل أكثر من مجرد حماية حدوده. لكن هذا لا يعني أن علينا أن نتورط في كل شيء على الفور... يجب أن نفكر بطريقة استراتيجية في ما سيكون في مصلحتنا الوطنية في الأمد الطويل. ومضى اوباما الى القول: «نرى جهات تطالب بعمل فوري، لكن التسرع في أمور قد تكون نتيجتها سيئة سيغرقنا في اوضاع صعبة، ويمكن أن يجرنا إلى تدخلات معقدة جداً ومكلفة ولن تؤدي إلا إلى تأجيج مشاعر الحقد في المنطقة».
ما الذي تغير خلال هذه الأيام القليلة ودفع أوباما إلى اتخاذ قراره بوضع خيار اللجوء إلى القوة على الطاولة لمعاقبة النظام السوري؟
لخّص وزير الدفاع تشاك هاغل في حديثه أمس إلى محطة تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أسباب هذا التغيير بالقول إن هناك قناعة تامة وقليلاً من الشك لدى معظم حلفاء الولايات المتحدة في أن النظام السوري خرق أبسط حدود السلوك الإنساني المقبول باستخدامه أسلحة كيماوية ضد شعبه. وأكد الوزير أن أي رد من جانب الولايات المتحدة سيكون بالتفاهم مع المجموعة الدولية وضمن حدود القانون الدولي.
لم يكن ممكناً أمام مناخ دولي من هذا النوع وضغوط بهذا الحجم أن يستمر وقوف الولايات المتحدة موقف المتردد حيال اتخاذ قرار حاسم في مواجهة تفاقم النزاع في سورية ووصوله إلى هذا الحد من العنف، ومن استهتار النظام بأرواح مواطنيه. فلا المسؤوليات الدولية الملقاة على عاتق الولايات المتحدة ولا الدور الذي يتولاه باراك أوباما كقائد لأكبر قوة عسكرية في العالم تسمح بموقف المتفرج على هذه المأساة المتمادية التي بلغت حداً من الخطر أصبح يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
يتذرع النظام السوري في رده على الائتلاف الدولي الذي يتشكل لمعاقبته بأنه بريء من تهمة الكيماوي. غير أن النظام السوري، مثل أي نظام آخر، هو الذي يتحمل مسؤولية حماية أرواح مواطنيه المدنيين. وإذا لم يستطع القيام بذلك ومنع جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكب على أرضه (وبصرف النظر عمّن يرتكب هذه الجرائم)، يصبح من واجب المجتمع الدولي التدخل لوقف هذه الارتكابات، من دون أي اعتبار لمسألة السيادة الداخلية التي أصبح يتذرع بها كثير من الأنظمة المجرمة لحماية «حقها» في ارتكاب المجازر.
هذا هو المبدأ الذي بات متعارفاً على تسميته R2P أو المسؤولية عن الحماية (responsibility to protect)، وهو المبدأ الذي تم إقراره في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 والذي تتحمل الأسرة الدولية بموجبه مسؤولياتها حيال جرائم العنف الجماعي حيثما ارتكبت. فالمجتمع الدولي يقوم على احترام عدد من المبادئ الإنسانية، وفي مقدمها ضرورة توفير الظروف اللازمة لحماية أرواح المدنيين عندما يتم انتهاكها، سواء كان ذلك من جانب الأنظمة التي يفترض أن تحميهم أو من جانب قوى خارجية تعتدي عليهم.
لقد فاقت الارتكابات التي أقدم عليها النظام السوري في مواجهاته مع المعارضة كل مستويات العنف والقتل التي يمكن أن يرتكبها أي نظام. وجاء استخدام الأسلحة الكيماوية في غوطتي دمشق ليبدد كل الأوهام التي كانت ما تزال تراود البعض من أن بشار الأسد لا يمكن أن يفعل ذلك! تكفي مراجعة مسلسل المجازر لتؤكد لنا أنه فعلها وأكثر، فالنظام الذي يفاخر، هو وحلفاؤه، بأنه لا يمانع في إحراق المنطقة من أجل البقاء، لا يتردد أمام إحراق غوطتي دمشق، خصوصاً إذا كانت ستؤدي إلى الحد من أعداد الاطفال الذين سيكبرون في المستقبل ليصبحوا... معارضين.
زيارة جاءت في وقتها...
نبيل عمرو
تابعت من برلين، الزيارة الهامة في توقيتها ومغزاها، التي قام بها الوزير الصديق نبيل فهمي، وزير خارجية جمهورية مصر العربية، ونجل وزير الخارجية اللامع المغفور له اسماعيل فهمي. ولقد قال الوزير كلاما بليغا، حول اهمية القضية الفلسطينية بالنسبة لمصر، واولويتها التي لن تتقدم عليها اولوية اخرى في زحام القضايا التي تضطرم بها المنطقة في زمن الربيع العربي الملتبس والعاصف.
الا ان اقوال فهمي تكتسب اهمية من الظرف الذي قيلت فيه، بل ومن مجمل عوامل جعلته قولا فَصلاً، يحتاجه الفلسطينيون، في زمن كادت فيه قضيتهم تتوارى خلف القضايا المستجدة والاكثر سخونة، فما هو موقع القضية الفلسطينية حين يدفن في الشرق الاوسط المئات بل الالاف في اليوم والاسبوع والشهر؟
كما ان زيارة فهمي وتصريحاته، جاءت بمثابة رد قاطع وحاسم على كل اولئك السطحيين والموتورين، الذين حاولوا اما عن قصد او عن جهل او عن تسرع، تشويه صورة الشعب الفلسطيني، وإيقاد صدور الجماهير المصرية عليه، من خلال الصاق تهمة العمل الاجرامي الذي قام به البعض باسم الفلسطينيين سواء في المدن المصرية او في سيناء، فلقد رفع فهمي من مستوى الخطاب، ليتحدث باسم مصر الكبيرة ، مصر الواعية، ومصر الملتزمة بصدق وشرف بقضايا الامة، التي ما تزال قضية فلسطين كما تراها مصر بالذات، تجسد روحها ومركزها ومؤشر الخطأ والصواب في الاتجاه العربي كله.
لقد تزامنت زيارة فهمي، مع عملية عدوانية غشيمة ومشبوهة قامت بها اسرائيل في مخيم قلنديا المقدسي، حيث جاءت هذه العملية كرسالة لا لبس فيها، بان حكومة نتنياهو تعمل كل ما باستطاعتها من اجل حمل الفلسطينيين على مغادرة العملية السياسية وتحميلهم المسؤولية عن ذلك بما ينطوي عليه هذا العمل من أثمان تراهن اسرائيل على جعل الفلسطينيين يدفعونها في كل الاتجاهات، ورغم ان مصر لم تتأخر يوما وفي كل الظروف، عن ادانة اي عمل يؤدي الى اسالة ولو قطرة دم واحدة من جسد فلسطيني، الا ان تأكيد فهمي على ادانة هذه العملية المريبة، لها وزنها في حساب السياسات والمواقف، ولا بد وان يكون لها تأثيرها السياسي على اسرائيل، وذلك وفقا لوزن مصر وقدراتها وحساباتها.
ان الفلسطينيين الذين يراهنون بصدق وجدارة على التغيير الذي صنعه شعب مصر وقواته المسلحة ومؤسسات دولته العريقة، رأوا في زيارة فهمي عودة للامل المصري، الذي وإن خبا قليلا بفعل تطورات عارضة، الا انه يتجدد، معبرا عن اصالته وعمقه ووضوحه، فبوسع الفلسطينيين بعد كل عناء،ان يعيدوا وضع الرصيد المصري الضخم الى جانب رصيدهم المتواضع، مع الرصيد الخليجي والعربي والدولي الصديق، لنرى توازنا جديدا فعالا، لا يتيح لأي قوة الاستفراد بالفلسطينيين والتنكيل بهم ، وإلغاء حقوقهم او تزييفها او ضغطها تحت اسقف شديدة الانخفاض.
ان زيارة فهمي توقيتا ومضمونا، كانت بمثابة شحن الهمة الفلسطينية بوقود عالي القدرة، كما كانت بمثابة رسالة للامريكيين بان للفلسطينيين ظهرا قويا فعالا، توفره مصر التي تبايعها الغالبية العظمى من العرب، كزعيم ذي شأن للامة، والى جانبها دول الخليج وشعوبه الذين اثبتوا قدرات حقيقية في الدعم والاسناد والمشاركة في احلك الظروف، ووراء هؤلاء جميعا تقف معظم ان لم اقل جميع الدول والشعوب العربية.
فباسم فلسطين كلها، أهلا نبيل فهمي، أهلا بمصر ، وأهلا بكل ما تمثل بعد نهوضها العبقري من كبواتها والى الامام يا مصر .... فمصر جديدة تعني عربا جددا، وهذا هو رهاننا الاهم.
مقالات جريـدة الأيام
أطراف النهار "بطن حمزة"
حسن البطل
على الشرفة الغربية أتذكر ما قاله الصوفي: "دع العالم يأتي اليّ"، وعلى الشرفة الشرقية أتذكر ما يقوله علماء التشريح: كل أهبل أو عبقري هو بعقلين.. بينهما برزخ نجاة من الجنون الى العقل؛ ومن العقل الى الجنون. عقل للمنطق (أيسر) وعقل للجمال والفن (أيمن).
ثمة تلة أطل عليها من الشرفة الغربية. أنا أقرأ (وأشرب القهوة) او افكر (وأمجّ السيكارة). تلك التلة الأشبه بظهر سلحفاة هائلة، اختارتها الطيور مهبطاً صباحياً لآلاف مؤلفة من الطيور الداجنة (الحمام). التلة تلة، والسفح سفح.. ولكن المقاولين والمعماريين أخذوا عن فلاحي السفوح وصف سفح التلة بـ"البطن".. وهكذا، أنا أسكن عمارة حديثة مقامة على "بطن حمزة" أقصى غرب بيتونيا. للبشر لغة، وللطير هديل. للبشر قوة بصيرة. للطير حدة البصر (أقرأ الجريدة من مسافة 50 سم، وحدقة الطير تبصر ما أقرأ من مسافة 50م. هكذا يقول علماء البصريات).
صباحات تلو صباحات (فناجين قهوة تلو فناجين، وعلب سكائر تلو علب سكائر)، وأنا أراقب: "طار الحمام. غطّ الحمام". عشرات. مئات الحمائم تطير او تغط.. دون ان يصطدم جناح بجناح. ما يبدو بديهة قد يبدو باعثاً على التفكير. مثلاً: هل رأى أي صياد طيراً يخرّ من عليائه.. ويسقط ميتاً، لأن قلب الطير خذله، كما يخذل قلب الانسان صاحبه؟ من خفق جناح الطير، استعارت لغة الانسان اسماً آخر للقلب، هو "الخافق". من طيران الطير تعلم الانسان ميكانيكا الطيران. الطائرات قد تصطدم بالطائرات (وأحياناً تسقط بسبب دخول الطيور فتحات محركاتها).. ولكن الطائرات لا تهبط، او تقلع، من على "حاملة الطائرات" كما يغط الحمام ويطير، بعشرات ومئات، من على التلة.
ذات مرة، على شاطئ بحر لارنكا، ومن خلف زجاج مطعم على الشاطئ، نثرت خبزاً على افريز النافذة. كانت نوارس البحر تلتقط الخبز.. دون ان تصطدم بالزجاج. النورس طير، والطير ليس غبياً كالذبابة او النحلة. الانسان أذكى من الطير، لكن الطائرة أغبى من طير الحمام. يقولون ان الديناصور تطور الى طير.
من على الشرفة الشرقية، سأراقب فصلاً آخر: كيف انمسخ الديناصور.. الى جرافة كاتربيللر فولاذية غبية، يقودها بشري ماهر (بعقل متوسط)، وهي لا تنفك عن ثقب صخور التلة، او السفح، او البطن.
سيقيمون عمارة هنا. سيملؤون "بطن حمزة" بالعمارات. ستبحث الطيور عن مهبط أبعد لها. سيقتلعون اشجار الزيتون (قبل شهرين من قطاف ثمرها).. وسيزرعون اشجاراً أخرى (وزهوراً وداليات في الحدائق البيتية). ينقلون الصخر من مكان، ويرصفونه في مكان آخر، ليكون شوارع على سفوح تلال اخرى، ستغزوها العمارات. بعقل ساذج وقلب ساذج، أسأل متعهد الحفريات: لماذا لا تبيعون الاشجار المقلوعة لمن يزرعها؟ قال: خذها وازرعها.. واسقها ستة شهور.
سنولول عندما تقلع جرافاتهم زيتوناتنا لاقامة الجدار. سنصمت (ونعد نقودنا) عندما تقلع جرافاتنا زيتوناتنا لاقامة عمارات. على السفح العتيق الذي يصبح ضاحية سكنية، سترى اكواماً هرمية من الحجارة. هنا كان الفلاحون ينطرون حقولهم البعلية.. وعلى حافات الشوارع الجديدة، سترى اكواماً عجيبة، كأنها "خراء" اسمنتي لديناصور خرافي. هذه بقايا "قناديل" الاسمنت والحصى, والكل يقتدي بالكل.. والكل يحتج على الكل.
يعرف الطير ان يسافر الى تلال اخرى، ويعرف الناس ان يسكنوا تلالاً اخرى، فهل تعرف الزيتونات شيئاً آخر سوى: هنا ولدت.. وهنا تموت. ست سخلات شاميات كأنهن "بنات حرائر" يرعاهن، في نجعة صباحية قصيرة، موظف دولة متقاعد، لعله يعشق حليب النعاج ولبن النعاج و"جميد النعاج".
توّاً، عندما تعود طيور الحمام الى أوكارها، بعد عروض الطيران الصباحية المدهشة، تليها هذه السخلات الشاميات لهذا الراعي.. وعلى التلة الأخرى، يواصل الديناصور الحديدي افتراس الصخر والشجر. للطيور تلال أخرى، وللعقارب اوكار أخرى.. وللشمس قوس شروق صباحي وغروب مسائي.
المنطقة على شفير هاوية...
طلال عوكل
أيام قليلة وربما ساعات تفصلنا عن تحول دراماتيكي خطير في سياق تطور الصراع الداخلي في سورية. وبالرغم من أن الصراع منذ اندلاعه قبل أكثر من سنتين، لم يكن محضا داخليا، إلا أن أشكال ووسائل التدخل الخارجي، ظلت حبيسة المخططات الأميركية والغربية التي عملت على إطالة أمد الصراع، ومده بكل أسباب الاستمرار، حتى يتسنى تحطيم كل أطرافه، وتحطيم مقومات الدولة السورية، بما يضمن ضعف وهشاشة أي نظام قادم وارتهانه للمصالح الأميركية، فضلاً عن ضمان أمن إسرائيل لعقود طويلة من الزمن.
السيناريو يتكرر، فحين تعجز القوى الداخلية عن تغيير الأنظمة الاستبدادية، تتدخل القوى الخارجية، لفرض عملية التغيير بالقوة الطاغية. هذا ما وقع في العراق، وفي ليبيا، والآن في سورية. ففي ضوء الدعم الذي يلقاه النظام السوري، من قبل روسيا والصين، وإيران وحزب الله، فإن الولايات المتحدة، اعتمدت معياراً للتدخل، وهو استخدام أسلحة كيماوية ستلصق تهمة استخدامه بالنظام في كل الحالات.
حتى اللحظة، لم يجر تحقيق دولي نزيه وجدي، في واقعة استخدام أسلحة كيماوية مؤخراً، أدت إلى سقوط نحو ألف وخمسمائة مدني، لكن جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، يتحدث عن وجود أدلة دامغة، على أن النظام هو من ارتكب هذه الجريمة ضد الإنسانية.
ربما اعتمدت الولايات المتحدة في توجيهها هذا الاتهام للنظام السوري، على معلوماتها الاستخباراتية الخاصة، وربما أرادت تزوير الحقائق كما فعلت في العراق، حين زورت تقارير لجنة تحقيق المفتشين الدوليين، وادعت أن النظام يملك أسلحة دمار شامل، لم يتأكد وجودها بعد غزو العراق. إن كان هذا الأمر، قد دخل في حقل اليقين الأميركي، فإنه كان على النظام أن يسمح ويتعاون مع المفتشين الدوليين الموجودين في دمشق، وهو ما نصحت روسيا به حليفها النظام السوري، لكنه لم يفعل، ربما لأن النظام يعرف أن ذلك لن يغير من حقيقة التوجهات الأميركية نحو التدخل العسكري.
في الواقع، فإن اجتماع القادة العسكريين من عشر دول، بينها دول عربية، في الأردن، يعني بأن ثمة سباقا مع الوقت، نحو القيام بعمل عسكري ضخم ضد النظام السوري، من شأنه أن يعدل وربما يقلب موازين القوى الداخلية، التي تميل الآن على نحو واضح لصالح النظام، وليس لصالح المعارضة المسلحة.
صحيفة الديلي ميل البريطانية، نشرت تقريراً في عددها الصادر منذ يومين، تحدثت خلاله عن استعدادات أميركية وبريطانية جديدة بهذا الخصوص، وضمنته ثلاثة سيناريوهات محتملة لبنك الأهداف التي يسعى التحالف الجديد لضربها.
الولايات المتحدة أعلنت أنها بصدد اتخاذ قرار لتحديد حجم الضربة، التي تدعي أميركا أنها لن تكون بحجم وهدف إسقاط النظام، وذلك لتحجيم ردود الفعل الروسية والإيرانية. ومع الإقرار بأن استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ضد المدنيين سواء في الحروب الداخلية، أو الحروب بين دول، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها لم تأخذهم الحمية، حين استخدمت إسرائيل مرات عديدة مثل هذه الأسلحة المحرمة دولياً ضد الشعب الفلسطيني، وذلك بالرغم من تقارير اللجان الدولية، وليس آخرها تقرير لجنة غولدستون لحقوق الإنسان. فضلاً عن ذلك، فإن الولايات المتحدة تقدم نفسها مرةً أخرى، كمدافعة عن حقوق الإنسان، فتتجاوز التفويض الدولي المطلوب من مؤسسات الأمم المتحدة، لأنها لن تحصل عليه، وتواصل ممارساتها الاستفزازية، الأمر الذي ينطوي على سيادة منطق الغاب، ويضعف المؤسسة الدولية، ويعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر، وبالمناسبة فإن قدرة الولايات المتحدة على حشد التحالفات الدولية والإقليمية، لمشاركتها سواء في اتخاذ قرارات الحرب، أو ممارساتها، هذه القدرة تراجعت، فإذا كانت قد حشدت تحالفاً ثلاثينياً في مواجهة العراق مطلع التسعينيات من القرن الماضي، فهي اليوم لم تنجح في حشد إلا ثلث ذلك الرقم.
وبالإضافة إلى ذلك فإنها، أي الولايات المتحدة، لم تحصل على تفويض من الجامعة العربية، ولم تطلب لأنها تدرك أيضاً أنها لن تحصل عليه، خصوصاً بعد التغيرات التي جرت في مصر وحولها. الضربة العسكرية المحتملة وفقاً لصحيفة الديلي ميل، قد تستهدف مطارات عسكرية، ودفاعات جوية، ومخابئ تخزين الأسلحة الكيماوية وقد تذهب إلى حد ضرب البنية التحتية للجيش السوري، وبعض المنشآت الحكومية الهامة. هذا يعني أن الضربة لن تكون محدودة، فمثل هذا الطيف الواسع من الأهداف، يعني أن كل شيء سيكون معرضاً للقصف.
اللافت للنظر أن الولايات المتحدة تحرص على أن لا يكون لإسرائيل دور مباشر، أو غير مباشر، فيما تؤكد تل أبيب، أنها ستنأى بنفسها عن التدخل في الأزمة السورية، لكن السؤال هو هل يمكن لعقل أن يصدق مثل هذه الادعاءات؟ وهل ستأخذ الولايات المتحدة وحلفاؤها بعين الاعتبار النتائج التي ستترتب على قيامها بعمل جرى ضد النظام السوري، وإذا كان من غير المحتمل أن يتخذ النظام السوري، إجراءات عسكرية فعالة في مواجهة الدول المتحالفة وسيعمد كما العادة، إلى القول إنه سيرد في الزمان والمكان المناسبين، فهل سيتوقف حلفاء النظام الدوليون والإقليميون عند حدود الشجب والاستنكار؟
بغض النظر عن الموقف الذي سيتخذه النظام، فإن التدخل العسكري الأجنبي المحتمل، من شأنه أن يقلب الطاولة في الشرق الأوسط، من حيث أنه لا يستهدف فقط تغيير المعادلات الداخلية في سورية، وإنما أيضاً لأنه ينطوي على رسائل قوية، أولها وأهمها موجهة لمصر، التي لا تزال الولايات المتحدة وحلفاؤها الدوليون والإقليميون، وأهمهم تركيا، ينظرون إلى التغيير الجاري فيها (مصر) على أنه يمس ويهدد مصالح ومخططات تلك الدول بشأن المنطقة.
من الواضح أن التدخل العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة على النظام في سورية، من شأنه أن يدفع المنطقة بأسرها نحو اضطراب كبير، يتجاوز حدود سورية، إلى الإقليم بأسره، في محاولة لإعادة خلط الأوراق، وإشاعة فوضى عارمة، ربما كان من أهدافها، تعديل مسار المخططات الأميركية المرسومة للمنطقة بعد الاختراق الاستراتيجي الكبير الذي حققته مصر، ويهدد بالإطاحة بكل تلك المخططات.
الـــواقـــع هـــو الأقـــوى
حمادة فراعنة
في مواجهة الانتفاضة الشعبية المدنية الفلسطينية الباسلة العام 1987، رفع إسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي شعار "تكسير الأيادي" لشباب الانتفاضة، وسعى لوقف الاحتجاجات الفلسطينية على واقع الاحتلال وسياساته وإجراءاته وأهدافه، ولكن رابين فشل في برنامجه، فتحول من قائد عنيد أخلص لبرنامج الصهيونية وعمل على تنفيذ أهدافها على الأرض، ضد الشعب الفلسطيني وعلى حساب مصالحه وحقوقه، ومع ذلك تحول إلى صاحب قرار أعطى الضوء الأخضر لمفاوضات أوسلو غير العلنية، والتوصل إلى إعلان مبادئ واتفاق تدريجي متعدد المراحل يؤدي إلى انسحاب إسرائيلي تدريجي من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وإقرار حق الفلسطينيين في دولة إلى جانب إسرائيل.
وقبض إسحق رابين ثمن تحوله وتطور موقفه، بحصوله على جائزة نوبل للسلام، لتوقيعه اتفاق أوسلو مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في حديقة الورود في ساحة البيت الأبيض الأميركي في أيلول 1993.
ومثلما قبض الثمن، دفع حياته ثمناً لهذا الاتفاق من قبل اليمين الإسرائيلي، باغتياله العام 1995، لاتهامه بالتنازل عن أرض إسرائيل، وخيانة الصهيونية، وقبول البرنامج الفلسطيني، وبغياب رابين، وفشل بيريس، وعدم مقدرة يهود باراك وتقلباته، فقد حزب العمل دوره وخسر شعبيته، وبات على هامش الحياة السياسية الإسرائيلية، أمام اندفاع "الليكود" وأحزاب اليمين والمتدينين والمستوطنين الذين يتمسكون بخارطة إسرائيل الكبرى، فكان حصيلتهم ونتاج أصواتهم وقيادتهم، شارون ونتنياهو وأولمرت وليفني الذين تربوا في مدرسة مناحيم بيغن وإسحق شامير، وفلسفة أرض إسرائيل الكبرى، وسياسة التوسع والضم وعدم الإقرار بوجود الآخر الفلسطيني وسحقه.
ومثلما اصطدم إسحق رابين بوقائع الحياة ووجود شعب آخر، هو الشعب الفلسطيني، على "أرض إسرائيل" اصطدم قادة "الليكود" بهذه الوقائع، كل منهم على طريقته.
شارون الأكثر وضوحاً واستجابة، حيث رضخ لتأثير الانتفاضة الفلسطينية الثانية وعملياتها المسلحة العام 2000 وما بعدها، فقرر ترك قطاع غزة من طرف واحد العام 2005، فأزال المستوطنات وفكك قواعد جيش الاحتلال، ورحل عن قطاع غزة، ووضع برنامجاً مماثلاً لجزء من الضفة الفلسطينية، في إطار ما بين الجدارين، الجدار الغربي الذي بناه، والجدار الشرقي المنوي بناؤه، وأدى هذا التحول إلى انشقاق "الليكود" الذي كان يقوده وشكل حزباً آخر على خلفية هذا التحول في موقفه.
ويهود أولمرت، جلس على طاولة المفاوضات في أنابوليس مع الرئيس أبو مازن برعاية الرئيس بوش، العام 2007-2008، واقترب كثيراً من بعض الحقوق والعناوين الفلسطينية بما فيها النقاط الحمراء والممنوعات وفي طليعتها عودة لاجئين فلسطينيين إلى مناطق 48 (إسرائيل) وتقسيم القدس، وإقامة دولة فلسطينية بين الجدارين، بينما نتنياهو المتشدد والحليف الرئيسي لأحزاب المستوطنين والداعم لهم، فقد أعلن موافقته على حل الدولتين ومبدأ إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، في مؤتمر بار إيلان في حزيران 2009، حتى ولو لم يكن جاداً، ويتهرب من استحقاقات إعلانه ذاك، ولكنه في واقع الأمر السياسي استجاب لشعار الفلسطينيين، ومطالبات الرئيس الأميركي أوباما الملحة.
ما تقدم يشير إلى إمكانية تغيير المفاهيم والتنازل عن المبادئ أمام الوقائع الحسية ومتطلبات الحياة، والتكيف معها، واستمرارية الوجود، هذا التحول في المواقف الإسرائيلية على جدول أعمال حركة فتح، وفي صلب اهتمامات الرئيس الفلسطيني وقناعاته، وهذا ما يُفسر الهجمة الفلسطينية الرئاسية الفتحاوية نحو الأحزاب الإسرائيلية والكتل البرلمانية، حيث لا شيء لا يتغير، مهما تصلب البعض وتطرف، فمصيره الزوال أو الموت أو العزلة أو التكيف مع الواقع باتجاه التغيير، وأبرز مثل على ذلك موشيه أرنز ابن "الليكود" المتطرف ووزير الدفاع الأسبق الذي ينادي بدولة القوميتين، ولا يهاب من القنبلة الديمغرافية، ويقبل التعايش مع الآخر الفلسطيني على أساس المواطنة، وهو تحول يجب أن يكون على جدول أعمال الرئيس الفلسطيني لدعوته واستقباله، وعلى جدول أعمال لجنة "فتح" المختصة ورئيسها محمد المدني، وأعضاء "فتح" المركزيين من نبيل شعث إلى جبريل الرجوب، هذا هو الطريق، طريق البرنامج الوطني الفلسطيني القائم على ركيزتين:
أولهما: التمسك بالحقوق الفلسطينية الثلاثة:
1- حق المساواة في مناطق 48، 2- حق الاستقلال لمناطق 67، و3- حق العودة للاجئين.
وثانيهما: اقتحام المجتمع الإسرائيلي وحوار كافة أحزابه وأطيافه وكتله البرلمانية والتأثير على مؤسسات المجتمع المدني فيه والرأي العام الذي يصنع السياسة ويقودها عبر صناديق الاقتراع، أي باختصار يجب العمل على اختراق المجتمع الإسرائيلي وكسب انحيازات من بين صفوفه لعدالة الحقوق الفلسطينية وشرعيتها.
الهجوم على سورية : حلقات غامضة وأسئلة مجهولة
عبد المجيد سويلم
لم تعد "الضربة" الغربية لسورية مجرّد قرار مؤكّد وإنما مسألة ساعات، وفي أبعد الحدود مسألة أيام معدودة، وهي لم تعد أبداً مسألة أسابيع. كما أصبح مؤكداً، أيضاً، أن الهدف "المعلن" هو "معاقبة" النظام وليس إسقاطه.
إذن "الضربة" محدودة بالمكان وبالزمان، وهي ضربة عقابية وردعية أكثر مما هي ضربة تدميرية للنظام ومقومات بقائه.
إذا كان هذا هو الهدف فمن الطبيعي أن يكون الهدف السياسي المباشر لهذه الضربة هو تعديل ميزان القوى على الأرض (بعد الضربة) وتمكين المعارضة من خلال مدها بالسلاح والتنسيق الميداني معها من التقدم في مناطق جديدة، وتعزيز قوتها في المناطق التي تسيطر عليها.
وإذا كان هذا ما سينجم عن هذه الضربة فإن الحلّ السياسي المطلوب (في ضوء الوقائع الجديدة في الميدان) هو الجلوس إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة يتم من خلالها وضع الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات الواسعة تمهيداً لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت الرقابة الصارمة "للمجتمع الدولي" وتحت الوصاية الأميركية الغربية المباشرة.
وبهذا المعنى يكون بشار الأسد موجودا كرئيس مقلّص الصلاحيات لمرحلة انتقالية قد لا تزيد على ستة أشهر أو عام كامل على أبعد الحدود.
يراهن الغرب على ما يبدو أن يتم خلال المرحلة الانتقالية تصفية البؤر الخطرة والمتطرفة في صفوف المعارضة، وعلى تولي العناصر (المعتدلة) زمام الأمور في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة اليوم وفي المناطق الجديدة التي ستتمكن المعارضة من السيطرة عليها في ضوء نتائج الضربة الغربية الوشيكة.
يبدو كل شيء في هذا السيناريو منطقياً وطبيعياً ومنسجماً مع واقع الحال ومع أهداف الضربة المرتقبة، ومع حدود التفكير الغربي ومراهنته الابقاء على الأمور في سورية تحت السيطرة، وفي نطاق التحكم بالاطار العام أو الشامل لعوامل وعناصر المعادلة السورية وتناقضاتها وأبعادها.
الوجه الآخر وربما المستتر للمعادلة السورية لا يتماهى مع الأبعاد "المنطقية" للسيناريو الذي ورد أعلاه بل ويمكن أن يكون هذا الوجه مناقضاً ومعاكساً لمعظم الأبعاد المشار إليها.
السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه حتى الآن بصورة واضحة وقاطعة هو: لماذا قام النظام بهذا القصف في هذا التوقيت بالذات وأثناء وجود فريق التفتيش الدولي على بعد عدة كيلومترات فقط من مكان القصف ومن مكان الأماكن التي قصفت إذا كان الغرب على قناعةٍ مطلقة أن النظام هو من أقدم على استخدام السلاح الكيماوي؟
يستحيل أن يقوم النظام باستخدام هذا السلاح وعلى هذا النطاق لأسباب عسكرية وتكتيكية عادية في سياق الحرب الدائرة على طول وعرض البلاد السورية. إذن نحن أمام نظام وضعه على الأرض أفضل مما كان عليه قبل عدة شهور فقط، ونحن أمام نظام يلقى دعماً هائلاً من روسيا وإيران و"حزب الله"، ونحن أمام نظام يطلب المجتمع الدولي منه الجلوس إلى طاولة المفاوضات وأن يسمّي هو بنفسه أعضاء الوفد وبدون شروط مسبقة خاصة وان تنحية الأسد لم تعد شرطاً لا للمفاوضات وليس كجزء من النتائج المطلوبة من هذه المفاوضات. كما أننا أمام نظام ما زالت المعارضة التي تقود الحرب هذه أضعف من أن تحسم المعركة بالوتائر العسكرية اليومية لهذه المعركة. إذن لماذا يقوم النظام باستخدام السلاح الكيماوي هنا؟، ولماذا يستخدمه ليقتل ويصيب الآلاف الذين يعرف مسبقاً أنهم من الأطفال والنساء والمدنيين الذين هم في الواقع ليسوا طرفاً مباشراً في المعارك؟
لا أحد يملك إجابةً قاطعة على هذا السؤال.
هل تعتبر محاولة الإجابة على السؤال مجازفة صحافية أو سياسية محفوفة بمخاطر الخروج من الرصانة السياسية المطلوبة من الكاتب أو الباحث أو المحلّل؟
أنا لا أرى في ذلك مجازفة محفوفة بمثل هذه المخاطر، بل أعتقد أن عدم الإقدام على هكذا "مجازفة" أمر يلغي أهمية الرأي الرصين المطلوب من الكاتب.
دعونا نتسلسل مع الاحتمالات.
يوجد احتمالات (مهما كانت ضعيفة) أن يكون هناك طرف آخر (سواءً كان هذا الطرف هو طرف ثالث أو بعض فصائل المعارضة) وذلك بهدف استقدام الضربة الغربية واستخدامها إما لتأجيج الصراع أو لتعديل الواقع الميداني. هذا الاحتمال ضعيف جداً لأسباب سياسية وفنية ولوجستية معروفة وواضحة، خصوصاً وأن الغرب أصبح على ما يبدو يملك "أدلّة" كافية على أن القذائف قد انطلقت من أماكن معروفة وربما مرصودة وموثّقة. وفي حالة إن كان هذا الاحتمال (أي احتمال المعارضة والطرف الثالث) هو من قام باستخدام السلاح الكيماوي فإن هذا الاستخدام قد تم عَبر أدوات النظام نفسه، وبذلك تكون المعارضة أو الطرف الثالث قد قامت بعملية استخبارية أمنية على أعلى مستويات التخطيط والتنفيذ الاستخباري وهو أمر ضعيف الاحتمال على كل حال.
لكن هل يمكن أن يكون الطرف الثالث أو الطرف الغامض هو أحد أجنحة النظام أو أحد الأذرع العسكرية والأمنية للتخلص من النظام لكي يتورّثه بعد الحل؟
هذا الاحتمال وارد وهو أقل ضعفاً من الاحتمال الأول، وإذا لم يكن وارداً فليس من الحكمة أن يتم استبعاده بالكامل.
الاحتمال الآخر هو أن القذائف قد أعدّت على أن يكون تأثيرها بسيطاً لكن خطأ ما قد أدى الى أن تكون نسبة السُمّية الكيماوية أعلى بكثير من النسبة (المطلوبة) أو المستهدفة. هذا الاحتمال هو بدوره احتمال ضعيف ولكن ليس من الحكمة استبعاده، أيضاً.
يبقى احتمال أخير أن يكون النظام بالاتفاق مع كل من روسيا وإيران و"حزب الله" (وربما إيران و"حزب الله" فقط) أراد أن ينصب كميناً للغرب بحيث يستغل النظام الضربة الغربية لإشعال حرب إقليمية شاملة ومدمّرة، خصوصاً وأن النظام ربما بات يعتقد أن ما يخسره من حرب كهذه هو قليل (طالما أن نصف سورية بات مدمراً) في حين ان بقي النظام على قيد الحياة فإن المعارضة ستكون قد تحولت بالكامل إلى مجرد عميل تافه ويعود النظام للاتفاق مع الغرب بشروط جديدة وربما سيكون الحل في حينه إقليمياً وبرعاية دولية وتكون إيران ومن ثم "حزب الله" طرفا أصيلا في هذا الحل.
الذي سيجيب على كل هذه الأسئلة والذي سيحسم الإجابة عليها هو سلوك النظام إزاء وأثناء الضربة المرتقبة.
لا يملك أحد إجابات على سؤال من قام باستخدام السلاح الكيماوي وبأي هدف قبل أن نرى حجم وطبيعة رد النظام وحلفاء النظام على الهجوم الغربي الذي لم يعد يفصلنا عنه سوى الزمن الذي تستغرقه الصواريخ العابرة والمسافة التي تقطعها الطائرات الغربية من القواعد العسكرية المحيطة ببلاد الشام.
إسرائيل تُعدّ العدّة لحرب إقليمية شاملة، وعلينا أن نعرف بأن إسرائيل ربما تكون على علمٍ بمدى هذه الحرب القادمة وإن كل ما تقوم به من "تحضير" ليس من باب الاحتياط فقط. لكن وفي مطلق الأحوال إذا كانت ردة الفعل السورية هي استيعاب "الضربة" بدون أية تبعات عسكرية مباشرة ضد الغرب أو إسرائيل أو حتى بعض دول الجوار فإن النظام يكون قد نصب كميناً لنفسه ويكون هدف إظهار المعارضة كعميلة للغرب وإظهار سورية كضحية "لمؤامرة" غربية هو هدف ساذج وغبي لأن الصراع أبعد وأعمق من هذه المحاولة البائسة.
طرطشات،،،أريد السلام
د. فتحي أبو مغلي
• أحد أسرى ما قبل أوسلو من المحررين، مؤخراً، صرح بعد إطلاق سراحه "إن فكري قد تغير.. أريد السلام وأريد المضي قدماً وليس السير إلى الخلف، مضيفاً، لقد أراقوا دمنا وأرقنا دمهم. نحن شعب عانى كثيراً، وتكفي الدماء التي أريقت". كلام جميل يصدر عن إنسان مناضل دفع ثمناً باهظاً لنضاله، لكننا نتساءل هل الجانب الآخر، أي الإسرائيليين، قد أدركوا أننا شعب يريد السلام ولا نريد إراقة دم اكثر مما أريق وهل اصبحوا جاهزين للتوقف عن إراقة دمنا وقبول حل عادل وشامل وفق قرارات الشرعية الدولية حتى نستطيع أن نعيش جنباً إلى جنب بسلام.
• الحكومة البريطانية وعلى لسان رئيس وزرائها ديفيد كاميرون، أعلنت عن خطة جديدة تسعى بموجبها إلى حجب المواقع الإباحية على الإنترنت بشكل افتراضي لجميع مشتركي الإنترنت الجدد في بريطانيا مطلع 2014 ويتوجب على المستخدمين الراغبين في الحصول على هذه المواقع، التحدث مع الشركات التي تقدم خدمة الإنترنت وطلب إتاحة هذه المواقع. تخيلوا لو أننا في فلسطين او في أي دولة عربية أخرى قد اتخذنا قراراً مماثلاً (وهو في رأيي قرار سليم وقد يكون ضرورياً لحماية أطفالنا) لوجدنا العديد من الحكومات وقد تكون منها بريطانيا ومنظمات دولية عديدة ومنها بعض منظمات حقوق الإنسان تندد وتستنكر القرار غير الديمقراطي ويطالبوننا بالتوقف عن حجب المعلومات وحرية الوصول لأي معلومة كحق من حقوق الإنسان.
• جاء في الأخبار أن الضابطة الجمركية ووزارة الزراعة تمكنتا من ضبط كمية من العنب المهرب من إسرائيل أثناء محاولة تاجرين إدخاله إلى حسبة البيرة وتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحق المخالفين حسب القانون، ويأتي هذا تنفيذاً لقرار وزارة الزراعة بمنع العنب الإسرائيلي دعماً للمنتج الوطني من العنب الفلسطيني وتمكين المزارعين من بيع منتجاتهم بأسعار مقبولة. كنا نتمنى لو أن الوازع الوطني كان كافياً لمنع جشع بعض التجار من تهريب البضائع الإسرائيلية وبضائع المستوطنات إلى أسواقنا وان تكون مقاطعة المواطن لهذه البضائع كافية لوقف تسويق هذه المنتجات في مناطق السلطة ولا ننتظر قيام الضابطة الجمركية ووزارة الزراعة بنصب الكمائن لضبط المهربين (لا نريد أن نورط انفسنا بالسؤال عن باقي الفواكه والخضار والمواد الاستهلاكية الإسرائيلية التي تغرق أسواقنا).
• إسرائيل تقرر إغلاق مكب النفايات في البيرة متجاهلة ليس فقط الآثار البيئية والصحية السلبية الناتجة عن هذا الإجراء على المجتمع المحلي وإنما ضاربة عرض الحائط بالسيادة الفلسطينية وسلطتها في إدارة شؤون البلاد والعباد، الموقف الرسمي تجاه القرار الإسرائيلي كان باهتاً بل إن البعض أخذ يطرح البدائل والحلول البديلة الممكنة بدل التحرك الفوري والسريع واستغلال هذه الحماقة وهذا التعسف الإسرائيلي في تحريك الرأي العام العالمي والتواصل مع المؤسسات الدولية المعنية بأمور الحفاظ على البيئة من اجل الضغط على إسرائيل لإعادة مكب النفايات والتوقف عن ممارسة إجراءاتها القمعية الاحتلالية إذا كانت حقيقة جادة في صنع سلام مع الفلسطينيين الآن أو في المستقبل.
• بعد احتلالها للأرض بدأت إسرائيل منذ العام 67 محاولات فرض المنهاج الإسرائيلي على مدارسنا ولكن مقاومة المواطنين عطلت وأفشلت كل المحاولات، لكن إسرائيل عادت في الأعوام الأخيرة ومع تنامي الإحساس لدى الاحتلال بضعف حركة المقاومة الشعبية في القدس إلى موالها القديم، ولكن هذه المرة بخبث ومن خلال عمليات جس نبض متواصلة بدأت بحذف رسم العلم الفلسطيني من كتاب الرياضيات وحذف العلم الفلسطيني ومدرسة "فلسطين" من كتاب لغتنا الجميلة للصف الأول وحذف كل ما يتعلق بالدعوة لمساعدة أسر الشهداء والجرحى وعائلات المقاومين من كتاب التربية الإسلامية للصف الرابع واستمرت عملية تشويه المنهاج الفلسطيني لتصل الأمور إلى ما يطرح هذا العام من البدء بتطبيق امتحان الثانوية الإسرائيلي (البغروت) على خمس مدارس مقدسية وهذا يعني لمن لا يعرف او لمن يدفن رأسه بالرمال، إلغاء الهوية الفلسطينية في التعليم بمدينة القدس وتجهيل أبنائنا وأجيالنا المقدسية. المنهاج الإسرائيلي يحرف التاريخ والدين والجغرافيا إضافة إلى تشويه الثقافة الوطنية ويسلخ الجيل الجديد عن الفكر والوعي الفلسطيني. ماذا فعلنا تجاه ما تفعله إسرائيل، ماذا طلبنا من "اليونسكو" وكيف حرضنا جماهير طلابنا ومعلمينا على رفض التعامل مع المنهاج الإسرائيلي وتعزيز الثقافة الوطنية؟.
مقالات جريدة الحياة
حياتنا - يا ظهري
حافظ البرغوثي
قد تكون هناك حرب على حرب في هذا اليوم.. وقد لا تكون، ولكن ما سأقوله ليس له علاقة بالطعن بلا نزال.
وهو أمر خاص تعولم .. فالعولمة لا تحافظ على الخاص مطلقاً.. فصباح الثلاثاء كنت على موعد مع الزميل هشام أبو سمية للقاء قصير حول العولمة وأثرها الثقافي في مجتمعنا في تقرير لتلفزيون M.B.C، وتحاملت على تغلغل الديسك في الظهر والساق اليسرى وتوجهت الى المدينة أمام مقهى رام الله لاجراء المقابلة وسط مطاعم الوجبات الاميركية السريعة والمتاجر الاستهلاكية المتعولمة.. وأثناء الطريق أوقفني صديق ولما بينت له حالة ظهري اقترح اسم طبيب يعرفه لعلاج الديسك.. فشكرته.. وأوقفني صديق آخر اقترح طبيباً آخر في شارع الارسال.. وتلقفني ثالث واقترح طبيباً على دوار الساعة وقال انه يعرفه وعالج حالته.. وكنت في كل وقفة أسند ظهري للجدار حتى لا أقع على الأرض، فكنت مرغماً على الاستماع، وختم الثالث حديثه بضرورة التوجه الى طبيبه وأعطاني رقم هاتفه وقال انه طبيب ماهر، فهو يعاجله منذ سنة،، وإن لم يشف من الديسك نهائياً.." احترت: كيف لعلاج لمدة سنة ولا يشفى؟.
واصلت سيري.. أوقفني صديق جديد واقترح ألا أخضع لعملية جراحية هنا لأنها فاشلة.. وتصيب المريض بالشلل ونصحني باجراء العملية في لندن.. وما ان وصلت مكان اللقاء التلفزيوني حتى كانت لدي عشرات الوصفات من الأصدقاء.
فمنذ تجدد الديسك استخدمت العلاج الطبيعي.. والتمارين ثم لزقة نبات من التيبت ثم لبخة الفيجم.. ثم لبخة جذور القبار.. وآخر صديق اقترح الخردل.. فقلت: انه سام ويستخدم لقتل أطفال الشام.. فقال: ان حَب الخردل يعالج الديسك.
بعد اللقاء التلفزيوني جلست والزميل أبو سمية لتناول القهوة فقال هو الآخر انه أجرى عمليتين للديسك، حيث يعمل في دبي.. لكن الأولى فشلت.. وتبين عند اجراء الثانية أن الطبيب الأول عالج الفقرة الرابعة السليمة وليس الخامسة المريضة.. فقلت له: لقد سألتني عن العولمة.. فهي باتت وجهة نظر.. فقد استمعت منذ الصباح الى عشرات الاقتراحات لعلاج الديسك.. ففي العولمة يصبح الطب أيضاً وجهة نظر.. فقد يكون علاج الديسك بالرقص في ديسكوتيك أيضاً. ولا ضرر من سقوط ظهري, فنحن في زمن فيه انظمة آيلة للسقوط وشعوب آيلة للسكوت.
تغريدة الصباح - جوائز للبيع..
امتياز دياب
منحني أحد القراء جائزة الدفاع عن الكادحين، دق قلبي لهذه الجائزة وعلقتها على قلبي، جائزة القارئ هي الصدق نفسه. كلما سمعت عن جهة ما، رصدت مبلغا من المال لجائزة تقدمها لشاعر او لكاتب او..أو..أسأل عن الهيئة أو المنظمة او المجلس الذي أعلن عنها، غالبا ما أجد أنها تغطية لعجزها او فسادها او في كلا الحالتين وأكثر.
تمنح الجائزة بالاتفاق بين ثلاثة او خمسة أعضاء لمجلس الإدارة، الشرط الأول لمنح الجائزة هو معرفة شخصية للممنوح الجائزة، أو بسبب شهرة معينة، بالعادة الذي منح الجائزة لا يعرف سبب استحقاقه لها والمانح نفسه لا يعرف انها مسألة سامية، اللعب فيها سيحط من قدر المعنى.
عندما لحقت منظمات الأمم المتحدة بركب منح الجوائز لممثلين من ذوي الشهرة، ولاعبي الكرة، لحقت بهم المنظمات غير الحكومية التي في أغلبها، منظمات احترفت اللصوصية المنظمة.
وأبدا لم يتفق الكتاب أو الشعراء على أحقية ومشروعية جائزة منحتها جهة لبست ثوب الاحترام، والخلاف على الاسم الفائز، يعطيها صفة الشك والاستهتار، مثلما يحدث في كل عام مع جائزة البوكر العربي.
أما الجوائز التي يمنحها الأمراء والملوك او الشيوخ، فالجميع يتفق على أنها وصمة عار لمن تسلم الجائزة، مثل الذي حصل مع جائزة معمر القذافي، ووضع الحاصلون على الجائزة رؤوسهم في الرمل، لتفادي أي انتباه من رواد ساحات التحرير،على وسام العار الذي استلموه من سفاح الصحراء.
وجائزة مبارك، قل من رفضها، إما لأنه لا يجرؤ على رفضها، او طمعا بالمبلغ المحترم الذي سيضعه في جيبه من دافعي الضرائب، من الذين لا يهمهم ولم يسمعوا بهذا الكاتب او ذاك الشاعر. وبات الكم الهائل من الجوائز، يثير حنق القارئ، فاقلع عن القراءة تعبيرا عن غضبه، بل بات القارئ المحترم يتفادى القراءة للكتاب الذين حصلوا على جائزة من رؤساء باتوا جميعا من المخلوعين عن عروشهم.
لا أستبعد على إدارة (الفيس بوك)، ان تعد العدة لمنح جائزة للشخص الذي ألقى بخواطره الطائشة على (الفيس بوك) بشكل مكثف ومنقطع النظير، كما لا أستغرب أن يتحول ذلك الشخص الى كاتب صاحب شهرة وسطوة، مؤهل للحكم على الإنتاج الأدبي، ما يحتم علينا التقرب منه والدوران في فلك مزاجه، عله يختار أحدا منا للجائزة القادمة.
تحولت الكتابة والموسيقى على العموم الى أدوات للتعبير عن الذات، وهكذا أصبح جميع أفراد القطيع يعبرون عن ذواتهم، وبات الفلاح والعامل والنادل وصانع الحلوى، يستريحون من أعمالهم المضنية، يقرضون الشعر ويكتبون الموسيقى في ساعات الفراغ القليلة، وينهرون أولادهم عن اللهو في ساحات الدار الإسمنتية الضيقة، التي كانت يوما حديقة غناء. اختفى القارئ والمستمع، بسبب تحولهم جميعا الى مبدعين وأصحاب قرار ورأي، يقررون من هو المبدع ؟..ومن الذي يستحق او لا يستحق، دون أن يقرأ له.
يقول المخرج الروسي العظيم (تاركوفسكي): «لو فهم الجميع الموسيقى، لأصبحت الأعمال العظيمة عادية، مثل نبتة بزغت في الحقول، إن أفلامي ليست تعبيرا عن ذاتي، إنها صلاة». ويتساءل الرجل الرائع:» لماذا علينا أن نؤكد ذاتنا؟ عندما لا تكفيني ذاتي، أبتكرها».
سمعت فنانا من ذوي السطوة وأصحاب الكلمة يطري شاعرا لم يقرأ له حرفا، أمن الجالسون من حوله على رأيه بل زادوا من ذاتهم التي لم تقرأ للشاعر قصيدة واحدة، وهكذا ارتفعت سطوة الشاعر الذي حصل على جائزة بسبب علاقاته مع أصحاب الشأن.
جائزتي التي منحني اياها أحد قرائي، مدتني بالجرأة على التصريح بالمعلومة دون خوف من أصحاب السطوة، وهذه بداية حريتي، تلك الحرية التي يقتلون بعضهم لأجل التهامها.
غزو متوقع وموت مقيم
عدلي صادق
ليس أقبح، ولا أكثر إيلاماً، على الحلبة الدولية، من الغزو الأميركي أو من عربدة الأميركيين. وليس أوجع للنفس، من انتهاك أجواء وحدود بلد شقيق وقصفه بحمم من النيران. لكن مقتضى الصحو، لا مقتضى الغيبوبة، وضرورة مواجهة الحقائق، وليس دس الرؤوس في الرمال؛ يضطرنا الى تكرار التأكيد على أن ما يضاهي العربدة الأميركية قبحاً ويزيد عنها، هو أفاعيل وجرائم النظام المفعم غروراً، فيما هو خائب على صعيد كل التحديات الاستراتيجية الداخلية والخارجية. فعندما يفتك بالناس لإدامة حرمانهم من حقوقهم السياسية والاجتماعية، يرتسم الفارق الذي يرجح كفة أذاه على كفة أذى الغازي الأجنبي. فالأخير، حين يغزو، يفتك بغير أهله، وبأناس لا تجمعهم به أية صلة، بينما الثاني، لا يجرب قوة نيرانه إلا على شعبه، ولا تقصف قواته الجوية والصاروخية، سوى مدنه وقراه، فتردم عمائرها وبيوتها على رؤوس ساكنيها. ومن هنا ــ شئنا أم أبينا ــ بدأت المشكلة وتضاخمت فضائحها التاريخية.
ستقول لي، إن للأميركيين أهدافاً، وهم لا يشنون الحروب من أجل عيون وحقوق الإنسان. نقول لك ذلك وأكثر منه، لكننا نقول أيضاً إن الطغاة جلابون للغزاة، لذا فلندع جانباً التنظير حول الظاهرة الاستعمارية وأفكارنا عنها، ولنتناول دوافع الأميركيين الذين تركوا الإنسان السوري قرابة ثلاث سنين، يُذبح بالجملة، ثم فطنوا اليوم، أن ثمة إنساناً في سوريا تتوجب "حمايته". ذلك لأن أبسط ما يدحض التنظير الأسدي لمقاصد الغزو اللئيم، هو حيثيات التنظير المضاد، لغزو سابق، لتدمير العراق. فقد شارك النظام السوري في مجهودات المرحلة الأولى من ذلك الغزو، مع من يراهم اليوم "شياطين" عرباً وعجماً. كان ذلك الغزو، بالنسبة له وللإيرانيين "شروة" السلامة والربح، في العراق حين آلت الأمور الى حلفاء الأسد و"حزب الله". بل إن الرجل المعمم، الذي كانت صورته وهو يدخل الى مكتب بوش متأبطاً ملفاً سميكاً، وينظر من حوله ــ على ما نقلت الكاميرات ــ كثعلب خائن، نعاه حسن نصر الله عندما مات، قائلاً إن "الأمة فقدت عبد العزيز الحكيم، نبراساً ومنارة هدى". لذا فلا قيمة ولا معنى لكل التنظيرات الآن. فما حدث في العراق، جاء تحت عنوان أن هناك طاغية يحكم البلد، وزحفت القوى المحببة للأسد ونصر الله، على بطونها، أمام أعتاب البيت الأبيض و"10 داوننغ ستريت" في لندن، تتسول غزو بلادها. غير أن الشعب السوري، لم تعد له أرجل أو بطون، يزحف بها أو عليها، فلندع التنظيرات "الثورية" جانباً!
الأميركيون كانوا يعلمون، أن الأسد يدمر سوريا، وهذا ما كانوا يتمنونه، لذلك عملوا على إدامة أمد المقتلة والكسارة. ويعلم الأميركيون، أن معتوهي "القاعدة" سوف يتكاثفون في مسرح العمليات، ويصبحون صيداً سهلاً. وعرفوا أن ما بقي دون هدم أو إصابة، في سوريا، هو مخزون السلاح الكيماوي، وعندما يدمر بلد، دونما ظهور جليْ، لعدو خارجي، فإن السلاح الكيماوي لا يُعيد بناء بلد، ولا يُبقي نظاماً، ولا يثير إعجاب حليف، ولا يرضى ببقائه عدو متربص، لا سيما أن مثل هذا السلاح سيباع بالإوقية في السوق السوداء، وهنا مكمن الخطر!
في مؤتمره الصحفي، وعلى استحياء، نطق وليد المعلم بعبارة مقتبسة من قاموس تعبيرات محمد سعيد الصحاف المزلزلة. لوحظ أن أحداً من الجالسين، لم يندهش ولم تُبش أساريره، ولم يكترث. ربما طرأت على ذهن الحاضرين، براهين التجارب الأسدية مع القصف الإسرائيلي، وأحسوا أن ما يليق بالمعلم، كلما لاح خطر القصف الخارجي، هو المواء لا الزئير. فهذا الأخير، الصوت الطبيعي للأسود، وبمقدورهم تقليده في الاستقواء على الناس عندهم. وربما تذكروا الصحاف الذي كان يرعد، ثم يبتسم ساخراً من الأخطار، وذلك قبل أن نعرف أنه كان محقاً في سخريته، لأن الأخطار لم تطله شخصياً، رغم القبض عليه، ولم يذهب الى المشنقة، ولا الى الحكم بالإعدام كالسياسي طارق عزيز. اختار منفاه القريب بنفسه، ودونما إحساس بالغربة، وآوى الى رغد العيش!
الإسرائيليون، على الأرجح، هم الذين نبهوا الأميركيين الى أزوف وقت الحصاد، بعد أن اكتمل زرع النيران وأحرقت البيوت وتعالت أشجار الدخان، وباتت سوريا في حاجة الى عشرات السنين لتضميد جراحها. فالأميركيون يضبطون إيقاعهم مع إسرائيل. ونحن ــ مثلما قالت العرب ــ "نَرْقُمُ على الماء" بمعنى أن لا فائدة حين نقول، إنه مشروع شرق أوسط جديد.
فإن كان كذلك، ماذا فعلنا لكي نحافظ على شرقنا الأوسط القديم؟. إن الطغاة جلابون للغزاة، ومن يفشل في تحديات التنمية والديموقراطية والأمن القومي والصراعات البينية، لا يحمي مرقد عنزة. وليت النظام يكتفي بخيباته وبسكوت الناس على آثامه. تراه يستعلي ويتجبر، ويخنق أنفاس عباد الله. إننا بصدد غزو متوقع، يرحب به السوريون المعنيون به من أعداء الأسد، وجزء كبير ممن يوالونه وتعبوا من الحال ولا يرون أفقاً. لذا سيكون الغزو المتوقع، ضرباً في النظام لا في البلد، لأن البلد دمر سلفاً. سيكون غزواً للاستحواذ على الكيمياوي، ولاصطياد "جبهة النصرة" وغزوا للموت المقيم!
سوريا ما بين أمن اسرائيل وردع إيران !
موفق مطر
هل ستكون الضربة العسكرية الأميركية الأوروبية ( ألأطلسية ) لسوريا جزائية ورسالة لمن يهمهم الأمر ؟! أم تراها رشقات « توماهوكية كروزماتية» - نسبة لصواريخ توماهوك وكروز – يأتي بعدها اعصار اميركي اوروبي لا ينفك عن سوريا الا بعد تفكيك النظام ترسانته من الاسلحة الكيميائية والاستراتيجية ايضا..فأمن اسرائيل ودول الجوار الأعضاء في حلف الأطلسي اهم من ارواح السوريين المدنيين.. ومن مئات الأطفال في الغوطة الشرقية الذين كانوا ضحايا «جريمة ضد الانسانية» بكل ما للكلمة من معنى.
صحيح ان السلاح الكيماوي محرم دوليا ويجب معاقبة مستخدميه باعتبارهم مجرمين ضد الانسانية، فلا الأهداف النبيلة الشرعية تبيح استخدامه، ولا الباطلة كذلك.. لكن الأقوياء الكبار سيعاقبون النظام السوري لأنهم تأكدوا بما لا يدع مجالا للشك امتلاكه لهذا السلاح، ويتجنبون الوقوع بذات الخطأ الذي قادهم للتورط في العراق عام 2003، عندما تأسست حملة الأطلسي بقيادة أميركية على ارضية السلاح الكيماوي العراقي وأسلحة الدمار الشامل، ليكتشفوا بعد احتلال العراق وتفتيشها مترا مترا خلوها من الأسلحة المزعومة، ناهيك عن تأكيد وزير الخارجية وليد المعلم امتلاك سوريا لهذا السلاح بصورة غير مباشرة، عندما لم ينف وجوده لدى الجيش السوري النظامي، وتهديده بمفاجآت بوجه الهجوم الخارجي، فقول المعلم: «ليس منطقيا ان مَن يمتلك السلاح الكيماوي سيوجهه نحو شعبه» فكان هذا اعترافا بامتلاك النظام للكيماوي وامكانية توجيهه نحو من يحمل عليه- النظام - من خارج الحدود !.. وهذا ما أقلق اسرائيل، رغم التطمينات الصادرة من مسؤولي امن اسرائيليين على عجل بعدم رغبة النظام بمهاجمتها، وحجتهم في ذلك إدراك النظام السوري المسبق لتداعيات وردود الفعل الاسرائيلية الكارثية عليه، لكن من قال إن نظام الأسد لن يقدم على عملية انتحار تفجيرية عندما يجد نفسه قد خسر كل شيء، خاصة ان روسيا الحليف الاستراتيجي، اعلنت امتناعها عن الدخول في حرب مع الولايات المتحدة من أجل سوريا، أما الايرانيون فقد يتخلون عنه في اللحظة الأخيرة، لعدم قدرتهم حتى الساعة على الدخول في مواجهة شاملة مع القوى الكبرى، فالمواجهة تتطلب وضعا اقتصاديا صحيا وهذا ليس متوفرا الآن، اما قوة الردع الايرانية فإنها لم تكتمل بعد، ويكون الايرانيون قد ضمنوا ترتيبا معينا لمصالحهم بعد سقوط نظام الأسد، أو على الأقل بعد اضعافه بهذه الضربة وإرغامه على التوجه الى (جنيف 2) وتنفيذ خارطة طريق تؤدي حتما الى تنازله عن السلطة، مع الحفاظ على هيكل متماسك للمؤسسة الأمنية السورية، لضمان عدم وقوع ما سيتبقى من الكيماوي او الأسلحة الأخرى بأيدي «جماعات اسلاموية» متطرفة ارهابية كقاعدة الجهاد وجبهة النصرة ودولة العراق والشام الاسلامية.
ستفهم طهران الرسالة من عناوين بنك الأهداف التي ستدمرها الضربة الأطلسية الجوية او بواسطة صواريخ التوماهوك والكروز، ما دام الروس قد اشاروا بالضوء الأخضر، وبدأوا سحب الخبراء الروس وعائلاتهم من معقل النظام (مدينة اللاذقية) وعندما افادوا بإمكانية سحب قطعهم البحرية من ميناء طرطوس حيث تتمركز معظم سفنهم الحربية البحرية في المتوسط، فالإيرانيون سيدركون ان حليفا عضويا (سوريا) قد ضعف الى حد السقوط، وان قوة كبرى (روسيا) لن تحول بينهم وبين أي هجوم أطلسي او اسرائيلي على منشآتها النووية، فتفهم الدرس وتلجأ الى طاولة الحوار مع الكبار والوكالة الدولية صاغرة، أما غير ذلك فيعني ضربة عسكرية موجعة قد تكون الحملة على سوريا نموذجا.
ستفهم دول المنطقة كلها انه ليس مسموحا بإنشاء ترسانة سلاح ايا كان نوعها تهدد المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأميركية، وان الولايات المتحدة ورفاقها الاوروبيين الكبار الأقوياء عسكريا واقتصاديا وذوي المصالح الحيوية في المنطقة لن يسمحوا لأحد بتهديد أمن دول المنطقة الصديقة ولو لفظيا دونما عقاب، فالأسد هدد في اكثر من تصريح ولقاء وخطاب بحريق عظيم، يأكل الأخضر واليابس في المنطقة، وان الحريق سيتجاوز حدود سوريا، أما وزير خارجية النظام المعلم، فانه ادعى يوما أنه لا يرى اوروبا على خارطة البحر المتوسط، فما بالنا والخبراء الأمنيون والاستراتيجيون يتحدثون عن صواريخ روسية حديثة لدى الجيش النظامي الروسي قد تطال قواعد غربية في دول اوروبية اعضاء في الحلف الأطلسي، ناهيك عن الصواريخ الروسية البحرية الاستراتيجية (يا خونت) القادرة على منع اقتراب السفن الحربية المعادية لمسافة لا تقل عن ثلاثمائة كيلو متر من الشواطئ السورية، فسوريا الوطن، الدولة العربية ارضا وشعبا – وليس سوريا الأسد ونظامه – هي الهدف.
لم يطلب الشعب السوري من النظام صرف أموال لا تأكلها النيران على أسلحة محرمة دوليا، ولم يكلف النظام الاساءة الى أخلاق السوريين وإنسانيتهم، فالتوازن الحقيقي مع اسرائيل كان ممكنا ببناء دولة ديمقراطية، متسلحة بالعلوم والاقتصاد، بجيش يعكس روح وثقافة الوحدة الوطنية، ومواطنين يفخرون بالانتماء لدولة تحفظ كرامة المواطن وحريته وحقوقه. ما سيحدث في سوريا سيفرض متغيرات محددة على اشكال الصراع في المنطقة، ومنها الصراع العربي مع اسرائيل، والصراع المذهبي والطائفي الذي تقوده ايران.. أما تحديد اتجاهات الصراع تقدما او تراجعا، فهذا أمر ستحدده اتجاهات ومدى الأسلحة والقوات والدول المشاركة في الحملة.. سننتظر ونرى.. لكن قلوبنا على سوريا الوطن.وعقولنا مع سوريا الشعب والأرض.. حتى لا تكون الضحية.
سيناريوهات الضربة الأميركية لسوريا
واصف عريقات
حديث الساعة وما يشغل بال الناس احتمال قيام الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها بضربة عسكرية لسوريا بعد اتهامات وجهت للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة السورية قرب دمشق علما بأن لجنة التحقيق الدولية لم تنه عملها ولم تتوصل لنتائج حاسمة حول الفاعل حتى كتابة هذا المقال وهو السبب المباشر للضربة، وقد صدرت تهديدات مباشرة وغير مباشرة عن ضربة وشيكة، وأعلن عن تحريك بوارج حربية وحاملات طائرات ومعدات قتالية في البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، ووصول طائرات بريطانية للقواعد الجوية في قبرص وغيرها، واستنفار في اسرائيل واستدعاء للاحتياط وتوزيع كمامات غاز وتحديث الاحتياطات الأمنية، وعقد اجتماعات لما يسمى مجلس الأمن القومي الاسرائيلي وتصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بعزمهم على الرد بقوة وحزم، رافقها تصريحات ومواقف دولية متعددة حيث اعلنت موسكو عن أسفها لقرار الولايات المتحدة بإلغاء محادثات ثنائية عن سوريا وتصر على عدم تورط النظام السوري في هجمات كيماوية على مدنيين عزل، وتعلن معارضتها لضربة عسكرية كما نوهت لعدم رغبتها في المشاركة بالحرب وهذا يعطي الأميركان فرصة أكبر للتراجع عن قرار الحرب، في حين قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان أي قرار حول سوريا سوف يتخذ في إطار دولي صارم وهذا يتناقض مع تصريحات وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عندما صرح لـ"ب ب سي" ان المجتمع الدولي يمكن أن يتدخل في سوريا دون الحاجة لقرار من مجلس الأمن. وزير الخارجية الفرنسي تحدث عن ضربة تأديبية، أما الموقفان الأردني والتركي حيث الدول المجاورة والمؤثرة في مجرى الأحداث فقد نقلت وكالة أنباء فرانس برس عن مسؤول أممي أن "الموقف الأردني لم يتغير ولن نسمح باستخدام أراضينا كقاعدة لشن هجمات عسكرية ضد دمشق مفضلا اللجوء لحل سياسي". الموقف التركي عبر عنه وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو حيث قال "مذبحة الغوطة الكيماوية جريمة ضد الإنسانية وأي جريمة ضد الإنسانية يجب ألا تمر دون عقاب من الواضح اليوم ان المجتمع الدولي يواجه اختبارا".
الأحداث في سوريا دخلت عامها الثالث، والآن تدخل لحظاتها الحاسمة، وإذا ما افترضنا ان الضربة العسكرية تحصيل حاصل بغض النظر عن صدور قرار من مجلس الأمن من عدمه او موافقة الكونغرس الأميركي للرئيس وللبيت الأبيض، لكن الشواهد التاريخية تؤكد حصول مثل هذا التدخل في العالم سواء في يوغوسلافيا وصربيا والبوسنة وأفغانستان والباكستان، أما في العالم العربي فالتاريخ القريب يشهد اجتياح اسرائيل للبنان واحتلال أول عاصمة عربية وهي بيروت عام 1982 وكانت هذه بمثابة الافتتاحية والتمهيد لاجتياح أميركي وغربي لبلدان عربية أخرى واحتلال عواصمها تمثل في بغداد العراق وبنغازي ليبيا وقبلها مقديشو الصومال (قوات الفرقة المتحدة وعملية اعادة الأمل) وغيرها. يبقى السؤال متى وأين وكيف ستأتي هذه الضربة؟ يستطيع القادة العسكريون تحديد ساعة الصفر لبدء الحرب فهي ملك لهم لكنهم لا يستطيعون تحديد مجرياتها أو تحديد نهايتها رغم تخطيطهم المحكم لذلك نظريا وعلى الورق فهي ملك للأطراف الأخرى. أما على أرض الواقع فالأمور تختلف كليا، وعلى سبيل المثال خطط شارون لاجتياح لبنان واحتلال بيروت والقضاء على م.ت.ف في مدة اسبوع واستغرق الأمر 88 يوما ولم يحقق شارون أهدافه.
وما هي الأهداف السياسية من وراء الضربة العسكرية؟ يقول وزير الخارجية الفرنسي ستكون الضربة تأديبية، ورئيس الوزراء البريطاني يقول ضرب أهداف ومحدودة، ورئيس اركان الجيوش الأميركية يقول لن تكون الضربة حاسمة وخبراء الغرب يقولون الغرض من العملية ليس تحرير سوريا من نظام الأسد بل ضربة محدودة وارسال رسالتين الأولى تأديب النظام السوري والثانية ردع النظام عن استخدام أسلحة غير تقليدية في المستقبل، فهل ستكون الضربة للتسخين والتطويع والتحريك وتأديب النظام وإضعافه عبر إنشاء منطقة حظر جوي وتقديم اسلحة متطورة للمعارضة لتساعدها على تنفيذ خططها التي اعلنت عنها غير مرة. إن كان كذلك فالسيناريو يعني قصفا جويا متدرجا ومتدحرجا ضد مراكز السيطرة والقيادة ومطارات سوريا العسكرية والمدنية ودفاعاتها الجوية وراداراتها وتدمير مدرجاتها لمنع استخدام الطائرات ولوقف الإمداد والدعم والتزويد الخارجي اضافة لقصف كل المواقع العسكرية الحيوية (بطاريات راجمات الصواريخ ب م 21 ولواء 155 صواريخ) والمستودعات المركزية ومخزون الاحتياط ومراكز السيطرة والقيادة وشبكات الاتصال بزمن يقصر او يطول تبعا للنتائج الميدانية. وهنا نستذكر ما جرى في ليبيا حيث أعلن عن انشاء منطقة حظر جوي وحماية المدنيين في البداية وما جرى هو تدمير للمقدرات الليبية.
وإذا كان الهدف هو ردع النظام وإحداث خلل في توازن القوى لصالح المعارضة والذهاب الى مؤتمر جنيف 2 ولو انه احتمال ضعيف، وربما تراهن أميركا على تنفيذ الضربة دون رد سوري (سنرد في الزمان والمكان) فالسيناريو هنا سيكون حذرا ومحرجا للنظام وتكون خسارته مزدوجه، ويعني ضربات جوية وصاروخية من البحر (كروز وتوماهوك) لأهداف حيوية تؤثر بشكل مباشر على النظام وفي مقدمتها المطارات والرادارات والدفاعات الجوية والحرس الجمهوري والفرقة الرابعة واللواء صواريخ 155، بزمن محدود لتجنب توسع القتال وربما تقتصر على الصواريخ والطائرات بدون طيار لتفادي الاشتباك الجوي ووقوع خسائر.
سيناريو تغيير النظام يحتاج الى تحرك عسكري من قوات المعارضة وعبر الحدود (وهو ما تم ابلاغهم به والتحضير له لمرحلة ما بعد النظام) بمشاركة من خلايا نائمة من جيش النظام يتزامن مع قصف جوي وصاروخي مكثف في زمن محدد وتقدم لقوات المعارضة على الأهداف المنتخبة وإسقاط النظام كما جرى في أفغانستان واسقاط نظام حكم طالبان.
والسيناريو الآخر هو تدمير الجيش السوري ومعداته والبنية التحتية السورية؟ وهذا يعني قصف المطارات وتدمير المدرجات والرادارات والدفاعات الجوية ومواقع الدبابات والمدفعية والترسانة الصاروخية والقدرات القتالية الأخرى ومقرات القيادات الأساسية والتبادلية والاحتياط من الوقود وقطع الغيار والوصول الى مستودعات الحرب الكيماوية والسيطرة عليها وقطع طرق المواصلات والإمداد والتموين.
هذا التخطيط من جانب الولايات المتحدة وحلفائها ولكن ليس كل ما يخطط له ينفذ تبعا للرغبات والأهواء، خاصة وأن هناك أطرافا أخرى تخطط وتستعد ولديها الإمكانات والمقصود هنا النظام السوري وتحالفه فقد أعلن النظام عن نيته استهداف اسرائيل مباشرة اذا ما تعرض للضرب كما قال وزير خارجيته وليد المعلم "اننا لن نكون لقمة سائغة ولدينا ادواتنا للدفاع عن أنفسنا"، وعبرت ايران وحزب الله عن موقفهما الداعم للنظام السوري بوضوح حتى لو اقتضى الأمر المشاركة الفعلية في الحرب وقالوا ان أي اعتداء لن يقتصر على سوريا، هذا عدا عن مواقف بقية دول البريكس التي اعلنت عن عزمها إنشاء صندوق مشترك لاحتياطات النقد الأجنبي بمائة مليار دولار مما يعزز موقفهم في المواجهة، ويبقى السؤال ما هي امكاناتهم للمواجهة في ظل الفجوة في ميزان القوى؟ يدور الحديث هنا عن امكانات كبيرة ومتطورة غير معلن عنها تم تزويد الجيش السوري فيها من قبل روسيا اضافة الى السلاح الإيراني وامكانيات حزب الله حيث اشار الأميركان لهذا، ولهذا فهم مترددون لأنهم يتذكرون ما جرى لهم في حربهم ضد فيتنام، وما جرى للجيش الإسرائيلي في حصار بيروت عام 1982 وفي حربهم على جنوب لبنان عام 2006 من قبل حزب الله بامكاناته المتواضعة وفي العدوانين الأخيرين على قطاع غزة، فكيف سيكون الوضع اذا ما اجتمعت امكانات اوسع؟. فإذا ما تمكن النظام السوري من امتصاص الضربات الأولى سواء كانت جوية او صاروخية واستطاع أن يرد عليهم وعلى اسرائيل وتمكن من اطالة أمد المعركة فهذا سيعزز موقفه لسببين: الاول ايقاع خسائر في صفوف المهاجمين وهذا ما يتجنبونه والثاني احراج يؤدي الى تغيير في مواقف بعض الدول والشعوب خاصة وان الحرب ستكون ضد اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والغرب. عندها ستطول الحرب وتتشعب وترافقها حرب دبلوماسية شرسة ولا يدري أحد حتى من خطط لها كيف ستكون مجرياتها او التحكم بها.
يعيش العالم حالة ترقب الآن وعلى مفترق طرق والساعات القادمة حاسمة وباب الاحتمالات مفتوح على كل الاتجاهات.