المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (299)
|
المقالات في الصحف المحلية
|
الى متى كل هذا العجز والتضليل ؟!
بقلم: حديث القدس – القدس
«قمة» معالجة النزاعات العربية
بقلم: باسم الجسر – القدس
ذكريات سورية لا تسر الصديق ..!!
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
عندما "اغتصب" المحقق الإسرائيلي روح "نادية"
بقلم: تامار فليشمان – القدس
للـشــهــداء كــلــمــة..
بقلم: باسم الجسر – القدس
لــيــلــى الــفــلــســطــيــنــية
بقلم: عيسى قراقع - القدس
أزمة .. احتقان .. فانفجار؟!
بقلم: حسن البطل – الايام
إسرائيل ومحاولة تغيير قواعد اللعبة
بقلم: طلال عوكل – الايام
الهند وديموقراطية موسيقارها العظيم بسم الله خان
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
الشهداء الستة: الذكرى العشرون
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
ما بعد لقاء واشنطن
بقلم: سميح شبيب – الايام
كان مـتوقعاً
بقلم: غسان زقطان – الايام
تغريدة الصباح - طبخة عكّوب
بقلم: محمد علي طه – الحياة
أبطال مخيّم جنين.. ويوم الكرامة
بقلم: خالد مسمار – الحياة
القدس تعد زمانها وحدها
بقلم: بهاء رحال – الحياة
الفرع والاصل في الاستبداد
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
مشهد دام في مخيم جنين
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الى متى كل هذا العجز والتضليل ؟!
بقلم: حديث القدس – القدس
توسع استيطاني متواصل وشهداء وجرحى يسقطون بشكل شبه يومي بنيران القوات الاسرائيلية وحملات دهم واعتقال واغتيال وحصار مستمر على قطاع غزة والقدس تئن تحت اجراءات التهويد وقيود الاحتلال، والسلام الذي وُعد به الشعب الفلسطيني بات حلما بعيد المنال بعد ان أحكمت اسرائيل سدّ كل المنافذ التي قد تسمح بتحريك أو تقدم جهود السلام، وباختصار هو واقع مأساوي يفرضه الاحتلال على شعبنا الذي يتساءل : هل هناك أي فرق بين عهد الاحتلال ما قبل اوسلو وبين ما نعيشه اليوم من معاناة متواصلة وترد اقتصادي وانغلاق أفق الحل السياسي؟!
تساؤلات كثيرة يطرحها كل مواطن إزاء هذا الواقع المأساوي في الوقت الذي يرى فيه ليس فقط الفشل الواضح للمفاوضات ولعملية السلام برمتها بل يرى أيضا عجزا واضحا في الرد على الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الاحتلال، فبيانات الشجب والاستنكار التي تصدرها الأوساط الرسمية وممثلو الفصائل باتت ديباجة مملة لا تقدم ولا تؤخر ولا تردع هذا الاحتلال، وكذا هو حال الدعوات التي نطلقها تجاه المجتمع الدولي وتجاه العرب والمسلمين باتت ايضا نوعا من التمني والرجاء وثبت أنها لم تحد من انتهاكات الاحتلال او توقفها في الوقت الذي تقف فيه الولايات المتحدة وأوروبا ليس فقط متفرجتين على مأساة الشعب الفلسطيني، وليس فقط انهما تغضان الطرف عن كل ما ترتكبه اسرائيل بل وايضا توفران الحماية والدعم والتشجيع لهذا الاحتلال للمضي قدما تحت شعار المفاوضات وعملية السلام التي وأدتها اسرائيل منذ وقت طويل.
إن ما يجب ان يقال هنا ان القضية الفلسطينية طالما فرضت نفسها على أجندة العالم أجمع بما في ذلك أجندة العالم العربي والاسلامي خلال عقود مضت عندما كانت الساحة الفلسطينية موحدة وعندما حشدت كل الفصائل والقوى الوطنية نفسها حول برنامج وطني واضح المعالم لمواجهة تحديات الاحتلال وممارساته فظلت القضية رقما صعبا لا يمكن القفز عليه، فقد علمتنا التجارب المريرة ان هذا العالم لا يستمع الى عاجز ولا يلتفت الى الساحات المفتتة بل إن بعض قواه طالما أسهمت في زيادة وترسيخ التقسيم والتفتيت والشرذمة . كما ان هذا العالم لا يستمع الى بيانات الشجب والاستنكار ولا يلتفت الى التصريحات العاطفية والبيانات بكل ما تحويه من إبداع لغوي طالما أن ذلك لا يستند الى عوامل القوة الحقيقية وفي مقدمتها وحدة القوى ووضوح الهدف والإصرار على الثوابت قولا وفعلا.
ولهذا نقول ان المواطن الفلسطيني الذي سئم كل هذا الواقع وكل هذا العجز يتوقع من قياداته وفصائله الوطنية وقواه المختلفة استعادة نقاط القوة وفرض القضية مجددا على جدول الأعمال الدولي وهو ما لا يمكن ان يتحقق طالما بقينا نراوح في دائرة الانقسام المخزي الذي أضر ولا زال بالقضية وخدم اسرائيل وحرف الأنظار عما ترتكبه ضد الشعب الفلسطيني، كما لا يكمن استعادة نقاط القوة طالما ان الفصائل والقوى الوطنية تعيش حالة من السبات وبعضها يعيش حالة من الخلافات الداخلية والتركيز على ما هو ثانوي وتجاهل المحنة الحقيقية لشعبنا.
ولذلك ورغم ان إرادة شعبنا واضحة ورغم النداءات الكثيرة التي وجهها شعبنا لقياديي الانقسام المخزي لوقف هذه المهزلة ، الا أن صوت شعبنا ونبضه في واد والانقساميون في واد المصالح الفئوية والشخصية والمناصب والمنافع حتى اللحظة ، ولم يعد ينطلي على أحد أي مبرر او ذريعة يطلقها هذا المسؤول أو ذاك لتبرير استمرار الانقسام.
حان الوقت كي تقف كل الفصائل الوطنية وقفة جدية مع الذات لتجاوز سلبيات المرحلة السابقة وإنهاء خلافاتها الداخلية وإنهاء هذا الانقسام وتحديد برنامج وطني واضح وحشد كل الطاقات لمواجهة التحديات الحقيقية بدل إبقاء شعبنا في دوامة الردح المتبادل والاتهامات العبثية والتضليل ، وبدل إبقاء شعبنا بكل طاقاته رهينة لهذا العجز الذي بتنا فيه نكتفي ببيان شجب عند كل عملية قتل لأبنائنا ، او عند كل مصادرة ومشروع استيطاني جديد او حتى عند كل انتهاك لمؤسساتنا.
«قمة» معالجة النزاعات العربية
بقلم: باسم الجسر – القدس
أي جدول أعمال ستناقشه القمة العربية في اجتماع الكويت؟ هل هي الأوضاع التعيسة التي آل إليها ما سمي بالربيع العربي؟ أم هي العلاقات المتردية بين بعض الدول العربية؟ أم هي التحولات في السياسة الدولية التي تنذر بحرب باردة جديدة بين الشرق والغرب؟ أم هي العلاقات الدولية المستجدة من جراء تقليص الولايات المتحدة لتدخلها في الشرق الأوسط وانتهاز «القيصر الروسي الجديد» لهذا التخلي الأميركي والدخول بقوة إلى هذه المنطقة من العالم؟ أم أن هذه المواضيع الكبيرة ربما لن تناقش خشية الانزلاق نحو نزاعات إضافية؟
لا داعي للدخول في تفاصيل ما يجري في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا من نزاعات وتمزقات وطنية وسياسية. أو من خلافات عميقة بين الدول العربية. أو من نشوء صراع حقيقي بين التيار السياسي الديني والتيار الديمقراطي الليبرالي. أو من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها معظم الدول العربية. ولا عن أسباب إغراق لبنان - هذا البلد العربي الصغير شبه الديمقراطي - في أزمة حكم متمادية.
لسوء الحظ، علينا أن نعترف بأن الأمة العربية باتت «الرجل المريض» الجديد في عالم القرن الحادي والعشرين، كما كانت السلطنة العثمانية توصف في أواخر القرن التاسع عشر. إنها أمة تتمزق من الداخل وضائعة بين الأمم. لقد جرب معظم حكام دولها كل أنواع الحكم وكل الآيديولوجيات والعقائد السياسية لإخراجها من المأزق التاريخي المصيري الذي علقت في شباكه وفشلوا في تجاربهم. وها هي الأجيال العربية الجديدة ترتمي في حضن آيديولوجيا سياسية - دينية عنفية معادية للشرق وللغرب، كخشبة خلاص، غير مدركة لخطورة استعداء الدول المالكة للقوة والقابضة على مفاتيح الحضارة والتكنولوجيا والقوة العسكرية في العالم.
كلا، إن طريق النهضة والتقدم والحرية والعدالة، لا يمر حكما بإعلان الحرب على الدول الكبرى ولا بتفجير السيارات المفخخة أو الاغتيالات، بل باكتشاف مكامن الضعف في المجتمعات العربية والإسلامية والعمل الجدي على إزالتها. أي بثورة فكرية ثقافية حقيقية على الذات، أولا، ثم على رواسب التقهقر الفكري والاجتماعي والاقتصادي الذي مر به العرب والمسلمون منذ القرن الخامس عشر. فمن هنا نبدأ - كما قيل يوما - وإلا فلن نبدأ.
منذ ربع قرن أقرت إحدى القمم العربية تنفيذ ما سمي بمشروع «الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي». قدرت تكاليف تنفيذه يومذاك بعشرة مليارات دولار. وكان من شأن هذا المشروع وقف استيراد المواد الغذائية الأساسية كالقمح والأرز والسكر من الخارج. المشروع بقي حبرا على ورق بينما هدرت مئات المليارات على شراء أسلحة استعمل معظمها في حروب داخلية وما تبقى اهترأ في المخازن.
كلا، ليست الحالة التعيسة التي تغرق فيها الدول والشعوب العربية والإسلامية نتيجة مؤامرة غربية صحيح أن الدول الأوروبية عملت على تفكيك السلطنة العثمانية واستعمرت معظم الشعوب العربية والإسلامية واستفادت من خيرات الدول التي استعمرتها، وأنها عوضت على اليهود الذين اضطهدتهم بمساعدتهم على إقامة دولة إسرائيل في قلب العالم العربي.. ولكن هل يحتم هذا الماضي العدائي اللجوء إلى العنف والإرهاب سبيلا وحيدا للخروج من المستنقع المصيري الذي نغرق في مياهه يوما بعد يوم؟ أوليس هناك من خشبة خلاص أخرى؟
إن نهضة الشعوب لا تتحقق في أشهر أو سنوات ولا بقفزات - كما حاول ماو تسي تونغ يوما بثورته الثقافية المرتجلة! بل طريق النهضة طويل وشاق ومكلف. ولكن أيا كان اتجاهه وكانت عناوينه، فإنه يبدأ بتشخيص الداء وأسبابه تشخيصا صحيحا وعميقا، لا التهرب منه واللجوء إلى أدوية سطحية أو علاجات جانبية أو إلى التمسك بأهداب الآيديولوجيات، مهما كان عنوانها جذابا وشعاراتها مغرية.
لا أحد ينتظر من القمة العربية التوصل إلى اكتشاف مكامن العلة الحقيقية التي يشكو منها الجسم أو العقل السياسي العربي. ولئن اكتشف بعضهم هذه المكامن فمن الأرجح أنه لن يجري إعلانها أو إعلان العلاج الشافي لها. ومن هنا فإن أقصى ما يمكن أن تتوصل إليه هذه القمة وربما القمم القادمة هو وقف الحرب الأهلية القاضية على الشعب السوري، ومساعدة مصر على استعادة قوتها ودورها القومي العربي، والعمل على إطفاء ما يمكن إطفاؤه من حرائق صغيرة أو كبيرة في الدول التي مرت عليها رياح الربيع العربي.
إسرائيل ليست بريئة من الدماء العربية التي سالت ولا من تعطيل المحاولات الجدية لتوحيد كلمة العرب. ولا الدول الكبرى، غربية كانت أم شرقية، تتحمل وحدها مسؤولية الضياع المصيري العربي. وهذه النزاعات بين ضفتي البحر المتوسط ليست فريدة من نوعها في العالم أو التاريخ. ولئن أصر البعض على اعتبارها «مؤامرة غربية - صهيونية» مستمرة، فالجواب هو: إن هذه المؤامرة ما كانت لتمر ولتحقق أهدافها لو لم يكن هناك تربة عربية خصبة لانزراعها واستعداد بشري وثقافي للوقوع في حبالها والتحول إلى ضحية لها، على حد قول المفكر مالك بن نبي.
إن عودة العرب والمسلمين إلى الصف الأمامي من الأمم - وهذا حقهم بل وواجبهم - لا تتحقق بالعنف والقتال والإرهاب، في عصر العولمة والحضارة الإلكترونية - الفضائية - الافتراضية. بل بثورة ثقافية تحررهم من القيود التي تمنعهم من النهوض والتقدم، وبالبناء الذاتي والمجتمعي المركز على القيم الإنسانية وفي طليعتها الحرية والعدالة والعلم.
ذكريات سورية لا تسر الصديق ..!!
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
رفعت المصادر العربية من شأن هشام بن عبد الملك (724 - 743)، الخليفة الاموي العاشر، ووضعته من حيث الاهمية، في الدرجة الثالثة،بعد معاوية بن ابي سفيان، وعبد الملك بن مروان. فمنذ ما قبل حكم هشام بن عبد الملك، اصبح خلفاء بني امية يبددون وقتهم في سباق الخيل في الصحراء، واحتساء الخمر، في اللهو وسماع الموسيقا، والطرب بين الغواني في القصور بعيدا عن قراءة القرآن الكريم والبحث في العلوم الاسلامية والاهتمام بشؤون الدولة.
كان يتم قطف ثمار الانتصارات العسكرية من الرقيق والاموال في وقت مبكر، فكثر الخصيان من الاسرى، والغواني من السبايا، مما جعل من الصعب على بني امية المحافظة على نقاء الدم العربي في عروق نسلهم.
فقد كان يزيد الثالث (447) اول خليفة في الاسلام يولد لام من الرقيق، وهكذا اثنان من خلفائه في المنصب.
كانت هذه الرذائل المتفشية بين افراد الطبقة الحاكمة مجرد عينة للانحلال الخلقي الشامل في المجتمع، وان الافرازات القذرة للمدنية التي تتمثل في الخمر والغواني والموسيقا (!) والغناء اخذت بخناق ابناء الصحراء، وبدأت تستنزف حيوية شباب المجتمع العربي.
ان العوامل القديمة والمألوفة التي كانت تؤدي الى ضعف المجتمع وذلك بالتأكيد على الروح الفردية، والعصبية القبلية، والثأر عادت لتؤكد وجودها. وان الضوابط التي وضعها الاسلام لهذه السلوكيات على مستوى الامة بدأت في التفكك. ومنذ عثمان بن عفان وحتى الان، فإن الروح العائلية بدأت تعيد تأكيد نفسها في المجتمع العربي.
ان القبائل العربية الشمالية هاجرت الى العراق قبل الاسلام، واقامت ديار ربيعة على امتداد نهر دجلة، وديار نصر على امتداد نهر الفرات.
وان اول مكان اقيم في ديار مصر اقامت قبيلة قيس. وان القبائل العربية التي حلت في سوريا جاءت من جنوب الجزيرة العربية، ودعيت بأنها يمنية وكان بنو كلب الفريق السائد في سوريا.
اما عرب خراسان، المقاطعة الشمالية الشرقية من ايران فكانوا مستوطنين من البصرة وكان معظمهم من عرب الشمال، وكانت تميم هي القبيلة السائدة هناك، التي تتماثل مع قيس في منطقة الفرات. وان الفريق اليمني في خراسان حمل تسمية الازد. وفي مناطق اخرى حملت قيس اسم «معبد» بن عدنان، ونزار بن معد بن عدنان. ومهما كانت اسماء القبائل فان الاصطفاف عادة، قبائل عرب الشمال ضد قبائل عرب الجنوب. وفي التميز القومي فان عرب الشمال تعود اصولهم الى اسماعيل ويصنفون انفسهم على انهم العدنانيون. ولم يمتزجوا قط بعرب الجنوب الذين يعودون باصولهم الى قحطان وبمرور الزمن اصبح «القيسيون» نواة احد الحزبين، واليمنيون نواة الحزب الاخر.
اقام معاوية مؤسس الدولة الاموية ملكه في سوريا على اكتاف اليمنيين وابنه ووريثه يزيد كانت امه ميسون الكلبية وتزوج هو الاخر من امرأة كلبية، مما اثار حفيظة القيسيين، فرفضوا الاعتراف بابنه معاوية الثاني، ولكن انتصار الكلبيين الحاسم على القيسيين في مرج راهط 684م. ضمن العرش لمروان بن الحكم «683-685».
ان شق العالم الاسلامي بين الثنائية العربية «قيس» و«يمن»، عجل في سقوط السلالة الحاكمة بالاضافة الى تأثيرات هذا السقوط على ازمنة مستقبلية وامكنة متفرقة. ومن الشواهد التي لا يكاد يصدقها العقل ان حرباً ضروساً اسفرت على امتداد سنتين في محيط دمشق «سوريا» لان قيسياً سرق بطيخة من حقل يمني.
وفي مرسيا البعيدة في اسبانيا سالت الدماء لسنوات عديدة لان مضرياً التقط ورقة من دالية في بستان يمني.
ففي كل مكان، في العواصم والاقاليم، وعلى ضفاف نهر الهندوس، وعلى شواطىء صقلية واطراف الصحراء، تحول الثأر الموروث عن الاسلاف الى مواجهة مستمرة وعقيدة ثابتة بين حزبين سياسيين، واستمرت المأساة قرونا طويلة خاصة في فلسطين ولبنان حتى بداية القرن الثامن عشر الميلادي.
ان عدم وجود قاعدة راسخة ومحددة لتوارث منصب الخلافة كان السبب وراء هذا الاضطراب القومي الذي استنزف قوى الامة واقعدها عن الانطلاق بما تملكه من طاقات ووسائل للتقدم والنهوض. ورغم النقد الذي وجه الى معاوية بن ابي سفيان في مسألة توريث الخلافة، التي تدل من وجهة النظر الاخرى على انها كانت ستوفر قاعدة ثابتة لاستقرار النظام السياسي. ولكن قاعدة الوراثة في الحكم التي كانت سائدة في معظم الانظمة السياسية بين الامم في اصقاع العالم المختلفة في تلك العصور، الا ان قاعدة الوراثة في عالم العرب اصطدمت بمبدأ الارشدية القبلي القديم الذي وقف في وجه طموح الاب لمد حبل السؤدد الى قبضة ابنه.
ولذلك ظلت البيعة هي الطريق الوحيد والمضمون لاعتلاء كرسي الحكم، الذي حول الخلافة في واقعها الى نظام ملكي للحكم المطلق. وان اربعة فقط من بين الاربعة عشر خليفة اموي ورثوا السلطة لابنائهم، وهم: معاوية الاول، ويزيد الاول، ومروان بن الحكم، وعبد الملك عبد مروان، ومما زاد في تعقيد المشكلة هو التنافس بين اخوة الخليفة وابنائه في وراثته...وان هذه المناورات بين افراد العائلة الواحدة ادت الى ضعضعة نظام الحكم وعدم استمراره،
ان المعارضين الشيعة، الذين لم يذعنوا قط لحكم المغتصبين «كما يرونهم» الامويين، ولم يتسامحوا مطلقاً في شأن ما اقترفه الامويون في حق «علي والحسين»، اصبحا الان اكثر نشاطاً مما سبق وان اخلاصهم العميق لاحفاد النبي «ص» جعلهم موضع عطف عام، وقد انضم الى معسكرهم الكثيرون من المعارضين لحكم الامويين من مختلف الاتجاهات، ولاسباب سياسية او اقتصادية او اجتماعية ومن العراق الذي انضم معظم سكانه الى الشيعة والذين يعترضون على الحكم السوري لانه حرمهم من الاستقلال الوطني، وان الاتقياء من السنة انفسهم اتهموا الخلفاء الامويين بالاستغراق في الشؤون الدنيوية، واهمال احكام القرآن والتقاليد، واصدار احكام دينية على كل من يعارضهم.
عندما "اغتصب" المحقق الإسرائيلي روح "نادية"
بقلم: تامار فليشمان – القدس
"يجب حماية النساء بخاصة ضد أي اعتداء على شرفهن... أو أي شكل من أشكال هتك العرض" - (المادة 27 من معاهدة جنيف)
لم تحصل نادية على تصريح، ولم تكن على وشك الحصول على واحد أيضاً.
نادية، المواطنة الفلسطينية، عرفت أن زواجها من عماد، الذي ولد –مثله مثل أبيه، وجده، وجد جده- في القدس، ليس سبباً كافياً يمكنها من الإقامة تحت نفس السقف معه في منزله. عرفت أنها لا توافق "معايير" ما يسمى "قانون المواطنة المؤقتة".
عرفت نادية وعماد أيضاً أنه وفقاً لقوانين الاحتلال، فإن نادية لا تستطيع عبور حاجز حزما (الذي يشكل نقطة تفتيش حصرية لحملة الهويات الزرقاء). وعلى الرغم من الحظر والخوف، قرر الزوجان محاولة الذهاب بالسيارة معاً إلى منزل والدي عماد في القدس الشرقية، ربما أملاً بأن لا يكون الجنود شديدي التمسك بالنظام، وهو ما يحدث أحياناً في نقطة تفتيش حزما.
لكن الجنود في تلك المناسبة كانوا متشددين في تطبيق القانون. ولذلك، تم القبض على "المجرمين" والفصل بينهما. وضعت نادية في سيارة للشرطة، في حين أُمر عماد بالجلوس في المقعد بجوار سائق سيارة أخرى. وقاد ضابط الشرطة سيارته واتجهت السيارتان إلى قاعدة عسكرية لا تبعد كثيراً عن نقطة التفتيش.
كانت بوابة القاعدة مغلقة. وأراد الضابط الذي يقود سيارة عماد أن يتوقف، لكنه ارتكب خطأ. فبدلاً من الضغط على دواسة الكوابح، ضغط على دواسة البنزين. وتسارعت السيارة واصطدمت بالبوابة بقوة، حتى أن مقدمة السيارة تحطمت وتلقى عماد معظم الضربة. وقامت سيارة إسعاف أرسِل في طلبها بنقل عماد إلى المستشفى، بسبب الجروح التي أصابته في رئتيه وظهره.
في الأثناء، رتب الشرطيان قصتيهما معاً في محاولة لتحميل عماد المسؤولية عن الحادث: "هو (الشرطي الذي يقود السيارة) ضغط على دواسة البنزين بدل الكوابح لأن (عماد) الفلسطيني قام بحركة مشبوهة، وظن السائق أنه يحاول مهاجمته". هكذا لخص أحدهما القصة من أجل تجريم عماد.
لم يُسمح لنادية بمرافقة زوجها. قالوا لها: "هناك حاجة إلى استجواب". وأنا كنت هناك وانتظرت معها. وبعد حين جاءت مجندة وأخذت نادية إلى غرفة (طردوني من المكان، ولكننا تبادلنا قبل مغادرتي أرقام هواتفنا ووعدنا بعضنا بالاتصال). مرت نادية بعملية تفتيش جسدي. وعندما تبدد أي شك في أنها تحمل أي متفجرات، خرجت الجندية من الغرفة ودخل المحقق –رجل يرتدي زياً مدنياً، والذي أغلق الباب خلفه. كان وحيداً مع نادية.
عندما خرجت من الغرفة بعد ثلاث ساعات، كانت نادية شخصاً مختلفاً عن الذي كانت عليه عندما دخلتها. فخلال الساعات الثلاث التي قضتها في الغرفة، أصبحت نادية ضحية لاعتداء لفظي سافر. لقد تم اغتصاب روح نادية.
قبل بضع سنوات، قالت لي امرأة عانت من إيذاء بدني ونفسي، بينما كانت تقيم في ملجأ للنساء المعنفات: "الجروح تشفى، أما الكلمات فتبقى معك".
عندما استعلمت في مراكز الهاتف المختلفة التابعة للجيش والشرطة، الفرعين المسؤولين عن ضمان سيادة القانون، عما إذا كانت هناك متطلبات لحماية حق الشخص في الكرامة الإنسانية بينما يكون في غرفة التحقيق، خاصة حق المرأة ضد أي نوع من الاعتداء الجنسي، تعثرت بنصف إجابة: "من غير المستصوب استجواب أحد بدون حضور طرف ثالث... نعم إنكِ على حق، ولكن..". كانت هناك دائماً "ولكن" متصلة بتلك الإجابات. كما أعلموني أيضاً بأنها ليست لديهم كوادر بشرية كافية.
تحدثت إلى مساعد أحد النواب في البرلمان، وطلبت منه أن يضع الكنيست سؤالا امام وزير الدفاع فيما يتعلق بالحق بالكرامة الإنسانية داخل غرف التحقيق. لكنني لم أسمع منه منذئذ.
نادية، التي لم تتلق تصريحاً بزيارة زوجها في المستشفى، اتصلت بي عدة مرات خلال الأيام التالية. كانت تتشاور معي لأنها وحيدة وضعيفة. شرحت لها أنها تستطيع تقديم شكوى بنفسها أو بمساعدة المنظمات المختلفة، وناقشنا احتمال أن يأخذ قسم التحقيق الجنائي العسكري بكلمة امرأة فلسطينية، والتي تعتبر في نظرهم مجرمة، بحيث يقدمونها على كلمة محقق إسرائيل يعتبرونه واحداً من جماعتهم. لكن ذلك لم يوضع موضع الاختبار فعلياً، بما أنه لم يتم تقديم الشكوى أساساً.
بمرور الوقت فقدنا التواصل أنا ونادية. تم إخراج عماد من السجن وأعيد إلى زوجته. وحاولت نادية إعادة تأهيل حياتها.
ربما سيكون هناك أولئك الذين سيقولون أن نادية وعماد جلبا الأمر كله على نفسيهما بنفسيهما، أنهما كانا يعرفان ما هو المسموح وما هو المحظور، أنهما استدرجا لنفسيهما ذلك القدر.
لكن لدي الكثير من الاحترام للناس الذين يستمرون، حتى بعد العديد جداً من سنوات الاحتلال والقهر، في البحث عن أي شقوق أو صدوع يمكن أن يمروا من خلالها ويتغلبوا على القوانين الظلامية. إنني أراهم أناساً يحاولون البقاء على قيد الحياة ويحاولون صيانة كرامتهم بأي وسيلة ممكنة.
شيء واحد أخير: بما أنني أجبرت على أخذ استراحة من أنشطتي على نقاط التفتيش، فإنني أحاول تذكر الحوادث الماضية التي أعتقد أنها تمثل الطبيعة الخبيثة والغادرة للاحتلال. وأنا أجد حالة نادية صعبة وقاسية جداً بشكل خاص.
في ذلك المساء الذي تم فيه اعتقال الزوجين، كنت قد التقطت الكثير من الصور، لكنني قررت عدم كشف وجوه الضحايا. والصورة المرفقة هي لمدخل تلك الغرفة الملعونة، حيث جرت الأحداث التي تركت نادية مع ندبة نفسية لا يمكن أن تلتئم أبداً.
*عضو في منظمة "محسوم ووتش"، وهي تذهب مرة في الأسبوع لتوثيق ما يحدث على نقاط التفتيش بين القدس ورام الله. وهي عضو في "تحالف النساء من أجل السلام" ومتطوعة في منظمة "كسر الصمت".
للـشــهــداء كــلــمــة..
بقلم: باسم الجسر – القدس
لقد كان للكارثة التي ألمّت بمخيم جنين بشكل خاص، وبشعبنا الفلسطيني بشكل عام، جرّاء الهجوم الذي شنّته القوات الاسرائيلية فجر يوم السبت (22/3/2014)، بالغ الأثر على نفس كل عاقلٍ بالغٍ من شعبنا. فقد استشهد ثلاثة شبان، هم: حمزة ابو الهيجا، محمود ابو زينة ويزن محمد جبارين. لكل منهم كيفية استشهاد تختلف عن الآخريْن، أما المشترك بينهم جميعاً، فإنهم (فرادى
إن لهذا الهجوم دلالات سياسية، ورسائل كثيرة ومتعددة، أراد الاحتلال إيصالها لكل من يهمه الأمر، منها:
1) هناك إشارة واضحة إلى أن الاحتلال هو نقيض الوجود الفلسطيني الحر على أرض فلسطين التاريخية؛ فهو يرى في الفلسطينيين، جميعاً ومن كل الطيف السياسي والأيديولوجي، خصما.
2) أما الإشارة الأخرى فهي تتعلق بالماراثون "التفاوضي" الذي لم يعد ذا قيمة، ولا ذا جدوى بالنسبة للفلسطينيين. أما الاحتلال؛ فلم يعد يكترث بتلك المفاوضات التي لن تلزمه بشيء لأنه، وفي ظل ضعف العمق الاستراتيجي للفلسطينيين وتشرذمه وانتشار الحروب الأهلية في جزئياته، وفي ظل اصطفاف الغرب والشرق مع إسرائيل قلباً وقالباً، لم تعد "بدائل فشل المفاوضات" تشكل أي قلق للاحتلال، ولم يعد يحسب لذلك حساباً.
3) النتيجة النهائية؛ أن الاحتلال يسعى إلى إعادة خلط الأوراق، للخروج إلى العالم معلناً أنه لم يعد في فلسطين من يمكن أن يكون شريكاً في عملية "السلام!!". والمقصود بذلك؛ الرئيس عباس الذي عُرِف عنه ميله لإعطاء الفرص المتتابعة للمفاوضات، هذا التوجه الذي استغله الاحتلال بتوسيع الاستيطان، وتعميقه، و"تجذيره" أكثر فأكثر؛ بـ "استباحة" المزيد من الأرض والثروات. كما استغله في "الإيغال" في أسرانا، الأصحاء والمرضى، بحرمانهم من الحد الأدنى من حقوقهم كأسرى حرية وتحرر.
لكي لا نتحدث وفي فمنا ماء؛ فلنمعن النظر في طرائق تفكير الاحتلال، ونظرته للأمور. ففي إطار تعليقاته على الحادثة الموصوفة أعلاه نشر موقع واللا العبري "تحليلاً أمنياً"، بعنوان: جيل من الشهداء قادم بسبب حالة اليأس والفوضى في مخيمات اللاجئين. وقد خلص هذا التحليل إلى أن هناك جيلاً جديداً من الشهداء، من مختلف الفصائل، بسبب حالة اليأس من الواقع السياسي والاقتصادي في الأراضي الفلسطينية بشكل عام ومخيمات اللاجئين بشكل خاص.
وكواحدٍ من أشكال خلط الأوراق؛ ركّز هذا التقرير على نثر "بذور" الفتنة على المستوى الوطني، عندما "كرر" في أكثر من موقع بأن الشعب الفلسطيني يساوي بين السلطة وإسرائيل في المعاداة والاستهداف، وأن هناك "انتفاضة ثالثة" قادمة لا محالة في وجه "السلطة وإسرائيل معاً". علماً بأن التقرير يؤكد على أن آلاف الأطفال في المخيمات الفلسطينية الذين يشاهدون جيش الاحتلال يقتل أقاربهم ويعتقل أحباءهم؛ قد تربوا على كره "إسرائيل وجيشها".
يذكرنا هذا التقرير (المليء) بالألغام السياسية بالتحليلات والدراسات والتنبؤات الاسرائيلية التي رافقت الانتفاضة الأولى في القرن الماضي، عندما حاول أولئك المحللون تصوير دوافع الانتفاضة على أنها "اقتصادية" بحتة دون النظر إلى أن الشعب الفلسطيني يطالب بحقوقه المشروعة على أرض الآباء والأجداد.
الآن؛ ولكي لا نقع في "شَرَك" التحليلات والألاعيب الإعلامية الاحتلالية، فلنتوقف عند حالنا وأحوالنا على المستوى الوطني، بمستوى عالٍ من المسؤولية اتجاه الأجيال القادمة. إذ أن بذور الفتنة التي نثرها التقرير المذكور تجد حاضنتها، ومصادر نموها، في الاختلاف على الثوابت الوطنية التي قدم شعبنا من أجلها عشرات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من الأسرى، وفي الانقسام الذي قسَّم النفوس وقسَّم الشعب، بل فتته؛ رأسياً وأفقياً.
ولنتذكر أننا في حال صراع وجود، وصراع هوية مع الاحتلال، بأشكاله ومسمياته المختلفة، منذ الانتداب البريطاني قبل نحو قرنٍ من الزمن. وعلى طول تلك الحقبة الممتدة كانت المقاومة، بأشكالها المختلفة، الركيزة الأساسية لتوحيد الكلمة ورص الصفوف. وأن التاريخ لم يسجل أن الاحتلال قدم لنا تنازلات بمحض إرادته و"حسن خلقه!!" بل أنه بالوحدة الوطنية ورص الصفوف والتمسك بالثوابت تُنتَزَع الحقوق ويُحفظ لإنساننا هيبته وكرامته..
هذه هي رسالة الشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية أرض الوطن، جيلاً بعد جيل، والشهداء مع وقف التنفيذ، إلى أن يعود الحق إلى أهله.
لــيــلــى الــفــلــســطــيــنــية
بقلم: عيسى قراقع - القدس
في عيد الأم انكسر حلم ليلى في ذلك الفجر عندما داهم الجنود البيت، داسوا على الحلم والليل وفضة الناعسين للأطفال النائمين وحقائبهم ودفاترهم وفراشات احلامهم.
ليلى لا تسكن النهر ليأخذها حيث يريد عطش الماء، ولا تقيم على ضفاف النخيل والشواطئ الذهبية، هي امرأة فلسطينية تسكن قصيدة فلسطينية، وبيتا في مخيم ممسوح من طبيعته الإنسانية ، وهي رغم ذاكرتها الثقيلة لم تخف عواطفها أمام حاجز عسكري يقطع حبل الصرة بين المكان والزمان.
ليلى اختيار الأرض لشكل أنوثتها عندما يصرخ البرق ويأتي الرعد والأمطار، قاومت البشاعة بالجمال وبالحليب، لبت شهوة الجسد للطبيعة، وأنجبت الأطفال لتواصل الحياة ضد الموت إلا إذا أصبح الموت فيما بعد أفضل من الحياة.
ليلى الفلسطينية في عيد الأم تحمل روحها إلى أبنائها الاسرى في سجن نفحة ، ما أطول الرحلة وما أقسى الكلام من خلف زجاج لا يكشف إلا عن أشباح أصابتهم شيخوخة الكلام والحنين إلى أمهاتهم، انه عذاب الأحياء، تقول ليلى وهي تلوح بيدها للحراس المرتبكين بين أشكالهم وبنادقهم.
ليلى المدينة والقرية والشجرة، المتحركة في مساحة الروح إذا اتسعت، وفي الأرض إذا أخصبت، ونجدها هنا وهناك، تارة شهيدة وتارة أسيرة، وتارة قوس قزح يتسلق السماء، ليرى القدس أقرب بألوان أسمائها وأعشابها وآياتها النازلات.
ليلى أمنا التي استمر إيقاعها رغم انكسار جيتارة الألم في صوتها، التطابق الشفاف بين الرضاعة والمقاومة، التكامل المتوحد بين الجنازة والزفاف ، عالية عالية كالأزرق في فضاء البحر المتوسط ، لامعة لامعة كنجوم شجرة الميلاد، لا تخشى الطرق المظلمة ولا الصلاة قرب وقع الرصاص.
في عيد الأم دعس الجنود على ثوب ليلى في ذلك الظلام، قيدوها وعصبوا عينيها وأمعنوا في خطيئتهم الأولى واللاحقة عندما اخذوا أولادها معها إلى الزنازين ، صراخهم يعلو، ألعابهم تتناثر وأمنياتهم الصغيرة، البيت فارغ، الباب مفتوح، وليلى تحتضن المشهد كما الذاكرة، وتغني: حلمي يقود خطاي، يجلس في حضني ، املأ صدري بالسحاب، أنا عائد أيها الراحلون من مهب الغياب.
ليلى الفلسطينية مشروع حنين يدافع عن بلد خطفته الأساطير الكاذبة، تملأ جرتها وهي تعدد أسماء الشهداء والأسرى منذ النكبة حتى سجن مجدو، كأنها اثنان في واحد بين الماضي والحاضر، تحمل بلادها حتى في السجن وساعة المخاض.
وليلى صورة الجميع عندما تبكي كل الأمهات في جنازة أسير عاد محمولا بالمرض والخيبات، وصورة ذلك الطفل الذي يفتش عن أمه في غموض العتمة وبين الأسلاك الشائكات.
وليلى فجرنا الغامض، وردتنا البعيدة القريبة، جمرتنا والمجال الفسيح المدى للانتباه إلى تفاصيل المكان والذكريات، تسمع نبض دمها في الحصى وعروق الشجر، وهي أمك خطاب ولادتك، وخطاب حبك، وخطاب فصولك الأربعة عندما تكبر و يرتفع بك ضوء الغمام.
في عيد الأم أراها واقفة على حاجز قلنديا العسكري، تحمل سلة من الزهر وأرغفة خبز تقتحم جنون الاحتلال والغبار ولون الجدار ، وأراها غاضبة، وأراها مبتسمة تترك بذورا في حقل يدي وتنتظرني بعد شتاء.
ليلى الأم تفتح حوارا بين الواقعي والأبدي، مقتنعة وهي تدثرنا من البرد أن البداية هنا، والنهاية هنا أيضا، تروي الحكاية، لا تنام إلا بعد أن تقبلنا واحدا واحدا وتغلق الشباك كي نبقى ملتصقين دافئين.
ليلى المطلة على السلام والحرب، ابنة الرحيل المستمر، عرفتها بعد أن وقعت في شرك أغنيتها، واحببتها عندما صرخ السجان في وجهي: أن هناك من يبحث عنك في الكوشان ويقف خلف السور، وكانت تجلب لي كلماتي وكتبي وبقايا بكائي ونعاسي، وتوصيني أن أحلم دائما بما استحق، وأن أتعود على الفطام.
ليلى الفلسطينية لا تخشى خيبة الأمل ، لا تخاف على قلبك، تتحمل صدمة المفاجآت، شاهدة على أكثر من تاريخ عاشته في لحظة واحدة، ليس في قلبها مكان لطعنة جديدة، تنام في الشمس الحامية وتدلك على جهات الحرية.
أزمة .. احتقان .. فانفجار؟!
بقلم: حسن البطل – الايام
هل مقتلة "السبت الدامي" الثلاثية في مخيم جنين واستشهاد عناصر من الفصائل الرئيسية الثلاثة، علامة انتقال من أسلوب "القتل بالتنقيط" لجيش الاحتلال، إلى الاغتيال بالجملة!
شهر آذار حافل سياسياً:استفحال واستعصاء المفاوضات إلى أزمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل؛ وحافل فصائلياً بالاحتقان داخل فصيل "فتح" الأكبر.. والآن، في مخيم جنين بالذات، شرارة انفجار محتمل لأزمة المفاوضات، وللاحتقان الداخلي في "فتح". فلسطين سلطة وشعباً في أزمة.
بعد عمليات قتل في بيرزيت، ثم قرية بيتين، وقرية دير العسل ـ الخليل، وقعت أكبر وأوسع مواجهة مسلحة وشعبية مع قوات الاحتلال في مخيم جنين بالذات؟
لماذا بالذات؟ هل لأن توقيت العملية الإسرائيلية في المخيم جاء قبل أسبوع من أضرى معركة، وأشدها دموية، وأكثرها خسائر حصلت مطلع اجتياح "السور الواقي" إبان الانتفاضة الثانية (1ـ15 نيسان 2002).
من جنين، أيضاً، التي وصفها الإسرائيليون إبان الانتفاضة الثانية بـ "عاصمة الانتحاريين" بدأت حملة السلطة لضبط فوضى الانتفاضة، تحت شعار "سلاح شرعي واحد" وتسوية وضع المقاتلين المطلوبين .. وصولاً إلى نموذج جنين، أو جنين أولاً، ثم نابلس ثانياً.
لا حاجة للذكاء السياسي ـ الأمني الفلسطيني، ولا حاجة للتذاكي السياسي ـ الأمني الإسرائيلي، للاستنتاج بأن خمسين ضحية فلسطينية، في الأقل، منذ العودة للمفاوضات في تموز العام الماضي، والتصعيد الإسرائيلي من القتل الفردي بالتنقيط إلى مجزرة مصغرة؛ محاولة إسرائيلية لاستجرار الوضع نحو انفجار الأزمة التفاوضية، والاحتقان الداخلي، إلى شرارة انتفاضة ثالثة.
يمكن لصيحات الغضب بعد كل اغتيال فردي بالالتباس المقصود (بيتين، دير العسل) أو بالقصد (بيرزيت) أن نتصاعد نحو اتهام السلطة بمسؤولية "التنسيق الأمني" أو حتى اتهامها بأن محاولاتها لضبط الأمن نوع من الشراكة غير المباشرة مع قوات الاحتلال.
في الظاهر أن القتل الفردي المتمادي بالتنقيط، قد يكون يتخذ من المستويات الأمنية الدنيا في جيش الاحتلال أو المستوطنين (بيتين، دير العسل) لكن العملية الأخيرة والأخطر في مخيم جنين يتحمل مسؤولية عملية "سور واق" مصغرة وزير الحربية نفسه، موشي يعلون.
يعلون أثنى على العملية وبرّرها كعملية وقائية لإجهاض "نوايا" عملية مفترضة فلسطينية .. لكن، يجب وضع التبرير في إطار أزمة استعصاء المفاوضات، واتهام يعلون رئيس السلطة بأنه غير "شريك"، وأن المفاوضات معه لا طائل من ورائها و"عبثية".. وحتى لا طائل من عملية السلام برمتها.
آذار الصعب والدقيق سياسياً، قبل شهر من الشهر الأصعب في نيسان، والصعب أمنياً بتصعيد عمليات القتل، يطرح سؤالاً حول توقيت العملية في مخيم جنين قبل أيام من موعد إطلاق الدفعة الرابعة والأخيرة من أسرى ما قبل أوسلو.
يعلون لا يحبذ تنفيذ اتفاق فلسطيني ـ إسرائيلي ـ أميركي لإطلاق الأسرى، ليس من أجل ربط الدفعة الأخيرة بتجديد التفاوض ما دام وزير الحربية هذا يقول ان لا فائدة من أبو مازن ومن المفاوضات معه؛ ومن عملية السلام، بل لخلق ظروف تحول دون إطلاق سراح أسرى ما بعد الانتفاضة الثانية، مثل: مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، وفؤاد الشوبكي.
يقولون في إسرائيل إن وزير الحربية يعلون هو الأكثر شعبية في حكومة نتنياهو الثالثة، متقدماً على الوزراء لبيد وبينيت وليبرمان، ولعله يريد إعادة الاعتبار لنفسه بعد أن أنهى شارون خدمته ثلاث سنوات من أربع رئيساً للأركان، جراء معارضته للانسحاب الأحادي من قطاع غزة.
من قبل، غيّر يعلون تأييده لحزب العمل، إلى تأييد حزب الليكود، كما غيّر عادة وزراء الحربية في إسرائيل لتجنب خوض جدال مخلوط بشتائم سياسية وشخصية مع الولايات المتحدة، التي اتهمها بخذلان أمن إسرائيل؟!
مع هذا، ما يهم الفلسطينيين هو كيف ستواجه السلطة عقابيل استعصاء أزمة المفاوضات، والاحتقان في حركة "فتح" وعمليات الاستجرار الأمني الإسرائيلي للشعب والسلطة إلى نقطة انفجار الانتفاضة الثالثة.
وضع السلطة دقيق، والوضع الفلسطيني شعبياً وسلطوياً في "منتهى الخطورة" كما قال أبو مازن، لما قد تحمله الأيام والأسابيع المقبلة حتى نهاية نيسان.
سيضع رئيس السلطة خلاصة الموقف الفلسطيني أمام القمة العربية في الكويت ـ إذا انعقدت ـ وخلاصة الإجراء السياسي البديل أمام المجلس المركزي الفلسطيني مطلع الشهر المقبل، الحاسم.
لكن.. هناك علائم على سياسة محاور عربية جديدة، تُلقي بوطأتها على سياسة السلطة، وبالذات على الاحتقان الداخلي في حركة "فتح" مع افتقاد محور عربي عجيب لسياسة أبو مازن التفاوضية، بما يذكّر بمجافاة عربية لسياسة أبو عمار التفاوضية.. ثم الانتفاضية!
هناك من يتهم إدارة أوباما بالفشل العام في سياستها الخارجية، وهي تريد النجاح لجهودها بأي ثمن في فلسطين؟
اللاءات الثلاث المنسوبة، إسرائيلياً، إلى حديث أبو مازن مع أوباما، تؤكد على قول أبو مازن للمجلس الثوري: لن أخون قضية شعبي.
إسرائيل ومحاولة تغيير قواعد اللعبة
بقلم: طلال عوكل – الايام
التوتر الذي يسود الضفة الغربية، وتتصاعد مظاهره، وتتنوع أشكاله لا يمكن، ولا يحق لأي فلسطيني أن يحتسبه على أنه تصعيد للمقاومة الشعبية السلمية أو غير السلمية للاحتلال، ذلك أنه ينتمي إلى ردود الفعل على أفعال إسرائيلية مدروسة، وهادفة.
خلال المفاوضات كثفت إسرائيل من عدواناتها الاستفزازية، عبر الاستيطان والإمعان في تهويد القدس وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية، لم تنفع لوقفها، أو تخفيفها صرخات وشكاوى الفلسطينيين التي تذهب في واد الصراعات العربية العميق، وفي واد التواطؤ، والتجاهل الدولي الأكثر عمقاً. الأمر هنا لا يتصل فقط بإمعان إسرائيل في استغلال المفاوضات كغطاء لمواصلة مخططاتها العدوانية وأطماعها التوسعية، وإنما يستهدف إفراغ المفاوضات من مضامينها، وإفشال العملية السلمية، حتى لو أن هذه العملية ستكون على قياس المواقف والسياسات الأميركية التي تتفق مع مثيلتها الإسرائيلية بنسبة مرتفعة جداً. كل الوقت سعت إسرائيل إلى تصعيد عدواناتها مرة تجاه قطاع غزة، ودائماً تجاه الأراضي والحقوق في الضفة والقدس عبر الاستيطان والهدف شراء رد فعل فلسطيني يبرر لها تصعيد عدواناتها الاستفزازية إلى أن يضطر الفلسطيني لاتخاذ موقف إزاء المفاوضات يجعله المسؤول عن فشل المحاولات الأميركية. أمام المجتمع الدولي، بما يصعب على الفلسطينيين لاحقاً، تحقيق إنجازات هامة، حين يقررون التوجه إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
نعرف نحن الفلسطينيين، بناء على تجربة طويلة مع الاحتلال، ان إقدام إسرائيل على اغتيال قيادات وكوادر فلسطينية، يعني بأنها ستواصل التصعيد، إلى أن تصاب القيادات السياسية بالحرج أمام جماهيرها أو أن تضطر بعض الفصائل للرد، بهدف توفير الذرائع لارتكاب عدوان أوسع، تساعد الولايات المتحدة، وحلفاء إسرائيل الآخرين على مواصلة العزف على وتر الحق الإسرائيلي في الدفاع عن النفس.
الجريمة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية أول من أمس، في جنين وأدت إلى استشهاد ثلاثة كوادر، من ثلاثة فصائل مسلحة، هي سرايا القدس وشهداء الأقصى، والقسام، واندلعت على اثرها اشتباكات في العديد من مدن الضفة بما في ذلك القدس، هذه الجريمة مرتبطة بتوقيت دقيق، ولتحقيق أهداف محددة.
بعد لقاء الرئيس محمود عباس في واشنطن بالرئيس الأميركي باراك أوباما كان من المتوقع أن يعاود فريق وزير الخارجية جون كيري العمل مع الطرفين لاستثمار وتوظيف لقاءات أوباما، نتنياهو وعباس، كمحاولة أخيرة وضعيفة، للتوصل إلى اتفاق اطار، وكمحاولة جادة وقوية لتحقيق نجاح فيما يتعلق بضرورة تمديد المفاوضات.
إذا كانت الإدارة الأميركية تعلم بأن التوصل إلى اتفاق اطار لا ينطوي على أمل، فإن الطرف الفلسطيني، لا يجد مسوغاً لاتخاذ قرار بتمديد المفاوضات أشهراً أخرى في ظل الشروط التي رافقت المفاوضات الجارية منذ بداياتها.
تدرك الإدارة السياسية الإسرائيلية أن الفلسطينيين يحتاجون لما يبرر الموافقة على تمديد المفاوضات، لكنها تحاول تقليص الطلبات الفلسطينية إلى الصفر أو ما هو قريب من ذلك، لأن الموافقة على الشروط الفلسطينية من شأنها أن تخلق في إسرائيل معارضة قوية، ولأنها، أيضاً، تحرص على أن تبقى القيادة الفلسطينية تحت الضغط، ولقتل مشاعر التحدي أو ما تبقى لديهم منها.
إسرائيل تحاول ابتزاز الطرف الفلسطيني فيما يتعلق باستحقاق الإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى، التي يفترض تنفيذها في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، من خلال ترحيلها، كجزء من شروط تمديد المفاوضات.
حين لم تنجح المحاولات الإسرائيلية في استفزاز القيادة الفلسطينية لاتخاذ ردود فعل إزاء ما تقوم به من عدوانات، وبمستوى يؤثر على المفاوضات تحولت إلى قطاع غزة، حيث صعّدت عدوانها، بأمل أن تتلقى الرد في الضفة، ولكنها حين فشلت مرة أخرى، أقدمت على جريمتها في الضفة. ليس صدفة، أن تستهدف إسرائيل ثلاثة كوادر من ثلاثة فصائل مقاومة. وذلك لضمان أن يبادر أي منها للقيام بردود ثأرية، فإن لم تنجح في استدراج رد من القسام، توقعته من سرايا القدس، وان لم تنجح توقعته من كتائب شهداء الأقصى، وهكذا. وفي الحقيقة، فإن إسرائيل تواصل توفير الظروف الموضوعية المناسبة، لتصعيد شعبي على الأقل، وتصعيد عسكري، ربما تقوم به فصائل معارضة أصلاً للمفاوضات، ويناسب حساباتها السياسية، أن تبادر إلى التصعيد، ولكن من قاعدة رد الفعل، حتى لا يبدو فعلها وكأنه يستهدف على نحو مباشر، الدخول إلى مربع إفشال المفاوضات وإحراج القيادة الفلسطينية، وتعميق الانقسامات القائمة أصلاً.
وكالعادة كان على الولايات المتحدة أن تتحرك لردع الاستفزازات الإسرائيلية ولإلزام إسرائيل بتنفيذ استحقاق الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى في موعدها المحدد، غير أن الإدارة الأميركية لم تبد غضباً، ولم يظهر منها أو عنها ما يفيد الاستعداد لردع، وضبط السلوك الإسرائيلي.
على أن الإدارة الأميركية قد تتدخل، كما تدخلت في مرات سابقة لإقناع إسرائيل أو إرغامها على تنفيذ استحقاق الإفراج عن الأسرى، غير أنها على ما يبدو ستحاول توظيف السلوك الإسرائيلي، لتخفيف الشروط الفلسطينية من أجل تمديد المفاوضات، ولكنها في النهاية لا تستطيع التهرب من التزامها تجاه استحقاق الإفراج عن الأسرى.
الفلسطينيون لديهم ما يقولونه وما يفعلونه في حال امتنعت إسرائيل عن الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى، ففي هذه الحالة عليهم أن يظهروا صلابة في الرد، بأن يتحللوا من التزامهم بعدم التوجه إلى الأمم المتحدة ومؤسساتها. أما فيما يتعلق بالبعد العسكري فإن القيادة الفلسطينية التي لا تتبنى مثل هذا النهج، بإمكانها أن تتعامل مع أي ردود فعل من جانب بعض الفصائل، على أنه رد فعل طبيعي ومنطقي على العدوان الإسرائيلي.
في مطلق الأحوال، فإن القيادة الفلسطينية عليها أن تنشغل في التحضير للقمة العربية القادمة في الكويت، بما يضمن توفير غطاء عربي سياسي ومالي، للسلطة، حتى لا تظل تحت رحمة العقوبات الأميركية، سواء كانت مالية أو سياسية بما يشمل بعض الدول العربية التي تلتزم الأجندة الأميركية.
الهند وديموقراطية موسيقارها العظيم بسم الله خان
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
في القلعة الحمراء في قلب دلهي التاريخية ويوم 18 آب 1947 رفع الشاب الموهوب بسم الله خان آلة الشيهاني، أو مزمار الموسيقى التقليدية، باتجاه السماء وعزف أمام الألوف المحتشدة ألحان الفخر باستقلال الهند. كان يعزف باسم الكون المبتهج بتحرر الهند التي كانت تاج الامبراطورية التي لم تغرب عنها الشمس.
كان بسم الله في أوائل الثلاثين من عمره ينفخ في الآلة بكل جذل، وحوله كبار قادة النضال ضد الكولونيالية البريطانية المديدة في شبه القارة الهندية، وينقل بأنغامه تلك اللحظة الفارقة إلى كل ملوك وإمراء وسلاطين وشعوب الهند في ألوف السنين التي مضت.
بعد ذلك اليوم التاريخي ظل بسم الله يعزف طيلة ستين عاماً، باعثا في تلك الآلة الموسيقية الضاربة في تاريخ البلد العريق، القيامة والحياة لتحتل قلب موسيقات الحداثة وآلاتها المعقدة في هند القرن العشرين وما تلاه.
ورث بسم الله آلة الشيهاني عن والده وعائلته حيث عزف أجداده تلك الموسيقى في بلاط أمراء ولايات الهند الشمالية.
اختلف الهنود كثيراً باختلاف إثنياتهم وطوائفهم الدينية وأحزابهم السياسية، لكنهم توحدوا عند ألحان هذه الموسيقى الغامضة.
عندما تصدح شيهاني بسم الله خان في أجوائهم تسكت خلافاتهم ويطرقون السمع لها ويدندنون معها.
في حضارة ضاربة في عوالم الروحيات والأسرار والغموض والآلهة الكثيرة كانت مهمة مزمار الموسيقار سهلة، بثقة وعلى مهل تطيح ببشاعات السياسة والانتهازية والفساد والمؤمرات وما ينتمي إلى كل ذلك.
وعندما توقفت رئتا الاستاذ بسم الله خان عن نسج هواء مدن الهند بأنغام آلته السحرية العام 2006، لم يختلف اثنان على ضرورة أن ترافقه تلك الآلة المخلصة إلى القبر.
حضنها في الممات كما حضنها في الحياة، لكن رموزها وموسيقاها بقيت خالدة وراءه، تزنرها كلمات لا تموت: "ينتهي العالم، لكن الموسيقى لا تنتهي".
وبسبب ذلك الجبروت الحريري الخفي الذي خلفه الأستاذ وموسيقاه يؤم قبره اليوم، على ضفاف نهر غانغا في فاراناسي المدينة المقدسة في شمال الهند، قادة الأحزاب السياسية المتنافسون، من اليمين إلى اليسار.
كلهم يود خطب مودة صاحب القبر، متأملا أن يحظى بدعم ملايين عشاقه. ليست حالة فريدة أن يتوسل السياسيون ومرشحو الانتخابات رموز الفن والموسيقى آملين في توسيع دوائر التأييد.
لكن ذلك لا يقلل من رهبة مشهد الخضوع الإرادي والإجباري للسياسة وأصحابها الباطشين أمام رهافة أنغام المزمار الراقد إلى جانب صاحبه في المقام المبجل.
ليس هذا فحسب، فالموسيقار الأسطورة يأتيه قادة الأحزاب الهندوسية والليبرالية والعلمانية والإسلامية وكل أصحاب الديانات، وهو متألق فوق الاختلافات، لا ينتسب لأي منها، يوحدها لما كان شاباً يتقافز وراء المزمار يوم الاستقلال في القلعة الحمراء، وظل يوحدها وهو يجتاز عتبة تسعينيات العمر حاصدا أرفع أوسمة التقدير.
في الشهر القادم تشهد الهند وهي أكبر ديموقراطية في العالم الانتخابات العامة، وهو حدث كوني إلى حد كبير.
ففي هذا البلد الذي تجاوز عدد سكانه المليار ومائة مليون سيتوجه أكثر من ثمانمائة مليون إنسان إلى صناديق الاقتراع، في عملية تستمر أكثر من شهر.
يحدث هذا في بلد شاسع المساحة ومهول السكان، وحيث إرادة مؤسسي الهند الحديثة زرعت طاقة متجددة في هذا البلد تحارب كل صنوف الفشل. فهنا تتجمع كل تناقضات البشر وتتوفر كل المسوغات والتبريرات من أجل القيام بأي شيء أو خيار ممكن التفكير فيه: الفقر المدقع يجب أن تتم معالجته قبل إحلال الديموقراطية، مثلا، أو نحتاج إلى دولة بوليسية كي تضبط هذا الانفلات الإثني والطائفي وتبقي الأمور تحت السيطرة، أو لا بد من سيطرة طائفة أو إثنية قوية معينة على البلد وإلا تفتت وتقسم إلى أجزاء، وغير ذلك كثير. لكن الحكاية الهندية الغريبة والمدهشة كتبت سرديتها الذاتية بنفسها.
نقضت مقولة ضرورة التمهيد للديموقراطية بتقوية الطبقة الوسطى ورفع مستويات المعيشة إلى حدود معقولة، وقوضت فكرة الدولة البوليسية التي انتشرت في الجوار الهندي (الصيني على وجه التحديد)، ثم كشفت هشاشة النظرية الخلدونية في ضرورة وجود عصبية ما تمثل العمود الفقري للدولة، خاصة في الزمن الحديث وفي بلدان التعدديات الاثنية والدينية والطائفية.
ربما ما كان للهند أن تؤول إلى ما آلت إليه اليوم إلا لما اشترطه تاريخها الغني والفريد وتجربتها العريضة والقديمة في التعددية والتعايش والتسامح وبناء الممالك وتداعيها.
وفيها أيضا وانصياعاً لشرطها التاريخي والتعددي نسج المسلمون خلال حقبة سلاطين المغول حالة فريدة من الحكم.
فإزاء عمق التنوع وتجذره لم يكن من خيار أمام سلالة تيمورلنك وقادته الذين اتسموا في جيلهم الأول بالقسوة والخشونة والبطش إلا أن يتحولوا إلى قادة يتصفون بالحلم والأناة وسعة الصدر.
فمع السلطان المؤسس بابر، في مطلع القرن السادس عشر، تأسست دولة قوية ومتماسكة وهي التي ترسخت في زمن ابنه همايون.
بيد أن أوجها وعظمتها الحقيقية كانت على أيدي حفيده السلطان جلال الدين أكبر الذي تخطت نجاحاته النطاق العسكري والجغرافي الأفقي الذي وسع به الإمبراطورية، إلى ما هو أهم وهو التجذر العمودي في بناء دولة ومجتمع يقومان على ما يقرب من مفهوم المواطنة، وبعيدا عن أية عصبية. أكبر شاه، الحاكم المسلم، انفتح على كل المكونات المجتمعية والطائفية والاثنية في الهند وعاملها سواسية وبعدل فشعر الجميع بأنهم ينتمون إلى "مجتمع ودولة" واحدة تمثلهم وتعدل بينهم.
ولأنه، وأباه وأجداده من قبله، تزوجوا من الطوائف كلها لترسيخ عمومية وشمولية ملكهم وعدم انحيازه لطائفة معينة فإن "المكون الهندي" في دمائهم ودماء أبنائهم ظل يكبر، ما أشعر السكان الأصليين بأن هؤلاء الحكام هم من صلبهم.
ضم جلال الدين أكبر إلى النخبة العليا من مستشاريه ووزرائه ودائرة صناع القرار في دولته هندوسا ومسلمين وبوذيين ولا دينيين وسيخا مؤكدا بالممارسة وليس فقط بالعبارة والكلمات حيادية الدولة تجاه الدين ورعايتها لهم جميعاً.
وبخلاف الفاتحين الأوائل من المسلمين فقد ألغى الجزية عن غير المسلمين وألغى الضرائب التي كان يفرضها بعض الحكام على حجيج الهندوس وغيرهم.
لقد أسس جلال الدين أكبر لمبدأ المواطنة والتعايش في الهند بحيث أصبح من المستحيل على هذا البلد الكبير وبشره المليوني أن يعيش من دون إقرار بالآخر، واعتراف به، وعدم الوقوع في أسر الطائفة والإثنية، بل تجاوز ذلك إلى أفق أكثر إنسانية ورحابة، تماما كما فعل بسم الله خان أيام حياته، وكما يفعل اليوم من قبره وممثلو اليمين الهندوسي من حزب بهاراتيا جاناتا يقفون إلى جانب ممثلي حزب المؤتمر وغيره من الأحزاب فوق شاهد قبره بصمت واحترام!
الشهداء الستة: الذكرى العشرون
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
يصادف هذا الأسبوع مرور عشرين عاماً على رحيل الشهداء الستة في مخيم جباليا في الثامن والعشرين من آذار العام 1994 فيما كانت اتفاقية أوسلو تشد الرحال لتهبط في قطاع غزة وأريحا بعد ذلك بأيام مع وصول أولى قوافل الشرطة الفلسطينية. في ذلك النهار هاجمت قوة إسرائيلية في مفترق بات يعرف بعد ذلك باسم الشهداء الستة، ستة من خيرة قادة الانتفاضة الأولى بعد أن أنهوا اجتماعاً لهم وشاركوا في تأبين زميل لهم كان قد رحل قبل ذلك بعام، وقامت القوة الإسرائيلية وبعد اشتباك مع مجموعة الشبان بتصفيتهم بدم بارد، لتخرج بعد ذلك من مخيم جباليا كما من الكثير من الأماكن السكنية فيما عرف بعملية إعادة الانتشار التي نصت عليها اتفاقية أوسلو.
ضمت تلك المجموعة كلاً من احمد سالم أبو ابطيحان وجمال سليم عبد النبي وأنور محمد المقوسي وناهض محمد عودة وعبد الحكيم سعيد الشمالي ومجدي يوسف عبيد. وباستثناء الشمالي وعبيد فإن بقية الشهداء من مخيم جباليا حيث ارتقوا هناك إلى العلا. بالطبع ظل موقع الحادثة يشير بكثير من الألم إلى رحيل هؤلاء الأبطال الذين شهدت لهم الانتفاضة الأولى بصولات وجولات، كما شهدت لهم السجون الإسرائيلية بمواقف بطولية لا ينساها رفاق دربهم الطويل، ظل المكان شاهداً على الجريمة، كما ظل مُخلداً للبطولة حيث أطلق سكان المخيم على المفترق الذي يقع غرب المخيم اسم "دوار الشهداء الستة". ولأن الشهداء خالدون فإن ما يسمى على اسمهم خالد أيضاً، لذا ظل اسم المكان كذلك خالداً وشائعاً، حتى صار جزءاً من معالم المخيم.
كان هؤلاء من خيرة من قاد الانتفاضة الأولى على فترات مختلفة وانتهت حياتهم المليئة بالعمل والكفاح والعذاب، ربما، مع الأيام الأخيرة لهذه الانتفاضة، ولم ينعموا بمغانم السلطة التي جاءت بها الانتفاضة، ولم يقدر لهم أن يكونوا جزءاً من المشهد الأوسلوي بما عليه أكثر مما له. لكنهم ظلوا جزءاً عزيزاً من ذاكرة الناس وثقافتهم المحلية.
كان أحمد أبو ابطيحان، ربما من أبرز من عمل في قيادة الانتفاضة حيث خرج الفتى الذي شب في مخيم جباليا ليصبح قائداً ميدانياً ذا حدس وقدرات قيادية مذهلة أهلته لأن يكون قائداً حيث حل وموجهاً حيث نزل. حيث عمل على قيادة المجموعات المختلفة التابعة لحركة فتح خلال الانتفاضة كما عمل موجهاً عاماً داخل السجون الإسرائيلية. وكان الشاب الصغير الذي كنته قبل عشرين سنة قد تشرف بأنه تعلم القليل من مهارات وقدرات وعلوم احمد أبو ابطيحان في سجن النقب في قسم "ب". كان الاسم الحركي لأبي ابطيحان هو "الشايب" كما كان معروفاً باسم "أبو سالم"، وكان مدرسة حركية متنقلة، وعقلاً وقلباً يتقدان حباً لفلسطين. كان ذلك النوع من الرجال في الزمن الجميل الذين يبخل علينا الزمان بمثلهم. كما كان رفاق دربه الآخرون من الشهداء الذين رحلوا معه في ذلك اليوم من نهايات شهر آذار قبل عشرين عاماً رجالاً شهدت لهم شوارع وطرقات مخيم جباليا ومدينة غزة وأماكن القطاع معارك في مقارعة الاحتلال وفي إعلاء كلمة فلسطين بما أتوا في ذلك الوقت من إمكانيات، وما توفر لهم من وسائل. وكان لسان حالهم يقول سنحب فلسطين ما استطعنا إليها سبيلا.
ثمة نصب تذكاري بسيط في وسط الدوار يحمل في أعلاه صورة كبيرة عليها صور الشهداء الستة. أيضاً لم ينج هذا النصب من معاول الانقسام وشروره حيث تم استبدال صور الشهداء الستة الذين كانوا اكثر حظاً منا فلم يشهدوا نكبة الانقسام، ووضعت صورة شهداء هذا التنظيم وذاك. ورغم أن الشهداء كلهم أكرم منا جميعاً فإن محاولة الاعتداء على ذاكرة الناس كما على أحزانهم، كما على عشقهم الأبدي للبطولة ولتخليدها، لا يكون بإنزال صورهم عن أماكن التّذكر التي أنتجتها لهم الذاكرة الجمعية. وربما مع مرور عشرين عاماً، ثمة حاجة للدعوة لضرورة إعادة النصب التذكاري إلى سابق عهده حتى يتسق مع ذاكرة الناس ومع تفكيرهم الجمعي. فلا الصورة يمكن لها أن تغير المكان ولا أي قوة على وجه الأرض يمكن لها أن تمنح الأماكن أسماء ما لم تجد لها ممرا مضاءً بذكريات من نوع ما في عقول الناس. فالدوار احتفظ باسمه وظل دوار الشهداء الستة في نظر الناس، ولم يتغير بتغير الصور التذكارية على النصب. كما أن فاجعة الانقسام ورايته السوداء لا يمكن أن تغطي ذكرى هؤلاء الشهداء الأبطال، كما لا يمكن لها أن تقتل توق الناس الأصيل للوحدة والتوحد.
ربما الملاحظة الثانية في ذكرى الشهداء الستة تستوجب الحديث عن تاريخ الانتفاضة الأولى وضرورة تسجيله والحفاظ عليه سواء أكان هذا التاريخ مدروساً أكاديمياً وعلمياً او مسجلاً وفق روايات شفوية. وأظن أن ثمة حاجة ماسة لفعل ذلك لجملة من الأسباب تبدأ بالأهمية التي تتمتع بها الانتفاضة في التاريخ المعاصر كما في الذاكرة الجمعية وتنتهي بضرورة إعادة الاعتبار لفكر الانتفاضة السياسي البسيط الذي نجح في زلزلة استقرار منظومات الاحتلال ودعائمه.
أما الملاحظة الثالثة والمرتبطة بالسابقة فهي ضرورة تسجيل تاريخ العمل الكفاحي والنضالي داخل الأرض المحتلة خلال فترة الاحتلال قبل تأسيس السلطة الوطنية لأن ثمة شموعا كثيرة احترقت في الطريق وهي بحاجة لأن يشار لها بالبنان كما يشار لعنترة بن شداد، ولأن هناك الكثير الذي يمكن لنا أن نتعلمه ونعلمه لأولادنا عن العمل السري والعمل تحت الضغط والتهديد وسبل ابتداع ألف طريقة لمقارعة الاحتلال حتى لو انعدمت الإمكانيات، والأهم كيف يكون النضال دائماً دون البحث عن موقع. بعبارة أخرى إعادة الاعتبار للكثير من القيم التي فقدناها مع بريق الاستقرار المؤقت.
ربما بعد عشرين سنة على رحيل الشهداء الستة، وأيضاً من يتذكر عشرين سنة على تأسيس السلطة الوطنية نحن بحاجة للكثير من الوقفات مع النفس قبل كل شيء!!.
ما بعد لقاء واشنطن
بقلم: سميح شبيب – الايام
كان من المتوقع، أن تصعد إسرائيل من عدوانها، بعد لقاء واشنطن. منذ بداية المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية الأخيرة، وإسرائيل تحاول تفجيرها، وبمختلف الوسائل المتاحة، بدءاً من الإجراءات الأمنية ـ العدوانية مرورا بضخ المعلومات والشائعات بهدف إحداث التباعد والخلاف ما بين الشعب وقيادته. اشتدت وتيرة التصعيد، وعلى نحوٍ ملحوظ تماماً، في المناطق الفلسطينية كافة، وخاصة في المخيمات، والهدف من وراء ذلك، وهو محاولة استجرار الفلسطينيين، لمربع العنف والعنف المضاد، إضافة إلى ذلك، أخذت وسائل الإعلام الإسرائيلية ومواقع الإنترنت المحسوبة عليها، بث شائعات مكشوفة، تتعلق أولاً بالتفريط الفلسطيني وتراجع القيادة عن ثوابت سبق وأن أعلنتها سابقاً، خاصة فيما يتعلق بالقدس، والحدود، واللاجئين. إضافة "لفضح مفاسد السلطة" ورموزها، أكان ذلك على الصعيد المالي أو السياسي أو الشخصي.
هل قراءة سريعة لما بثته المواقع الإلكترونية الإسرائيلية من شأنه أن يدلل، بوضوح، بأن الهدف من وراء ذلك تعميق الشرخ ما بين الشعب والقيادة وفي ذلك فوائد جمة لإسرائيل وأهدافها العدوانية، الرامية للتأثير على صلابة الموقف الفلسطيني المعلن في المفاوضات الجارية والتمسك بالثوابت المتفق عليها بشأن قضايا الحل الدائم.
الموقف الفلسطيني، واضح ومعلن، وما أعلنه الرئيس ما قبل سفره إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي أوباما، هو نفسه ما أعلنه عند عودته من واشنطن. ما تريده إسرائيل هو انصياع القيادة الفلسطينية، لمشيئتها وإرادتها، وهي ترى في التمسك الفلسطيني، بحقوقه الوطنية، والاحتكام للقانون الدولي ومقررات الشرعية أمرا يهددها ويحد من طموحاتها. ما قامت به إسرائيل، ما بعد كامب ديفيد، ضد الرئيس ياسر عرفات، وفرض الحصار عليه، ومن ثم قتله. وما ترافق ذلك من إجراءات عدوانية، تمثلت باجتياح المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، ونشر ما يزيد عن أربعمائة حاجز يقطع أوصالها، كان دليلاً على عدوانية إسرائيل، ومحاولة ثني القيادة عن ثوابتها الوطنية.
ما تقوم به إسرائيل من عدوان ضد المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية، هو مقدمة أولية لإجراءات عدوانية قادمة. ارتفعت وتيرة القتل والعدوان، كما وارتفعت حرب المعلومات ضد القيادة الفلسطينية.
اللافت للنظر في هذا التصعيد الإسرائيلي، الخطير هو ما تتورط به، بوعي أو دون وعي، جهات ليست إسرائيلية، بل إن بعضها فلسطيني وطني، بل ويمثل جزءا من النسيج الفلسطيني. هذا البعض يتورط في ترداد ما تورده المواقع الإلكترونية الإسرائيلية، ويعيد إنتاج معزوفة التنازلات، دون أن يدري ما تخدمه تلك المعزوفة.
الأمور باتت واضحة، بل وشديدة الوضوح. الموقف الفلسطيني واضح، كما وأن وسائل دعمه وإسناده واضحة، ومعزوفة التنازلات، وتعميق هوة التباعد ما بين القيادة والشعب واضحة المرامي والأهداف.
كان مـتوقعاً
بقلم: غسان زقطان – الايام
لم يكن هناك أي احتمال في أن يسفر اجتماع الرئيس محمود عباس مع الرئيس الأميركي عن أي اتفاق معلن، مثل التوقيع على "اتفاق الإطار" الذي يواصل الوزير "كيري" والذي تداولت الصحافة، الإسرائيلية على وجه الخصوص، تسريبات كثيرة حول خطوطه وأفكاره الرئيسة.
الموقف الفلسطيني كان واضحا ومعلنا، دون أن نغض النظر عن ثغرات في الأداء، كان هناك بناء يتراكم للوصول إلى نقطة رفض اقتراحات وزير الخارجية الأميركي الدؤوب والعنيد، كان يمكن تكوين هذا الانطباع مبكرا من خلال تحصين الموقف الفلسطيني بالطوقين؛ الموقف العربي الذي يسبق الاتفاق والاستفتاء الشعبي الفلسطيني الذي يمنحه الشرعية فيما لو مر عبر الطوق الأول. على الطاولة كانت "الثوابت"، نفس الثوابت؛ دولة في حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، ولأن خطوط النكبة ليست مقدسة تماما ترك مجال لتبادل محدود للأراضي بنفس النسبة وبموافقة الطرفين، وحل عادل لقضية اللاجئين حسب قرارات المنظمة الدولية.
في التفاصيل كانت هناك محاولات لتفكيك مناطق الضغط والابتزاز وطرح البدائل والإشارات في الكواليس، محاولة استعادة وحدة فتح في مواجهة الانقسام الذي كان يتجمع منذ سنوات تحت أرضية التنظيم، تحديدا خلال حصار الشهيد ياسر عرفات الأب الفعلي للوطنية الفلسطينية، وتعزز عشية وأثناء المؤتمر السادس للحركة المنعقد في بيت لحم، كانت نظرة متأملة على خارطة الكتل والتحالفات والاصطفافات في قاعة المؤتمر وكواليسه، وأساليب الحشد والاستقطاب المتبعة ستؤدي إلى توقع حرب تنظيمية بين مراكز القوى بمجرد انفضاض المؤتمرين وتوجههم إلى مواقعهم الجديدة التي أفرزها المؤتمر، هذا الصراع الذي خرج إلى العلن بعد استنفاد الأجنحة لعملية الاستقطاب وبعد وضوح الدور الإقليمي في تفاصيله، لم يعد من السهل إصلاحه بالطرق التي تعودت عليها الحركة ولم يعد مقبولا على المستوى الشعبي العودة إلى لملمة الأمور وإجراء المصالحات، الشارع الآن أكثر ثقة بنفسه وأكثر معرفة بما يجري.
على الجانب الآخر كان الانقسام الوطني واستئثار حماس بقطاع غزة، وهو أمر لا يمكن، بأي حال، تحميل تبعاته للرئاسة الفلسطينية، بعد أن اتضح الآن وعلى ضوء الأحداث في المنطقة انه لم يكن حدثا فلسطينيا معزولا بظروف الواقع الفلسطيني بقدر ما كان مقدمة مدروسة لمخطط أوسع شمل دول الإقليم، بما فيها الدولة الأكبر مصر فبدت غزة تحت سلطة حماس أقرب إلى تمرين أو نموذج للمنطقة تحت قيادة "جماعة الإخوان المسلمين"، بدعم قطري إيراني ورضا أميركي إسرائيلي.
هذه الانقسامات كانت الخاصرة اللينة للمفاوض الفلسطيني طوال فترة المفاوضات، وهو أمر لا ينبغي تحميله كاملا للسلطة ، مرة أخرى، بقدر ما تتحمله أطرافه، تحديدا حماس التي دأبت على إفشال كل محاولة في هذا الشأن منذ تأسيسها وخلال التسعينيات، ضمن عمليتها الاستراتيجية المتواصلة لتفكيك منظمة التحرير أو الاستيلاء عليها.
المعارضة التي تحاول أن تتطهر عبر كليشهات أكل الدهر عليها وشرب وقام وجلس، المعارضة بتلاوينها الليبرالية واليسارية تتحمل مسؤولية الانقسام الوطني، عبر استرخائها في طهارتها البلاغية وخفة دورها في مواجهة الانقسام، وخضوعها لحكم "حماس" في غزة لها ولشعبها، والاكتفاء بتحميل " الفصيلين" مسؤولية التشتت في عرض مثير للشفقة، المعارضة التي تبحث عن فصيل يقودها لتكون معارضته.
يبدو هذا حديثا قابلا للاسترسال ولكنه قادم من فكرة أساسية، أن ما حدث في اجتماع أبو مازن/ اوباما كان متوقعا، وأنه لم يكن ضروريا كل هذا التشغيل والحشد في الشارع أو الأغاني في القناة الوطنية.
تغريدة الصباح - طبخة عكّوب
بقلم: محمد علي طه – الحياة
قد يكون الخبر عاديّاً في الشّارع الفلسطينيّ الذي اعتاد على القتل اليوميّ، فلا يمرّ يوم تقريباً دون أن نسمع عن مقتل فلسطينيّ على حاجز عسكريّ أو في حقله أو في بيته أو قرب مستوطنة سرطانيّة أو على معبر الكرامة، فلسطينيّ آخر ينضمّ إلى قافلة الشّهداء. البيت الأبيض لا يستنكر ولا يشجب ويستنكر بحياء حتّى لا يزعل الحبيب. والإذاعة الإسرائيليّة تبثّ الخبر خاطفاً فالقتيل هو المذنب. هو عربيّ مخرّب ومعتدٍ، حاول اختطاف سلاح جنديّ أو حاول خنق جنديّة أو كان يحمل آلة حادّة خطرة قد تكون مدية صغيرة لتقشير التّفّاح أو البرتقال. والصّحافة الإسرائيليّة الحرّة جدّاً لا تنشر خبراً عن القتيل، وإذا "تحرّرت" أو "تدمقرطت" فلا بأس من سطرين اثنين على صفحة داخليّة بعد الصّفحة العاشرة. الشّهيد أو القتيل هذه المرّة ليس قاضياً حاول أن يخنق جندياً فأرداه قتيلاً كما نشر إعلام واحة الديمقراطيّة، فالقاضي العربيّ ليس جنتلماناً وليس متحضراً، القاضي عربيّ ويبقى عربيّاً قاتلاً مجرماً، ولكن القتيل هذه المرّة طفل. وهذا أمر عاديّ. أطفال عديدون قُتلوا. والطفل عربيّ. والعرب ينجبون أطفالاً كثيرين مثل الأرانب. والقتيل من قرية عزلاء منسيّة بجوار مدينة الخليل الأسيرة، ومن عائلة فقيرة مثل معظم العائلات القرويّة الفلسطينيّة، والقتيل ارتكب جريمة تهدّد جيش الاحتلال، فقد جاء يلتقط العكّوب قرب جدار الفصل العنصريّ. القتيل طفل يدرس في المرحلة الإعداديّة وإذاعة إسرائيل تزعم أنّ شابّاً فلسطينياً حاول هدم جدار الفصل. اعتدى على أمن إسرائيل، على بقرتها المقدّسة والجنديّ اليقظان أرداه قتيلاً. ثلاث رصاصات فقط لا غير. والعربيّ ميّت. والإسرائيليّون، معظم الإسرائيليّين، يعتقدون أنّ العربيّ الجيّد هو العربيّ الميّت. والصّحف العبريّة لم تنشر خبراً حتّى من سطرين على الصّفحة ما بعد العاشرة. عربيّ ومات. لا يستحقّ مجرّد خبر فالعربيّ حاقد أعمى على اليهود والفلسطينيّ ليس إنساناً. الفلسطينيّ قاتل مخرّب مجرم لصّ. هذه صورته في عقل الإسرائيليّ منذ روضة الأطفال. الفلسطينيّ أفعى كما قال الراب عوفاديا يوسف. حيوان مفترس يجوز قتله بل يجب قتله!!!!!
في أثناء عملية "الرّصاص المسكوب" قتلت صواريخ القسّام الغزيّة كلباً للجيش الإسرائيليّ فاحتلّت صورته الصّفحات الأولى من الصّحف الحرّة جدّاً (يا حرام!!) وفي اليوم نفسه قتل جيش الاحتلال عشرة فلسطينيّين فجاء خبر مقتلهم على صفحة 16 وبسطرين فقط لا غير. وأمّا جامع العكّوب فلا يستحقّ سطراً واحداً. عربيّ ومات. فلسطينيّ ومات. ولن يجتمع برلمان. ولن يهدّد أحد بسحب سفير أو طرد سفير. ولن يعتذر شمعون أو بنيامين. الطفل فلسطينيّ. والطّفل تنتظره أمّه لتطبخ العكّوب. والأطفال الفلسطينيون فقراء جائعون والموت راحة ورحمة لهم.
هذا الطّفل كان من الممكن أن يكون ابننا أو حفيدنا، أو أن يكون أنت، أو أن يكون أنا، في الصّغر، حينما كنتُ أذهب مع أترابي إلى قريتي المهجّرة ميعار ونلتقط الفقع أو السّنّارية أو الزّعتر أو الزّوفا ويطاردنا الحارس.
لم يتغيّر العقل الصهيونيّ منذ بنوا بيتح تكفا حتّى اليوم. العربيّ الجيّد هو العربيّ الميّت. ونتنياهو يريد السّلام. بَسْ مع مين؟!
أبطال مخيّم جنين.. ويوم الكرامة
بقلم: خالد مسمار – الحياة
في مثل هذه الأيام منذ 46 عاماً وبعد أشهر قليلة من الهزيمة المدوية لأمتنا في حزيران من العام 1967 استطاعت فئة قليلة مؤمنة من طلائع حركة فتح بأسلحتها البسيطة وبمؤازرة رائعة من الجيش العربي في الأردن بقيادة البطل الراحل مشهور حديثه الجازي وبأسلحته المحدودة مقارنة بأسلحة العدو الصهيوني.. استطاع هؤلاء الأبطال ان يقهروا الجيش الذي لا يقهر.
ففي الحادي والعشرين من آذار في العام 1968 وفي قرية الكرامة في غور الاردن سجلوا اعظم ملحمة بطولية في تاريخنا المعاصر. حيث اعاد هؤلاء الابطال الكرامة للامة العربية في معركة الكرامة الخالدة. يومها حشد الجنرال موشى دايان 15 الف جندي بطائراتهم المقاتلة ومدفعية دباباتهم ومجنزراتهم فيما حسبه نزههّ ليقضي على حركة فتح التي وصفها بالبيضة في يده يستطيع ان يسحقها وقتما يشاء فاذا بفتح بيضة من حديد تدمي يد دايان بل تدمّر مجنزراته وتسحق جنده ويقرر شد ذيله الى عجزه مندحراً.
اراد هذا العدو المتغطرس ان ينزع احتفالنا في ذكرى يوم الكرامة فتوجّه في حلكة الليل الى رمز الكرامة.. مخيم جنين.. مخيم الابطال الذين دوّخوا جيش الاحتلال في ملحمة بطولية قبل سنوات قليلة (نيسان 2002) جعلت القائد الرمز ابو عمار يسميها جنين غراد. فتوغلوا في المخيم وقتلوا ثلاثة من ابطال المخيم يمثلون الوحدة الوطنية.. وحدة الدم فوق الارض الطاهرة.. ثلاثة شهداء من حركة فتح وحركة الجهاد وحركة حماس ودمروا البيوت وجرحوا العشرات. لكنهم خرجوا يجّرون ذيول الخيبة لأن ما قاموا به من جرائم لن يثني شعبنا وجماهير مخيم جنين عن التمسك بحقهم في التصدي للمحتلين ودحرهم عن ارضنا وديارنا وسمائنا وهوائنا ومائنا. نعم نستطيع هزيمة هذا العدو المتغطرس بوحدتنا بارادتنا و بحقنا ولكن عكرّ هذه الوحدة فضائية حماس وناطقوها الكثر من تصريحات اقلّ ما يقال فيها انها تريد نسف ما بقي من وحدتنا واخلاقنا.
فئة قليلة مؤمنة من فدائيي حركة فتح ونشامى الجيش العربي الأردني غلبت فئة كثيرة متغطرسة مدججة بالسلاح من رأسها إلى أخمص قدمها غلبتها بإذن الله في معركة الكرامة الخالدة.
يومها وحدنا الدم في الكرامة ومحونا عار هزيمة حزيران 1967م.
وهتفنا عقب هذا الانتصار العظيم بقصيده الشاعر الراحل ابو الصادق الحسيني
وحدنا الدم يا كرامة وحدنا الدم وحدنا الدم
والشمل التمّ يا كرامة.. الشمل التمّ الشمل التمّ
بجبال النار.. فدائيه
بين الاغوار.. فدائيه
عجبين الارض العربية وحدنا الدم وحدنا الدم
حرب التحرير الشعبية وحدنا الدم وحدنا الدم
غلابة يا فتح.. يا ثورتنا غلابة.. غلابة
غلابة الايد اللي تفجّر دبابابة.. غلابة
فلتخرس أصوات الناعقين باسم حماس في غزة, ولتعد إلى رشدها وتتوجه إلى الوحدة بدل الانقسام والشتائم والتنابز بالألقاب.
فبالوحدة وبالأخلاق الحميدة لا بالشتائم والتخوين نحقق النصر على العدو المتغطرس.. كما فعل الأبطال الأشاوس في مخيم جنين غراد.
القدس تعد زمانها وحدها
بقلم: بهاء رحال – الحياة
مسلسل التهويد في القدس متواصل منذ أن بدأ احتلال المدينة ومنذ أن هزمت الجيوش العربية وهربت من أرض المعركة في حزيران 1967 تاركة أرض المعراج وارض القيامة في أيدي الاحتلال الذي شدد قبضته على المدينة وراح يدعي كذباً وزوراً وحماقة وابتدع من الاساطير والخرافات في وجه التاريخ وظل يرددها في سنوات الاحتلال الطويل وحتى اليوم. لكنه في هذه الأيام يأخذ منحى أكثر خطورة وتطرفا وشكلا يستلزم الوقوف عنده خاصة ان الايام الاخيرة شهدت تصريحات من كبار المتعصبين في كيان الاحتلال تحمل في داخلها نوايا مبيتة ومعدة مسبقاً حول دخول المتطرفين اليهود الى باحات الحرم الشريف بالتزامن مع مطالبة الكيان الاسرائيلي للاردن بانهاء الولاية على الاماكن المقدسة ليتسلمها الاحتلال وهنا تكمن الخطورة التي سوف تكون الخطوة الأولى على طريق بناء هيكلهم المزعوم اذا تمت فعلاً, اضافة الى بعض المشاريع التي يقدمونها في الكنيست لاصدار قوانين وتشريعات هدفها تهويد اكبر وأوسع للمدينة الواقعة تحت الاحتلال, وكل هذا يأتي في ظل صمت عربي وانقسام فلسطيني وتشرذم قومي أدى الى أن تعدُ القدس زمانها وحدها وأن تقف وحدها في المواجهة مع عدو لا يرحم ولا يتوانى عن تنفيذ مخططاته وسياساته بحق المدينة المقدسة وهذه السياسات لا تقتصرعلى عزل المدينة بالجدار العنصري ولا على طرد المقدسيين وتهجيرهم ولا تقف عند حد هدم البيوت والمنازل بل انها تهدف الى هدم الاماكن المقدسة المسيحية والاسلامية لبناء هيكلهم المزعوم على انقاض بيوت الله واماكن العبادة وهذا هو التحدي الحقيقي الذي يعصف بالقدس هذه الايام في الوقت الذي نسمع فيه بعض الاصوات الخجولة التي تستنكر او تشجب والغالبية لا نسمع لها صوتاً في العالم العربي والاسلامي او في العالم الدولي الأمر الذي تعتبره دولة الاحتلال فرصة ذهبية لها خاصة بعد ما يسمى الربيع العربي والاقتتال الحاصل في بعض الدول والتفجيرات واعمال العنف في سوريا ولبنان ومصر والعراق واليمن وغيرها, فحال العرب هذه الايام متشرذم ومنقسم ومترد والوضع العربي برمته صعب وفي تراجع مستمر خاصة ان بعض الاصوات بدأت تقول إن للبيت ربا يحميه كتعبير عن حالة الضعف والاستكانة التي يعيشونها وسط هذه الهجمة على المدينة المقدسة, ولكن نحن كفلسطينيين لا يمكن أن نقول كما قال عبد المطلب لأبرهة حين غزا الكعبة وفضل ماشيته على حماية البيت الحرام (الكعبة) مردداً تلك الجملة التي يرددها الكثير من العرب بنوع من الجهالة حين نقول لهم ان القدس في خطر حقيقي فيردون علينا أن «للبيت ربا يحميه» وهي استكانة وضعف يشبه التخاذل وحالة هروب من مواجهة الواقع الذي يبرهن الضعف الذي أصاب الأمة العربية وحالة واقع الانكسار المؤلم الذي تعيشه الشعوب العربية.
أيها الأشقاء، أيها الأصدقاء: لا وقت للانتظار مع عدو يسابق الزمن فقد حان الوقت كي تكفوا عن عادتكم القديمة بالشجب والاستنكار والإدانة للاحتلال الذي لا يفهم إلا لغة القوة ولا يذعن لحقوق إلا بالهزيمة، حان الوقت لتثأروا وتتخلصوا من عار هزائمكم التي تلاحقكم فلا تدفنوا رؤوسكم بالرمال مرة أخرى ولا تقفوا بأصواتكم الخجولة تتوعدون بينما العدو لا يكترث لأصواتكم ويمضي في سياساته التوسعية والاستيطانية ويسرق من الأرض والتراث والتاريخ.
الفرع والاصل في الاستبداد
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
نشر الدكتور حسين ابو النمل في صحيفة «النهار» البيروتية في 20 شباط الماضي مقالا بعنوان الاستبداد الديني فرع الاصل. وشاء من تعرضه لجذور الاستبداد، «تقزيم» مكانة الاستبداد الديني. نعم صحيح من حيث المبدأ ما ورد في مقالة ابو النمل، لان الاستبداد تاريخيا أسبق من الاستبداد الديني، وأشمل منه، ولا يجوز قصر الاستبداد على النموذج الديني. كل مراحل التاريخ منذ بدء الخليقة حتى يوم الدنيا هذا، والاستبداد موجود، ويستخدم من قبل كل الانظمة السياسية ( ملكية وجمهورية، ديكتاتورية وليبرالية، دينية ومدنية) بهدف الدفاع عن نفسها في مواجهة معارضيها. غير ان الاستبداد الديني تاريخيا كان اشدها واقصاها، والاكثر بطشا بحياة الانسان، دون إغفال اشكال الاستبداد للديكتاتوريات البوليسية.
لكن حصر المناقشة لموضوع الاستبداد من هذه الزاوية، ووضعه في إطار المقاربات بين «الاصل» و»الفرع» فيه هروب من طرح الاسئلة الاكثر إلحاحية، ومنها: هل انظمة الحكم الدينية، وخاصة حكم الاخوان المسلمين في فلسطين او مصر او غيرها، هم رواد دولة مدنية تقوم على الشراكة مع القوى والجماعات المشكلة للنظام السياسي أم لا؟ وما هي حدود وآفاق تطور دولة جماعة الاخوان المسلمين؟ وهل دولة الاخوان المسلمين (دولة الخلافة) تقبل القسمة على حدود الدولة الوطنية او القومية (في نطاق القياس بالنسبة للعالم العربي) أم هي دولة أممية بالمعنى الديني الواسع للكلمة؟ ألم يقل المرشد مهدي عاكف وقبل إستلام الجماعة الحكم في مصر، أن ماليزيا او اندونيسيا أهم من مصر، وهو يقصد هنا ماليزيا إخوانيا؟ وهل الدولة الدينية تؤصل للديمقراطية والحريات العامة والخاصة ام العكس صحيح؟
وعلى صعيد آخر، لماذا يتم قراءة موضوع العسكر تاريا بطريقة مشوهة في ظل الظروف المعاشة في مصر؟ وما هي معالم الانقلاب في مصر؟ وهل وجود رجل عسكري في الحكم دائما يشكل لعنة وعودة بسطار العسكر للقمع والتنكيل وتكميم الافواه؟ الم تؤكد تجربة عبد الرحمن سوار الذهب في السودان، على سبيل المثال لا الحصر، نموذجا للرجل المؤمن بالديمقراطية؟ وهل يستطيع الفريق السيسي، الذي قبل مبدأ الترشح للانتخابات الرئاسية بناء على رغبة الجماهير المصرية، التخندق في مواقع الاستبداد وتبديد الديمقراطية، التي حملته الى لحظة استثنائية في تاريخه الشخصي والتاريخ المصري منذ أكثر من ستين عاما؟ وهل الوقوع بالاخطاء هنا وهناك من قبل اجهزة الامن المصرية، يعني أن المظهر العام للنظام السياسي الجديد سيكون غير ديمقراطي؟ ألم تفرض ومازالت تفرض جماعة الاخوان المسلمين وحلفاؤها من جماعات التكفير منطقها الارهابي على الشرعية السياسية الجديدة؟ ألم تكشف الاتفاقيات والارتباطات مع الغرب عموما واميركا خصوصا ومن خلفها إسرائيل، التي كشفها حكم الجماعة في مصر ، وما نشره وكشفه المستقيلون من الجماعة، يدلل على ان الجماعة ليست بوارد البحث عن مصالح الوطن والوطنية المصرية ؟ أليست المعارك التي فجرها انصار وقادة الجماعة مع الاقباط المصريين (المسيحيين) والقوانين، التي سنوها، تكشف عن المنحى، الذي تتجه إليه تلك الجماعة؟ وهل يجوز المفاضلة بين مدنية وهمية (جماعة الاخوان) ووضباط عسكريون إستجابوا لارادة الشعب والامة؟ وهل مرجعية حكم المرشد والقوة الخاصة والعبث بمصير البلاد يشي بوجود حكم مدني؟
الف سؤال وسؤال يطرح نفسه على اي قارىء عقلاني لمقالة الدكتور حسين ابو النمل، لانها مقالة تعكس إسقاطات رغبوية من الكاتب على واقع الحال المصري والعربي، وكونها تجتزأ الحالة المصرية بطريقة تشويهية، ولا تقرأ التاريخ في سياق التطور الموضوعي. بالتأكيد العسكر لعبوا تاريخيا دورا سلبا في إدارة الحكم، ولكن ليس كل عسكري هو رجل إستبداد. لان من يستجيب لنداء الشعب ويحميه من بطش الجماعة الاكثر إستبدادا ووحشية، لا يمكن ان يكون مستبدا، حتى لو حصل ووقعت اخطاء طالت العديد من ابناء الشعب المصري.
كنت اتمنى على الدكتور حسين ان ينسجم مع نفسه وتاريخه وخلفياته الفكرية والسياسية، لتكون استنتاجاته اكثر واقعية وقدرة على مقاربة الواقع مع طموحات واهداف قطاعات الشعب المصري الواسعة، التي تمثل الاغلبية الساحقة في الشارع. لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه.. وللحوار بقية.
مشهد دام في مخيم جنين
بقلم: يحيى رباح – الحياة
يوم السبت الماضي, بداية الربيع تحول مخيم جنين الى بانوراما مروعة متوهجة بلون الدماء الفلسطينة, حيث اندفعت جحافل الجنود الاسرائيليين المدججين بكل الاسلحة الفتاكة صوب المخيم ليحاصروه ويجتاحوه ويرسموا داخله لوحة سيريالية لفوضى العنف والموت وذعر الاطفال وصراخ النساء وهول النتائج التي اسفرت عن استشهاد ثلاثة من شباب المخيم ورابع في حالة حرجة وعشرات من الجرحى والمصابين ودمار وخراب وحرائق في بيوت المخيم.
هل بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة لاسرائيلية وائتلافه الحاكم في اسرائيل من قادة المستوطنين والاحزاب الدينية المتطرفة يسعى متعمدا الى ارتكاب مجزرة دموية كبرى على غرار ما ارتكبه اسلافه من مجازر في دير ياسين واخواتها, لكي يخرج الحالة كلها عن ايقاعها المعهود؟
هذا السؤال محق تماما, وواقعي تماما, ويجب ان نضعه في اول الاحتمالات, لأن مسار السلوك الاسرائيلي بقيادة نتنياهو منذ بدأت المفاوضات لمتعثرة في نهاية شهر تموز الماضي يشير لهذا الاتجاه ويصب في هذا الاحتمال.
كما يعلم الجميع: فإن هذه الجولة الجيدة من المفاوضات التي بدات قبل قرابة ثمانية شهور برعاية اميركية كاملة, وبطلب والحاح وجهد مثابر من جون كيري ومتابعة مستمرة من الرئيس باراك اوباما, قد انطلقت على اساس مرجعيات واضحة اساسها الوصول الى حل نهائي بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية, وان تكون مدة هذه المفاوضات تسعة شهور فقط في نهايتها يكون الحل قد تبلور لكي يتم تنفيذه بانهاء الاحتلال والانسحاب الاسرائيلي من ارض الدولة الفلسطينية بخطوات واجراءات متفق عليها وان يتضمن الحل النهائي الالتزامات المتبادلة بين دولتين فلسطين واسرائيل على اساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة وخارطة الطريق ومبادرة السلام العربية.
وبدأت المفاوضات فعلا بعقل مفتوح من الجانب الفلسطيني وعقل مغلق من الجانب الاسرائيلي, ولكنها بدات ولم تنطلق, بسبب ان نتنياهو ذهب الى هذه المفاوضات كارها, وكأنه مسحوب من رموشه, ذهب اليها لافشالها, ذهب اليها وقد اعد مسبقا سلسلة من البدع التي لا سابقة لها مثل بدعة الاعتراف بالدولة اليهودية, وهو الطلب الذي لم يطلب من الامم المتحدة ولا من شركاء السلام الآخرين مثل مصر والاردن, بل ليس هناك اتفاق عليه حتى داخل المجتمع الاسرائيلي نفسه!
وليس ذلك فحسب: بل ان نتنياهو لم يترك نوعا من التازيم السياسي والاستفزاز السلوكي والتصعيد الامني والعسكري الا واستخدمه طوال تلك الشهور الثمانية.
كنا فلسطينيا نتابع ذلك بتفاصيل التفاصيل, وكنا نعمل بجهد خارق وتعاون خارق مع الراعي الاميركي لمساعدته على النجاح, نريده ان ينجح, لأننا نريد دولتنا ومصلحة شعبنا, وكنا حين نجد الراعي الاميركي عاجزا ومصدوما ومشلولا امام هذا التعنت الاسرائيلي, نقدم المبادرات الواعية والجدية والممكنة لتفتيت نقاط الاختناق والاستعصاء التي يخترعها نتنياهو.
فعلى مستوى الهواجس الامنية الاسرائيلية المبالغ فيها, قدم الرئيس ابو مازن مبادرة بأن تأتي قوات دولية من الناتو بقيادة اميركية لتسيطر على هذه الهواجس الامنية الاسرائيلية, وكانت هناك مبادرات في القضايا الرئيسية الاخرى وهكذا ظلت القيادة الفلسطينية تتعامل مع المفاوضات بعقل مفتوح بينما اسرائيل تتعامل بمنطق التأزيم السياسي والتصعيد الامني والعسكري والاقتحامات المستفزة مثلما حدث في بيرزيت ومخيم جنين وغيرها.
منذ مؤتمر مدريد الذي شاركت فيه القيادة الفلسطينية بشروط خارقة من الاجحاف, فإن الجانب الفلسطيني عمل باقصى جهد ممكن لانجاح المفاوضات ونجاح الرعاية الاميركية, ولكننا نصل دائما الى الاختبار الاخير حين يتطلب الامر قرارا اميركيا حاسما فتضعف الادارة الاميركية عن اتخاذ هذا القرار لاسباب يعرفها الجميع.
الآن, وصلت علاقتنا مع اسرائيل الى حد يستحيل احتمالها, نتنياهو يضغط ويحقن ويعقد ويستفز الى حد الانفجار, والى حد خروج الامور عن سياقها بشكل كامل, فما هو المطلوب, هذه هي الاولوية الاولى امام الكل الوطني الفلسطيني دون استثناء.