المقالات في الصحف المحلية
|
المقالات في الصحف المحلية
|
غطرسة ليبرمان!!
بقلم: حديث القدس – القدس
هل يمكن أن يُقدِم أوباما على قصف إيران؟
بقلم: ماثيو كرونيغ – القدس
العرب واستعادة دورهم التنويري!
بقلم: باسم الجسر – القدس
ألا يمكن حل معاناة أزمة حاجز قلنديا؟!
بقلم: الدكتورعقل أبو قرع – القدس
فلسطينيو الداخل... معاناة متواصلة
بقلم: نبيل السهلي – القدس
ذلك العصر الزاهي المثمر.. يا بغداد!!
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
مهزلة في ميدان عرفات ؟!
بقلم: حسن البطل – الايام
التسوية على نار هادئة
بقلم: طلال عوكل – الايام
جدل "الإعلام التقليدي" و"الإعلام الجديد"
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
أبو مازن والقفز الآمن
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
الحكومة التوافقية والانتخابات !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
ثقافة الانقسام لن تنجز "مصالحة"
بقلم: غسان زقطان – الايام
جريدة الحياة لم تصدر مقالات ليوم الاثنين 19-5-2014
غطرسة ليبرمان!!
بقلم: حديث القدس – القدس
التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان وهاجم فيها وزيرة العدل تسيبي ليفني بسبب ما تردد عن اجتماعها مع الرئيس محمود عباس في لندن الاسبوع الماضي لبحث أزمة المفاوضات المتوقفة وتأكيده أن هناك قرارا بوقف المفاوضات من المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر وأن ليفني لا تمثل بهذا الاجتماع سوى نفسها ثم تلفظه بأقوال ساخرة ضد الرئيس عباس وقوله ان ليفني ربما كانت تلعب لعبة «الداما» في لندن. هذه الأقوال تؤكد اولا ان حكومة نتنياهو المتطرفة التي يعتبر ليبرمان إحدى ركائزها الرئيسية لا تريد فعلا التفاوض ووجدت في المصالحة الفلسطينية ذريعة للتنصل من عملية السلام، ومن الجهة الأخرى فان هذا التدني وهذا الاسلوب في الحديث عن «الشريك الفلسطيني» انما يعكس تحريضا سافرا وتدنيا أخلاقيا من قبل من يفترض أنه أرفع مسؤول دبلوماسي في اسرائيل.
ان ما يجب ان يقال إزاء غطرسة ليبرمان هذه ان عليه أن يدرك ان الجانب الفلسطيني لا يستجدي التفاوض مع اسرائيل وأن هناك ثوابت واضحة في الموقف الفلسطيني أعلنت مرارا وتكرارا حتى قبل ان تتخذ حكومته قرارا بوقف المفاوضات، لا يمكن ان يحيد عنها الجانب الفلسطيني عند الحديث عن استئناف المفاوضات وفي مقدمتها وقف الاستيطان غير المشروع في الأراضي المحتلة وإطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى الذين رفضت اسرائيل الافراج عنهم في خرق فظ للاتفاق الذي بلوره وزير الخارجية الأميركية جون كيري قبل أكثر من تسعة شهور لاستئناف المفاوضات.
كما أن على ليبرمان ان يدرك ان الرئيس محمود عباس وغيره من المسؤولين الفلسطينيين لا يبحثون عن لقاءات عبثية ولا عن علاقات شخصية وان ما يحكم مثل هذه اللقاءات والاتصالات التي يجريها الجانب الفلسطيني مع مسؤولين اسرائيليين انما هو المصلحة الفلسطينية والسعي لإنهاء الاحتلال غير المشروع الذي يصر ليبرمان وغيره من أقطاب حكومة نتنياهو على استمراره.
واذا كان ليبرمان مصابا بعقدة العزلة الدولية التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي على نفسه وتفرضها الحكومة التي يشارك فيها على نفسها في الساحة الدولية بسبب ممارساتها ومواقفها التي أقل ما يقال فيها أنها انتهاك للشرعية الدولية ولحقوق الانسان، واذا كان يعتقد ان الجانب الفلسطيني يتوق الى أية لقاءات عبثية مع ممثلي هذا الاحتلال فهو يخطىء خطأ جسيما لأن كل أنصار الحق والعدل والحرية مع فلسطين وشعبها وقيادتها في مواجهة هذا الاحتلال البشع وهذا العدوان الاسرائيلي الصارخ على شعب بأكمله وعلى حقوقه الثانية والمشروعة.
وبالطبع فاننا لسنا بصدد الحديث عما قاله ليبرمان مهاجما تسيبي ليفني، فهذا شأن لا يهمنا من قريب او بعيد فكلاهما عضو في حكومة يمينية متشددة أوصلت عملية السلام الى طريق مسدود وتدفع بمواقفها وممارساتها المتطرفة نحو الانفجار. ولكننا نفرض بشكل قاطع ان يتلفظ شخص كليبرمان بمثل هذه السخرية وبهذا التحريض ضد الرئيس عباس وضد الشعب الفلسطيني.
وأخيرا يجب ان يدرك ليبرمان ان شعبنا سيواصل التمسك بحقوقه الثابتة والمشروعة بما في ذلك حقه في تقرير المصير وانتزاع حريته واستقلاله سواء شاء ليبرمان ام أبى فالحربة والاستقلال وحقوق شعبنا ليست رهينة لمنطق ليبرمان ومفاوضاته، وهو منطق الاحتلال والغطرسة الذي عفا عليه الزمن.
هل يمكن أن يُقدِم أوباما على قصف إيران؟
بقلم: ماثيو كرونيغ – القدس
أيهما الأسوأ: أن تحصل إيران على قنبلة نووية أم أن تتعرض إيران للقصف؟ لا بد من إعادة النظر بهذا السؤال تزامناً مع عودة الدبلوماسيين إلى فيينا هذا الأسبوع لمناقشة برنامج إيران النووي.
يأمل الجميع طبعاً أن تؤدي المفاوضات إلى اتفاق دبلوماسي دائم من شأنه أن يحلّ التحدي الإيراني النووي نهائياً. يعني انتخاب الرئيس الإيراني الجديد والبراغماتي، حسن روحاني، في شهر أغسطس الماضي والنجاح في إبرام ميثاق نووي "مؤقت" في شهر نوفمبر أن احتمالات التوصل إلى تسوية "شاملة" لم تكن يوماً أفضل مما هي عليه راهناً.
اعتبر الرئيس أوباما أن الملف النووي الإيراني هو "أحد أبرز التحديات الأمنية في هذا العصر"، وستكون أي صفقة دبلوماسية تمنع إيران سلمياً من تصنيع أسلحة نووية أفضل نتيجة ممكنة لهذه الأزمة.
لكن يجب أن نبقى واقعيين. اعتبر أوباما شخصياً أن احتمال التوصل إلى اتفاق شامل لا يتجاوز الخمسين في المئة. في المقابل، يظن مستشاره السابق في شؤون أسلحة الدمار الشامل، غاري سامور، أن الفرصة شبه معدومة. عبّر بعض المسؤولين عن تفاؤلهم في الأسابيع الأخيرة، لكن احتمال الفشل في عقد الاتفاق يبقى كبيراً.
لكن حتى الصفقة الشاملة لن تحلّ المشكلة. في حال إقرار التسوية النهائية بالشكل الذي يتصوره البعض راهناً، ستكون إيران على بُعد ستة أشهر فقط من اكتساب إمكانات نووية ثورية، ما قد يدفع قادة طهران إلى تمزيق ذلك الاتفاق (علناً أو سراً) في تاريخ لاحق.
في أفضل الأحوال، سيتطلب أي اتفاق نهائي أن يبقي المجتمع الدولي تركيزه على إيران إلى مالا نهاية لرصد أي احتيال والرد عليه بسرعة. وفي أسوأ الأحوال، قد تنكشف اللعبة سريعاً وستستأنف الساعة النووية الإيرانية عدّها التنازلي حينها.
بعبارة أخرى، لن تنجح أي مقاربة دبلوماسية على الأرجح، وإذا فشلت الدبلوماسية في وقف مسار إيران نحو تصنيع القنبلة، فيجب أن نستعد لما سيحصل في المرحلة اللاحقة.
لا يمكن أن يكون الموقف الأميركي بهذا الشأن أوضح مما هو عليه. في سلسلة من التصريحات، بدءاً من مارس 2012، أعلن الرئيس أوباما "عدم القدرة على احتواء" إيران المسلحة نووياً، وأكد على أنه مستعد للقيام "بكل ما يلزم"، بما في ذلك استعمال القوة العسكرية، لمنع طهران من تصنيع قنبلة.
لكن يجب ألا يسيء أحد فهم ما يحصل: يملك البنتاغون القدرة على تدمير برنامج إيران النووي. ويمكن أن تنجح أحدث قنبلة أميركية مضادة للتحصينات، أي "خارقة الذخائر الهائلة" التي تزن حوالي 14 ألف كيلوغرام، في القضاء على أقوى المنشآت النووية الإيرانية المدفونة تحت الأرض. ستؤدي الضربة الأميركية إلى تراجع برنامج إيران النووي عدداً من السنوات في الحد الأدنى، وقد تصبح إيران عاجزة عن اكتساب أي أسلحة نووية.
ثمة مخاطر جدية لتلك الضربة طبعاً، بما في ذلك الرد العسكري الإيراني، والارتفاع الحاد في أسعار النفط العالمية، وانتشار المشاعر المعادية للغرب. لكن غالباً ما تحتّم السياسة الخارجية الاختيار بين عدد من القرارات السيئة، لذا لا بد من مقارنة هذه المخاطر مع تلك الناجمة عن الرضوخ لإيران المسلحة نووياً.
سيؤدي حصول إيران على الأسلحة النووية إلى إطلاق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط. وستقوم طهران على الأرجح بتصدير معدات تصنيع القنابل الذرية يدوياً إلى بلدان أخرى في أنحاء العالم. ويمكن أن ينهار نظام حظر الانتشار النووي العالمي حين يتّضح أن المجتمع الدولي يفتقر إلى التصميم الكافي لوقف انتشار أخطر الأسلحة في العالم.
ستؤدي إيران المسلحة نووياً إلى زيادة المخاطر في الشرق الأوسط بطرق أخرى: ستكون القنبلة النووية كفيلة بتشجيع طهران على تعزيز دعمها للإرهابيين واستعمال "قوات القدس" لشن اعتداءات بالوكالة، كما أنها ستتمكن من التهديد باستعمال الأسلحة النووية ضد خصومها بناءً على دبلوماسية قسرية.
أخيراً وليس آخراً، قد يؤدي تسلّح إيران نووياً إلى صراع كارثي. قادة إيران ليسوا انتحاريين بطبيعتهم، لكن لا شك أن إيران النووية ستجد نفسها وسط سباق جيوسياسي محتدم مع الدول المنافِسة. وفي هذه المنطقة التي تشهد تقلبات متواصلة وتشمل عدداً من الدول المسلحة نووياً والمتورطة في أزمات نووية عالية المخاطر، يصبح احتمال حصول إخفاقات مريعة أمراً واقعياً جداً.
قد تعني الحرب النووية مع إيران نهاية إسرائيل. وما إن تحصل إيران على صواريخ بالستية عابرة للقارات (وهو أمر قد يحدث في السنة المقبلة وفق تقديرات وزارة الدفاع الأميركية)، قد يقع اعتداء نووي على لندن أو العاصمة واشنطن.
من هنا نفهم حجم الآمال المعلّقة على أي نتيجة دبلوماسية ناجحة. لكنّ الأمل لا يضمن النجاح، وهذا ما يعيدنا إلى سؤالنا الأصلي.
بصفتي مستشاراً خاصاً في السياسة الإيرانية في المكتب الأميركي لوزارة الدفاع بين عامي 2010 و2011، كنت أقارن بطريقة منهجية بين هذه الخيارات (ردع واحتواء إيران المسلحة نووياً أو شن ضربة عسكرية محدودة على منشآت إيران النووية الأساسية). خلال اجتماع في أبريل 2011، قدمتُ تحليلي أمام كبار المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين في قاعة آمنة في البنتاغون.
يحب المسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية مشاهدة شرائح برنامج "باوربوينت"، وكانت الشريحة الأخيرة في عرضي عبارة عن رسم بياني ملوّن يُظهِر طريقة تأثير النتيجتين المحتملتين على مجموعة من أبرز مصالح الأمن القومي الأميركي. تمثّلت الأهداف الوطنية التي تحسنت وفق سيناريو معين باللون الأخضر أو الأصفر، وكانت التهديدات المتزايدة على الأمن القومي متمثلة بظلال متنوعة من اللون البرتقالي والأحمر، بحسب حدة المخاطر.
برز نمطان أساسيان. أولاً، تراجعت المساحات الخضراء وكثرت المساحات البرتقالية والحمراء. هذه الأخيرة لا تعكس خيارات جيدة. ثانياً، كان الجانب الذي يمثل "إيران المسلحة نووياً" على الرسم البياني داكناً أكثر من المساحة المخصصة "للضربة العسكرية"، ما يعني أن مخاطر الضربة تبقى باهتة مقارنةً بالتهديدات التي تطرحها إيران المسلحة نووياً. في نهاية الاجتماع، نظر إلي أهم مسؤول موجود في القاعة وقال لي: "إذا تبين أنك محقّ، فسيكون القرار سهلاً جداً!".
قام الرئيس أوباما بحسابات مشابهة. هو والرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن لا يتفقان في أغلب الأحيان، لكنهما يُجمعان على أن تسلّح إيران نووياً أمر "غير مقبول".
مع ذلك، يشكك البعض في مدى استعداد الرئيس أوباما لاستعمال القوة. فهو فشل في تفعيل خطوطه الحمراء حين استعمل الرئيس السوري بشار الأسد الغاز ضد شعبه، وهو الآن يقف متفرجاً، بينما يقوم فلاديمير بوتين بإعادة ترسيم خارطة أوروبا.
لكن أقرب المستشارين للرئيس يصر على أن إيران تختلف عن غيرها. يبدو أوباما مصمماً على جعل التخفيضات النووية العالمية جزءاً محورياً من إرثه في مجال السياسة الخارجية، وهو يفهم أن سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط يتعارض بشدة مع تلك الرؤية. في هذا السياق قال دينيس روس، مستشار أوباما السابق في الشؤون الإيرانية في البيت الأبيض: "إذا لم تنجح الدبلوماسية، فيجب أن نكون مستعدين لاستعمال القوة، وأظن أننا سنكون مستعدين".
كذلك، أعلن سامور: "إذا عمد الإيرانيون إلى تعزيز مستوى التخصيب، أظن أن الرئيس أوباما يجب أن يتحرك. هذا الوضع يبرر الحرب. إنها حركة جريئة وأظن أنها ستدفعنا إلى استعمال القوة".
قد تساهم مواقفنا الواضحة بشأن إصرارنا على القيام بكل ما يلزم في إقرار تسوية دبلوماسية. إذا كان القائد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، يظن فعلاً أن الخيار البديل هو خوض الحرب مع "الشيطان الأكبر"، فقد يفضل عقد اتفاق مع ذلك "الشيطان".
لكن في الأوقات الحاسمة، قد يتراجع أي زعيم عن مواقفه أو يمكن أن يرضخ للمقاومة الشعبية محلياً وخارجياً. لكن إذا كان المجتمع الدولي مقتنعاً فعلاً بضرورة تجنب اندلاع حرب نووية ومنع دول إضافية من الحصول على أخطر أسلحة في العالم، فيجب أن نكون مستعدين، مبدئياً، لاستعمال القوة لتحقيق تلك الغاية.
إذا تابع برنامج إيران النووي تقدّمه، فقد يحين الوقت لشن الاعتداء. لكن حتى ذلك الحين، يجب أن تكون أفكارنا وصلواتنا مع الدبلوماسيين في فيينا.
العرب واستعادة دورهم التنويري!
بقلم: باسم الجسر – القدس
تفكك أوكرانيا واختطاف حركة بوكو - حرام للتلميذات في نيجيريا، حدثان احتلا صدارة الأخبار في الصحافة ووسائل الإعلام، خلال الأيام الأخيرة. ففي أوكرانيا فصل جديد من الحرب الباردة بين الغرب الأميركي الأوروبي، والشرق الروسي. أما في عملية اختطاف الفتيات في نيجيريا وانتفاض الرأي العام العالمي على الخاطفين فإنها صفحة سوداء - حمراء جديدة تضاف إلى سجل ما يسمى اليوم بالحرب على الإرهاب، أو بالأحرى الصراع بين التطرف الرجعي الإسلاموي، والحداثة الليبرالية الديمقراطية.
ما يحدث في أوكرانيا، رغم خطورته، لن يتطور إلى حرب ساخنة بين أوكرانيا وروسيا وتدخل عسكري أوروبي - أميركي يحسمها أو يفاقمها. ولكنه يشكل امتحانا جديدا للعلاقات بين المحور الأوروبي - الأميركي والمحور الروسي - الصيني، التي نشأت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والتي لم تخلُ من الضبابية وغموض النوايا والأهداف وبعض الاصطدامات من حين لآخر. وإذا كان الرئيس الروسي بوتين فتح صفحة صدام مع الغرب الأوروبي - الأميركي، فقد يكون عذره أن هذا المحور الغربي لم يكف منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عن مد ذراعه إلى شرق أوروبا والاقتراب دفاعيا واقتصاديا من الدول والشعوب التي تقع جنوب شرقي روسيا والتي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي حتى الأمس القريب، وهو ما تعتبره روسيا تهديدا مباشرا لها.
ومن الواضح أن بوتين لن يكف عن اتباع سياسة التصدي للغرب الأميركي - الأوروبي قبل أن يصل إلى «يالطا» جديدة أو على الأقل إلى توقف الغربيين عن قضم أطراف روسيا والاقتراب بنفوذهم الاقتصادي وحضورهم العسكري من حدود بلاده. إلا أنه لن يذهب إلى حد الاصطدام العسكري بالغرب، وكذلك الغربيون غير مستعدين لإشعال حرب غربية - روسية لإنقاذ أوكرانيا من التقسيم والتفكك.
أما بالنسبة لحادثة اختطاف الفتيات في نيجيريا من قبل «بوكو حرام»، والتي تحولت إلى حدث دولي الأصداء، فرغم ضآلة حجمها مقارنة بالحدث الأوكراني، فإنها تشكل عنوانا جديدا في سجل العلاقات بين العالم العربي والإسلامي، والغرب بل والعالم بأسره. كما تشكل صفحة جديدة في الصراع الديني والفكري والسياسي الدائر حاليا في قلب العالمين العربي والإسلامي، بين التيار الإسلاموي السياسي الرجعي، والتيار الليبرالي الديمقراطي الحداثي. وهو صراع خرج عن الجدل الفكري وتحول إلى مأساة دموية في سوريا ومصر واليمن والعراق وليبيا.
قد لا يكون النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي هو النظام الأمثل أو الأفضل لحكم الشعوب العربية والإسلامية، أو النظام الذي لا تتوفر في الجماهير والقبائل العربية والإسلامية شروط حسن تطبيقه أو تسييره. كما أن الحكم السلطوي، عسكريا كان أو حزبيا أحاديا - كما اختبرنا في الخمسين سنة الأخيرة - مرشح للجنوح إلى الديكتاتورية وبالتالي إلى حرمان المواطنين من حريتهم وكرامتهم. ولكن أيا كانت سيئات أو انحرافات هذا النظام أو ذاك، فإن ما يبشر به حكم كحكم طالبان أو ممارسات بوكو حرام والجماعات التكفيرية المماثلة، كـ«القاعدة» و«داعش» وغيرهما، من شأنه أن يقود العالمين العربي والإسلامي في حال وصولها إلى الحكم، إلى صدام دائم ومتصاعد مع الغرب بل ومع العالم بأسره. وربما إلى حرب نووية. لا نرى كيف يمكن لبوكو حرام وطالبان و«داعش»، برشاشاتهم وخناجرهم، الانتصار فيها على دول تمتلك آلاف القنابل النووية القادرة على تدمير أي مدينة في العالم بكبسة زر؟
لقد نجح العرب والمسلمون، ذات يوم، في أن يتقدموا إلى طليعة الأمم والشعوب حضارة وعلما وقوة. ورغم تراجعهم أمام نهضة الغرب وتحكم الاستعمار بمصيرهم، فإنهم حافظوا على دينهم وهويتهم ولغتهم. ورغم نكبة فلسطين فما من دولة عربية أو إسلامية إلا وقد حققت تقدما مذهلا في كل الحقول والمجالات (يكفي زيارة الرياض ودبي وكل الدول الخليجية بل وأي عاصمة عربية، للتأكد من هذه الوثبة الكبيرة التي تحققت).
وهل كان الإسلام حيا ومنتشرا ومعززا يوما كما هو اليوم من إندونيسيا إلى المغرب؟ وهل مئات الملايين الذين يؤدون الصلاة في عشرات الألوف من المساجد التي بنيت في الخمسين سنة الأخيرة، إلا دليل ساطع على أن الإسلام ليس في خطر بل هو الدين الأكثر حضورا في حياة الشعوب المحسوبة عليه؟ فلماذا يغمض الإسلامويون المتطرفون أعينهم عن كل هذه المنجزات الدينية والإنسانية وينطلقون في مناوأة الأنظمة ويعلنون الحرب على الغرب والعالم كله؟ وهل الخلاص والحل هو في تحجيب فتيات صغيرات ومنعهن عن الدراسة وحبسهن في منازلهن؟ (ملاحظة: وفقا لوسائل الإعلام الغربية عبارة «بوكو» هي تحريف لكلمة «بوك» الإنجليزية أي «كتاب». و«بوك - حرام» تعني «تحريم قراءة الكتب الأجنبية». ومنها الكتب العلمية التي أوصلت الحضارة الإنسانية إلى ما وصلت إليه اليوم...).
إن الحرب الباردة في أوكرانيا لن تتحول إلى حرب نووية. والغرب، رغم تقلص أو تقليص دوره المهيمن، لن يتوقف عن البحث والاكتشاف وقيادة العالم نحو آفاق أفضل للإنسان بيئة وصحة وحرية ورفاها. وتسير في الاتجاه ذاته دول كبرى أخرى آسيوية وأميركية - جنوبية. ولا يستطيع العرب والمسلمون (بالإذن من بوكو حرم و«داعش» و«القاعدة») الوقوف بوجه هذا التحول الكبير في العالم الذي أحدثته التكنولوجيا ولا التهرب من المشاركة والتضامن مع العالم في إنقاذ البيئة وحل مشكلة المياه وحفظ السلام ومقاومة الأوبئة وغيرها من الأخطار التي تهدد الإنسان والإنسانية.
إن العرب والمسلمين مدعوون لاستعادة مقعدهم إلى جانب الشعوب والدول المتقدمة وللتعاون معها على حل مشاكلهم الوطنية والمشاكل العالمية.. وليس إلى ما ترفع شعاراته جماعات كطالبان وبوكو حرام وداعش وغيرها من الجماعات التي أساءت إلى الإسلام والمسلمين بشعاراتها التكفيرية وتصرفاتها الإرهابية.
ألا يمكن حل معاناة أزمة حاجز قلنديا؟!
بقلم: الدكتورعقل أبو قرع – القدس
قبل فترة، تعهدت وزارة النقل والمواصلات الفلسطينية، بتكثيف العمل من اجل أيجاد حل ما لازمة معبر قلنديا، تلك الازمة التي باتت لا تخفى على احد، وتنغص على كل واحد يمر من المعبر او من حوله، وتلك الاوضاع التي اصبحت المطلب الاهم لكل من يسافر او يستخدم المعبر، مرة او مرات في اليوم او في الاسبوع.
وحسب الانباء في وسائل الاعلام فإن الحديث لا يدور عن حلول بعيدة المدى او حلول جذرية لمعضلة معبر قلنديا، اي ليست حلولا تتطلب انشاء جسور او انفاق اومعابر،على الاقل ليس في الوقت الحاضر، وانما يدور الحديث عن حزمة من الاجراءات العادية او البسيطة والتي من الممكن تطبيقها ، وبالتالي التخفيف من الازمة او على الاقل التقليل من الوقت الذي يتم قضاؤه قبل الوصول الى المعبر وخلال اجتيازة.
ومن هذه الاجراءات التعاون بين الجهات المختلفة التي تمارس دورا ما من التنظيم او المراقبة، من اجل ترتيب نوعا ما من الحركة، وبث الوعي اللازم عند السائق والراكب والماشي، والاهم هو اتخاذ الاجراءات او تطبيق القوانين فيما يتعلق بالمركبات التي تخالف، اي تلك التي تتجاوز باستمرار عن عمد وعن غير عمد وتسبب الازمة، او تلك التي تقف على جانب الطرقات وبالتالي تسبب ضيق المكان ومن ثم قلة الحركة والازدحام والازمة، والاهم هو تطبيق الاجراءات بحق ما يعرف بتصرفات " الفلهوة" او الشطارة او "الزعرنة" او الفوضى، والتي يقوم بها البعض في احيان يكون واضحا انها بقصد وفي احيان بدون قصد، وتطبيق الاجراءات وبشكل عملي هو النقطة المحورية، لان هذه المنطقة لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية، وبالتالي لا تتواجد فيها الشرطة او الاجهزة الاخرى، بينما يتواجد فيها الكثير من المركبات المخالفة والمشطوبة وفي الغالب ذات النمرة الصفراء وكذلك النمرة غير الصفراء؟
ولا شك ان عددا كبيرا منا قد خاض وبشكل ما، تجربة معاناة الدخول اوالخروج من خلال او من حول حاجز قلنديا، وبعد انتهاء التجربة يكون الامل بان لا يتم تكرار التجربة مرة اخرى، ولكن ورغم ذلك وبسبب الظروف والتعقيدات والامور الملحة، يتم تكرار التجربة مرة ومرتين وهكذا، وبالتالي المزيد من المعاناة وارهاق الاعصاب والتوتر واضاعة الوقت والجهد، ومن ثم يصبح الامر مع الوقت وفي ظل الاحباط وكأنة نوعا من الروتين او القبول بالامر الواقع، وهذا الممر او المعبر او الحاجز او منطقة ما قبل الحاجز، لا غنى عنه لكل شخص يريد ان يتوجه من وسط الضفة الغربية إلى الجنوب والى الشرق، ومعروف كذلك انة الطريق الرئيسي بين مدينة رام الله والقدس، وكذلك هذا المعبر هو الواجهة التي تطالع الزائر حالما يدخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية .
وبالاضافة الى المعاناة وفقدان الاعصاب، فأن التكاليف الناتجة من ازمة معبر قلنديا وما حولة تتمثل في عدة مجالات، منها التكاليف الاقتصادية والتي تشمل هدر للوقت واستهلاك المحروقات السيارات والتلوث البيئي الناتج عن ذلك على شكل دخان السيارات ورمي النفايات، وآثاره الصحية قصيرة وبعيدة المدى، ومنها التكاليف النفسية والاجتماعية، من حيث المكوث مدة تبلغ أحياناً ثلاث ساعات أو أكثر في الازدحام المرير بعد ساعات من العمل الذي قد يكون شاقا، ومن ضمن الاثار غير المباشرة امكانية اضعاف العلاقة بين مدينة القدس وضواحيها من جهة ومع باقي مناطق الضفة الغربية من جهة اخرى، حيث ان الأزمة تعني عملياً الصعوبة البالغة لأن يستمر الفلسطينيون بالاقامة في القدس والعمل في الضفة والعكس بالعكس.
وبمعنى اخر أن الأزمة المستديمة في قلنديا تساهم بشكل غير مباشر في تفريغ القدس من سكانها من الفلسطينيين.
وفي ظل استمرار النداءات والمناشدات من اجل عمل شيء ما لازمة المعبر، دعنا نأمل ان هذه الاجراءات المتوقع القيام بها من اجل الحد من الازمة سوف تثمر او سوف تحقق مردودا، هذا رغم القيود والواقع المرير، لان العمل من اجل تخفيف المعانا للناس الذين يجتازون المعبر او يدورون من حوله قد اصبح وبدون مبالغة مطلبا شعبيا يجب ايلاءه الاولوية المطلوبة.
واذا كانت هذه الاجراءات المنوي اتخاذها هي عملية وبسيطة ولا تحتاج الى الاستثمار والجهد الكبير، فدعنا ننتظر ونرى، والاهم ننتظر مدى تطبيق الاجراءات التي تهدف الى الحد من تصرفات الفلهوة والزعرنة والبلطجية المقصودة، ان جاز التعبير!
فلسطينيو الداخل... معاناة متواصلة
بقلم: نبيل السهلي – القدس
بعد مرور 66 عاماً على إنشاء إسرائيل (1948-2014)، باتت الأقلية العربية داخل الخط الأخضر في مواجهة تحديات هامة، في مقدمها دعوة بعض الإسرائيليين -وعلى رأسهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان- إلى ترحيل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر إلى الضفة الغربية أو إلى خارج حدود فلسطين التاريخية واحتلال أرضهم، كما دعا رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى ترحيل الأقلية العربية من إسرائيل، وسجل ذلك عبر توصيات عديدة في مؤتمرات إسرائيلية، ومنها مؤتمرات هرتزليا التي عقدت بشكل دوري منذ عام 2000.
وبالعودة إلى أدبيات الحركة الصهيونية، نرى أن نجاح مشروعها في إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين واستمرارها كانا يكمنان في القدرة على تهجير السكان الفلسطينيين من ديارهم وإحلال المستوطنين اليهود من بقاع الأرض كافة عوضاً عنهم، واستطاعت الحركة الصهيونية -بعد 49 عاماً من انعقاد مؤتمرها في مدينة بازل السويسرية- إنشاء الدولة (في 15 أيار 1948)، على نحو 78% من مساحة فلسطين البالغة 27009 كيلومتر مربع، وتم تهجير نحو 850 ألفاً من الفلسطينيين خارج أرضهم كانوا يمثلون 61% من مجموع السكان الفلسطينيين في عام 1948.
ومنذ العام المذكور، اعتبر أصحاب القرار في إسرائيل مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطراً وجودياً عليهم، فانتهجوا حيالها إستراتيجية استهدفت الاستمرار في التمييز لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين.
بعد ذلك اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية بمحيطها العربي، وحاولت في الوقت ذاته استيعابها ودمجها ولكن على هامش المجتمع الإسرائيلي. وعملت السلطات الإسرائيلية جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.
مر العرب داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2014، وتميزت الفترة الأولى (1948-1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي، باستصدار إسرائيل 34 قانوناً لمصادرة الأراضي العربية، سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو لأصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقطن جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة قرب قريتهم التي هجروا منها عام 1948، ويُمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 260 ألف عربي فلسطيني. وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في آذار 1976، حيث تمت مصادرة إسرائيل نحو 21 ألف دونم من قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك قامت الأقلية العربية بانتفاضة يوم الأرض في 30 آذار 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض وضد مصادرتها.
استمرت اسرائيل في مصادرة الأراضي العربية تحت حجج وضرورات الأمن، ولهذا فإن الفلسطينيين، على رغم ارتفاع عددهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون و600 ألف في عام 2014، يمثلون نحو 20% من سكان إسرائيل، لكنهم لا يملكون سوى 3% من الأراضي التي أقيمت عليها الدولة الإسرائيلية عام 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية. إضافة إلى ذلك، يعاني العرب داخل الخط الأخضر من تمييز إسرائيلي واضح في مجال العمل والتعليم والصحة، الأمر الذي انعكس على المؤشرات ذات الصلة، فبينما بلغت معدلات البطالة بين اليهود ما بين 8 و9% خلال الأعوام الأخيرة، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى نحو 19%. وبسبب ضعف الخيارات، فإن 44% من الأطفال العرب يرتادون رياض الأطفال، في مقابل 95% من الأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات.
وفي محاولة منها لتهويد الأراضي العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل والنقب، بغية كسر التركز العربي في المنطقتين، وذلك عبر مسميات مشاريع تطويرية، مثل ما يسمى «مشروع نجمة داود» لعام 2020، حيث تهدف تلك المشاريع وغيرها إلى إخلال التوازن السكاني لصالح اليهود، وبشكل خاص في المنطقة الشمالية التي تضم مدن الجليل، مثل مدينة الناصرة.
وفي الذكرى السادسة والستين لإنشاء إسرائيل، يبقى الوجود العربي المادي الكثيف وتعزيزه داخل المناطق المحتلة عام 1948، وتحسين الظروف المختلفة، هو الأهم في المدى البعيد، وذلك بغية تفويت الفرصة لتحقيق أي أهداف إسرائيلية، وخصوصاً القوانين التي تعتبر مقدمات لاحتلال مزيد من الأرض العربية وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم، وقد دعا لتنفيذ تلك التوجهات الإسرائيلية أكثر من مسؤول إسرائيلي، وفي مقدمهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في أكثر من مناسبة.
ذلك العصر الزاهي المثمر.. يا بغداد!!
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
تعانق التاريخ والاسطورة ليجعلا ازهى عصور بغداد متزاوجة مع خلافة هارون الرشيد (786 - 809) م. ومع ان بغداد التي تأسست عام 762 لم يتجاوز عمرها نصف قرن نمت خلاله من العدم حتى اصبحت مركزا عالميا مذهلا بثرائه وازدهاره، وظلت فخامة بغداد تتألق مع عظمة الامبراطورية التي هي عاصمتها، واصبحت بغداد المدينة التي لا تضاهيها مدينة اخرى في العالم المعروف.
كان القصر الملكي بملحقاته الخاصة بالحريم والخصيان وغيرهم من العاملين يشغل ثلث المدينة، وكان ابهى ما فيه قاعة الاستقبال بسجادها وستائرها من ابدع ما انتجته صناعة الشرق، وكانت «زبيدة» زوجة هارون الرشيد وابنة عمه لا تقبل على مائدتها الاواني غير الذهبية والفضية، المرصعة بالجواهر، وخلال ادائها لفريضة الحج انفقت ثلاثة ملايين دينار لمد قناة لتزويد اهل مكة بالماء من نبع يبعد عنها خمسة وعشرين ميلا.
وكانت «علية» اخت الرشيد تنافس زوجته في الاناقة، حيث ابتكرت منديلا جعلت منه عصابة مرصعة بالجواهر لستر تشوه في جبينها. وسرعان ما اصبحت عصابة «علية» حلية شاع استعمالها لدى الطبقات الراقية في العالم.
وفي المناسبات الاحتفالية، كتنصيب الخليفة، او الزواج، او استقبال المبعوثين الاجانب يتم عرض المقتنيات الفاخرة في القصر، وقد كان حفل زواج الخليفة المأمون من «بوران» ذات الثمانية عشر ربيعا، وابنة وزيرة الحسن بن سهل، بنفقاته الخرافية من الاحداث الاستثنائية التي لا تنسى (852).
كان سخاء هارون الرشيد وجوده المثل الرائع للملكية الاسلامية التي جذبت الى العاصمة بغداد، الشعراء، والظرفاء، والموسيقيين، والمغنين، والراقصين ومدربي حروب الكلاب وصراع الديكة، وغيرهم ممن يجلبون التسلية ويبعثون على السرور.
كان ابراهيم الموصلي، وسياط المكي، وابن جامع في مقدمة الموسيقيين والمغنين. وكان الشاعر ابو نواس، المرافق المرح للرشيد في مغامراته الليلية، وصف لنا صوراً جميلة من حياة القصور في تلك المرحلة.
بعد سنوات عديدة من الحرب الاهلية في الصراع على الحكم بين المأمون واخيه الامين، وعمه ابراهيم المهدي، دخل المأمون بغداد منتصراً عام 819. ولكن اقساماً واسعة من المدينة كان قد اصابها الخراب والدمار. جعل المأمون مقامه كخليفة في القصر الجعفري الذي بناه جعفر البرمكي. ولكن سرعان ما استعادت بغداد مكانتها كمركز تجاري وعلمي على مستوى كبير من الاهمية، وعادت لتصبح من جديد وريثة لسلسلة من المدن العريقة التي ازدهرت في بلاد ما بين النهرين، بدءاً بأور «UR»، وبابل، وانتهاء بطيسفون.
ان موقع بغداد الملاحي جعل منها مركزاً لملتقى الطرق المائية من جميع انحاء العالم. وكان يعرض في اسواق بغداد الخزف والحرير والبخور من الصين. والتوابل والمعادن والاصباغ من الهند والملايو، والياقوت واللازورد والانسجة والرقيق من البشر من بلاد الترك في اواسط آسيا، والعسل والشمع والفراء والرقيق الابيض من روسيا واسكندنافيا. والعاج والذهب والرقيق الاسود من شرق افريقيا. وكانت اقاليم الامبراطورية بدورها ترسل بضائعها بالقوافل او القوارب، التي تنقل الارز والذرة والكتان من مصر، والزجاج والادوات المعدنية والفاكهة من سوريا. والقماش المقصب واللؤلؤ والاسلحة من بلاد العرب. والعطور والخضراوات من ايران. وقد عثر على خزائن للنقود العربية في شمال روسيا وفنلندا والسويد وألمانيا تشهد على اتساع النشاط التجار العربي على مستوى العالم.
ان انتصارات المهدي والرشيد العسكرية على البيزنطيين «الروم» في هذه المرحلة عكست رونقها على المستوى الفاخر للحياة، مما جعل هذه المرحلة محببة في التاريخ والادب. فقد شهدت حوليات العالم على زخم النهضة العقلية والعلمية الاسلامية التي لم يسبق ان شهد العالم مثيلاً لها. وكانت هذه النهضة ترجع الى حد كبير الى التأثير الاجنبي من الهند وايران وسوريا بقدر جزئي، ولكن الى الاغريق على مستوى اعم. وقد تحددت هذه التأثيرات بالترجمة من اللغات الفارسية والسنسكريتية، والسريانية والاغريقية الى العربية. فكان العربي المسلم الذي جاء من الصحراء متعطشا للعلم والاطلاع مثل تعطشه للماء، سرعان ما ورث وانتفع بثقافة الشعوب التي احتلها او تصارع معها.
في خلال ثلاثة ارباع القرن من انشاء بغداد اصبح عالم القارئين باللغة العربية يمتلك اعمال ارسطو طاليس المهمة، وكذلك الاعمال العلمية الفارسية والهندية. والامر المذهل ان الدارسين العرب استوعبوا في عقود قليلة من الزمن، واحتاج الاغريق الى قرون طويلة لتحصيله، ويجب علينا ان نقدم شهادتنا على ان هذه الثقافة قد عادت الى اوروبا عن طريق العرب في اسبانيا وصقلية ومهدت لقيام عصر النهضة في اوروبا.
وقد مثلت الهند مصدرا للمعرفة في مجال الحكمة والرياضيات. ومع ان العرب اهتموا بالكواكب والنجوم منذ ايام الصحراء لتحديد الاتجاهات والطرق، الا ان اهتمامهم بالفلك في العصر الاسلامي ارتبط بتحديد موقع الكعبة للمصلين المسلمين في اقاصي الارض، وطرق الحج والسفر.
كان كتاب «كليلة ودمنة» الذي وصل الى فارس من الهند مع لعبة الشطرنج خلال حكم كسرى انو شروان(531-578) يشكل ثروة ثقافية علمية. وان ما يعطي اهمية استثنائية للكتاب هو فقدان النسخة الفارسية الاصلية، مما جعل النسخة العربية مصدر الترجمة الى نحو اربعين لغة، منها التركية والاثيوبية، والملاوية، والايسلندية الى جانب اللغات الاوروبية. وكان هدف الكتاب هو ارشاد الحكام لممارسة السيادة بخرافات على لسان الحيوان. وكان ابن المقفع زرادشتيا اعتنق الاسلام. وقد قتل حرقا بأمر من الخليفة المنصور لاسباب لم يتضح ان كانت سياسية او دينية ام الاثنتين معا (757).
اصيب الخليفة المنصور عام (765) بمرض مؤلم في معدته حار في امره الاطباء. فاستدعى لعلاجه الطبيب ابن نختيشوع عميد مستشفى الاكاديمية الطبية في جنري - شابور ذات السمعة العالية، وقد اكتسب ابن بختيشوع ثقة الخليفة، اصبح طبيب الاسرة الحاكمة، ولكنه ظل على عقيدته النصرانية، ولما دعاه الخليفة الى اعتناق الاسلام اجاب بختيشوع بأنه يفضل مرافقة آبائه ان كانوا في الجنة او في الجحيم.
عندما احتل العرب الهلال الخصيب وقع بين ايديهم الميراث العلمي الاغريقي، واصبحت الثقافة الاغريقية هي الاكثر تأثيرا في حياة العرب، وان الكتدرائيات الكثيرة المنتشرة في سوريا والعراق لم تكن مختصة فقط بالشؤون الكنسية، بل بالدراسات العلمية والفلسفية.
انشأ الخليفة المأمون "بيت الحكمة" المشهور في بغداد عام 830، وكان هذا البيت مجمعا يضم كلية ومكتبا للترجمة ومكتبة. هذا البيت الذي اقترنت به الحكمة اثبت في مجالات كثيرة انه اهم مؤسسة تعليمية منذ تأسيس متحف الاسكندرية في النصف الاول من القرن الثالث قبل الميلاد.
واستمرت فترة الترجمة العباسية مدة قرن من الزمان اعتبارا من 750، وكان معظم المترجمين من المتحدثين بالارامية الذين ينقلون الاعمال الاغريقية اولا الى الارامية قبل ترجمتها الى العربية.
لم يعتن العرب بترجمة الدراما والشعر والتاريخ من الاغريقية، حيث ساد التأثير الفارسي في هذا الحقل، وان الفلسفة الاغريقية كما اسسها افلاطون وارسطو، وفسرها الافلاطونيون الجدد شكلت نقطة البداية لرحلة الاكتشافات الفكرية.
كان حنين بن اسحق شيخ المترجمين (809-873) واحدا من اعظم وانبل علماء عصره، وكان مسيحيا نسطوريا من الحيرة، ولكنه وصل قمة عظمته ليس كمترجم فقط، بل عندما عينه الخليفة المتوكل طبيبه الخاص. وقد سجنه المتوكل مدة عام لانه رفض اعداد سم ليستخدمه الخليفة للقضاء على احد اعدائه. وقال كل من ابن العبري والقفطي في حنين بن اسحق بانه كان ينبوعا من العلم ومنجما للفضيلة.
قبل ان يصل عصر الترجمة الى نهايته كانت اعمال ارسطو طاليس في متناول القارىء العربي. وقد شهد كل من ابن ابي اصيبعة، وبعده القفطي، بأن مائة من الاعمال منسوبة الى الفلاسفة الاغريق . وقد حدث هذا عندما كانت اوروبا على جهل تام بالفلسفة والعلم الاغريقيين. وعندما كان هارون الرشيد والمأمون يتبحران في فلسفة الفرس والاغريق، كان معاصرهما في الغرب شارلمان الكبير ملك الفرنجة وامبراطور الغرب (800) منهمكا في محاولة تعلم كتابة اسمه، حيث كان يضع القرطاس والقلم تحت وسادته عندما ينام.
ان هذا العصر الطويل والمثمر في عالم الترجمة الذي بدأه العباسيون الاوائل ، قد لحق به عصر من المساهمة الاصيلة. فمع القرن العاشر اصبحت اللغة العربية التي اقتصرت قبل الاسلام على الشعر، واصبحت بعد الاسلام لغة الوحي والعقيدة، تطورت بطريقة رائعة وغير مسبوقة لتصبح اداة طيعة للتعبير عن المعلومات العلمية، وعرض الآراء السياسية على اعلى مستوى. وجعلت من نفسها لغة الدبلوماسية والسياسة من اسيا الوسطى مرورا بشمال افريقيا حتى اسبانيا. ومنذ ذلك الحين عبرت شعوب العراق وسوريا وفلسطين ومصر، وتونس والجزائر والمغرب عن ارقى افكارهم باللسان العربي.
مهزلة في ميدان عرفات ؟!
بقلم: حسن البطل – الايام
"حسن البطل فضحنا.. لكن أفادنا". بهذا المعنى نقل إليّ صديق مشترك تعقيب ناصر القدوة على إثارتي فضيحة الكسوة الحجرية الرديئة لضريح القائد ـ المؤسس: ياسر عرفات.
بالفعل، تمّ إكساء الضريح بحجر ذي مواصفات فيزيائية تقاوم الحتّ الميكانيكي، أو التآكل الكيميائي، بفعل المطر، لحجر مغشوش امتلأ بالتخاريب.
ما أثار عجبي واستهجاني، وقت إثارة الموضوع، هو أن بلادنا ذات مقالع حجرية بمواصفات عالمية، وتصدر من مقالع ومناشير الحجر الفلسطيني إلى دول الخليج والولايات المتحدة، وما بينهما إلى الأردن وإسرائيل.
ربما رخام منطقة كرّار الإيطالية له جودة عالمية مطلوبة، حتى في فلسطين، لكن هذا للمطابخ الفاخرة مثلاً في بلادنا، أو لصنع تماثيل.
هل "فضحتُ" بلدية رام الله "على السكت" عندما أثرت، مرتين، رداءة الكسوة الحجرية لـ "ميدان ياسر عرفات" ثاني أشهر ميادين رام الله، بعد دوار المنارة.
كنتُ سأثير الفضيحة الثانية لاسم ياسر عرفات، لولا أن زميلاً أخبرني عن قراءته لعطاء من بلدية رام الله لكسوة جديدة ثانية لحجارة الميدان.
ما بين الكسوة الرديئة، ومشروع كسوة أقوى وأحسن، خضع الميدان لأعمال "ترقيع" بحجارة من نوع الكسوة، ثم بأخرى من نوع ولون آخر.. حتى أضحى مثل موضة سراويل الجينز القديمة، مرقعاً وممزقاً، أو مثل فم العجوز ذي الأسنان الدرداء.. وباختصار: مليئاً بالمطبات أو "الهامب".
الهندسة الجديدة لما كان (ولا يزال) يسمى "دوّار الساعة" لم ترقني، فقد محقت اخضراراً كانت تمنحه شجرات زيتون معمّرة معادة الغرس، ولم يشفع لهذا المحق غرس أشتال أشجار حرجية للزينة على الرصيف (لا توفر بعضها تعديات عابثة للكسر ثم الغرس من جديد ثم الكسر)، كما لم تعجبني سارية عالية لعلم فلسطيني، يتسلق عليها فتى، كأنه محكوم بالإعدام على خازوق تركي؟!
فضيحة الميدان (والناس تبقى تسمّيه دوّار السّاعة) أن رصفه كان بحجارة سوداء صناعية ـ على ما يبدو ـ برهن مرور عام أو أقل أنها لا تقاوم الانفراط والتفتت الفيزيائي بفعل حركة السير، ولا الانفراط الكيميائي بفعل زخات المطر.
هكذا صارت الساحة ـ الميدان كأنها فم عجوز أدرد الأسنان، أو كثيرة المطبات.
بالتالي، أقدّر أن سائقي السيارات العابرة للميدان، على مهل، لأن السير عليها رجراج، يسبُّون على متعهد الكسوة وعلى البلدية.. وربما لا يوفرون إهانة اسم ياسر عرفات.
غلطة إنشاءات ثانية، أو فضيحة، تحمل اسم ياسر عرفات.. هذا كثير. لكن، في الأصل، اعترضت على تغيير اسم ساحة السّاعة/ المهاجرين إلى أي اسم آخر، فما بالك باسم ياسر عرفات. لماذا؟
الناس دَرَجَت على نطق الاسم القديم، وتبقى عليه، حتى أن تحديثا جميلا ونافعا ويسهل حركة السير، لميدان "السبع نجوم" وسط شارع يافا وإطلاق اسم "ميدان فلسطين" عليه، لم يغيّر أو يبدل لسان الناس.. حتى بعد رحيل "سوبرماركت الخمس نجوم" عن الاطلالة على الميدان، وهو تقاطع حركة سير كثيفة، أحسنت البلدية في تصميمه وتنفيذه، والحفاظ على ما أمكن من أشجاره.
بلدية رام الله مشكورة لإطلاق أسماء مشاهير وقادة فلسطينيين وغير فلسطينيين على شوارعها.. لكن فيما يخصّ الميادين أو "الدوّرات" والمستديرات كان عليها أن توفّر إهانة اسم عرفات بديلاً لاسم "دوّار السّاعة" وتطلقه على ميدان جديد.
أظنّ أن ميدان الملك عبد الله الثاني واحد من أجمل ميادين المدينة، وهو قريب من قصر الثقافة، ومن متحف وضريح محمود درويش، وكان يصلح لإطلاق اسم عرفات عليه، وتسمية ميدان آخر على اسم ملك الأردن.
لا أدري ما لون الحجارة الجديدة لرصف (وإعادة تصميم؟) ميدان ياسر عرفات، ولماذا تقليد رصف حجارة سوداء في بعض شوارع البلدة القديمة في عمان (هل رام الله تقلّد عمّان؟). هذا أولاً، فإن كان لا بد من حجر أسود فليكن من حجارة البازلت الطبيعية لا الصناعية، وهي تستخدم على نطاق واسع لرصف مسافات أرصفة المشاة في شوارع مدن سورية، ومقاومة للانفراط الميكانيكي والفيزيائي.
هذه الحجارة متوفرة في الجولان وحوران، وغير متوفرة كثيراً في بلادنا.. إلاّ في بعض المناطق مثل صفد لبناء بيوت أو "أجران" لدقّ الحبوب وطحنها يدوياً.
يقال: "نار على علم" كناية عن اسم شهرة مكان أو حدث، واسم ياسر عرفات معروف على كل نطاق وطني أو عربي أو عالمي، قبل فضيحة حجارة الضريح وحجارة كسوة الميدان، لكن هذا لا يعني إهانة مكانته واسمه مرتين، أو انتحال ساحة قديمة باسم جديد.
خذوا مثلاً: كل الناس تقول عن أحد أشهر شوارع رام الله "شارع رُكب" وهو محل بوظة لكن له اسم آخر يسهل نطقه على الأجنبي وهو "الشارع الرئيسي" رغم أنه شارع ضيق يشفع له تمركز حوانيت البلد فيه، وتجديد هذه الحوانيت باستمرار بديكورات جديدة وجميلة، لكن معظمها بخسة، باستثناء ديكور ذلك المحل الذي أعطى الشارع اسمه، فهو ديكور قوي وجميل ومتين ويبقى سنوات طويلة، دون حاجة إلى تحديث و"بهرجة".
*** سؤال أخير: لماذا رفعوا عبارة محمود درويش عن مبنى ياسر عرفات؟! هل لأنها تتكئ على كتف "مسجد التشريفات".
التسوية على نار هادئة
بقلم: طلال عوكل – الايام
للمتطيّرين الذين يستعجلون، ويستسهلون الحكم على المفاوضات بأنها وصلت إلى طريق مسدود، أن يتمهلوا، وأن يقرؤوا جيداً، الوقائع التي رافقت، وتلت المفاوضات إلى أن توقفت، دون أن يعني ذلك نهاية خيار المفاوضات.
بطريقة أو بأخرى، المفاوضات جارية، ولكن ليس بشكلها المعروف حيث تتقابل الوفود من الطرفين، أو يتفاوضا من خلال طرف ثالث، أو عبر اتصالات وزيارات المسؤولين الدوليين.
المطابخ السياسية لا تزال تعمل كل الوقت، في الولايات المتحدة، وفي إسرائيل، وفي فلسطين، ويحسب على عمليات الطبخ، كل ما يصدر من مواقف وإجراءات يتخذها كل طرف، حتى لو كان بمفرده، ذلك أن المحصلة تشير إلى أن الإدارة الأميركية، إنما تعطي للطرفين فرصة من الوقت لإعادة تقييم الوضع، ولتحضير نفسيهما، لعودة قد لا تطول للدور الأميركي، ما لم يكن من خلال مبادرة الطرفين.
لم ينقض الوقت الذي تستطيع فيه الإدارة الأميركية الراهنة، معاودة العمل على ملف عملية السلام، سواء عبر تفعيلها أو عبر نفض يديها من كل هذا الملف، فلقد بقي أمام الرئيس باراك أوباما وإدارته نحو سنتين ونصف السنة، هي فترة كافية، لاسترداد هيبة الولايات المتحدة، التي مستها السياسات والمواقف الإسرائيلية، منذ الأيام الأولى لتولي الرئيس أوباما مهامه قبل أكثر من خمس سنوات.
مصادر أميركية مسؤولة، تتحدث عن أن وزير الخارجية جون كيري، مع فريقه، كان قد بلور اتفاقية اطار أو خطة، وهي لا تزال فوق الطاولة، ومن غير المحتمل أن تتحول إلى داخل الأدراج.
خلال المفاوضات التي استمرت تسعة أشهر، أصبح لدى الأميركيين صورة واضحة، إزاء كافة الملفات الأساسية، وإزاء الأولويات، التي ينبغي أن تبدأ بمناقشة ملف الحدود، باعتباره الملف الأساسي، وليس الملف الأمني، الذي تتلاعب به إسرائيل، وتجعل منه عقبة تحول دون الانتقال لمناقشة الملفات التالية.
ولأن الإدارة الأميركية لم تطو ملف التسوية، فإنها تبدي ارتباكاً إزاء الإعلان عمن يتحمل المسؤولية عن فشل المفاوضات، وعن أسباب ذلك الفشل، ففي حين صرح مارتن انديك أن إسرائيل هي التي تتحمل المسؤولية عن الفشل بسبب الاستيطان، فإن أكثر من مسؤول أميركي يُحمّل المسؤولية للطرفين.
ينطوي هذا التصريح المجحف، وغير الموضوعي، والمنحاز لصالح إسرائيل، ينطوي على رغبة أميركية في تجنب الاصطدام مع إسرائيل وإبقاء الباب موارباً أمام احتمال تجدد المفاوضات.
من حيث المبدأ تدرك الإدارة الأميركية، ويدرك كل مراقب سياسي أن حكومة من النوع الموجود في إسرائيل، هي المؤهلة والقادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة، فهي رغم تطرفها الشديد، إلاّ أنها تقوم على ائتلاف مستقر، بينما لا تملك المعارضة المتمثلة في حزب العمل، وبعض الأحزاب الأخرى الصغيرة، أية حظوظ في أن تملك الجرأة والقوة الكافية والتحالف المستقر الذي يؤهلها لاتخاذ قرارات استراتيجية.
وتدرك الولايات المتحدة، ويدرك كل مراقب سياسي، أن الوضع الفلسطيني بعد الاتفاق على تحقيق المصالحة، قد بات أقرب إلى إمكانية التكيف مع متطلبات الخوض في مغامرة التسوية.
فبغض النظر عن الموقف الإسرائيلي الرافض والغاضب من المصالحة، إلاّ أن الترحيب الذي تحظى به المصالحة عربياً ودولياً، من شأنه أن يكبل يد إسرائيل في التصرف لنسف، مسيرة المصالحة.
الأوروبيون رحبوا بها، وأعربوا عن استعدادهم لتغطية مستحقات رواتب حكومة الوفاق لستة أشهر، والبنك الدولي، الذي تحظى فيه الولايات المتحدة بسلطة القرار، قرر منح السلطة ثلاثين مليون يورو إضافية لصالح الموازنة، أما الولايات المتحدة، فقد رهنت موقفها من المصالحة، بقبولها شروط الرباعية الدولية.
تصريحات الناطقة باسم الخارجية الأميركية طالبت إسرائيل أو تتوقع منها، تجميد الاستيطان، والتحول نحو بحث الملفات الأساسية وأولها موضوع الحدود، فيما تطالب السلطة، بالتوقف عن استفزاز إسرائيل من خلال التوقف عن مواصلة التوجه نحو الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية. وتطالب حكومة الوفاق بالموافقة على شروط الرباعية.
من الواضح أن المطالبات الأميركية للجانب الفلسطيني، سهلة ويمكن قبولها، فلقد أعلن الرئيس محمود عباس أكثر من مرة، أن الحكومة المقبلة، ستلبي شروط الرباعية، فيما لا يبدو أن السلطة تستعجل تفعيل ملف التوجه نحو الأمم المتحدة.
الأمر مختلف بالنسبة لإسرائيل، حيث المطالبات الأميركية صعبة، الأمر الذي ينطوي على تقييم أميركي لأسباب تعطل المفاوضات التي يصر الأميركيون على أنها حققت تقدماً.
خلال المهلة التي يتيحها الأميركيون للطرفين، لا تتوقف الرسائل الأميركية لحث الإسرائيليين على ضرورة إجراء تغييرات في مواقفهم وسياساتهم إزاء عملية السلام، فبالإضافة إلى ما ورد آنفاً في المقال عند الحديث عن المواقف الأوروبية والأميركية تجاه المصالحة، يمكن الإشارة إلى رسائل أخرى، من بينها ـ على سبيل المثال ـ التحول في الموقف السعودي من إيران بعد زيارتها من قبل الرئيس أوباما، وهو تحول لا يسعد إسرائيل.
والسؤال هو: هل تصمد وإلى متى الحكومة الإسرائيلية في اتخاذ المزيد من الخطوات والمواقف والسياسات المتطرفة، التي تستهدف وضع المزيد من العقبات أمام إمكانية استئناف المفاوضات، كذلك التشريع الذي يتعلق بيهودية الدولة، والآخر الذي يمنع الإفراج عن أسرى محكومين بالمؤبد؟. واضح أن الأمر يتصل أولاً وأخيراً، بمدى إصرار الإدارة الأميركية على متابعة دورها، وعلى مدى استعدادها للضغط على الحكومة الإسرائيلية، التي قالت الناطقة الأميركية إن عليها أن تتخذ قرارات صعبة ومثلها الفلسطينيون حتى لو أدى ذلك إلى اختلالات في البيئات الداخلية.
جدل "الإعلام التقليدي" و"الإعلام الجديد"
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
هناك هوس، ربما لا غنى عنه، بإطلاق تعبير "جديد" على أي تطورات وتحولات تحدث في سياق من السياقات السياسية والثقافية والاجتماعية. لكن لفظة وتعبير "الجديد" تنطوي على مدلول مُضلل من ناحية معرفية، لأن "الجدة" المفترضة هنا مؤقتة وظرفية، وسرعان ما يتجاوزها الزمن ويأتي بـ "جديد" آخر.
فـ "جديد" الأمس صار قديم اليوم، كما أن "جديد" اليوم سيعفي عليه الزمن ويصبح قديم الغد.
سياسيا، وفي ما يتعلق بتوصيف المنطقة التي نعيش فيها، تكرر تعبير "الشرق الأوسط الجديد" بشكل مدهش منذ انحسار النفوذ البريطاني وعهد الاستقلالات العربية، وصعود النفوذ الأميركي.
عندها كان "الجديد" هو هذا الاستبدال في النفوذ الأجنبي والسيطرة.
بين ذلك "الجديد" و"الشرق الأوسط الجديد" الذي يتحدث عنه البعض الآن في حقبة ما بعد الثورات العربية وبداية انحسار النفوذ الأميركي، مرت المنطقة بمراحل عديدة من "أشرقة أوسطية جديدة"، أحدها بشر به شمعون بيريس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانعقاد مؤتمر مدريد، وأشهرها مؤخراً ما بشر به جورج بوش الابن إبان غزو العراق.
كل تلك "الأشرقة الأوسطية" صارت قديمة، بما يعني أن جدتها كانت ظرفية بحتة.
ذات الجدل ينطبق على مفهوم "الإعلام الجديد" بل وبمفارقات أكثر.
مرة أخرى، هناك "إعلام جديد" كل عقد من السنين على الأكثر.
منذ ثورة التلفزيون الذي كان "الإعلام الجديد" الثوري مقارنة بالراديو، وهناك سلسلة متواصلة من "الإعلامات الجديدة".
اليوم يُستخدم التعبير للدلالة على وسائل التواصل الاجتماعي وكثافة الاستخدام الفردية للإعلام الانترنتي، بعيداً عن سيطرة المؤسسات الإعلامية التقليدية الكبرى.
لكن هنا يتداخل التقليدي والجديد، ذلك إن اعتبرنا أن التلفزيون والصحف والمجلات هي ما يندرج تحت صفة الإعلام التقليدي فإن الغالبية الكاسحة من هذه الوسائل قامت بـ "تجديد" نفسها وأصبحت "اونلاين" وتفاعلية وتقريبا امَّحت الفروقات الواضحة بينها وبين "الإعلام الجديد".
يُضاف إلى ذلك سؤال له علاقة بأجيال المستخدمين، ذلك إن اعتبرنا أن الشريحة الأوسع من مستخدمي "الإعلام الجديد" هم الشباب والمراهقون وطلبة المدارس بل وحتى الأطفال (وهواتفهم النقالة والألواح الالكترونية التي يلعبون عليها - الآي باد وسواه)، فإن هذه الشريحة لم تعرف من الإعلام إلا هذه الوسائل وبالتالي ليس هناك إعلام تقليدي أو قديم بالنسبة له كي تعتبر أن ما بين أيديها هو "إعلام جديد" ـ إنه إعلام جديد للجيل الأكبر سنا الذي خبر ورافق الإعلام "القديم".
الواقع يشير إلى أن الحدود بين الإعلامين "التقليدي" و"الجديد" تتداخل والوظائف تتكامل بحيث يصعب رسم خطوط صارمة تفرق بين الفضائين. ويمكن رصد بعض جوانب التداخل والتكامل هنا.
الجانب الأول، التكاملية الوظيفية (functional complementarity): وهذه الخصيصة ربما كانت الأهم والمقصود بها أن كلا من الإعلامين اشتغل على وظيفة معينة تكمل الوظيفة التي يقوم بها الإعلام الآخر. فالإعلام الجديد، وتعبيره الأهم وسائل التواصل الاجتماعي، يعتمد على الهواتف النقالة المحملة بالكاميرات الشخصية، ويسجل الأحداث على الأرض مباشرة (zoom-in) ثم يبثها "أونلاين" سواء للآخرين أو لمواقع الكترونية، وربما تنتهي لقنوات تلفزيونية، كما شهدنا خلال الانتفاضات العربية.
حيث كانت محطات التلفزة الكبرى مثل "الجزيرة" و"العربية" وغيرهما تقوم بعرض ما يصلها على الشاشة الكبيرة وتنقلها لمئات الملايين من المشاهدين في العالم (zoom-out).
في العدد الأكبر من الحالات لم تستطع التلفزيونات الكبرى الوصول إلى أماكن الأحداث، إما بسبب التضييق الأمني، أو بسبب سرعة إيقاع الحدث. عندها كان الإعلام الاجتماعي هو الذي يقوم بالمهمة.
الجانب الثاني يتعلق بالحراك والتعبئة (mobilization and mobility) ويعكس مرونة الحركة والقدرة الفائقة على النشر والاستدعاء وسوى ذلك. وهنا يتحرك الإعلام الاجتماعي، الموجود في جيب كل فرد من الأفراد (أو الناشطين السياسيين والاجتماعيين) على شكل الهاتف النقال من مكان إلى مكان بسهولة وسرعة تسابق حتى أجهزة الأمن، بخلاف ثقل حركة الإعلام التلفزيوني بكاميراته ومعداته الثقيلة.
وفي نفس الوقت يعمل مديرو الصفحات والمواقع الخاصة بالإعلام التقليدي على استلام الرسائل وإعادة توجيهها، وبالتالي إدارة عملية الحشد والحركة بشكل فعال، التي هي خليط بين التعبئة والإعلام ونشر المعلومة.
جانب التكامل الثالث هو الشمولية (inclusivity) والمقصود هنا أن الإعلام الاجتماعي بسبب توفره في ايدي الجميع، عن طريق الهواتف النقالة، أو الكاميرات الصغيرة، قد تمكن من القيام بتغطية إعلامية شاملة لكل الأحداث التي تقع ضمن الانتفاضة الشعبية وفي كل المدن والقرى.
هذا في حين تركزت تغطية الإعلام التلفزيوني في الميادين الرئيسة والمدن الكبرى، ولم يكن باستطاعة هذا الإعلام نشر تغطية تشمل كل المناطق بسبب الموارد البشرية والمادية وإدارة العملية الإعلامية نفسها.
القدرة على التملك (affordability)، وهنا تمتاز أدوات الإعلام الاجتماعي برخصها النسبي وإمكانية امتلاكها من قبل معظم شرائح المجتمع، وعمادها ببساطة الهاتف النقال.
إضافة إلى ذلك فإن غالبية الشرائح الشبابية في الوطن العربي متواصلة الآن بوساطة الانترنت وعندها حسابات على الفيسبوك او تويتر.
وهذا كله لا يحتاج إلى موارد مالية غير عادية.
القدرة على تجاوز الرقابة (un-controllability) والمقصود هنا ان الاعلام الاجتماعي على الارض off-line على شكل هواتف نقالة، وفي الواقع الافتراضي on-line، تصعب السيطرة الامنية عليه، بخلاف الاعلام التقليدي والتلفزيوني.
ويمكن القول إن المهارة الشبابية في استخدام الإعلام الاجتماعي فاجأت كثيرا من اجهزة الامن في الدول التي حصل فيها الربيع العربي، ولم تستطع تلك الاجهزة مجاراة السيطرة الشبابية على تلك الوسائل، ما وفر فجوة آمنة خدمت الثورات العربية – وهي بالمناسبة فجوة تحاول اجهزة الامن في الدول التي يحدث فيها ثورات ردمها بسرعة وبكل ما أوتيت من موارد.
أبو مازن والقفز الآمن
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
خلال أشهر قليلة نجح الرئيس أبو مازن في الخروج من جميع ما كان بادياً أنه أزمة وعاصفة تهب أمام المركبة. وربما وببعض الطمأنينة يمكن القول أنه قفز عن كل هذه الأزمات بلا خسائر ضمن مفهوم الربح والخسارة. وان تأمل السياق العام للأحداث السياسية في فلسطين وما يتعلق فيها يعطي الكثير من الإشارات للنتائج المرضية التي تحققت والتي بدا الكثيرون متشككين في حكمتها في الكثير من الأحيان.
لم تكن جملة الأزمات السياسية التي تعصف بالساحة الفلسطينية بالقليلة وكانت تتطلب تدخلات وسياسات لا تقل قوة عن جوهر تلك المشاكل من أجل مواجهتها والتصدي لها. وإذا كانت الأمور تقاس بخواتيمها فإن ثمة حكمة عالية كشفت عنها الممارسة السياسية في معالجة تلك القضايا.
في ملف المفاوضات كان القرار بالرجوع للمفاوضات صعباً بعد أكثر من ثلاث سنوات من تعليقها بعد ربط استئنافها بوقف الاستيطان. لقد كان الخطاب السياسي الفلسطيني متجاوزاً كل حدود البلاغة في ذلك، وكان واضحاً أن التصادم السياسي هو سمة العلاقة بين السلطة وإسرائيل بعد تعليق المفاوضات. ورغم الجهود المتعثرة التي بذلها الأميركيون وبعض الأصدقاء الأوروبيين ورغم الضغوطات التي مورست على أبو مازن من أجل العودة لطاولة المفاوضات إلا أن الموقف الفلسطيني ظل صلباً وثابتاً. كان ثمة بحث عن "هدف" سياسي مرجو وثمين. عرف أبو مازن أن إسرائيل ستواصل المعاندة والمكابرة وأن القصة ستبدو مثل "عضة" الأصابع. لذا ذهب مباشرة إلى إحراز الهدف الأول الذي تعثر جزئياً في أول محاولة العام 2011 ثم سرعان ما أعاد الكرة في العام 2012 فحصل ما لم تكن إسرائيل تتوقعه ان فلسطين رسمياً أصبحت عضواً في الأمم المتحدة. الإجراء الذي حرم منه الشعب الفلسطيني منذ احتلال بريطانيا لفلسطين العام 1917 وهو الاحتلال والوعد الذي رافقه "وعد بلفور" الذي لم تكن له غاية إلا حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في دولة، كان هو اقرب شعوب المنطقة لنيلها. هددت إسرائيل وصرخت وتوعدت لكنها في نهاية المطاف لم تملك إلا أن تقر بأن الهزيمة النكراء التي وقعت بها في المحافل الدولية تتطلب منها أن تعيد معالجة الأمر.
بالنسبة لأبو مازن فقد بات واضحاً أن الأمر الواقع الجديد تترتب عليه استحقاقات جديدة. كان الحديث عن الانضمام للمنظمات الدولية. لكنه كان يعرف بأن نشوة الانتصار تتطلب التريث حتى لا تتم خسارة الأصدقاء الذين فاق عددهم المائة الذين تم تجنيدهم حتى في قلاع الدبلوماسية الإسرائيلية في أوروبا. من كان يتصور أن كل أوروبا باستثناء التشيك لن تعارض انضمام فلسطين. هكذا ربح العضوية وحافظ على الأصدقاء. وعندما أعاد المجتمع الدولي الضغط عليه من أجل استئناف المفاوضات فهم الرسالة فقرر فجأة أن يعود للمفاوضات ولكن مع بعض المكاسب المهمة والتي تمثلت بإطلاق سراح الأسرى الذين تم اعتقالهم قبل أوسلو. ولأن إسرائيل أرادت أن يبدو أبو مازن المعطل والرافض وتبعد الاتهام عن نفسها.
بدأت المفاوضات دون أن يبدي أبو مازن تفاؤلاً مفرطاً. وكان واضحاً أن العبرة في النتائج. لكن يبدو ان النتيجة الأهم كان أن تحظى أمهات هؤلاء الأسرى بفرصة عناقهم. وحدث. وحين طرح كيري مقترحاته التي كانت أقرب للفهم الإسرائيلي لم يتردد أبو مازن بقول "لا" كبيرة. لكنها لا مشروطة فإذا ما أعاد كيري تطوير مقترحاته لتصبح أكثر قرباً من الحد الأدنى من العدل يمكن قبولها. ورغم اتهامات خصومه القاسية في بعض الأحيان إلا أنه ظل واثقاً من أن كل العالم لا يستطيع أن يجبر شعباً على اختيار ما لا يرغب. وذهب إلى واشنطن مسبوقاً بالمظاهرات الشعبية التي تؤكد وقوف الشعب معه. وقبل ذلك كان لقاؤه العاصف مع كيري في باريس. ودون تردد قام بالتوقيع على انضمام فلسطين لخمس عشرة اتفاقية دولية رغم احتجاجات واشنطن وزعيق تل أبيب.
لنقيس النتائج كما هي عليه الآن. خرج الأسرى. صحيح أن الدفعة الرابعة لم تخرج؛ لكن خرج من خرج وهذا إنجاز كبير. وأوقف أبو مازن المفاوضات دون أن يقدم لإسرائيل شيئاً بالمقابل، وظلت إسرائيل هي الملامة على تعطيل المفاوضات. يشبه الأمر تماماً الوضع قبل استئناف المفاوضات في ربيع العام الماضي. بل إن الوسيط غير النزيه "الولايات المتحدة" لم يتردد دبلوماسيوها وسياسيوها في لوم إسرائيل وتحميلها المسؤولية. أما أبو مازن فعاد ليلتقي كيري مرة أخرى على قاعدة أن إسرائيل هي المعطلة. إسرائيلياً، أستيقظ معسكر اليسار الإسرائيلي على الورطة التي أوقعه فيها نتنياهو فصار أقطابه يتسابقون للقاء أبو مازن أو التصريح ضد سياسات نتنياهو. وإسرائيل حولت العائدات الضريبية رغم كل شيء. وفلسطين باتت عضواً في الأمم المتحدة وهي عضو في اكثر من 15 اتفاقية دولية.
أما على الصعيد الوطني فإن الملف الأكثر سوداوية في علاقات الشعب الفلسطيني الداخلية سينتهي في غضون أيام بعد أن وافقت "حماس" على تنفيذ اتفاق القاهرة. قيل الكثير عن الأسباب والدوافع لكن المؤكد ان أبو مازن حقق تطلعه وتطلع أبناء شعبه بإنهاء الانقسام وتوحيد السلطة بين غزة والضفة. لم يكن موضوع المفاوضات هو ما اجبره على ذلك بالعكس فهو انجز المصالحة وهو يقول لكيري، لا مانع عندي لو خضعت إسرائيل للمطالب الدولية بوقف الاستيطان سنعود للمفاوضات. كما يبدو أن الوضع الفلسطيني الداخلي أكثر تماسكاً. ليس لأن "حماس" اكتشفت أن أبو مازن هو طوق النجاة في ظل ظروفها الصعبة، وهذا في جزء كبير منه حقيقي، ولكن لأنها اكتشفت أن سياسات أبو مازن هي التي تقطف الثمار. لذا كان وقوفها خلف خطابه في المجلس المركزي.
فتحاوياً، يبدو أبو مازن اكثر قوة وهو يعيد "فتح" للمشهد بقوة بعد عملية المصالحة ويحضر للمؤتمر العام السابع في الحركة، مؤكداً ضرورة دورية عقد المؤتمر رغم كل شيء، حيث عقد السادس بعد عشرين عاماً من الخامس. أما عربياً، فهو لم يخسر أحدا بالمطلق. ألم يقل قبل ذلك أنه الرابح الوحيد من الربيع العربي. فهو أول من وقف في وجه المشروع الإخواني حتى حين كان الإخوان في حكم مصر دون ان يتدخل في شؤون مصر، والعلاقة مع الوطنية المصرية باتت في أقوى صورها خاصة بعد اللقاءات الأخيرة مع المشير السيسي، رغم محاولات البعض الإيقاع بين الرجلين. حتى قطر وتركيا تلحقان برؤية المصالحة وستساهمان بقوة في تمويل استحقاقاتها. وعلى ذكر تركيا فما فعله أبو مازن يشبه إطار وزير خارجية تركيا أوغلو التحليلي الشهير حول "تصفير الأزمات" في كتابه ذائع الصيت العمق الاستراتيجي.
الحكومة التوافقية والانتخابات !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
بات معروفاً بأن تشكيل حكومة التوافق الوطني، المتوقع إعلانها في غضون الأيام القادمة، ستعلن، وبالتزامن، مع إعلان موعد الانتخابات التشريعية القادمة.
هذه الحكومة، تم التوافق حولها، ما بين القوتين المركزيتين، الأساسيتين في الساحة الفلسطينية، وهما: فتح وحماس.
ولعل العودة لجذور المشكلة، تعيدنا إلى نقاط الخلاف ما بين الحركتين، تلك النقاط التي تنامت وتأطرت وصولاً لحالة الاشتباك الميداني.
التوافق في الرؤى، وبلورة نقاط الالتقاء، أدت بطبيعة الحال، للإعلان عن إنهاء حالة الانشقاق، ومن ثم التوافق، لتشكيل حكومة التوافق الوطني.
لعلّ إعادة قراءة نتائج الانتخابات، للمجالس الطلابية في جامعات الضفة الغربية، وآخرها، انتخابات المجلس الطلابي في جامعة بيرزيت، من شأنها أن تشير إلى تلك الحقيقة، وهي تقارب الأصوات ما بين كتلة فتح وكتلة حماس، في وقت تضاءلت فيه حظوظ الفصائل اليسارية، الشعبية والديمقراطية، بينما غابت حظوظ الفصائل الهامشية وغير الأساسية.
ستكون مهمة حكومة التوافق الوطني، وهي من التكنوقراط، ستكون مهمتها المركزية والأساسية، الاعداد للانتخابات القادمة في غضون ستة شهور من تاريخ إعلانها، واكتسابها للشرعية.
صورة الوضع الراهن، من الناحية الانتخابية، هي صورة مشجعة. الاعدادات اللوجستية لإجرائها، كتجديد السجل الانتخابي وغيرها من اعدادات، شبه جاهزة، إن لم نقل جاهزة.
المسألة تحتاج إلى قرار سياسي، من القطبين المركزيين: فتح وحماس، وفي حال توافره، لا توجد أي معيقات، سوى المعيقات الإسرائيلية، إن برزت.
وفي حال عدم بروزها، ستسير الأمور، بسلاسة وسهولة ونجاح. إذن، هل ستجري الانتخابات في موعدها، وهل سنشهد فلسطينياً نتائج سترسم ملامح مرحلة قادمة، جديدة؟!!!
في حال إعادة دراسة، أسباب الانقسام ودواعيه ودعائمه وركائزه، وكيف تم التوافق الراهن، على ضوء ما رسمته الانتخابات النقابية الراهنة، نجد أننا أمام حالة جديدة، هي حالة تفاهم وتوافق القطبين المركزيين على نقاط كفلت إعلان إنهاء حالة الانقسام.
وعلى ضوء ذلك، ووفق هداه، فلن تكون هناك نقاط معيقة أمام فتح باب التحالفات السياسية في الساحة الفلسطينية، تمهيداً للإعلان والشروع جدياً في إجراء الانتخابات التشريعية.
لا شيء يعيق تحالف الحركتين المركزيتين: فتح وحماس، ونزولهما كقائمة واحدة في الانتخابات التشريعية، وفق تفاهمات داخلية، شبيهة بتلك التوافقات التي جرت وجربت في الاعداد لإعلان إنهاء حالة الانقسام، أو تلك التي نجحت في تشكيل حكومة التوافق الوطني.
النتيجة ستكون معروفة سلفاً، وهي فوز القائمة الموحدة فوزاً ساحقاً.. والتحالفات هنا، ستكون مفتوحة أمام القوى كافة، ليست المتنفذة منها فحسب، بل وأمام القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية على حد سواء.
ثقافة الانقسام لن تنجز "مصالحة"
بقلم: غسان زقطان – الايام
يبدو ان الرسالة لم تصل رغم وضوحها وبساطتها، الهدوء والترقب الذي كان السمة الرئيسية للشارع وهو يتابع الإعلان عن اتفاق المصالحة. وبينما يتنقل المتصالحون من فضائية الى أخرى ومن مؤتمر صحفي الى مؤتمر آخر، كان الشارع الفلسطيني ينظر بطرف عينه نحو الاحتفالات دون ان تنجح تلك المشاهد الدرامية في انتزاع التصفيق والدعوات بطول العمر او المدائح وعبارات الشكر التي كان ينتظرها الموقعون على "المصالحة"، أو خططوا لها وحلموا بها طويلا.
الصور والاحتضان والعناق وتبادل القبل لم تجد نفعا، الناس في الشارع منشغلين بأمورهم، على اية حال مظهر العناق، لم يعد مؤثرا، اضافة الى مرجعياته التي تشي بالخفة والارتجال ولا تنسجم مع حدث وطني منشود مثل "المصالحة".
اعلان رئيس الوزراء المقال، الذي لم يستقل بعد، بأنه سيضحي بـ "موقعه" من أجل وحدة الشعب والوطن، لم يحرك ايدي الناس ولا قلوبهم، لعله يذكر بتصريحات نفس رئيس الوزراء المقال، عشية الانقلاب بأنها، رئاسة الوزراء، "سعت الينا ولم نسع لها" ! وللحقيقة انها سعت ووجدت متسعا في الرغبة والمكان والوقت حتى أكملت أعوامها الستة، وبحيث يبدو فراقها، بعد هذه العشرة، تضحية تستحق التبجيل!
لقد اتضح أن هناك فجوة واسعة بين فهم الشارع ومطالبه من "المصالحة" وفهم الفصائل ومطالبها، مرة أخرى "مصطلح المصالحة" لا يشي بالجدية أيضا، بقدر ما يوحي بالتخبط وسوء ادارة الأمور.
فهو يفترض أولا، المصطلح، غياب المحاسبة ، في سياق ان "الجميع ارتكبوا أخطاء وعفا الله عما سلف"، رغم أن "ما سلف" الذي تم العفو عنه بتأثر شديد، كما اشارت الصور، هو ستة أعوام من الجوع والقهر والإذلال والضحايا والتحكم برقاب وارزاق وحياة الناس، الناس الذين يواصلون مراقبة "المسيرة" دون أن يصفقوا.
صمت الناس كان واضحا وعفويا، فهم مع انهاء الانقسام من خلال تفكيك أسبابه وآلياته، وسيكون من الصعب عليهم القاء ثقتهم كاملة في سلة الاتفاق الذي ، لأمور فصائلية، لم يعلن كاملا، لن يصفق الشعب "لأسرار" لا يعرفها ، لقد صفق ثلاث أو أربع مرات قبل الآن وهو يركض بأحلامه خلف "جلسات الحوار الوطني"، من الدوحة الى القاهرة وجدة والرياض ، نفس الأشخاص تقريبا، وهم أيضا نفس الأشخاص مع تعديلات طفيفة، الذين برروا الانقسام في حينه.
الناس/ الشعب بحاجة الى ما يلتقطونه على الأرض وليس في الفضائيات، لذلك ستبدو احكام الإعدام المتوالية في غزة، لايكفي ان يعلن ناطق ما تهمة ما ليبدو الأمر شرعيا، آلية من آليات الانقسام، وستبدو اعلام الفصائل التي تطغى على العلم الوطني عودة الى بيئة الانقسام، وسيبدو صادما ومثيرا للأسى حشر صور مرسي ورفع شعار رابعة في مسيرات التضامن مع الأسرى، الأسرى الذين دخل اضرابهم في سجون الاحتلال يومه السادس والعشرين ووصل حافة الشهادة، ليس من حق أحد استثمار نضالاتهم وزجها في بازار الصراع في المنطقة مستفيدا من "المصالحة""
طالما ان هذه السلوكيات قائمة فإن الكثير من الشكوك وعدم الثقة سترافق اي حديث عنها، أقصد " المصالحة".