المقالات في الصحف المحلية
|
![]()
المقالات في الصحف المحلية
|
تصعيد اسرائيلي خطير آخر !!
بقلم: حديث القدس – القدس
لا جدوى من الدعم ... المالي بالتنقيط والسياسي بالكلام
بقلم: حديث القدس - القدس
مسموح لنتنياهو... محظور على عباس
بقلم: بيتر باينت – القدس
تشكيل حكومة التوافق إعلان انتهاء الانقسام
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
السيسي والمهمات الصعبة
بقلم: د. حسين حافظ – القدس
في ذكرى غزو لبنان وحصار بيروت
بقلم: عوني فرسخ – القدس
.. والخطوتان: الثانية والثالثة؟
بقلم: حسن البطل – الايام
حتى لا تصبح المصالحة رزمة مصالح
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
هل تفتح حكومة الوفاق باب المصالحة الشاملة
بقلم: صادق الشافعي – الايام
حركة الجهاد الإسلامي: القدرة على الطفو فوق كل التعارضات ...!
بقلم: حسين حجازي – الايام
وتظل القرية هي الأجمل
بقلم: صلاح هنية – الايام
"اتعلموا" من منتخبنا
بقلم: رامي مهداوي – الايام
الإصــــرار
بقلم: وليد بطراوي – الايام
تغريدة الصباح - مدار المثابرين
بقلم: عدلي صادق – الحياة
علامات على الطريق - من ذاكرة حزيران نستعيد إرادة تشرين!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
اختلال! ماذا يعني احتلال؟
بقلم: جواد بولس – الحياة
نبض الحياة - 47 عاما من الاحتلال
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
تصعيد اسرائيلي خطير آخر !!
بقلم: حديث القدس – القدس
قيام الشرطة الاسرائيلية وأجهزة مخابراتها امس، بمداهمة المؤسسة الاعلامية "بال ميديا" ووقف بث برنامج "صباح الخير يا قدس" والقيام باعتقال ثلاثة من العاملين فيها واستجوابهم حول طبيعة عملهم الصحافي وكذا تفتيش المؤسسة وما أعلنته الناطقة باسم الشرطة لوبا السمري من أن الحدث يدور عن تحقيق مستمر في مضمون أنشطة هذه المؤسسة الاعلامية إنما يشكل تصعيدا اسرائيليا جديدا ضد المؤسسات المقدسية وانتهاكا فظا لحرية الصحافة والاعلام والتعبير واعتداء صارخا يضاف الى سلسلة الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون المقدسيون من ملاحقة واستجواب واعتقال واعتداءات جسدية ... الخ من الممارسات الاسرائيلية.
وعلى الرغم من ان هذه المؤسسة حاصلة على ترخيص بالعمل في المدينة فمن الواضح أن هذه الخطوة الاسرائيلية تندرج في إطار محاولة إخماد الصوت الفلسطيني والرواية الفلسطينية لحقيقة ما يجري من انتهاكات اسرائيلية في القدس، كما يندرج في إطار محاولة اسرائيل إنهاء عمل المؤسسات الفلسطينية في المدينة المقدسة في إطار السياسة الاسرائيلية العامة الهادفة الى تهويد القدس.
وليس صدفة أن يتزامن هذا الاجراء الاسرائيلي مع ما أعلن في اسرائيل امس الاول عن مناقصات جديدة لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في القدس وما أعلن أمس، ايضا من مخطط لإقامة فنادق اسرائيلية غربي قصر المندوب السامي في المدينة.
ومما لا شك فيه ، وعدا عن شجب واستنكار هذه الحملة الاسرائيلية التي يبدو انها متصاعدة في استهداف الصحفيين والمؤسسات الاعلامية الفلسطينية في القدس، وهو ما شجبته بشدة نقابة الصحافيين ووزارة الاعلام، فإن هذه الخطوة الاسرائيلية الخطيرة يجب ان توضع أمام كافة المحافل الدولية والمنظمات الحقوقية لمحاسبة اسرائيل على ممارساتها وإفهامها ان ما تقوم به غير شرعي وباطل خاصة بعد اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين على كافة الأراضي المحتلة منذ عام 67 وفي مقدمتها القدس.
إن ما يجب ان يقال هنا أن على اسرائيل ان تدرك ان من حق المؤسسات الفلسطينية على اختلافها بما فيها المؤسسات الاعلامية ان تواصل عملها في القدس وأن التذرع بحجج واهية مثل التحريض وغيره لن تحجب حقيقة ان سلطات الاحتلال تسعى لطمس الرواية الفلسطينية والوجود العربي الفلسطيني في القدس. فالتحريض الذي تزعمه السلطات الاسرائيلية إنما هو ما تكشفه الصحافة والاعلام من انتهاكات اسرائيلية جسيمة في المدينة المقدسة سواء عبر الاستيطان أو المصادرات أو سياسة التضييق على المقدسيين أو الاعتداءات المتواصلة على الصحافيين الفلسطينيين.
واذا كان يحلو لاسرائيل والناطقين باسمها التشدّق دوما بشعارات الديمقراطية والحرية فإن ما تقدم عليه السلطات الاسرائيلية إنما يؤكد اننا أمام احتلال بشع لم يتغير منذ عام 67 وحتى اليوم وأن ما تفعله اسرائيل في المدينة المقدسة في واد يختلف كليا عن الشعارات والعبارات المعسولة التي يطلقها الناطقون الاسرائيليون في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي وذر الرماد في العيون.
وفي المحصلة، فإن على اسرائيل ان تدرك ان ممارساتها التصعيدية الخطيرة هذه لن تسهم في إرساء الأمن والاستقرار في هذه المنطقة كما لن تفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وسعيه للحرية والاستقلال وأن من الأجدر بها إنهاء احتلالها غير المشروع للأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها القدس وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة حتى ينعم الشعبان الفلسطيني والاسرائيلي بالأمن والسلام والاستقرار بدلا من المغامرات العبثية التي تقوم بها سلطات الاحتلال.
لا جدوى من الدعم ... المالي بالتنقيط والسياسي بالكلام
بقلم: حديث القدس - القدس
بالأمس، حدثت اشتباكات عند البنوك في غزة بين موظفين يطالبون برواتبهم وجهات أمنية مما ادى الى تعطل العمل وتوقف الخدمات. وبالامس ايضا، وعلى مستوى آخر مختلف اعلنت اسرائيل عن مخططات لبناء 3300 وحدة استيطانية جديدة في القدس ومناطق متعددة بالضفة.
هذان المشهدان يعبران عن واقعنا الفلسطيني والمأزق المدمر الذي نواجهه والتحديات المصيرية التي تهدد ارضنا وبقاءنا وصمودنا. المشهد الأول هو المأزق الاقتصادي الذي يعصف بنا والديون المتراكمة على مؤسساتنا ولها، كما يحدث في شركة كهرباء القدس والمستشفيات وموردي الادوية ومؤسسات اخرى كثيرة. ونسمع كثيرا ان الدولة الفلانية تبرعت بكذا مليون دولار او يورو لدفع قسم من الرواتب لمدة شهر واحد على الاكثر بحيث يكون غالبا الراتب غير مضمون ولا مؤكد صرفه في نهاية كل شهر. وكلما حدثت ازمة كما حدث في غزة أمس، تسارع دولة او اكثر لتقديم دعم مالي محدود... وتتكرر القصة شهريا تقريبا ويظل هذا الدعم بالتنقيط غير كاف ولا هو الدعم المطلوب. لقد قررت مؤتمرات قمة تخصيص ميزانيات كافية لسد احتياجات السلطة ونفقاتها ولدعم القدس وحمايتها من التهويد، وهذه الميزانيات حددتها قرارات القمة هذه بالارقام وتواريخ الدفع. إلا ان شيئا من هذا لم يحدث، وهكذا سنظل ندور في حلقة مفرغة داخل مأزقنا الاقتصادي دون وجود مخرج حقيقي.
وعلى المستوى السياسي غير البعيد عن الاقتصادي، نجد اسرائيل تمعن في ممارساتها الكارثية ضد ارضنا ومقدساتنا بشكل يومي تقريبا وقد اتخذوا من تشكيل حكومة التوافق الوطني مبررا كاذبا وغطاء مزيفا لتوسيع الاستيطان كما حدث على سبيل المثال، بالامس. وهم يواصلون اقتحام حرمات الاقصى المبارك بشكل يومي وباعداد متزايدة ويتقدمهم اعضاء كنيست او قياديون من احزاب وجمعيات متعددة ولا يخفون نواياهم وخططهم لتقسيم الزمان والمكان في الحرم القدسي الشريف.
العالم كله، وفي المقدمة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، يعترف بحكومة التوافق لان سياستها المعلنة لا تختلف عن اي حكومة سابقة شكلها الرئيس ابو مازن وحدد سياستها بكل وضوح. وكل العالم يقف ضد الاستيطان ويعارض السياسة الاسرائيلية بهذا الخصوص. كما ان العالم العربي والاسلامي يصدر بين الحين والآخر بيانات الادانة والاستنكار دون ان يحرك ساكنا، للرد على هذه الممارسات الاستيطانية والتهويدية، ونجد نحن ان هذا الكلام المكرر لا يعني شيئا من واقع الحال ويظل مجرد حكي لا قيمة له، وتظل الارض تضيع وتظل المقدسات تحت التهديد.
في هذه الاحوال المأساوية المخجلة نظل نحن، او يجب ان نظل نحن، اصحاب القرار والمبادرة لمواجهة هذه التحديات والبحث عن ردود مناسبة، وسنظل ننتظر هذه "الردود غير المسبوقة" التي تحدث عنها نبيل ابو ردينة بالامس.
مسموح لنتنياهو... محظور على عباس
بقلم: بيتر باينت – القدس
محمود عباس (ابو مازن) يواصل مهام منصبه كرئيس فلسطيني رغم أن ولايته القانونية انتهت منذ زمن بعيد، كما يتفق اليمينيون الاسرائيليون بينهم وبين أنفسهم والامريكيون. فضلا عن ذلك، يقولون، فيما يروجون لخطاب نزع الشرعية عنه – بانه لا يحكم على الاطلاق في قطاع غزة الذي يوجد تحت حكم حماس منذ 2007.
وعليه ايها الصقور فانزعوا القلق من قلوبكم. فقد أقام الفلسطينيون حكومة وحدة وطنية تستهدف اعداد التربة لانتخابات في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. هذا الجهد كفيل بان يفشل، ولكنه يطرح الفرصة الافضل منذ سنوات لتحقيق الامر الذي يدعي اليمين اليهودي بانه إرادته: زعيم فلسطيني له شرعية للوصول الى اتفاق.
وما هو رد بنيامين نتنياهو وحلفائه الامريكيين المحافظين؟ ليس جيدا. حكومة اسرائيل تهدد بوضع حد لعلاقاتها مع السلطة الفلسطينية، وبعد الجمهوريين في الكونغرس يضغطون لوقف المساعدات الامريكية. والسبب؟ الحكومة الجديدة قامت بمباركة حماس.
وهنا تصبح الامور مشوقة. على مدى السنين بررت اسرائيل معارضتها لحكومة تضم اعضاء حماس باقتباس عن اعلان للرباعية في 2008، يطلب من كل حكومة فلسطينية الاعتراف باسرائيل، بالاتفاقات التي وقعت معها والتخلي عن العنف. غير أن الحكومة الفلسطينية الجديدة تنجح في التوافق مع هذه المطالب. ومع أن حماس كحزب لا يقبل هذه المطالب الا أن عباس الذي يواصل تولي منصب الرئيس، فيدعي بان حكومة الوحدة تفعل ذلك. ويشير مساعدوه الى لبنان الذي يجلس في حكومته حزب الله ومثل حماس تعرفه الولايات المتحدة بانه منظمة ارهابية. تقاطع الولايات المتحدة الوزراء من حزب الله، ولكنها تقبل بالحكومة اللبنانية بمجملها. اما عباس فيطلب معاملة مشابهة.
في نظر نتنياهو، هذا السيناريو ليس مقبولا. حسب موقفه، لا يهم اذا كان عباس يقول ان حكومته تقبل الشروط. على العالم أن يقاطع كل حكومة "مدعومة من حماس وتسندها حماس". ويطرح الموقف سؤالا: هل ستنجح حكومة نتنياهو في الاختبار الذي تجريه لعباس؟ ليس معقولا. فالشرط الاول للرباعية هو أن يعترف الفلسطينيون بحق اسرائيل في الوجود كدولة ذات سيادة. ولكن حكومة اسرائيل مدعومة من البيت اليهودي، حزب وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، وتستند اليه. وهذا الحزب يعارض بشدة حق الفلسطينيين في دولة. كما ان بينيت ليس مؤيدا كبيرا لاحترام الاتفاقات الموقعة. فهو يريد ضم 60 في المئة من الضفة، وهكذا يلقي الى القمامة باتفاقات اوسلو في 1993 وخريطة الطريق للسلام في 2002.
ولكن حتى لو تجاهلنا البيت اليهودي فان حكومة نتنياهو تستند الى حزب أكبر لم يعد يقبل شروط الرباعية – الليكود. مثل حماس، لليكود تاريخ معارضة لحل الدولتين. في برنامجه في 1999 كتب أن الحزب "يعارض اقامة دولة فلسطينية عربية غربي نهر الاردن". وفي موقع "الليكود العالمي" يظهر برنامج سياسي من العام 2006 يتعهد بان "تتوقف المحادثات على اقامة دولة فلسطينية" و "ستعلن اسرائيل عن حقها في الوجود في حدودها دون تنازلات عن المناطق".ومن أجل النزاهة، تجدر الاشارة الى أن هذه الوثائق سبقت خطاب بار ايلان لنتنياهو في 2009، والذي أيد فيه اقامة دولة فلسطينية. غير أن الليكود لم ينشر بعد برنامجا جديدا يلغي فيه معارضته لحل الدولتين. وليس صدفة. فمثلما تفصل اليشيفع غولدبرغ في "ديلي بست" فان معظم المرشحين المتصدرين في قائمة الليكود للكنيست في 2013 عارضوا علنا اقامة دولة فلسطينية. وضمن المعارضين يوجد ايضا وزير الدفاع موشيه بوغي يعلون.
ولا يذكر بالايجاب تاريخ الليكود في احترام الاتفاقات في الماضي. ومثل بينيت، فان الكثير من نواب الليكود البارزين يرغبون في الغاء اتفاقات اوسلو من خلال ضم قسم كبير من الضفة. وحسب التفسير الامريكي (وان لم يكن الاسرائيلي)، فان تجميد الاستيطان هو شرط ضروري في خريطة الطريق في 2002 – ويكاد يكون كل اعضاء الليكود يعارضون بالقطع هذه القيود. وقد سجل نتنياهو بنفسه في 2011 وهو يتبجح بانه "اوقف اتفاقات اوسلو" من خلال الثغرات التي سمحت له بالتملص من الانسحابات التي تعهد بها اسلافه.
يحاول نتنياهو ان يطبق مقياسا مزدوجا. فمع أنه مدعوم من أحزاب تعارض حل الدولتين، يريد أن يقاطع العالم عباس لذات السبب. وهذا الموقف ليس فقط غير مستقيم من ناحية فكرية، بل وغير مجد ايضا. عمليا، الوضع الراهن محبوب من نتنياهو. والسلطة الفلسطينية هي في واقع الامر مقاول ثانوي لاسرائيل في الضفة. فهي تساعد الجيش الاسرائيلي على منع أعمال الارهاب، والولايات المتحدة واوروبا تمولان هذا النشاط. ولكن هذا الوضع لا يمكنه أن يستمر على مدى الزمن. الامر الذي يحبه نتنياهو أكثر من أي شيء آخر في السلطة هو رغبتها في التعاون مع اسرائيل في شؤون الامن دون أن تتحداه من ناحية سياسية، وهذا بالضبط الوضع الذي يمقته الفلسطينيون.
عباس ابن 79. وهو يعرف بان عصرا جديدا يقف في الابواب. حكومة الوحدة تمثل مساعيه لان يعيد الى السلطة بعضا من المصداقية والشروع في استراتيجية سياسية جديدة في ضوء موت مبادرة سلام جون كيري. اما نتنياهو فليس قادرا على أن يوقف هذا. وحتى لو كان حلفاؤه في الكونغرس يدعون الى الاعتراض على الحكومة الفلسطينية، فان اوروبا ستدعمها. واذا ما عاقب نتنياهو الحكومة من ناحية اقتصادية، فسيطلب عباس اعترافا دوليا أكبر، مما سيسمح له بان يدعي ضد اسرائيل في المحاكم الدولية. واذا أوقف نتنياهو الاموال الى السلطة فانهارت هذه، ستفقد اسرائيل مقاولها الثانوي.
لا أتهم نتنياهو على قلقه من الاثار المحتملة للوحدة الفلسطينية. فلحماس دم كثير على الايدي. واذا ما اندمجت بالفعل قوات أمن فتح وحماس (ما لا يبدو معقولا)، فسيتضرر التعاون الامني مع اسرائيل. غير أنه آجلا أم عاجلا، سيتضعضع هذا الوضع على أي حال. ففي نهاية المطاف الطريق الوحيد لحمل الفلسطينيين على منع الارهاب هو أن يروا أنه من خلال هذا المنع يحصلون على الحقوق والتقدير. لو كان نتنياهو ذكيا، لجمد توسيع المستوطنات وتعهد باقامة دولة فلسطينية حول حدود 1967، الخطوة التي كانت ستري الفلسطينيين بانه من خلال استمرار التعاون يمكنهم أن يحظوا بدولة قادرة على العيش. ولكن هذا سيتطلب تحدي المحافل في حكومته التي لا توافق على شروط الرباعية، وبالنسبة لنتنياهو فان شروط الرباعية لا تنطبق الا على الطرف الآخر.
تشكيل حكومة التوافق إعلان انتهاء الانقسام
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
كان إعلان تشكيل حكومة التوافق الوطني يوم الإثنين الماضي وكما قال الرئيس محمود عباس بحق، إذانا باستعادة وحدة الوطن وإنهاء الإنقسام الذي ألحق أضرارا كارثية طوال السنوات الماضية بقضيتنا الفلسطينية ولعله من المصادفات المقصودة أو غير المقصودة أن إعلان تشكيل هذه الحكومة التوافقية جاء في شهر حزيران الجاري، وهو ذات الشهر الذي حدث فيه الإنقسام بين شطري الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل سنوات سبع بالضبط.
ولا شك أن تشكيل حكومة التوافق الوطني جاء بعد مخاض عسير وخلافات بين حركتي فتح وحماس كما أتى هذا التشكيل عقب الإتفاق الذي وقعته الحركتان في الثالث والعشرين من شهر نيسان المنصرم الذي اتفقتا فيه على تنفيذ اتفاقات المصالحة السابقة التي وقعتها الحركتان عقب الإنقسام بدءا من اتفاقات القاهرة ومرورا باتفاقات مكة المكرمة وصنعاء والدوحة.
وقد حبس الجمهور الفلسطيني أنفاسه في الساعات الأخيرة قبل إعلان الإتفاق على تشكيل الحكومة حيث طرأت خلافات بين فتح وحماس حول من سيتولى منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة، حيث كانت حماس تعترض على بقاء رياض المالكي وزيرا للخارجية في هذه الحكومة، كما أن حماس رفضت عزم الرئيس عباس على إلغاء وزراة الأسرى وتحويلها الى دائرة مرتبطة بمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد أمكن من خلال وساطات أردنية وقطرية ومحلية تجاوز هذا الخلاف الذي كاد أن يعطل تشكيل الحكومة حيث وافقت حماس على بقاء رياض المالكي وزيرا للخارجية في الحكومة الجديدة.
ولا شك أن هذه الحكومة كما أعلن الرئيس عباس ستكون حكومة انتقالية وستكون مهمتها الأساسية الإعداد للإنتخابات الرئاسية والتشريعية التي استحقت منذ أربعة أعوام، وكذلك انتخاب مجلس وطني جديد إلى جانب وظيفتها في تسيير أمور حياة الشعب الفلسطيني اليومية، ولذا ستكون مهمة هذه الحكومة محددة زمنيا حيث تنتهي مهمتها فور الإنتهاء من إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية والتشريعية، حيث سيصار إلى تشكيل حكومة جديدة تعكس نتائج الإنتخابات التشريعية. حيث سيكلف الرئيس المنتخب أعضاء الكتلة البرلمانية التي حازت الأغلبية في الإنتخابات التشريعية تشكيل هذه الحكومة الجديدة.
وبالنسبة للسياسة التي ستتبعها حكومة التوافق الوطني فهي ذات السياسة التي اتبعتها الحكومات السابقة، حيث شدد الرئيس عباس في كلمته عقب إعلان تشكيل هذه الحكومة على أن حكومة التوافق الوطني ستلتزم بالتزامات السلطة الفلسطينية والاتفاقات الموقعة وبالبرنامج السياسي الذي أقرته مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أن المفاوضات السياسية ستبقى في ولاية منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ولأنها هي التي وقعت اتفاق أوسلو عام 1993 مع الحكومة الإسرائيلية ولذلك لن يكون لحكومة التوافق هذه أي علاقة بالمفاوضات السياسية مع الجانب الإسرائيلي ومع أية أطراف أخرى لها علاقة بهذه المفاوضات وفي مقدمتها الولايات المتحدة الراعي الأول لعملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية.
ومن هنا فإنه من غير المفهوم ولا المقبول إعلان الحكومة الإسرائيلية أنها لن تتعامل مع حكومة الوفاق الفلسطيني وكذلك دعوتها دول العالم إلى عدم التعاون مع الحكومة الفلسطينية الجديدة، إذ أنه ما دامت هذه الحكومة لن يكون لها شأن من قريب ولامن بعيد في المفاوضات السياسية، كما وأنه مع إعلان الرئيس عباس عقب تشكيل هذه الحكومة أن السلطة الفلسطينية متمسكة بكل الإتفاقات والتفاهمات التي وقعتها مع الجانب الإسرائيلي وتفاهمت عليها مع الولايات المتحدة واللجنة الرباعية، فإن موقف الحكومة الإسرائيلية هذه مستغرب وغير مبرر.
وعلى الحكومة الإسرائيلية إذا كانت حريصة مع تحقيق السلام مع الشعب الفلسطيني أن تتخلى عن لغة التهديد ولغة العقوبات ضد هذا الشعب وضد قيادته. إذ أن لغة التهديد وفرض العقوبات لن تحل الخلاف ولن تجعل القيادة الفلسطينية ولا شعبها الفلسطيني يرضخ لهذه التهديدات أو يستسلم أمام تلك العقوبات.
وقد أكد الرئيس عباس أن الهدف من التهديدات والعقوبات الإسرائيلية هو تعطيل ووأد أي تحرك دولي نحو تحقيق السلام. وحذر من أن أي إجراءات عقابية تتخذها حكومة اسرائيل لن تمر بدون رد مناسب مع تأكيده أن القيادة الفلسطينية لا ترغب في التصعيد ولا تسعى لمزيد من التوتر، ومع ذلك أضاف لن نقف مكتوفي الأيدي أمام إجراءات العقوبات الجماعية مشددا على أننا سنرد عليها من خلال الأساليب السياسية والدبلوماسية والقانونية للرد عليها. وهذا يؤكد أن الخيار الإستراتيجي للقيادة الفلسطينية لم يتغير وهو يقوم على تحقيق السلام من خلال الأساليب السلمية المتفقة مع القوانين والشرائع الدولية.
ورغم الحملة الإسرائيلية على الحكومة الجديدة فإن تلك الحملة وكما أكد الرئيس عباس لم تثمر شيئا حيث أنها لم تقنع أحدا في العالم بصدقيتها بل العكس تماما بينت للعالم من يعطل ويعرقل عملية السلام ومن يحرص عليها ويريد إيصالها إلى شاطئ الأمان. وقد أعلنت دول الإتحاد الأوروبي أنها ستتعاون مع حكومة التوافق الجديدة، كما أن الولايات المتحدة أبدت استعدادها للتعاون مع هذه الحكومة إذا ما التزمت بالإتفاقات الموقعة. وقد أكد الرئيس بوضوح أن هذه الحكومة ملتزمة تماما بكل تلك الإتفاقات.
وقد حذر مسؤولون عسكريون اسرائيليون كبار من مغبة فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية حيث حذر منسق عام شؤون المناطق الفلسطينية في الحكومة الإسرائيلية "يو آف مردخاي" من مغبة إقدام شركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية على قطع التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في الضفة الغربية بحجة تراكم الديون على السلطة الفلسطينية قائلا إن خطوة كهذه ستؤدي إلى زيادة الإحباط في الشارع الفلسطيني وبالتالي تتفجر الأوضاع ويرتفع مستوى العنف في الضفة الغربية. فكيف إذا قامت الحكومة الإسرائيلية بحجز أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية وعجزت السلطة عندئذ عن دفع رواتب موظفيها وتقديم الخدمات لشعبها الفلسطيني؟
وفي المقابل فإن من واجب الدول العربية تنفيذ شبكة الأمان المالية للسلطة الفلسطينية التي التزمت بتنفيذها في قرارات القمة العربية لمواجهة العقوبات المالية التي تهدد إسرائيل بفرضها على السلطة الوطنية عقب تشكيل حكومة التوافق الوطني وذلك حتى تتمكن السلطة من البقاء وحتى تستطيع القيام بأداء التزاماتها المالية تجاه موظفيها وتقديم الخدمات الحياتية لشعبها الفلسطيني.
ولا شك أن تشكيل الحكومة الجديدة يعتبر إعلان وفاة للإنقسام الكارثي الذي ألحق أفدح الأضرار بالشعب الفلسطيني وقضيته الفلسطينية، كما أن هذا التشكيل يعلن بدء صفحة جديدة في نضال الشعب الفلسطيني المستمر منذ أكثر من ستين عاما لتحقيق أمانيه المشروعة في الحرية وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وهذا ما كفلته القوانين والقرارات الشرعية الدولية ويتوافق مع رؤية حل الدولتين الذي أجمع عليه العالم كحل وحيد للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
ولا شك أن الطريق أمام حكومة التوافق الوطني طريق شائك وتنتظرها مهام صعبة وخاصة أنها ستكون مكلفة بمعالجة الأوضاع الكارثية الانسانية في قطاع غزة، حيث أكد الرئيس عباس في كلمته الاخيرة أن أبناء شعبنا في القطاع صبروا طويلا وتحملوا كثيرا وعانوا ودفعوا أثمانا غالية جراء الإنقسام وتداعياته خاصة مع تشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع، ولكنه شدد على أن السلطة والحكومة ستقومان بالعمل الحثيث لمعالجة جميع تلك المشاكل وإنهاء المعاناة وتحسين الأوضاع في القطاع على مختلف الأصعدة.
والأمر المؤكد أن قطار المصالحة قد انطلق بعد توقف طويل ولن يستطيع أحد ايقافه، والمطلوب من الجميع التعاون وتغليب المصلحة العليا للشعب الفلسطيني على كافة المصالح الحركية والفصائلية والحزبية والفئوية.
السيسي والمهمات الصعبة
بقلم: د. حسين حافظ – القدس
مهمات ثلاث تواجه الرئيس المصري الجديد المشير عبد الفتاح السيسي في ترؤسه مصر الدولة والحضارة، نتمنى مخلصين أن يكون قادراً على النهوض بأعبائها، وهو على إدراك تام لمعنى مصر الرمزي والاعتباري، رمزية مصر تتلخص في أنها الدولة العربية المحورية القائدة التي لا يمكن أن تتخلى عن هذه الوظيفة الرائدة في الشأن القومي، ولا يمكن لغيرها من الدول العربية مهما علا شأنها الاضطلاع بهذه المهمة لظروف ذاتية وموضوعية معروفة، واعتباريتها تكمن في أنها الدولة الحضارية الأولى في العالم التي لم تُحل طلاسم فرعونيتها إلى هذه اللحظة ولا يمكن لأي رئيس مصري التراجع عن هذه الوظيفة الحضارية الاعتبارية .
ووفقاً لما تقدم فإنها يمكن أن تشكل القطب العربي الذي تدور في فلكه اثنتان وعشرون دولة، لكل منها خصائصها الطبيعية والبشرية المتميزة، والتي ما انفكت الدول الاستعمارية من جعلها ميداناً للصراع والتنافس الدولي منذ أن تفكك سلطانها العالمي بعد انهيار الدولة العباسية في العراق، ونشأت الحركة الاستعمارية العالمية، وابتدأ الصراع بوجوه وأدوات شتى تارةً دينية مذهبية صفوية - عثمانية وأخرى استعمارية توسعية عثمانية - أوروبية وثالثة استراتيجية سوفييتية أمريكية .
وإذا كانت الدول في العادة تدور في أفلاك ثلاثة، فإن أولها يبدأ بالاستجابة إلى المتطلبات الحياتية التي وصفها ماسلو في سلمه الافتراضي بالحاجات الأساسية، وهي الحاجات الأشد ضغطاً وإلحاحاً من سواها على صناع القرار في الدول كافة، من هنا فإن الرئيس السيسي سيواجه في الإطار الداخلي ضغطاً نوعياً بمستويين .
الأول، معاشي يتطلب أن يوفر ليس خبزاً لملايين المصريين بل فرص عمل تتكفل بعيش موقر للمحرومين من الطبقات المصرية لا سيما تلك المتنورة التي لا تجيد العمل في القطاع الحرفي أو الخدمي، أولئك الذين أهملتهم السلطات المصرية حتى تحولوا إلى بركان هائج فزلزلوا الأرض تحت أقدام الطغاة المتخمين ممن لم يحسنوا إلى شريعة العقد بينهم ومحكوميهم .
مهمة كهذه لا ينبغي النظر إليها ببساطة، فهي كفالة عيش لما يزيد على 94 مليوناً من البشر ضاقت ببعضهم السبل فارتضوا أن يفترشوا المقابر أو العيش وسط النيل في زوارق متهالكة، ثانياً، تترافق مع تلك المهمة مهمة أخرى هي بسط الأمن على مساحة تتجاوز المليون كم مربع تتوزع بين سبع وعشرين محافظة متنوعة التضاريس، وإذا ما أدركنا بأن فرضيات بسط الأمن تتطلب بيئة سياسية ومجتمعية متعاونة وإيجابية، فإن البيئة التي تركها "الإخوان" في مصر هي ليست كذلك، وبالتالي فإن السيسي سيعاني صعوبة نوعية تتطلب جهداً استثنائياً في مواجهة تنظيم تعبث أطرافه في معظم الأقاليم في العالم، والتي تمتد من روسيا شمالاً إلى شمال ووسط وجنوب إفريقيا غرباً، إضافة إلى قدرته على توفير ممكنات مادية لوجستية قادرة على تقويض دول بعينها، وهو تحد خطر ونوعي سيواجهه المشير السيسي، ومما يزيد من صعوبة المهمة أن البيئة المصرية غير قادرة على توفير متطلبات المواجهة في الآني من الأيام .
وبالانتقال إلى الفلك الإقليمي الذي تدور في أرجائه مصر ويحتوي قوى نوعية تختلف في مشاربها الفكرية والمذهبية، ولكنها تتفق في أهدافها ومصالحها الآنية والمستقبلية التي لا تتعدى سوى الإحاطة بالدول العربية واستنزاف قدراتها المادية والروحية، تلك القوى التي تنمر بعضها حتى على المجتمع الدولي في تحدٍ نوعي، وأضحى لا يقيم وزناً للاعتبارات القانونية والأخلاقية إسرائيل مثلاً.
وبالتالي فإن المهمة الجديدة التي ينبغي أن يأخذها الرئيس السيسي بعين الاعتبار هي محاولة إعادة التوازن النوعي بين القوى الإقليمية، بعد غياب طويل وإهمال مقصود وفهم مقصور، ذلك التوازن الذي أشار إليه الرئيس السيسي بالقول وفي إحدى المقابلات في القنوات الفضائية إننا قادمون إليه (مسافة السكة) .
والرجل على ما نعتقد وبما يمتلك من مؤهلات ذاتية وموضوعية قادر على خلق وإحياء بيئة توازنية شرق أوسطية غيبتها القيادات العربية، ولنا في مثال الرئيس الروسي بوتين الذي أعاد إلى روسيا عظمتها وبريقها وقوتها عظةً واضحة، سيما وأن الرجلين يشتركان في مواصفات كاريزمية عدة يفتقر إليها العديد من الرؤساء في العالم .
أما الإطار الثالث فهو الدولي الذي يشهد فيه العالم العربي غياباً فاضحاً ونوعياً، لم يكن لهم فيه حضور ولو شكلي لا في الأحداث الدولية ولا حتى الإقليمية التي يلامس بعضها جوهر أمنهم القومي واستقرارهم السياسي، مكتفين بما تقيمه الجامعة العربية من مؤتمرات سنوية استعراضية يتباكى فيها المتباكون عن سوء أوضاعهم المحلية والدولية .
من هنا لا بد للسيسي إذا أراد إحياء لدور العرب في المجتمع الدولي أن يعيد النظر في الجامعة العربية مؤسسة ومهام، وتلك قضية أساسية ينبغي أن تتضافر الجهود العربية جميعاً لإحيائها .
الدول العربية اليوم جميعاً مدعوة للأخذ بيد الرئيس المصري الجديد ليس لإحياء مصر فقط التي أصابها الكلل قرابة الأربعين عاماً أو يزيد بل لإحياء الوطن العربي داخلياً وإقليمياً ودولياً .
في ذكرى غزو لبنان وحصار بيروت
بقلم: عوني فرسخ – القدس
كانت حكومة مناحم بيغن قد قررت مطلع 1982 غزو لبنان لإخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية منه . وفي 12 كانون الثاني توجه وزير الدفاع آرييل شارون إلى جونيه، حيث عقد ومرافقوه اجتماعاً مع بشير الجميل قائد ميليشيا القوات اللبنانية وزعماء الانعزاليين الموارنة أوضح فيه أن الجيش الإسرائيلي سيمضي حتى أطراف بيروت الغربية مركز قيادة القوات المشتركة اللبنانية - الفلسطينية، ولكنه لن يدخلها، حتى لا يتحمل دولياً مسؤولية احتلال عاصمة عربية . وأكد أن إخراج الفدائيين منها مسؤولية القوات اللبنانية التي عليها استغلال هذه الفرصة التاريخية للسيطرة على بيروت كلها، ما سيؤدي إلى خروج القوات السورية بالطرق السياسية كما تفضل واشنطن ذلك . وختم بيانه قائلاً: "في حال رفض السوريون الخروج من لبنان، فإنكم تستطيعون أن تقيموا لأنفسكم دولة حرة تتأسس على تواصل إقليمي في الجنوب، في المناطق التي سنحتلها، وفي المناطق التي تسيطرون عليها اليوم، وفي عاصمتكم التي ستحرر على أيديكم" .
وفي أواخر نيسان 1982 تلقى سعيد كمال، ممثل فتح ومدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة، مكالمة هاتفية من ستيفن كوهن، الناشط السياسي الأمريكي، يبلغه فيها أنه قادم إلى القاهرة للقائه لأمر مهم . فقام بإبلاغ الأمن القومي المصري وقيادة المنظمة في بيروت مستأذناً لقاءه فتلقى موافقة الطرفين، وفي لقاء كوهن أبلغه أنه يريد لقاء عاجلاً بياسر عرفات في بيروت، فأمنت لهما المخابرات المصرية طائرة عسكرية لذلك . وفي بيروت التقى كوهن بياسر عرفات وصلاح خلف، وخليل الوزير، وأبلغهم أن شارون قد يقوم بمهاجمة لبنان وصولاً إلى بيروت لإخراج قوات المنظمة منها، وأن لا الدول العربية، ولا السوفييت، سوف يتدخلون لمصلحتهم، لأن الجميع باتوا على قناعة بأن خروج قوات المنظمة من بيروت هو السبيل الوحيد لقبولها بقرار مجلس الأمن رقم 242 .
وفي أول حزيران قرر الرئيس مبارك إعادة تحذير المنظمة، وطلب إلى المخابرات العامة الاتصال بقيادتها لإبلاغها بأنه حسب المعلومات المتوافرة، فإن شارون سيدخل لبنان بقوة كبيرة، وسيكمل زحفه إلى بيروت . وإذا قرروا إبطال حججه عليهم قبول وضع سلاحهم تحت رقابة دولية .
وفي 6/3 قام أحد فدائيي جماعة أبو نضال المنشقة بمحاولة اغتيال سفير إسرائيل في لندن ما اتخذها بيغن حجة لغزو لبنان مستهدفاً وأركان وزارته وقادة جيشه تحقيق أربعة أهداف متكاملة: إخراج قوات الثورة الفلسطينية من لبنان، وتوفير الأمن لمستعمرات الجليل، وعقد معاهدة صلح مع لبنان، والضغط على سوريا لعقد تسوية مع إسرائيل أو خروج قواتها من لبنان . وكان يطمح لإقامة حلف بين إسرائيل ومصر ولبنان .
والثابت من المصادر الموثوقة، خاصة الإسرائيلية منها، أن الاجتياح لم يسر وفق ما قدره شارون وأركان جيشه، ولا كما قدر الخبراء الأمريكان، ولا كان أداء القوات المشتركة الفلسطينية واللبنانية بالصورة التي أظهرتها أغلبية أجهزة الإعلام التي سلطت الأضواء على أحد قادة فتح الذي أخلى موقعه ولاذ بالفرار من المواجهة، وكثفت الظلال على الملاحم التي دارت في قلعة الشقيف، والنبطية وعلى الطريق إليها، وفي صور، ومخيمي البرج الشمالي والرشيدية، وعلى أطراف صيدا التي فشلت أربع محاولات لاقتحامها، رغم حصارها بتسعة آلاف جندي . كما في معارك جزين ومخيم عين الحلوة حيث سقط 2200 جندي وضابط إسرائيلي بين قتيل وجريح . أو في الدامور حيث تصدى نحو 400 فدائي و 330 عنصر ميليشيا لفرقتين إسرائيليتين .
وعندما وصل الجيش الإسرائيلي بيروت، وأحكم حصار شطرها الغربي بالتعاون مع القوات اللبنانية، رفضت قيادة حزب الكتائب دخول القوات لقتال القوات المشتركة المتحصنة داخلها، برغم إلحاح شارون وإيتان . وقد أجمعت قواعد القوات المشتركة على القتال، وقد جاء إليها ورفعت شعار "حرب الشعب طويلة الأمد" .
وللتعجيل بخروج قوات المنظمة تكثفت الضغوط الأمريكية والرسمية اللبنانية، وأغلبية قادة الأحزاب والزعامات اللبنانية التقليدية التي راحت تلح على تجنيب بيروت ومواطنيها المدنيين تداعيات حرب لم يكونوا يرون في قدرة القوات المشتركة الصمود في مواجهة ما قدر بنحو مئة الف جندي من المشاة مدعومين بسلاحي الطيران والبحرية، فضلاً عن الدمار المتوقع للعاصمة اللبنانية .
وفي 14 تموز وّجه ياسر عرفات، من خلال الرئيس إلياس سركيس، تعهداً للموفد الأمريكي إلى لبنان فيليب حبيب، مبدياً فيه استعداد قوات منظمة التحرير للخروج من لبنان حرصاً على المواطنين المدنيين، ما أن تتوفر ضمانات حماية المخيمات وترتيبات الخروج . وقد ضمنت الولايات المتحدة للمنظمات الفلسطينية في بيروت بألا يلحق عائلاتهم أي أذى بعد أن يغادروا لبنان . وفي 30 آب غادر ياسر عرفات بيروت منهياً وجود منظمة التحرير في لبنان بعد حرب قدرت لها قيادة الجيش الإسرائيلي 48 ساعة لتمتد 88 يوماً . فضلاً عن أنها كانت فشلاً ذريعاً لأهداف بيغن الأربعة:
فاتفاق 17 أيار ،1983 الذي فرضه بيغن على الرئيس اللبناني أمين الجميل، انهته القوى الوطنية اللبنانية بدعم سوريا بعد عشرة شهور من توقيعه، برغم وجود الجيش الإسرائيلي على أرض لبنان . ولم يتحقق هدف إخراج القوات السورية من لبنان، وفرض التسوية المنشودة على سوريا . وعلى العكس من ذلك تعزز الدور السوري في لبنان باعتراف أغلبية المحللين السياسيين الإسرائيليين الذين تناولوا وجود إسرائيل في لبنان بالدراسة والتحليل .
صحيح أنه تم إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، ولكن ذلك لم يأت بالأمن لمستوطنات الجليل . إذ تنامى في الجنوب اللبناني وجود ودور المقاومة اللبنانية التي تدرب العديد من قادتها وكوادرها في صفوف المنظمات الفلسطينية، ووعت تماماً نواحي القصور لدى مدربيها، وبالتالي وعت دروس التجربة الفلسطينية المرة، فضلاً عن أنها انبثقت من أرض الجنوب اللبناني الذي شكل لها الحاضنة الوطنية على نحو متميز عما كان بالنسبة للأشقاء الضيوف .
ولأن فشل الاجتياح كان تاماً أصيب مناحم بيغن بالاكتئاب وانتهت حياته السياسية على نحو مأساوي . وبهذا يكون لبنان قد قهر بيغن وأفشل سعيه لقهر الإرادة الوطنية اللبنانية .
.. والخطوتان: الثانية والثالثة؟
بقلم: حسن البطل – الايام
ثلاث خطوات لترتيب البيت الفلسطيني، تنقل "نيّة" الرئيس أبو مازن على اللا-الترشيح لرئاسة السلطة إلى "عزمه" على ذلك.
خطونا خطوة أولى، هي تشكيل "حكومة الوفاق" كما دعاها الرئيس. من المبكر أن أن نغني لها "دادا .. يللا يللا / دادا ما شاء الله" إذا لم نتبعها بخطوات، أو بخطوتين ذات صلة مباشرة بها.
الخطوتان هما: الانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية، وعقد المؤتمر العام السابع لحركة "فتح" الرائدة - الفائدة.
حسب اتفاق أثمر "حكومة وفاق" فإن موعد "تجديد الشرعية" الفلسطينية سيكون (خلال) أو بعد 6 أشهر، في الأقل من إعلان "حكومة الوفاق". هذا موعد مبدئي، لكن موعد المؤتمر الحركي العام يبدو أكثر تحديداً، وعلى الأغلب في آب المقبل، وربما في يوم انعقاد المؤتمر السادس 4 آب، وهو تاريخ ميلاد الرئيس - المؤسس ياسر عرفات .. وميلاد خصمه مناحيم بيغن!
بالفعل، عقد رئيس السلطة (والحركة والمنظمة) سلسلة اجتماعات للتحضير للمؤتمر السابع، حتى قبل الخطوة الأولى الميمونة فلسطينياً، بإعلان الاتفاق و"حكومة الوفاق".
على ما يبدو، وانسجاماً مع مقررات المؤتمر العام السادس، كان المؤتمر العام السابع سيعقد، حتى لو لم تخط حكومة الوفاق خطوتها، لأن "تجديد شباب" الحركة بدأ جزئياً في المؤتمر السادس بعد 19 سنة من الخامس، ولا بد من استكماله لتسليم قيادة الحركة الى "جيل جديد" من صناعة أعضاء الحركة في أرض البلاد.
الخطوة الثلاثة، المتوقعة بعد "حكومة الوفاق" هي في توجيه، أول من امس، الرئيس رسالتين: الأولى إلى د. حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية، للمباشرة في اجراءات فورية لتكون جاهزة خلال المهلة المضروبة، وهي خلال 6 شهور، قد تزيد لكن لن تقل. الرسالة الثانية هي لرئيس حكومة الوفاق، د. رامي حمد الله لمواكبة لجنة الانتخابات المركزية، في حل قضايا وطبيعة الانتخابات قانونياً، وهل ستجري وفق نظام "التمثيل النسبي" (البلاد دائرة واحدة) خلافاً لانتخابات العام 2006 حيث جرت، مناصفة، بين التمثيل النسبي والدوائر.
من الواضح أن حركة "فتح"، بعد مؤتمرها السابع، ستذهب الى الانتخابات وهي موحدة، وليس كما ذهبت بقائمتين، حتى الساعة الاخيرة من اليوم الأخير لباب الترشيح، ما أضعف فرص فوزها، وبخاصة وفق نظام انتخابات الدوائر، حيث كان الاكتساح الأكبر لحركة "حماس" المنتصرة.
هذا يعني انهاء "الانفلاش" الحركي، او "ديمقراطية سكر زيادة" حسب تعبير الرئيس - المؤسس، علماً أن الرئيس أبو مازن حاول ويحاول ضبط مراكز القوى في الحركة، دون المس بخلافات الرأي داخل الحركة، وبخاصة ضبط فوضى "الأجهزة الأمنية".
مؤتمر "بيت لحم" الحركي كان بداية التحول في حركة "فتح" لجهة ضبط العضوية ما أمكن، والاتجاه نحو ضغط أعضاء المؤتمر العام، وانتخاب لجنة مركزية جديدة، غالبية اعضائها محلية وشابة نسبياً، دون كبير إخلال بحصة الاعضاء القدامى "التاريخيين".
هل ستخطو "فتح" الخطوة الضرورية في الانتقال من "حركة" تحرير تبدو "جبهة" وطنية، الى ما يشبه "حزب" كما حصل في "حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية"؟ .. لا يجوز لعضو الحركة ان يترشح مستقلاً عنها كما حصل 2006.
الثورة "فصائل" وأما الدولة فهي أحزاب وائتلافات، ولن تتحول الفصائل في م.ت.ف الى احزاب دون أن تقتدي بالفصيل الأكبر والقائد.
وداعاً، إذاً، للشعار الفتحاوي: "أنا أبن فتح ما غنيت لغيرها" علماً أن بعض خيرة كوادر "فتح" في المنفى كانوا في غيرها من الأحزاب العربية والقومية، أو الفصائل .. والآن: سيكون هذا الشعار أنا عضو حزب "فتح" ما دمت ملتزماً بنظامها الداخلي لا بموالاة مشروعها الوطني، بعد موالاة مشروعها النضالي.
من شأن ثلاث خطوات فلسطينية، متتابعة ومتلاحقة، في هذه السنة الفلسطينية الميمونة، ان تدعم الخطوة الرابعة والأكبر، أي انتقال الثورة الى المنظمة، والمنظمة الى سلطة؛ والسلطة الى دولة - عضو .. فإلى دولة عضو عامل ومعترف بها دولياً.
من من حاجة لامتحان صدقية انتخابات الديمقراطية الفلسطينية، ولا مهنية واستقلالية لجنة الانتخابات المركزية، فقد أدّت الامتحان بنجاح ثلاث مرات في أعوام 1996 البرلمانية والرئاسية و2005 (الانتخابات الرئاسية والبلدية الاولى) وانتخابات 2006، وقد شهد العالم بأسره بنزاهتها، وبخاصة عندما أعلنت فوز "حماس" في انتخابات 2006 وهي اول "نظام" عربي يفعل هذا.
إن اعتراف الاتحاد الاوروبي بحكومة الوفاق، وقبول تعامل الولايات المتحدة معها، يؤشران الى اعتراف دولي لاحق بنتيجة الانتخابات الفلسطينية المزمعة، خلاف ما جرى بعد فوز "حماس" المفاجئ في انتخابات 2006. هذه هي ارادة الشعب، ومن المؤكد ان لجنة الانتخابات ستعلن نتيجة ارادته أياً كانت.
كان الرئيس المؤسس رجل الحركة "الثورة والمنظمة والسلطة" والرئيس ابو مازن يريد أن ينهي خدمته كرجل الدولة.
مدير حملة حماس 2006
تعقيباً على عمود "حكومة محكومة" الاثنين 2 حزيران:
Abdalrahim Zayed ملاحظة: مدير حملة حماس الانتخابية هو الأستاذ (محمد عمر) أبو عمر، ولا يزال مدرس تكنولوجيا ونظم معلومات في مدرسة بيتونيا الاساسية، ويحمل ماستر في الدراسات الاسرائيلية .. وهو صديق عزيز (اقتضى التنويه).
حتى لا تصبح المصالحة رزمة مصالح
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
أحداث اليومين الماضيين ليست مبشرةً بما ستكون عليه الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة عقب اتفاق المصالحة... وبصرف النظر عن مجمل التحليلات السياسية أو التفسيرات للأسباب التي عجّلت في توقيع الاتفاق بشكل نهائي وتشكيل حكومة الوفاق الوطني... فإن كثيراً من القضايا ما زالت معلّقةً وتحمل في طياتها كثيراً من قنابل التفجير.
في خطبة الجمعة قبل الماضية تحدث وزير في الحكومة المقالة بلغة لا تبدو فيها المصالحة وكأنها فعل حقيقي... بل وكأن الأمر قائم على قاعدة التكتيك وليس على قاعدة الإستراتيجية الوطنية الجامعة... لقد قال الوزير السابق إن الحكومة في غزة باقية وإن سلطة حماس باقية وإن ما بنته المقاومة لا يمكن ولا نقبل بهدمه، وما إلى ذلك من شروط أو ملاحظات تبدو فيها المصالحة وكأنها وعاء فارغ من محتواه... وكأن الظروف هي التي أجبرت حركة حماس على قبول هذا الوضع.
إذا ما كان التفكير في المصالحة على قاعدة الرابح أو الخاسر، المهزوم أو المنتصر، القوي أو الضعيف، فإن في الأمر خطورةً بالغةً بل وأكبر مما نتوقع، وإذا اعتبرت المصالحة جسراً للمرور إلى مرحلة أخرى بسبب ظروف استثنائية هنا أو هناك فإن الأمر، أيضاً، خطير.
وإذا ما اعتبرنا، أيضاً، أن المصالحة تعني تحقيق مجموعة من المصالح الحزبية، ومنها كسب أي حجم من الوظائف والترقيات والسيطرة على مراكز صنع القرار في الوزارات والمؤسسات... وغير ذلك من الامتيازات الشخصية أو الحزبية فإن النهاية ستكون مأساوية...
أما إذا ما نظرنا إلى المصالحة من وجهة وطنية جامعة قادرة على إحداث تغيير حقيقي في كل ما حصل واجتثاث السلبيات التي علقت جراء هذا الانقسام فإن الأمور ستسير في مجراها الصحيح.
وإذا ما اعتبرنا أن المصالحة جزء أساس من وحدة وطنية لمواجهة المخاطر التي تعصف بالوطن والأرض ولمواجهة التداعيات السياسية التي تهزّ المنطقة فإن المصالحة هي بشائر خير.
وإذا ما اعتبرنا أن المصالحة هي الطريق الصحيح لمواجهة الاحتلال وإفرازاته العدوانية سواء تمثلت بالاستيطان أو التهجير أو التدمير أو غير ذلك من وسائل العدوان الإسرائيلي فإننا قد حققنا تطلعات جماهيرنا الفلسطينية.
ولكن حتى لا تكون الاتفاقات التي وقعت في مكة أو القاهرة أو الدوحة أو غيرها من العواصم مجرد أطر واسعة غير محددة المعالم... وتفاصيلها مبهمة... لأننا إذ ما تركنا مجالاً للفتاوى والتفسير لبنود هذه الاتفاقات كل حسب مصالحه أو ما يحقق هذه المصالح... فإننا حتماً سنصل إلى لحظة المواجهة المرعبة التي ستعيد الوضع إلى ما كان عليه بل وربما أسوأ مما كان بكثير، فعلى سبيل المثال، ينص اتفاق المصالحة على تشكيل لجنة قانونية لدراسة أوضاع الموظفين الذين تم تعيينهم في قطاع غزة بعد الانقسام... والذين يزيد عددهم على أربعين ألف موظف... من واجب اللجنة دراسة هذه الملفات والوصول إلى نتائج قاطعة... وهذا يحتاج إلى فترة زمنية... ومن غير المعقول أن تقوم الشرطة في غزة بمنع الموظفين من الوصول إلى البنوك أو الصرافات الآلية لقبض رواتبهم بحجة أن رواتب موظفي الحكومة السابقة في غزة لم يتم صرفها؟! ومن غير المعقول في بداية المصالحة ألا تأتمر الشرطة بقرارات وزير الداخلية الدكتور رامي الحمد الله وهو رئيس الوزراء في حكومة الوفاق.
في يوم ما كانت تشتكي حماس من أن الأجهزة لا تنصاع إلى تعليمات وزير الداخلية الحمساوي في حينه، وكانت هذه إحدى حجج الانقلاب، فكيف تقوم اليوم بما كانت ترفضه بالأمس، وتعتبره أحد أسباب الانقلاب.
إن حالة الانقلاب الأمني دائماً تبدأ بخطوة صغيرة تتلوها مجموعة من الخطوات... بمعنى آخر الانقلاب هو ككرة الثلج المتدحرجة... فإن لم يتم تفتيتها من البداية فستكبر إلى حد عدم القدرة على إيقافها.
إذا كانت منهجية المصالحة قائمة على مبدأ القوة الأمنية على الأرض فإن ذلك يعني وصفة للفشل لا يمكن التنبؤ بوقتها إن كانت غداً أم بعد سنة أم بعد عشر سنوات... إذا لم نقم باقتلاع الألغام من حقولنا الوطنية ومن أرضنا في الضفة والقطاع ستبدو عوامل الانفجار بادية في كل لحظة؟!.
هل تفتح حكومة الوفاق باب المصالحة الشاملة
بقلم: صادق الشافعي – الايام
مبروك، تم تشكيل حكومة الوفاق على خير.
امكن تذليل العقبات التي ظلت حتى الساعة الأخيرة تعترض طريق التشكيل واحدة وراء الأخرى بصبر وإيجابية وبتصميم على الاتفاق، فتحقق الإنجاز.
لم يعد مهما الآن، وقد تشكلت الحكومة، البحث طويلا عما دار في الكواليس ولا عن الدوافع وراء المواقف ولا عن المتغيرات التي فرضت الاتجاه نحو المصالحة وهي أساسية ولا عن حسابات الربح والخسارة.
ما وصلنا إليه بكل المقاييس افضل من الحال التي كنا فيها لسنوات.
المهم قبل كل شيء كيف سيفتح النجاح في تشكيل الحكومة الطريق أمام التصدي للعناوين المهمة الأخرى والاتفاق حولها، فتلك العناوين هي جوهر المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، وبدون النجاح في الاتفاق عليها لا يمكن الاطمئنان إلى تحقق المصالحة فعلا، ولا إلى استمرار وثبات إنجاز تشكيل الحكومة نفسها. وبدون ذلك لا يمكن أيضا نزع الخشية والتوجس في نفوس الناس.
إنجاز الحكومة قدم فاتحة خير وأمل وفتح باب الولوج إلى تلك العناوين، وأعطى ثقة بأن الجو مهيأ لإنجاز مصالحة وطنية كاملة، وإننا قادرون على تحقيق ذلك.
المهم الآن هو حماية الإنجاز أولا، والبناء عليه لاستكمال المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية على كل المستويات وتجديد مؤسساتنا وتفعيلها ثانيا، ثم تحصيل الاعتراف الدولي بها ثالثا.
أما عن "أولا"، حماية الإنجاز، فيكون أول ما يكون بتعاون كل القوى على تمكين هذه الحكومة ان تكون فعلا حكومة، تخطط وتقرر وتقود وتطاع في حدود توكيلها وقرار ترسيمها، لا أن تتحول الى واجهة شكلية يمارس الحكم من خلالها من "تركوا الحكومة ولم يتركوا الحكم". ولا ان يكون لها "مجلس وصاية" يوجهها ويتحكم في أعمالها.
يزيد من أهمية هذا الأمر ان الدوائر والمؤسسات والأجهزة الحكومية في الضفة والقطاع لا تزال مسيطرا عليها (وان بتفاوت نسبي) من قيادات وكادرات القوى الحاكمة هنا او هناك، وان الوضع سيستمر كذلك لوقت نأمل ألا يطول، او ان "يطوّل". خصوصا وان هذا الأمر ينطبق بالدرجة الأولى على أجهزة الأمن بما لها من خصوصية ودور استثنائي.
وأما عن "ثانيا"، البناء على الإنجاز، فهو البدء الفوري وبجدية عالية في التصدي للعناوين المهمة الأخرى حسب برنامج محدد يتم الاتفاق عليه وعن طريق لجان مختصة يتم تشكيلها.
وإذا كانت تسمية أعضاء الحكومة قد اقتصرت واقعيا على تنظيمي "فتح" و"حماس" تحت مبررات معينة، فإن تشكيل اللجان المختصة المذكورة لا بد ان تشارك فيها كل التنظيمات والكفاءات، بل ان بعض اللجان ذات الاختصاص تفترض ان يكون للكفاءات ذات الخبرة نسبة عالية فيها.
من بين العناوين المذكورة تبرز الصعوبة الخاصة لعنوان الأمن والأجهزة الأمنية.
لقد تعاظم دور الأجهزة الأمنية في ظل الانقسام، وكانت بالأصل هي الأداة الأساسية في تكريسه وفي ضمان استمرار الحكم لأصحابه هنا او هناك (ومرة أخرى مع تفاوت نسبي).
ان كلا من الجهازين الأمنيين بالضفة والقطاع امتلك عقيدته الأمنية الخاصة والتي ظلت العنوان الأول للاتهام.
الإقرار بصعوبة عنوان الأمن هو الذي أمل تأجيل الاتفاق حوله وإحالة كل ملفه الى لجنة عربية خاصة برئاسة مصر.
ثم تبرز أهمية عنوان تفعيل منظمة التحرير. فهو العنوان الأكثر تشعبا والأكثر حاجة للوقت والإيجابية في التعاطي معه والاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة للوصول الى قواسم مشتركة. يأتي في مقدمة هذا العنوان إقرار البرنامج السياسي للمنظمة. فالبرنامج بقدر ما يحدد المنطلقات والركائز والأهداف والوسائل الرئيسية للنضال الوطني الفلسطيني فإنه يحدد الرؤية تجاه المفاوضات ويحسم الجدل الخلافي حولها، ويشكل أيضا المرجعية التي تلتزم بها حكومات السلطة الوطنية.
ثم يأتي تشكيل هيئات المنظمة وفي المقدمة منها المجلس الوطني وكيف وأين يمكن إجراء انتخاباته وعلى أي قواعد يتم ذلك، وتفاصيل أخرى كثيرة.
لكن عنوان الانتخابات العامة يبقى هو العنوان الأهم فهو الذي يحصّل العناوين المختلفة ويلحمها في وحدة متجانسة ويضمن لها درجة عالية من الثبات والاستمرار بقدر ما يؤمن لها شرعيتها الشعبية ومحتواها الديمقراطي.
وأما عن "ثالثا"، تأمين الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة، فيبدو ان الأمر ليس مستحيلا ولا حتى صعبا.
فتصريحات الرئيس أبو مازن طمأنت الأطراف المعنية ومهدت الطريق لتأمين الاعتراف المطلوب. فقد صرح في اكثر من مرة ان حكومة المصالحة هي حكومته وان برنامجها هو برنامجه وأنها بالتالي تعترف بإسرائيل وبالاتفاقات السابقة وتنبذ الإرهاب وتقبل بالقرارات الدولية وبشروط الرباعية الدولية، وزاد على ذلك رفعه التنسيق الأمني (مع إسرائيل) الى درجة "القداسة".
والحكومة أعلنت في ساعاتها الأولى التزامها ببرنامج الرئيس.
وكان لافتا جدا عدم اعتراض "حماس" بالذات على أي من تلك التصريحات. بل قبولها والموافقة على حكومة تقوم على أساسها بما يثير، تساؤلات عن الأسباب والدوافع، وعن الاستهدافات أيضا.
بوادر الاعتراف الدولي بدأت تهل من اكثر من دولة وجهة وجاء الموقف الأميركي في هذا المجال مؤشرا ودالا.
أما الموقف الإسرائيلي الهستيري ضد الحكومة الجديدة والمصحوب بإجراءات استفزازية فكان طبيعيا ومتوقعا لما تعنيه المصالحة من توحيد للموقف الفلسطيني وتقويته، ومن سحب لورقة استغلال الخلاف والتلاعب بين أطرافه. إضافة الى أسباب داخلية تتعلق أساسا بالتغطية على سياساتها التوسعية والعنصرية، وأخرى خارجية هدفها الأساس رفع مسؤولية إفشال المفاوضات وإلقاؤها على الطرف الفلسطيني.
لكن إسرائيل التي تم تأسيسها وإقامة كيانها بقرار من المجتمع الدولي، لا يمكنها ان تدير ظهرها له ولمواقفه ولا ان تلغيها من حساب مواقفها.
حركة الجهاد الإسلامي: القدرة على الطفو فوق كل التعارضات ...!
بقلم: حسين حجازي – الايام
يقول لنا الأخ رمضان عبد الله شلح ونائبه زياد النخالة وبخلاف الانطباعات والتحليلات السائدة ان لإسرائيل ضلعا ثالثا في هذه المصالحة التي تحققت بين "فتح" و"حماس"، ما يعني ان ما جرى ليس مبادرة فلسطينية خالصة أو قرارا فلسطينيا خالصا بإنهاء الانقسام، وبحسب الدكتور شلح في مقابلة أجرتها معه صحيفة "الحياة اللندنية" بعيد الإعلان الاحتفالي عن إنهاء الانقسام بأيام، فإن بنيامين نتنياهو ربما شجع من طرف خفي على الدفع بأبو مازن الى هذه المصالحة مع "حماس"، لإظهار الرجل وكأنه يحقق إنجازا أمام شعبه فيما لم يستطع تحقيقه من المفاوضات، وإلا كيف تم سلق هذه المصالحة هكذا فجأة على عجل بالقفز عن الخلافات البرامجية بين الطرفين؟ مشيرا إلى أن حركته لم تكن أصلا جزءا من الانقسام وهي اليوم لا تعرف ما جرى في كواليس هذا الاتفاق. أما نائبه الأخ زياد النخالة فاستدل على مصلحة إسرائيل في إنهاء هذا الانقسام، من كون ان السيد عزام الأحمد ظل "رايح جاي" إلى غزة بموافقة إسرائيل، التي كان بمقدورها لو لم تكن راغبة عدم تسهيل حركة الرجل. ولكنه كشف في ذات السياق بعد أن قام وشلح بزيارة مصر، عن أن هذه الأخيرة تنظر إلى ما جرى بحذر.
لا يدلنا السيد أبو عبد الله والنخالة على قرائن هنا للتأكيد على صحة ما يقولان، سوى تحليل يغلب عليه الظن وهو اقرب إلى الشك أو "اغلب الظن" لحركة تبدو في تعففها وزهدها السلطوي وتأكيدها المتواصل ولكن المجرد أو الطُهراني المثالي على المقاومة الخالصة، وكأنها مسكونة بهذه النزعة الخالصة من النقاوة الثورية، التي هي سمة بارزة لهذه التنظيمات والحركات المغلقة ربما والحلقية. وحيث يبدو الانخراط في العمل السياسي هنا نوعا من اللوثة او النجس الذي يجافي هذه الاستقامة المجردة أو الطهرانية، وهي الاستقامة التي تذكرنا بماضي الجبهة الشعبية في شخص جورج حبش وخلفائه أبو على مصطفى واحمد سعدات. وعليه فإن القرينة المشتركة والأقرب ربما لفهم "الجهاد الإسلامي" في السياق التاريخ الفلسطيني، ربما كانت ولا تزال الجبهة الشعبية اليسارية. وحيث يمكن القول في هذا السياق إن الجبهة الشعبية هي التي لعبت دور "انكيدو" مقابل "فتح" خلال العقود الأولى من عمر الحركة الوطنية الفلسطينية، بينما اليوم تلعب "الجهاد الإسلامي" هذا الدور الرمزي الموازي مقابل "حماس". "انكيدو" التي تقول الأسطورة انه لم يمل من مجادلة البطل جلجامش في رحلته للبحث عن الخلود.
وهكذا إذاً، وقد اقمنا هذا التناص التاريخي، فإنه يسهل علينا الآن ربما وضع هذه الانتقادات او السجال الجهادي في إطاره الصحيح، أي باعتباره موجها بالأساس لحركة حماس. انه سجال في الجناح الإسلامي السياسي المقاوم يعيد التذكير بالسجال القديم زمن السبعينيات داخل الجناح السياسي الماركسي بين الجبهة الشعبية والديمقراطية، كما السجال الراهن في مصر بين الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي. وحيث الغيرية على المقاومة الخالصة في خطاب "الجهاد الإسلامي"، والغمز من قناة الميل السلطوي أو البراغماتي لـ"حماس"، هو المعادل الموضوعي لخطاب الجبهة الشعبية الراديكالي، عن الانحراف اليميني لـ"فتح" باتجاه التسوية والمساومة، وتنظيرات "الديمقراطية" للبرنامج المرحلي أو الواقعية الثورية كما سماها نايف حواتمة. وحيث موقف الرفض يتساوى في تماهيه من "الدولة الفلسطينية المسخ"، كما الصراع أو الاتفاق على تقاسم السلطة التي هي امتداد لأوسلو.
لكن ما لم استطع فهمه كحل لهذا التناقض هو شاب في التاسعة عشرة من عمره معتقل في سجن غزة العام 1974، كيف يمكن رفض الدولة الفلسطينية وبين الصوت الذي يصدر من إلهامي وحدسي الداخلي الذي يرى إلى هذا الرفض كخطأ. فإن حركة الجهاد الإسلامي هي التي تحيرني اليوم كهلا ومحترفا في تحليل السياسات. وإذ يمكن للتحليل السياسي المفتقد إلى المعلومات أن يذهب الى "اغلب الظن"، فإنه في ظني لا يجوز للحزب او الحركة السياسية باعتبارها تمثل عقلا جماعيا أو تنظيما على درجة أعلى في مسؤوليته السياسية والأدبية من التحليل الصحافي، ان يذهب الى هذا الحد في مجافاة المنطق والتحليل الواقعي للأحداث، إلى حد الاعتقاد او حتى الافتراض بأن بنيامين نتنياهو يخشى على مكانة أبو مازن، ولهذا السبب فإنه يتواطأ بشكل خفي لتسهيل مهمة مصالحته مع "حماس". ولكنه في هذه اللعبة او المناورة المخادعة ولكي يمارس نوعا من التضليل بمعادات المصالحة علنا، فإنه يخاطر بإطلاق الرصاص الى قدميه بإعطاء أبو مازن و"حماس" هذه المرة معا انتصارا دبلوماسيا عليه في المجتمع الدولي، ما هذا الكلام؟.
لكن أوليس هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن ان تفضي إليه فرضية التواطؤ او المصلحة الإسرائيلية في تحقيق المصالحة إذا كانت الأمور تقترن بنتائجها؟ وبالنتيجة فإن إسرائيل هي التي خرجت وحيدة خاسرة مرتين من هذه الحركة الاستباقية، التي بادر إليها أبو مازن و"حماس": المرة الأولى بإغلاق ثغرة الانقسام ولعب نتنياهو على هذا الشقاق، والمرة الثانية بظهور إسرائيل معزولة وعلى المستوى الدولي وحتى من اقرب حلفائها.
ان القادة المهرة هم الذين يخوضون مئة معركة حربية من دون قتال، وعليك أولا ان تهزم استراتيجية عدوك وبعد ذلك تفكيك تحالفاته. وهذه ضربة استراتيجية مزدوجة سيد رمضان شلح وزياد النخالة، تم توجيهها من دون إطلاق رصاصة واحدة. فالعالم كله أدار ظهره لنتنياهو، فهل كان يسعى نتنياهو الى ذلك؟ ان إسرائيل لا تريد سلاما ولا تريد أبو مازن، ولكن هل كان قرار المصالحة الآن وفي هذا التوقيت قرارا إسرائيليا، او حتى قرار أبو مازن؟ وأنا أقول كلا. لأنه كان واضحا لكل من له بصيرة، بأن من كان بيده هذا القرار التاريخي بإنهاء الانقسام وتقديم تنازلات او التضحيات المطلوبة لإنهاء الانقسام، هو حركة حماس و"حماس" على وجه التحديد. وهي التي قدمت البضاعة المطلوبة وكلنا نعرف لماذا اختارت "حماس" إنهاء هذا الموضوع.
لكن دعونا نقارب هذا الاستنتاج الآخر في سياق هذه المناقشة، اذ ينقل الأخ زياد النخالة بعيد زيارته والسيد شلح الى مصر الانطباع ان المصريين يبدون حذرا، لا ادري ان كان قلقا من المصالحة، وهو انطباع استطيع شخصيا ان اصدقه بالرغم من ان الموقف المعلن للسلطة الجديدة الحاكمة في مصر هو الترحيب بالمصالحة، وهذا الموقف الآخر لا يمكن التشكيك فيه طالما انه ليس ثمة مجال لاتخاذ موقف غير ذلك، حتى مع بعض الحذر او التحفظات التي يمكن التعبير عنها داخل الغرف المغلقة، اذ حتى الجهاد على كل هذه التحفظات او التلميحات التي نناقش بعضها هنا، فإن الموقف الأخير والمعلن للجهاد الإسلامي هو الترحيب بالمصالحة.
لكن ما يلفت الانتباه في الواقع في كل ما يتعلق بالزيارة اللافتة بحد ذاتها، في هذا التوقيت الى مصر بدعوة خاصة من المسؤولين المصريين الى السيد رمضان شلح ونائبه، هو التصريح الوحيد الذي أعطاه النخالة عن فحوى ما تضمنه هذا اللقاء، حيث أشار النخالة الى ان الجانب المصري اكد لهم ان مصر ترفض الاعتراف بيهودية الدولة، التي يتم الضغط حولها على أبو مازن في المفاوضات، وان يصار الى تحديد سقف زمني لهذه المفاوضات. طيب، السؤال الذي يستدعي طرحه هنا ما دخل "الجهاد الإسلامي" في هذا الموضوع؟ ان يكون للمفاوضات سقف زمني او لا يكون؟ اذا كانت المفاوضات من اصله ومن حيث المبدأ مرفوضة من وجهة نظر "الجهاد الإسلامي"، أكانت بسقف زمني او من دون هذا السقف. وإذاً، هل لهذا السبب صديقنا الفاضل والأستاذ زياد النخالة، تم هذا الاستدعاء المصري لكم لمواصلة المشاورات في هذا التوقيت؟ في إطار هذه المشاورات المتصلة مع الفصائل الفلسطينية في القاهرة؟.
تبدو "الجهاد الإسلامي" من هذا المنظار كحركة او مجموعة سياسية خالصة تملك عقلا سياسيا محترفا، يمكنها من هذه القدرة على الطفو او القفز للعبور من بين التناقضات او التعارضات بين القاهرة وطهران، في تخط واضح لأزمتين حادتين: الأزمة السورية وأزمة الانقلاب على نظام الإخوان المسلمين لمصر. وهما الأزمتان الكبيرتان اللتان قصمتا ظهر "حماس"، ودفعتها ركضا الى المصالة مع "فتح" وأبو مازن، وكانت ذروة هذه الحذاقة السياسية التي تشبه فصلا مسرحيا، هو وقوف "الجهاد الإسلامي" بعد ذلك موقف من يقرع "حماس" والجانبين معا، بوصفهما مدانين في شراكتهما غير النزيهة، في التوصل الى صفقة سياسية استجابة لمصالحهما دون إشراك "الجهاد الإسلامي" والفصائل الأخرى، بل ومن وراء ظهرهما وكأنهما يقومان بعمل من أعمال الرجس معلنة براءتها من هذه العملية، التي لم تكن "الجهاد" طرفا فيها منذ بدايتها أي في الانقسام كما في نهايتها. دون ان يطرح احد السؤال عن كيف تفوقت "الجهاد الإسلامي" على الطرفين معا؟ في حقيقة ان كونها هي الطرف الفلسطيني الوحيد الذي تبدو جميع خطوطه مفتوحة وغير معطلة مع كافة المعسكرات او المحاور الإقليمية، رغم ما يباعد بين هذه المحاور من خلافات.
ولا شك ان "الجهاد الإسلامي" العازفة عن السلطة والزاهدة في المناصب في أنها تفوقت على الجبهة الشعبية في هذه المرة ان تكون لاعبا فلسطينيا مفضلا وقت اشتداد التناقضات، فهي الحصان المفضل بعد خيبة الأمل من "حماس"، في ذروة الأزمة السورية من لدن محور الممانعة (ايران وسورية و"حزب الله" وقناة الميادين اللبنانية). وهي أيضا سبق هذا الرهان وآمل ان اكون مخطئا بالنسبة للنظام الجديد في مصر، بعد ان فشل الجنرال عبد الفتاح السيسي في إقناع أبو مازن ان المشكلة في "فتح" وليس بين "فتح" و"حماس". ولعلني أرى اليوم ان سبق الرهان الحقيقي الفلسطيني. هو على رجل واحد محترم ومخلص وشريف هو الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الأخ رمضان عبد الله شلح نفسه، بالقفز بالجهاد الإسلامي فوق كل هذه الرهانات الخارجية الواهمة.
وحسنا يقول لنا زياد النخالة، ان علاقات "حماس" مع ايران بخير، ولكن الأحسن من ذلك ان تكون الأمور جميعا بخير مع مصر، وهو لم يكشف لنا هنا ما يمكن ان يكون قد سمعه من المصريين بشأن ترميم هذه العلاقة. وان يعمل الكل الفلسطيني لأجل تجنيب الساحة الفلسطينية المزيد من المؤثرات والتوترات. وأظنه هنا يكمن اختبار الدور القيادي المميز لامين عام "الجهاد" رمضان شلح باعتباره صمام الأمان.
لكن أوليس هنا في هذا التقدير لقائد "الجهاد الإسلامي" ما يمكننا من العثور على الدلالة المشتركة الأخرى في قصة الجبهة الشعبية و"الجهاد الإسلامي"؟ حين ندرك الآن ان القرارات المبكرة التي اتخذتها إسرائيل في كلا الحالتين، بإبعاد رمضان شلح واغتيال فتحي الشقاقي في وقت متقارب ابان الانتفاضة الأولى، ثم اغتيال ابو علي مصطفى واعتقال احمد سعدات في ذروة الانتفاضة الثانية، بهدف واضح هو إبعاد قائدين بارزين يملكان القدرة في التأثير على الأحداث عن الميدان المباشر. شلح بالإبعاد وسعدات بالاعتقال ويمكن سحب ذلك على مروان البرغوثي، وذلك على أمل توجيه ضربة تخل بالعصب القيادي في كلا الحالتين. وفي كلا الحالتين أيضا الرهان الإسرائيلي على إفقاد هاتين الحركتين الاتزان. وهما الفصيلان في الواقع اللذان يشكلان بثقلهما وفعاليتهما الفصائلية العامودين الموازيين المكملين لقواعد البيت، ومع الجبهة الديمقراطية يشكلان اكتمال ألوان الطيف السياسي الخمسة.
وتظل القرية هي الأجمل
بقلم: صلاح هنية – الايام
بت أغبط المواطنين الذين يعودون صوب قراهم في عطلة نهاية الأسبوع، ومصدر الغبطة انهم حقا يستمتعون في وقتهم رغم أن معظمهم يكابر ويظهر نفسه مرغما بالعودة أسبوعيا إلى قريته.
الخميس الماضي، كنت في بني زيد الغربية للمشاركة كمتحدث في أعمال ورشة نظمتها الإغاثة الزراعية الفلسطينية حول تشجيع المنتجات الفلسطينية في مقر البلدية، وبلا طول سيرة فتحت الأبواب على مصارعها للنقاش حول الجودة والمسؤولية الاجتماعية وحقوق المزارع ومدى استفادته من الشركات الزراعية القابضة وبيع الزيت من المزارع لمحطات التعبئة وتواريخ التسديد للمزارع.
بعد الورشة قررت استعادة أيام مطلع الشباب والجولات التي لا تنتهي حيث كنت دائما على أهبة الاستعداد لأي دعوة لجولة في قرية أو مجموعة قرى، فتوجهت صوب كفر عين مع صحبة طيبة من شركاء الورشة وهناك تذكرنا رجلا فاضلا مناضلا اسمه خضر العالم "أبو حازم"، فقلنا: هيا نذهب صوب الرجل بزيارة نطمئن على صحته، فقد كان ناشطا في اللجنة العامة للدفاع عن الأراضي والإغاثة الزراعية ومناضلا تاريخيا قيل فيه الكثير، ذهبنا صوب منزله وهو نموذج مصغر عن البيت القروي الذي يؤمه الزوار دون موعد مسبق ودون ترتيب بروتوكولي يتعلق بغياب ربة المنزل في زيارة.
واسترسل "أبو حازم" يحدثنا عن يافا وعن حسن سلامة وعن عبد الرحيم محمود وأبو محمود الكبير، وحول كل اسم كنا نتوقف ونطلب المزيد من التفاصيل، ويأتي الزوار ويطلبون التعرف على الوجوه الطيبة.. آه انت جارنا جنب بلدنا، ويتواصل النقاش، وتستمر حكاية غبطة العائدين إلى قراهم في عطلة نهاية الأسبوع.
واصلت جولتي في القرى القريبة وخرجت من محافظة رام الله والبيرة صوب سلفيت، ويبدأ الشرح المفصل من رفيق الجولة .. هذا المشفى وهذا مشروع المسجد بجانب المشفى، وميزة سلفيت بطرقها الواسعة والمؤهلة، والجلسات الجميلة في سلفيت والترحاب وبشاشة الوجه وتبادل أطراف الحديث للتعارف أكثر ومدى الرضا عن جودة الخدمة المقدمة لنا في المحل، والشكر لمن كان سبب مجيئنا إلى محلهم، ورضاه شيء مختلف تماما عن رضانا.
في الطريق بين مجموعة هذه القرى تجد أن كل السيارات التي تمر، حملها ثقيل، تلك عطلة نهاية الأسبوع يتحرك الناس ليستقروا في المكان الذي سيمضون فيه أيام العطلة الأسبوعية، في وسط القرى تجد الناس يهرولون صوب موقع العرس ليقوموا بالواجب ويقفوا على قلب رجل واحد، وجمعة نساء يتجهن صوب العرس أيضا، لكن الجميع مبتسم متفاهم بلغة الجسد بالابتسامة، تلك عطلة نهاية الأسبوع ولدينا برنامج حافل، ننسى تماما ما يدور في خلدنا على مدار الأسبوع، في المدينة، في العمل، في الجيرة، في العمارة، في الأسعار المرتفعة.
أغبط العائدين إلى قراهم في عطلة نهاية الأسبوع لأنهم ينظمون رحلة بكل مقومات البساطة والزهد مشيا على الأقدام صوب الواد أو الجبل يقطفون الميرمية والزعتر وورق اللوف والحميض وورق اللسان، يستمتعون في الطبيعة، ينظمون خلوة عائلية وخلوة ذاتية يستعيدون فيها بسمة الأمل ويفكرون بإيجابية.
وحتى لا يظن البعض أنني مستشرق، أتخيل واهما ان لدينا مدينة بمعنى المدينة الكبرى بحجم العواصم، ولكن لدينا قرية بكل تفاصيل القرية، ولست واهما ولدينا عرف يسود الدخول إلى القرية يحكم معايير بقائك فيها وهو ما ينطبق على أبنائها العائدين إليها في عطلة نهاية الأسبوع، فكثرة الغياب تظهر كوضوح الشمس ويقام على أساسها بأن القرية هي باروميتر لقياس الانتماء والأصالة، وقد لا يبدو هذا الأمر واضحا للعيان ولكنه حاضر بقوة ومعيار مهم.
لا زلت أغبط العائدين إلى قراهم في عطلة نهاية الأسبوع، وأغبطهم لحظة اصطفافهم على الصراف الآلي في بيرزيت لتأمين الوضع المالي، وشراء الفرصة الأخيرة من بيرزيت قبل التوجه النهائي للقرية للبقاء فيها ثلاثة أيام متتالية والحال لا يختلف والمشهد ذاته في حوارة وسيلة الظهر الفرصة الأخيرة للتسوق قبل الدخل ضمن حدود القرية، وهذا لا يعني أن القرية معزولة ومكان ناء، ولكننا نريد ان نخلو مع انفسنا ولا نريد أن نفسد عطلتنا بالبحث عن "فراطة" لتقديم "النقوط" للعريس، أو الحلويات التي ستزين طاولة الوسط لسهرتنا مع الأقارب والجيران والأصدقاء.
خارج النص:
توحدنا، وأنا شخصيا لست صانع قرار ولا صاحب قرار، ... ولكنني متأثر كمواطن في موضوع الوحدة ونتائجها يجب ان أرى وبسرعة كبيرة توحيد الإجراءات والمراسلات والعنوان البريدي والموقع الإلكتروني حتى تبدو نتائج الوحدة حاضرة بقوة أمام ناظرينا، وحتى تصدق خطبة خطيب الجمعة، ان الابتسامة انطبعت على وجوه أبناء شعبنا بعد تحقق الوحدة، فالابتسامة عابرة ولا تكفي إذا لم تلحقها إجراءات ترسخ هذا الأمر بشكل واضح، إجراءات روتينية تتطلب قرارا مركزيا حكوميا يوحد المطبوعات والأوراق المروّسة والعناوين.
قد يبدو هذا أمرا بسيطا ولا داعي لنقاشه ولكنه سيصبح موضوعا، الأحد القادم، إذا لم يتخذ فيه قرار في اجتماع مجلس الوزراء أو ما قبل الاجتماع، يباشر بتنفيذه فورا منعا لتحوله لعقدة في المنشار دون مبرر.
"اتعلموا" من منتخبنا
بقلم: رامي مهداوي – الايام
خلال الأسبوع الماضي حدث العديد من التطورات والأحداث الحساسة ـ والخطيرة حسب رأيي ـ التي ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على كينونة المجتمع الفلسطيني خلال الأشهر والسنوات القادمة، وأهم حدث إيجابي مفرح لنا كشعب فلسطيني هو تأهل منتخبنا الفلسطيني لكرة القدم لنهائيات أمم آسيا ـ استراليا 2015 ـ للمرة الأولى في تاريخه بعد تتويجه بلقب بطولة كأس التحدي بفوزه في المباراة النهائية على منتخب الفلبين بهدف نظيف سجله اللاعب أشرف نعمان في الدقيقة 58 من ضربة حرة مباشرة، وبهذا حقق المنتخب الفلسطيني ـ الفدائي ـ قفزة هائلة في تصنيف "الفيفا" بالارتقاء 71 مركزاً.
قررت أن أنظر الى المنتخب بعين والأحداث التي مررنا بها خلال الفترة الزمنية ذاتها بعين، لهذا استعنت بالصديق المعلق الرياضي الشاب الواعد خليل جاد الله كونه يمتلك عينا ولسانا وعقلا رياضيا في معرفة تفاصيل كرة القدم الفلسطينية. هذه محاولة قد تكون اللوحة غير مكتملة لكن من المهم النظر لها وعلى المهتمين والمختصين النظر بعين المجهر لاستثمارها نحو التقدم والبناء ليس فقط على صعيد كرة القدم وإنما الملعب السياسي الفلسطيني.
من الناحية السياسية الوطنية، اللاعبون جعلوا الوطن أولوية وفقط "روحهم القتالية" و"فدائيتهم" هي التي جلبت الكأس، وبدل ما يطلّعوا ع الظروف وتكون الهم حجّة للفشل (سوء التحضير وقلة المباريات الودية)، بالعكس أخذوها حافز الهم وقالوا "احنا قد التحدي"، عكس ما بصير مثلا بجولات المصالحة التي استمرت لسنوات ومع أول مطب بتتفركش.
وعلى الرغم ان اللاعبين جايين من أماكن كثيرة، وبالتالي عادات وثقافات مختلفة، مثلا في من الضفة الغربية وفي من القدس وفي من الداخل 48 وفي من غزة وفي من الشتات (السويد وبولندا)، إلا أنهم توحدوا بالهدف الكبير مش بقيمة النزعة للبلد او المنطقة او الحيّ، وما في ابن غزة وضفة... ما تنسوا ابن قريتي شويكة كان يلعب برضه اللي تعرفت عليه بالصدفة عمر جعرون.... أولها بسبب شقاره فكرته مش فلسطيني وبلعب معنا بالغلط... بعديها سألت عنه طلع صنع في شويكة.
اللاعبون كمان انتصروا للقضية الفلسطينية بشكل عام ولقضية الأسرى بشكل خاص، الاحتلال اعتقل لاعبنا سامح مراعبة، واللاعبون بواجبهم الوطني والإنساني قبل كل مباراة وبعدها كانوا يقولون الفوز الماضي او الجاي هو إهداء لسامح. وهنا يجب أن أشيد بكل قوة باللواء جبريل الرجوب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ليس فقط لتطوير كرة القدم الفلسطينية، وإنما أيضاً لدمجه كرة القدم بالسياسة مع لياقة عالية، ففي كل المحافل الدولية يقوم بتعرية الاحتلال بشكل عام وما يقوم به هذا المحتل من اعتقالات ومنع سفر اللاعبين بشكل خاص.
المنتخب الوطني انتزع حب الجمهور هناك، انتزع لأنه كان مثالا "قويا" للإرادة الفلسطينية، ولقينا كل مرة آلاف بشجعوا فلسطين بالملعب من المالديف تحديداً، اللاعبون كلهم كانوا فاهمين تماماً شو بعملوا. حتى عند التحضيرات كانوا يقولون بدنا ناخد الكأس. النفس الواحد والرجولة والتحدي كانت سبب في النجاح.
من الناحية الرياضية، الخطوط كلها كانت مكتملة، الدفاع والوسط والهجوم وقبلهم حارس المرمى. الجهد كان يتوزع بين اللاعبين بالرغم انه أشرف نعمان سجل معظم الأهداف... لكن لولا قوة الدفاع وما دخل فينا أهداف ما كنا بنفوز... يعني "التكامل" هو الصح.... وهذا هو الدرس الغائب أو المغيب بعمد عند أغلب صانعي الأحداث الماضية على الصعيد السياسي، فكل "أنا" كانت تبحث عن الحفاظ على ذاتها وليس ذاتنا الفلسطينية على الرغم بأن الظاهر هو المصلحة العامة عند البعض؟!
توزيع الجهد. كل مباراة كان المدرب يدخل بتشكيلة.. لكن على صعيد الأحداث الماضية فنحن ارتبطنا بالحفاظ على الشخوص وليس الهدف، على الرغم بأن الهدف لن ولم يتحقق اذا ما تمت معرفة إمكانيات كل فرد. وهنا أيضاً أقف احتراما لمدرب منتخبنا جمال محمود الذي قام بالاستغلال الأمثل للموارد "اللاعبين" فقد قام المدرب بإشراك 18 لاعبا في البطولة، يعني ما حدا راح ع المالديف بدون لازمة. المنتخب نجح كمان لأنه بالمرة ما اطلع ع الحزبية والفئوية... ما عمرنا سمعنا عن مشكلة مثلا بين لاعبين على هالأساس.... أو انت عائد وأنا لاجئ... الهدف الواضح والتضحية هي إلي ربحتهم.
يعني بشكل مختصر شوي بنقدر انه قضية الأسرى وحدت اللاعبين... لقيوا لحالهم قضية توحدهم. العلم. نشيد فدائي. تاريخ الرياضة بفلسطين وشو كانت تعاني. قارنوا بين رياضيتنا ورياضة العدو وكيف لسا قبل شهر فريق "إسرائيلي" فاز بلقب كرة السلة بأوروبا (مكابي تل أبيب) فحبوا يعملوا اشي يرفع اسم بلدهم. بالطريقة الصحيحة والنظيفة وبدون "أنانية". وبالنهاية احنا وصلنا أمم آسيا واحنا الشعب المحتل ولسا إسرائيل ما وصلت أمم أوروبا. النجاح كان نجاح الاتفاق على دافع واحد ونجاح المجموعة كلها....
وكما هو كل عمل يخرج لك المزايدون بكلمات تدميرية مثل" يعني هيك حررتوها"، "بدنا انشوفهم شو بدهم يعملوووو مقابل الصين واليابان والعراق....الخ" الى كل المزايدين والى بعض رجال السياسة وأصحاب المصالح أقول: اتعلموا من منتخبنا...
الإصــــرار
بقلم: وليد بطراوي – الايام
إننا شعب الإصرار. نصر على كل شيء، عندما نهم لدفع الحساب في المطعم نتقاتل ويصر كل منا على أن يدفع، ونصر على أن ندخن في المستشفيات ونصر على مخالفة القانون، ونصر على ألا نقف في الدور، وغيرها من الإصرارات. وآخر ما نصر عليه هو نشر التهاني للوزراء في الحكومة الجديدة على الرغم من القرارات والتعليمات الرسمية المتعاقبة التي تدعو المواطنين للتبرع بمصاريف الإعلانات لصالح جهات ومؤسسات بحاجة إليها.
آلاف مؤلفة
في كل عام، يتخرج من جامعاتنا آلاف الطلبة، يفرحون بتخرجهم، ولكن بعد ذلك يواجهون الحقيقة، وهي سوق العمل التي لا تتسع لهم، لأن غالبية الوظائف تطلب سنوات خبرة طويلة، وهم لا يمتلكونها. الأصل أن تقوم الجامعات خلال السنة الدراسية الأخيرة بتأهيل الخريجين من خلال برامج "الزمالة" إذا ما صح التعبير، وهو ما يعرف بالانجليزية بمصطلح Internship، أي أن يستطيع الطلبة الالتحاق بالمؤسسات الخاصة والعامة في سنة دراستهم الأخيرة، وبذلك يراكمون الخبرة.
موقف شخصي
تصلني من خلال البريد الإلكتروني عرائض مختلفة للتوقيع عليها، كما يطلب مني بعض الأصدقاء نفس الشيء. ارفض أن افعل، ليس خوفاً من احد، وليس التزاماً بأخلاقيات العمل الصحافي فحسب، بل لأنني ومنذ سنوات عديدة قد اتخذت قراراً بعدم التوقيع على أي عريضة، لأنني إذا ما أردت أن اعبر عن رفضي لمسألة ما، فالكتابة وسيلتي، كما أن كثيراً من العرائض تختصر ما أريد أن أقول، وتحد من حريتي.
مش مال أبونا
تجاوزتني سيارة بسرعة كبيرة في شارع تجري فيه أعمال الحفر والصيانة، وكنت اقود سيارتي على مهل خوفاً من أن تتكسر وتتعطل. نظرت إلى نمرة السيارة المتجاوزة، فوجدتها تحمل آخر رقمين 32، أي أنها سيارة مستأجرة. فخطرت لي فكرة، أن ابدأ مراقبة تصرفات سائقي السيارات المستأجرة، فوجدت أن معظمهم يتعاملون مع السيارة بطريقة "الله لا يردها، مهي مش مال أبونا". ومع تعمقي في الملاحظة وجدت أن هناك فئات أخرى من السائقين الذين يتعاملون بنفس الطريقة وحتى اكثر "يلعن أبو صحابها". في نتيجة الملاحظة والبحث، وجدت أن هناك كثيرا من سائقي السيارات الحكومية، والسيارات المستأجرة، وسيارات الوكالة والمنظمات الدولية وحتى السفارات وعندما يكونون لوحدهم بدون مرافقة المسؤولين يتعاملون مع المركبة "مش مال أبونا". أما من يقودون السيارات المسروقة، فأصلاً هي "مش مال أبوهم"، وكونهم رضوا أن يقودوا سيارة مسروقة، فهذا أمر فيه حديث آخر.
لو كنت مسؤولاً
واركب سيارة نمرة حمراء، لما سمحت لنفسي بأن أوقفها في الممنوع وبشكل يعطل حركة السير، ولما سمحت لنفسي أن ادخل إلى المحال التي ينتظر فيها الناس في الطابور وان أتجاوزهم بحجة أن سيارتي واقفة في الممنوع، وان أشير إليها بالبنان لاستعرض "عضلاتي" أمام الناس وافضح أمري بأنني مسؤول. تصرفاتي هذه وان كانت فردية، فإنها تأتي بالشتائم على السلطة ويعمم هذا على كل المسؤولين. ولو كنت مسؤولا ممن لا يتصرفون على هذا النحو، لحرصت ألا يتصرف سائقي أو مرافقي بهذه التصرفات.
الشاطر أنا
صار لي فترة بحفتل بدي اجيب ملصق يعني sticker من تبعون الـ VIP اللي بيكونوا المسؤولين حاطينه ع سياراتهم. السبب طبعاً مش لأني بدي احطه ع سيارتي وأصير اصف وين ما بدي او أخالف القانون واسوق بعكس السير وأتصرف من منطلق "يا ارض اشتدي ما حدا قدي" مثل ما هم بيعملوا. لا انا بدي احط "الستكر" ع السيارة واصف ع القانون وما أخالف السير، علشان الناس لما تشوف السيارة مش مخالفة يقولوا "شايفين في مسؤولين ع النظام"، وبهيك انا بكسب "الستكر" والمسؤولين بيكسبوا السمعة الطيبة. شطارة صح.
تغريدة الصباح - مدار المثابرين
بقلم: عدلي صادق – الحياة
أعطت "مدار" وهي المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، حيوية وزخماً لعملية الرصد التفصيلي، الرصين والضافي، لمُخرجات الوعي الإسرائيلي بكل تنوعاته. وللأسف، لم يأخذ هذا العمل النوعي المحترم، مفاعيله على صعيد مؤسسة السياسة الفلسطينية، خطاباً وطرحا ً ونقلاً للعالم، الذي لا يزال فيه بعض المخدوعين بـإسرائيل، أو بعض غير ذوي الإحاطة بقبح وعنصرية سياساتها. فنحن في حاجة الى أن تضُم بُنية كل فريق فلسطيني يضطلع بالاتصالات الرسمية، مختصين في عرض مخرجات الوعي الإسرائيلي لكي يقدموا المستجدات لمن يلتقونهم ويستمعون اليهم، وينقلوا ما يقوله المتطرفون والمعترضون على التطرف في إسرائيل. ثم إن ما يصدر عن مركز "مدار" لم يحظ حتى الآن بالرواج الذي يستحقه في المجتمع الفلسطيني نفسه، بحكم تراجع الاهتمام بالقراءة ومشاعر الميل الى أخذ المسائل بالمختصر المفيد، وبما هو ملموس في واقع الأيام. ومن دواعي الفخر، أن "مدار" توافرت على ثلة من الأكاديميين الألمعيين، من إخوتنا في مناطق الـ 48 الذين استفادوا من تقنيات مدرسة البحث الإسرائيلية التي لا تضاهيها سوى مدارس البحث في كبريات جامعات العالم وأعرقها. فما زال ميدان البحث السياسي والاجتماعي والتاريخي في العالم العربي، يكابد أمراضه المستوطنة، الناجمة في معظمها عن تدني مستوى الهيئات التدريسية، التي يقوم عليها "دكاترة" معظمهم من ذوي أطروحات قدمت بشق الأنفس، من باب تحليل المضمون، على طريقة العناوين الرائجة التي تقول إنها تدرس شيئا وتعرضه "بين النظرية والتطبيق". فالأساتذة العاملون في "مدار" والمتعاونون معها، يقدمون تحليلات عميقة ومدهشة، وترجمات وإضاءات تتعلق بكل جديد في المجتمع الإسرائيلي. وهنا، تتبدى أهمية العمل الذي يؤديه أنطوان شلحت مثلاً، وهو مدير وحدة "المشهد الإسرائيلي" في مركز "مدار". ولو أخذنا أي اسم ممن حلّوا في مواقع المسؤولية عن الأقسام في "مدار" نرى أننا بصدد نوع من الباحثين لا يتثاءب ولا يكل ولا يمل. والأروع أن هذه المدرسة الفلسطينية للبحث والترجمة والتقصي، حافظت على استمرار أجيال من الباحثين والمؤرخين الذين ظهروا وأبدعوا في أراضي 48 لذا فإن المؤرخ إيميل توما عندما توفي في العام 1985 وهو الذي عايش أحداث غزو فلسطين وانتهابها، وكان شاباً يدخل سن الثلاثين في العام 1948؛ لم ينقطع نسله البحثي ولا خط منهجه الوطني، وجاء بعده كثيرون، منهم - مثلاً - من شغل موقع رئيس قسم بنك المعلومات في "مدار" د. جوني منصور. إن نظرة سريعة على انتاج منصور، تعطينا الانطباع عن التميز والعمق والإبداع في عطاء هذا الفريق. كأن واحدهم تأبط مهمة القيام بمسح بحثي شامل لتاريخ بلاده وقضية شعبه وعلائم الوطن وتقاطعات الجغرافيا والتاريخ. فجوني منصور يقدم بحوثاً تنتقل من ميدان الى ميدان ومن حقبة الى حقبة: الكنعانيون، تاريخ العرب، تاريخ الأوروبيين من منظورنا، الأسماء والمصطلحات، الأعياد والمواسم، الشوارع والحارات، السكك الحديدة، تاريخ هذه المدينة أو تلك، حال المدينة في وقت الانتداب، جيش إسرائيل، وإسرائيل نفسها من الداخل، الذاكرة والهوية القومية وغيرها من أعمال التغني بالأرض والحضارة مثل "حيفا اسم يناجي القمر ويخاطب البحر" هذا فضلاً عن أعمال الترجمة.
إن ما يتمخض عن هذه المثابرة النبيلة، يستحق أن يُدرج في لغة حديثنا الى العالم. و"مدار" تقدم اليوم، الجزء الثالث من الرائعة البحثية التاريخية والسياسية والإنثروبولوجية، لليهودي النبيل البروفيسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، بترجمة أنطوان شلحت. العنوان هذه المرة:"كيف لم أعد يهودياً؟". تحية لـ "مدار" وثناء عليها.
علامات على الطريق - من ذاكرة حزيران نستعيد إرادة تشرين!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
يجب الإشادة بكل قوة، والانتباه بكل عمق للموقف السعودي الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين، عاهل المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز في برقية التهنئة التي وجهها للرئيس المصري الجديد المشير عبد الفتاح السيسي، الذي حقق فوزاً مستحقاً في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت وسط حضور دولي وإقليمي كثيف على صعيد الإتحاد الأوروبي والإتحاد الأفريقي والكوميسا والجامعة العربية والمنظمات الأهلية المصرية، وهي انتخابات أكدت توجهات الشعب المصري التي عبر عنها بوضوح خارق في محطات أصابت العالم بالذهول ابتداء من الثلاثين من حزيران 2013 ثم في الثالث من يوليو والسادس والعشرين من يوليو في نفس العام، وخروج الملايين من المصريين للتصويت لصالح الدستور الجديد 2014، ثم الانتخابات الرئاسية نفسها التي بدأت بتصويت المصريين في الخارج لمدة أربعة أيام في النصف الثاني من أيار الماضي، ثم التصويت داخل مصر لمدة ثلاثة أيام في نهاية أيار الماضي، لتكون النتيجة التي فهمها الجميع بعمق، أن الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي، هو اليوم رئيساً لمصر من خلال تفويض غير مسبوق، وهو في نفس الوقت زعيم عربي من خلال ضرورات ملحة للأمن القومي العربي لا يمكن تأجيلها أو تجاهلها.
الموقف السعودي المعبر أيضاً عن الموقف الخليجي في الإطار الأقرب، والموقف العربي بصفة عامة، هو موقف تبلور من خلال قراءة معمقة وواسعة لكافة عناصر الوضع في المنطقة، سواء أحداث وتداعيات ما يسمى الربيع العربي، ومواقع القوى الإقليمي والدولية من هذا الذي يجري، فقد سبق أن رأينا رسالة سعودية مشابهة تقريباً بعد الثلاثين من حزيران 2013 مباشرة، وقرنت السعودية موقفها بالعمل المباشر، من خلال الدعم المالي الذي قدمته لمصر هي وشقيقاتها الخليجيات، وكذلك الموقف الشجاع من الإرهاب بصفة عامة وجماعة الاخوان المسلمين بشكل خاص، فقد أصبح إرهاب الإسلام السياسي عارياً تماماً ومكشوفاً بالمطلق، لأنه حين يكون الموضوع هو الإسلام، فلا يمكن لأحد أن يزايد على السعودية، موطن الوحي، موطن الرسالة، وطن الحرمين الشريفين، وقوة الإسناد الأهم للإسلام في العالم، واعتقد أن الأخوان المسلمين في مصر ومعهم التنظيم الدولي للاخوان المسلمين في العالم لم يصابوا بصدمة قاتلة، وخيبة أمل شاملة، مثلما شعروا بعد إعلان الموقف السعودي الأول والرسالة السعودية الثانية.
الثورة المصرية إذاً، التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير 2011، والتي حاول الاخوان المسلمون سرقتها، وحرفها عن وجهتها الحقيقية، عادت لكي تسترد زخمها وجوهرها الأصلي بعد الثلاثين من حزيران، لتكون وعداً وقوة دفع جديدة بإعادة الاعتبار لدور مصر، ودور مصر لا يمكن أن يكون مكتملاً إذا لم تكن ضرورات الأمن القومي العربي في رأس قائمة الأولويات.
وعندما ذهب المشير عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات العربية المتحدة، خلال مشاركة بعض الوحدات العسكرية المصرية في مناورات هناك، فإنه لم يتحدث عن الوضع الداخلي في مصر، ولكن الرسالة الأهم التي وجهها آنذاك أن مصر أصبح لديها قوات نخبة، قوات تدخل سريع قادرة على أن تكون حاضرة وفاعلة في أي قطر عربي في أسرع وقت، وكانت هذه رسالة تنبيه وإنذار لأي طرف يفكر في استغلال أحداث الربيع العربي بما فيها من فوضى وانهيارات داخلية، فقد كانت الرسالة تقول بوضوح أن الحراك الداخلي شيء، ولكن حدود وضرورات وحصانات الأمن القومي العربي شيء آخر.
هذا الموقف السعودي الذي يحتشد حوله موقف عربي يتسع أكثر وأكثر، سوف يترجم سياسياً في وقت قريب في إعادة قراءة خرائط الأحداث في سوريا بعد الانتخابات الرئاسية، وفي ليبيا، واليمن، وفي الموقع الأهم وهو فلسطين والقدس حيث حاول نتنياهو على رأس حكومة متطرفين ومستوطنين أن يستغل الانقسام الفلسطيني، ولكن ورقة الانقسام سقطت من يده، ولهذا فهو يتصرف بجنون، كما حاول أن يستغل فوضى أحداث الربيع العربي في الإجهاز على القدس، وخاض سباقاً مجنوناً مع الزمن لهذا الهدف، ولكنه اليوم يواجه احتمالات لم يحسب لها حساب من العزلة، وربما من احتمالات تفوق العزلة مرات ومرات.
من ذاكرة حزيران الحزينة، حيث فقدنا الضفة وفقدنا لؤلؤة عصورنا القدس، من ذاكرة حزيران التي تصادف هذه الأيام، نستعيد إرادة تشرين، حرب تشرين عام 1973، حيث احتشدت إرادة عربية قوية وشجاعة ومؤمنة فعلاً، وكان الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله قد تقدم الصفوف، وتجاوز الخطوط الحمراء، ووضع ضرورات الأمن القومي العربي فوق كل اعتبار، فكان الانتصار التاريخي الخارق، وكان الحضور العربي الذي لم يستطع أن يقفز عليه أحد في ذلك الوقت.
عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر بتفويض غير مسبوق، عبد الفتاح السيسي زعيماً عربياً، استجابة لضرورات ملحة، وهي ضرورات الأمن القومي العربي، ها نحن نتقدم إلى مرحلة جديدة، وحين تحتشد الأمة إلى الأمام، فإن فلسطين قضيتها المركزية تصبح في بؤرة الاهتمام.
اختلال! ماذا يعني احتلال؟
بقلم: جواد بولس – الحياة
أعود من عملي في رام الله. الساعة الثانية ظهرًا. درجات الحرارة فوق معدّلها السنوي المعتاد في حزيران. حاجز قلنديا العسكري يشبه مسرحًا من مسارح العبث واللامعقول. تتزاحم على مساراته سيّارات العرب وباصاتهم. بجانبها تقتحم ديناصورات العصر، والعابثون بحرمة الإنسان وبحدود الصبر؛ شاحنات ضخمة تنقل من وإلى فلسطين التراب والحصى والحديد ليزدهر "العمران"، وتشرئب ناطحات الفوضى والندم، وليذهب التطبيع إلى جهنم.
الراجلون يهرولون في حركات روبوتيّة إلى شرايينهم المنسدّة، ويقفون في طوابير تشبه القنوات التي تقف فيها الثيران الهائجة قبل محاولة ترويضها في سباقات "الروديو" الشهيرة.
أندسُّ كسلحفاة وسيّارة تحاول الالتفاف عليّ من جهة اليسار، سائقها شاب يلبس تي شيرت عليه صورة لنجمة يعرفها ولا أعرفها، وقبعة كان لونها أبيض، وفي مقدّمتها شعار غاب تحت مخلّفات الزمن، يضع يده على الشباك وبين أصابعها يشد على سيجارة، ساقه مرفوعة وكأنه يسوق برجل واحدة، يسمع أغنية بالعبرية لم أفهم كلامها، فلقد كانت أقرب إلى الصراخ. أصفّر له منبّهًا، لأنه كاد أن يلتصق بجناح سيّارتي، فيمد رأسه من الشباك ويصرخ باتجاهي: "شومااالك روح اقبع.." ويغيب أمامي وينطلق.
من اليمين، يحاشر جيباً تسوقه سيّدة، صارت مثل جميع البشر، تدافش بعناد. أنظر نحوها، فأرى وجهًا جميلًا ممكيجًا بعناية، وشعرًا ملمومًا تحت منديل لم أحدد ماركته العالمية. على رسغها ساعة فضّية، ويتحلّق صبعها خاتم بلون البنفسج، حاولت أن أوقفها، فرفعت كفّها وحرّكته إلى فوق مسافة شبر وأنزلته بخفّة راقصة، ففهمت أنها قالت لي: انصرف.
لم أنزعج أكثر من العادة، فقلنديا مثله مثل جميع الحواجز، صار ميدان ترويض. إنه الكولوسيوم العصري؛ بشر، مصارعون، (مجالدون)، يصارعون بشرًا أو وحوشًا، والبقاء فيه للأقوى وقيصر يتفرّج، يستمتع، ويمضي.
بهدوء اصطففت وبدأت زحفي نحو الحاجز. في إحدى محطات الإذاعة الإسرائيلية يعلن المذيع: الخامس من حزيران، اليوم يبث برنامج خاص، عن حزيران والذكرى، فهل كان ذاك نصرًا كما أراده أصحاب الكهف واسرائيل الكبرى؟ أم سكرة وحفرة كما حذّرت قلّة، تقدّمها الراحل الفيلسوف يشعياهو لايبوفيتش. قالها المذيع وأعادني إلى حزيراني الجميل الشاب وتذكّرت.
رفعتُ سمّاعة الهاتف ورددت التحيّة باقتضاب. كان الصوت مألوفًا وطلب أن يتحدّث مع " الياس" وقال: أنا يشعياهو لايبوفيتش. انتابني شعور من فضول وسعادة خفيفة. كنت وجمال، شريكي في المسكن في تلك السنوات، نستأجر بيتًا في شارع "شيلر" في القدس الغربية. وكانت " إلياس" صديقتي التي صارت بعد مدّة شريكة حياتي.
كانت دارنا في الطابق الثالث، عرضها يكفي لشهيق كامل في الصباح، صغيرة تكفي لإيواء أحلامنا، وتلائم معيشة طالبين يعتمدان على مصادر إمداد شحيحة وغير رتيبة. الهاتف يتوسط مساحة صغيرة غير مؤثثة، تنتظر أن تصير صالونًا، يفضي مباشرةً لغرفتي نوم عاريتين. أخذت السمّاعة وعلى وجهها علامات قلق. لم أبتعد، فلقد سمعتها تشرح باقتضاب، حتى أضافت أنها طلبت مساعدة صديقها على إعداد الوظيفة التي بصددها اتصل "لايبوفيتش" مستفسرًا ومستزيدًا من إعجاب وتقدير.
عرّفته بنفسي وذكّرته بآخر ندوة قمت، من خلال نشاطي في اتحاد الطلاب العرب، بعرافتها وتقديمه خطيبًا رئيسيًا. يوم هاجمها الطلاب اليمينيون العنصريون هناك على جبل المشارف "سكوبس".
كانت الندوة في ذكرى حرب حزيران واحتلال إسرائيل لأراضي العرب. وكان لايبوفيتش أحد المدعوّين البارزين والخطباء الأساسيين في نشاطاتنا ضد الاحتلال وممارساته.
استعدنا كيف حاول أوباش اليمين أن يقاطعوا كلامه يوم كان يصرخ بنبرته المميزة: "لا أمن بلا سلام ولا سلام مع احتلال، فأعيدوا أيّها المحتلون، جميع الأراضي العربية المحتلة دون قيد أو شرط"!
ثم انتقل ليسألني عن تلك الوظيفة التي فاجأته تمامًا. خف توجّسي وأصابني طرف زهو وفرح.
كان لايبوفيتش عالمًا موسوعيًا فذًا، وصديقتي اختارت أن تدرس عنده عن "السببية في الفكر الفلسفي وتطوّرها".
اختارت أن تكتب عن السببية عند "المعتزلة"، واعتمدت مصادر كُتبت كلّها بالعربية، وفي مقدّمتها كان كتاب حسين مروة- "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، الصادر حديثًا حينها، وذلك في آخر السبعينيات.
فتن لايبوفيتش بما سمع، وطلب مقابلتنا لمزيد من الحديث.
في اليوم التالي توجهنا إلى بيته. استقبلنا بحفاوة. كان بيتًا من كتب. أدخلنا إلى غرفة عمله، وجلسنا على كنبات أتخيّل أنها تعرف القراءة والكتابة. كنت مضطربًا وسعيدًا، وكان هو في تواضع صباح، ورقة ساقية.
سألني عن المعتزلة وعن حسين مروة وحسن حنفي وغيرهم. حزن لأنه أدرك كم يجهل، وأنه لم يتعرف إلى هذه الثقافة، واعترف بحزن وأسف وبموسيقى لايبوفيتشية شهيرة: "لم آسف على شيء إلّا لأنني لم أتعلم العربية وما أنتجته".
ودّعنا وصار في عيني أكبر، فتركته وفي صدري تفتّح فجر.
قلنديا في الخامس من حزيران، مسرح يختزل العبث العربي والضياع كله. يعج بالبشر والزحام. صراخ ونداءات، والكل يركض ليلحق بليله، في قلنديا يشيخ الحزن والنسيان.
بعد نصف ساعة وصلتهم، أمامي يقف بعض الجنود. مددت يدي وبطاقة هويتي، تلقفتها يد صفراء، تفحصت سيارتي وهي تلتفت إلى زميلها وتسأل: اليوم الخامس من حزيران! هل هذا يقول لك شيئًا؟ يتحدثون في الراديو عن اختلال، ماذا يعني اختلال؟ لم يسمعها الجنود، وهي، بإصبعها أشارت لي: تقدّم! دون أن تنظر إلى وجهي.
نبض الحياة - 47 عاما من الاحتلال
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
مضى على نكسة الرابع من حزيران 1967 سبعة واربعين عاما، تلك الحرب، التي تمكنت دولة إسرائيل مدعومة من الغرب عموما واميركا خصوصا بهزيمة العرب واحتلال كل فلسطين التاريخية بالاضافة لسيناء المصرية والجولان السوري. في اعقاب اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر تم الانسحاب من سيناء، ولكن رغم توقيع الفلسطينيين اتفاقيات اوسلو منذ 21 عاما، إلا ان الاحتلال الاسرائيلي ما زال جاثما على الاراضي الفلسطينية، ولم تسمح حكومات إسرائيل المتعاقبة باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وما زالت ترفض أي تسوية سياسية تقوم على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. كما ترفض من حيث المبدأ عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى اراضيهم وبيوتهم ومدنهم، التي هجروا منها في عام النكبة 1948. وايضا الجولان السوري ما زال يخضع للاحتلال الاسرائيلي.
تمر الذكرى الـ47 لنكسة حزيران والقيادة الاسرائيلية أكثر إصرارا على المضي في خياراتها الاستعمارية المتمثلة اولا بتأبيد الاحتلال؛ وثانيا تعميق سياسة الاستيطان الاستعماري في اراضي دولة فلسطين المحتلة وفي طليعتها القدس الشرقية؛ ثالثا رفض خيار السلام من حيث المبدأ، وبالتالي تدمير خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ رابعا اعادة المنطقة برمتها إلى المربع صفر، وإدخالها في دوامة العنف والحروب؛ خامسا تهديد السلم الاقليمي والدولي؛ سادسا تهديد مصالح الغرب عموما واميركا خصوصا.
هذه السياسة الاسرائيلية الاستعلائية والمتغطرسة، ما كان لها ان تكون وتستمر في ظل سياسات عربية ودولية مغايرة، سياسات تدعم فعلا القانون الدولي ومرجعيات عمليات السلام، وتمارس سياسة شجاعة ضد نهج العدوان والاحتلال الاسرائيلي عبر منابر الأمم المتحدة في مجلس الأمن والجمعية العمومية على حدى سواء، سياسة تكيل بمكيال واحد مع كافة اطراف الصراع، وتخضع دولة التطهير العرقي الاسرائيلية أسوة بدول العالم لتلك المعايير الدولية، وفي حال انتهج العرب سياسة أكثر حرصا على المصالح العربية خاصة قضية العرب المركزية، قضية فلسطين، من خلال استخدامهم اوراق القوة المتوفرة بايديهم السياسية والديبلوماسية والتجارية والاقتصادية،
مع ذلك الفرصة لم تضع، وما زال هناك مجال لصنع السلام وازالة آثار العدوان الحزيراني البشع والأخير في العالم، إن شاءت دول العالم قاطبة خاصة الولايات المتحدة تحقيق التسوية السياسية وفقا لمرجعيات السلام ومواثيق واعراف وقوانين الامم المتحدة، وبذلك تنجز صنيعا استراتيجيا في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران 67، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الدولي 194، الدولة التي تأخرت ولادتها قرابة سبعة عقود. ولكن كما أشير آنفا، بسياسات مختلفة عما هو متبع من دول العالم والعرب مع دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية. والمقصود هنا استخدام المعايير الدولية ذاتها في حل قضايا الشعوب كلها، واستخدام سلاح العقوبات للجم العدوانية الاسرائيلية، واخضاع إسرائيل المنفلتة من عقالها الاستعماري للقانون الدولي.
47 عاما وإسرائيل تجثم على الأرض الفلسطينية والعربية في الجولان وبعض لبنان، آن الأوان لهذا الاحتلال ان يندثر ويزول ويعم السلام والتعايش بين شعوب المنطقة على اساس القانون الدولي ومبادرة السلام العربية، وإلا فعلى العالم ان يتحمل مسؤولياته نتاج الاستهتار الاسرائيلي بمواثيق وقوانين الشرعية الدولية وامتهانها واستباحتها للحقوق الفلسطينية والعربية العليا. فهل يدرك العالم ان الوقت آخذ في النفاد، والصبر الفلسطيني والعربي، رغم كل الجراح يتجه نحو محطته الاخيرة؟