المقالات في الصحف المحلية
|
المقالات في الصحف المحلية
|
خطوات ايجابية على طريق المصالحة
بقلم: حديث القدس – القدس
فلسطين: التحذير من القائم
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
نحن والعالم...
بقلم: د. مصطفى الفقي – القدس
خيارات المرحلة فلسطينيا..
بقلم: الأسير ماهر عرار – القدس
الوحدة الوطنية الفلسطينية خيار استراتيجي
بقلم: يزيد صايغ – القدس
بين «لا يمكننا» أو «لا نريد» ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
"فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا"
بقلم: هاني المصري – الايام
"فتح" و"حماس" على طريق الشراكة الملغومة !
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
هل يخلي الذين أخفقوا المكان؟
بقلم:مهند عبد الحميد – الايام
حروب داعش والغبراء..!!
بقلم: حسن خضر – الايام
تغريدة الصباح - وداعاً، والى اللقاء
بقلم: احمد دحبور – الحياة
سوق حر أم سوق مر؟
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
"تدفيع الثمن" منتج إسرائيلي طبيعي
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
فاشية المستوطنين
بقلم: بهاء رحال – الحياة
طلبة الصف الأول وقياديو الصف الثاني
بقلم: اياد الرجوب – الحياة
خطوات ايجابية على طريق المصالحة
بقلم: حديث القدس – القدس
لا يخفى على أحد ان غالبية شعبنا الفلسطيني تدرك المصاعب التي تواجه تنفيذ اتفاق المصالحة، ويذهب البعض الى التشكيك في امكانية تحقيقها اساسا، رغم انها مطلب جماعي لكل ابناء شعبنا على اختلاف توجهاتهم او انتماءاتهم السياسية، لان فيها تعزيزا للصمود وقوة متزايدة في وجه تحديات الاحتلال بكل ممارساته المعروفة.
لكن التصريحات والممارسات من كلا الجانبين، "فتح وحماس" تشير الى تطورات ايجابية وتمسك بتحقيق هذه المصالحة وتجاوز كل العقبات والقضايا الخلافية، ومن ذلك اللقاء الهام الذي تم بالامس بين الرئيس ابو مازن ورئيس حركة حماس خالد مشعل في الدوحة، واكد فيه المسؤولان اصرارهما على تحقيق المصالحة واتفاقهما على عدد من القضايا المتعلقة بعملية التنفيذ خاصة ما يتعلق اولا بقضية تشكيل حكومة التوافق الوطني من شخصيات مستقلة.
ومن هذه التطورات الزيارة المرتقبة للقيادي الفتحاوي عزام الاحمد الى غزة لاستكمال عملية البحث في التفاصيل، وربما كان الاهم من كل ذلك هو الاتفاق على انضمام مئات من قوى الامن الوطني الفلسطيني الى قوى الامن في غزة.
يشار كذلك الى اتفاق على مهام الحكومة المرتقبة ودور منظمة التحرير في التفاوض، وعدم تداخل اختصاصات كل منهما في مهام الأخرى. فحكومة التوافق تعنى بالشؤون الداخلية وقضايا المصالحة اساسا ومنظمة التحرير تتولى الدور السياسي في ما يتعلق بالمفاوضات والعلاقات مع اسرائيل.
ان امنية تحقيق المصالحة هدف قوي في اعماق كل فلسطيني وهذه الخطوات كلها تساعد على تعزيز الامل في اتمام هذه المحاولة على خلاف الاتفاقات والمحاولات السابقة التي لم تنجح لاسباب متعددة ... وشعبنا يتطلع الى المزيد من هذه الخطوات حتى نرى المصالحة او الشراكة واقعا ميدانيا ... يقف في وجه التحديات.
كراهية للسياسة وليس لاميركا
في استطلاع للرأي، كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الاميركية المشهورة، جاءت فلسطين في المرتبة الاولى بين شعوب العالم التي تكره اميركا، كما جاء في المراتب الاولى عدة دول عربية، اي ان الكراهية لاميركا واسعة في العالم العربي. هنا لا بد من التأكيد ان هذه الكراهية ليست لأميركا كدولة او للاميركيين كشعب وانما للسياسة الاميركية المتعلقة بهذه الدول، وهذا شيء منطقي وواضح واسبابه معروفة.
ان شعبنا الفلسطيني يلمس بكل وضوح مدى انحياز السياسة الاميركية لاسرائيل وتجاهلها المدمر للحقوق الوطنية الفلسطينية، وان الوساطة الاميركية لتحقيق حل الدولتين تتجاهل تماما المطالب الفلسطينية وتتماشى مع الاطماع التوسعية الاسرائيلية.
وان كانت شعبية اميركا دوليا قد تحسنت قليلا، فأن عليها ان تعيد النظر تجاه سياساتها في العالم العربي عموما، وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديدا.
فلسطين: التحذير من القائم
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
انتهت أيام المفاوضات، هذا ما بدا الأربعاء الماضي 29 نيسان حاضراً في اختزال للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمدتها التي حددها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بتسعة أشهر للوصول إلى اتفاق على تمديدها لتعود الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه قبل عودتها . لسنا بصدد إعادة قراءة ما جرى لأن غياب الأساس لا يتيح التقييم، لكن المناسبة تسمح بالإشارة إلى التالي:
قاطرة الاستيطان خلال أشهر هذه المفاوضات كانت في أقصى سرعتها، ومجرد الاستدلال، فقد بلغ عدد وحدات المشروعات الاستيطانية المنفذة وتلك التي هي قيد التنفيذ في الضفة الغربية 14 ألف وحدة سكنية بواقع 50 وحدة سكنية في اليوم الواحد، وأن السياسة الاسرائيلية تمضي باندفاع محموم ل"تكريس الفصل"، حسب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، في إمعان للنيل والتنكيل بالفلسطينيين، في حقوقهم وحياتهم ومصيرهم .
أن نتوقف ولو قليلاً أمام ما نسب إلى وزير الخارجية الأمريكي قوله عشية انتهاء مدة المفاوضات من أن توقفها وعدم التوصل إلى حل سيؤدي إلى تحول إسرائيل إلى "دولة عنصرية" يعيش فيها أناس "من درجة ثانية" .
إعلان كيري هذا تحذير باتجاهين: الأول أن مصير الفلسطينيين سيكون بيد إسرائيل لا بحقهم المشروع وبإرادتهم، وما يفترض من مسؤولية المجتمع الدولي والإنساني بأسره، والثاني مع أن إعلان كيري جديد ولافت من مسؤول أمريكي عن مستقبل الحديقة الديمقراطية كما يصفونها في الغرب، لكنه في الواقع يهول ما هو قادم ويتجاهل ما هو قائم .
إسرائيل لا تحتاج إلى اتهام بالعنصرية وغيرها من الانتهاكات ضد الإنسانية، لأن سجلها بدأ بسلب الأراضي الفلسطينية من أبنائها تشريداً وتهجيراً، وفي هذا الشأن لم يكن المجتمع الدولي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية إلا على هذه الحقيقة بأوجه قسوتها، ولا تغير من هذه الحقيقة الحملة الأمريكية التي قادت إلى إلغاء قرار الأمم المتحدة في هذا الشأن في حملة من الضغوط التي شاركت دول غربية ضالعة في وجود ودعم وحماية اسرائيل .
في الحاضر، هل سلب أراضي الفلسطينيين ومنحها لمستوطنين إنساني؟ وما طبيعة المعاملة الاسرائيلية للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال في سكنهم وعملهم ودراستهم وحياتهم وعلاج أمراضهم؟ إن ما هو قائم بات يقوم على أن الفلسطينيين لا يعانون ظلم سلطة الاحتلال فقط، بل وتوسعية كانت وراء إقامة جدار الفصل في تجسيد لهذه النزعة غير الإنسانية .
مؤكد أن الساسة الغربيين في شأن إسرائيل لا يرون هذه الصورة لكن دعونا نرى ما يعبّر به بعض الإسرائيليين الآن عن وطأة هذا الوضع ، إن لم يكن في معاناتهم ففي مسؤولياتهم تجاه ما يكرس من انتهاكات بحق الفلسطينيين .
مؤخراً بدأت في إسرائيل دعوات من أوساط اليسار لمقاطعة إسرائيل، إذ يرى هؤلاء أن اليمين يقود بثبات ومثابرة نحو نظام ال"أبارتهايد""، وأن من شأن المقاطعة سيقتنع الجمهور الإسرائيلي "بالتخلي عن الاحتلال والصعود إلى طريق السلام" .
وحسب الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري: "يقول مؤيدو المقاطعة وعن حق إن كل مواطني إسرائيل اليهود شركاء بشكل مباشر أو غير مباشر في الاحتلال والقمع وهذا يضمنا نحن -يقصد حركة السلام- أيضاً المقاتلين ضد الاحتلال فضرائبنا تمول المستوطنات، شبابنا يملأ صفوف جيش الاحتلال، كلنا نشارك في الانتخابات وحتى عندما نصوت للأحزاب التي تعارض الاحتلال فإن الانتخابات تمنح الشرعية لحكومة الاحتلال، كلنا نتمتع بهذا الشكل أو ذاك بثمار الاحتلال" .
والمشهد الذي يقدمه أفنيري عن حقيقة "أن السوق الفلسطينية الأسيرة تضطر إلى أن تشتري منتجات صناعتنا، ومن حقيقة أن الفلسطينيين لا يمكنهم أن يصدروا البضائع التي تنافس تصديرنا" ناطقة بالوضع والنهج التمييزي الذي يكرسه الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني .
السؤال الآن: ما هي مسؤولية الولايات المتحدة تجاه النهج الاسرائيلي أكان قائماً أو قادماً؟
مبعث السؤال هكذا أن الولايات المتحدة لم تكرس سياستها في هذه المنطقة على دعم وحماية إسرائيل وحسب، بل هي إلى ذلك استفردت منذ مؤتمر مدريد للسلام بشأن وشؤون هذه المنطقة تحت مظلة التسوية لأزمتها، ولكن وفق الأمر الواقع القائم على الاحتلال .
أليس هذا النهج هو الذي قاد إلى ما صار قائماً من تجاهل إسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني؟ وكيف يستقيم الضغط الأمريكي على الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم المشروعة والتجاوب مع مطالب وشروط الاحتلال ؟ وهذا ما تجسده الآن رؤية كيري للتسوية القائمة على سلسلة ألغام مقوضة للحق والعدل والسلام .
نحن والعالم...
بقلم: د. مصطفى الفقي – القدس
كلما سافرت إلى الخارج وتجولت بين شعوب الدنيا وأمم الأرض، شعرت أننا كعرب عموماً ومصريين خصوصاً نعيش ضد حركة التاريخ بل وخارج إطاره العام الذي نشهده بوضوح في مدن العالم صغيرة وكبيرة، فالكل يتقدم إلى الأمام ونحن نتراجع إلى الوراء فقط، بل نضيف إلى حياتنا هموماً جديدة ومظاهر متخلفة وتصرفاتٍ غير مسؤولة توحي بأننا نتجه إلى أسفل ونحن في مكاننا بعد أن تجاوزنا مرحلة التراجع بكثير .
إنني لست متشائماً بطبيعتي ولكن كلما أحسست أن الآخرين يتقدمون بينما نحن مشغولون بجدل "سفسطائي" وأحاديث لا تنتهي حول الماضي الذي لا نتعلم منه أو الحاضر الذي لا نعيشه، حيث نحاول فلسفة كل ما فيه مع تبرير الأخطاء دائماً وتجميل الحياة شكلياً، وأنا لا أنكر أن اسم مصر كبير يجذب نحوها كل من يحاول أن يرصد ما يدور فيها، ولكن الذي يزعجني حقيقة هو أن أرى الآخرين يتحركون إلى الأمام ونحن مشغولون بالتنبيش في الماضي وتوزيع الإدانات ونشر الاتهامات وترديد الشائعات، أما العمل والإنتاج فقد أصبحت مسائل هامشية يتشدق بها المسؤولون ولا يهتم بها الشعب العادي المنخرط بشدة في الاعتصامات والاحتجاجات والاضرابات، ولا بأس فهذه ظواهر ديمقراطية معهودة، ولكنها يجب أن تقترن بإحياء حقيقي لتحرك سياسي وتعبئة شعبية لدعم الاقتصاد الوطني وتحريك الاستثمارات الأجنبية والمشروعات التنموية للخروج من عنق الزجاجة التي حشرنا فيها الماضي المؤلم بكل مراحله وعهوده من دون استثناء! ولعلي أشير هنا إلى بعض الملاحظات التي تعنينا في هذا السياق:
* أولاً: إن العزلة الدولية أصبحت تعبيرًا نظرياً، فباستثناء نموذجي كوريا الشمالية وكوبا إلى حدٍ ما لا توجد أسوار مغلقة تحجز الحقيقة أو تخفي المعلومة، وحتى "سور الصين العظيم" قد انهار معنوياً في السنوات الأخيرة بفعل طرقات التحوّل في الاقتصاد الصيني الجديد والقفزة الصناعية الهائلة والتحول التجاري الكبير الذي يغزو أسواق العالم، لذلك فنحن جزءٌ لا يتجزأ من القرية الكونية الكبيرة لا نستطيع الانفصال عنها أو رفض الاندماج فيها، كما أن المسؤولية الدولية
أصبحت جماعية لا تستثني أحدًا، فالمخاطر التي تحيط بالحياة والأحياء أصبحت تستلزم منّا ضرورة الشراكة البشرية في إطار الإنسانية كلها للحفاظ على الكون وضمان استمراره .
* ثانياً: إن مصر دولة مركزية محورية بمنطق الجغرافيا وحكم التاريخ فهي لا تستطيع ولا تحتمل ألا تكون جزءًا فاعلاً على المستويين الدولي والإقليمي، وذلك يذكرنا بأهمية الدور الذي يجب أن تلعبه مصر في المنطقة والذي تراجع نسبياً في العقود الأخيرة تحت دعوى أن بناء الداخل شرط لنفوذ الخارج وهذا أمر صحيح، ولكن ذلك يمضي من خلال حلقة متبادلة فتأثير الخارج على الداخل متبادل في نفس الوقت ولا يمكن وضع خط فاصل بين العمل الداخلي والجهد الإقليمي، وقد تعودت مصر منذ العصر الفرعوني أن تعيش بمن حولها في تفاعل مشترك جعل لها القيادة والريادة في الحرب والسلام معاً .
ومنذ ثورة 25 يناير وقد تشكل انطباع لدى كثير من القوى الأجنبية نشعر به في الخارج أن مصر في محنة تبعدها عن هموم المنطقة وقضاياها ومشكلاتها، ولعل تحرك وزير الخارجية الحالي السفير نبيل فهمي في الأمم المتحدة والهند ولبنان والقارة الإفريقية وغيرها هي محطاتٌ تعطي الأمل في استعادة قوة الدفع وعودة الروح .
* ثالثاً: إن نظرة الآخر إلينا تكتسب أهمية خاصة من تأثيرها على طبيعة العلاقات معنا إذ يجب أن ندرك أنه ليس المهم ما نراه نحن في أنفسنا بمجرد ترديد الشعارات العاطفية والخطب الحماسية والاستطراد في الإشارة إلى الماضي التليد والتراث الباقي، إذ يجب أن نفكر أيضاً فيما يمكن أن نفعله لهذا الوطن، فالمصريون من أكثر شعوب الأرض ترديداً للأناشيد الوطنية وحديثاً عن عشق الأرض الطيبة، ولكننا لا نرقى إلى مستوى ذلك بالعمل الجاد والإنتاج الحقيقي . ولقد عرفت شعوب أخرى ذلك عنا وبدأت تقارن بين ماضينا العظيم وحاضرنا المضطرب وتدرك أن شيئاً ما قد حدث لنا في العقود الأخيرة، فقد تضاعف سكان مصر مرتين، بينما انخفضت نوعية الإنسان المصري درجتين على الأقل أيضاً، فالأسر التي حددت عددها ونظمت نسلها هي الأسر القادرة على تعليم الأبناء ورعايتهم، بينما تركت الأسر الأكثر عدداً والأشد فقراً الحبل على الغارب، وأصبحت تمثل الأغلب الأعم من سواد المصريين، فانخفضت نوعية المصري الذي كان يبدو للدنيا نموذجاً مبهراً في العطاء بغير حدود، والذكاء من دون منافسة حتى توارت عبقرية الزمان والمكان في خضم سوء الإدارة وزحام الفساد وقبضة الاستبداد .
رابعاً: لقد كانت السلعة الثقافية ولا تزال سواءٌ هي أثر تاريخي أو كتاب محوري أو صحيفة مؤثرة أو فيلم هادف أو مسرحية متميزة، هي أدوات المصري في الدولة الحديثة للوصول إلى قلوب أشقائه في المنطقة، وعندما توارى الدور الثقافي والتعليمي لمصر في العقود الأخيرة توارى معه أيضاً الدور الإقليمي برمته، وأصبحت مصر تبدو للبعض وكأنها تعاني من تركة "الرجل المريض"، الكل يتطلع لوراثة دورها من الخارج والبعض يحاول نهش أحشائها من الداخل، حيث أن فصائل معينة ترى فيها جائزة كبرى ونقطة انطلاق للسيطرة على العالمين العربي والإسلامي باسم الدين بعد ضرب الفكر الوسطي المصري والشخصية الوطنية المعتدلة . لهذا فإنه يجب أن يفهم الجميع أن المحنة ليست اقتصادية فقط، ولكنها أيضاً ذات طابع ثقافي واجتماعي على نحو قد يكون أكثر تأثيراً في مستقبل البلاد والعباد .
* خامساً: إننا نرى أن مستقبل الوطن المصري محكوم بإرادة أبنائه، أقول ذلك ونحن على أعتاب انتخاباتٍ عامة نختار بها رئيساً جديداً للبلاد، ولن يكون ذلك الرئيس إلا تجسيداً لإرادة هذا الشعب الطيب (فمن أعمالكم سلط عليكم) وكل شعب ينال الحاكم الذي يستحق وكفانا لوماً للضغوط الداخلية أو حديثاً عن المؤامرات الخارجية، فالشعوب هي صانعة الإرادة وقاهرة أعدائها بما تملك من رصيد في الماضي وفطنة في الحاضر ورؤية للمستقبل .
إنني أتوجه إلى المصريين والمصريات كمواطنٍ عرف دهاليز السياسة وخبر كواليس الحكم قائلاً لهم ليس المهم هو البرامج المحبوكة ولا الأفكار المؤثرة ولا الخطط اللامعة، المهم هو أن يكون الحاكم صاحب رؤية مضيئة وخيال خصب وقدرة على استشراف المستقبل بوعي وحكمة وروية في إطار الوطنية المصرية والالتزام بقضية العدالة الاجتماعية لأن غيابها هو السبب الأول لثورات المصريين عبر تاريخهم الطويل!
خيارات المرحلة فلسطينيا..
بقلم: الأسير ماهر عرار – القدس
من ناحية فعلية فإن المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية متوقفة منذ تشرين ثاني 2013 بعد مماطلة إسرائيل ورفضها بحث قضايا التفاوض وفي مقدمتها ترسيم الحدود،غير أن بداية نيسان الماضي كانت اعلانا لا لبس فيه بشأن حقيقة فشل وانهيار المحادثات التي يرعاها الوزير الامريكي جون كيري ضمن اتفاق ثلاثي تم التوصل إليه في تموز 2013 بين الفلسطينيين والاسرائيليين والامريكيين،على أن تبدأ المفاوضات بسقف زمني لمدة تسعة أشهر ،انتهت في 29 نيسان الماضي..
وقد كان الجانب الفلسطيني قد رد على نكوص اسرائيل عن اتفاق اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسرى في 29 آذار الماضي بالتوقيع على عضوية خمسة عشر من المعاهدات الدولية،مع التزام الجانب الفلسطيني بمهلة التسعة أشهر تأكيدا على مبدأ الفصل بين اتفاق الاسرى واتفاق المفاوضات.
ومع فشل المبعوث الامريكي مارتن اندك، في احتواء تداعيات رفض اسرائيل اطلاق سراح الاسرى،التي ترتب عليها فشل المفاوضات،تم التوقيع في 24 نيسان على اتفاق المصالحة بين وفد منظمة التحرير ووفد حركة حماس ،وهي خطوة فلسطينية في وقت دقيق وسليم،من شأنها أن تعيد فرض معادلة جديدة في مواجهة التحديات السياسية والاسرائيلية وفشل المفاوضات والحصار.
وكرد فعل على ذلك أعلنت اسرائيل تعليق المفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية،الامر الذي لا يغير من الواقع شيئا،ففي واقع الأمر أن المفاوضات متوقفة أساسا منذ تشرين ثاني 2013.
ان الأهم في هذه المعادلة هو الاتفاق الفلسطيني الفلسطيني، والسؤال هنا: ما هي خيارات الرئيس عباس في ظل انتهاء مهلة التسعة أشهر وفي ضوء توقيع اتفاق المصالحة؟
من الجدير القول أن اتفاق المصالحة فرض على القيادة الفلسطينية سيناريو آخر ،ففي حين كانت القيادة تعد العدة للتحرك دوليا في ضوء الإستعصاء في المسار التفاوضي،يأتي اتفاق المصالحة ليعيد التفكير في الرؤية السياسية للمرحلة الحالية لدى القيادة. إن اتفاق المصالحة بما يترتب عليه من مهمات،يفرض نفسه كأولوية على أجندة القيادة،حيث أن الرئيس عباس كما يتضح من مضامين خطابه السياسي ،يسعى إلى تأمين نجاح مهمات حكومة الوحدة الانتقالية التي تتطلب التعقل في اتخاذ القرارات أو بالأحرى التفكير مليا بالنظر لحساسية الظرف الناشئ، وبالتالي من المستبعد أن يلجأ إلى استخدام الأدوات الدولية التي اصبحت أدوات فعل بيد الفلسطينيين بعد الحصول على عضوية الدولة المراقب في 2012.
معنى ذلك أن المعادلة الراهنة بين السلطة وإسرائيل ستبقى على حالها،أي أن توازن ردود الفعل لن يطرأ عليه أي جديد أو تغير،بمعنى أن اسرائيل ستكتفي بما اعلنت عنه من قرارات ومواقف،والرئيس عباس سيكتفي بما اتخذه من خطوات سواء الإنضمام للمعاهدات الدولية أو الإتجاه نحو التصالح مع حركة حماس.
لا شك أن الرئيس عباس يتكىء على سياسة حكيمة فهو راض بما حققه وبما وصل إليه بالتوقيع على 15 معاهدة دولية كخطوة لها أبعادها ودلالاتها السياسية،لذلك من الملاحظ أنه يبدي الحرص على عدم الاصطدام مع الامريكيين. في هذا السياق تبدو حركة حماس كأنها تقرأ وتفهم سياسة الرئيس عباس وتحديدا بشروط الرباعية جيدا،لذلك لم نشهد صدور بيان رسمي شاجب أو مستنكر لخطاب الرئيس أمام المركزي،حيث اكتفت بتصريحات أكدت من خلالها على رفضها شروط الرباعية،وهذا تطور في قراءة حماس السياسية الواقعية، يلمح لإدراكها أهمية تفويت الفرص على اسرائيل على الاقل خلال الأشهر الستة الانتقالية..
ان مرحلة تشكيل الحكومة الانتقالية،تفرض سياسة تعلي الأهمية للشأن الداخلي لعبور بر الأمان خلال فترة ستة أشهر ،من المفترض أن تفرز تجديد الشرعيات وانتخاب رئيس جديد،وهي نتائج ستأتي بقيادة جديدة وبرنامج سياسي جديد يكون في مقدمة اولوياته تفعيل الاستراتيجية الفلسطينية على المسرح الدولي إذا ما استمرت اسرائيل على سياستها ،إلى جانب تفعيل المقاومة الشعبية في حدود 1967 حدود الدولة الفلسطينية.
الوحدة الوطنية الفلسطينية خيار استراتيجي
بقلم: يزيد صايغ – القدس
في الثالث والعشرين من نيسان ، أعلن ممثّلون عن «فتح» و «حماس»، عن محاولة جديدة لإنهاء الانقسام. وبموجب بنود اتفاق المصالحة الذي وقّعتاه في غزة، سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون خمسة أسابيع، على أن تليها انتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون ستة أشهر. وستتم إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية واعتماد تدابير تؤدّي إلى تفعيل المصالحة المجتمعية واستعادة الحريات العامة.
بيد أن سجلّ المحاولات السابقة في بناء وحدة وطنية لا يبدو مشجّعاً، إذ لم تشارك فتح و «حماس» قطّ في إطار مؤسّسي مشترك: لم تنضمّ «حماس» حتى الآن إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي هيمنت عليها فتح منذ عام 1969، ورفضت فتح الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية التي عرضت «حماس» تشكيلها بعد أن فازت في الانتخابات العامة الفلسطينية في كانون الثاني 2006.
ولم يُنفَّذ اتفاقا المصالحة اللذان وقعتهما فتح و «حماس» في القاهرة في نيسان 2011 وفي الدوحة في شباط 2012، لأن أياً من الحركتين لم تلتزم بهما، حيث عانتا من غياب الإجماع الداخلي على المضي قُدُماً في تنفيذهما. ولعلّ هذا ما يفسّر ترحيب معظم الفلسطينيين المشوب بالشك باتفاق نيسان 2014.
بيد أنه إذا ما تجلّدت فتح و «حماس» بالمثابرة، فإن لديهما فرصة للخروج من الطريق المسدود الذي علق به الفلسطينيون لسنوات. فمن شأن جعل الوحدة الوطنية أولوية كبرى وحقيقية أن يساعدهما على استعادة جزء كبير من شرعيتهما المحلية، وإنهاء الانقسام..
المهمة التي تنتظر الفلسطينيين شاقّة. ستكون التكاليف عالية ومباشرة والمكافآت غير مؤكّدة ومتأخرة. ومع أن العقبات تبدو كبيرة جداً، فإنها ليست عصيّة على الحل. ولعلّ أولها وأكثرها تحدّياً هو العقبات الداخلية. فمن الواضح تماماً أن الاعتبارات القصيرة الأجل كانت دافع الموقّعين على اتفاق 23 نيسان، ومن المحتمل أن يتخلّوا عنه حالما تتغيّر ظروفهم. وسيتعيّن على فتح و «حماس» أن تعملا بجدّ للبقاء على مسارهما الجديد، ويجب أن تكونا على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة في شأن المصالح الأساسية والأجندات الأيديولوجية إذا ما أرادتا تحقيق الأهداف الوطنية.
يبدو التفكير التكتيكي لدى كلا الجانبين واضحاً. فـ «حماس» وحكومتها في غزة محاصرتان على جميع الجبهات. وقد أغلقت السلطات المدعومة من الجيش في مصر الحدود (والأنفاق من تحتها) تقريباً أمام حركة التجارة والمرور، ما أدّى إلى قطع المصدر الرئيسي للإيرادات العامة والدخل (والسلاح) الذي كانت تعتمد عليه «حماس» للتعويض عن فقدان الدعم الإيراني وتقلّب المساعدة القطرية للموازنة والتنمية المدنية في غزة. وتواجه «حماس» أيضاً تحدّياً متزايداً من الجماعات الجهادية في غزة، غير أنها تخشى من تمرّد علني حتى في داخل صفوفها، إن هي مضت بعيداً في المصالحة مع حركة فتح أو تبنّت المفاوضات مع إسرائيل بصورة رسمية.
يجب على حماس أن تفكّر بما هو أبعد من المدى القصير. فهي لم تنجح في تخطّي الصعوبات في غزة، إلا عبر إدارة الأزمات بصورة مستمرة، وذلك باستخدام التهديد بالهجمات الصاروخية لتثبيت الشروط العسكرية والاقتصادية لتعايش ضمني مع إسرائيل، والاعتماد على تفاهم هشّ مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بهدف الحفاظ على تدفّق التحويلات المالية من الجهات الأجنبية المانحة. هذه الترتيبات معرّضة لانهيارات دورية، وتسمح لـ «حماس» وحكومتها بمجرّد الاستمرار. فقد ظنّت «حماس» أن الربيع العربي أنهى مأزقها الاستراتيجي بصورة حاسمة عبر إيصال الأحزاب الإسلامية الزميلة إلى السلطة في الكثير من البلدان، خصوصاً مصر، غير أنها ما لبثت أن تلقّت صدمة قوية.
سترتكب «حماس» خطأً جسيماً آخر إن كانت تعتبر الآن أن اتفاق الوحدة الوطنية الذي وقعته في 23 نيسان مجرّد أداة إنقاذ مؤقّتة إلى أن تغيّر بعض التطورات غير المتوقَّعة ظروفها الاستراتيجية مرة أخرى، فتسمح لها بالتصريح باستمرار صلاحية مقولة «المقاومة - عدم الاعتراف». غير أن هذه شعارات وليست استراتيجية.
غير أنه لا ينبغي للسلطة الوطنية أن تستخدم المصالحة مع «حماس» فقط كمناورة تكتيكية لمواجهة الضغوط الأميركية لتوقيع اتفاقية إطار جديد مع إسرائيل تقلّص ما هو معروض على الفلسطينيين إلى الحدّ الأدنى منذ البداية الرسمية لمفاوضات «الوضع النهائي» في عام 1999. وبالمثل، يجب أن يكون قرارها بتقديم طلب فلسطيني للانضمام إلى خمس عشرة معاهدة واتفاقية دولية، وهو الطلب الذي وافق عليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 10 نيسان، أكثر من مناورة تكتيكية أخرى إذا أريد له أن يتسم بالصدقية ويكون فعالاً.
فقد اعتادت الولايات المتحدة وإسرائيل على اعتبار الرئيس عباس أنه ما من خيار لديه سوى القبول بالشروط.
تهدد الديناميكيات الداخلية على جانبي الانقسام الفلسطيني بجعل الأجندة الوطنية رهينة لتقلّبات السياسة العربية الإقليمية الأوسع في لحظة حرجة. غير أن هناك الكثير من الأمور معرّضة للخطر بالنسبة لفتح أو «حماس» إذا سمحتا لاتفاق الوحدة الوطنية بالفشل. ويجب أن يتحوّل ما بدأتاه لأسباب تكتيكية ومصلحة ذاتية إلى خيار استراتيجي لا يتزعزع. وهذا أمر ضروري إذا أرادت الحركتان والحكومتان المتحالفتان معهما مواجهة العقوبات المالية التي طبقتها إسرائيل، والتي أوقفت بالفعل تحويل مبلغ 100 مليون دولار شهرياً من عائدات الجمارك والضرائب الأخرى المستحقة للسلطة الفلسطينية، والعقوبات التي يهدّد بفرضها حلفاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي.
وتكشف حقيقة أن الاتحاد الأوروبي المنصاع عادة خالف الولايات المتحدة للترحيب باتفاق الوحدة الوطنية الفلسطينية عن المكافآت المحتملة التي يمكن أن يجلبها تبنّي اتجاه جديد في السياسة الفلسطينية. فإضافة إلى تشديده على أنه لم يعد ممكناً اعتبار الولايات المتحدة وسيطاً نزيهاً، يمهّد الاتحاد الأوروبي الطريق لاستئناف تقديم المساعدات المباشرة إلى غزة، على رغم مشاركة «حماس» في حكومة الوحدة التي سيتم تشكيلها. أما الدول العربية التي فقدت الثقة في السياسة الفلسطينية بعد أن رعت محاولات فاشلة عدة للمصالحة – بدءاً من اتفاق مكة في آذار 2007 – فربما أصبحت على قناعة الآن أيضاً بأن زيادة مساعداتها للسلطة الفلسطينية الموحدة وتقديم دعم قوي للديبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة، أمر مبرّر.
ولكي يحقّق أي من هذه السيناريوات النجاح، يجب أن تجعل حركتا فتح و «حماس» الوحدة الوطنية واقعاً ملموساً بكل وسيلة ممكنة. أولاً، يجب أن تكونا على استعداد لتقديم تنازلات متبادلة ذات مغزى في شأن المناصب الوزارية لتشكيل حكومة موثوقة سياسياً ومهنياً.
أخيراً، يجب على فتح و «حماس» تشكيل «كتلة تاريخية» يمكنها التفاوض على تحقيق سلام ملزم ودائم مع إسرائيل. وما من شكّ في أن هذا هو الأمر الأصعب بالنسبة إلى «حماس» التي لا تزال تختبئ وراء ورقة عدم الاعتراف بإسرائيل .
غير أنه يتعيّن على حركة فتح أيضاً أن تثبت استعدادها للمخاطرة بامتيازاتها المكتسبة لتمكين الديبلوماسية الفلسطينية وتحقيق حل الدولتين القابل للعيش، لا سيما من خلال الالتزام بالقيام بمقاومة غير عنيفة ومتواصلة لمواجهة حملة التوسّع الاستيطاني والسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
هذا يشكّل فرصة لأي فصيل سياسي يريد تحقيق الأهداف الوطنية ليأخذ مكانه كقوة رائدة في المصير السياسي الفلسطيني، في المستقبل. والواقع أن إنجاز الوحدة، مهما كلّف الأمر، هو السبيل الوحيد لذلك.
بين «لا يمكننا» أو «لا نريد» ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
العنوان أعلاه مقتبس من تعقيب كارمي غيلون، أحد رؤساء سابقين لجهاز (شين بيت ـ شاباك)، حول مسألة من مسألتين مثارتين في إسرائيل: الإرهاب اليهودي للمستوطنين، حاملاً شعار «شارة ثمن» وعبوره «الخط الأخضر» غرباً. الثانية حول شرعنة قانون «يهودية إسرائيل» وهو مطلب رئيس وزرائهم من حكومته وائتلافه، وخلاف الوزراء حول صياغات تشريعية. بين المسألتين علاقة النتيجة بالسبب (أو السبب بالنتيجة)، وحسب الوزير الليكودي الموتور جلعاد اردان: «علينا أن نطلب يهودية الدولة من أنفسنا قبل أن نطلبها من الآخرين». لاحظوا أن معظم قادة «شين بيت» السابقين، وهو جهاز مختص بـ «الارهاب الفلسطيني» يطالبون بضبط «فتيان التلال»، بينما تحث الوزيرة تسفي ليفني على وصف نشاطهم تحت شعار «شارة ثمن» على أنه «ارهاب يهودي». الحقيقة أن كارمي غيلون قال: إن معنى كلمة «لا يمكننا» هو «لا نريد».. لماذا؟، كان في كنيست إسرائيلي ما نائب عنصري واحد، هو الحاخام مائير كهانا، وصار فيه 12 نائباً من حزب «البيت اليهودي» يدعمهم ثلث نواب حزب الليكود.. وهؤلاء، دون مصادفة، هم أشد الداعمين لقوننة «يهودية إسرائيل». استجاب كيري لمطلب اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، فنال منها الثناء. لكن عندما حذّرها من أن فشل حل الدولتين سيجعلها في النتيجة دولة «فصل عنصري» قال فيها أشدّ الهجاء.. فأرخى ذنبه بين قائمتيه! أيضاً، شجبت إسرائيل ما ورد بخصوصها، للمرة الأولى، في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، حول استفحال الارهاب اليهودي ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. ينسى الكثيرون أنه قبل عشرين سنة، أي بعد أوسلو تم تعريف إسرائيل لنفسها «دولة يهودية ديمقراطية» ولكنها، بعد عشرين سنة، طلبت من الفلسطينيين الاعتراض بتعريفها لنفسها، فرفضوا رفضاً باتاً قاطعاً. علّل الفلسطينيون أسباب رفضهم، وهي تتعدى حتى تعليل المؤرخ الإسرائيلي زئيف سترنهيل بأن معنى الطلب هو اعتراف الفلسطينيين بهزيمتهم التاريخية والثقافية تمهيداً لهزيمتهم السياسية بالاعتراف بفشل الحل بدولتين لا دولة فلسطينية.. ودولة إسرائيل للشعب اليهودي! في تعليل نتنياهو لطلب إقرار مكانة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، جاء أن هذا يعني «الاعتراف بالصلة العميقة القائمة بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل» أي نفي الصلة الأكثر عمقاً بين الشعب الفلسطيني وأرض فلسطين. المعنى؟ مستوطنات «معاليه أدوميم» و»أريئيل» و»غوش عتصيون» أغلى على غلاة يهود إسرائيل من مدن : حيفا ويافا وعكا على الفلسطينيين. مقبول عودة يهودية إلى «يهودا والسامرة» بعد ألفي عام، ومحظور عودة فلسطينية إلى حيفا ويافا بعد 66 عاماً. بل عودة الفلسطينيين في إسرائيل إلى بعض قراهم المهجّرة والمدمّرة! تعود أعمال «شارة ثمن» إلى غلاة «فتيان التلال» وهؤلاء إلى شعار المستوطنين : «هذه أرضنا ـ زو أرتسينو».. وبعد ارهابهم إلى تقديسهم لمجزرة باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي، ومن قبل إلى مجزرة «عيون قارة» (ريشون لتسيون) ضد عمال من غزة يعملون في إسرائيل التي اقترفها الجندي عامي بوبر، ومن بعد إلى مجزرة اقترفها الجندي عيدان ناتان زادة في مدينة شفاعمرو، عندما أطلق الرصاص في الباص على ركابه الفلسطينيين. في حالتي باروخ غولدشتاين وناتان زادة لاقا حتفيهما بنعال وأيدي الفلسطينيين العارية، في ممارسة مشروعة للدفاع عن النفس، لكن المدافعين يخضعون لمحاكمة «قانونية» بتهمة قتل القاتل! إن محاولة الدمج بين «الدولة القومية للشعب اليهودي» وبين «الصلة العميقة بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل» هي ما يفسّر وجود قانونين إسرائيليين في الضفة يسريان على الفلسطينيين بالاحتلال والاستيطان، و»محاربة الارهاب» وعلى المستوطنين بوصف ارهابهم بأنه مجرد «أعشاب ضارّة» واختراقات «خارج القانون» دون محاولة جدية لمحاكمتهم : «لا يمكننا» مكانها «لا نريد»؟ تدعي إسرائيل بأن الفلسطينيين فيها هم مواطنون في إسرائيل، لكن تحظر عليهم تطبيق مواطنيتهم وإحقاق «حق العودة» الخاص بهم إلى ما بقي قائماً من القرى المدمّرة والمهجّرة، وأيضاً ترفض أي ربط أو مقارنة بين «المحرقة» النازية وبين «النكبة» الفلسطينية. هناك في الائتلاف الحاكم الإسرائيلي أحزاب ونواب وشخصيات لا تعترف بأوسلو ولا بالشعب الفلسطيني، ولا بحقه في دولة خاصة، لكن إن حاول الفلسطينيون إنهاء خلافاتهم، فهذا يعني أنهم غير مقبولين من إسرائيل في شروط السلام كما تضعها هي! مسألة يهودية إسرائيل كانت في عقل نتنياهو قبل جولة المفاوضات الأخيرة، عندما مال على أذن الحاخام عوفاديا يوسف قائلاً : البعض اليساري في إسرائيل لا يفهم معنى أن يكون اليهودي يهودياً .. هذا احتلال يهودي للصهيونية والإسرائيلية! لا فرق بين دعاة أصولية إسلامية يرون أن من يخالفهم في عقيدتهم هم «أهل ذمة» وبين أصولية يهودية ترى أن دولة إسرائيل هي للشعب، شعب واحد فقط هو الشعب اليهودي.
"فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا"
بقلم: هاني المصري – الايام
تحت هذا الشعار عقد المؤتمر الثاني عشر لفلسطينيي أوروبا في قاعات "أوروسايت" في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور آلاف الفلسطينيين من مختلف البلدان الأوروبية التي يبعد بعضها عن باريس آلاف الكيلومترات. معظمهم أتوا في الحافلات، وهذا يعني أنهم سيقضون ساعات طويلة في رحلة الإياب والعودة.
وتتضح الصورة عندما تلاحظ أن قسمًا كبيرًا منهم أتوا مع عائلاتهم، وأنهم سيقضون ليلة على الأقل في العاصمة الفرنسية، وأنهم جميعًا يتحملون تكاليف الرحلة التي باتت تقليدا سنويًا، وبعضهم من المقتدرين لا يكتفي بذلك، وإنما يتبرع للمساهمة في تغطية تكاليف المؤتمر التي تشمل التحضيرات والوجبات وأجرة القاعات وتكاليف سفر وإقامة الضيوف، حيث كان ضيف الشرف لهذا العام طاهر المصري، رئيس الحكومة والبرلمان والأعيان الأردني السابق، وكان من الضيوف السفير الفلسطيني في فرنسا هايل الفاهوم، والمطران رياح أبو العسل، ومحرزية العبيدي نائبة رئيس المجلس التأسيسي التونسي، وجمال ريان المذيع في قناة الجزيرة، وأنا.
يحضرني في هذه المناسبة ما قاله جان بول سارتر، المفكر الفرنسي الشهير، ومنظر الفلسفة الوجودية أثناء زيارته إلى قطاع غزة برفقة صديقته سيمون دي بوفوار قبل العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في العام 1967، حيث شاهد طفلاً عمره أقل من خمسة عشر عامًا، أي ولد بعد نكبة 1948، وسأله فجأة من دون أن يكون هذا على برنامج الزيارة: من أين أنت؟ فأجابه الطفل: من قرية قرب يافا، فقال له: ما اسمها، وأين تقع؟ فأخبره بالتفصيل عن موقعها وكيف تصل إليها بالرغم من أنه لم يزرها من قبل، فقال سارتر: إن شعبًا يربي أطفالاً بهذه الطريقة لا يمكن إلا أن ينتصر.
إذا تخيلنا أن سارتر عاد إلى الحياة وشاهد مؤتمرات حق العودة بعد أكثر من ستة وستين عامًا على النكبة، الذي يشارك فيه كل عام آلاف الفلسطينيين من حاملي الجنسيات الأوروبية، وقسم غير قليل منهم حملة شهادات ويعيش عيشة مرتاحة، والكثير منهم لم يولد في فلسطين ولم يزرها ولو لمرة واحدة؛ سيدرك أن ما قاله في زيارته المذكورة صحيح مائة بالمائة.
لا تزال القضية الفلسطينية حية بالرغم من مرور كل هذه السنين، ورغم ما عاناه الشعب الفلسطيني من تشريد ومجازر ومعاناة داخل وطنه وخارجه من الأعداء ومن الأشقاء، ورغم الحروب والمجازر والموت، وفي ظل حالة الهبوط التي تعيشها القضية الفلسطينية بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على توقيع اتفاق أوسلو، الذي ضرب بالصميم وحدة القضية والأرض والشعب وقسمها إلى قضايا، والحل إلى مراحل، واعترفت فيه القيادة الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود رغم عدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، ونبذ العنف والإرهاب بأثر رجعي، رغم أن ما تقوم به الصهيونية وأدواتها ممثلة بالمشروع الاستعماري الاستيطاني وبإسرائيل الاحتلالية يمثل ذروة الإرهاب المستمر، الذي لم يتوقف لحظة واحدة رغم أكذوبة عملية السلام المستمرة منذ ذلك الحين وحتى الآن.
إن انعقاد مؤتمر حق العودة كل عام في أحد البلدان الأوروبية أحد الدلائل الكبرى على أن القضية الفلسطينية رغم كل ما جرى وفي ظل المغامرات والاستخدامات الفلسطينية والعربية والاقليمية ووجود الانقسام الفلسطيني المدمر ما زالت حية، لأن الشعب الفلسطيني مصمم على إحيائها وعلى الكفاح لتجسيدها مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
ومن مظاهر بقاء القضية حية الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض الوطن، حيث لا يزال يعيش نصف الشعب الفلسطيني (ستة ملايين) في وطنهم بالرغم من أن الاحتلال يعني الجحيم، لا سيما وأن العيش في بطن الحوت بالنسبة لشعبنا داخل أراضي 48 يعني أن يكون الإنسان الفلسطيني صاحب البلاد الأصلي مواطنًا من الدرجة الثانية، يعاني من الاضطهاد والتمييز العنصري، ومن مخططات التهجير الطوعي والقسري التي أصبحت البنود الرئيسة لأحزاب مركزية تشارك ولا تشارك في الحكومات الإسرائيلية.
وكذلك كل أشكال المقاومة السلمية وغير السلمية، بما فيها صمود غزة في وجه الحصار وضد العدوان الإسرائيلي الذي وصل في أكثر من مرة إلى حد الحرب الشاملة، كما حصل في أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009، وفي تشرين الثاني 2012.
ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، هذه الحركة المتنامية التي يشارك فيها المتضامنون الأجانب والإسرائيليون، والتي باتت تقلق الحكومة الإسرائيلية، لدرجة أن بنيامين نتنياهو خصص أكثر من نصف خطابه أمام مؤتمر "الأيباك" السنوي لها، وذكر كلمة المقاطعة 18 مرة؛ ما يدل أنها باتت مقلقة، ويمكن أن تكون مفزعة إذا وضعت كل الطاقات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها لدعمها.
ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية أيضًا أن 138 دولة صوتت لصالح قبول فلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة، وسط معارضة 9 دول وامتناع 41، وقبلها صدرت الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي الدولية التي أعطت الفلسطينيين أكثر مما طلبوا، وتقرير غولدستون الذي أدان الجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا في غزة، وقبله عشرات القرارات الدولية التي أدانت الاحتلال والاستيطان والجرائم المختلفة بحق الفلسطينيين، وهذا كله يؤكد أن القضية الفلسطينية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا، وأن الرأي العام الدولي ينتصر لها ومتضامن معها، وأنها قابلة لتحقيق النصر إذا اتبع الشعب الفلسطيني وقواه الحية وقياداته الطريق القادر على أن يؤدي إلى الانتصار.
في هذا السياق نضع أيضًا رفض القيادة الفلسطينية لاتفاق الإطار والتمديد للمفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية كأحد أشكال الصمود الفلسطيني، بالرغم من كل الملاحظات الجوهرية على السياسة الرسمية الفلسطينية، التي تسير منذ وقت طويل تحت تأثير وهم أن السلام الذي يتضمن تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية يمكن أن يتحقق من خلال: اعتماد المفاوضات المباشرة كطريق وحيد؛ وإبداء حسن النوايا؛ وتقديم التنازلات عن الحقوق؛ والتخلي عن المقاومة؛ وتنفيذ الالتزامات المتضمنة بالاتفاقات من جانب واحد.
وهذا الطريق لم يؤد إلى شيء سوى إلى زيادة التعنت والتطرف الإسرائيلي، والقضاء على ما كان يطلق عليه معسكر سلام في إسرائيل، حيث لم يتبق منه في مرحلة أوسلو والسلام المزعوم سوى شظايا.
ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية إحياء الهوية الوطنية والثقافة الوطنية من خلال جميع أشكال الفنون والثقافة والأدب، حيث لم تعد المساهمة الفلسطينية تقتصر على الشعر والرسم، وإنما وصلت إلى كل الميادين، وخصوصا السينما التي تعتبر كما قال لينين بحق: من بين جميع الفنون السينما هي الأهم لأنها تجمع كل الفنون.
إن قضية اللاجئين أساس القضية الفلسطينية وجوهرها، ولا يمكن أن تحل القضية حلاً عادلاً أو متوازنًا من دون حلها، ومن الخطأ التعامل وكأنها مستحيلة التحقيق، أو أنها يمكن أن تتم المقايضة بها مقابل إقامة دولة فلسطينية والتنازل عن حقوق شعبنا في أراضي 48، فهذا الخيار سقط بعد اتضاح استحالة إقامة دولة فلسطينية من دون تغيير ميزان القوى تغييرًا جوهريًا بما يجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة العام 1967.
كما من الخطأ تقزيمها على طريقة مبادرة السلام العربية التي تضمنت تنازلاً مجانيًا من خلال الحديث عن حل عادل ومتفق عليه، ما يضع الفيتو بيد إسرائيل.
وكذلك إعادة إحياء معايير كلينتون التي استثنت خيار عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها أو وضعته تحت رحمة إسرائيل، من خلال اشتراط موافقة إسرائيل وضمن القانون الإسرائيلي "لم الشمل" الذي لا علاقة له بحق العودة على الإطلاق.
وأيضًا من الخطأ الاكتفاء بالمطالبة بالاعتراف الإسرائيلي بالمسؤولية القانونية والتاريخية والسياسية مع أو من دون عودة عدد محدد يشمل 20 ألفاً أو 100 ألف أو حتى 150 ألفاً.
إن من الخطأ الفصل بين الحق الفردي لكل لاجئ والحق الوطني، أو الحديث عن عدم إمكانية استيعاب إسرائيل لملايين اللاجئين جغرافيًا وديمغرافيًا.
أي من الخطورة أن نقدم عروضًا تساعد إسرائيل على تبرير موقفها الرامي إلى تصفية قضية اللاجئين كليًا من دون أدنى استعداد لديها لتلبية الحد الأدنى من متطلبات حل قضية اللاجئين حلاً عادلاً أو متوازنًا أو حتى مقبولاً.
"فتح" و"حماس" على طريق الشراكة الملغومة !
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
ما كاد الحبر يجف عن إعلان الشاطئ، الذي أعاد فيه طرفا المعادلة السياسية الداخلية الفلسطينية التأكيد على الالتزام باتفاق القاهرة وإعلان الدوحة، الخاصين بالمصالحة وإنهاء الانقسام، وبمجرد ان غادر وفد حركة فتح قطاع غزة، حتى سارع قادة "حماس" إلى "توضيح" ما تفهمه الحركة، وعمليا ما تهدف إليه من الذهاب على طريق المصالحة مع "فتح". وبعد ان قال محمود الزهار، الذي ظهر مجددا على خشبة المسرح السياسي، بعد غياب طويل، أن المجموعات العسكرية لن تخضع للسلطة، وستظل تأتمر بأمر "حماس" حتى بعد الانتخابات، أكمل موسى أبو مرزوق جملة التصريحات بالقول بأن الحكومة القادمة لن تكون حكومة الرئيس، بل حكومة الإطار القيادي، وحكومة التوافق، ثم تواصلت تصريحات مسؤولي وقادة "حماس"، لتصل الى حدود الحديث عن الافتراق السياسي بين برنامجي الحركتين، من خلال التأكيد على أن "حماس" لن تعترف بإسرائيل، وان مجلسا رئاسيا سيقود المرحلة الانتقالية وليس الرئيس محمود عباس، وذلك كرد _ على ما يبدو _ على ما أعلنه الرئيس من ان الحكومة القادمة ستكون حكومته وستعترف باتفاقيات المنظمة، وستلتزم بسياسته وتوجيهاته، في محاولة منه لاحتواء المحاولة الإسرائيلية لإعاقة تشكيل تلك الحكومة.
من الواضح أن تصريحات قادة "حماس" المختلفة والمتباينة، والتي جاءت بعد توقيع إعلان الشاطئ، تهدف لتحقيق العديد من الأهداف التي تبدو هي أيضا بدورها متباينة، بعضها موجه لكوادرهم وعناصرهم، بهدف تجنيدهم للقبول بمواصلة طريق المصالحة حتى إنهاء الانقسام، وبعضها موجه بشكل تكتيكي لفتح وذلك بفتح المزاد الحكومي مبكرا، بمناسبة الحديث عن بدء المحادثات للتشكيل الحكومي الجديد.
فبعد ان اجتمع المجلس المركزي، وكذلك المجلس الثوري، وبعد ان قام الرئيس محمود عباس بإعادة "توضيب" أو ترتيب وتفعيل الأوراق الداخلية وحتى العربية، وكل ما يستطيع من أجل كبح جماح ردة الفعل الإسرائيلية، ومنعها من استثمار لحظة انتهاء الفترة التفاوضية، بشكل دراماتيكي، وبعد أن يلتقي كلا من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس "حماس" خالد مشعل في الدوحة، حيث من المحتمل أن يقف عند حدود رأيهما بخصوص تفاصيل الحكومة الانتقالية، ومستوى الدعم اللذين سيقدمانه لها، سيكون الرئيس أمام استحقاق إصدار المرسوم الرئاسي بخصوص تشكيل الحكومة، وبالطبع، فإنه من الطبيعي أن يتردد، لسبب بسيط، وهو انه لا يضمن استجابة "حماس" في غزة بالتحديد، والتزامها، ولا حتى إيفاءها بما وقعت عليه قبل نحو أسبوعين في بيت إسماعيل هنية بمخيم الشاطئ، حيث انه لا مشكلة بالطبع مع حكومة رامي الحمد الله التي وضعت استقالتها بين يدي الرئيس، ولا كانت هناك في يوم من الأيام أية مشكلة بين الرئيس وبين حكوماته المتتابعة في رام الله، التي كانت تلتزم بتوجيهاته وقيادته وحتى بسياساته العامة، ولكن المشكلة كانت وما زالت مع "حكومة" إسماعيل هنية في غزة، التي لم تعلن حتى اللحظة ولو بكلمة واحدة، استعدادها للاستقالة، أو لأن تحل نفسها، على الأقل، بالتزامن مع إعلان الرئيس تشكيل حكومة التوافق، وهنا بالذات توجد مشكلة، وهي كيف يمكن للرئيس أن يصدر مرسوما بتشكيل حكومة مسؤولة عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ما لم تقدم أو تعلن "الحكومتان" استقالتهما له ؟ !
ربما كان ابو مرزوق والزهار أرادا ان يطمئنا قادة وكوادر وعناصر القسام، بأنهما لم يسلما الراية للشراكة، حتى لا يقفوا كعقدة المنشار في طريق تنفيذ اتفاقات المصالحة، كما فعلوا في حزيران عام 2007، حين انقلبوا على اتفاق مكة بعد ثلاثة أشهر بالضبط، وهي المهلة التي كانوا قد منحوها لهنية حينها، وبأن سيطرتهم الفعلية ستظل على القطاع، وأن إدماج 3000 عنصر فتحاوي في أجهزتهم لن يمس هذه السيطرة، لأن الحديث لا يجري عن قيادة الأجهزة، كذلك محاولة ترويج المكسب المباشر من المصالحة بتأمين رواتب نحو 40 الف موظف حمساوي في غزة، من خلال ضمهم لمرتبات السلطة في رام الله، وبالتالي كسب تأييد هؤلاء لإعلان الشاطئ.
بالمقابل، بأن تلك التصريحات توجه لفتح خطابا مضمونه، ان "حماس" لم تقبل الدخول تحت عباءة فتح والسلطة، وهي تصر على الشراكة الثنائية، "وراس براس" وتفضل الذهاب الى إطار "فيدرالي" تكون فيه السيطرة الميدانية في غزة لها وفي الضفة لـ "فتح"، مع مجلس رئاسي مشترك وإطار قيادي ثنائي، إن كان على صعيد صلاحيات الرئاسة، او فيما يتعلق بالاتصال الخارجي. وهذا سينطبق حتى على معبر رفح، والتواجد فيه، وربما حتى على ما ينجم عنه من عوائد ضريبية وما الى ذلك.
وطبعاً، ما زالت الهوة بين المصالحة وإنهاء الانقسام بيّنة وواضحة، و"حماس" والى حد ما "فتح"، تفضل الذهاب على طريق المصالحة، وبدلا من إنهاء الانقسام الذي بات مستحيلا مع عدم قدرة احد الفصيلين على احتواء الآخر، ومع تجربة فاشلة في نظام الشراكة، بتقاسم السلطة الواحدة ( حين كان الرئيس فتحاويا والحكومة حمساوية) فإن الوصول الى إنهاء الانقسام، عبر محطة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، دونه مرحلة انتقالية، ستشهد كل أشكال الشد والرخي وعض الأصابع بين الطرفين، بما لا يؤكد بأن الأمور ستسير قدما الى الأمام، وما رد فعل الناطقين باسم "فتح" على تصريحات قادة "حماس" الا تأكيد على ذلك، بما في ذلك نفي فايز أبو عيطة لما كان قد اعلنه موسى أبو مرزوق من أن عزام الأحمد سيعود لغزة بالتزامن مع زيارة الرئيس لقطر، للبحث في أسماء المرشحين للحكومة الانتقالية، والتي يصر الطرفان على ان تظل شأنا ثنائيا، منذ تفردا بإعلان الشاطئ، نظرا لنوايا تقاسم السلطة، بعد تقسيمها بينهما، وهذا في أحسن الأحوال، لدرجة أن يخطئا في كتابة اسم أبو مرزوق على ورقة الإعلان، بما يدل على انه كتب على عجل، أو انه ليس على تلك الدرجة من الأهمية، التي يعتقدها البعض، وان سياسة "حط في الخرج" باتت متبعة من قبل من يتحكمون بالشأن الداخلي الفلسطيني، ويلعبون بمصير شعب مكافح قدم آلاف الشهداء وعشرات آلاف الأسرى ومئات ألوف الجرحى، وما زال يعض على الجرح، الذي بات نصفه الداخلي، منذ الانقسام، يؤلم أكثر من نصفه الخارجي.
هل يخلي الذين أخفقوا المكان؟
بقلم:مهند عبد الحميد – الايام
انتهت مسيرة البحث عن حل سياسي ينهي الاحتلال الإسرائيلي لأراضي 67 إلى الفشل الذريع، وانتهى معها الحل الموعود لقضية اللاجئين. أمام هذا الإخفاق بدت الإدارة الأميركية التي احتكرت الوساطة طوال الوقت عاجزة عن وضع مساحيق تجميلية على حل الفصل العنصري الإسرائيلي "الابارتهايد"، ولم تتجاوز "الرباعية" الدولية حدود الموقف الأميركي، أما مبادرة "السلام" العربية فقد أهالت الحكومة الإسرائيلية التراب عليها لأنها لا تحتاج الى هذا النوع من السلام، فقد كرر شارون ومن بعده نتنياهو ما فعله بن غوريون بمبادرة الحكام العرب غير المعلنة التي تقبل بإسرائيل مقابل إقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين، قال بن غوريون حينذاك : لماذا نقبل بعودة اللاجئين ودولة بعد ان هزمنا العرب" بحسب "توم سيغف" في كتابه "الإسرائيليون الأوائل". اخفق النظام الدولي، واخفق النظام العربي في إيجاد الحل بمواصفات الغالب والمغلوب، دون اكتراث بنتيجة الإخفاق، ودون محاولة علاج أسبابه، وكأنه قدر لا فكاك منه.
الإخفاق لا يحتاج الى إيضاحات كثيرة فهو بالمختصر المفيد حدث لأن إسرائيل كانت على الدوام حرة في رفض وقبول اي شيء دون مساءلة وضغط وإلزام وعقوبات، وهي بهذا المعنى فهي غير ملزمة ولا مضطرة للتراجع لا عن الأرض ومواردها ولا عن السيطرة على شعب آخر.
ان ترك إسرائيل حرة في رفض قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي لم يكن بلا مغزى، والمغزى ان مستوى خلاف النظام الدولي الثانوي مع إسرائيل لا يتطلب ممارسة الضغط ولا يستحق اكثر من لوم مهذب، كما ان الانحياز الأميركي لإسرائيل لا يتطلب ضغطا على المصالح الأميركية ولا حتى على المصالح الإسرائيلية من قبل القوى النافذة في النظام العربي، استنادا لهذه المعادلة فإن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة والنظام العربي لا يملكان حلا للقضية الفلسطينية.
وطالما بقيت قواعد العملية السياسية على هذا المنوال، طالما بقيت إسرائيل حرة في إدامة الاحتلال، فلا حل للقضية الفلسطينية غير بنتوستونات الأبارتهايد " الفصل العنصري.
كانت إسرائيل تخشى تغيير قواعد السياسة التي أفضت الى الهيمنة الأميركية الإسرائيلية بعد اندلاع الثورات العربية. غير ان التدخلات الهائلة المعلنة والخفية نجحت حتى الآن في قطع الطريق على الثورات الشعبية، ومكنت الثورة المضادة من تغيير المسار الذي يؤدي الى طرح المصالح الحيوية الأميركية والغربية على بساط البحث.
هل كان المستوى السياسي يحتاج الى 23 عاما كي يكتشف قواعد العملية السياسية العقيمة، التي أفضت الى لا شيء، بل إلى نتائج عكسية كتعميق الاحتلال ومضاعفة الاستيطان والنهب؟ هل كان الشعب الفلسطيني مضطرا الى دفع ثمن الرهان الباهظ على الحل الأميركي طوال الوقت؟ وفي هذا الصدد ما أكثر الخسائر والتحولات السلبية والتشوهات التي علقت بمرحلة الانتظار المديدة.
إن كل نظريات وتجارب الاستعمار القديم ونظريات وتجارب ما بعد الكولونيالية تقول لا كبيرة، وكان يمكن اختصار الوقت. كان يمكن العمل بسياسة امتلاك وتجميع عناصر قوة والكف عن اعتماد سياسة "القوة في الضعف" بذريعة عدم إخافة دولة الاحتلال والأميركان.
هل كانت المعارضة تحتاج الى كل هذا الوقت كي تؤسس مقومات الانتقال الى خيار بديل، واستقطاب خارج الرهان على "السلام الأميركي"؟
مرحلة التفاوض والبحث عن حل سياسي وعملية البناء التي ترافقت معها، تحتاج الى تقييم ومراجعة نقدية تضع النقاط على الحروف وتحدد المسؤوليات. وقد بدأت فعلا المراجعة بثلاثة مستويات. الأول : مؤسسات ومراكز وباحثون وأكاديميون، هؤلاء يواصلون تقديم أوراق بحثية ومقترحات. ثانياً : إعادة تشكل المزاج العام بروحية البحث عن بديل. ثالثاً: المستوى السياسي الذي يبحث عن خيارات بما في ذلك خيار العودة للمفاوضات.
الاعتراف بالإخفاق وأسبابه، يقود وهو الأهم إلى الخروج من المسار الذي أوصل الى الإخفاق. ويلاحظ ان الإدارة الأميركية مصممة على إبقاء مسار تفاوض وعملية سياسية افتراضية " طحن بلا طحين" والتثبيت على سياسة إدارة الأزمة، والتخفيف من أعراضها وتأثيراتها السلبية، وبهذا المعنى تعطيل الخيارات الفلسطينية الأخرى.
الحكومة الإسرائيلية بدورها تسعى الى استمرار استخدام أوسلو كغطاء لتعميق الاحتلال والاستيطان ولتعطيل الفعل الفلسطيني وإضعافه إلى أبعد الحدود. كل هذا مقابل مستوى من الدعم المالي والسياسي الذي يساعد بقاء الأمور على حالها.
إن الخروج الفلسطيني من مسار المفاوضات العقيمة واللا حل يرتبط أوثق ارتباط بإعادة بناء البيت الفلسطيني، بتجديد البنية السياسية والإدارية والتنظيمية، وبمعالجة التشوهات التي لحقت بالمؤسسة الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية.
لقد اعتاد المستوى السياسي على وضع إصلاح وتجديد البنية على هامش أجندته، واعتاد إرجاء هذه العملية الى ما بعد التوصل الى حل. ولما كان الحل متعذراً ومشطوباً من الأجندة الإسرائيلية الأميركية، لم يبق ما يبرر التأجيل والانتظار.
كانت البرامج خلال عقدين تطرح مهمة التوصل الى حل ينهي الاحتلال من خلال المفاوضات، وعند المعارضة كانت البرامج إنهاء الاحتلال بلا مفاوضات. عندما تفشل القوى السياسية في تحقيق برامجها، يقول المنطق ان الذين اخفقوا من المفترض أن يخلوا مكانهم في الصف القيادي إلى قوى جديدة والى دم جديد من داخل التنظيمات وخارجها.
هل يفتح المستوى السياسي المجال أمام عملية تغيير وتجديد تستند الى معايير جديدة في مجال انتخاب قيادة جديدة وفي مجال إعادة بناء مؤسسات جديدة، ومنظومة قيم جديدة ومتطورة، وأشكال نضال جديدة، وتحالفات جديدة.
إن كل تجمعات الشعب الفلسطيني تعيش حالة من التأزم الذي لم يسبق له مثيل والذي لم تتمكن المؤسسة ( المنظمة وسائر التنظيمات السياسية) من حله. بل لقد ساهمت في عدد من البلدان في مفاقمته. لا يعقل بقاء مجلس وطني في حالة انجماد، ولجنة تنفيذية بالمحاصصة القديمة التي عفا عليها الزمن.
التغيير والذهاب إلى البناء هو مقياس الوطنية الفلسطينية الراهن، ومقياس الرد على التحديات الكبيرة، ثمة حاجة الى تجديد النضال ضد الاحتلال ومن أجل الحقوق. لا يعني التغيير والتجديد المقامرة بالوضع ودفعه إلى الانهيار. التغيير المطلوب من اجل قطع الطريق على الانهيار. فهل من مجيب؟
حروب داعش والغبراء..!!
بقلم: حسن خضر – الايام
الإسلاميون، الإسلام السياسي، الأصولية، الإخوان، الوهابيون، السلفية الجهادية، الجهاديون، السلفيون، القاعدة، النصرة، داعش، جيش الإسلام، أنصار الشريعة (سمهم ما شئت). هذه كلها أغصان على شجرة واحدة. ستجد بين "الخبراء" على شاشة التلفزيون من يبيّن لك الفرق بين هذا الغصن وذاك.
بيد أن "الخبير" غالباً ما يغض النظر عن حقيقة أن الفرق بين هذا الغصن وذاك، لا ينفي قانون الأواني المستطرقة، الذي يحكم وجود هؤلاء، والعلاقات العضوية، والموضوعية، التي تبرر وضعهم في سلة واحدة.
كما يفشل "الخبير"، المولع بالتفاصيل، في التركيز على حقيقة أن مجرد وجود هؤلاء يدل على وجود مرض في مكان ما. ليس صحيحاً أن القمع، والأنظمة الدكتاتورية، والتدهور الاقتصادي، يمكن أن يؤدي إلى ولادة كل هؤلاء.
فقد عاشت أميركا اللاتينية في ظل أنظمة دكتاتورية، وعانت من الفقر، وشن معارضون في دولها ومجتمعاتها حروب عصابات، وقتلوا جنوداً في الجيش ومدنيين، وفجروا قنابل في أماكن عامة. وهذا ما ردت عليه الدكتاتوريات بمزيد من القتل. ومع ذلك لم يحدث هناك ما حدث ويحدث في العالم العربي. ولتذهب باكستان وأفغانستان إلى الجحيم، فهؤلاء ليسوا منّا، ولم يكونوا جزءاً من تاريخ العالم العربي وهمومه منذ قرون.
وحتى إذا وضعنا الصراعات الداخلية جانباً وتكلمنا عن حروب التحرير. خاض الفيتناميون حرب تحرير مديدة، جابهوا أقوى آلة عسكرية في العصر الحديث، وألحقوا بها هزيمة مدوية، لا بالعمليات الانتحارية، وقطع الرؤوس على شاشة التلفزيون، والسيارات المفخخة، بل بحرب العصابات، وبالعنف الثوري، الذي يمثل نقضاً ونقيضاً دائماً للإرهاب الأعمى. الجزائريون، أيضاً، خاضوا حرب تحرير مجيدة ومديدة، لم يفجروا أنفسهم في شوارع باريس، ولا فخخوا سيارات في الميادين العامة.
ما يمكن وصفه بالمرض يكتسب قدراً إضافياً من الخطورة، وهي وجودية في جميع الأحوال، إذا أدركنا حقيقة أن لكل الجماعات التي ذكرناها جمهورا، وقدرة على التجنيد، ودولا حليفة، مباشرة ومجاورة، في الإقليم، وموارد مالية، ومنابر إعلامية.
من المنطقي والمفهوم أن تتبنى جماعات مختلفة أيديولوجيات دينية، وأن تحاول الرد على الدولة القومية الحديثة، وهي علمانية في الجوهر، بضرورة العودة إلى قيم الدين والتقاليد. فعدد هؤلاء في ما يدعى بحزام الكتاب المقدّس في أميركا، أكثر من عدد الإسلاميين في العالم العربي. ومع ذلك لا عمليات انتحارية، وسيارات مفخخة، ولا قطعَ للرؤوس، ولا أنصارَ للشريعة.
ويُقال لك: ولكن الإسلاميين فرق ونحل، وليسوا كلهم من دعاة التطرف وممارسيه. ولكن هذا القول لا ينفي حقيقة أن الأقل تطرفاً يستفيد من الأكثر تطرفاً، وأن المعتدل قد يشهد انشقاقات متطرفة في يوم ما. ولا تعرف ما إذا كان الاعتدال مجرد خدعة حتى يأتي زمن التمكين، وحينها لكل حادث حديث.
وإليك الدليل: قال الغنوشي، قبل أيام، وهو إخواني عريق، في معرض نقده لتجربة الإخوان في حكم مصر، إن إخوان مصر تصرفوا بطريقة صبيانية، و"انشغلوا بأمور الدولة ليتمكنوا منها فابتعدوا عن الشعب فعزلهم".
المهم أن أردوغان التركي، صاحب المشروع الإمبراطوري العثماني، حجب كلمة الغنوشي في الاجتماع الدولي للإخوان المسلمين في إسطنبول، ومنع بثها في وسائل الإعلام، لأن الأخير تكلّم عن "الصبيانية، والغرور، وقصور الأدوات، وانعدام الخبرة".
وهذا ما يمكن لنا ترجمته بطريقة أخرى: "أنصار الشرعية والشريعة" في مصر، يريدون إعادة جماعة صبيانية، ومغرورة، وقاصرة، وعديمة الخبرة (بشهادة شاهد من أهلها هو الغنوشي) إلى الحكم. ألا يمكن، وبالمنطق، إيجاد صلة موضوعية بين "الصبيانية، والغرور، وقصور الأدوات، وانعدام الخبرة" والعمليات الإرهابية التي تعصف بمصر الآن.
الخلاصة: لا نعرف، حقاً، ما إذا كان الاعتدال مجرّد خدعة، وممارسة للتقية الأيديولوجية، في انتظار زمن التمكين. في الماضي، قبل ربيع الشعوب العربية، والانتخابات، كان يُرد على كلام كهذا بالقول: أعطوهم فرصة، وسترون بأنفسكم أن لا أساس في الواقع لكل هذه المخاوف والشكوك. لا بأس. نالوا الفرصة، ولكن "الشعب عزلهم"، وهذا ما شهد به شاهد منهم في إسطنبول، وما أغضب أردوغان. الشاهد أراد تبرير ميله إلى المساومة في تونس للحيلولة دون نهاية كنهاية الإخوان في مصر، والغاضب يرى في كلام كهذا ما يزعزع المشروع الإمبراطوري العثماني الجديد.
فلنفكر في خلاصة إضافية: ما يحدث في العالم العربي، وللعالم العربي، فريد وغير مسبوق: مجتمعات تنحل، ودول تتفكك. وفي كل مكان وهنت فيه سلطة الدولة ظهرت، كالفطر السام، جماعات وعصابات تقول للناس: إما نحكم بما شئنا، وكما شئنا، وإلا قتلناكم. وفي هذا المنطق ما هو أبعد من فكرة الظلم، والدكتاتورية، والتدهور الاقتصادي، وحتى إسرائيل (الشماعة التقليدية لكل شيء). ثمة ما هو أبعد.
بدأ فصل من فصول الحكاية مع ضياء الحق في باكستان، وأنور السادات في مصر، والجهاد الأفغاني، وتضخّم أرصدة السعوديين في البنوك، بعد حرب أكتوبر. وبدأ فصل مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وقطر وأردوغان، وفصل آخر مع ثورات الربيع العربي. هذا كله معروف. وهذا كله، معطوفاً على الظلم، والدكتاتورية، والفقر، لا يبرر، ولا يفسر، ما يحدث الآن. وحتى إذا فكرنا في العلاج سيحتاج الأمر إلى جيل أو جيلين، قبل تحقيق نتائج ملموسة وحاسمة، وتحصين العالم العربي من حروب داعش والغبراء.
تغريدة الصباح - وداعاً، والى اللقاء
بقلم: احمد دحبور – الحياة
تجرعت، نهاية الاسبوع الفائت، نبأ أليماً، فقد توفي عيسى، ابن اختي الذي لم يشبع من الحياة، راحلاً بأعوامه التي لا تتجاوز الخمسين، وبوجهه البشوش الذي كان يتدفق بشراً وصحة ومرحاً. واذا كان الموت كأساً تلحق بالناس جميعاً، فان في هذا بعض العزاء الذي لا يجدي .. لقد كان من أسباب الوفاة، ان المستشفى الهام الذي قصده الفقيد، يفتقد الى كثير من المعدات الضرورية، وهذا ما انتهت اليه أحوال دمشق، لؤلؤة الشرق ومفخرة العرب الفيحاء!!
لست في معرض إلقاء اللوم على أحد، لا على مستشفى ولا على طبيب، ولكنها المفارقة الأليمة التي تقضي ان يفقد بعضنا بعضا، من غير ان تكون للأحياء فرصتهم المشروعة في الوداع والتشييع. وقد كانت هذه الكأس المرة، ملازمة لنا منذ وقوع النكبة التي فرقتنا أيدي عرب - على حد تعبير الراحل الكبير إميل حبيبي - حتى بات من تقاليدنا الوطنية ان نتلقى أنباءنا المؤسية أكثر مما بعد كل نأمة أمل او سحابة فرح ..
هكذا كانت الرسائل وملحقاتها، من برقيات وهواتف وأخبار، هي وسيلتنا لمعرفة ما يحدث معنا ولنا وبنا، واذا كان آباؤنا يتفجعون بالقول ان مأساتنا قد تجاوزت مأساة الأرمن، فان بعض الشعوب والأوساط المصابة بالضيم، باتت تتشبه بنا، كما سبق لنا ان تشبهنا بالأرمن .. أضف الى ذلك ما تتلقاه الأسر المفجوعة من صدمات لدى ما يسميه أهلنا بساعة الغفلة، فهذه الساعة القاتمة المفاجئة كثيرا ما تصدمنا بأخبار أليمة ونوائب، حتى بتنا نتحرج من الضحك المباغت فنستجير بالله ان يحمينا من شرّ هذا الضحك!!
لست في معرض استقصاء تلك الأنباء الفاجعة، ولكنها حين تأتي - في ساعة غفلة على الأغلب - تفتح الجراح دفعة واحدة، فيغدو رحيل عزيز ما، مناسبة لاستذكار الآلام السابقة والفقدانات الأليمة ..
ولهذه المناسبة أقول: ان عيسى، ابن أختي، لم يكن شخصاً خارقاً حتى أذهب الى انه خسارة قومية، ولكنني أستذكر فجيعة ابن الرومي بولده الأوسط يحيى، يوم قال:
وأولادنا مثل الجوارح، أيها
فقدناه كان الفاجع البيّن الفقد
ولهذا فان النساء حين يشاركن بالعويل والنحيب على غير ابنائهن، انما يتذكرن أبناء وأعزاء لهن سبق ان رحلوا، فكانت كل فجيعة مناسبة للتذكير بمصابهن، او كما قال الشاعر الشعبي: «واللي مات ابوها او أخوها، تجي تبكي ونا ساحة بكا»، مع ان كل فاجعة انما تعني المكلومين بها قبل أي أحد، ولكن للدمعة مواسم، وموسم الدمعة هو يوم يغيب راحل جديد، لأنه يفتح الجروح القديمة، والرحمة للخنساء يوم قالت:
وما يبكين مثل أخي ولكن
أعزي النفس عنه بالتأسي
على انه اذا كانت المأساة تطول صاحبها المباشر في الأساس، فانها توقظ مآسي الآخرين، فالثاكلات لا يكتفين بالبكاء على أولادهن، بل يبكين كل من يذكرهن بمآسيهن في غياب حبات القلب، أما في الحالة الفلسطينية فان لدينا هموماً اضافية، كأنما المأساة لا تكتفي باختطاف أحبائنا، بل تأخذهم وهم بعيدون عنا. وقد يقال ان هذه الفواجع تحدث لغير الفلسطينيين ايضاً، وهذا صحيح، ولكن كل مأساة تفتح جراح مأساة سابقة، فضلاً عن أننا قد ضربنا رقماً قياسياً في فقدان الأحبة وهم بعيدون عنا. فيا لله ويا لهذه النكبة وما فعلت بنا ..
تلحّ هذه الشجون، ولم أشر بعد الى من نفقدهم شهداء - وهؤلاء غالباً ما يكونون في شرخ الشباب، وكما يقول ابو ماضي: ان البكاء على الشباب مرير .. حتى بات من التقليد الشعبي ان يوصف كل فقيد شاب بأنه شهيد .. مع الاختلاف طبعاً في حالات التأبين والتشييع ..
أما عيسى، رحمه الله، فأتخيله يهم بمغادرة اللحد، ليداعب المعزين او يفتح عليهم باب الضحك، فما كان ليطيق العبوس والدموع، مع أني أذكره يوم كسر هذه القاعدة، إثر وفاة أمه، حين انخرط في نوبة بكاء فجرت شآبيب الدموع في عيون المشيعين والمعزين على حد سواء ..
انها الحياة، وكلنا لها .. وان تقول الحياة، يعني انك مرشح للرحيل، على ان هذا التعميم الأليم لا يوزع الفاجعة ولا يخفف من وقعها على المصابين بها. وهذه الحقيقة الحزينة ليست الا رخصة لارسال الدمع، والترحم على الراحلين .. فرحمك الله يا عيسى، والصبر والسلوان لأشقائك وأهلك .. وفي طليعتهم شقيقتك الوحيدة. أما أنا فأرجوك ان تدير وجهك بعض الشيء حتى أتمكن من البكاء، وحدي وعلى طريقتي ..
وليس لي، بعد هذا، الا ان أغمغم بين الأسى والمصابرة: وداعاً أيها الشاب الظريف، والى اللقاء ..
سوق حر أم سوق مر؟
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
مطاعم ومقاهٍ ومحالٍ تجارية وشركات وأفراد وحرفيون يفرضون مجتمعين على اقتصادنا الصغير والمحاصر أسعارهم الفلكية كما يشاءون بحجة واحدة هي أنهم يعملون في سوقٍ حرٍ قائمٍ على العرض والطلب.. إذا أعجبك اشتريت وإن لم يعجبك فهذا شأنك.
أغذية ولحوم ومشروبات وخدمات ومنتجات بأسعارٍ تفوق حدود المنطق والمقبول والمعقول. ولو أنك اخترت مراجعة أصحاب الشأن في المؤسسة العامة لواجهتك نفس الحجة: سوق حر.
سوق حر يتفوق على طوكيو ولندن وأوسلو وموسكو؟ سوق حر يستوفي كامل مستحقاته بما فيها المستحقات القسرية للشماعة الدائمة ألا وهي الاحتلال ويعود ويسلخ جلد الشاري والمشتري بأسعارٍ خارج حدود الخيال؟
مشروبات سعر الكأس فيها يزيد عن سعر ثلاثين كيلوغراماً من الفاكهة ذاتها التي استخرج منها المشروب؟ أكلات شعبية تباع أطباقها بسعر أطباق اللحوم؟ شقق سكنية تباع بسعرٍ يفوق خمسين بالمئة سعرها الحقيقي؟ مكاتب ومواقع تؤجر بخمسة أضعاف تصنيفها السوقي؟ فنادق تعمل مطاعمها بأسعارٍ تفوق تصنيفها السياحي بضعفين؟ فنجانٌ للقهوة يباع بضعفي ثمنه في الشانزيليزيه والبيكاديلي؟ كل هذا وذاك تحت مسمى ماذا؟ نعم.. سوق حر!
سوقٌ يزدهر في ظل غياب الرقيب والحسيب.. سوقٌ ينتعش فيه أمراء المال ممن استفادوا من صمت المغلوبين على أمرهم والمتقاعسين في عملهم والنائمين على مسؤولياتهم.
فنجانٌ للقهوة في رام الله يتجاوز في سعره حاجز الدولارات الخمسة ويقترب من حاجز الأربعة جنيهات البريطانية وما يزيد عن أربعة من اليوروهات!! كيف؟ سوق حر؟! أم سوق مر؟
لا عجب إذاً بأن تكون الحياة مرة للكثير من الشباب ممن لا حول ولا قوة ولا مال كافياً لديهم لمواجهة جشع بعض الأمراء الذي فضلوا جيوبهم على أهلهم ومجتمعهم مهللين مطبلين مزمرين للسوق الحر!
بعض ممن يقرأ هذا المقال لا بد من أن يقول في قرارة ذاته: إذا كنت أنت الشاكي، فماذا نقول نحن؟ الجشع والطمع والمغالاة لا تعجب أياً منّا بغض النظر عن موقعه وماله وقد اخترت أن أكتب هذا المقال حتى أعبّر عن صوت من لا صوت لهم في حربهم على الأسعار الجنونية المرتبطة بمكونات حياتهم.
السوق الحر لا يعني تجنب الرقابة ولا يعني الحصانة ضد المغالاة في الاسعار ولا الإعفاء من حق الناس في تثبيت تلك الأسعار وتحديدها ونشرها. السوق الحر ليس منصة للمحاباة والابتزاز وسرقة الناس وابتلاع أموالها بحجج واهية بل هو ما وجب أن يكون نتاجاً لمجتمعٍ حرٍ يمتلك مساحة أكبر من الحرية والخيار والحماية.
سوق مر لمجتمعٍ حر سيجعل ذلك المجتمع كله مراً .. وسوق حر لمجتمعٍ حر سيجعل ذلك المجتمع كله صامداً.. فلا نامت أعين الجشعين وأمراء المال من المغالين والمتّغولين!
"تدفيع الثمن" منتج إسرائيلي طبيعي
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
فكرة "تدفيع الثمن" تمظهرت في عام 2008 في مستعمرة "يتسهار"، غير انها سابقة لذلك بعشرات العقود، لكن بعناوين واسماء اخرى. من يقرأ تاريخ الارهاب الصهيوني منذ بدأت الغزوة الاستعمارية الصهيونية لفلسطين التاريخية، ومع تشكل العصابات المسلحة "الهاجاناة" و"شتيرن" و"ليحي" و"الاراغون" وغيرها من منظمات إرهابية، والفكرة موجودة، وجرى تطبيقها من خلال سلسلة المذابح والمجازر الاسرائيلية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني لتحقيق هدف الحركة الصهيونية المدعومة من الغرب الاستعماري باقامة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية على حساب نكبة الفلسطينيين.
وكان عمادها السياسي والاقتصادي والثقافي شعارات الحركة الصهيونية الناظمة لمشروعها الكولونيالي الاجلائي والاحلالي بدءا من شعار "أرض بلا شعب.. لشعب بلا ارض" و" العمل العبري" وغيرها، التي جميعها مشتقات وإفرازات من فلسفة ومركبات العنصرية والتطهير العرقي، وشكلت المعين الاساسي لبناء وعي مزيف استمد بناءه من رواية صهيونية مختلقة، قامت على نفي الحقيقة والواقع ووضعت مداميك نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
وبعد قيام إسرائيل على انقاض النكبة الفلسطينية، التي تحل ذكراها السادسة والستين، طورت القيادات الصهيونية شعاراتها وادواتها التصفوية والارهابية ضد ابناء الشعب الفلسطيني داخل الخط الاخضر من الاوامر العسكرية، التي امتهنت كرامة وحقوق الانسان الفلسطيني بابشع الصور الوحشية، حتى انها تفوقت على الفاشية الايطالية والنازية الالمانية وديكتاتوريات العالم العسكرية.
وفي اعقاب احتلال إسرائيل لكل فلسطين التاريخية وسيناء والجولان في الرابع من حزيران عام 1967، واصلت سياسة "تدفيع الثمن" لابناء الشعب الفلسطيني خصوصا والشعوب العربية عموما، التي احتلت اراضيها، فاعادت إنتاج قانون الطوارئ والاوامر العسكرية لاستكمال مراحل مخططها ومشروعها الكولونيالي الصهيوني الاول، المستند الى الشعار السياسي الاساسي "ارضك يا إسرائيل من النيل للفرات"، وشرعت بالاستيطان الاستعماري مباشرة في الاراضي المحتلة، الذي استفحل أكثر فاكثر، حتى بات وباء اكثر خطورة بعد توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والعرب وخاصة بعد اتفاقيات اوسلو 1993، ثم اصدرت تشريعات في الكنيست بضم القدس وغيرها من المناطق بما في ذلك الجولان.
والاستيطان الاستعماري يعتبر الركيزة الاخطر في عملية "تدفيع الثمن"، لان كل الانتهاكات الاخرى حرق السيارات والاماكن المقدسة ودور العبادة المسيحية والاسلامية وقطع الاشجار والاعتداء على مصالح ومزارع المواطنين الفلسطينيين إن كان داخل إسرائيل او في اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ليست سوى انعكاس وترجمة مباشرة للتغول الاستعماري. وقبل ذلك، تعود سياسة "تدفيع الثمن" لمركبات بناء الوعي الصهيوني العنصرية، المنتج والمولد للكراهية والحقد والاستعلاء، ولشعور قادة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، انها فوق القانون الدولي من خلال الحماية، التي شكلتها سياسة الغرب الرأسمالي وخاصة الولايات المتحدة.
مع ذلك الانتهاكات اليومية، التي ترتكب ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب وفي الاراضي المحتلة عام 1967، ما كان لها الاستمرار لو ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة واجهزة امنها وخاصة الشرطة و"الشاباك"، اتخذت الاجراءات الرادعة المناسبة ضد منفذي الجرائم العنصرية الخسيسة. ولكن جهاز الامن العام الاسرائيلي كما يقول رئيسه السابق كارمي غيلون، لم يقم بمسؤولياته ضد المجرمين، وهم ليسوا لغزا، كما يقول الصحفي حاييم ليفينسون في "هآرتس"، وتستطيع اجهزة الامن الاسرائيلية وضع اليد عليهم لو وجد قرار سياسي من قبل الحكومة. غير ان الحقيقة تقول، ان هناك قرارا سياسيا عكسيا، اي ان الحكومة، رغم تصريحات بعض اركانها ضد تلك الممارسات، إلا انها اطلقت، وتطلق يد تلك المجموعات الارهابية، لانها تمثل روح سياساتها، وتعبر عن مشروعها التصفوي للقضية الفلسطينية، والمتناقض مع خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، والدفع بالمنطقة لمربع العنف والحرب.
فاشية المستوطنين
بقلم: بهاء رحال – الحياة
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال؛ هو تسليط الضوء على هذه الجرائم، والبحث عن سبل دفاعية وطرق لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة؛ من أجل توفير الحماية للمواطنين والممتلكات الخاصة والعامة التي تطالها هذه الاعتداءات المنظمة من قبل قطعان المستوطنين، ولعلنا نجد أن طرق الحماية في أغلبها تقع على كاهل المواطنين، الذين يجدر بهم أن يعيدوا بعض الوسائل القديمة التي استخدمت في الانتفاضة الأولى مثل: جماعات الحراسة التي كانت تسهر لتأمين الناس في بيوتهم دون أن يلحق بهم أذى، ودون أن تتعرض ممتلكاتهم لأي اعتداء، وحتى يتم ردع ولو جزء بسيط من هذه الجرائم في واقع لا حول للمواطن ولا قوة.
ظاهرة قديمة جديدة لكنها بدأت تتصاعد بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وبدأت تتسع دائرتها، وهي عمليات الاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون تحت مسمى فاشي «تدفيع الثمن»، وهي تتم عبر جماعات إرهابية متطرفة تسكن تلك البؤر الاستيطانية المنتشرة في كافة الأراضي الفلسطينية وتستهدف كل ماهو فلسطيني من بشر وشجر وحجر، حتى بيوت العبادة من المساجد والكنائس لم تسلم من هذه الاعتداءات الإرهابية التي يتم تنفيذها تحت غطاء مباشر من جيش الاحتلال، الذي يوفر الحماية لتلك الجماعات، بينما المواطن الأعزل لا يجد ما يدفع به خطر هؤلاء المسلحين الذين يهاجمون البيوت في جنح الظلام، ويحرقون المركبات والمحاصيل الزراعية، ويقطعون الأشجار فمن يدافع عن المواطن الأعزل الذي لا يملك حتى حق الحماية في المناطق التي تخضع لسيطرة أمنية لجيش الاحتلال، وفي المناطق التي تعرف بمناطق (ج)، أو تلك التي على احتكاك مباشر والمحاذية لتلك البؤر الاستيطانية والتجمعات التي يسكن بها هؤلاء المستوطنون.
الشعار الذي أطلقه هؤلاء المستوطنون «تدفيع الثمن»؛ يثبت أن هذه الأعمال منظمة، ويتم تنفيذها بشكل مدروس، ووفق خطط تقوم على عقيدة متطرفة منتشرة في كل الأراضي الفلسطينية، فليس الأمر محصوراً في منطقة معينة، خاصة وأن الاعتداءات تتم في معظم الأراضي الفلسطينية، حتى أنها تعدت إلى مناطق أخرى في الداخل الفلسطيني المحتل، وهذا دليل واضح على فاشية تلك الجماعات ومدى عنصريتهم، وأنها تقوم على فكر ممنهج بالحقد والكراهية، وهي خطر حقيقي يستلزم الوقوف أمامه، وهنا يظهر التساؤل دون أن نجد إجابة عليه، من يدافع عن المواطنين العزل؟ ومن يدفع هذا الخطر الحقيقي الذي يتهددهم؟ وكيف هي سبل الدفاع التي علينا اتباعها، في الوقت الذي نجد فيه المستوطنين محملين بالعتاد والسلاح وتحت حماية مباشرة من جيش الاحتلال.
طلبة الصف الأول وقياديو الصف الثاني
بقلم: اياد الرجوب – الحياة
أول مرة وقعت عيناي على النقش الحجري «هذا من فضل ربي» كانت على مدخل أحد بيوت القرية، كان الخط مائلا ومزيّنا بطريقة تشوش القراءة على طفل تعلم لتوه قراءة الآيات القرآنية، كنت حينها في الصف الرابع، سألت أستاذ العلوم عنها، فقرأها لي: «هذا من فضلُ ربي»، فحفظتها كذلك، وانطبعت في سليقتي بالرفع، فقد حفظتها عن قراءة أستاذي لها، والأستاذ في ذلك الوقت كان قدوة لتلاميذه.. ورغم تتابع تحصيلي العلمي، وتخصصي في اللغة العربية، وبراعتي في النحو العربي، الا أنني حتى اليوم حينما تقع عيناي عليها وعلى شبيهاتها بمدخل أي بيت أقرأها بالرفع، فالخطأ الذي نشأت عليه عشش في زوايا اطاري المرجعي.
خلال سنوات الانقسام العجاف، وصل أكثر من خبر لأكثر من طالب ضفاوي في الصف الأول عن استبعاد معلمته الحمساوية من التدريس، ومن كان منهم يسأل عن السبب، كان يقال له: «انها حماس»، عندها يستاء الطالب وتبدو عليه علامات الأسف لاتصاف معلمته بهذا الوصف. كبر الطلبة اليوم وقد تشبعوا بثقافة نفي الآخر التي ترعرعوا عليها في المدارس لسنوات من بعض المعلمين المتعصبين، فكيف سيقتنع هؤلاء الطلبة بعد مصالحة قياديي طرفي الانقسام بأن الاتصاف بـ «حماس» ليس شتيمة؟
ومرت سنوات كذلك على طلبة الصف الأول الغزيّين وهم يتربون على الموت من أجل فلسطين وشعبها، وكانوا يستمعون في كل مناسبة لقياديي حماس حول نعيم الحياة في غزة تحت حكم حماس، وفي الوقت نفسه يستمعون لأخبار اعتقالات في صفوف فتح بغزة، وقتل أبناء فتح، ومهاجمة أفراد من فتح، وقمع معتصمين من فتح، ومنع تنظيم مهرجان لانطلاقة فتح، واقتحام أعراسٍ لفتح، فانغرس في أدمغتهم الغضّة أن «فتح» شيء غير مشروع تجب محاربته لئلا يضيع المجتمع، فنشأوا على مفهوم لـ «فتح» هو أقرب للخيانة والكفر.. فكيف سيقتنع هؤلاء الطلبة اليوم بعد سنوات من هذه التنشئة بأن «فتح» لم تعد صفة خيانية؟
طالبنا مرارا على مدى سنوات الحقد الأسود بالرفق بأطفالنا وانقاذهم من مضامين «نعير» الخطباء وقياديي الصف الثاني في طرفي الانقسام، ومن «تضليل» الاعلام الفصائلي، ومن «تنطّع» المعلمين الموجَّهين، فكينونتهم تتشكل مما تتلقاه أدمغتهم الغضة في مقتبل العمر، وهيهات محو ما عشش في زوايا اطارهم المرجعي من ثقافة خاطئة وصور مشوهة منذ سبع سنوات عن اخوتهم المساوين لهم في الحقوق المعاكسين لهم في الولاء.
اليوم، لا عجب ان وجدنا أبناءنا الذين ترعرعوا على ثقافة «الاقصاء» أقصويين حتى مع أمهاتهم، فكيف سيلتزمون بقانون أو دستور تتلمذوا على تخوينه؟ وكيف سيحتكمون لنتيجة انتخابات نشأوا على مهاجمتها والطعن فيها؟ والأهم من كل ذلك، كيف سيحترمون قائد فصيل آخر تربّوا على كرهه؟ فمن قرأ له أستاذه البيت الأول من قصيدة الحياة مكسورا وطنيا ومشوها باللحن الوطني والاقواء والوطني والزحافات الوطنية والعلل الوطنية محالٌ أن تستقيم ذائقته الوطنية.