المقالات في الصحف المحلية
|
![]()
المقالات في الصحف المحلية
|
مصير الأسرى لا تحدده اسرائيل!!
بقلم: حديث القدس – القدس
من سيعتذر أخيراً؟
بقلم: خيري منصور – القدس
نحو مساندة ودعم لمعتقلينا الاداريين
بقلم: عصام بكر – القدس
ما بعد إنهاء الانقسام
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
تنميط الفلسطينيين وحركة تحررهم الوطني
بقلم: خالد الحروب – القدس
الانتكاسة الأولى ؟!
بقلم: حسن البطل – الايام
هذه هي مصر الجديدة، مصر المستقبل الواعد
بقلم: طلال عوكل – الايام
رهان نتنياهو وفشله
بقلم: سميح شبيب – الايام
هل ثمة حكومة سرية في غزة!!!
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
تغريدة الصباح - جحش الوزير
بقلم: محمد علي طه – الحياة
حياتنا - الحقبة المصرية
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
مدارات - إقلاع لا يحتمل انتظار
بقلم: عدلي صادق – الحياة
نبض الحياة - اهمية لقاء الفاتيكان
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
علامات على الطريق - الفاتيكان يستمع لصوت الأذان وتلاوة القرآن
بقلم: يحيى رباح – الحياة
مصير الأسرى لا تحدده اسرائيل!!
بقلم: حديث القدس – القدس
مشروع القانون الذي أقرته الحكومة الاسرائيلية امس تمهيدا للتصويت عليه في الكنيست والقاضي بحظر إصدار عفو عن أسرى فلسطينيين حتى في إطار صفقات تبادل محتملة يشكل إمعانا اسرائيليا في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين بما يتناقض مع القانون الدولي وربط مصيرهم بما تسنه اسرائيل من قوانين مع كل ما ينطوي عليه ذلك من خطورة.
وقد تزامنت هذه الخطوة مع الاعلان امس عن عدة خطوان تعفسية فاقت بها السلطات الاسرائيلية ضد الاسرى المضربين عن الطعام ورفضها التام لمطالبهم بإلغاء سياسة الاعتقال الاداري، عدا عن الاعلان عن مزيد من التدهور في صحة الاسرى المضربين واتخاذ اجراءات ضدهم كالعزل والمعاملة المهينة، وهو ما يعني تصعيدا آخر خاصة وان اسرائيل تدرك تماما ان قضية الاسرى تهم كل بيت فلسطيني، وترى وتسمع فعاليات التضامن مع الاسرى في مختلف محافظات الوطن.
إن ما يجب ان يقال هنا اولا أن اسرائيل ليست هي الجهة المخولة بتحديد مصير الاسرى، مقاتلي الحرية، حسب القانون الدولي وبالتالي فان هذا القانون الاسرائيلي الجديد بحقهم باطل ولا يمكن ان يشكل معيارا عند الحديث عن قضية الاسرى، فما ينطبق على الاسرى الفلسطينيين هو القانون الدولي، فهم أسرى حرب رغم ان اسرائيل لا زالت حتى اليوم تتنكر لهذه الحقيقة وتضرب بعرض الحائط المواثيق والقوانين الدولية.
وثانيا، لقد شهدنا مثل هذا التعنت الاسرائيلي من قبل، سواء قبل صفقة تبادل العام 1985 أو صفقة شاليط حيث كانت اسرائيل تصرعلى عدم اطلاق سراح أسرى وصفتهم بأن أيديهم "ملطخة بالدماء" مقابل جنودها وتشترط سلسلة من الشروط الا انها في كل مرة كانت تخضع لمطالب آسري جنودها وخاصة في صفقة 1985 والى حد كبير في صفقة شاليط.
كما تدرك اسرائيل ان لا ثابت في القوانين التي تسنها وان من سن القانون يمكنه عند الضرورة تعديله او الغاؤه ، ولهذا فاننا لا يمكن ان نفهم هذا الموقف الاسرائيلي بسن مثل هذا القانون سوى انه مفارقة تبعث على السخرية ، فاسرائيل التي تعاملت يوما مع منظمة التحرير كمنطمة ارهابية ورفضت الاعتراف بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني هي نفس اسرائيل التي اضطرت وعلى ضوء نتائج الانتفاضة الشعبية الأولى الى الاعتراف بالمنظمة والكف عن الحديث عن «اسرائيل الكبرى» واضطر قادتها الى مصافحة الزعيم التاريخي الرمز الشهيد الراحل ياسر عرفات.
كما ان على اسرائيل ان تدرك ان هذا القانون الجديد لن يهز شعرة واحدة من أي أسير او أي فلسطيني لاننا نؤمن ان اسرائيل لا تمتلك الحق الأخلاقي ولا اي حق آخر في تحديد مصير الاسرى الفلسطينيين الذين يفتخر شعبنا بنضالهم وتضحياتهم في سبيل حريته واستقلاله.
وفي المحصلة فان ما تقوم به اسرائيل من تعسف وقمع وفرض شروط معيشية قاسية ومذلة على الاسرى الفلسطينيين وما تحاول سنه من قوانين لمنع اطلاق سراحهم إنما يعبر عن إفلاس أخلاقي وعن تجاهل تام للواقع فالعفو الذي منحه رؤساؤها لأسرى فلسطينيين قبيل تنفيذ صفقات سابقة لم يكن عفوا اختياريا بل هو لأغراض استهلاكية داخلية لا شأن لنا بها، واننا نؤمن ان الفجر قادم لأسرى الحرية الفلسطينيين جميعا شاءت اسرائيل أم أبت.
من سيعتذر أخيراً؟
بقلم: خيري منصور – القدس
بمرور الزمن وتكرار التجارب اتضح على نحو حاسم أن العربي لديه من الفراسة السياسية وبالفطرة ما يؤهله لأن يحزر الحقيقة فيما يتعلق بكل أنماط التعبير التي تتوجه إليه . لهذا لم يصدق في فترات معينة كل ما سمعه من إعلام يستهدف نفاقه وتدليك ذاكرته وعواطفه . وغالباً ما كان يُفرّق بين الحمل الكاذب وأعراضه المضللة وبين الحمل الحقيقي، ولم يحدث أن أحضر مهداً وثياباً للمولود الموعود ثم باعها لأنه لم يولد .
واللحظات التي نعيشها الآن رغم كثافتها وثقلها يتلألأ من داخلها وميض أمل حقيقي، فالمسلوب منا ليس أرضاً فقط، بل هو الوعي الذي طالما كان مفارقاً للسائد والمقرر، وما يمكن رصده الآن هو أن الغيبوبة السياسية التي أوشكت أن تصبح موتاً سريرياً بدأت تفقد سطوتها على العقل، ولهذا ليس غريباً أن تعود إلى العربي ذكريات مفعمة بالأسى والكبرياء الجريح، لكنها ليست مجرد نوستالجيا كما يتصور من راهنوا على استمرار الغيبوبة حتى الموت.
فالتاريخ لم يبدأ البارحة أو هذا الصباح، وكان له ظلال وأصداء لم تغرب، لكنها بانتظار ما يوقظها، وما يدركه معظم العرب الآن هو أنهم قاب قوسين أو أدنى من النجاة، بعد أن كانوا جسداً مريضاً مسجى على طاولة، ومن حولهم تشحذ السكاكين، فعلى صعيد الإقليم الذي كانوا دائماً محوره مرّ وقت سال فيه اللعاب من حولهم لاقتسامهم كغنائم، ثم اتضح أن البعير سفينة صحرائهم وحامل عبء أوجاعهم تماوت لكنه لم يَمُتْ، وادخر في ذاكرته ما يكفي لأن يقي نفسه من تكرار اللدغ .
والآن تتراجع الخصخصة القومية التي أوشكت على تمزيق الهوية الأم لمصلحة شعور جمعي، يجعل الحدث الذي كان محليّاً خالصاً في أي بلد عربي يتخطى الحدود ليصبح شجناً قومياً، وقد تكون مصر في هذه الأيام خير مثال . فالاهتمام العربي بكل ما يجري فيها حتى أدق التفاصيل ليس من صناعة الميديا وحدها، بل هو استجابة عضوية لتحديات تشمل النطاق القومي من الماء إلى الماء، والذي حلم الأباطرة الجدد برسم حدوده من الدم إلى الدم!
قليلون هم الذين استعصى وعيهم القومي على التدجين، ومنهم من أحسّ خلال العقود الثلاثة الماضية كما لو أنه يتشبث بالجمر الذي يحرق أصابعه ويتمدد لهبه ليكوي لسانه أيضاً، ولهؤلاء الفضل في الدفاع عما تبقى، بغض النظر عما يحملون من أسماء أو ألقاب، سواء كانوا مثقفين أو ناشطين أو مواطنين عاديين .
كم كان عسيراً على العربي أن يبقى على قيد ذاكرته وهويته في ذلك الخريف الطويل، فمَنْ سَيَعْتَذرُ لِمَنْ بعد انقشاع هذه السحابة السوداء؟ مَنْ غسل يديه وقدميه من انتمائه وتاريخه وقرر البحث عن خيمة خارج الجغرافيا والتاريخ معاً، أم الذي لم يشكّ لحظة في سلامة وأصالة الحليب الذي رضعه؟
نحو مساندة ودعم لمعتقلينا الاداريين
بقلم: عصام بكر – القدس
منذ ما يزيد على 47 يوما يواصل اسرانا الفلسطينيون الاداريون اضرابهم المفتوح عن الطعام فيما تنضم اليهم افواج وأعداد من الاسرى المحكومين في عدة سجون اسرائيلية للاعراب لزملائهم عن وقوفهم معهم في معركة الامعاء الخاوية التي يخوضونها رفضا لسياسة الاعتقال الاداري التي تنتهجها اسرائيل وتم تبنيها من قوانين الانتداب البريطاني في اربعينيات القرن الماضي وحتى الآن ، وتم زج آلاف من ابناء الشعب الفلسطيني في السجون دون تقديم تهمة او محاكمة احيانا الا بشكل صوري احيانا بفعل هذا القانون ، كما جرى تمديد الاعتقال الاداري لعدة سنوات للبعض الاخر وهي عقوبة جماعية وفردية قد يقع ضحيتها أي انسان يعيش فوق هذه الارض بدون ان يعرف حتى سبب اعتقاله انما لمجرد انه فلسطيني .
ومن ميزات هذا الاضراب مقارنة مع اضرابات اخرى انه اضراب سياسي وليس مطلبيا، بمعنى انه لا يسعى لتحسين ظروف الحياة الاعتقالية بزيادة وتحسين وجبات الطعام مثلا ولا حتى زيادة الاغطية او تحسين ظروف الزيارة او زيادة الكانتين وانما يهدف الى تغير قانون ظالم جرى العمل به لسنوات طويلة ، المعركة عنوانها القانون وأجهزة الامن الاسرائيلية التي تسعى لاستمرار تطبيق هذا القانون بكل قوة ، ومن هنا تأتي تصريحات المستوى السياسي لعدد من وزراء حكومة اليمين الاسرائيلي " دعوا الاسرى يموتون جوعا ".
فالاستجابة لمطالب الاسرى يعني ان صفحة هذا الملف قد طويت في حين ان تراجع الاسرى وفشل الاضراب يعني ايضا انهاك قوة الحركة الاسيرة وتراجع اية خطوات نضالية مستقبلية لها وهو ما يحمل في طياته عواقب وخيمة لانكفاء العمل النضالي الذي يخوضه الاسرى ، كل طرف بات يدرك الان ان التراجع لم يعد واردا ، عودة الاسرى للوراء ستحمل وبالا يطال الكل الاعتقالي ومستقبل نضال الحركة الاسيرة برمتها ، وتراجع الاحتلال سيزيل للابد موروثا جرى اعتماده كأحد اعمدة السياسة الاسرائيلية ضمن مسلسل عقوباتها المتواصل .
ومع ضعف الحالة الشعبية المساندة التي لم ترتق لمستوى المعاناة التي يعيشها الاسرى الذين بدأت علامات تنذر بخطر داهم على حياتهم تظهر بشكل يومي، فقدان شديد للوزن وإغماءات متتالية ، تغير في لون البشرة.. الخ ، وغيرها من المظاهر الاخرى..
فحجم الفعاليات لم يكن بالمستوى المطلوب، هناك حراك ضعيف ومشتت وغير قادر على محاكاة الواقع المؤلم الذي يعيشه الاسرى ، فعاليات يومية ولكنها متناثرة ، وعشوائية وتمتد على مدار اليوم بمشاركة العشرات في احسن الاحوال بعيدا عن جلد الذات ورغم اهمية هذه الفعاليات في ذات الوقت ولكن الهدف ان تتواصل وتتوسع وتمتد لتصل الى هبة شعبية عارمة توصل رسالتها للقاصي والداني ان الشعب الفلسطيني بكافة قطاعاته وشرائحه وتلاوينه السياسية يقف الى جانب الاسرى في هذه المعركة التي يتفق الجميع بأنها فاصلة على كافة المستويات.
الا ان اللافت في الحراك الجاري هو الدعوات للاضراب الشامل، وهنا لابد من الاشارة الى عديد هذه الملاحظات والتي منها على سبيل المثال مصادر الدعوات فهناك جهات عديدة دعت لاضرابات والقوى الوطنية والهيئة العليا للاسرى والدعوات في ايام مختلفة بمعنى ان غياب التنسيق وتكامل الجهد يؤدي الى نتائج عكسية ويخلق حالة من التذمر في اوساط قطاعات مختلفة لا سيما التجار وأصحاب الورش والمصانع والشركات.
ثانيا، كان الاضراب خلال الانتفاضة المجيدة الاولى عنوان تحد للاحتلال وتعبيرا عن حالة جمعية يعيشها الشعب الفلسطيني في رفض وجود الاحتلال، اما اليوم فلا يوجد مظهر احتلالي " دائم " داخل المدن والمخيمات مع ان الشعب والسلطة ما زالا تحت الاحتلال بطبيعة الحال. والسؤال: لمن نوجه الاضراب في هذه الحالة. وهو في الحقيقة النقاش الذي شغل حيزا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مع اطلاق الدعوة للاضراب يوم الاحد 8-6 ودعوة اخرى لاعتبار الثلاثاء يوم اضراب ايضا. وللاجابة على السؤال لابد من الاشارة الى ان حالة الضعف الراهنة وغياب القوة التي تقود الشارع وتشكل قوة جذب وتأثير له تقود الى العديد من الاشكال التي بمجملها تشكل فعلا ولكن لا يكون في معظم الاحيان بحجم الفائدة المتوخاة ولا يحقق النتائج المرجوة منه مع اهمية الحفاظ على اشكال العمل الملتزمة والواعية وذات البعد الوطني الصادق.
ما هي الفائدة التي ستعود على الاسرى من اغلاق المرافق التجارية؟. هذا الاضراب هو حالة تشاركية عامة نعود معها للاحساس الجمعي بأن الهم العام لنا جميعا هو الاحتلال بكل ادواته ومسمياته ، وهذا يعطي احساسا قويا بقوة المشاركة عندما نتساوى جميعا ولو ليوم واحد في حالة نعيشها معا ، واهمية الاضراب في هذه الحالة ايضا انه يرسل رسالة للاحتلال وللاسرى الذين هم في امس الحاجة لرفع معنوياتهم في اللحظات الحرجة التي يعيشونها امام استمرار اللامبالاة من قبل ادارات مصلحة السجون .
وفي تفاصيل الحالة والتوحد الوجداني ان جاز القول تكمن اهمية الاضراب الذي اتخذ قراره على طاولة الاطار المركزي للضفة الغربية بحضور معظم فصائل العمل الوطني والاسلامي ، فالاضراب ليس يوما للعطلة او الاجازة وانما هو يوم نضالي بالامكان ان يعكس صورة حضارية رائعة بالمعاني والدلالات. هذا الفهم المتواضع يستند الى تحويل الاضراب الى اداة كفاحية بأن تقف كل مؤسسة او شركة او نقابة امام المبنى الخاص بها وترفع الشعارات التي تقف مع الاسرى وتشد على ايديهم على امتداد الشوارع والأزقة في كافة المدن بينما تتوجه وفود اخرى الى خيم الاعتصام في مراكز المدن ويقف التجار يحملون ايضا الشعارات في وقفة تحمل معاني الاسناد للاسرى .
غياب مظاهر الحياة العادية ليوم والحديث عن مآثر الاضراب وبطولة الاسرى وجوعهم وشل الحركة التجارية بما فيها المطاعم والمقاهي كلها ليست بلا معنى. على العكس فإذا احسن استغلالها فهي احد الاسلحة الهامة التي جربت فيما مضى وكانت ذات فعالية في مواجهة الاحتلال.
كيف يكون الاضراب وسيلة نضالية وليس عقابا نعاقب به بعضنا بعضا ضمن تقاذف المسؤوليات احيانا. الاضراب ليس لخلق حالة تباين والنقاش من قبل الاطراف كافة هو مشروع ومهم. التشارك في الموقف يعطي مدلولا بالغ الاهمية حول التشارك في المصير والهدف وهو في نهاية المطاف انهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال الوطني الذي من اجله ذهب هؤلاء الاسرى الى عتمة الزنازين من اجل تحقيقه والوصول اليه ، ذهبوا طوعا وضحوا بأعمارهم من اجل الوطن وكرامته وعزته.
الاسرى قالوا كلمتهم وأشكال التضامن والاسناد بحاجة الى توسعة والحراك الشعبي يتواصل في معظم المحافظات. ولكن الاساس ان يتكثف ويمتد ، هذه الايام حاسمة بل مصيرية ليس للاضراب ومطالبه وانما لحياة الاسرى فهم مصممون على المضي بالاضراب حتى النهاية ، قنوات الحوار مع ادارات السجون متوقفة. فهي لا تريد حوارا ، العبء الاساس يقع على عاتقنا نحن للتعبير عن وقوفنا الى جانب الاسرى بما فيها الاضرابات ويجب دراسة جدواها بعمق وروية ومسؤولية وطنية.
كل الاطر المكونات مطلوب منها العمل بما فيها حركة اعلامية نشطة وخصوصا الاعلام المحلي لمواكبة ما يجري. فالاسرى ليسوا ارقاما وانما هم بشر لهم اهل يخافون على مصيرهم.
وسائل الاعلام المحلية مدعوة لزيادة مساحة برامجها عن الاضراب وتخصيص اوقات اطول للبث الاذاعي.
ما بعد إنهاء الانقسام
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
بعد سبع سنوات أليمة طوى الفلسطينيون صفحة الانقسام السياسي السوداء والكئيبة بإطلاق أولى خطوات المصالحة الوطنية بتشكيل حكومة التوافق الوطني لتكون فاتحة إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس "إنهاء الانقسام الذي تسبب لقضيتنا بأضرار كارثية" .
ردود الفعل على هذه الخطوة كانت متسارعة وهي ما زالت متواصلة، وباستثناء الرفض الاسرائيلي لهذه الحكومة ومسارعتها في التهديد بمقاطعة السلطة الفلسطينية وحجز عوائدها الضريبية والإقدام على منع ثلاثة من الوزراء في غزة من الانتقال إلى الضفة لحضور أداء اليمين الدستورية، وهو مؤشر إلى ما ستتخذه تجاه وزراء الحكومة الجديدة في تنقلاتهم وأداء أعمالهم وبخاصة تلك المتعلقة بالإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، فقد جاءت ردود الفعل العربية والإقليمية والدولية بوجه عام مشجعة وإن أخذت مستويات متفاوتة .
وهذا ما بدا جلياً بين حماس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الذي التقى رئيس الوزراء الفلسطيني بمطالبته بدعم ومساندة الحكومة الفلسطينية الذي قال "إنها ملتزمة بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية وببرنامج رئيس السلطة الفلسطينية"، وبين الإعلان الأمريكي ب"إمكانية التعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة" والذي اعتبر إسرائيلياً بمثابة "خيبة أمل"، لأنه يبقي الباب مفتوحاً أمام من ترى إسرائيل اللقاء معهم من خلف الجدران العازلة ومنصات الصواريخ .
معلوم أن الحكومة الفلسطينية الوليدة منوطة بمهام بموجب اتفاق المصالحة وهي تحددت آنذاك بمهمتين: الأولى الإعداد والتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية، والثانية مواجهة قضايا المواطنين الحيوية، والأبرز تداعيات الحصار على غزة على حياة الناس في توفير الغذاء والدواء ومشاكل البنى التحتية والمياه والكهرباء وغيرها والبطالة المتفاقمة في صفوف الشباب والعثرات الكأداء التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني جراء السياسة الاسرائيلية المدمرة لقطاعاته الزراعية والصناعية، غير أن الأوضاع الفلسطينية وردود الفعل الاسرائيلية العدائية تجاه الحكومة الفلسطينية أو بالأصح تجاه الوفاق الوطني الفلسطيني تضع على هذه الحكومة مهامّ ليست أقل من أولوية .
في هذا الشأن أمام الحكومة الجديدة مهمة إزالة آثار الانقسام السياسي على السلطة بمؤسساتها وأنظمتها وتداعيات احتقاناته على المجتمع الفلسطيني بأسره، لأن عدم الإقدام على هذه الخطوة سيبقي الأوضاع قائمة على انقسامها، وفي أحسن الأحوال تجميدها في استراحة لجولة جديدة، وهذا يفرغ الاتفاق من محتواه في شأن إعادة بناء السلطة على أنقاض الانقسام بخطوات وإجراءات جادة حكيمة وسريعة تهيئ للحكومة ذاتها فرص وسبل القيام بمسؤولياتها .
إلى هذا، أمام الحكومة الفلسطينية مواجهة التعاطي مع الموقف العدائي الاسرائيلي لها، والمسألة تبدأ من استيعاب هذا الموقف الهادف إلى إعادة الأمور إلى ذلك المربع الذي اتبعته إسرائيل، وقادته الإدارة الأمريكية لعزل حكومة ما بعد الانتخابات البرلمانية وهي سياسة قادت آنذاك إلى انحسار فلسطيني على مصير الحكومة، ومن هنا لم يكن القول: إن الانقسام أدخل الفلسطينيين متاهة تصفية قضيتهم مجاف للحقيقة .
هنا يمكن القول إن الفلسطينيين وليس حكومتهم فقط، لديهم الفرصة المناسبة للخروج من دوامة الابتزاز الاسرائيلي والضغوط الأمريكية التي أبقتهم منذ الاستفراد الأمريكي في شأن هذه الأزمة في أوضاع متداعية ومأساوية أخطرها إشاعة الإحباط الذي يتنافر مع إرادة هذا الشعب المتقاطر الأجيال في مقاومته من أجل استعادة حقوقه .
القضية هنا ليست مصير حكومة بل مستقبل العمل الوطني الفلسطيني وهذا لا يستدعي مجرد خطوة تكميل منظمة التحرير الفلسطينية بالفصائل غير المنضوية في إطارها فقط، بل إن الطريق إلى هذه النتيجة يجب أن تمر من خلال مؤتمر وطني جامع للفصائل والفعاليات وللشعب الفلسطيني بكافة مكوناته في الداخل والشتات، وفي الأهم الشباب الذين يملكون القدرة على التجديد والتغيير وإعادة الاعتبار للحركة الوطنية الفلسطينية في ظل الاحتلال التي أفسدتها الصراعات السياسية، وفي الأفدح كان الانقسام السياسي بوطأته الكارثية التي تلح على التوقف في هذه المحطة للخروج ببرنامج وآلية تواجه المصاعب القائمة، وتتصدى للتحديات الماثلة في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه المشروعة والعادلة .
تنميط الفلسطينيين وحركة تحررهم الوطني
بقلم: خالد الحروب – القدس
يشتغل تنميط «الآخر» واختزاله في صور وتصورات مسبقة، غالباً ما تكون سلبية، في قلب سيرورات وعمليات وتفاعلات اجتماعية عدة، إن على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمعات. بعض تلك السيرورات متعارف عليها في سياقات العيش العادي، وبعضها يتفاعل في سياقات صراعية وتختلف درجات سوئها من جرح الشعور إلى التأسيس للإبادات الجماعية. كلنا يواجه مشاهدات من «التنميط» الاختزالي لمجموعات وشعوب معينة حيث يوصف شعب ما بأنه «كسول» أو «بخيل» أو «خشن» أو «لطيف»، وسوى ذلك. وضمن ذلك تندرج ممارسة بشرية أخرى تكاد تكون معولمة، وهي تركيز النكات والمقولات الساخرة على مجموعة ما، أو شعب ما، ووضعها محط التهكم المتنوع في مقدار إهانته.
بيد أن السمة التهكمية وربما التحقيرية التي تنطوي عليها الممارسات والتصورات التنميطية في سياقات العيش العادي للمجتمعات تتحول إلى سمة تدميرية مهولة في السياقات الصراعية. ينتقل «التنميط» هنا من لعب دوره الساخر والمهين لـ «الآخر» إلى لعب دور مركزي في الصراع مع هذا «الآخر» وفي تهيئة أرضية الاحتراب معه، وتوفير المبررات التفوقية، وتخفيض مستوى إنسانيته تحضيراً لحربه وقمعه. المثال الأبرز والأكثر فداحة والذي يزداد جلاءً في ضوء معالجة هذا الموضوع في مدينة كراكوف في الجنوب البولندي التي اكتسحها النازيون في الحرب الثانية، هو مثال التنميط النازي لليهود.
فهذا التنميط لم يستثمر فقط مناخات العداء للسامية في ألمانيا وأوروبا اللتين ظلتا تنظران إلى اليهود باعتبارهم مجموعة دينية - إثنية محتقرة، لكنه انحط بذلك التنميط إلى درجة نزع الإنسانية عن اليهود بالمطلق واعتبارهم إن كأفراد أم مجموعة أقل مرتبة من مرتبة البشر الآخرين. وهنا بالضبط تكمن النتيجة الكارثية والمدمرة لآليات التنميط في السياقات الصراعية حيث تتم «شيطنة» «الآخر» ونزع سمة الانتماء الإنساني عنه بما يسهل عملية قمعه وتحييد الجمهور العريض الذي يعترض على عملية القمع ذاتها لو تمت بحق مجموعة لم تتعرض لتنميط مماثل.
ثمة أمثلة أخرى راهنة وفي السياق الأوروبي والغربي أيضاً تشير إلى خطورة التنميط ونتائجه التدميرية، منها ما يتعلق بالصورة شبه المتأبدة عن العرب والمسلمين. فخلال عقود طويلة ومنذ ما قبل حقبة الاستعمار المباشر طغت صورة العربي المسلم البدائي والمتوحش والبليد على الخيال الغربي، وعملياً كانت أحد مبررات الاستعمار الأوروبي الذي أراد «إنقاذ المتخلفين من تخلفهم». استمرت هذه الصورة النمطية إلى الوقت الراهن، وتجذرت مع تطور وسائل الاتصال الجماهيري، بخاصة في السينما والتلفزيون. فهنا، وفي أفلام هوليوود على سبيل المثل الأكثر وطأة وبروزاً، ترسخت صورة العربي ذي الصفات الكريهة، والتي لا تستحق إلا الازدراء.
ومرة أخرى تنتقل آليات التنميط الطويل المدى إلى مرحلة مدمرة إن نشأت أية سياقات صراعية. وقد لعب التنميط السلبي المعادي للعرب والمسلمين دوراً هائلاً في تهيئة مناخات التأييد لكل الحروب والسياسات المضادة للعرب وبلدانهم، بدءاً من الصراع على فلسطين والتأييد المطلق للمشروع اليهودي «المتحضر» ضد العرب «المتخلفين»، مروراً بسلسلة الحروب على العراق، وليس انتهاءً بعدم تأييد الثورة السورية وترك الشعب برمته عرضة للالتهام من جانب أنظمة البطش المحلي منها والدولي.
بالانتقال إلى فلسطين والفلسطينيين في إطار نقاش التنميط الجمعي للشعوب وقضاياها وآمالها من المهم هنا اختبار آليات اشتغال التنميط السلبي للعرب الفلسطينيين في دعم المشروع الاسرائيلي وفي إقامة دولة إسرائيل، ثم في توفير الاحتضان الدولي، الغربي خصوصاً، والمتواصل حتى هذه اللحظة. يعود ذلك التنميط إلى حقبة ما قبل قيام إسرائيل وتأسس جزء كبير منه في العصر الحديث انطلاقاً من كتابات الرحالة الغربيين، إلى الأراضي المقدسة ووصفهم أهلها والسكان فيها بكونهم، وفق الرحالة العنصري مارك توين، «قذرين بالطبعية، أو بالفطرة، أو بالتعلم»! لم يستحق أولئك السكان في حقب لاحقة، تحت حكم الاستعمار البريطاني، أن يعاملوا بالطريقة نفسها و»المدنية» التي عومل بها اليهود «المتحضرون» المهاجرون المقبلون من أوروبا «المتحضرة». فمثلاً، لم تحتوِ مناهج التعليم البريطانية في المدارس الفلسطينية آنذاك والمُسيرة من جانب الإدارة البريطانية على مساق تعليم الموسيقى وهو المساق الذي تضمنه المنهج المُطبق نفسه في المستعمرات اليهودية. ليس هناك من تفسير لهذا سوى اعتقاد المسؤولين البريطانيين أن الفلسطينيين أدنى مستوى من اليهود، وأنهم غير جديرين بتعلم الموسيقى التي ترتبط ذهنياً وتصورياً بالرقي والمدنية.
ورث المشروع الاسرائيلي وخطاباته المتطرفة ضد عرب فلسطين التنميط الذي كان قد أسسه البريطانيون ورسخوه، وأضافوا إليه أبعاداً جديدة. فاليهود الهاربون من عنصرية أوروبا والمعبئين بمشاعر الاضطهاد الجمعي والضحية وجدوا في الفلسطينيين عدواً سهلاً، أقرب إلى الفريسة، لتفريغ نزعات الانتقام فيه، ولإثبات الذات والثورة على سمة الضعف والاستضعاف التاريخي التي لاحقت اليهود في التاريخ والعالم وفق السردية المركزية للخطاب اليهودي. بعد جريمة «الهولوكوست»، ثم قيام إسرائيل أصبح الفلسطينيون هم المحطة الأولى والأقرب لتطبيق شعار «لن يحدث مرة ثانية»، في إشارة مباشرة إلى «الهولوكوست»، لكن في تضمين مرمز وعميق يحيل إلى التصميم المطلق والمطبق على الانتفاض على حقبة الاستضعاف.
وضمن سياق هذا الشعور الانتفاضي والذي تهيأت له ظافرية نادرة بسبب قيام الدولة، فإن مقاومة الفلسطينيين مشروع احتلال أرضهم وتهجيرهم منها، تم وضعها على الفور كأول اختبار لزمن جديد، زمن القطع مع حقب الاستضعاف. واحتل الفلسطينيون فجأة وعلى غير رغبة منهم موقع الطرف الذي يريد اليهود الذين تجمعوا وصارت لهم دولة أن يفرغوا ثأرهم التاريخي فيه، انتقاماً من الماضي، وإثباتاً لذات جديدة. ومن دون أن يكون لهم أي ذنب في تطور التاريخ المأساوي لليهود، وجد الفلسطينيون أنفسهم يدفعون فاتورة كل الاضطهادات التي تعرض لها اليهود في تواريخهم، خصوصاً في أوروبا.
هكذا، أضيف تنميط تدميري جديد للفلسطينيين بكونهم خلاصة تجمع العداوات التاريخية لليهود بدليل أنهم لا يقبلون باليهود ولا بدولتهم ويطلقون مقاومة ضدهم. وهذا بالطبع يخرج الفلسطينيين من مربع النضال القومي والوطني ضد محتل أجنبي، إلى مربع العداوة المتأصلة واللاسامية لليهود.
ويمكن هنا رؤية أن الاستراتيجية الإسرائيلية ومنذ اليوم الأول لقيام إسرائيل تنطلق على مسارين: الأول الانخراط في معركة على أرض الواقع لتغيير جغرافيا فلسطين، احتلالياً وعسكرياً، من خلال خلق وقائع استراتيجية وسياسية على الأرض، والثاني الانخراط في معركة مستميتة على مستوى الرطانة والخطاب تقوم على تنميط الفلسطينيين والعرب وتصويرهم بأنهم «النازيون الجدد» الذين يريدون إبادة إسرائيل، بالتالي لا ضير من قمعهم «وقائياً»، وهذا يحتاج إلى تفصيل إضافي مكانه المقالة التالية.
الانتكاسة الأولى ؟!
بقلم: حسن البطل – الايام
اجتازت هذه المصالحة عقبات صعبة وموانع كؤود خلال سبع سنوات، ويبدو أن عليها اجتياز حقول ألغام قبل أن تصل إلى صناديق الاقتراع.
تمّ تذليل العقبات والموانع في الفترة المضروبة والمقررة، أي خلال 5 أسابيع على إعلان اتفاق المصالحة، بتشكيل حكومة وفاق.
لكن، هل تستطيع حكومة الوفاق نزع وتعطيل الألغام خلال فترة الشهور الستة، وأكثرها تضخيماً يتعلق بالاتفاق على نظام الانتخابات، وهل تجري وفق القائمة النسبية (البلاد دائرة واحدة) أم تجري بنظامين والقائمة النسبية والدوائر؟ بما أن التفاهم جرى على انتخاب المجلس الوطني الجديد، حيثما أمكن، وفق نظام القائمة النسبية، لأن فلسطينيي الشتات لا يجري عليهم نظام الدوائر، فهل يمكن أن تتوصل حكومة الوفاق إلى وفاق حول نظام الانتخابات؟
بصراحة، تمت المصالحة على غرار "مكره أخاك لا بطل" بعد انهيار المفاوضات بالنسبة لحكومة رام الله؛ وبعد ردم معظم الأنفاق بين غزة وسيناء وتشديد النظام المصري الجديد على إغلاق معبر رفح.. ومتغيرات إقليمية سلبية في علاقة "حماس"، مقابل متغيرات إقليمية إيجابية في علاقة حكومة رام الله.
ما كادت السلطة الوطنية أن تفرغ، تقريباً، من توحيد المناهج الدراسية، ومعظم القوانين بين الشطرين، حتى باشرت حكومة "حماس" في إقامة إدارة جديدة وموازية، قامت بسن وتشريع قوانين خاصة، بالاعتماد على "مجلس تشريعي" منتخب، لكنه يشمل نواب غزة وحدهم.
ترتب على خطوات حكومة "حماس" أن تردّ على استنكاف موظفي السلطة العسكريين والمدنيين عن الخدمة، بإقامة جهاز عسكري مستقل تماما، وجهاز إداري موازٍ يعتمد على كوادر حماس ويتلقى رواتبه منها.
على ما يبدو، تم الاتفاق على تأجيل دمج كتائب القسام بقوات الأمن الوطني إلى ما بعد الانتخابات، وبإشراف أمني مصري.
لكن، بعد أيام من تشكيل حكومة الوفاق، وحل عقبتين أخيرتين: الخلاف على حقيبة الخارجية، وإلحاق وزارة الأسرى بمنظمة التحرير، حتى انفجرت مسألة رواتب موظفي إدارة "حماس"، ومنعت الشرطة هناك موظفي السلطة من استلام رواتبهم من البنوك وأجهزة الصراف الآلي.
حتى قبل بناء "حماس" جهازا إداريا موازيا، كانت حصة غزة من الوظيفة العمومية عالية، بحكم أنها كانت منشأ الإدارة الفلسطينية، ولأسباب أخرى منها معدل البطالة في غزة الأعلى منه في الضفة.
من أصل مجموع موظفي القطاع العام، البالغين 150 ألف عسكري ومدني، كان في قطاع غزة 70 ألف موظف، واضافت إدارة حماس إليهم 41 – 47 ألف موظف آخر، صرفت عليهم من مواردها الخاصة (الضرائب، ومساعدات خارجية وأرباح الأنفاق).
رئيس السلطة أبو مازن له منطق عملي: إلى حين حلّ هذه المشكلة، على إدارة حماس مواصلة تدبير رواتب موظفيها، لأن بند الرواتب يكاد يقصم ظهر ميزانية السلطة، وبخاصة مع تهديدات إسرائيلية بحجب أموال المقاصة.
ما هو منطق أبو مازن الأمني لفتح معبر رفح بشكل دائم؟ إنه إشراف جهاز الرئاسة على المعبر لحل مشكلة الثقة المفقودة بين مصر وحركة حماس، وأيضاً للعودة إلى اتفاقية المعابر للعام 2005 التي توصلت إليها، في حينه، وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وتلحظ دوراً للاتحاد الأوروبي.
هذا موقف مصر، الرسمي، كما تبلغه رئيس السلطة خلال زيارته للقاهرة، لتهنئة الرئيس السيسي بفوزه، وبما أن حماس وافقت على العودة لمرجعية مصر في المصالحة، فعليها أن توافق ـ كما فعلت ـ على سيطرة الحرس الرئاسي على المعبر، كما على إسرائيل قبول سيطرة الحرس على المعابر معها، ما دامت أبقت على "التنسيق الأمني" مع السلطة، وجمدت كل صلات سياسية معها. أبو مازن لم "ينقلب" على اتفاق المصالحة، كما زعمت بعض مصادر "حماس" لأنها وافقت على تولي الحرس الرئاسي أمن معبر رفح، كما وافقت السلطة على تأجيل توحيد تدريجي للأجهزة الأمنية إلى ما بعد الانتخابات.
مصر رحبت بـ "جدية حماس" في المصالحة، لكن تريد أن ترى عودة السيطرة للشرعية الفلسطينية، على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وحتى عودة الشرعية الفلسطينية إلى مقراتها في قطاع غزة.
هذا يعني، بالنسبة لمصر، أن حكومة وإدارة وقوات حماس ليست ذات صفة شرعية، لأن شرعيتها الانتخابية تقادمت ومعها شرعية حكومة رام الله والبرلمان والرئاسة الفلسطينية ذاتها، لكن السلطة تريد تجديد الشرعية وطنياً، بعد أن عاملها العالم كسلطة شرعية واقعياً، كل مواقف أبو مازن من المصالحة يمكن إجمالها: حكومة وانتخابات.
السلطة رفضت شروطاً إسرائيلية وأميركية للوصول إلى حلّ سياسي، وهي لا تستطيع قبول شروط أو تفسيرات "حماس" للوصول إلى حل وطني، لأن ذلك منزلق يقودها إلى شروط حمساوية لاحقة من شأنها أن تبرّر لإسرائيل وأميركا، أيضاً، مقاطعة حكومة المصالحة، أو عدم الاعتراف بنتيجة انتخابات لاحقة.
"حماس" قدمت تنازلات للصلحة، منها قبول ترئيس الحمد الله للحكومة، وكذلك قبول إصرار أبو مازن على تكليف وزير الخارجية بالاستمرار في منصبه، ونقل وزارة الأسرى لمنظمة التحرير من الحكومة.
هذه التنازلات قابلتها رام الله بتنازلات، وهذه وتلك جزء من تفسير "المحاصصة" على أنها "توافق"... والآن على الجانبين تقديم تنازلات من أجل المصلحة الوطنية العليا، ما دام التوافق والاتفاق يشمل إجراء انتخابات يكون بعدها لكل حادث حديث.
هذه هي مصر الجديدة، مصر المستقبل الواعد
بقلم: طلال عوكل – الايام
بعد فوزه الساحق، الذي أخذ طابع التفويض الشعبي الواسع للرئيس المشير عبد الفتاح السيسي، كان مشهد التنصيب، يوم أمس، مهيباً، مهابة أهرامات مصر، وتاريخها العريق، ويعكس في الوقت ذاته مهابة بيت القضاء المصري.
الأحداث كثيرة التي يمكن الكتابة فيها وعنها بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، ومنها ما يتصل بمجريات المصالحة، والأوضاع الداخلية، ورواتب الموظفين كأول مشكلة على طريق المصالحة، ومنها ما يتصل بإسرائيل ومخططاتها، والتطورات المرتقبة على تركيبة التحالف الحكومي، ومنها التحركات الفلسطينية على المستوى الدولي.
الأجندة الفلسطينية لا تخلو من حدث مهم يمكن الكتابة فيه وعنه، ولكنْ، حدث تنصيب رئيس مصر، وأداؤه اليمين الدستورية ما يسمح له بمزاولة مهامه، مثل هذا الحدث لا يقع كل يوم، ولا نتمنى أن يقع قبل الموعد الدستوري للانتخابات الرئاسية القادمة في مصر.
ربما كان من المنطقي أن يتسلم الرئيس السيسي مهامه من رئيس آخر قبله منتخب، ولكن دينامية الأحداث التاريخية، وديناميات الثورات الشعبية، تنطوي موضوعياً على مفاجآت، وتطورات استثنائية، وأحكام تاريخية يصدرها الشعب حين يرابط في الميدان من أجل صناعة مستقبل أفضل.
الشعب المصري خرج عن المألوف، حيث الارتهان للموروث الثقافي والقيمي الذي أسس لنشوء أنظمة الاستبداد، لعشرات السنين، فعاد ليشتق أسساً جديدة ومنابع عرفتها الدول المتحضرة والمتقدمة في عالم اليوم، حيث الشعب مصدر السلطات، ونحو بناء شراكة حقيقية بين النخب الحاكمة، وبين الشعب، الذي عاش ردحاً طويلاً في ظلام التهميش، والقبول بأقل الحقوق، والتضحية لصالح شعارات مزيفة ومصطنعة.
السيسي، الرئيس، يجمع بين الإيمانية الشعبية، الدينية، التي لم تلوثها دهاليز وألاعيب السياسة، وبين الإيمانية الوطنية بشعب مصر، والقومية بالأمة العربية، فكان خطابه ولهجته تدعو إلى المصداقية، وتعتمد لغة الشعب البسيطة ولكن الواضحة.
لسنا بصدد التفتيش عن اتجاهات البرنامج الانتخابي الذي خاض على أساسه الانتخابات، وهو لم يكن برنامجا، منمقاً، ومصنوعاً من قبل اللغويين، بقدر ما أنه كان نثراً من أفكار ومشاريع، كبرى ووعود، بأن يقود نهضة مصر نحو مستقبلها الجديد.
حجم ونوع المشاريع والوعود التي تحدثت عنها وسائل الإعلام المصرية وسمتها برنامج الرئيس الانتخابي حين كان مرشحاً، يتحدث فعلياً عن نهضة حقيقية، وعن إخلاص حقيقي للعمال والفلاحين والفقراء، وعن الاستثمار والمستثمرين، وعن دور الطبقة الوسطى، التي عليها أن تربط على نحو حقيقي بين الجماهير العريضة، والنخبة الحاكمة.
بالتفويض الشعبي العارم الذي حصل عليه الرئيس السيسي، وبتوجهاته الحكيمة والمدروسة لدور مصر، على الصعيدين العربي والإقليمي، أسس السيسي لتحالف مع دول الخليج، ليست دوافعه الأساسية مساهمة الخليج في إعمار ونهضة مصر، وإنما أساسه مواجهة المخططات الأميركية والإسرائيلية التي تبيت للمنطقة سايكس بيكو جديدة.
مثل هذا التحالف لا يقوم فقط على النفعية المتبادلة، ولا على التوظيف الآني للإمكانيات، سواء إمكانيات دول الخليج الغنية، أو إمكانيات مصر الكبيرة، وإنما ينهض أساساً على وعي جديد لقضايا وحقوق الأمة، وللوطنية العربية في عالم مضطرب يضج بالصراع، وبالتجاذبات، والبحث عن النفوذ والمصالح الخاصة.
وحين يكون هذا هو الأساس، فإن أصحاب القضايا الكبرى، وطنية كانت أم قومية، يستطيعون الاطمئنان إلى مستقبل بلدانهم وقضاياهم، وشعوبهم.
من ذلك الشعب الفلسطيني وقضيته، والتي لا يلخصها معبر، أو أنفاق، أو تجارة، وإنما يلخصها بحث عن الحرية والانعتاق من الاحتلال، وتحقيق الاستقلال.
أحاديث الرئيس السيسي لم تكن كثيرة في الشؤون القومية بما في ذلك القضية الفلسطينية، والعلاقة مع إسرائيل، وكامب ديفيد، ولكن قلة الحديث لا تعني الإهمال أو التطنيش أو القبول بما هو قائم.
وربما كان الأهم فيما لم يقل أو يفعل حتى الآن، منذ البداية عارضت الإدارة الأميركية مجريات الثورة الشعبية في مصر، وعبرت عن استيائها باتخاذ مواقف وإجراءات عقابية، لكنها اضطرت لابتلاع الموس، والعودة رغماً عنها عن بعض تلك الإجراءات والمواقف.
نلمس عدم الرضى الأميركي عن نتائج الانتخابات المصرية، حيث لم يتصل الرئيس باراك اوباما بالرئيس عبد الفتاح السيسي قبل حفل تنصيبه، ولكنّ في ذلك خيراً ودرساً، فمصالح الشعوب تحققها إرادات الشعوب والأنظمة، وليس من ينظر بفوقية للشعوب الأخرى ويسعى وراء تعميق تبعيتها.
ذهب السيسي وهو في موقع وزير الدفاع، مع وزير الخارجية نبيل فهمي إلى موسكو، بعد أن استقبلا في مصر وزيري خارجية ودفاع الاتحاد الروسي، وكانت تلك إشارة قوية إلى أن مصر ذاهبة باتجاه تنويع وتوسيع دائرة علاقاتها الدولية وخياراتها.
هل يذكرنا ذلك بتطورات سابقة؟ نعم حين تحول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في أواسط خمسينيات القرن الماضي، نحو تنويع مصادر السلاح.
مرة أخرى يذكرنا السيسي الرئيس، بالراحل الرئيس جمال عبد الناصر، ولكن في زمن آخر، ونضوج أعمق، وظروف مختلفة فهنيئاً لشعب مصر، وهنيئاً للشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية، وننتظر حكماً مدنياً، ديمقراطياً، يلتزم بالتداول السلمي للسلطة كما يقر ذلك دستور مصر.
رهان نتنياهو وفشله
بقلم: سميح شبيب – الايام
ما قامت به حكومة نتنياهو، من إجراءات، وما أعلنت عنه من عطاءات استيطانية جديدة، هو بمثابة التعبير الواضح عن الأزمة الداخلية الإسرائيلية، المتفاقمة والقابلة للانفجار الداخلي.
مجموعة الإجراءات، وفي المقدم منها، مقاطعة حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية، هي إجراءات غير قابلة للتنفيذ، هي إجراءات لا يؤيدها أحد سوى مجموعة المتطرفين داخل حكومة نتنياهو.
ترتكز تلك الإجراءات على قاعدة هشّة وضعيفة للغاية، وهي باختصار محاولة معاقبة الشعب الفلسطيني، لأن قياداته أنهت الانقسام... الأمر غريب وعجيب للغاية، لكن من يعرف ذهنية اليمين الإسرائيلي، يدرك بأن تلك الإجراءات تنسجم مع الذهنية العنصرية المستندة إلى استخدام القوة، وتجاوز أبسط قواعد القانون الدولي والإنساني.
في حقيقة الأمر هذه الذهنية الإسرائيلية العنصرية والعدوانية كانت تراهن دوما على تناغم الموقف الأميركي مع تلك السياسات العدوانية.
راهنت إسرائيل، هذه المرة على الموقف الأميركي، لكن مراهنتها تلك، باءت بفشل واضح، فأعلن نتنياهو عن بالغ دهشته من الموقف الأميركي.
لعلّ من أبرز فوائد المفاوضات في السنة الفائتة، هو قدرة المفاوض الفلسطيني على كشف أوراق الحكومة الإسرائيلية، وإظهارها على حقيقتها، المتصادمة مع أي جهد حقيقي للسلام والعدل.
بات نتنياهو، ومن معه في الحكومة الإسرائيلية، يقفون حائرين وسط المحيط الإقليمي والدولي، فلا هم قادرون على تنفيذ تهديداتهم وما وعدوا به الشارع الإسرائيلي، ولا هم قادرون على العودة لمائدة المفاوضات، واستئناف جهود وصلت إلى الجدار.
هنالك جهود دولية، أميركية وأوروبية وعربية وغيرها، لاستئناف المفاوضات... الاستجابة الفلسطينية، لا تزال قائمة وواضحة ومعلنة... نعم لاستئناف المفاوضات ولكن على أسس يقرها المجتمع الدولي ومقررات الشرعية الدولية، ومبادئ القانون الدولي والإنساني.
أولها إطلاق سراح الأسرى، الذي سبق الاتفاق على إطلاق سراحهم ودون إبعاد... والشروع، دون إبطاء، برسم حدود دولة إسرائيل، وهي دولة، خلافاً لأي منطق أو قاعدة دستورية، دولة لا حدود لها، وهي تعتمد على ذلك، في استراتيجيتها التوسعية والاستيطانية.
الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة، باتت تشكل عبئاً حقيقياً على من اتخذها، وباتت تمثل صورة الشخص الذي رفع حجراً ليوقعه على قدمه، وباتت زعامة نتنياهو مهددة داخلياً، بعد أن فقد بريقه داخل إسرائيل، وباتت زعامته مهددة حقاً.
هل ثمة حكومة سرية في غزة!!!
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
فجّر قيام شرطة حماس بإغلاق البنوك عنوة ومنع موظفي السلطة من استلام رواتبهم النقاش حول مستقبل المصالحة ومقدرة الاتفاق الإجرائي الذي وقع في مخيم الشاطئ على الصمود.
لكن الأهم من كل ذلك أن مثل هذا التصرف الذي لا يعكس رغبة ولا نية لتجسيد مصالحة حقيقية سلط الضوء أكثر على فهم حماس للمصالحة، وربما غمز من قناة نواياها من وراء هذه المصالحة.
بالطبع فإن من حق الجميع أن يتمتع بنعم هذه المصالحة وفوائدها التي يقع الأمان الوظيفي في أولها، وهو يجب أن يكفل للجميع حيث إن المصالحة الشاملة تعني أن يتمتع الكل بغض النظر عن موقعه من الخط الفاصل للانقسام بنعمة المصالحة، ولا يكون ضحيتها.
وإقراراً بهذا فحتى يحدث ذلك وإذا كان حقاً هناك طرفان أساسان في الصراع الداخلي تفاوضا على الوفاق الوطني وعلى مخرجاته المتمثلة في الحكومة، فإنه أيضاً وبنفس القدر من المسؤولية فإن الطرفين يتقاسمان مهام جعل هذه المصالحة تنجح، وربما يتكفلان بدفع فاتورة المصالحة.
لقد تمتعت حماس لسنوات ثمانٍ بغنائم الانقسام، وظهرت على قشرة الاقتصاد المحلي طبقة جديدة من الأثرياء الجدد الذين ارتبطوا بالفعل بالمجموعة الحاكمة وتمتعوا معها بعلاقات حميمة، تداخلت فيها المهام وتوزعت الأدوار دون منطق ولا عقل وبعيداً عن الحركة السليمة لرأس المال.
بل إن الثروة التي كان الجميع يعاني من غيابها، استأثرت بها مجموعة من أمراء الانقسام الذين قلنا على صفحات "الأيام" أكثر من مرة إنهم من سيعملون على تخريب المصالحة، وسينجحون في وضع ألف عقبة في طريق تجسيدها.
وها هم يفعلون. وخلاصة القول في هذا الجانب إنه بالقدر الذي تمتعت حماس سواء كحركة أو كمسؤولين بنعمة الانقسام وبغنائم كثيرة عادت عليها سواء من الأنفاق أو من الضرائب أو من أشكال الجباية المختلفة (هل تتذكرون كيف كان يتم ابتداع ألف طريقة من أجل جباية أنواع مختلفة من الضرائب لم يعتدها المواطن من قبل)، تقع عليها مسؤولية مشتركة من أجل تأمين المال اللازم للحكومة حتى تستطيع أن تعيش.
لم يكن اتفاق الشاطئ ولا حكومة الوفاق بالضربة السحرية التي ستنهي الانقسام، بل هما الخطوتان الصغيرتان اللتان قد لا يستطيع الطفل السير بعدهما إذا لم يحط بالعناية الكاملة وبالرعاية السياسية والمالية والشعبية. وإن المؤكد أن ترك الطفل يسير وحده في أول خطوه هو وصفة سحرية لتركه لمصير مجهول سيتعثر فيه ويقع عند أول عقبة.
وحكومة الوفاق إذا ما تركت هكذا وصارت حماس تنظر إليها بوصفها طرفا بعيدا عنها وكأنها حكومة غريبة، وكأنها لم تقاتل باستماتة في تشكيلها، فإن المقدر لهذه الحكومة أن تصبح طرفاً في الانقسام وليست علامة من علامات عهد المصالحة.
وأظن - وأرجو أن أكون مخطئا - أن ثمة طرفا في حماس يريد أن يحول حكومة الوفاق لطرف للهجوم عليه، وبالتالي تتنصل حماس من أي التزامات تجاه الحكومة كما تعمل على محاربة سياساتها.
شيء مؤكد يظل العلامة البارزة في ذلك هو الأمن، وهو مستويان، يتعلق الأول بولاية الشرطة والأمن الوطني الذين ورثتهما حكومة الوفاق من حكومة حماس.
هل أسمع من يقول إن حكومة الوفاق لم ترثهما بعد!! نعم من قال ذلك محقاً فأحد أهم معضلات المصالحة أن الحكومة الجديدة لا تحكم فعلياً في غزة. ثمة حكومة أخرى تقود زمام الأمر على أرض الواقع، حكومة لا تعلن نفسها حكومة لكنها في حقيقة الأمر تقوم بمهام الحكومة.
هذا خطأ فادح وقع فيه اتفاق المصالحة، أو ربما لم يكن خطأ بل كان مقصوداً، فالشرطة التي خرجت لتعترض الموظفين لم تتصرف بدافع شخصي ولا هي آلة تحركت من تلقاء نفسها.
عموما هذا حديث طويل أظن أنه يدور في خلد الجميع سواء في الشارع أو في المكون السياسي.
ويتعلق الأمر الآخر بعلاقة السلطة ككل بحكومتها العلنية وحكومتها المخفية في غزة بالسلاح بشكل عام.
فالعلاقة بين السلطة والفصائل لم تتمأسس يوماً بشكل واضح منذ نشوء السلطة قبل عشرين عاماً، حيث ظلت الفصائل تعمل بعيداً عن مؤسسات السلطة.
وكان ثمة وصفة سحرية ربما غير متفق عليها ولكنها تسير على "البركة" تجعل من سلاح الفصائل سلاحاً للكفاح ضد الجيش الإسرائيلي، مع أن قوات الأمن الوطني بأذرعها المختلفة ربما قدمت أكثر المعارك شراسة في الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي وكان ضباط السلطة هم قادة الكثير من المجموعات العسكرية - وهذا أمر مختلف.
لكن يبدو أن ذات الوصفة السحرية التي لم تنجح كثيراً في بعض المواقف حيث إن بعض الفصائل استغلت سلاحها في مرات من أجل تقويض السلطة.
فمثلاً كان إطلاق الصواريخ في مرات عملاً مقدساً من قبل حماس وحين صارت حماس في الحكم كانت تتم ملاحقة مطلقي الصواريخ في بعض المرات بحجة أن التهدئة ضرورة دينية ووطنية.
وأنا لا أختلف حول ذلك، ولكن حتى توضع الأمور في نصابها، تجاهل اتفاق المصالحة هذه العلاقة الشائكة وأظن أنها ستظهر على السطح مع أول "نكشة" إسرائيلية لغزة.
إذا كان ذهاب حماس للمصالحة من باب انحناءة السنابل في وجه الريح فإن زمن المصالحة أقصر من طول القلم الذي تم التوقيع فيه على اتفاق المصالحة، أما إذا كان ثمة نية حقيقية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه فأظن من وقع يعرف ما وقع عليه، ويجب ألا يتم التعامل بلغتين لغة للشارع الحزبي ولغة في صالونات النقاش.
هذه أزمة تكشف الكثير وتحذر من الكثير، وسيظل مستقبل المصالحة في مهب الريح حتى لو سمحت شرطة حماس للناس باستلام رواتبهم، إذ إن ثمة إدارة خفية لغزة ما زالت تتحكم بالقطاع، لم تنهها المصالحة ولا الاتفاق.
تغريدة الصباح - جحش الوزير
بقلم: محمد علي طه – الحياة
أخبرني رفيقي ومرافقي بأنّه لم ينجح طيلة سنوات بتأسيس فرع للجبهة في هذه البلدة التي وصلنا إليها عصر ذلك النّهار من تموز 1984 وأنّ صديقاً له من البلدة نفسها تطوّع ونظّم هذا الاجتماع الانتخابيّ. وأضاف: النّاس هنا طيّبون وبسطاء، وهذه القرية هي الشّاهد الوحيد الباقي من الزّنّار الفضيّ الذي رصّعت نجومه سفوح الكرمل الغربيّ، وهناك عدد من سكّانها ما زالوا يحفظون مفاتيح العودة إلى بيوتهم في صناديق حليّ نسائهم. وفيما انشغل رفيقي والشّاب المضيف بتركيب مكبّر الصّوت على صندوق شاحنة تقوم مقام منصّة الخطابة، تبادلت الحديث مع شبّان لبّى بعضهم الدّعوة إلى الاجتماع أو مع فضوليّين جاءوا ليعرفوا خبر الغريب. وعلمت منهم أنّ شمعون بيريس، الوزير السّابق، رئيس حزب العمل وزعيم المعارضة تجوّل في شوارع القرية في ظهيرة ذلك النّهار داعياً النّاس للتصويت لحزبه وصافح الكثيرين ونثر الوعود السّرابيّة. وأشار أحد الشّبان إلى شاب حنطيّ اللون، طويل، قوي الجسم وقال: هذا المحترم حمل خواجه بيريس على كتفيه وطاف في هذه السّاحة!! وأضاف بأسى: أمّه تحتفظ بمفتاح العودة إلى بيتهم في الطّنطورة!
في تلك السّنوات، بعد يوم الأرض وتأسيس الجبهة الديمقراطيّة تراجعت القوّة الانتخابيّة للأحزاب الصّهيونيّة بين العرب في البلاد من حوالي 80% إلى أقل من 50% ولكنّ سكّان بعض القرى النّائية، استمروا بمنح أصواتهم لها مقابل مصالح ضيّقة ووعود كاذبة عوجاء مثل ذيل الكلب.
دعاني رفيقي بمكبّر الصّوت إلى الصّعود إلى المنصّة (ظهر الشّاحنة) لإلقاء خطابي وكرّر الدّعوة مرّات عديدة مؤكّداً على اسمي كأنّه يريد أن يقول للمستمعين: هذا واحد منكم!!!
أدركت أنّ عليّ ارتجال خطاب يتلاءم مع ما سمعته وأن أدع خطابي المكتوب في جيبي، فتحدّثتُ عن البطالة والتمييز ومصادرة الأراضي والاستيطان وعن العدوان الإسرائيليّ على لبنان وعلى منظّمة التّحرير الفلسطينيّة وصمود المقاومة الأسطوريّ في بيروت وعن نضال شعبنا الفلسطينيّ لإنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلّة، وعن ممارسات حزب العمل وحزب الليكود العنصريّة، وفجأة اندفع الشّاب الطّويل الحنطيّ من بين النّاس ولوّح بيده نحوي وهتف: أيّها المحتلّون، اخرجوا من أفغانستان! ومن المفارقة أنّ الإعلام الإسرائيليّ في تلك الأيّام كان يشنّ حملة مسعورة ضد "الاحتلال الرّوسيّ لأفغانستان" بعد أن دخل الجيش السوفيّيتيّ أفغانستان دعماً للنّظام الشّيوعيّ. تجاهلته ولم أعرْه اهتماماً وواصلت هجومي على سياسة إسرائيل الدّاخليّة والخارجيّة إلا أنّه عاد وهتف: أيّها الشّيوعيّون الكفّار أخرجوا من أفغانستان!!
وأثار هتافه اهتمام الحاضرين في السّاحة والمقاهي وصار بعضهم ينظر إليه ويبتسم معجباً أو ساخراً.
صمتُّ لحظة بعد هتافه ثمّ قلت: أيّها الإخوة، أنا ضد احتلال أفغانستان. وأطالب السّوفيّيت أن ينسحبوا منها..ولكنّي أدعوك أيّها الشّاب للصعود إلى المنصّة، هنا بجانبي، لنهتف معاً: أيّها المحتلّون انسحبوا من الأراضي الفلسطينيّة.. أيّها المحتلّون انسحبوا من القدس الشّريف. أيّها المحتلّون انسحبوا من المسجد الأقصى!!
وصفّق الحاضرون، وأمّا الشّاب فكأنّه فصّ ملح وذاب!!
وفيما أنا أسير إلى السّيّارة لأعود مع رفيقي إلى حيفا وإذا برجل خمسينيّ، يجلس على كرسي صغير على الرّصيف ويشرب الشّاي، يخاطبني: يا أستاذ، لا تهتم بما قاله جحش الوزير، لو استحى القاق (الغراب) ما غنّى!!
حياتنا - الحقبة المصرية
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
تدخل مصر مرحلة جديدة من تاريخها لاعادة اطلاق نفسها كقوة رائدة في المنطقة بعد انحسار دورها على مدى العقود الماضية. ولا تحتاج مصر الى دعم مادي خارجي طويل الأمد بل تحتاج الى دعم ذاتي طويل الأمد لأن امكانياتها كبيرة وأغلبها غير مستغل، أو يساء استغلاله، كالسياحة والثروات المائية والبحرية والمعادن. ولعل الأزمة الحقيقية التي تحتاج الى حلول سريعة هي التمدد في الصحراء لأن التكدس في المدن كالقاهرة أدى الى تحويل العاصمة المصرية الى مدينة طاردة للمستثمرين والسياح بسبب أزمة السكن وأزمة المرور وانتشار البطالة المقنعة والمهن الطفيلية غير المنتجة. فثمة دول لا تملك الامكانيات المصرية لكنها تنمو باطراد سنويا مثل اليمن وبعض الدول الآسيوية.
مصر تحتاج الى تحالف كل قواها الحزبية لانجاز مشروعها والخروج من أزمتها التي تفاقمت في السنين الأخيرة. ولعل الدعم الخليجي الكبير سيتجه نحو المشاريع الانتاجية في مجالات الزراعة واستصلاح الأراضي ونشر تجمعات سكانية جديدة خارج المدن ما يؤدي الى خلق فرص عمل وتخفيض الاكتظاظ السكاني، أو كما قال الرئيس المنتخب ان مصر ما زالت تعيش على نسبة 7 في المئة من مساحتها وهذا سبب التكدس. كما أن قضية النيل هي الأخرى تحتاج الى حل يرضي كل الأطراف وليس مجرد شعارات وتهديدات، لأن مصر هبة النيل والماء بالنسبة اليها قضية حياة أو موت.
مشاكل داخلية معقدة تنتظر الرئيس الجديد تحتاج الى عقود من العمل الجاد لتسترد مصر عافيتها.. وتكون عامل جذب في المنطقة، مصر تستطيع أن تلعب دورا محوريا يهدئ ايران ومخاوف الدول الخليجية وعامل استقرار يستطيع المساعدة في انهاء الأزمات كليبيا وسوريا واليمن والعراق. العرب بحاجة الى مصر والعكس صحيح.
فحال الأمة انحط وتدهور لغياب الدور المصري.. وحتى لا ننسى فإن مصر هي من هزم الصليبيين بجيشها وجيش الشام وهي التي هزمت المغول.. وهي التي اخرجت آخر الفرنجة من عكا، وهي التي قاومت الاتراك ردحا طويلا وكادت تحرر بلاد الشام لولا المساعدات الفرنسية البريطانية للاتراك.
مصر حصن الأمة فلا تبخلوا عليها.
مدارات - إقلاع لا يحتمل انتظار
بقلم: عدلي صادق – الحياة
أقيمت أمس مراسم تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لجمهورية مصر العربية، بعد فوزه على منافسه الوحيد حمدين صباحي. وبالمناسبة، لا أعلم سبباً وجيهاً لخوض حمدين في هذا المعترك، الذي خرج منه للإقامة في كنف النسبة الضئيلة التي أعطته إياها الصناديق، وكان بمقدوره أن يظل مقيماً في كنف النسبة التي حصل عليها في انتخابات العام 2012 عندما حلَّ ثالثاً بنحو 21 مليون صوت. هذه المرة لم يحصل على مليون واحد في الانتخابات الأخيرة، لأن السيكولوجيا الانتخابية للمصريين الذين مارسوا حقهم في التصويت؛ لم تكن ميالة الى التعاطي مع الخطاب الثوري وفرضياته النظرية، وإنما باتت تواقة للاستقرار ولمواجهة التحديات التي تواجه السلم الأهلي والنظام العام وأمن الناس والمتطلبات الأساسية لحياتها. هنا تتقاطع في المناسبة الانتخابية، طموحات المواطن البسيط، مع طموحات رجال الأعمال وإعلامهم التلفزيوني الضارب، على النحو الذي لا يُبقي لحمدين شيئاً حتى لو وقفت الدولة بينه وبين السيسي على الحياد التام والصارم. ففي تناول حمدين لموضوع "الإخوان" طرح موقفاً هجيناً لم يعجب معارضي هؤلاء ولا مؤيديهم، إذ كان يتوعدهم بما يكفي لانصراف المواطن عن التصويت له نكاية في منافسه، وأجزل الوعود الدستورية والقانونية التي تريح "الجماعة" على النحو الذي يكفي لأن ينصرف عنه المعارضون الكارهون لـ"الإخوان". لم يقرأ حمدين سيكولوجيا الناخب المصري المؤيد لـ"خارطة الطريق". ولعل من أكثر التعبيرات الشعبية المصرية التي راجت ولاقت انتقاداً، هي تلك الجملة المقتضبة في وصف حاجة البلاد الى رجل قوي: "عايزين دَكَر". فقد تبرم المثقفون الوطنيون من هذا التعبير، لأن التأييد لأي كان، لا يبرر تأنيث الوطن والمجتمع والمنافسين. و"الدَكر" في كل الدول في الغرب والشرق، يكون من خلفية عسكرية، لا سيما في أوقات الشدة. هنا لم تكن الانتخابات الأخيرة، تلائم حمدين، لا في ظروفها ولا في مخاطرها، ولا في إعلامها، ولا في سيكولوجية الناخب الذي سيشارك فيها. لكن الرجل زج بنفسه في الخضم الذي سيخرج منه بالنسبة الضئيلة، ولهذا استحق الشكر الجزيل من المرشح الفائز، لكون ترشحه أعطى للمنافسة شكلها وفحواها!
إن وضع مصر لم يعد يحتمل لا الخطابات الثورية ولا ألاعيب الوسط النقيض، الذي تمثله شريحة رجال المال والأعمال وقنواتهم الفضائية. فلا تتحمل البلاد، التأخر في الإقلاع الى آفاق تنموية وإصلاحية، لأن احتياطي النقد الأجنبي هبط الى نحو نصف حجمه أيام مبارك، وما تبقى منه هو ما يغطي احتياجات القمح لثلاثة أشهر، ناهيك عن مديونية عالية تصل الى نحو 48 مليار دولار. والمساندون من العرب الميسورين، يقولون ما معناه إنهم يفتشون عن شركاء دوليين استثماريين، وأطلقوا دعوة لجمع المانحين والشركاء، ولا نظن أن المنح المالية غير الاستثمارية، ستستمر طويلاً طالما ظلت الاحتياجات بغير قاع. لذا يتعين على الإرهابيين أن يلوذوا الى حجورهم لحين ضبطهم، لأن المسألة بالنسبة للمصريين جميعاً باتت مسألة حياة أو موت. وستأخذهم القوات المسلحة والشرطة بكل الشدة وسوف تتوسع في التدابير الاحترازية. ويُحسن المشايخ وأصحاب الفتوى صنعاً وسيقتربون من تقوى الله في دم الناس وأرزاقها، إن هم أعلنوا صراحة عن تأثيم أي عمل يمس أمن المصريين ويعكر صفوهم. وسوف يلامسون ناصية الحكمة والشرف، إن هم أخذوها من قصيرها ووفروا على البلاد الدم والمشقة، واقتنعوا أن لا ثورة عندهم ولا ما يحزنون، ولا "رابعة" ولا ما يحزنون، ولن يعود مرسي مهما فعلوا. إن أفضل ما يفعله عقلاء "الجماعة" هو أن يستدركوا ويحاولوا إقناع المصريين والعرب والعالم، أن هناك من بينهم، من يستطيع التكيف مع مقتضيات السياسة والحياة الدستورية في الأوطان. فقد كان خطؤهم أنهم لم يلتقطوا الإشارة يوم إطاحة مرسي، ولم يقبلوا بـ"خارطة الطريق" ولم يكن خيارهم قبول المنافسة ومن ثم التأكيد على حجم تأييدهم في الشارع، فأضاعوا انفسهم، وعبثاً يحاولون تأثيم الآخرين!
نبض الحياة - اهمية لقاء الفاتيكان
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
من المفترض ان يكون الرئيس ابو مازن التقى مع الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس في صلاة من اجل السلام يقيمها قداسة البابا فرنسيس الاول في الفاتيكان. وتأتي زيارة الرئيسان عباس وبيريس ثمرة جهود بابا الفاتيكان، الذي وجه لهما الدعوة حين زار دولة فلسطين اواخر الشهر الماضي، متوخيا ان تترك صلاته مع الرئيسين الفلسطيني والاسرائيلي نتائج ايجابية.
مع ان قداسة البابا فرنسيس يعلم ان الرئيس بيريس مع نهاية زيارته للفاتيكان، يكون قد بدأ بلملمة حقائبه الخاصة لمغادرة مقر رؤساء دولة إسرائيل، منهيا ولايته الرئاسية، وفاتحا الباب للرئيس العاشر، الذي تشير كل المؤشرات، انه سيكون من اقطاب اليمين المتطرف على الارجح. إلا انه وجه الدعوة لبيريس، مراهنا على ما يمكن ان يلعبه الرجل خارج مؤسسة الرئاسة الاسرائيلية، لاسيما وانه بالنسبة لقطاع واسع من الاسرائيليين (رغم كل ما رافقه من نحس تاريخيا في مسيرته الداخلية) يعتبر احد ابرز حكماء دولة التطهير العرقي الاسرائيلية في الوقت الراهن، كما انه من انصار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967.
دعوة بابا الفاتيكان للرئيسين عباس وبيريس، لم تأتِ اعتباطية او ارتجالية، بل يبدو انها دعوة مدروسة ومتفق عليها مع بعض صناع القرار الدولي، مع ان قداسة البابا والناطق الرسمي باسم الفاتيكان، أعلنا، ان الدعوة والصلاة ذات طابع ديني، ولا تحمل البعد السياسي. رغم ذلك، الزيارة لها دلالة سياسية، ولها بعد سياسي، ليس فقط لانها تهدف لدفع الفلسطينيين والاسرائيليين الى الوصول للتسوية السياسية وفق خيار حل الدولتين، وانما لأن القوى الداعمة والواقفة خلف الدعوة الفاتيكانية، هي القوى المؤثرة في السياسة الدولية، والمعنية بحل المسألة الفلسطينية، وانهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ونشر راية السلام في المنطقة والاقليم.
كما ان اللقاء بين الرئيسين ابو مازن وشمعون بيريس بحد ذاتها، يعطي انطباعا ايجابيا امام ابناء الشعبين وشعوب المنطقة والعالم، وتشير إلى ان الصورة البشعة والسوداء، التي ترسمها صباح مساء حكومة ينيامين نتنياهو عن المجتمع الاسرائيلي ومستقبل السلام في المنطقة، نتاج الاعلان المتواصل للعطاءات وعمليات التهويد والمصادرة للاراضي العربية الفلسطينية وغيرها من اشكال القهر والتهديد للمصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني، ليست هي الصورة الوحيدة للمشهد الاسرائيلي، وان كانت هي الصورة الاوضح والاكثر تعبيرا عن المزاج العام للشارع السياسي والحزبي الاسرائيلي.
الزيارة والصلاة في حاضرة الفاتيكان بقيادة البابا فرنسيس، من الصعب الرهان على اية نتائج مباشرة لها، ارتباطا بما اشير إليه آنفا من انتهاكات إسرائيلية خطيرة ومعادية للسلام، لكنها خطوة ايجابية، مطلوب الاستفادة منها في تعميم لغة السلام والتسامح والمحبة بين الشعوب، بهدف إطفاء فتيل الحرائق في البؤر المشتعلة خاصة في ساحة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي نتاج الاحتلال الاسرائيلي البغيض المتواصل على اراضي الدولة الفلسطينية منذ 47 عاما خلت.
علامات على الطريق - الفاتيكان يستمع لصوت الأذان وتلاوة القرآن
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الرئيس أبو مازن يصلي للسلام في الفاتيكان، والصلاة للسلام هي نفسها صلاة لقيامة فلسطين، لميلاد دولتها، لتحقيق هذه الدولة فعلياً على أرض الواقع بعد كل تلك العقود من الانكار والعدوان والمآسي المستمرة.
كان قداسة البابا فرنسيس الأول، قد زار أرض فلسطين، زار مدينة الميلاد بيت لحم، وقضى ليلة في القدس، مدينة القيامة، وموطن الإسراء والمعراج، وحاضنة المسجد الأقصى، ومن تلك الزيارة انطلقت الدعوة للرئيس أبو مازن والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس ليصليا في الفاتيكان، لتكتمل هناك الصلوات جميعها، صلوات الأديان الثلاثة من أجل أن يتحقق السلام.
ثمة محطات لا يمكن الرجوع منها إلى الوراء مطلقاً، ومحطة الثامن من حزيران في الفاتيكان هي واحدة من أبرز تلك المحطات، حيث يؤدي الرئيس أبو مازن صلاته بصفته رئيساً لشعبه الفلسطيني، ورئيساً لدولته المستقلة وهي الدولة الفلسطينية التي تستحق وجودها من خلال تشبث شعبها بحقه رغم كل الفواجع، ومساهمته العميقة في صنع السلام، وقدرته التي تثير أكبر قدر من الاحترام بالالتزام بتنفيذ كل الاستحقاقات المطلوبة منه أمام المجتمع الدولي، وتأكيده العظيم على أن استكمال قيام دولة فلسطين هي مصلحة عليا من الطراز الأول للجميع، فمن خلال قيام دولة فلسطين تمحى الخطيئة الكبرى التي ارتكبت بحق شعبنا الفلسطيني في منتصف القرن الماضي قبل ست وستين سنة، وهو اليوم المعروف بالنكبة، ومن خلال قيام دولة فلسطين يلتئم في قلب هذه المنطقة، منطقة الشرق الأوسط جرح بالغ انبعثت من عمقه حروب وويلات وآلام كثيرة، وينتصر الحق لأن الحق يجب أن ينتصر، ويتراجع تجار الحروب والكوارث ليحل السلام.
إنها لحظة مهمة في حياتنا، وحياة هذه المنطقة والعالم، فنحن لا نطرح المستحيلات، ولا نتحجج بالخرافات وتحدثنا بلغة لا يسد أحد أذنيه ضدها إلا إذا كان كارها للحق والعدل والسلام، أما دعوات الإرهاب والعربدة التي يصرخ بها وزراء وقادة أحزاب في حكومة نتنياهو، فهؤلاء ليسوا أول الصارخين الذين يكذبون على أنفسهم ويهربون من قوة الحقائق إلى كهوف الأساطير المزيفة والخرافات البائدة، وأوهام القوة المتغيرة في الزمان والمكان.
الرئيس أبو مازن يصلي للسلام في الفاتيكان، باسم شعبه، يصلي لأجل عدالة قضية شعبه، ونحن معه نصلي من أجل السلام العادل الشامل الذي يخلصنا من ويلات الاحتلال، ومن كل آثار الانقسام وكل مكابدات الحقد والانفصام، من أجل أن يتجسد حقنا، ويصعد نص عدالتنا، وتصبح فلسطين كما أرادها الله أن تكون قبلة للسلام.