المقالات في الصحف المحلية
|
المقالات في الصحف المحلية
|
يتواصل الاعتقال الإداري عقوبة غير إنسانية
حديث القدس
أزمة حكومة "الوفاق"
راسم عبيدات
الفلسطينيون: نهاية "الربيع" وأزمة الرواتب
أحمد جميل عزم
الأمن القومي العربي .. فوضى المصطلح وكارثية الواقع
صالح عوض
أين القطاع الخاص من مبادرة القطاع الخاص الفلسطيني للاستثمار؟
ماهر تيسير الطباع
تداعيات تطبيق قانون الفاتكا للحسابات الأجنبية في فلسطين
محمد قرّش
أطراف النهار - العراق "لعل انهياراً يحمي انهياري .."
حسن البطل
لا مجال للعودة إلى مرحلة الانقسام ...
طلال عوكل
الجـــوع كافــــر
حمادة فراعنة
إسرائيل تدخل مرحلة "البازار" السياسي
د. عبد المجيد سويلم
حوسبة المستشفيات .... قصة نجاح وحلم يتحقق
د. فتحي أبو مغلي
آخر شاهد عيان - بعض ما خلف الانقسام
محمود ابو الهيجاء
حياتنا - الفكر التكفيري بيننا
حافظ البرغوثي
مدارات - تربية مارقة
عدلي صادق
تغريدة الصباح - كانت غشاشة
سما حسن
نبض الحياة - الرئيس العاشر
عمر حلمي الغول
التدفق في الجسد التنظيمي السياسي
بكر أبوبكر
حواديت - حرب البطيخ
د. أسامة الفرا
الازمة الاوكرانية: بين مخططات الغرب والتحدي الروسي
د. علاء أبوعامر
شارع المستشفى الأهلي بالخليل.. سفّاح الأطفال !!
وسام الشويكي
مقالات جريدة القدس,,,,,
يتواصل الاعتقال الإداري عقوبة غير إنسانية
حديث القدس
يتواصل إضراب المعتقلين الإداريين في السجون الاسرائيلية ما يهدد حياة العديد منهم وممن انضم إليهم من الأسرى في تلك السجون تضامنا مع قضيتهم. ومن المؤكد أن استشهاد أي من المضربين عن الطعام، لا سمح الله، ستكون له عواقب لا يمكن التكهن بها في ضوء التعاطف الشعبي والدولي مع قضيتهم التي يجب النظر إليها من البعدين الإنساني والقانوني بصورة خاصة.
والغريب أن السلطات الاسرائيلية تتعامل مع موضوع الاعتقال الإداري بعيدا عن الجدية اللازمة، وترفض التفاوض معهم دون أي سبب مقنع. والمفروض أن تتم مناقشة هذه القضية بروح من العقلانية إن لم تكن الإنسانية، وأن لا تسمح اسرائيل لهذه المسألة بالتطور والتعقيد اللذين يتصف بهما موقفها الحالي تجاه القضية برمتها.
فالاعتقال الإداري، كما أشرنا أكثر من مرة، خارج عن الكتاب في أي قانون وضعي أو سماوي. إذ كيف يعاقب الإنسان دون محاكمة شفافة تعرض عليه خلالها الأدلة وتتاح له الفرصة للدفاع عن نفسه وإثبات براءته. والأساس القانوني لأي محاكمة نزيهة هو أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. فهل هذه هي الحال بالنسبة لمن يعتقل إداريا؟.
هذا السؤال مطروح برسم السلطات الاسرائيلية أولا، والمنظمات الحقوقية في أرجاء العالم ثانيا.
وإذا كانت الأطراف المتخاصمة في كل الصراعات التي سجلها العصر الحديث تعتبر قضية الأسرى من أكثر القضايا حساسية وتأثيرا على الرأي العام، وتضعها في مقدمة القضايا التي يتوجب إغلاق ملفاتها بأسرع ما يمكن، فإن الموقف الاسرائيلي من قضية الأسرى عامة، والمعتقلين الإداريين خاصة، يدعو للتساؤل، ومن بعد التساؤل للمطالبة بتغيير جوهري في السياسات الاسرائيلية المتعلقة بالأسرى، وبالتعامل معهم ومع معاناتهم بالطريقة الإنسانية والقانونية التي تنتهجها كل دول العالم المتحضرة في هذا العصر.
فكيف يمكن اعتقال أشخاص استنادا لممارسة غير قانونية ابتدعها الانتداب البريطاني لمواجهة الثوار عليه، وخصوصا العرب، ولم يطبق هذا القانون في بريطانيا عبر تاريخها كله؟.
وكيف تطبق اسرائيل هذه الممارسة في الأراضي المحتلة فقط، وليس واردا في خيال أي مشرع أو منفذ للقانون في اسرائيل أن يطبق هذه العقوبة الجائرة داخل اسرائيل نفسها؟.
هذان السؤالان يكفيان لإعادة النظر في هذه العقوبة وإلغائها من الممارسات الاسرائيلية، ما دامت اسرائيل تقول إنها تؤمن بالمساواة في تطبيق القوانين بين كل الخاضعين لسلطتها، سواء داخل الخط الأخضر أم خارجه.
ومن واجب المنظمات الحقوقية والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم أن تضغط في اتجاه إلغاء هذه العقوبة، والعمل لمساندة المضربين عن الطعام في السجون الاسرائيلية قبل أن يفوت الأوان.
والمفروض أن يتم رفع هذا الملف للجهات الدولية المعنية، وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة، لتدويل قضية الأسرى وحشد القوى العالمية لمناصرة قضيتهم.
وهذا أقل واجب يمكن القيام به لمناصرة قضيتهم العادلة، ومطالبهم المشروعة.
أزمة حكومة "الوفاق"
راسم عبيدات
حكومة إتفاق الإطار المسماة بحكومة "التوافق"،والتي جاءت ولادتها بالضرورة والإكراه،ونتاج لأزمة عصفت بقيادة الحكومتين،حكومة غزة المقاله،وحكومة رام الله،وأتت ولادة تلك الحكومة،ليس تعبير عن قناعة وتغليب للمصالح العليا للشعب الفلسطيني على المصالح الحزبية والفئوية والأجندات الخاصة،بل حتى في ولادتها المشوهة عانت الكثير،حيث كانت المناصب والوظائف والرواتب "المحاصصة" في صلب مفاوضات تشكيلها،فحماس التي وجدت نفسها في ضائقة مالية كبيرة،تصاعدها يشكل خطر على إمارتها وحكومتها،ويفاقم من حدة الإحتجاجات الشعبية ضدها،حيث غياب الحاضنة العربية التي سهلت لها تجارة الإنفاق وغض الطرف عن ممارساتها وسلوكها سقوط حكومة الإخوان ومرسي،وقيام النظام المصري الجديد،نظام السيسي الحالي،بتشديد الخناق والحصار عليها من خلال تدمير واغلاق اغلب الأنفاق مصدر دخلها وتجارتها وثرائها،وبما يؤمن لها الدخل اللازم للصرف على حكومتها واجهزتها وموظفيها،وكذلك بسبب المواقف السياسية التي اتخذتها حيال الأزمة السورية تحديداً وكذلك النظام الجديد في مصر،جعلت من تلك الحركة ليس محط ثقة وإحترام،حيث الانتقال في الموقف السياسية،الإنتقال بالتحالفات من النقيض للنقيض،مما حدا بايران الى وقف تغطية رواتب موظفيها،وتقليص تزويدها بالسلاح،ناهيك عن خذلان المعسكر الذي تحالفت معه وارتمت في احضانه لها(المعسكر الخليجي والتركي)،فلم يقدم لها سوى الوعود والخيبات لا مال ولا سلاح ولا موقف سياسي،بل السعودية احد الداعمين لتلك الجماعة على خلفية الموقف من النظام المصري الجديد،قدمت مشروع قرار لإعتبار حركة الإخوان المسلمين على مستوى مجلس التعاون الخليجي كحركة "إرهابية" وهذا بالطبع يطال حماس كونها من رحم تلك الجماعة وإمتداد لها،ولذلك رأت ان الحل لكل ذلك هو التوجه للمصالحة مع سلطة رام الله،لكي تستطيع الإستمرار في السيطرة على الحكم في قطاع غزة،ولكي تحمل مسؤولية رواتب موظفيها ال(40000) لحكومة التوافق،ولكي تخفف من وطأة الضغط الواقع عليها عربياً وإقليمياً ودولياً،وبما يمكنها من حرية الحركة السياسية في الخارج وفي الضفة الغربية،وبالمقابل السلطة في رام الله لها أسبابها في المصالحة،فهي عادت للمفاوضات مع حكومة الإحتلال لمدة تسعة شهور متعارضة مع قرارات مؤسسات المنظمة (اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي) واغلب مكونات الشعب الفلسطيني،ولم تستطع ان تحقق فيها شيئاً من الأهداف التي كانت تتوقع تحقيقها من خلال تلك المفاوضات،مما فاقم من ازمتها ومكانتها وهيبتها وحضورها بين الجماهير،بل وجدت نفسها مطالبة بالتفاوض من اجل التفاوض،فالإحتلال ماض في مشاريعه الاستيطانية وفرض الحقائق والوقائع عل الأرض من طرف واحد،وحتى دفعات الأسرى من معتقلي قبل اوسلو(104) لم يجري الإلتزام بإطلاق سراحهم،حيث رفض الإحتلال إطلاق سراح الدفعة الرابعة وتلاعب في الثالثة زمنياً وأسماءاً،وأيضاً فرض على السلطة مقابل كل دفعة اسرى يطلق سراحها معادلة جديدة (أسرى مقابل إستيطان)،مئات الوحدات الإستيطانية يجري إقرارها ونشر المناقصات والعطاءات لها،ولذلك دفعتها هذه الأزمة والمعضلة،من اجل التوجه للمصالحة.
المصالحة جاءت بالإكراه وتحت الضغط والضرورة،ولكل طرف أسبابه وأجنداته،وحماس بدت بانها قدمت تنازلات كبيرة من اجل تلك المصالحة،ليس من اجل المصالح العليا للشعب الفلسطيني،بل طبيعة الظروف المحيطة والمتغيرات العربية والإقليمية فرضت عليها ذلك،ولذلك قبلت ان تخرج من الحكومة،ولكن مع الإستمرار في الحكم،فهي صاحبة اليد الطولى في السيطرة على القطاع امنياً وسياسيا ودبلوماسياً،فحتى وزير الداخلية والذي هو رئيس الوزراء أيضاً،ليس له أية سيطرة على الأجهزة الأمنية،وبالتالي تلك الأجهزة تاخذ تعليماتها واوامرها من حماس وليس من مسؤول حكومة التوافق ووزير داخليتها.يضاف لذلك بأن تلك الحكومة لا تحمل برنامجاً سياسياً متوافقاً عليه،فحتى لو قال الرئيس أبا مازن هذه الحكومة حكومتي وبرنامجها برنامجي،فالتناقضات والصراعات والخلافات كبيرة وهي قابلة للإنفجار في كل مطب وقضية.
لم يمض على تشكيل حكومة "التوافق" فترة قصيرة،حتى إنفجرت الإلغام في تلك الحكومة،سلطة رام الله صرفت رواتب موظفيها في القطاع،ولم تصرف رواتب موظفي حكومة حماس بعد الإنقسام حزيران(2007)وهذا دفع موظفي حركة حماس وبأوامر من قادتهم الى التظاهر إغلاق البنوك وخلق فوضى عارمة،دفعت البنوك الى الإغلاق،وكذلك خلقت حالة من الإحتكاك والإشتباك مع الموظفين الذين يريدون الحصول على رواتبهم من موظفي سلطة رام الله،وهذه المعضلة من شأنها دفع الأمور نحو تعميق الأزمة الداخلية والمجتمعية.
وكان رد الرئيس أبا مازن على ما حدث في قطاع غزة،بأنه يتوجب على حماس دفع رواتب هؤلاء الموظفين،والسلطة او حكومة التوافق غير ملزمة بالدفع،فهي تدفع (58)% من ميزانيتها لقطاع غزة،وكذلك القول بأن معبر رفح لن يفتح قبل ان ينتشر عليه الحرس الرئاسي،وتنفيذ ما اتفق عليه في القاهرة بشأن المعبر،لكي تتأزم الأمور وتتعقد.
الحكومة الجديدة ستكون غير قادرة على تامين رواتب عشرات الآلاف الموظفين التابعين لحماس بالاضافة لرواتب موظفيها،وخصوصاً انه في الفترة التي سبقت تشكيل حكومة الوفاق،جرى توظيف وترقية اعداد كبيرة من الموظفين في القطاع،وهذا يجعل حكومة الدكتور رامي الحمد الله ،حكومة تسول و"شحدة" ولن تستطيع تحقيق الأهداف المناطة بها،من إعمار ورفع للحصار عن قطاع غزة،والتحضير للإنتخابات،والتي لا تعرف ستكون رئاسية وتشريعية للسلطة،أم انتخابات لدولة تحت الإحتلال؟؟ الأطراف التي التزمت بالدفع كقطر وبموافقة أمريكية،لن تقوم بالدفع كشؤون اجتماعية او جمعية خيرية او من منطلق واجب قومي او وطني،بل الدفع تم بموافقة امريكية ولأهداف سياسية،أي الدفع له شروطه،وكيري وزير الخارجية الأمريكي كان واضحاً في هذا الجانب،عندما قال بان امريكا ستعترف بحكومة التوافق،ولكن ستقوم بالمراقبة لعملها،أي بمعنى الأموال التي قدمت للحكومة صرف جزء منها على الأسرى او الشهداء،فهذا يعني وقف الدعم عن هذه الحكومة وسحب الإعتراف بها،ولذلك خلت حكومة الحمد الله من وزارة شؤون الأسرى،كمطلب امريكي- اوروبي غربي نيابة عن اسرائيل.
ولذلك ما جرى حتى اللحظة الراهنة،لا يشير بان قطار المصالحة وطي صفحة الإنقسام قد أقلع،فهناك الكثير الكثير من المعضلات بحاجة للحل،وما جرى ليس أكثر من إتفاق إطار،وليس بحكومة توافق وطني.
الفلسطينيون: نهاية "الربيع" وأزمة الرواتب
أحمد جميل عزم
بغض النظر عمّن يرى أنّ الثورات ما تزال موجودة، ومن يرى أن الرئيس المصري الجديد عبدالفتاح السيسي، هو رئيس ثوري أو على الأقل إصلاحي، فإنّ المؤكد أن كل أعداء "الربيع العربي"، أو المشككين فيه أو الخائفين منه، يتنفسون الصعداء بارتياح الآن، إلا من يعتقد أنّ ما يجري هو جزء من المؤامرة ذاتها.
لقد انتهى "الربيع العربي". فمن صنعوا ثورة "25 يناير" في مصر، أصبحوا خارج المشهد؛ ثوار يناير العلمانيون فريقٌ منهم في السجن، وتحديداً من رفض أو عارض النظام الجديد، وفريقٌ آخر خسر رصيده الجماهيري، وأبرزهم حمدين صبّاحي الذي كان "حصانا أسود" في الانتخابات الرئاسية السابقة، العام 2012. ولكن الأهم بالتأكيد، أنّ الإخوان المسلمين الآن في المعتقلات أو ملاحقون، وبلا مؤسسات تنظيمية علنية أو فاعلة؛ وهم بالتأكيد خارج السلطة. ووضع "الإخوان" هو سبب الارتياح الأول لدى الأنظمة التي لم تطلها الثورات والانتفاضات.
فلسطينيّا، فإنّ مشهد الموظفين الذين عينتهم حكومة حركة "حماس" السابقة، مدعومين بالشرطة التي تأسست زمن الحكومة نفسها، وإقفالهم البنوك في قطاع غزة لأيام منعاً للموظفين الآخرين، وغيرهم من المراجعين والمودعين، من الحصول على رواتبهم وأموالهم من البنوك، هو مشهد محزن إنسانيّا ووطنيا، يكشف طبيعة المعاناة البشرية في قطاع غزة، كما يكشف "تقزّم" وتقهقر الأجندات الوطنية، والانشغال برغيف الخبز اليومي. لكن هذه التحركات تكشف وتبرهن سياسيّاً، طبيعة الأجندة والمبررات التي قادت بشكل مباشر إلى المصالحة. فبقدر ما تكشف هذه الأزمة عن مشهد محزن وطنيا وإنسانيا، فإنها تُظهر أنّ مشكلات سياسية وأمنية كبيرة باتت تُختَصَر بأزمة الراتب.
ويكشف هذا، من وجهة نظر أمنية وسياسية قصيرة المدى، أنّ الأزمة "سهلة"، وأنّ مفتاح السيطرة على كثير من عوامل الاستقرار هو الراتب. لكن على المدى الاستراتيجي، فإن هذه كارثة وطنية.
لم يعد مطلوبا من السياسيين تقديم برامج مقاومة ونضال وحل سياسي، لكي يضمنوا التأييد الشعبي، ويقوموا بتهدئة الرأي العام؛ بل عليهم تقديم الرواتب، وهذا بحد ذاته يجعل المهمة للسياسي، أو بكلمات أدق لمسؤولي الأمن وكبار المسؤولين، سهلة، مفتاحها منحة تأتي من هنا أو هناك لسداد الرواتب. لكن وطنيا هذه كارثة، تعكس ما الذي بات يشغل الرأي العام ويرسم أجندته. وهذا الأمر ليس حكراً على قطاع غزة، أو على حركة "حماس". ففي غزة من ضمن المحتجين موظفون وعناصر داخل حركة "فتح"، قُطعت رواتبهم منذ سنوات. وفي الضفة الغربية، شهدت الأشهر الأخيرة لحكومة رئيس الوزراء السابق سلام فياض احتجاجات كان سببها ارتفاع الأسعار وأزمات مالية، ترافقت مع وقف المنح والمساعدات حينها، وهدأت مع عودة المساعدات.
على صعد سياسية عدة، يبدو الوضع مُريحاً. فقد استعيدت الوحدة المؤسسية السياسية بين الضفة والقطاع (عدا الأجهزة الأمنية). وقد كان تنصيب الرئيس المصري الجديد عبدالفتاح السيسي، مناسبة مهمة لفهم وضع التمثيل الفلسطيني، فلم يعد مطروحاً أبدا منافسة أي طرف فلسطيني للرئاسة على موضوع التمثيل، كما كان يجري في مناسبات عربية وإسلامية سابقة، قد تجرى في قطر أو إيران أو مصر زمن حكم الإخوان المسلمين. وأزمة الرواتب في غزة تكشف أنّ الأجهزة المعنية تحولت، في جزء منها، إلى أجهزة نظامية، ينظر لها منتسبوها، جزئيا على الأقل، بأنّها فرصة للعمل وللعيش. وهذا لا يقلل أبدا من وطنية وانتماء هؤلاء، أو يعني أنّهم في لحظة المواجهة مع الاحتلال لن يتحولوا إلى مناضلين، ولكنه يكشف، في الوقت نفسه، الأزمة الراهنة، وطبيعة الأمور ومساراتها، عندما تتأسس سلطة ودولة في ظل الاحتلال والحصار والمقاومة.
كان موقف كل من "فتح" و"حماس" في سياق "الربيع العربي" انتظار كل منهما لما سيجري، وكيف سيُحسم الصراع الداخلي في الدول العربية، وانعكاس ذلك عليهما. والآن، انتهى الانتظار، وحلت محله مرحلة عنوانها انشغال بالقضايا الحياتية والمعيشية من دون استراتيجية وطنية عليا.
لا يعني ذلك أنّ هذه الوضعية ستستمر بالضرورة، ولن تبرز قوى ترفض ذلك وتعيد توجيه البوصلة.
الأمن القومي العربي .. فوضى المصطلح وكارثية الواقع
صالح عوض
يحمل هذا المصطلح الجديد في قاموس الدولة العربية المعاصرة دلالات عديدة أولها على الإطلاق أن هناك أخطارا تتهدد الأمة والدولة من جهة الخارج أو الداخل وأن ما يراد بالأمن القومي هو سياج الحماية لمصالح الأمة والدولة بل ووجودها من مخاطر على أكثر من صعيد اقتصادي وثقافي وأمني وعسكري..
لقد استبدلت الثقافة السياسية العربية المعاصرة بهذا المصطلح - الامن القومي - مصطلحات حساسة في وعي الأمة وثقافتها كالأخوة والوحدة والنصرة والولاء وحياض الأمة.. وأصبح مصطلح الأمن القومي العربي بديلا عن كل تلك المصطلحات ، ورغم أن هذا يحمل في داخله أزمة معرفية وعقدة نفسية من اللجوء لمصطلحاتنا الخاصة فهو أيضا يفقد الحس العقائدي المؤثر الذي يربط المصطلح بالواقع..
وعند شرح الخطاب العربي السياسي نكاد لا نتفق على تفسير موحد لهذا المصطلح. وهنا نتساءل: هل مهددات الأمن القومي العربي تدفعنا إلى الاتفاق على مواجهة الأخطار؟ وهل يعني هذا ترتيب الأخطار؟ فمثلا هل نعتبر الجانب الاسرائيلي من الأخطار التي تهدد الأمن القومي العربي؟ هل نعتبر ما يجري في القرن الإفريقي من استهداف لوحدة بلدانه واستقراره خطرا على الأمن القومي العربي؟ هل نعتبر ان ما يجري في سوريا من محاولة استعمارية دؤوبة لتفتيت وتشتيت مكوناته خطرا على الأمن القومي العربي؟ هل نعتبر ان ما يجري في الساحل وفي صحراء المغرب العربي ضربا من ضروب الأخطار الأساسية على الأمن القومي العربي..؟
فماذا كانت إجابتنا على الأخطار المحدقة بالأمن القومي العربي..؟ الذي حصل ان كثيرا من الدول العربية اتجهت لتعزيز علاقاتها مع دول مثل إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول الغربية..؟ من جديد نطرح الأسئلة: ما هو المقصود بالأمن القومي العربي الذي أصبح سلعة اليوم .. بعد شعاراتنا الفائتة مثل الوحدة العربية والمارد العربي والقومية العربية..
ولنعود الى ترتيب أوراق الأمن القومي العربي فنقول ان عناصر الأمن القومي العربي هي استقلال فلسطين وأمن الخليج وتحرره من الضغوط الأجنبية وسلامة سوريا من كل ما يراد بها وسلامة المغرب العربي من فتنة القتل المبرمج.
لا بأس أن يحتوي تنوع الفعل العربي هذا الفعل السياسي الخاص، ولكن لا بد أن يكون مبنيا على وعي وضمن تراتبية مدققة وإلا أصبح العمل العربي ضد الأمن القومي العربي.. وللأسف لا يوجد ضامن مرجعي للامن القومي العربي بعد أن فقدت الجامعة العربية الحد الأدنى من أهميتها بل لعلها تكون تورطت في سلوك اضر كثيرا بالأمن القومي العربي بعد تورطها في صناعة الغطاء السياسي لحرب استهدفت بلدانا مهمة من بلاد العرب: العراق وليبيا.
اننا نواجه فوضى مصطلح وندرك ان هذا الفعل مقصود تماما لإحداث مزيد من الاستدلالات غير المنطقية والعلمية مما يزرع البلبلة في صفوف المثقفين والساسة في التحليل والاستشراف.. وبهذا نفقد مادة مرجعية ترسم الخط السياسي لدولنا وحركاتنا السياسية سيما تجاه الأجانب .. لذا يمكن ان تسلط علينا القنابل والابتلاءات تحت غطاء وحجة الموقف العربي.
بعد تقليب الأمر الى زواياه العديدة نكتشف ان المصطلح لا علاقة له بالأمن القومي العربي وأنه مجرد مصطلح يقوم بالترويج له أطراف في المنطقة يقصدون منه خدمة المصالح الغربية في المنطقة بما يحقق صداقة او تحالفا او سكوتا من قبل الغربيين تجاه هذه الدولة او تلك..
في الممارسة فإن الأمن القومي العربي الذي يتم الحديث عنه يسير في اتجاهين التصدي لحالات المقاومة في الأمة ومن جهة أخرى تعزيز مصالح الغربيين في المنطقة وحراستها.. وتبرز لنا كل التحديات والقضايا التي تؤرق الأمن القومي جملة ولا نجد ان دعاة الأمن القومي يقتربون من معالجتها او الحديث عنها الا كلاما سطحيا لا فعل بعده. فيما الأماكن الساخنة كدول الخليج وإماراته فهي تستدعي الأمن القومي العربي ونحن ندرك ان القواعد العسكرية الغربية قادرة على حماية دول الخليج من اي محاولة إيرانية حسب تصورهم للاعتداء على دول الخليج.
لا شيء الآن يمكن إدراجه تحت عنوان «مخاطر على الأمن القومي العربي» سوى إيران .. وينظر بعين الأمن القومي العربي الى النووي الإيراني على انه خطر وأن التسلح الإيراني وتطوير فنون القتال الإيرانية إنما هي من الأخطار التي تهدد الأمن القومي..
لقد دخلت الحكومة الإسرائيلية على هذا الخط من زاوية تسمح لها بإقامة علاقات إستراتيجية في المنطقة مع إمارات ودول في الخليج كما صرحت بذلك تسيبي ليفني وزيرة القضاء الاسرائيلية وتكون حصلت على تفاهمات إستراتيجية معها للتصدي لمناورات عسكرية إيرانية محتملة.. وهنا يتم النزف المالي من خزائن هذه الحكومات العربية لشراء أسلحة ومن جهة أخرى يتم غرس شبكات تجسس إسرائيلية فضلا عن الغربية في الخليج بحجة التصدي لإيران.
انه مصطلح فوضوي مخادع وإنها ممارسة سلبية ضارة ..رغم هذا فنحن محتاجون فعلا لحماية أمننا القومي العربي وأول خطوة ينبغي ان تكون في اتجاه إنقاذ فلسطين وإتاحة المناخ كاملا لتنامي الروح الإنساني بإقامة حياة الناس على التكامل والتعاون..
ان التفات أصحاب الرأي ورجال السياسة الى ما ينفع الأمة يعني بوضوح تحديد أولوياتها وترتيب خطواتها على قاعدة الأولى فالأولى لعلنا نستطيع الخروج من مأزقنا الحضاري الكبير ونعيد للمصطلحات قيمتها ودورها .
أين القطاع الخاص من مبادرة القطاع الخاص الفلسطيني للاستثمار؟
ماهر تيسير الطباع
كان الله في عون الاقتصاد الفلسطيني , الجميع يعكف على وضع الحلول و الخطط و المبادرات والدراسات من جهة وآخرون ينادون بالمؤتمرات الاستثمارية من جهة أخرى ويبقي الحال على ما هو عليه دون أي تقدم أو إنجاز بل بالعكس نعود للخلف , حيث أن الاقتصاد الفلسطيني في أسوأ حالاته , انكماش في معدلات النمو , تراكم الديون , عجز في الموازنات , ارتفاع في معدلات البطالة و الفقر نتيجة لانخفاض الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية , غلاء في المعيشة غير مسبوق.
و حيث أنة و بعد خطة كيري الاقتصادية السحرية , و مبادرة اللجنة الرباعية , نشرت صحيفة الحدث الفلسطيني في عددها الصادر بتاريخ 27/5/2014 ما يسمى بمبادرة القطاع الخاص الفلسطيني للاستثمار و النمو و التوظيف , وقبل الخوض في قراءة وتحليل ما جاء في تلك المبادرة هناك العديد من التساؤلات التي تتطلب إجابات واضحة من المسؤولين عن تلك المبادرة و أهمها :
· من الذي أعد تلك المبادرة بمساعدة مؤسسة بورتلاند ترست ومن هي تلك المؤسسة وما هي أهدافها ومن هي اللجنة التنسيقية المذكورة في المبادرة؟
· هل تم عقد أي اجتماعات أو ورش عمل للقطاع الخاص الفلسطيني على مستوى محافظات الوطن للخروج بتلك المبادرة و تسميتها مبادرة القطاع الخاص؟
· أين دور القطاع الخاص في محافظات غزة من تلك المبادرة ؟ , أم أن القطاع الخاص يقتصر فقط على الضفة الغربية؟ .
· حسب ما تم ذكره في المبادرة بأنة تم تحديد أكثر من 50 مشروعاً عبر القطاعات الخمسة المختارة كمشاريع محفزة للنمو , من الذي حدد هذه المشاريع وبناء على أي معايير تم تحديدها و ما نصيب قطاع غزة من تلك المشاريع ؟
للأسف الشديد و بعد قراءة عميقة في المبادرة تجد العديد من التناقضات بين خطة كيري الاقتصادية و المبادرة وهذا يدل على عدم التنسيق حتى في إعداد المبادرات و الخطط الورقية و سوف أتناول بعض التناقضات المهمة بين خطة كيري الاقتصادية وبين مبادرة القطاع الخاص الفلسطينيين للاستثمار و النمو و التوظيف.
معدلات البطالة
من أهم التحديدات التي ذكرت في المبادرة نسبة البطالة و التي بلغت في عام 2012 حين إعداد المبادرة ما يقارب 23% و حسب المبادرة ستكون هنالك حاجة لخلق 1,000,000 وظيفة جديدة للتقليل من نسبة البطالة، والوصول بها إلى 10% بحلول العام 2030 أي بعد 16 عاما .
و تحدثت خطة كيري عن خفض معدلات البطالة للوصول إلى 8% عن طريق خلق أكثر من 330 ألف فرصة عمل خلال ثلاث سنوات , علما بأن عدد العاطلين عن العمل 301,200 شخص في الربع الرابع لعام 2013 ومعدل البطالة في فلسطين 25.2% , حيث بلغ معدل البطالة في الضفة الغربية 18.2% وبلغ عدد العاطلين عن العمل 141,600 شخص , وفي قطاع غزة 38.5% وبلغ عدد العاطلين عن العمل 159,600 شخص.
و ارتفعت معدلات البطالة في فلسطين ووصلت إلى 26.2% حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 328 ألف شخص خلال الربع الأول من العام 2014 ، منهم حوالي 147,800 ألفا في الضفة الغربية وحوالي 180,200 ألفا في قطاع غزة , و ما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة حيث بلغ المعدل 40.8% في قطاع غزة مقابل 18.2% في الضفة الغربية , وسجلت الفئة العمرية 20- 24 سنة أعلى معدلات للبطالة حيث بلغت 43 % في الربع الأول العام 2014 , وأصبحت تلك المعدلات و النسب تتناقض مع ما بنيت علية المبادرات و الخطط الاقتصادية .
القطاعات الاقتصادية
تجاهلت مبادرة القطاع الخاص القطاع الصناعي وكأنة لا يمت بصلة للقطاع الخاص على الرغم من أن القطاع الصناعي يشكل 12% من إجمالي الناتج المحلى ويشغل ما نسبته 10% من المشاركين في القوى العاملة في فلسطين , وهنا أتساءل أين دور اتحاد الصناعات الفلسطينية من المبادرة و أين الذين ينادون بدعم و حماية المنتج الوطني وتعزيز قدرته التنافسية والتصديرية , و تم إعطاء الأولوية لخمسة قطاعات كأركان أساسية لخطة عمل القطاع الخاص وهي: الزراعة، تكنولوجيا المعلومات والمشاريع الرقمية، السياحة، البناء والطاقة.
بينما استهدفت خطة كيري الاقتصادية القطاعات الاقتصادية الفلسطينية الإستراتيجية و الحيوية وهى ثمانية قطاعات ( المياه , الطاقة , السياحة , الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات , الزراعة , الصناعات الخفيفة , المقاولات و البناء , مواد البناء).
وبالرغم من اختيار مبادرة القطاع الخاص لقطاع الزراعة إلا أنها لم تذكر أي شئ فيما يتعلق بالمياه و التي تعتبر أساس الزراعة , كما أنها أحد أهم و أخطر المشاكل التي تواجهنا في فلسطين نتيجة استيلاء وسيطرة إسرائيل على مصادرها.
أما في قطاع البناء و التشييد فقد تم اقتراح إنشاء اتحاد البناء للقطاع الخاص وهنا أتساءل حول جدوى هذا الاتحاد و أهدافه في ظل وجود اتحاد المقاولين الفلسطينيين الذي يمثل كافة شركات المقاولات و الإنشاءات بمختلف تخصصاتها وتصنيفاتها في فلسطين.
وأصبحت الخطط الاقتصادية و المبادرات على طريقة التسوق شكلية حيث أنه تم طرح ما يزيد عن أربع خطط اقتصادية خلال السنوات الأخيرة , استهلكت أموالا و مجهودا ولم يطبق منها شيء على أرض الواقع وبقت حبرا على ورق لأن جميعها كان مرهون بالتطورات السياسية مع الجانب الإسرائيلي .
ومن الملاحظ بأن كافة الخطط والمبادرات الاقتصادية لم تتحدث لا من قريب و لا من بعيد عن دعم وتنمية المشاريع الصغيرة والمبادرات الفردية الريادية بالرغم من أنها نهضت بالكثير من الاقتصاديات العالمية في الدول النامية وتتناسب مع واقع الاقتصاد الفلسطيني.
والمطلوب الآن هو البدء بالعمل الجاد على أرض الواقع لإحداث تغير جذري في واقع الاقتصاد الفلسطيني , و كفانا خطط ومبادرات و مؤتمرات وورش عمل و إستراتيجيات.
أما بالنسبة لمؤتمرات الاستثمار أقولها للمرة المليون بأنة قبل التفكير في الاستثمارات الخارجية و عقد المؤتمرات , يجب دعم الاستثمارات المحلية القائمة و تشجيعها للنمو و التطور لتساهم في إعادة بناء الثقة لدي المستثمرين من الخارج.
تداعيات تطبيق قانون الفاتكا للحسابات الأجنبية في فلسطين
محمد قرّش
ضمن خططها لبسط نفوذها وتحكمها بالنظام المصرفي والمالي الدولي والسيطرة عليه ،أصدرت السلطات التشريعية المختصة في الولايات المتحدة الأميركية عام 2010 قانونا أطلقت عليه أسم" الامتثال(الالتزام ) الضريبي للحسابات الأجنبية"Compliance Act The Foreign Account Tax والمعروف اختصارا باسم FATCA ،يلزم المصارف والمؤسسات المالية والاستثمارية وبعض شركات التأمين الأجنبية والعاملة خارج الحدود السيادية للولايات المتحدة الأميركية،بتقديم معلومات حول حسابات وودائع وأرصدة الأميركيين والعاملين أو المقيمين في الدول الأجنبية إلى هيئة الضرائب الأميركية (أفرادا كانوا أو مؤسسات ). وهذا يستدعي من المصارف والمؤسسات المالية التسجيل لدى مصلحة الضرائب الأميركية وموافقتها طوعيا على تقديم معلومات مصرفية حول حجم الأموال المودعة أو المستثمرة لدى هذه البنوك والمؤسسات والعائدة للمواطنين الذين يحملون الجنسية الأميركية أو يحملون جنسيتين أحدهما أميركية أو البطاقة الخضراء Green Card أو إقامة دائمة مثبتة على جواز السفر غير الأميركي(الأردني ،الفلسطيني، المصري الخ) قضى منها 183 يوما في السنة على الأقل أو ثلثها في السنة السابقة بشرط أن لا يكون أستاذا أو طالبا أو رياضيا أو دبلوماسيا كما يخضع للتبليغ من كان لديه عنوانا دائما في الولايات المتحدة الأميركية . ويفهم مما تقدم أن المؤسسات المالية الأجنبية يتطلب منها الإبلاغ عن عملائها الأمريكيين الذين لديهم حسابات أو أرصدة على شكل ودائع أو أسهم أو مساهمات رأسمالية خارج الولايات المتحدة الأميركية بما فيها الشركات التي للمواطن الأميركي حصة مؤثرة فيها( 10%) أو ممن يحق لهم التصويت واتخاذ القرارات . والحيثية من وراء إصدار هذا القانون ، أن هيئة الضرائب الأميركية تعتقد بان الذين يحملون الجنسية الأميركية أو ممن تنطبق عليهم المواصفات آنفة الذكر يتهربون من دفع الضرائب عبر إخفاء أموالهم في حسابات خارجية ( off shore ) .ولوقف هذا التهرب رأت مصلحة الضرائب الأمريكية انه من الضروري قيام المؤسسات المالية الأجنبية بالإبلاغ عن المعلومات المتعلقة بالحسابات التي تخص الأميركيين العاملين في الخارج إلى مصلحة الضرائب الأميركية .
تعريف المؤسسة الأجنبية الخاضعة للقانون
هي كل مؤسسة غير أميركية تقبل أصولا مالية لحساب آخرين أو تستثمر أموالهم في شتى المجالات
كالأسهم والسلع والخدمات والمساهمات الرأسمالية وهذا ينطبق على صناديق التقاعد والاستثمار والبنوك وبعض شركات التأمين والوصاية على الممتلكات. ومن شأنه إلزام المؤسسة الأجنبية بالإبلاغ عن كل دفعة تخص المواطنين الأميركيين السابق الإشارة إليهم ،كالفوائد على المبالغ والمحافظ والأرباح والإيجارات والرواتب والأجور والأقساط السنوية ورسوم الترخيص أو أية عائدات ناتجة عن بيع أو إعادة تنظيم ملكية أميركية من النوع الذي يغل فائدة بالإضافة إلى الفائدة المدفوعة من فروع أجنبية تابعة لبنوك أميركية أو اية تحويلات أيا كانت طبيعتها من وإلى الحساب .أما المقصود بالضريبة لغايات هذا القانون فهي :ضرائب الدخل والشركات والقيمة المضافة والجمارك والمبيعات والانتفاع وأية ضرائب أخرى يكون على الخاضعين واجب تسديدها ودفعها
آليات الالتزام والتنفيذ
هناك آليتان لتنفيذ ما سبق.الأولى من خلال قيام الحكومات الأجنبية بالتوقيع على اتفاقية ثنائية مع مكتب الخدمات الضريبية الداخلية الأميركية Internal Revenue Service’s U.S والمعروفة اختصارا ب IRS وتسمى هذه الاتفاقية بالإبلاغ عن المعلومات الضريبية والثانية قيام المؤسسات المالية والبنوك بالتوقيع المباشر مع مكتب الخدمات الضريبية حيث يطلق عليه أسم البنك المشارك. ولكن الأمر لا يتوقف عند ذلك ، فالبنك غير المشارك – أي الذي يرفض التوقيع على الاتفاقية- سيتعرض لمخاطر عديدة أهمها: التشغيلية والسمعة .ففي الحالة الأولى سيتم استقطاع 30% من أي دفعة أو حوالة مالية أو تحصيل شيكات من بنك أو مؤسسة أميركية مراسلة له وفي حال عدم قيام البنك الأميركي باستقطاع النسبة المنوه عنها سيتعرض هو نفسه لهذا الخصم من السلطات الرسمية الأميركية ذات الاختصاص .وفي الحالة الثانية فأنه من المحتمل جدا بل والأكيد أن توقف البنوك الأميركية والأوروبية الموقعة على الاتفاقية التعامل مع البنك ويصبح خارج النظام المصرفي الدولي وخاصة الغربي (الرأسمالي) .
المبررات الأميركية لإصدار القانون
بررت الولايات المتحدة الأميركية لتسويقها هذا القانون بان هناك تهرب ضريبي كبير من قبل المكلفين الأميركيين أو الذين يخضعون لها من الفئات السابق الإشارة إليهم . فالولايات المتحدة تقول بان الضرائب التي لا تسدد من قبل المكلفين الأميركيين تصل إلى نحو 100 مليار $ وهذا يعادل 4.3% من مبلغ الضرائب التي تجبيه سنويا والمقدر ب 2.3 تريليون $. فوفقا للإحصاءات الأميركية فإن المبلغ المجبى آنف الذكر يشكل نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي وهذه النسبة هي الأقل منذ 50عاما. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هل حقيقة أن مبرر تشريع القانون هو لضبط التهرب الضريبي؟؟ ولماذا تريد أن تحول المؤسسات المالية والبنوك الدولية إلى جباة ومحصلين لها!! وهل المبلغ الذي تقدره والمشار إليه آنفا يستحق كل هذه الإجراءات ، خاصة وأنه لا يشكل أكثر من 4.3% من مجموع الضرائب المدفوعة، أي أن نسبة التحصيل الضريبي في الولايات المتحدة تصل إلى 95.7% وهي عالية جدا ومن النادر أن تجدها في أي دولة في العالم من هنا يمكن وضع علامات استفهام كبيرة جدا حول الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة تحقيقها من وراء طرح هذا القانون؟؟ فهل صحيحا أنه لا توجد طرق أو وسائل أخرى بديلة لوقف التهرب الضريبي!! وبدون الخوض في التفاصيل الفنية فانه يمكن تقليص نسبة التهرب أكثر دون حاجة لإصدار تشريع كهذا. فالمواطنون الأميركيون الذين يعملون في الخارج يقومون عادة وبشكل منتظم بإبلاغ سفارتهم بعد مرور أسبوع على الأكثر من وصولهم للدولة التي سيعملون فيها حيث يضعوا عناوينهم وأرقام هواتفهم وأسم المؤسسة التي يعملون فيها ويعبئون استمارة خاصة بذلك بالإضافة إلى البريد الاليكتروني ليتم الاتصال بهم حين الطوارئ والطلب منهم مغادرة البلد أو أخذ الحذر أو للمشاركة في الانتخابات أو للقيام بعمليات الإجلاء إذا دعت الضرورة لذلك، وهذا يتم في كل دول العالم وعلى وجه الخصوص في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تشهد اضطرابات وعدم استقرار كما هو الحال في الباكستان وغيرها. فلو كان الغرض وقف التهرب الضريبي لكان بإمكان السفارة الأميركية أو مصلحة الضرائب الأميركية أن تطلب من المواطنين الأميركيين العاملين تزويدها بكتاب رسمي من المؤسسة التي يعملون فيها والراتب والامتيازات التي يتقاضونها حيث يمكن للجهات الرسمية الأميركية أن تتأكد من صحة الكتاب بسهولة وبدون عوائق. وهذا ليس بجديد وهو متبع منذ مدة لكن دون أن يصاحبه تحقق.فعدم التزام المواطن الأميركي بدفع الضرائب لحكومته يجب أن لا يكون نتيجته تحويل المصارف الدولية إلى جباة للولايات المتحدة ! ومما تقدم يتضح أن الغرض الحقيقي للقانون الأميركي ليس وقف التهرب من الضريبة وإنما الإطلاع على حركة المصارف ووضع حد للسرية المصرفية حيث لمصلحة الضرائب الحق كما سنشير إليه بعد قليل القيام بالتفتيش الاليكتروني واليدوي للتأكد من مدى التزام البنك بتطبيق القانون .
حدود سقوف التبليغ والتفتيش والامتثال
حددت التعليمات المتعلقة بقانون FATCA سقوف التبليغات الواجب على المؤسسات المالية الأجنبية أن ترسلها لمصلحة الضرائب الأميركية سواء بالنسبة للأفراد أو المؤسسات. ففيما يتعلق بالأفراد فإن كل صاحب حساب لديه رصيد دون ال50 ألف $ يكون معفيا من المتطلبات والإجراءات بما فيها العناية الواجبة أما من لديه أكثر من 50 ألف إلى مليون$ فيخضع حسابه لمراجعة البيانات إليكترونيا ولا يتطلب مراجعة آو بحث يدوي أو الاتصال بصاحب الحساب ما لم يتم العثور على مؤشرات أميركية ذات دلالة من خلال المسح الاليكتروني. وفي حال زيادة رصيد حسابه على المليون دولار فيخضع للمراجعة الاليكترونية واليدوية للملفات بما فيها الاتصال بالمدير المعني بالحساب في المؤسسة الأجنبية. وفي حال لبى البحث الالكتروني متطلبات معينة فان المراجعة اليدوية لا تكون مطلوبة. وعلى جميع الأحوال فإن البنك الأجنبي يعتمد على المعلومات المستقاة من قواعد اعرف عميلك وطبقا لقانون غسل الأموال. وفيما يتعلق بالشركات الأميركية أو التي يساهم فيها أميركيون بنسب مؤثرة تزيد على 10% أو له حق التصويت واتخاذ القرارات فهي مستثناة من المتطلبات والإجراءات إذا كان رصيدها دون أل 250 ألف $ وفي حال كان رصيدها من 250 ألف إلى مليون $ فتخضع لمراجعة عادية إليكترونية أما إذا زاد على ذلك فتخضع للمراجعة الاليكترونية وإذا تطلب الأمر يدويا. أما بالنسبة للحسابات ذات القيمة المرتفعة فان التعليمات تتطلب مراجعة خاصة للوثائق والملفات الالكترونية.
وفيما يتعلق بمعايير الامتثال فانه يتوجب على المؤسسة المالية الأجنبية المشاركة أن تلتزم بإجراءات التحقق وذلك من خلال تحديد هوية الحسابات الأمريكية. فالتعليمات المقترحة تتطلب بان يقوم المسئولون في المؤسسة المالية بالإقرار بأنهم ملتزمون بكافة شروط اتفاقية المؤسسات المالية الأجنبية المحددة في القانون. وفي حال التزامها بما تتضمنه الاتفاقية فلن تكون مسؤولة عن الفشل أو التقصير أو عدم تحديد الحسابات الأمريكية بالمفهوم الواسع المشار إليه آنفا. علما بأن الاتفاقية لا تشترط أن يتم التحقق من الالتزام من خلال التدقيق الذي تقوم به أطراف أخرى (مدققون خارجيون مستقلون). وبشكل عام فأن التزام المؤسسة الأجنبية يكون وفقا لما يلي :
• القيام بالإبلاغ عن المعلومات بشكل سنوي إلى مصلحة الضرائب الأميركية فيما يخص كل حساب مواطن أميركي بالمفهوم السابق الإشارة إليه.
• التزام المؤسسة الأجنبية بتزويد مصلحة الضرائب الأميركية بأية استفسارات ترسل لها رسميا على الحسابات الأميركية المفتوحة لديها.
• وتشمل المعلومات على سبيل المثال: الاسم والعنوان ورقم التعريف الضريبي والحساب والرصيد والإيداعات والسحوبات الإجمالية أو المدفوعات والتحويلات من وإلى الحساب. ويعتبر البنك المشارك مقصرا إذا لم يقم بتزويد مصلحة الضرائب الأميركية بالمعلومات المطلوبة سالفة الذكر .أما في حال رفض صاحب الحساب التنازل عن السرية المصرفية فعلى المؤسسة الأجنبية إغلاق حسابه.
ولخدمة السياق سالف الذكر فأنه من المفيد الإشارة إلى الجدول الزمني لتنفيذ القانون:
• اعتبارا من 15 تموز /يوليو 2013 بدأ العمل بتسجيل الاتفاقيات مع المؤسسات المالية الأجنبية عبر الانترنت وتشمل المؤسسات (المصارف)التي أعلنت موافقتها على الالتزام بالقانون.
• اعتبارا من الأول من يناير /كانون الثاني 2014 تبدأ عملية خضوع العملاء الجدد للضريبة
• اعتبارا من الأول من تموز / يوليو 2014 يبدأ احتساب الاستقطاع الضريبي بنسبة 30% للمؤسسات (المصارف) غير الراغبة بتطبيق القانون
• في نهاية كانون الأول /ديسمبر2014 يتم انجاز تغطية الحسابات التي تبلغ مليون دولار فأكثر
• في منتصف مارس/آذار 2015 تبدأ عملية إصدار التقارير الأولية لهيئة مصلحة الضرائب الأميركية
• في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 تبدأ إنجاز معايير معرفة جميع العملاء المحليين الذين تزيد أرصدتهم عن الحد الأدنى من المبلغ المفروض كما هو في 13/12/2014
في الحلقة الثانية، سنتطرق لكيفية معالجة سلطة النقد لهذا القانون بالمقارنة مع الدول الأخرى المجاورة وغيرها .
مقالات جريدة الأيام,,,
أطراف النهار - العراق "لعل انهياراً يحمي انهياري .."
حسن البطل
ذهبتُ إلى العراق، صيف 1972، كما ذهب الجنرال ديغول إلى سورية ولبنان محارباً حكومة فيشي الموالية للرايخ، قال: "ذاهب إلى الشرق المعقّد بأفكار بسيطة".
اكتشفت، أول ما اكتشفت، أن العراق لا تشمله فكرة انطون سعادة الطوباوية عن "الهلال الخصيب".. ولاحقاً اكتشفت، عملياً، أن بلاد الشام، أو سورية الكبرى، مشمولة بفكرة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي.
بأفكاري البسيطة وهي مزيج من الفلسطينية والسورية والعروبية، كتبت مقالة عن قرار حكومة العراق إخضاع استخراج وتكرير وتصدير نفطه إلى نظام يسمى "المشاركة" أي أقل من "التأميم" وكتبتها في جريدة أسبوعية تسمى "المقاومة" وكانت تصدر عن مكتب إعلام م.ت.ف، أو إذاعة الثورة من بغداد.
فوجئت في اليوم التالي، أن صحف العراق الرئيسية، وكانت ثلاث بما فيها "التآخي" الكردية، نشرت مقالتي، حرفياً، في صفحاتها الأولى، بعد أن وزعتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية (و.ا.ع)
لكن، بعد اتفاق آذار بين الحكومة والحركة الكردية عن حكم ذاتي للأكراد، كتبت مقالة ثانية نشرتها بكاملها "التآخي" ونشرتها مجزوءة صحف النظام.
آنذاك، كان العراق في مرحلة تحولات وصعود "نائب الرئيس صدام حسين إلى منصب الرئيس، الذي تعهد "سيبني في العراق دولة غير اعتيادية في العالم الثالث" وبأسلوب يذكّر، في مرحلة لاحقة، بأسلوب الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي قطف "الرؤوس اليانعة".. ولكن بين العراق المستقر والمزدهر.
***
إذا أجملت تاريخ بلاد الحضارة والفنون والعلوم: سومر وآكاد، أو بلاد شريعة حمورابي، أو بلاد "أرض السواد" الخصبة و"الرافدين" خلال الـ 60 سنة، منذ انقلاب عبد الكريم قاسم 1958؛ فسأقول: هذا بلد التخوم العربية الذي ينزف ولا يتوقف عن النزيف، وهجرة خيرة عقوله وخبرائه إلى خارجه، ولا تهدأ حروبه الداخلية والإقليمية والعالمية.
الآن، يتحدثون عن "ربيع عربي" أمامه مهمة تاريخية، مديدة وعسيرة، لإعادة تشكيل دول هذا العالم العربي. هل البداية في "ربيع تونس" حيث ثار الشعب ضد الفساد والاستبداد، أم البداية في سقوط بغداد تحت الاحتلال الأميركي بذريعة "زرع الديمقراطية" وإسقاط الاستبداد!
تونس منسجمة، ومصر متآلفة بانسجام وطني وديني، وسورية مركبة.. ولكن العراق بالغ التعقيد: قومياً ودينياً وطوائفياً، ولم يحل هذا التعقيد حكم قومي استبدادي يرفع شعار "شعب العراق بعربه وأكراده وأقلياته القومية والدينية المتآخية".
من زمان قال الشاعر: يقولون ليلى في العراق مريضة/ يا ليتني كنت الطبيب المداويا"، لكن العراق الآن يحتاج إلى "كونسلتو أطباء" لكنهم مختلفون على علاجه وقتله معاً!
لا حكم الدولة المركزية نجح في استقرار العراق، ولا حكم الأقلية العربية السنية نجح، والآن لا ينجح حكم الأكثرية الشيعية، ومن قبل لا يبدو أن حكم الدولة الفدرالية سينجح في هذا الصراع والفوضى الضاربة أطنابها. البلد يتفكّك وينهار دولة وشعباً.
بنى صدام في العراق ما اعتبر في الغرب "الجيش الرابع" في العالم.. وانهار هذا الجيش في حروبه مع إيران وغزوه للكويت، وحرب التمرد الشيعي، والحروب العالمية. أي بلد يحارب كل هذه الحروب في فترة قصيرة! حتى أميركا لا تفعل مثل هذه الحماقات!
كانوا يتحدثون عن تقسيم العراق ثلاثة عراقات : كردية، سنّية وشيعية، وأجروا انتخابات "ديمقراطية" تحت الاحتلال، وأخرى أكثر "ديمقراطية" بعد الجلاء الأميركي .. ولكن؟
هذا البلد يسير نحو انهيار متسارع لكل مركبات وعناصر الدولة: الجيش، الحكومة المركزية، الحكم الفدرالي.. والشعب أولا، وهو بلسان رئيس الحكومة ورئيس البرلمان يستنجد بحالة الطوارئ القصوى، وبالقبائل والعشائر، وبجيش البشمركة الكردي، وبالجيران، وحتى بالولايات المتحدة، لتحميه من جناح "القاعدة" المسمى "داعش".
بعد أن حارب نفسه، ثم حارب الجارة فالجارتين، ثم حارب العالم، ها هو يستنجد بنفسه أو بقية نفسه، وبالجيران والعالم لإنقاذه من فشله في إخضاع محافظة الأنبار الأكبر مساحة أو سقوط محافظة نينوى، وامتداد السقوط إلى محافظة صلاح الدين.. الموصل، بلد ثورة عبد الوهاب الشواف، وثالث مدن العراق، سقطت خلال ساعات.
لشاعرنا القومي عبارة رائعة: "لعلّ انهياراً يحمي انهياري من الانهيار الأخير".. فهل سيحمي الانهيار السوري المتدارك الانهيار العراقي المتسارع؟ أم سيحميه تدخل الجارتين الإيرانية والتركية عن طريق اقتسام النفوذ فيه، أم تعود القوات الأميركية إلى التدخل ضد "داعش" بواسطة حرب بالطائرات بلا طيار، أم أن روسيا المتورطة مع الغرب وأميركا في اوكرانيا لديها فائض قوة للتدخل لدعم نظام كان نتيجة ورطة حروب صدام حسين، وحروب العالم ضد عراق صدام حسين. العراق أنجد سورية في حرب اكتوبر 1973 ولا تستطيع سورية نجدته الآن.
المهم، أن أرض الرافدين، أو أرض السواد، أو بلاد سومر وآكاد وحمورابي، وهذا التخم العربي الشرقي تستمر في نزيف خيرة أبنائها من 60 عاماً، وسورية تنزف، أيضاً، وليبيا واليمن والسودان، بينما تتعافى تونس ومصر. هذه هي الحمّى الأصولية الإسلامية الظلامية، التي تلي الحمّى القومية العروبية. وبين هذه وتلك يختلط شروق الدولة القطرية الديمقراطية من رحم الربيع العربي بغروب الدولة القطرية العربية في جوف الأصولية الظلامية!
لا مجال للعودة إلى مرحلة الانقسام ...
طلال عوكل
عودة لغة الاتهامات وبتبادل إلقاء المسؤوليات كل على الآخر، بين "فتح" و"حماس" لتطغى على المشهد الاحتفالي الذي أضفاه اتفاق الشاطئ بشأن المصالحة الفلسطينية، وولّد نوعاً من التفاؤل الحذر، هذه العودة، إلى لغة ما قبل اتفاق الشاطئ، خيمت على الوضع الفلسطيني، بعد أن استنزف، تشكيل وإعلان الحكومة، كل اهتمام لدى الجمهور.
الانطباع العام لدى الجمهور الفلسطيني، أن الخطوة الأولى نحو تنفيذ اتفاق المصالحة المعروف باسم الوثيقة المصرية، ليست كافية لتبديل مشاعر التشاؤم بمشاعر الأمل والتفاؤل، فتحقيق المصالحة وإن كان ذلك خيار الضرورة دونه مصاعب ومشكلات وعقبات كثيرة، يبدو أن على المجتمع الفلسطيني أن يتحضر لدفع ثمن تجاوزها.
كان من المفروض والمتوقع، أن يكون تشكيل وإعلان حكومة الوفاق الوطني بداية لمرحلة مختلفة، يلمس فيها المواطن ويرى بأم عينيه، بعد أن سئم التصريحات المخيبة للآمال، أن يلمس ثمار المصالحة بتغير الظروف والإجراءات والممارسات من قبل السلطات، ومن قبل الفصائل السياسية.
غير أن المفروض والمتوقع شيء والواقع والوقائع شيء آخر، فإذا كان خط السير العام لاتفاق المصالحة، آمن، بسبب استمرار العوامل التي أنتجته وجعلت من خيار المصالحة، خياراً اضطرارياً، فإن كل خطوة، وكل ملف من ملفات المصالحة الخمسة، يحتاج إلى اتفاقيات وإلى استمرار عملية الدفع الإيجابي المسؤول، للانتقال من معالجة ملف إلى معالجة آخر، دون أن تحصل ارتدادات خطيرة تهدد بعودة مناخات الانقسام وان بأشكال جديدة.
منذ تشكيلها لم تترك الحكومات أية بصمات أو تأثير يذكر على الوضع الفلسطيني لا كمجموع ولا كأفراد، وكأن تشكيلها وإنهاء الحكومتين السابقتين يشكل الهدف بحل ذاته.
ليس لدى الحكومة أي عذر، حتى لو أن إسرائيل اتخذت إجراءات تعرقل انعقادها، وتصعب أداءها لمسؤولياتها الجماعية، فلقد كان ذلك محسوباً سلفاً، وكان ينبغي أن تكون ثمة حلول وبدائل تتجاوز العقبة الإسرائيلية. الوزراء لم يتسلموا مسؤولياتهم في قطاع غزة، حيث قاموا بذلك في الضفة، دون أن يعلم أحد متى وكيف سيتم تسلم مسؤولياتهم في قطاع غزة، أو أن يعلم أحد، عن مصير الموظفين في السلطة، وعلاقاتهم بموظفي الحكومة المقالة.
الحال إذاً على حاله في قطاع غزة، ولكن رسمياً بدون وزراء وبدون خطط وتوجيهات أو قرارات، وكأنه لم يقع شيء، سوى القلق الشديد على مستقبلهم كموظفين في عهدة الحكومة الجديدة، والتوافق الوطني.
الحوار توقف عملياً بين الحركتين إلاّ من بعض الاتصالات الهاتفية في حين كان يفترض، أن تشكيل حكومة الوفاق الوطني، يحتاج إلى لجنة حوار قيادية دائمة العمل والانعقاد لتسهيل عمل الحكومة ومساعدتها على أداء مسؤولياتها، وإزالة العقبات الداخلية التي كرستها مرحلة الانقسام من أمامها.
واقعياً، السلوك بقي على حاله بعد المصالحة، كما كان قبل المصالحة، فالشكاوى من الاعتقالات السياسية التي تمارسها السلطة في الضفة، لا تزال تذكّرنا بزمن وأجواء الانقسام، والتنسيق الأمني قائم على قدم وساق رغم قرارات الحكومة الإسرائيلية بمقاطعة السلطة في بعض المجالات التي تهم إسرائيل.
وفي هذا المناخ، نشبت أزمة رواتب موظفي الحكومة المقالة، الذين عانوا لبضعة أشهر، بسبب عدم حصولهم على رواتبهم كاملة، وها هم اليوم، يشعرون بقلق شديد على لقمة عيشهم، بسبب غياب الحل الواضح لمشكلتهم. الحديث هنا يدور عن أكثر من أربعين الف موظف وأسرة، بغض النظر عن أية ملاحظات، والكثير منها هامة ومتوجبة الدراسة، إلاّ انهم ومشكلتهم في عهدة ومسؤولية حكومة الوفاق، وفي الأصل في عهدة ومسؤولية من توافقوا واتفقوا على تنفيذ اتفاق المصالحة.
غير أن الإقرار بهذه الحقوق، والمطالبة بضرورة معالجتها، وفق القانون ووفق مخرجات الحوار، وحسب اتفاق المصالحة، هذا كله شيء، والطريقة التي تم التعبير من خلالها عن الاحتجاج شيء آخر، ما كان يفترض بحركة سياسية أن تلجأ إليه على النحو الذي حصل منذ مساء الأربعاء قبل الماضي.
إغلاق البنوك بالقوة، ومنع المحلات من البيع على "الفيزا كارت" لكل هذا الوقت، هو إغلاق لحياة الفلسطينيين، فالبنوك لا تخدم فقط أصحاب الوظائف الرسمية، ما أدى إلى شلل الحياة التجارية في وقت يستعد فيه التجار لتوفير حاجات الناس خلال شهر رمضان الذي أصبح على الأبواب.
وفي الواقع فإن استخدام القوة، واحتكارها، واحتكار عملية وأشكال الاحتجاج، ومنع الآخرين بالقوة من التعبير عن تضامنهم واحتجاجهم على ما جرى، يشكل امتداداً لمرحلة الانقسام، ومواصلة انتهاك حريات المواطنين.
والسؤال هو لماذا قبلت قيادة "حماس"، بأن يتم البدء بتنفيذ اتفاق المصالحة بدءاً بتشكيل وإعلان الحكومة، بدون أن يحصلوا على اتفاق واضح بشأن كيفية التعامل مع ملف الموظفين؟ في كل الحالات فإن الناس المتضررين لن يكترثوا لكل الحديث عن مسؤولية هذا الطرف أو ذاك، وان المساس بحقوقهم على النحو الذي وقع يسيء إلى أبعد الحدود لحركة حماس.
في الواقع ينقلنا هذا التحذير إلى تحذير آخر يتصل بطريقة عمل القيادات السياسية، صانعة القرار، والمتحكمة في رقبة الشعب الفلسطيني من أنها لا تستطيع تجاهل مشاعر وحقوق الناس، وإلاّ كان الانفجار في وجه الجميع شاملاً.
تعثر أول القضايا أمام حكومة الوفاق، يستدعي الاستعجال في تشكيل هيئة عامة لمتابعة مجريات المصالحة، بما أنها إجراءات طويلة ومعقّدة، وذات طابع وطني شمولي، لا تخص حركتي حماس وفتح وحدهما، وربما تستدعي، أيضاً، وجود الشريك المصري ليس شاهداً، وإنما فاعل في معالجة الكثير من القضايا الشائكة.
الجـــوع كافــــر
حمادة فراعنة
"معلش" الذين منعوا موظفي حكومة رام الله، من سحب مستحقاتهم المالية من أجهزة الصرف الآلي، وتطويق البنوك ومحاصرتها، ومنعها من العمل في قطاع غزة، لم يدركوا بعد أن رهانهم على حركة حماس ومن خلفها حركة الإخوان المسلمين، أصبح خاسراً، وأنه لم يعد، كما كان، والظرف تغير، وثمة فشل للحسم العسكري، وثمة مصالحة تعني "التراجع عن الانقلاب، وإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة " وأن مؤسسات حركة حماس الإدارية والأمنية ستذوي وتنتهي، ولن يبقى لها سوى المؤسسات الحزبية الممولة من الخارج، بعد أن يُفك الحصار السياسي والمالي عنها، وتصل إلى تسويات معقولة مع النظام السياسي والأمني المصري الجديد، بقيادة الرئيس السيسي، كي تتاح لها فرص نقل الدعم المالي من الخارج إلى قطاع غزة.
لم يعد لحركة حماس، ومرجعيتها الإخوان المسلمين، الدور القيادي، الذي كان، وإلا لما انتقلت من موقع إدارتها المنفردة لقطاع غزة وتسلطها لسبع سنوات منذ حزيران 2007، إلى موقع الانكفاء إلى الخلف، والتسليم بالالتحاق برام الله، والقبول بحكومة مستقلين تلتزم ببرنامج الرئيس المعلن بنقاطه الأربع، وصولاً إلى الانضمام إلى مؤسسات منظمة التحرير، لم يكن ذلك ليتم، نتيجة الحرص، أو الإحساس بالمسؤولية، أو الرغبة في الوحدة، من موقع القوة أو الندية أو حتى من موقع الشراكة، بل تم ذلك استجابة للعوامل الضاغطة، المتمثلة بالحصارين المالي أولاً والسياسي ثانياً وبسبب فشل برنامج حركة الإخوان المسلمين، وسلسلة إخفاقاته، في مصر وليبيا وتونس واليمن وسورية والأردن، وصولاً نحو قطاع غزة.
وإضافة إلى تطورات الوضع السياسي على المستوى القومي، بما يتعارض مع برنامج الإخوان المسلمين وانحسار دورهم النسبي، وكبح جماح اندفاعهم، فقد فشلت حركة حماس فلسطينياً في مسألتين جوهريتين، أولهما: الحفاظ على دورها الكفاحي الذي ميزها خلال سنوات العمل ضد الاحتلال وانتهى بها إلى التوصل إلى اتفاق و"تفاهمات القاهرة" يوم 21/10/2012، برعاية الرئيس محمد مرسي، وثانيهما: فشلها في تقديم نموذج نوعي متقدم في إدارة قطاع غزة، يتفوق على نموذج إدارة حركة فتح، فالحال من بعضه، وإن كانت "فتح" تراعي التعددية وشراكة الآخرين وعدم إقصائهم على عكس ما فعلته حركة حماس، ليس فقط مع باقي الفصائل الفلسطينية، بل حتى مع الذين شاركوها الانقلاب على الشرعية، بدءاً من مجموعة ممتاز دُغمش، مروراً بمجموعة أحمد حلس، وليس انتهاءً بمجموعة موسى عبد اللطيف، الذين تمت تصفيتهم جسدياً.
هناك اتفاق، وهناك مصالحة، وهناك إجراءات يجب معالجتها، وعلى الحكومة الجديدة تحمل مسؤولياتها نحو أربعين ألف موظف مدني وأمني عينتهم "حماس" بعد حسمها العسكري الذي نفذته في حزيران 2007، ولكن هذا يحتاج لتمويل وتغطية، مثلما يحتاج لوقت وإدارة لمعالجة آثار الانقلاب وتبعاته، وفي طليعتها هؤلاء المدنيون والعسكريون الذين عينتهم "حماس" منفردة، وأصبحوا عبئاً يتطلب المعالجة السياسية والأمنية والمالية.
ومع ذلك، إن مبادرة هؤلاء في محاصرة بنوك قطاع غزة، ومنع الموظفين المسجلين على ملاك حكومة رام الله من سحب مستحقاتهم المالية من هذه البنوك، لن يفيدهم، ولن يفرض المساواة في التعامل، فالذين صبروا وراهنوا على "الشرعية" كسبوا، والذين راهنوا على "الحسم والانقلاب" خسروا، وهذه هي الحياة! كم من الخسائر البشرية خسر الشعب العراقي ومن بعده الشعب السوري، والليبيون، وحتى اليمنيون، ومن قبلهم الشعب الجزائري في حروب بينية داخلية طاحنة بلا ثمن، وبلا نتيجة، وبلا فائدة، بعكس الخسائر الوطنية التي تسقط في مواجهة العدو، يتم تقديرها وتعويض عائلاتها ويتحول شهداء المعركة الوطنية ضد العدو إلى مصابيح مضيئة لرفعة الوطن واستقلاله وحقه وحق شعبه في الحياة الكريمة، بينما الذين يخسرون في معارك المواجهة البينية والحروب الداخلية، تكون خسائرهم مضاعفة، لأنها بلا تقدير وبلا تعويض وبلا مكاسب.
لم يستوعب البعض، معنى المصالحة، ولا زال أسيراً لسلوك وقيم وتصرفات أيام الحسم العسكري ونجاحها، ولم يستوعب بعد أيام التراجع عن خيارات التفرد والهيمنة وهزيمتها، ولذلك يتصرف بعقلية المنع، وفرض المساواة في الجوع، والحرمان من الراتب، وعدم توفر المستحقات، وهذا سيدوم إلى حين، لعل وقتها لن يطول، حتى تتوفر المخصصات المالية اللازمة لتغطية الجميع بلا استثناء، بعد معالجة أوضاعهم والتدقيق في تفاصيلها، والتوصل إلى قرار، وتنفيذ الالتزام القطري بتغطية رواتبهم الشهرية بشكل أو بآخر.
إسرائيل تدخل مرحلة "البازار" السياسي
د. عبد المجيد سويلم
لا أعرف إذا كانت إسرائيل منذ تأسيسها شهدت كما تشهد اليوم هذه الدرجة من "الفوضى" السياسية، لكن الشيء المؤكد أن إسرائيل تدخل في "بازار" سياسي فريد من نوعه، وهي دخلت بالفعل إلى نفق سياسي يصعب التنبؤ بنهايته، ويصعب أيضاً معرفة إن كان الخروج منه سيعني بالضرورة التوصل إلى حلول معينة أم انه سيعني أيضاً الدخول إلى نفق أطول وأعمق.
لقد حاول نتنياهو على مدى السنوات السابقة أن "يسوّق" على المجتمع الإسرائيلي مقولة "الخطر" الإيراني، مدعياً أن حل القضية الفلسطينية ليس له أية أولوية في سلّم الاهتمامات الماثلة أمام المجتمع الإسرائيلي.
وبمناسبة ثورات "الربيع العربي" "أكد" نتنياهو أن أحداً في العالم العربي لم يعد يهتم بالقضية الفلسطينية، وان جلّ اهتمام الشعوب العربية بات منحصراً في المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى اندلاع الثورات.
أما تفسير نتنياهو باهتمام الولايات المتحدة وكذلك أوروبا وبقية أطراف المجتمع الدولي بالبحث عن حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو مجرد "رفع عتب" في الحالة الأميركية ومجرد حالة تزلّف ونفاق في الحالة الأوروبية والدولية الأخرى.
مع انهيار نظرية نتنياهو حول الخطر الإيراني، ومع الذهاب إلى مساومة تاريخية غربية مع إيران (ما زال يعدّ لها على نار هادئة) ومع تقدم الولايات المتحدة بمواقف جدية حيال البحث عن حل سياسي لهذا الصراع (بغض النظر عن امتلاك الولايات المتحدة لإرادة تحقيقه، أو لنقل بغض النظر عن درجة استعداد الولايات المتحدة لممارسة الضغط على إسرائيل لفرضه.... بغض النظر عن ذلك، عاد نتنياهو ـ دون أن يعترف بانهيار نظريته ـ للحديث عن استعداده للتعاطي مع هذا الحل.
أدرك نتنياهو أنه قد حشر في الزاوية ولم يعد أمامه سوى الدخول في معترك الحديث عن الحل بهدف منعه أو تفصيله على هوى اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، وهو الأمر الذي جعله يعدّ لهذه الاستراتيجية ـ استراتيجية منع الحل، أمر فرضه بالشروط اليمينية ـ كل ما من شأنه تسهيل مهمته بمنع الحل.
وكما هي عادة كل الهواة أو أنصاف القيادات وأشباه الزعماء لجأ نتنياهو للخديعة التي ستشكل (من وجهة نظره) الواجهة التي سيخفي من خلفها خطته الحقيقية.
كانت هذه الخديعة محاولة هي إيهام المجتمع الإسرائيلي والعالم بقبول مبدأ حل الدولتين مقابل شروط تنهي من حيث الجوهر أية إمكانية لهذا الحل قبل أن يبدأ.
اعتقد نتنياهو ـ كما هو شأن أقطاب اليمين ـ أن تسويق مبدأ القبول بحل الدولتين سيجنبه "الجدل" في إسرائيل وانه سيلعب على الحبال لإسكات الأصوات المطالبة به من جهة والأصوات التي تطالب بفرض الشروط الإسرائيلية للقبول به من جهة أخرى.
عندما بدأت كفة الترجيح تميل لصالح الحلول "الوسط" للشروط الإسرائيلية مع أن هذه الحلول لم تكن سوى انحياز سافر لصالح هذه الشروط من قبل الولايات المتحدة تحديداً لجأ نتنياهو إلى شروط جديدة تمثل أهمها في "مشروع" الدولة اليهودية علّه بذلك يعيد إلهاء الولايات المتحدة والمجتمع الإسرائيلي بهذه الملهاة الجديدة، وعلّه أيضاً يتمكن من إرباك الساحة الفلسطينية وإحراج موقفها.
فشلت هذه المحاولة أيضاً من خلال الموقف الفلسطيني الرافض بكل وضوح وصلابة، ومن خلال الرفض العربي الشامل لها، ومن خلال عدم حماسة الموقف الأوروبي للتعاطي معها، ومن خلال اعتبار الولايات المتحدة لها شرطاً مؤجلاً لاتفاقية "إنهاء" الصراع وليس للتفاوض على إنهائه.
انهارت نظرية نتنياهو حول الشروط (جزئياً) وانهارت نظرية نتنياهو حول "أولوية" الاعتراف بالدولة اليهودية (مؤقتاً على الأقل) ولم يتبق أمامه سوى مسألة الشريك الفلسطيني والمصالحة. حاول نتنياهو كل ما يمكن أن يقال وكل ما يمكن فعله أيضاً فإذا بالولايات المتحدة تعلن عن نيتها (التعامل مع حكومة التوافق) وإذا بأوروبا تعلن عن دعمها الكامل للخطوة، ناهيكم عن بقية دول العالم من عربية ـ إسلامية وأخرى كثيرة وكبيرة.
لم يعد أمام نتنياهو إلاّ أن ينسحب من المفاوضات ويبدأ موجة جديدة من الاستفزازات الاستيطانية واللعب بالأوراق الحساسة مثل ورقة المسجد الأقصى وقتل المتظاهرين وغيرها من الممارسات الواضحة في استهدافاتها المباشرة.
وعندما لم يجد نتنياهو ما يكفي من ردود الأفعال (المنشودة) شرع بالتصريح والتلميح "للانسحاب" المسبق والأحادي من بعض المناطق وأخذ النقاش يدور في إسرائيل حول "جدوى" هذا الانسحاب من عدمه وحول جدوى الضم من عدمه وحول أهمية وأولوية يهودية الدولة من عدمها وحول أولوية الاستيطان من عدمه، وحول أهمية الأغوار الأمنية الاقتصادية، وحول كل شيء يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
إن هذه الفوضى السياسية (بغض النظر إن كانت خلاّقة أم عبثية) قد أوقعت نتنياهو في المصيدة التي طالما اعتقد أنه أعدها للآخرين.
الواقع أن كل نظريات نتنياهو قد انهارت واحدة تلو الأخرى، وأغلب الظن أنه لم يعد يمتلك شيئاً ليقوله سوى الإقرار بأن الحلّ الوحيد هو اللجوء إلى صندوق الاقتراع، إذ انه ما زال يمتلك رصيداً كافياً حتى الآن أو التحول إلى ألعوبة سياسية في يد الكبار والصغار معاً على طول وعرض الخارطة السياسية في إسرائيل.
فإذا خسر يائير لابيد فإنه لن يربح بينيت، وإذا استمال حزب العمل فإنه سيخسر ليبرمان وبينيت معاً، وإذا تمسك بالحركة فلن يساعده ذلك في شيء على الإطلاق، وإذا ارتهن لقرار الليكود فسيكون هو بالذات الخاسر الأكبر، لأن الليكود لا يملك من صفات الموقف الموحد شيئاً يذكر على الإطلاق.
في إسرائيل فوضى سياسية شاملة وبازار سياسي غير مسبوق والسبب الوحيد والأوحد هو الصراع مع الشعب الفلسطيني وحقوق وأهداف الشعب الفلسطيني.
أليست هذه قمة المأساة لواحد مثل نتنياهو اعتقد أنه تحول في السنوات الأخيرة إلى زعيم سياسي بحجم قياداتها التاريخية...!!؟
أغلب الظن أن نتنياهو هو شخص ساذج اعتقد أن الزعامة مسألة تتعلق بالقدرة على اختراع الألاعيب، وهذه هي مأساة إسرائيل هذه المرة.
حوسبة المستشفيات .... قصة نجاح وحلم يتحقق
د. فتحي أبو مغلي
عندما شرعنا قبل عدة سنوات بالعمل على حوسبة المستشفيات الحكومية وقلنا إن هذا المشروع يعتبر ثورةً حقيقية في العمل الصحي، قال البعض إنه هدر غير مبرر للمال في بلد يشكو من قلة الموارد، ولقد شارك عدد من الإداريين في وزارة الصحة والمستشفيات في تعزيز وجهة النظر هذه من خلال وضع العراقيل وعدم التعاون الكافي في تطبيق نظام الحوسبة ثم تعميمه.
ومرت عدة سنوات والعمل على حوسبة المستشفيات مستمر وتغيرت القناعات وازداد الحماس لمشروع الحوسبة، وأصبح معظم مستشفياتنا في الضفة كمرحلة أولى محوسباً، ونأمل ان تكون المرحلة الثانية حوسبة مستشفيات قطاع غزة بعد ان عادت اللحمة الى شقي البلاد وانتهى الانقسام البغيض.
وبعد خمس سنوات من العمل لا بد من تقييم التجربة، وكنت آمل ولا زلت ان نسمع مع دائرة الاختصاص بالوزارة مثل هذا التقييم، وحتى ذلك الحين ومن خلال متابعتي الشخصية والأهداف التي وضعت للمشروع أجد نفسي راغباً وقادراً على طرح وجهة نظر علمية حول الموضوع ترد على من عارضوا فكرة الحوسبة وتثمن جهد من قاموا بالعمل ودعموا الإنجاز.
تستقبل مستشفياتنا ما بين 200 الى 500 مريض يومياً في غرف الطوارئ وما بين 500 الى الف ضمن "عيادة خارجية وإدخال" ويعمل في اي مستشفى ما بين 200 الى 800 موظف لهم أنظمة دوام مختلفة وحقوق مالية ومناوبات، وتتعامل صيدلية كل مستشفى مع ما يزيد على 500 صنف دوائي ومثلها من المستهلكات والمواد الطبية، بالإضافة لمواد الأطعام والفحوص المخبرية والصور الشعاعية والعمليات الصغرى والكبرى التي تجرى يومياً في كل مستشفى. فهل من الممكن إدارة كل هذه العمليات يدوياً وبكفاءة مهما كان الجهد المبذول؟ وإذا كان الجواب بنعم، فما هو مستوى جودة الأداء في إدارة هذه العمليات؟
لقد واجهت المستشفيات دائماً مشاكل كبيرة في التعامل السليم مع السجلات الطبية ومع رصد التأمين الصحي للمراجعين وفي مراقبة ومتابعة مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية، كما كانت تبرز دائماً مشكلة رصد الدوام واحتساب العمل الإضافي للطواقم الطبية العاملة، ولم يكن بالإمكان توفير تقارير مالية وإحصائيات طبية لعمل المستشفى ولقياس مؤشرات الأداء بسهولة في الوقت اللازم او عند الطلب.
لقد شكل نقص البيانات والتقارير الإحصائية مشكلة مزمنة للعاملين على مراقبة أداء اي مستشفى وفي الحصول على تقارير تفصيلية عن المرضى او عن الخدمات المقدمة وعن مخرجات الخدمات المقدمة، ومنع هذا النقص القدرة على تحسين الخدمة المقدمة ومتابعة دقيقة لملفات المرضى والتوزيع الديمغرافي للأمراض وللمراجعين.
كان تكدس الأوراق والملفات على مكاتب الأطباء والإداريين يشكل منظراً عادياً وظاهرة مزعجة للعاملين وللمراجعين وبخاصة عند فقدان ملف أو أجزاء من ملف لمريض او مراجع، كما كان البحث عن ملف يشكل قلقاً يومياً لكافة العاملين في اي مستشفى، أما عند وجود شبهة خطأ طبي فالأمور كانت تصبح اكثر تعقيداً وشفافية التحقيق اقل مصداقية.
لقد حققت حوسبة المستشفيات فوائد جمة انعكست بشكل مباشر على جودة الخدمة المقدمة للمريض وعلى قدرة العامل الصحي على الأداء الجيد، كما انعكست إيجاباً على كلفة الخدمة المقدمة وعلى سرعة التعامل مع الحالات والتقارير وعلى القدرة على توفير بيانات إحصائية دقيقة لكل مفردة من مفردات العمل في المستشفى المحوسب، فقلت كلفة الملف الإلكتروني عن الورقي بنسبة العشر وأصبحت حماية خصوصية المريض وملفه عالية جداً وليست متاحة لكل من يرغب بالاطلاع على اي ملف الكتروني إلا ضمن ضوابط، على عكس الملف الورقي المتاح على الأرفف لكل من يرغب، وكنا نجد للمريض الواحد عدة ملفات وأحياناً بأسماء مختلفة، اما الآن ومع الحوسبة فلكل مريض ملف واحد مطابق لرقمه الوطني الواحد.
لقد فتح نظام حوسبة المستشفيات وتوسعة تطبيقه ليشمل المراكز الصحية للرعاية الصحية الأولية وربطه بنظام التأمين الصحي والإدارة المالية الآفاق واسعة نحو تطوير جودة الخدمات المقدمة وضبط الإنفاق وإصدار التقارير المالية والإدارية والفنية بشكل يومي او شهري او سنوي وعن اي فترة لازمة، كما أصبح بالإمكان مراقبة دقة البيانات المقدمة ووضع مؤشرات دقيقة للأداء وجودته ومراقبة تطور هذه المؤشرات.
ويبقى الطموح ان نصل الى منشآت صحية بلا أوراق وان يحمل كل مريض ملفه الصحي والتأميني على بطاقة واحدة ذكية ترافقه اينما ذهب وتُعرّف به وبتاريخه المرضي أينما ذهب.
مقالات الحياة الجديدة,,,
آخر شاهد عيان - بعض ما خلف الانقسام
محمود ابو الهيجاء
قد تستغربون.. في شريط " فيديو " اوجعني المسلح الحمساوي الذي كان يقف " سدا " بتجهم شديد، امام الصراف الالي لاحد بنوك غزة، ليمنع المواطنين من الاقتراب من هذا الصراف الذي لا يعرف شيئا عن الاحزاب والسياسة، اوجعني مشهد هذا المسلح، اكثر مما اوجعتني المرأة التي كانت تقف امامه وهي لم تكن تصرخ فحسب ضد وقفته ومعنى هذه الوقفة المشينة، بل وتنوح ايضا، ليسمح لها بسحب راتب زوجها الشهيد، ولأن بيتا دخله المادي الوحيد هو الراتب سريعا ما يجوع اذا ما تاخر هذا الراتب، اوجعني هذا المسلح بتجهمه وعدم اكتراثه لصراخ هذه المرأة ونواحها، وحين تشاهد بشرا وتجرد الى هذا الحد من انسانيته، فهذا امر يوجع القلب ويرهقه، ألهذا الحد كان الانقسام مرضا خبيثا التهم باورام اوهامه تلك الروح الانسانية واسقط كل قيم المحبة والتعاطف والحنو، عند هؤلاء المسلحين الذين وقفوا سدودا امام البنوك والصراريف الالية، نحن اذاً امام مهمة كبرى في المصالحة ان نعيد تلك الروح وتلك القيم الى كل من اصابه الانقسام بأورامه الخبيثة، ومن هنا تبدا المصالحة الاجتماعية، نريد للقلوب ان تعود بيوتا للمحبة والتسامح برحابة الحق والعدل والروح الوطنية، وليست كهوفا للحقد والكراهية التي طالما غذتها تنظيرات التعالي الحزبية. لا نريد قساة بيننا من هذا النوع ولا من اي نوع يسقط تلك الروح الانسانية، التي اذا ما رأت دمعة على خد مظلوم بكت فكيف والمظلوم هنا امراة هي زوجة شهيد ولا تريد شيئا سوى حقها في راتب زوجها الشهيد لتطعم عياله الذين باتوا امانة في عنقها.
هل نام ذاك المسلح ليلته..؟؟ وان كان خوفه من الجوع حقيقيا هو الذي جعله ذاك " السد " المنيع بوجه امراة تنوح من اجل لقمة الخبز، فان تجويع الاخرين لن يسد له رمقا، ولأن الشيء بالشيء يذكر فاننا ضد هذا المبدأ حتى في القصيدة ولهذا لم نعجب بأبي فراس الحمداني حينما قال في رومياته: اذا مت ضمآناً فلا نزل القطر. لسنا مع هذه الروح ولن نكون معها ابدا مهما كلف الامر.
حياتنا - الفكر التكفيري بيننا
حافظ البرغوثي
لا يعتلي خطيب منبرا الا ويجندل رؤوسا ويقطع رقابا ويخلط حديثه بدعوة للقتل وفتوى بالتكفير يقول ذلك عن طيب خاطر فلا يهتز له رمش ولا يقشعر له بدن وكأنه يقول كلاما عاديا ويستشهد عادة بما اجمع عليه علماء الأمة دون ان يذكر عالما واحدا, وفي احيان ما يستشهد بحديث غريب عجيب لم نسمع عنه من قبل وكأنه هنا داعية قتل وتكفير فقط فلا يدعو بالموعظة الحسنة قط ومن يستمع الى بعض خطب الجمعة عندنا يكتشف ان اصحابها يحملون فكر داعش وجاحش وطاحش وربما فاحش، لانهم يخفون حقيقة ما يدور في خلدهم الا من عبارة هنا وكلمة هناك تنم عن خبايا نفوسهم المعبأة بالحقد الحزبي, فهم على نقيض الدعوة المحمدية التي قامت على الإقناع وآمن بها الناس افواجا ولم نسمع انه تم قتل من فاتته صلاة الفجر او العصر في المسجد ولم نسمع ان كعب المرأة عورة فما بالك بوجهها وكفيها ولم نسمع عن ان تهنئة المسيحي كفر وان الخلوة مع المكيف حرام، وأن الخلوة مع اللابتوب حرام ايضا, وان باسم يوسف لانه أمرد يجب ان يلبس النقاب, وان فوز السلفيين في الانتخابات المصرية المقبلة ورد سلفا في القرآن الكريم على حد قول احد السلفيين في مصر, وفتوى الدكتور رشاد خليل عميد سابق لكلية الشريعة في الازهر الذي افتى بحرمة تجرد الزوجين من ملابسهما اثناء الجماع لكون ذلك يبطل عقد الزواج وفيه تشبه بالكفار.
بالطبع يستغرب كبار الفقهاء سيل التفاوى هذه وتكفير الاخرين لان من يفتون ليسوا دائما على قدر من العلم بل احيانا يتم استدراجهم للرد على اسئلة سخيفة ويعتبر اعداء الدين ذلك سخافة دينية وليس سخافة السائل والمجيب.
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال "اي رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما ان كان كما قال, والا رجعت عليه" وهذا يكفي للدلالة على وجوب عدم التكفير. فالاسلام دعا للموعظة الحسنة وهو يسر وليس عسراً ويكفي للدلالة على ذلك ان الفظاظة تنفر ولا تبشر فقد سأل ملك روسيا رسولا من خليفة عباسي عن الإسلام فشرح له ما يدعو اليه من صلاة وصوم ووضوء وعمل الخير والزكاة, فاستحسن الملك ذلك ولكن عندما سأله وماذا عن هذه؟ ورفع كأس فودكا في يده فرد الرسول العباسي "حرام" فقال الملك إذاً لا حاجة لنا بهذا الدين, لأن الفودكا بالنسبة للروس اقوى علاج للبرد والصقيع. وكان بإمكان رسول الخليفة ان يقول انه مكروه وان القرآن حرمه على مراحل فلربما نجح في إقناع الملك بالتدريج ولصرنا نرى من حسناوات روسيا هيفاؤوف ونانسييوف وجميلايوف وخنساؤوف. ولكن ملك الخزر القريب من روسيا اعتنق اليهودية وارسل له يهود الاندلس من يعلمونه الدين وبعد انهيار مملكة الخزر تفرق من اعتنق اليهودية في شرق اوروبا وهم الآن اغلبية في اسرائيل من شارون الى غولدا مائير الى جابوتنسكي وهرتزل.
مدارات - تربية مارقة
عدلي صادق
في مطلع هذا الأسبوع، أغلقت وكالة التعليم البريطانية عدداً من المدارس التي يديرها إسلامويون من أهل الغلو في الدين. ولم يُذكر شيء في الإعلام العربي، عن خلفية قرار الوكالة البريطانية. ولأن بريطانيا ذات آثام تاريخية وإرث استعماري؛ فإن السياق أوحى بالتعدي على خصوصية المسلمين من منطلق الكراهية لهم، ونقطة على السطر.
غير أن الأمر ليس على هذا النحو، لأن هناك، في القارة الأوروبية، شئنا أم أبينا، استغلالا أصوليا متطرفا لهامش الحرية واحترام الخصوصيات الثقافية. وفي خضم أحداث سوريا والعراق، على صعيدها «الداعشي» تنبه الغرب لأصل البلاء، وجاءت في هذا السياق، حكاية المدارس التي أغلقت في بريطانيا. واللافت أن المرجعيات الاسلامية المستنيرة، لا تكلف نفسها مشقة الخوض في موضوعات التطرف وأنماط التربية المارقة، طالما أنها بعيدة عن حاراتها. وتستنكف عن أي نطق، مراكز الفتوى والإرشاد والمتابعات الفقهية لأحداث الساعة. وعندئذٍ لا تغذية للوعي الديني العام للمسلمين على مستويي الناشئة والواعظين. هذه المراكز والمرجعيات، أدمنت الرياء والبحبوحة والمكوث في الهوامش الواسعة لخصوصياتها الفقهية، ولا تتصدى لظاهرة مسيئة لصورة ديننا السمح، ولحياة المسلمين.
لقد غطت الصحافة البريطانية، بمهنية عالية، واقعة إغلاق بعض المدارس في بريطانيا، واستمعت الى شهادات أخصائيين اجتماعيين وأعضاء الهيئات التدريسية، وتأكد أن بعض المتكلمين المعتوهين، يعلّمون الصغار في سن السادسة، كيف يهتفون ضد المسيحيين، بينما الأوجب، في بلاد كهذه، الإعلاء من شأن قيم التعايش والمساواة والعدالة وعدم التمييز. واستُنطق أحد الأطفال - حسب صحيفة «صاندي تايمز» - فتدفق باستذكار محفوظاته التي لقنها له معلمون معتوهون: المرأة البيضاء داعرة، والمسيحيون كفار. وأرسلت الوكالة التي تصرف على تلك المدارس، تطالب القائمين على العملية التعليمية فيها، بتصحيح منطقهم، ونبهتهم الى أن عملية التوعية التي يقومون بها غير متوازنة وتخالف قيم التسامح الإنساني والتعايش بين المواطنين ومحددات الدستور. لكن المدارس لم تغير ولم تبدل، وعندما مضت في نهجها، أوقعت خلافاً كبيراً بين وكالة التعليم ذات الموازنة الهائلة (54 مليار جنيه استرليني سنوياً) ووزارة الداخلية، حول أحقية أيٍ منهما الأجدر بمعالجة الموضوع. فقد رأت الداخلية، في الصبر على مدارس من هذه الشاكلة، صبراً على مستنبت للبغضاء بين الناس وللإرهاب الأعمى مستقبلاً. أما وكالة التعليم، فقد آثرت الصبر الجميل والنصح وتشديد الضوابط. ولم ينكشف الموضوع كله، إلا عندما اضطر مايكل غوف، السكرتير العام لوكالة التعليم الحكومي (وزير الدولة للتعليم) للاعتذار من رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، عن التوبيخ العلني لزميلته وزيرة الداخلية تيريزا ماري ماي، بسبب هذا الموضوع.
المفارقة، أن المتطرفين في بريطانيا، في نهج حياتهم القبيح المُسيء للاسلام وللمسلمين، لا يكلفون أنفسهم عناء المقارنة بين الأوضاع في بلدانهم الأصلية وما يُتاح لهم في الغرب. وكأنهم غائبون عن الوعي لا يقرأون ولا يتابعون. فقبل أيام حكم القضاء الأسكتلندي، لصالح مواطن من أصل هندي من السيخ، رفع دعوة ضد رب العمل لأنه ابتسم بسخرية ظاهرة، وتمتم بكلمات لم يسمعها الهندي، تعليقاً على لفافة الرأس التي يرتديها، وأوقعت المحكمة غرامة مالية ثقيلة على المدان بالازدراء. نعم إن البريطانيين ذوو إرث إمبريالي، لكن لديهم قوانين ومحاكم نافذة القرارات تنحني لها كل الهامات، ودستور يلتزمون به. ولا نميل الى نظرية المؤامرة، ونقول إن الحرية التي تمتع بها الإسلاميون في بريطانيا، كانت ملعوبة لغايات الفتنة الإمبريالية. فلا منطق في هذه النظرية لأن ما فينا يُكفينا ولا نحتاج الى متآمرين على هذا الصعيد.
إن هؤلاء الدواعش من طائفتي السُنة والشيعة، يُعلّمون الصغار في المدارس، الكراهية وكيف يستعدون ليوم النفير وللفرقانات وللغزوات ذات القفزات في الهواء، ويستعذبون أسلوب التغالظ مع الناس ومع أنفسهم. فقد انتشر الإسلام بأخلاق المسلمين وليس بسيوفهم. أما عندما تتردى ثقافة الحياة والاجتماع الإنساني، وتُمتشق المتفجرات التي هي سيوف اليوم، فإن نكبة فادحة تحل بالمسلمين، وتضعهم بالجملة، في دائرة الاشتباه والدفاع عن النفس دون ذنب اقترفوه!
تغريدة الصباح - كانت غشاشة
سما حسن
من أوائل القصص التي قرأتها في مراهقتي للكاتب احسان عبد القدوس قصة قصيرة بعنوان" كانت غشاشة"، ويبدو أنني أغرمت بها لما كنت أمتاز به من شقاوة وحب للمشاكسة والمغامرة في المدرسة الثانوية، واستعرض فيها الكاتب طرقا كثيرة للغش في الامتحانات من خلال طالبة جامعية كانت غشاشة.
في العام 1989كنت أتقدم لامتحان التوجيهي حيث يتم التصحيح في القاهرة، وتصل لجنة مصرية إلى غزة لمراقبة سير الامتحانات، ويمرّ على قاعات الامتحان مراقب مصري بصحبة ضابط ركن التربية والتعليم الاسرائيلي، والذي يجيد اللغة العربية بطلاقة، وحين دخلا القاعة التي أتقدم بها للامتحان وقرأ أسماء الطالبات لفت نظره اسم طالبة تمت بصلة قرابة لقيادي بارز من قادة الانتفاضة، فدخل الضابط في حوار طويل معها، وتركت هي امتحانها وبدأت تدافع عن الانتفاضة، وأتاحت فرصة كبيرة لي مع صديقاتي المحيطات بي اللواتي لم يكن لهنّ أي اهتمامات سياسية رغم أن انتفاضة الحجارة على أوجها، وأخذنا نتبادل الاجابات بطريقة الهمس وتحريك الشفاه وقراءتها، واشارات اليدين والأصابع، باختصار فقد استخدمنا لغة الصم والبكم، والنتيجة أن زميلتنا التي استماتت في الخطابة عن القضية الفلسطنية قد رسبت رسوبا ذريعا.
استعدت تلك الحادثة وأولادي الأربعة يتقدمون للامتحانات، وحين أسرّ ابني الجامعي لي بأنه"سفاح" في الغش، ويستخدم نفس طريقتي التي سبق ان استخدمتها، -رغم أنني كنت متفوقة جدا- ولكنني أعشق التحدي والمجازفة والمغامرة، وكنت أجد لذّة في مغافلة المراقبين.
أسديت لابني الذي يتقدم لامتحانات التوجيهي النصيحة الذهبية التي قدمتها الفنانة الكوميدية " عبلة كامل " لابنها، وهو في طريقه لامتحان محو الأمية حين قالت له: ساندويشات في ايدك، ومصروفك في جيبك، وأقلامك في شنطتك وأضافت أن " المطواة" أي السكين بحوزته أيضا، وآخر ملاحظاتها هي : اوعى حد يغش منك، غش انت بس.
في الحقيقة لا نختلف نحن الأمهات المتعلمات الحريصات على مصلحة أولادنا عن تلك الأم الجاهلة البسيطة، فقد نصحت ابني أن يعقد اتفاقية مع زملائه بمساعدتهم في امتحان اللغة الانجليزية لتفوقه فيها، على أن يساعدوه في امتحان النحو العربي والذي يعتبر معضلة بالنسبة له، وكأن الامر وراثة مني، حيث كنت أعاني من ضعفي في النحو مقابل تفوقي في اللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم، وكثيرة الصفقات التي عقدتها مع زميلاتي في لجان الامتحانات، ولم يحدث أن أخلت واحدة منا باتفاقها مع الأخرى، ولم نكن نشعر للحظة أننا نقوم بعمل محرّم أو مشين، بل نعتبر ما نقوم به تعاونا وذكاء وتحديا منا للمراقبين، ولكن أبي الذي عمل معلما لمدة اربعين سنة أفقدني لذتي تلك حين قال لي بصراحة: هل تعتقدين أننا كمراقبين أغبياء ولا نلاحظ حالات الغش، ولكننا نتغاضى عنها لأن لدينا أبناء ونريد لهم النجاح أيضا؟
أحبطتني يا أبي.....
نبض الحياة - الرئيس العاشر
عمر حلمي الغول
انتخب الكنيست الاسرائيلي امس الاول روبين ريفلين خلفا للرئيس شمعون بيريس.
انتخاب الرئيس العاشر لدولة اسرائيل، له دلالات سياسية غير ايجابية على عملية السلام، لا سيما ان الرئيس ريفلين (74 عاما) ينتمي للجناح الأكثر تطرفا في حزب الليكود، كما انه لا يؤمن بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، بل انه يدعو لاسرائيل الكبرى.
وبناء على الخلفية السياسية للرئيس الاسرائيلي الجديد، فان مؤسسات دولة التطهير العرقي (الرئاسة، الحكومة، الكنيست) تكون أمست جميعها تخضع لاقطاب اليمين واليمين المتطرف، وهو ما سيترك آثاره السلبية على عملية السلام، وسيعطل أية بارقة أمل يمكن ان تساهم بها مؤسسة الرئاسة الاسرائيلية، بعكس ما كان عليه الحال في زمن بيريس ومن سبقه من الرؤساء السابقين.
ورغم اختلاف ريفلين مع رئيس الحكومة نتنياهو، وهو ليس اختلافا سياسيا او ايديولوجيا، انما خلاف حزبي داخلي ذو صلة بالتكتيك وليس بالاستراتيجية، الا ان التوجهات المعادية للسلام لكليهما، ستعيد الجسور بينهما، وستردم اي تباين، لأن الناظم الأساسي لسياسة الدولة والحكومة والكنيست الاسرائيلية في ظل القيادات المقررة فيها، هو رفض خيار السلام، وتبديد أية جهود اقليمية او دولية بما في ذلك وفي طليعتها الجهود الاميركية.
الواقع الاسرائيلي الجديد يملي على قوى السلام الاسرائيلية باتجاهاتها ومشاربها المختلفة، الضغط على نتنياهو وحكومته، للكف عن سياسة المماطلة والتسويف والتهرب من استحقاقات التسوية السياسية.
ولعل ما أعلنه وزير المالية، لبيد قبل أيام من ضرورة ان تحدد دولة اسرائيل حدودها، تعتبر نقطة ايجابية، تحتم الدفع بها في داخل الحكومة، بالتكامل مع ليفني ومن خارج الحكومة مع حزب العمل وميرتس بالاضافة للاستفادة من صوت النواب العرب والقوى الديمقراطية عموما في اسرائيل.
وكي تستقيم الأمور، فان مجرد الاعلان لا يكفي ولا بد من تنفيذ سلسلة من الأنشطة والفعاليات الجماهيرية داخل اسرائيل: اعتصامات، اضرابات، تظاهرات ومذكرات لاظهار قوة ورغبة الشارع في صناعة السلام.
كما تملي صناعة السلام على القوى الدولية وخاصة الادارة الاميركية انتهاج سياسة أشد وضوحا وحزما للضغط على القيادات الاسرائيلية المختلفة لالزامها بدفع فاتورة السلام على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194.
مع ذلك، على الجميع انتظار دخول الرئيس العاشر مقر رؤساء اسرائيل، ومراقبة السياسات التي سينتهجها تجاه عملية السلام ومستقبل العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، لعل وعسى ان يكون وجوده في موقع القرار يغير من توجهاته، مع انه احتل سابقا موقع رئيس الكنيست ولم يغير شيئا.
التدفق في الجسد التنظيمي السياسي
بكر أبوبكر
إن التنظيم السياسي يشكّلُ جسدا تتكامل فيه مكوناته، وتتفاعل، بلا انقطاع، وهي في تفاعلها الدائم تحافظ على حيوية الجسد وديموته في حركّية دؤوبة لاتهدأ، أكانت هذه الحركية مرتبطة (بالحوار أم الفعل).
إن التفاعل المكتمل الدائرة في داخل جسد التنظيم يقتضي حُسن التعاطي مع المسار (المسارات)، وهذا الحُسن يقتضي التبادلية، ولا يعني مسارا باتجاه واحد أبدا، بمعنى أن مجرى الحركة ومسارها المتدفق (السلوك : الحوار والفعل) يسير من أعلى إلى أسفل، وأيضا بالعكس أي من أسفل إلى أعلى (في تراتبية الهيكل التنظيمي الهرمي)، كما يسير في داخل المرء ذاته وحواره النفسي-الروحي الفكري، كما يسير أفقيا (داخل الوحدة التنظيمية من خلية إلى إقليم في حركة فتح، وكافة التنظيمات، أو داخل آليات الاتصال في الاجتماعات والندوات والدورات... )، وهذا يقتضي إتاحة الفرصة اللازمة للأعضاء لأن يقدموا ما لديهم من أفكار وتجارب واقتراحات بحرية، دون بخس لآرائهم أو مبادراتهم، ودون تقليل من شأنهم ودون محاولات لفرض الرأي الواحد.
في التفاعلات الكيميائية يتم ترتيب الذرات في الجزيئات الكيميائية ،و في مثل هذا التفاعل نشهد اتحاد بعض الجزيئات بطرق أخرى لتكوين شكل من مركب أكبر أو أعقد، أو تفكك المركبات لتكوين جزيئات أصغر، أو إعادة ترتيب الذرات في المركّب. والتفاعلات الكيميائية تشمل عادة تكسّر أو تكوين روابط كيميائية. ومن أنواع التفاعل: ما يؤدي لتغيير جزئي أو كلي، ومنه ما يؤدي للاندماج والانصهار وتكوين مركب جديد، ومنه ما يؤدي لتفكك وبالتالي خروج وانهيار.
ومن التفاعلات (الكيميائية) ما يكون ناشرا للحرارة ومنها الماص للحرارة على ما يذكر علماء الكيمياء، وهل ترى التفاعلات الإنسانية ببعيدة عن هذا التوصيف؟ لا أظن ذلك. رغم تعقد الذات الإنسانية والتعامل معها، إذ أنها تحتاج لتحقيق التوازن فيها –ومعها- على المتعاملين مع الكادر ومع الناس-بل ومع أنفسهم- أن يدركوا أولا أهمية وضرورة وحساسية المكونات (الذات/الناس) والبيئة أو الوسط المحيط، وطبيعة التعامل محكوما بالفعل ورد الفعل، وأيضا الهدف والنتيجة، وهنا نحن نرى أن التفاعل المكتمل نريده في التنظيم أن يكون ناشرا لحرارة الإيمان والعمل للجميع، أن يُحدث تغييرات بالشخصيات داخل التنظيم بما يمكّن من حصول الاندماج واحتكاك وانصهار الأفكار في بوتقة تحقق نتيجة واحدة مأمولة.
حوض الماء والتفاعل في التنظيم
إن مستوى الماء في الحوض (والحنفية مفتوحة عليه) يرتفع حتى يفيض في نهاية الأمر. ماذا يحدث إن تدفق الماء خارجا أسرع من تدفقه للداخل؟ يبدأ مستوى الماء بالنزول. وأخيرا، نرى أننا إن استمررنا بتدفق الماء بنفس المعدل لتدفقه إلى الخارج فإن مستوى الماء سيبقى ثابتا؟
إن محاكاة حوض الاستحمام هذه تبين هيكلية " التجميع والتدفق" التي توجد في أنظمة مختلفة من حولنا ومنها في التنظيم السياسي.
إن الخزن هو تراكم.، والماء في الحوض هو المخزون المتراكم. فإن استطعنا تحقيق التوازن في أطار المخزون المجمع، والتدفق الناتج فإننا نكون قد أدخلنا التنظيم في مرحلة الاستقرار وفي التفاعل المكتمل الذي نتحدث عنه ونهدف منه لتحقيق هذا التوازن.
من أشكال التفاعل الاجتماعي (ومنه التنظيمي: حيث إن التنظيم تفاعل بين جماعة انسانية لديها فكر وأهداف مشتركة وقوانين وتقوم بعمل) التعاون والتنافس والتوافق والصراع، ويتضمن التفاعل الاجتماعي (كما يشير موقع بذورالكوكب العلمي-بلانت سيد)التفاعل أو التأثير المتبادل لسلوك الأفراد والجماعات الذي يتم عادة عن طريق الاتصال الذي يتضمن بدروه العديد من الرموز وهناك علاقة بين أهداف الجماعة وما يتطلبه تحقيق تلك الأهداف من تفاعل اجتماعي يُيَسّر وصول الجماعة إلى تحقيق أهدافها.
استنتج مظفر شريف (أحد مؤسسي علم النفس الاجتماعي) من خلال تجاربه انه عندما يتفاعل أعضاء الجماعة قاصدين تحقيق هدف مشترك فانه مع الوقت يبرز بناء الجماعة، ينظم الأعضاء في مراكز وادوار تحددها معايير تحكم السلوك الاجتماعي وتكون أساس الاتجاهات الاجتماعية نحو الموضوعات والأشخاص ويحدث تفاعل اجتماعي بين جماعتين أو أكثر يلونه التنافس وتسوده المواقف المحبطة وتنمو اتجاهات سالبة نحو بعضها البعض، ووجد أيضا عندما تكون الجماعات حتى وان كان بينها توتر ويتم بينها تفاعل اجتماعي نحو هدف مشترك لا يمكن تحقيقه بجهد جماعة واحدة فان الجماعات تميل إلى التعاون ويقل من خلال هذا التفاعل ما بينها من صراعات واتجاهات سالبة.
إن التفاعل داخل جسد التنظيم يسير من أعلى إلى أسفل، فنرى الاتصالات المتيسرة والمتابعة والتخطيط وصدور القرارات والرقابة، وتسير من أسفل إلى أعلى (في الهرم التنظيمي) فنرى الأعمال ونسمع الآراء والمقترحات وتُقدّم التقارير ومحاضر الاجتماعات وسجلات النشاطات والاشتراكات المالية، ودون هذه الحركية الرائقة، التي وجب تميّزها بالسلاسة واللّيونة والتدفق ينسد مجرى النهر التنظيمي ويتوقف التدفق.
حواديت - حرب البطيخ
د. أسامة الفرا
قررت السلطة الوطنية منع استيراد البطيخ الإسرائيلي، والقرار لا يحمل صفة المقاطعة للمنتجات الاسرائيلية بل يأتي فقط من منظور حماية المنتج المحلي، كل الدول والحكومات في العالم تلجأ لمنع استيراد سلعة أو مجموعة من السلع حماية لمنتجها المحلي، ولا تمتلك الدول المصدرة لتلك السلع حق الاعتراض أو حتى الامتعاض من مثل هذه القرارات، وعادة ما تحتل المنتجات الزراعية رأس قائمة السلع التي تحرص الدولة على حماية منتجها المحلي.
حرص الدولة هذا له ما يبرره، فهي من جانب تحمي المزارع من تكبد الخسائر والتي لا تقتصر آثارها السلبية على المزارع وحده بل تمس الدخل القومي على اعتبار أن الزراعة تشكل ركيزة من ركائز اقتصاد العديد من دول العالم، ومن جانب آخر حماية المنتج المحلي يحافظ على توفير فرص العمل ويسهم أيضاً في تقليص نسبة البطالة، وبالتالي قرار حماية المنتج المحلي تأتي ضمن الحسابات الاقتصادية البحتة التي لا تتدخل السياسة فيها من قريب أو بعيد.
المزارعون الاسرائيليون احتجوا على قرار السلطة الفلسطينية وطالبوا وزارة الزراعة الاسرائيلية بمنع دخول الخضراوات الفلسطينية لسوقهم، وتتوسع مطالبهم إلى ما هو أبعد من الخضراوات، وتجد القيادة الاسرائيلية في ذلك فرصة لنعت الحكومة الفلسطينية بمعاداة السامية، فيما قد تذهب قياداتهم الأمنية إلى أن منع استيراد البطيخ الإسرائيلي من قبل السلطة الوطنية فيه تهديد لبقرتهم المقدسة "الأمن".
أثناء الانتفاضة الأولى أصدرت القيادة الوطنية الموحدة قرارها بمنع استيراد الفواكه الاسرائيلية ومن ضمنها البطيخ، بطيخ "شارون" لم يتمكن من المرور إلى قطاع غزة رغم العروض المغرية التي قدمها للمستوردين، لم يتمكن يومها شارون وزمرته العسكرية من فرض بطيخهم علينا، مثل التوقف عن شراء المنتج الاسرائيلي شكلاً من أشكال النضال المتماشية مع انتفاضة الحجارة، لم نكن يومها نسعى إلى حماية المنتج المحلي بقدر ما نهدف إلى مقاطعة ما يمكن الاستغناء عنه من المنتج الاسرائيلي.
لعل قرار السلطة الوطنية بمنع استيراد البطيخ يدفعنا للقول بأن المنتج المحلي الفلسطيني بحاجة إلى الكثير من القرارات التي يمنع بموجبها استيراد المنتج الاسرائيلي، السلطة الفلسطينية تشكل ثاني أكبر مستورد للمنتج الاسرائيلي بعد الولايات المتحدة، ولكن بالتأكيد هي المستورد الأكبر لقطاعات محددة من المنتجات الاسرائيلية، والتي في غالبها نمتلك المنتج المحلي البديل عنها، أليس من حقنا أن نقايض حكومة الاحتلال في هذا المجال؟ استيراد بعض المنتجات مقابل السماح بدخول مواد البناء إلى قطاع غزة.
حكومة الاحتلال لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا عملت من خلالها على محاربتنا واضعاف قدرتنا، وتحتل الحرب الاقتصادية مساحة من عملها، وأعتقد أن بمقدورنا أن نلحق الضرر بالاقتصاد الاسرائيلي، فكما يمتلك المصدر قوة في المعادلة الاقتصادية يمتلك المستورد قوة هو الآخر يمكن أن يراهن عليها.
الازمة الاوكرانية: بين مخططات الغرب والتحدي الروسي
د. علاء أبوعامر
روسيا واوكرانيا تتقاسمان تاريخا مشتركا وأصولا عرقية سلافية واحدة، كلتاهما كانتا عضوين في الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفييتي السابق
ولكن الابتعاد عن الهيمنة الروسية لم يكن سهلاً يوما ما، لأن روسيا لن تسمح بخروج دول الغلاف الروسي عن هيمنتها لما يشكله ذلك من اختراق لحزامها الامني.
الرغبة الأوكرانية التي تقودها وتؤججها العناصر غرب الاوكرانية والمعروفة بتطرفها ومعاداتها للروس، وجدت دعماً غربياً أميركياً على وجه التحديد تمثل في تمويل الأحزاب المعارضة الأكثر قومية بخمسة مليارات دولار، لقلب نظام الحكم والاطاحة بأنصار روسيا الاتحادية.
من خلال زعزعة الاستقرار في أوكرانيا تسعى الولايات المتحدة إلى وقف التقارب الاوروبي الروسي وخلق بؤرة توتر تستنزف الاقتصاد الروسي وتزج بدول الجوار الاوكراني في أتون الصراع الأهلي بين القوميتين الروسية والاوكرانية، وهذا ما سيؤدي بدوره إلى تقسيم البلد وإلى توتر في العلاقات بين روسيا ودول القارة خصوصا المانيا وفرنسا وبريطانيا.
الاهداف الاميركية لا تقتصر فقط على زعزعة الاستقرار في هذا البلد بل زعزعة الاستقرار تهدف إلى وقف الاعتماد الأوروبي شبه الكامل على إمدادات الغاز الروسي الاسهل والاقرب والاكثر أماناً لأوروبا، واستبدالها ببدائل أخرى من بينها الغاز الصخري الاميركي حيث لمحت الولايات المتحدة صراحة بقدرتها على تعويض احتياجات اوروبا وتقليص اعتمادها على الغاز الروسي وشبكة امداده العابرة لأراضي اوكرانيا.
لجأت الولايات المتحدة الاميركية وكخطوة متقدمة ومدروسة لنقل المعركة إلى الجوار الروسي، ولتضرب هدفا آخر سعى له الرئيس بوتين وهو إنشاء أتحاد أوراسي مكون من دول الاتحاد السوفييتي السابق، كانت أوكرانيا أحد مكوناته الرئيسية.
المعطيات الجديدة التي خلقتها الثورة الملونة في أوكرانيا، تريد أن تنهي هذا الحلم بتشكيل اتحاد اقتصادي للدول التي كانت في بوتقة الاتحاد السوفييتي السابق، لمنافسة ليس فقط الاتحاد الأوروبي بل والولايات المتحدة والصين.
روسيا من خلال إدارتها للازمة الاوكرانية أثبتت أنها تمتلك بصيرة سياسية وقدرة هائلة على تحدي الغرب وإفشال مخططاته، فقد ضمت القرم للأبد دون إراقة نقطة دم واحدة، وأشعلت الشرق الاوكراني ذا الاغلبية القومية الروسية مهددة بسلخه عن أوكرانيا وهو الغني بالموارد الاقتصادية والثروات الطبيعية لتجعل من أوكرانيا دولة مهددة بالانهيار الاقتصادي الكامل إذا لم تجلس على طاولة الحوار وتقبل بالشروط الروسية .. ووقعت اتفاقية القرن مع الصين لاستيراد الغاز الروسي وهي اتفاقية ذات ابعاد سياسية واقتصادية عالمية. ووقعت بالأحرف الاولى اتفاقية انشاء الحلف الاقتصادي الاوراسي مع بيلاروسيا وكازخستان .
قد تكون الولايات المتحدة هي التي اشعلت الثورة وهي التي مولتها، ولكن ما حصل في أوكرانيا من ثورة ملونة لن يجلب إلا مزيداً من الخسارة للشعب الاوكراني والدولة الاوكرانية فبعد خسارة القرم ، الدولة الاوكرانية مهددة بصراع إثني- قومي طويل الاجل، لقد خسر الاوكرانيون وحدة بلدهم ولم يعطهم الغرب شيئاً مما عولوا عليه به، فلا هم انضموا للاتحاد الاوروبي أو حلف الناتو ولا حصلوا على المساعدات المالية الموعودة.
قد يكون بيترو بورشينكو الرئيس الاوكراني الجديد طموحاً وصاحب عزيمة، ولكن الحقائق على الارض تُشير الى أن ما جاء في خطابه لا يمكن تحقيقه ولو جزئيا دون الجلوس إلى جانب الرئيس الروسي والتفاهم معه حول مستقبل أوكرانيا.
شارع المستشفى الأهلي بالخليل.. سفّاح الأطفال !!
وسام الشويكي
يرقد على سرير الشفاء في «العناية المكثفة» بالمستشفى الأهلي في الخليل، الطفل إبراهيم خليل السكافي (5 سنوات)، في وضع حرج جداً «غيبوبة تامة»، منذ ثلاثة أيام، بعدما صدمته سيارة كانت مسرعة على شارع المستشفى الجديد، بينما كان يهم لقطع الشارع الى جهة منزله.
قبله بأشهر وسنوات قليلة، تعرض أطفال كثيرون للدهس ومنهم من توفي متأثراً بإصاباته البالغة جراء السرعة الزائدة على الشارع.
هناك سائقون يظنون أنه بمجرد دخول الشارع، تتملكه الرغبة في أن يحقق حلمه بأن يكون «كابتن طيارة» ولو لدقائق!. ويجد «متعته الشريرة» في الشارع المسمى بـ «المطار»، فيضغط على «دعسة البنزين حتى الصاجة كي يطير».. لكنه لا يعلم أنّه قد يكون برفقته في «الطيران» ومن حيث لا يسيطر على الموقف، أطفال أبرياء !.
ليس عند هذا الاعتقاد فحسب؛ بل بات مسرحاً لسباق سيارات يقودها متهورون خاصة في ساعات الليل. (بالمناسبة قبل أيام قليلة من دهس الطفل السكافي هوت سيارة مسرعة على جانب الشارع ثم إلى الأرض المحيطة المرتفعة بأمتار، بعدما فقد سائقها السيطرة !).
الشارع بحاجة الى «إعادة تأهيل من قبل بلدية الخليل، بعدما أصبح يُعرف بـ «شارع الموت»!.
الشارع بحاجة «ماسّة» إلى جزيرة وسطية، و»مطبات»، وأرصفة معبدة.
مطبات في شارع مؤدٍ الى مستشفى ؟!. قد يبدو للوهلة الأولى أنه أمر غير منطقي.
لكن أليست كل شوارع المدينة وبلداتها الرئيسية والفرعية، بحد ذاتها، مؤدية الى المستشفيات، وبها مطبات وجزر ومفترقات وإشارات مرورية؟!.
نعم؛ شارع الأهلي الجديد بحاجة إلى أكثر من مطب؛ وبالسرعة القصوى؛ لأنها الحل الأنجع في تخفيض سرعة السيارات الجنوني إلزامياً !. ولأنها محطمة «أحلام كابتن» السيارة بالتوقف عن الطيران والسباق الجنوني !.
تأكيدات الأهالي والسكان القاطنين في الشارع تقول «إن شوارع البلد كلها مليئة بالمطبات والمفترقات والإشارات والعوائق منها الازدحامات المرورية على الشوارع.. وليكن هذا الشارع مثل غيره فيه مطبات وجزيرة، وإن كان شارع مستشفى.. لأن من يأتي الى المستشفى يكون واجه الكثير من المطبات في الشوارع الأخرى، وبالتالي لا ضير في أن يكون فيه أكثر من مطب لدرء مصائب أكبر».
الشارع الذي يفقتر لأرصفة معبدة أو مبلطة، يصل ارتفاع أجزاء منه عن الأراضي الهاوية المحيطة به، إلى نحو ثمانية أمتار وبدون حمايات حديدية أو جدار أسمنتي على الرصيف يقي المارين، خاصة الأطفال وطلبة المدارس، من خطر الوقوع الى الأراضي المرتفعة المحاذية له.
ماذا ننتظر أكثر من ذلك؟!.
وضع الطفل السكافي في بالغ الخطورة، وحرج جداً حتى اللحظة. فهل من مستجيب لأطفال المنطقة بتخليصهم من «السفاح الشرير» الذي يقض مضاجعهم وأهلهم، ليل نهار، ككابوس ملأ «الفضاء» بؤساً وشقاءً؟!.
ونتضرع إلى الله تعالى، الحنّان المّنان، أن يمن على طفلنا المجروح، بالشفاء العاجل ويفيق من غيبوبته ويرى الشارع بحلة جديدة: مطبات وجزيرة وأرصفة معبدة وحمايات على الجوانب، ويعيد الابتسامة الى أقاربه وجيرانه ومحبيه.. وما ذلك على الله بعزيز.